ج5.المنتظم في تاريخ الملوك والأمم
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج
ونقيب
الطالبيين وابن الأنباري فانه بعث بهم الى القلعة وبعث ببكبه شحنة الى بغداد ومعه
كتاب الخليفة الى استاذ الدار يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله
رب العالمين ليعتمد الحسن بن جهير مراعاة الرعية والاشتمال عليهم وحمايتهم وكف
الأذى عنهم فقد ظهر من الولد غياث الدنيا والدين متع الله به في الخدمة ما صدق به
الخدمة فليجتمع وكاتب الزمام وكاتب المخزن على اخراج العمال الى نواحي الخاص
لحراستها فقد ندب من الجناب الغياثي هذا شحنة لذلك وليهتم بكسوة الكعبة فنحن في
أثر هذا المكتوب ان شاء الله
فلما كان يوم عيد الفطر نفر أهل بغداد ووثبوا على الخطيب وكسروا المنبر والشباك
ومنعوا من الخطبة وخرجوا الى الاسواق يحثون على رؤسهم التراب ويبكون ويصرخون
فاقتتل اصحاب الشحنة والعوام وخرج النساء حاسرات يندبن في الاسواق وتحت التاج وكان
الشحنة قد عزم ان يجوز في الاسواق فاجتمع العوام على رجمه وهاشوا فاقتتل اصحاب
الشحنة والعوام فقتل من العوام مائة وثلاثة وخمسون وهرب ابو الكرم الوالي وحاجب
الباب الى دار خاتون ورى اصحاب الشحنة الابواب الحديد التي على السور وفتحوا فيه
فتحات واشرفت بغداد على النهب فنادى الشحنة لا ينزل احد في دار احد ولا يؤخذ من
احد شيء وانما جئنا لنصلح وان السلطان سائر الى العراق بين يدي امير المؤمنين وعلى
كتفه الغاشية قسكن الناس وطلب السلطان من أمير المؤمنين نظر الخادم فانفذ فأطلقه
وبعثه اليه واختلف الاراجيف فقوم يقولون ان السلطان ينتظر جواب عمه سنجر وقوم
يقولون يصل عن قليل وقوم يقولون ان داود قد عزم على قتال مسعود واستنقاذ الخليفة
منه فسار مسعود الى داود الى باب مراغة واخذ الخليفة معه
وزلزلت بغداد مرارا لا أحصيها وكان مبتدأ الزلازل يوم الخميس حادي عشر شوال فزلزلت
يومئذ ست مرات ودامت كل يوم خمس مرات او ست مرات الى ليلة الجمعة سابع عشرين شوال
ثم ارتجت يوم الثلاثاء النصف من
الليل
حتى تفرقعت السقوف وانتثرت الحيطان وكنت في ذلك الزمان صبيا وكان نومي ثقيلا لا
انتبه الا بعد الانتباه الكثير فارتج السقف تحتي وكنت نائما في السطح رجة شديدة
حتى انتبهت منزعجا ولم تزل الارض تميد من نصف الليل الى الفجر والناس يستغيثون
ثم ان الشحنة والعميد عطلا دار الضرب وعملا دار ضرب عندهم بسوق العميد ودار الشحنة
وقبضوا على ابن طوق عامل الجوالي ونفذوا الى ابن الحاجب ضامن العقار فقالوا تجبي
العقار وتسلمه الينا وقبضوا على ابن الصائغ متولي التركات الحشرية وقالوا نريد ما
حصل عندك من التركات وعوقوا قرى ولي العهد وختموا على غلاتها فافتك ذلك منهم
بستمائة دينار حتى اطلقوها وجاء تمر كثير للخليفة فبيع فأخذ العميد والشحنة الثمن
وتفاقم الامر واستسلم الناس وانقطع خبر العسكر فلما كان يوم الثلاثاء مستهل ذي
القعدة وصل خمسمائة وعشرون ركابيا معهم خط امير المؤمنين الى ولي العهد بوصول رسول
سنجر الى مسعود يقول فيه ساعة وقوف الولد العزيز غياث الدينا والدين مسعود على هذا
المكتوب يدخل على أمير المؤمنين اعز الله انصاره ويقبل الارض بين يديه ويقف ويسأله
العفو عنه والصفح عن جرمه واقدامه ويتنصل غاية التنصل فانه قد ظهرت عندنا من
الآثار السمائية والارضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها دون المشاهدة من الرياح
العواصف والبروق الخواطف وتزلزل الارض ودوام ذلك عشرين يوما وتشويش العساكر
وانقلاب البلدان ولقد خفت على نفسي من جانب الله تعالى وظهور آياته وجانب
المخلوقين والعساكر وتغيرهم علي وامتناع الناس من الصلاة في الجوامع وكسر المنابر
ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحملها فالله الله تتلافى امرك وتحقن دم المسلمين
وتعيد أمير المؤمنين الى مستقر عزه وتسلم اليه دبيسا ليرى فيه رأيه فانه هو الذي
احوج امير المؤمنين الى هذا واحوجنا ايضا نحن الى مثل هذا وعجل ولا تتأخر وتعمل له
البرك وتنصب له السرادق وتضرب له التخت وتحمل له الغاشية بين يديه انت وجميع
الأمراء
كما
جرت عادتنا وعادة آبائنا في خدمة هذا البيت فلما وقف على هذا المكتوب نفذ بالوزير
شرف الدين انوشروان ومعه نظر فاستأذنا له فأذن له فدخل وقبل الارض بين يديه ووقف
معتذرا متنصلا يسأل العفو والصفح عن جرمه وامير المؤمنين مطرق ساعة ثم رفع رأسه
فقال قد عفى عن ذنبك فاسكن الى ذلك وطب نفسا وكان قد ضرب له السرادق فضرب له فيه
سدة عالية ليجلس عليها فقدم له فرسا لم يكن عند مسعود من خيل أمير المؤمنين اللاتي
اخذت سواه واقسم انني لم يصل عندي من خيل أمير المؤمنين سواه وسأله الركوب الى
السرادق الذي قد ضرب له فنهض وركب وسار وبين الموضعين نصف فرسخ ومسعود بين يديه
على كتفه الغاشية يحملها ويده في يازكة اللجام وجميع الامراء يمشون بين يديه الى
ان دخل السرادق وجلس على التخت الذي ضرب له ووقف السلطان بين يديه والامراء زمنا
طويلا ثم انه تقدم بالجلوس فأبى ثم سأل أمير المؤمنين ان يشفعه في دبيس فأجابه الى
ذلك فجاؤا به مكتوفا بين أربعة أمراء اثنا من جانب واثنان من جانب ويداه مكتوفتان
ومع احد الموكلين سيف مجذوب وبيد الآخر شقة بيضاء فرموا به بين يدي السرير والقي
السيف والشقة عليه وقالوا كذا امرنا ان نفعل به فقال مسعود يا امير المؤمنين هذا
هو السبب الموجب لما جرى بيننا فاذا زال السبب زال الخلاف وهو الآن بين يديك فمهما
تأمر يفعل به وهو يتضرع ويبكي بين يدي السرير ويقول العفو عند المقدرة وانا اقل من
هذه الحال فعفا عنه وقال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وتقدم بحل يديه وسأل
دبيس السلطان ان ينعم عليه امير المؤمنين بتقبيل يده فأخذها وقبلها وأمرها على
صدره ووجهه ونحره وقال يا أمير المؤمنين بقرابتك من رسول الله الا ما عفوت عني
وتركتني اعيش في الدنيا عيشا هنيئا فان الذل والخوف منك قد أخذ مني بالحظ الاوفر
فاجابه الى ذلك
وأما بكبه الشحنة فانه اقام رجالا لنقض سور بغداد وقال قد ورد منشور بذلك
فنقضت مواضع كثيرة وكلف اهل الجانب الغربي الاجتماع على نقضه وقال انتم عمرتموه بفرح فانقضوه كذلك وضربت لهم الدبادب وجعلوه طريقا لهم واعادوا الباب الحديد الذي اخذ من جامع المنصور الى مكانه فلما اهل هلال ذي القعدة وصل رسول من سنجر يستحث مسعودا على اعادة الخليفة الى بغداد ووصل معه عسكر عظيم ووصل معه سبعة عشر من الباطنية فذكر بعض الناس انه ما علم انهم معه والظاهر خلاف ذلك وانهم دبروا في قتله وافردوا خيمة من خيمهم فخرج السلطان ومعهم العسكر ليلقى الرسول فهجمت الباطنية على أمير المؤمنين فضربوه بالسكاكين الى ان قتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه منهم ابو عبد الله بن سكينة وذلك في يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة فركب العسكر واحتاط بالسرادق وخرج القوم وقد فزعوا فقتلوا وقيل انهم احرقوا وجلس السلطان للعزاء ووقع النجيب والبكاء وكان ذلك على باب مراغة وغطى بسندسه الى أن دفن بمراغة ووصل الخبر الى بغداد ليلة السبت سادس عشرين من الشهر فاحترس الراشد وقبض على جماعة من اهله واخوته فوقع البكاء والنحيب واغلق البلد وكشطت البواري التي على باب النوبي ونقض بعض دكة حاجب الباب واحضر الناس طول الليلة للمبايعة وبات استاذ الدار ابن جهير وصاحب الديوان ابو الرضا وحاجب الباب ابن الحاجب في صحن السلام وكان الانزعاج في الدار طول الليل فلما اصبحوا وقع البكاء والنحيب في البلد وخرج الرجال حفاة مخرقين الثياب والنساء منشرات الشعور يلطمن وينظمن الاشعار التي من عادتهن قول مثلها في احيان اللطم واشعار النساء البغداديات اللاتي ينظمنها في وقت اللطم طريقة الغناء وان كانت على غير صواب اللفظ وكان مما لطمن به ان قلن ... يا صاحب القضيب ونور الخاتم ... صار الحريم بعد قتلك مأتم ... اهتزت الدنيا ومن عليها ... بعد النبي ومن ولي عليها
قد
صاحب البومه على السرادق ... يا سيدي ذا كان في السوابق ... ترى تراك العين في
حريمك ... والطرحة السودا على كريمك ...
وقعد الناس للعزاء في الديوان ثلاثة أيام وتولى ذلك ناصح الدولة ابن جهير وابو
الرضا صاحب الديوان وحاجب الباب ابن الصاحب
فلما كان في اليوم الثالث تقدم الى الناس ان يعبروا بباب المسنية ويلبسوا ثياب
الهناء ويحضروا البيعة بباب الحجرة فحضروا يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة
باب ذكر خلافة الراشد بالله
واسمه منصور ويكنى ابا جعفر بن المسترشد عهد اليه ابوه وقيل انه هم بخلعه فلم يقدر
ذلك وكان ببغداد حين قتل المسترشد بباب مراغة فكتب السلطان مسعود الى الشحنة الذي
من قبله ببغداد واسمه بكبه ان يبايع الراشد فجاء اصحابه كالعميد والضامن وجرت
مراسلات ليدخل الى الدار فاستقر أن يقوم من وراء الشباك مما يلي الشط وجلس الراشد
في المثمنة التي بناها المقتدي في الشباك الذي يلي الشط وبايعه الشحنة من خارج
الشباك وذلك يوم الاثنين سابع عشرين من هذا الشهر بعد الظهر وحضر الخلق من العلماء
والقضاة والشهود والجند وغيرهم وظهر للناس وكان ابيض جسيما يشوبه حمرة مستحسنا
وكان يومئذ بين يديه اولاده واخوته وسكن الناس ونودي في الناس ان لا يظلم احد احدا
وان يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن كانت له مظلمة فليشكها الى الديوان النبوي
وفتح باب المخزن الذي سد وسكن الناس الا ان النقض في السور واستيفاء الارتفاع من
البلدان والتصرف القبيح من غير معترض
فلما كان يوم الأربعاء تاسع عشرين من ذي القعدة نادى اصحاب الشحنة ان يدعى الناس
من المظالم اليهم فارتابت قلوب الناس لذلك وانزعجوا في ثاني ذي
الحجة واقيمت الدعوة والخطبة بالجوامع ومضى الى كل جامع حاجب وخادم وأتراك وأقاموا الخطبة للراشد ونثرت الدنانير وجلس ابن المطلب وابن الهاروني في المخزن ينظران نيابة وجلس ابو الرضا بن صدقة في الديوان نيابة وكان حاجب الباب ابن الصاحب في الباب لم يتغير فلما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة حضر الناس ببيت النوبة وجلس الراشد وسلم الى حاجب الباب انهاء فأخذه ونهض قائما فقرأه وكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم لما اجل الله محل أنبيائه وجعله نائبا عنه في ارضه امرا في سمائه وارتضاه خليفة على عباده وعاملا بالحق في بلاده تقدم بتصفح ما كان يجري على أيدي النواب في الايام المسترشدية سقاها الله رحمة مستهلة السحاب وما عساه كان يتم من افعالهم الذميمة فوقف من ذلك على سهم المطالبة بغير حق فاقتضى رأيه الشريف التقدم برفع المطالبة عنهم وابرز كل ما وجدوا وعز برده على أربابه ليحظى الامام الشهيد بزلفى ثوابه وليعلم الخاصة والعامة من رأي أمير المؤمنين ايثاره رضا الله سبحانه واخرج من باب الحجرة اكياس فيها حجج الناس ووثائقهم وما كتب عليهم وما اخذ منهم فاعيد على اربابه وشهد الشهود على كل منهم انه قد أبرأ أمير المؤمنين مما يستحقه في ذمته وتقدموا الى خازن المخزن باخراج ما عنده من الوثائق فانصرف الناس يدعون لامير المؤمنين ويترحمون على الماضي وكان المتولي لقراءة الكتب وتسليمها الى اربابها كثير بن شماليق ثم حضر الناس يوم الخميس وجرت الحال كذلك وحضر يومئذ القاضي ابن كردي قاضي بعقوبا فتظلم وكانت له هناك وثائق وقال ما ظلمني الا ابن الهاروني وان امير المؤمنين لم يأخذ مني شيئا فكتب صاحب الخبر بذلك فخرج الانهاء بعزله وقال الراشد هذا القاضي قد كذب وفسق فان المسترشد كان يأمر ابن الهاروني فلما كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة صلى على المسترشد في بيت النوبة ونودي في بغداد بالصلاة عليه فحضر الناس فلم يسعهم المكان وام الناس الراشد وخرج الناس في العيد
على
العادة وتكاثر الناس على المسترشد عند رؤية الاعلام والموكب
وفي يوم الاحد حادي عشر ذي الحجة قلد ابن جهير الوكالة وصاحب المخزن وجعل ابنه
استاذ الدار ووصل يوم الاثنين ابن اخت دبيس في جمع ودخل على الخليفة مبايعا ومعزيا
وقعد ابن الترسي في المخزن يفرق على الناس الذهب عوضا عن مشاهراتهم من الطعام لانه
لم يكن في الخزائن طعام وفي هذه الايام مضى الى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما
السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
60 - احمد بن محمد
ابن احمد بن الحسين بن عمر ابو المظفر بن ابي بكر الشاشي تفقه على ابيه وسمع واختر
مته المنية قبل زمان الرواية وتوفي في رجب هذه السنة ودفن في داره برحبة الجامع
61 - اسمعيل بن عبد الملك
ابن علي ابو القاسم الحاكمي سمع بنيسابور من ابي حامد الازهري وابي صالح المؤذن
وغيرهما وتفقه على ابي المعالي الجويني وبرع في الفقه وكان ورعا وكان رفيق ابي
حامد الغزالي وكان اكبر سنا من الغزالي وكان الغزالي يكرمه ويخدمه وتوفي بطرسوس في
هذه السنة فدفن الى جانب الغزالي
62 - ثابت بن منصور
ابن المبارك ابو العز الكيلي سمع الكثير وكتب الكثير ورورى عن ابي محمد التميمي
وابي الغنائم بن ابي عثمان وعاصم ووقف كتبه قبل موته وتوفي في هذه السنة وقيل في
السنة التي قبلها
63 - دبيس بن صدقة
ابن منصور بن دبيس بن علي ابن مزيد ابو الاغر الاسدي كان ابوه يحفظ الذمام
فلما
ولي المسترشد مضى اليه الأمير ابو الحسن ظنا انه على طريقة أبيه فأسلمه وجرت له
وقائع مع المسترشد بالله وكان ينهب القرى ويزعج البلاد وقد سبق ذكر افعاله فلما
قتل المسترشد عزم دبيس على الهرب ووجد له ملطفة قد بعثها الى زنكي يقول له لا تجيء
واحفظ نفسك فبعث اليه السلطان غلاما أرمنيا من سلاحيته فوقف على رأسه وهو ينكت
الارض باصبعه فما احس به حتى ضربه ضربة ابان بها رأسه وقيل بل قتل بين يدي السلطان
وكان بين قتل المسترشد وقتله ثمانية وعشرون يوما
64 - طغرل بن محمد
ابن ملك شاه توفي بباب همذان يوم الاربعاء ثالث محرم هذه السنة
65 - علي بن الحسن
ابن الدر زيجاني كان شديد الورع كثير التعبد وجرت مسألة المستحيل هل يدخل تحت
القدرة فقال يدخل فانكره شيخنا ابو الحسن الزاغوني عليه وجرت بينهما ملاعنات وبلغ
الامر الى الديوان وكان لقلة علمه يظن ان المستحيل يتصور وان القدر يعجز عنه
والعجب ممن يدخل نفسه في شيء ليس من شغله توفي يوم الاحد حادي عشر ربيع الآخر وصلى
عليه في جامع القصر وتبعه خلق كثير الى مقبرة باب حرب فدفن هناك
66 - الفضل ابو منصور المسترشد بالله
امير المؤمنين كان له همة عالية وشجاعة واقدام وكان يباشر الحروب وقد ذكرنا حروبه
وما يدل على شجاعته وما آل امره اليه من هجوم الباطنية عليه وقتلهم اياه في يوم
الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة وهناك دفن ووصل الخبر الى بغداد ليلة
السبت سادس عشرين هذا الشهر فقعد له للعزاء به ثلاثة ايام وكان
عمره
خمسة واربعين سنة وشهورا وكانت خلافته سبع عشرة سنة وثمانية اشهر واياما
67 - محمد بن محمد
ابن يوسف ابو نصر القاساني من اهل مرو وقاسان بالسين المهملة قرية من قرى مرو ولد
سنة اربع وخمسين واربعمائة وسمع الحديث من جماعة وتفقه وافتى وحدث وكان غزير الفضل
عفيفا ورعا ورد بغداد حاجا بعد الخمسمائة وتوفي في محرم هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة ثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الراشد خلع على بكبه الشحنة خلعة تامة وعلى العميد وذلك يوم
السبت غرة المحرم ووصل الخبر بقتل دبيس فتعجب من تقارب موت المسترشد وقتل دبيس
وتفكروا في ان قتل المسترشد كان سبب قتله لأنهم انما كانوا يتركونه ليكون في وجد
المسترشد وفي ثامن عشر المحرم وصل عفيف بجند ووصل يرنقش الزكوي وقال لامير
المؤمنين اعلم انه قد جاء في امور صعبة منها انه مطالب بخط كتبه المسترشد لمسعود
ليتخلص بمبلغ هو سبعمائة ألف دينار ومطالب لأولاده صاحب المخزن بثلاثمائة الف
ومسقط على اهل بغداد خمسمائة الف وذلك من الامور الصعبة فلما سمع الراشد بذلك
استشار ارباب الدولة فاشاروا عليه بالتجنيد فكتب الخليفة الى يرنقش اما الاموال
المضمونة فانما كانت لاعادة الخليفة الى داره سالما وذلك لم يكن وان مطالب بالثار
واما مال البيعة فلعمري الا انه ينبغي ان تعاد الى املاكي واقطاعي حتى يتصور ذلك
واما ما يطلبونه من العامة فلا سبيل اليه وما بيننا الا السيف ثم احضر الشحنة وخلع
عليه واعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال دون بهده عسكرا وجمع العساكر وبعث الى يرنقش
يقول له قد علمنا في أي امر جئت وقد كنا تركنا البلد مع الشحنة
والعميد
ولم نعارضهما فلما جئت انت بهذه الامور الصعبة فما بيننا وبينك الا الممانعة
وانزعج اهل بغداد وباتوا تحت السلاح وحفظ اهل البلد ونقل الناس الى دار الخليفة
ودار خاتون وقيل للخليفة انهم قد عزموا على كبس البلد وقت الصلاة فركب العسكر وحفظ
الناس البلد وقطع الجسر وحمل الى باب الغربة وجرى في اطراف البلد قتال شديد ثم
اصبح العسكر قد انقشعوا عن البلد واصبح الناس يتشاغلون بعمارة السور
وفي مستهل صفر وصل زنكي ويرنقش البازدار واقبال واياز صاحب محمود وعليهم ثياب
العزاء وحسنوا للراشد الخروج فاجابهم واستوزر ابا الرضا ابن صدقة واجتمعوا على حرب
مسعود وجاء داود بن محمود بن محمد واقام بالمزرفة فلما كان يوم الثلاثاء رابع صفر
دخل داود دار المملكة واظهر العدل فبعث الراشد ارباب الدولة اليه ومعهم هدية فقام
ثلاث مرات يقبل الارض ووصل صدقة بن دبيس في ثاني عشر صفر وقبل الارض بازاء التاج
وقال انا العبد ابن العبد قد جئت طائعا لامير المؤمنين وكان ابن خمس عشرة سنة
فلما كان يوم الجمعة رابع عشر صفر قطعت خطبة مسعود وخطب لداود وقبض على اقبال
الخادم ونهب ماله وانزعج العسكر لاجله ونفذ زنكي وقال هذا جاء في صحبتي وبقولي ولا
بد من الافراج عنه ووافقه على ذلك البازدار وغضب كجبه فمضى وخافوا وجاء اصحاب
البازدار فخربوا عقد السور واشرف البلد على النهب وغلا السعر وجاء زنكي فضرب بازاء
التاج وسأل في اقبال سؤالا تحته الزام فأطلق فخرج يوم الاثنين من باب العامة وعلى
رأسه قلنسوة كبيرة سوداء وعليه فروة في زي المكارية فمضى الى زنكي فوقعت الصيحة في
الدار وأخذ استاذ الدار والبوابون ووكل بهم وقيل كيف جرى هذا وكان السلطان مسعود
قد افرج عن ارباب الدولة وهم الوزير علي بن طراد وابن طلحة وقاضي القضاة ونقيب
الطالبيين ابو الحسن بن المعمر وسديد الدولة ابن الانباري فاما النقيب فتوفي حين
حط من القلعة واما قاضي القضاة
فانحدر
الى بغداد فدخل على غفلة واقام الباقون حتى وردوا مع مسعود الى العراق وقبض الراشد
على استاذ داره ابي عبد الله بن جهير وقيل انه وجدت له مكاتبات الى دبيس فقوى
استشعار الناس وخافوا من الراشد وفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاول مضى الموكب
الى زنكي وعاد سوى الوزير وصاحب الديوان فمن الناس من يقول قبض عليهما ومنهم من
يقول انه خلا بهما وعنفهما وقال ما هذا الرأي فقال أبو الرضا ما يقبل مني والآن
فقد استجرت بك فمالي رأي في العود فقال اجلس فأنت آمن على نفسك ومالك ثم نفذ زنكي
الى الراشد يقول اريد المال الذي اخذ من اقبال وهو دخل الحلة وذاك مال السلطان
ونحن نحتاج الى نفقة وتردد القول في ذلك ثم نفذ الراشد الى ابن صدقة كل ما اشير به
يفعل ضده وقد كان هذا الخادم اقبال بازاء جميع العسكر وأشرت ان لا يقبض عليه فما
قبل وانا لا أوثر ان تتغير الدولة وينسب الي فان هذا الملعون ابن الهاروني قصده
اساءة السمعة وهلاك المسلمين وهو السبب في جميع ما جرى فقبض على ابن الهاروني يوم
الخميس ثامن عشر ربيع الاول وجاء رسول زنكي فلقي الخليفة وشكا مما جرى من ابن
الهاروني وتأثيراته في المكوس والمواصير وقال الخادم يسأل أن يسلم اليه ليتقرب الى
الله بدمه فقال له ندبر في ذلك ثم تقدم في بكرة الاحد حادي عشرين الشهر الى ابي
الكرم الوالي بقتله فقتل في الرحبة وصلب على خشبة قصيرة ومثل به العوام فلما جن
الليل أخذه اهله وعفوا اثره وظهرت له من الاموال والاثاث واواني الذهب والفضة امر
عظيم ووصل الى الخليفة من ماله مائتا الف وكانت له ودائع عند القضاة والتجار
وفي ثاني ربيع الآخر اقطعت جميع اموال الوكلاء وكان السبب ان زنكي طلب من الخليفة
مالا يجهز به العسكر ليحدرهم الى واسط فقال الخليفة البلاد معكم وليس معي شيء
فاقطعوا البلاد ثم استقر أن يدفع الى زنكي ثلاثين الفا مصانعة عن البلاد ويرد
اليهم
وفي سادس عشر هذا الشهر بات الحرس تحت التاج يحفظونه استشعارا من زنكي ثم ان زنكي اشار على ابن صدقة ان يكون وزير داود فأجاب فخلع عليه وولى ابو العباس بن بختيار المانداني قضاء واسط واستوثق زنكي باليمين من الراشد ثم جاء فعاهده وقبل يده وبعث الخليفة الى ابي الرضا بن صدقة فأشار عليه بالعود فجاء ففوض الامور كلها اليه ثم تقدم الى السلطان داود والامراء الى قتال مسعود وهم ألبقش وزنكي والبازدار وبكبه فساروا فوصلهم الخبر ان مسعود رحل يطلب العراق فبعث الراشد فرد الامراء والسلطان وضرب نوبتيته واستحلفهم وقال اريد أن أخرج معكم وكان ذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شعبان فلما كان يوم الاربعاء خرج الراشد فركب في الماء وصعد مما يلي باب المراتب وسار الناس بين يديه حتى نزل السرادق ثم جدد اليمين على الامراء فلما كان بعد يومين اشار عليه زنكي بان يضرب عند جامع السلطان على دجلة ففعل فلما كان عشية الاحد رابع رمضان جاء جاسوس لزنكي فقال قد عزم القوم على الكبسة فرحل هو واصحابه والخليفة وضربوا داخل السور وخرج هو في الليل جريدة سبعة آلاف ليضرب عليهم فرحلوا عن ذلك المنزل واصبح الناس على الخوف وتسلح العامة وعملوا في السور وكان الامراء ينقلون اللبن على الخيل منهم البازدار وبكبه وهما نقضاه وجاءت ملطفات الى جميع الامراء من مسعود فأحضروها جميعا وجحد ذلك شحنة بغداد وكتب جوابها الى مسعود فأخذه زنكي فغرقه وفي يوم الخميس ثامن رمضان اخرجوا من دار الخليفة مصراعين حديدا فحملت على العجل الى هناك ونصبت على باب الظفرية في السور فلما كان عشية الاحد حادي عشرين رمضان مضى من اصحاب مسعود جماعة فنزلوا قريبا من المزرفة فعبر اليهم زنكي فهربوا فلما كان يوم الاربعاء جاء عسكر كثير الى باب السور فخرج اليهم رجالة وخيل ووقع القتال وجاء جماعة من الامراء من عند مسعود الى الخليفة يستأمنون فقبلهم وخلع عليهم وكان زنكي لا يستخدمهم ويقول استريحوا من تعبكم حتى ينقضي هذا
البيكار
وفي عشرين رمضان وصل رسول من عند مسعود يطلب الصلح يقول انا الخادم فقرئت الرسالة
على الامراء فأبوا الا المحاربة وكثر العيارون وأخذوا المال قهرا وجلسوا في المحال
يأخذون من البزازين وبكر الناس لصلاة العيد مستهل شوال الى جامع القصر ولم يخرج موكب
كما جرت العادة بل اعيدوا داخل السور موضع المخيم بلى ان الطبول ضربت كما جرت
العادة داخل الدار وعلى باب الدار ليلة العيد وعيد كل انسان في مخيمه وعيد الخليفة
على باب السرادق وكان الخطيب ابن التريكي ونفذ الى كل امير ما يخصه من المأكول من
غير أن يمدوا سماطا ووصل في هذا اليوم اصحاب مسعود الى الرصافة فدخلوها ودخلوا
الجامع فكسروا له ابوابه ونهبوا ما كان فيه من رحل المجاورين وكسروا شبابيك الترب
وبالغوا في الفساد وفي يوم السبت ثاني شوال وقع بين اهل باب الازج والمأمونية وقتل
منهم ثلاثة ثم كثر فساد العيارين ففتكوا وقتلوا حتى في الظفرية ودخلوا الى دكاكين
البزاز يطالبونهم بالذهب ويتهددونهم بالقتل فرتب شحنة وست شحنات بالمحال ورتب على
كل محلة شحنة واقيم له نزل على اهل المحلة فضجوا وقالوا ما برحنا من العيارين وفي
ثاني عشر شوال صلب اثنا ن في درب الدواب من العيارين بسبب أنهما جبيا الدرب وفي
ثامن عشرة سد على باب السور الذي على باب السلطان بآجر وطين وكان السبب أن العسكر
خرجوا يطاردون فغدر منهم جماعة ومضوا الى مسعود
وفي تاسع عشره قبض على ابن كسبرة واخذ اخذة هائلة ووكل به وكبس بيته واثبت جميع ما
فيه فلما كانت ليلة الاربعاء اخرج وقت ضرب الطبل ونصبت له خشبة في الرحبة واخذ مع
امرأة مسلمة كان يتهم بها وكانت مستحسنة فجيء بحلة من قصب وجعلت المرأة فيها
وضربها النفاط بالنار فاحترقت الحلة وخرجت المرأة هاربة عريانة فعفي عنها وقد
نالها بعض الحريق وقدم هو ليقتل وقيل للقاتل اعرض عليه الاسلام فقال أخشى ان اقتل
بعد ذلك فاسلم فآمنوه
وجاء
ركابي لزنكي فأخذه العيارون فقتلوه فشكا ذلك زنكي وقال أريد أن اكبس الشارع
والحريم على العيارين فاطلق في ذلك فنهب الشارع والحريم واخذ ما قيمته خمسمائة الف
دينار من الا بريسم والثياب والذهب والفضة والمصاغ وكان فيه ودائع اهل حنيفة
والرصافة والمحال والقرى
وفي غرة ذي القعدة احضر الغزنوي فنصب له منبر فتكلم عند السرادق وكان السبب ضيق
صدر وجده أمير المؤمنين واستغاث الناس ليطلقوا في الخروج فقيل لهم ينبغي ان تصرفوا
نفقاتكم الى الجهاد بين يدي امير المؤمنين ونفذ مسعود عسكرا الى واسط فأخذها
والنعمانية فنهبها وضرب بقاع جازر فمضى البازدار فجلس بازائة ونفذ الراشد العساكر
ومضى سيف الدولة يطلب الحلة ونودي لا يبقى ببغداد من العسكر احد فرحل الناس وخرج
الراشد فضرب بصرصر واستشعر بعض العسكر من بعض فخشي زنكي من ألبقش والبازدار فعاد الى
ورائه فرجع اكثر العسكر منهزمين ودخل الراشد بغداد وقيل ان السلطان مسعود كاتب
زنكي سرا وحلف له انه يقاره على بلاده وعلى الشام جميعه وكاتب الامراء وقال من
منكم قبض على زنكي وقتله اعطيته بلاده فعرف زنكي ذلك فأشار على الراشد ان يرحل
صحبته
وفي ثاني ذي القعدة قبض على استاذ الدار ابن جهير وعلى صاحب المخزن وعلى خليفة
الدويتي وعلى ابن فسه الناظر في نفقة المخزن وخلع على منكوبرس ثم جلس ابو الفتوح
بباب السرادق فاستغاث اليه الحاج فأجيبوا بمثل ما قيل لهم قبل ذلك فلما كانت ليلة
السبت رابع عشر ذي القعدة خرج الخليفة من باب البشرى وسار ليلا وزنكي قائم ينتظره
فدخل دار يرنقش ولم ينم الناس واصبحوا على خوف شديد فأخرجت خاتون اصحابها فحفظت
باب النوبي وظهر ابو الكرم الوالي وحاجب الباب فسكنوا الناس وخرج ابو الكرم يطلب
الخليفة فأخذ وحمل الى مسعود فأطلقه وسلم اليه البلد ورحل الراشد يوم السبت حين
طلعت عليه الشمس ولم يصحبه شيء من آلة السفر لأنه لما بات في دار يرنقش اصبحوا
فقال
لهم اليوم مقام فقضوا اشغالكم فعبر ريحان الخادم ليحمل له طعاما وعبر ابن الملقب
ليفصل له ثيابا واهتم السفارون والمكارية بما يصلحهم فرحل على غفلة فهموا بالعبور
ولم يقدروا ودخل مسعود الى بغداد يوم الاحد خامس عشر الشهر ونهبت دواب الجند وكان
الخليفة قد سلم الدار ومفاتيحها الى خاتون ووصل صافي الخادم فقال ان الخليفة لم
يفعل صوابا بذهابه وان السلطان له على نية صالحة وسكن الناس ولم ينقطع ضرب الطبل
وايقاد المنار وكان اصحاب خاتون يقصدون باب النوبي للخدمة ولما دخل السلطان بغداد
اظهر العدل وشحن المحال ومنع النزل والنهب واستمال قلوب الناس وجمع القضاة والشهود
عند السلطان مسعود وقدحوا في الراشد وتولى ذلك الزينبي وقيل لم يقدحوا فيه انما
اخرج السلطان خطه وكان قد كتب مع بكبه انني متى جندت او خرجت فقد خلعت نفسي من
الامر فشهد الشهود ان هذا خط الخليفة والاول اظهر واحكم الوزير علي بن طراد النوبة
واحضر الفقهاء والقضاة وخوفهم وهددهم ان لم يخلعوه وكتب محضر فيه ان ابا جعفر بن
المسترشد بدا من افعاله وقبح سيرته وسفكه الدماء المعصومة وفعل ما لا يجوز معه ان
يكون اماما وشهد بذلك ابن الكرجي والهيتي وابن البيضاوي ونقيب الطالبيين وابن
الرزاز وابن شافع وروح ابن الحديثي وقالوا ان ابن البيضاوي شهد مكرها وحكم ابن
الكرجي قاضي البلد بخلعه يوم الاثنين سادس عشر الشهر بحكم الحاكم وولي المقتفي
باب ذكر خلافة المقتفي بالله
واسمه محمد بن المستظهر بالله ويكنى ابا عبد الله وولي من اولاد المستظهر المسترشد
والمقتفي وهما اخوان وكذلك السفاح والمنصور اخوان والهادي والرشيد اخوان والواثق
والمتوكل ابنا المعتصم اخوان واما ثلاثة اخوة فالأمين والمأمون والمعتصم بنو
الرشيد والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد والراضي والمتقي والمطيع بنو
المقتدر فاما اربعة اخوة فلم يكن الا الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك
ولد المقتفي في ربيع الاول سنة وتسع وثمانين وامه
ام ولد اسمها نسيم وكانت جارية صفراء يقال لها ست السادة وكان يضرب بها المثل في الكرم وسمع الحديث من مؤدبه ابي الفرج عبد الوهاب بن هبة الله بن السيبي وحدثنا الوزير ابو الفضل يحيى بن هبيرة قال بويع المقتفي بعد أن خلع الراشد ووزر له علي بن طراد ثم ابو نصر المظفر بن علي بن جهير ثم ابو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة ثم ابو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة وكان القضاة في زمانه ابو القاسم الزينبي ثم ابو الحسن الدامغاني وكانت بيعة المقتفي العامة يوم الاربعاء ثامن عشر ذي القعدة وجمع القضاة والشهود بعد ذلك فاطلعوهم على شيء من المنكر ونسبوه الى الراشد وخطب يوم الجمعة العشرين من ذي القعدة للمقتفي ومسعود ولم ينثر كما جرت العادة وانما لقب المقتفي لسبب فانه وجد بخط ابي الفرج بن الحسين الحداد قال حكى بعض من اثق به ان المقتفي رأى في منامه قبل ان يلي بستة ايام رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول له سيصل هذا الأمر اليك فاقتف بي فتلقب المقتفي لأمر الله ثم ان السلطان مسعود بعد أن أظهر العدل ونادى بازالة النزل من دور الناس ونهى عن النهب بعث فأخذ جميع ما كان في دار الخلافة من خيل وبغال واثاث وذهب وفضة وزلالي وستور وسرادق وحصر ومساند وطالب الناس بالخراج والبرات ولم يترك في اصطبل الخاص سوى اربعة ارؤس من الخيل وثلاثة من البغال برسم الماء فقيل انهم أخذوا ذلك ليحبسوا مما تقرر على الخليفة وقيل بل بايعوا على ان لا يكون عنده خيل ولا آلة سفر وأخذوا جواري خادمات وغلمان وكان ابن الداريح ينوب عن العميد فضمن اطيان سلاحية الخليفة بمائة الف دينار فأخذت أموالهم ومضت خاتون الى السلطان تستلطفه فاجتازت بالسوق وبين يديها القراء والاتراك وكان عندها جهات الراشد واولاده فعادت وقد تحرر جميع ما كان للخليفة من بلاده وفي خامس ذي الحجة قدم ابن دبيس فتلقى من عند صرصر بكاس من عند السلطان فشربه وهو يبكي ويرتعد فبعث اليه فرس ومركب ودخل الى السلطان وخرج سالما وفي تلك
الليلة
جاءت اصحاب السلطان الى صاحب المخزن يطالبونه بما استقر عليهم فأدخلهم الى دار
الخلافة ودخل الى حجر المسترشد والراشد واظهر نساءها وسراريهما وامرهما بالكلام
واظهار ما عندهن من المال وقال لاصحاب السلطان خوفوهن وامر بكشف وجوههن فأخذوا تلك
الليلة ما قدروا عليه من حلي ومتاع ثم ان السلطان ركب سفينة ودخل على أمير
المؤمنين المقتفي في تاسع ذي الحجة فبايعه وقلد الوزير شرف الدين ديوان الخليفة
وكان قد قرر عليه مائة الف وعشرين الف دينار
وفي يوم الجمعة حادي عشر ذي الحجة وصلت الاخبار بان الراشد دخل الى الموصل وفي
رابع عشر الشهر اذن المقتفي في بيع عقاره وتوفية السلطان ما استقر عليه من الاموال
ورفع المصادرة عن الناس وكانت قد كثرت فلم يتجاسر احد يشتري وتقلد صاحب المخزن
وزارة خاتون ومضى الى خدمتها وقلد الطاهر ابو عبد الله احمد بن علي بن المعمر
نقابة الطالبيين مكان أبيه
ونهب عسكر زنكي في طريقهم باوانا
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
68 - احمد بن هبة الله
ابن الحسين ابو الفضل الاسكاف المقرئ ويعرف بابن العالمة بنت الداري ولد سنة ثمان
وخمسين وتلقن القرآن على الشيخ ابي منصور الخياط وقرأ بالقراآت على ابي الوفاء بن
القواس وغيره وسمع ابا الحسين ابن النقور والصريفيني وغيرهما وسمعت منه الحديث
وكان ثقة امينا وتوفي في شوال هذه السنة
69 - علي بن احمد
ابن الحسن بن عبد الباقي ابو الحسن الموحد المعروف بابن البقشلان كذا رأيته بخط
شيخنا ابن ناصر الحافظ وقال غيره البقشلام بالميم قال ابو زكريا بن كامل
انما
قيل له ابن البقشلام لان اباه وجده مضيا الى قرية يقال لها شلام فبات بها وكانت
كثير البق فكان طول الليل يقول بق شلام ورجع الى بغداد يحكي ذلك ويذكره فبقي عليه
هذا الاسم ولد ابو الحسن في شعبان سنة ثلاث واربعين واربعمائة وسمع من القضاة ابي
الحسين بن المهتدي وابي يعلى بن الفراء وهناد النسقي ومن ابي جعفر ابن المسلمة
وابي الحسين ابن النقور وابي بكر بن سياووس وغيرهم وحدثنا عنهم وكان سماعه صحيحا
وظاهره الثقة قال شيخنا ابو الفضل ابن ناصر كان في خدمة السلطان وكان يظلم جماعة
من اهل السواد وغيرهم وكان في ايام الفتن مع اهل البدع ولم يكن من اهل السنة ولا
العارفين بالحديث فلا يحتج بروايته وتوفي ليلة السبت خامس رمضان ودفن بباب ابرز
عند الظفرية
70 - علي بن الخضر
ابن اسا ابو محمد الفرضي سمع ابا القاسم ابن البسرى وابا الحسين ابن النقور وكان
سماعه صحيحا وحدث وقرأ الفرائض على أبي حكيم الخبري وابي الفضل الهمذاني وكان قيما
بعلم الفرائض والحساب وتوفي يوم الاربعاء ثالث ربيع الاول ودفن بباب ابرز
71 - محمد بن ابراهيم
ابن محمد بن احمد بن سعدويه ابو الحسن الاصفهاني ولد سنة ست واربعين واربعمائة سمع
الكثير وحدث وكان حسن السيرة ثقة ثبتا ذكره شيخنا ابو الفضل ابن ناصر واثنى عليه
72 - محمد بن حمويه
ابن محمد بن حمويه ابو عبد الله الجويني وجوين من نواحي نيسابور روى الحديث وكان
صدوقا وكان من المشهورين بالعلم والزهد وله كرامات ودخل الى
بعض
البلدان فلما اراد الخروج ودعهم ببيتين فقال ... لئن كان لي من بعد عود اليكم ...
قضيت لبانات الفؤاد لديكم ... وان تكن الأخرى وفي الغيب عبرة ... وحال قضاء
فالسلام عليكم ...
توفي في هذه السنة ودفن في بعض قرى جوين
73 - محمد بن احمد
ابن افريغون ابو بكر الافراني النسفي وافران من قرى نخشب سمع الحديث ببلده وحدث
وكان فقيها صالحا ورد الى بغداد حاجا ثم عاد الى بلده فتوفي يوم الاربعاء سادس
عشرين شوال
74 - محمد بن موهوب
ابو نصر الفرضي الحاسب الضرير كان على غاية في علمه
75 - محمد بن عبد الله
ابن احمد بن حبيب ابو بكر العامري المعروف بابن الجنازة سمع ببغداد ابا محمد
التميمي وابا الفوارس طراد وابا الخطاب بن النظر وابا عبد الله بن طلحة وسمع
بنيسابور من جماعة وببلخ وهراة ودخل مرو وجال في خراسان وشرح كتاب الشهب وكانت له
معرفة بالحديث والفقه وكان يتدين ويعظ ويتكلم على طريقة التصوف والمعرفة من غير
تكلف الوعاظ فكم من يوم صعد المنبر وفي يده مروحة يتروح بها وليس عنده احد يقرأ
كما تفعل القصاص وقرأت عليه كثيرا من الحديث والتفسير وكان نعم المؤدب يأمر
بالاخلاص وحسن القصد وكان ينشد ... كيف احتيالي وهذا في الهوى حالي ... والشوق املك
بي من عذل عذالي ... وكيف اسلو وفي حبي له شغل ... يحول بين مهماتي واشغالي
وبنى
رباطا بقراح ظفر فاجتمع جماعة من المتزهدين فلما احتضر قال له اصحابه اوصنا فقال
اوصيكم بثلاث بتقوى لله ومراقبته في الخلوة واحذروا مصرعي هذا عشت احدى وستين سنة
وما كأني رأيت الدنيا ثم قال لبعض اصحابه انظر هل ترى جبيني يعرق قال نعم فقال
الحمد لله هذه علامة المؤمن يريد بذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمن
يموت بعرق الجبين ثم بسط يده عند الموت وقال ... ها قد مددت يدي اليك فردها ...
بالفضل لا بشماتة الاعداء ...
وهذا البيت لأبي نصر القشيري تمثل به شيخنا هذا وقال ارى المشايخ بين ايديهم اطباق
وهم ينتظرونني ثم مات ليلة الاربعاء منتصف رمضان هذه السنة ودفن في رباطه وجاء
الغرق في سنة اربع وخمسين فهدم تلك المحلة والرباط وعفى اثر القبر
76 - محمد بن الفضل
ابن احمد بن محمد بن ابي العباس ابو عبد الله الصاعدي الفراوي من اهل نيسابور
وابوه من اهل ثغر فراوة سكن نيسابور فولد محمد بها على سبيل التقدير في سنة احدى
واربعين واربعمائة سمع صحيح البخاري من ابي عثمان سعيد بن ابي سعيد العيار وسمع
صحيح مسلم من ابي الحسين عبد الغافر الفارسي وسمع بنيسابور من ابي عثمان الصابوني
وابي بكر البيهقي وابي القاسم القشيري وابي المعالي الجويني وغيرهم وورد بغداد
حاجا فسمع بها من ابي نصر الزينبي وعاصم وسمع بالمدينة وغيرها من البلدان وكان
فقيها مفتيا مناظرا محدثا واعظا ظريفا حسن المعاشرة طلق الوجه كثير التبسم جوادا يخدم
الغرباء بنفسه مع كبر السن واملى اكثر من الف مجلس وما ترك الاملاء الى حين وفاته
وقال عبد الرشيد بن علي الطبري الفراوي الف راوي وحدثني ابو محمد ابن الشاطر
التاجر أن ذلك كان مكتوبا على خاتمه الفراوي الف راوي وحمل في رمضان هذه السنة الى
قبر مسلم بن الحجاج بنصر اباذ فتمم عليه قراءة الصحيح عند قبر المصنف فلما فرغ من
القراءة
بكى
وابكى الحاضرين وقال لعل هذا الكتاب لا يقرأ علي بعد هذا فتوفي في شوال هذه السنة
وما قرئ عليه الكتاب بعد ذلك وكان قد قرأ عليه الكتاب صاحبه عبد الرزاق بن ابي نصر
الطبسي سبع عشرة مرة ودفن عند قبر محمد بن اسحاق ابن خزيمة
77 - المظفر بن الحسين
ابن علي بن ابي نزار المردوسي ابو الفتح بن ابي عبد الله ولد سنة ست وخمسين
واربعمائة وكان احد الحجاب ثم ترك ما كان فيه وغير لباسه ولبس الفوط وتزهد وقد سمع
ابا القاسم بن البسري وابا منصور بن عبد العزيز وغيرهما
سنة
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه ورد ابو البركات بن مسلمة وزير السلطان مسعود فقبض على ابي
الفتوح بن طلحة وقرر عليه مائة الف دينار يحصلها من ماله ومن الناس ومن دار
الخلافة فبعث اليه المقتفي فقال ما رأينا اعجب من امرك انت تعلم ان المسترشد سار
أليك بأمواله فجرى ما جرى وعاد اصحابه عراة وولى الراشد ففعل ما فعل ثم رحل واخذ
ما بقي من الاموال ولم يبق في الدار سوى الاثاث فأخذته جميعه وتصرفت في دار الضرب
ودار الذهب وأخذت التركات والجوالي فمن أي وجه نقيم لك هذا المال وما بقي الا ان نخرج
من الدار ونسلمها فاني عاهدت الله تعالى ان لا آخذ من المسلمين حبة واحدة ظلما
فلما سمع هذه الرسالة اسقط ستين وطالب بأربعين واما ما قرر من اموال الناس فأنكره
السلطان ولم يكن منه واما ما كان من دار الخلافة فتلاشى ولم يتم وقام صاحب المخزن
من خاصه بعشرة آلاف دينار جبيت من الناس وتقدم السلطان بجباية العقار فلقي الناس
من ذلك شدة وخرج رجل يقال له ابن الكواز فلقي السلطان بالميدان وقال له انت
المطالب بما يجري على الناس فما يكون جوابك فانظر بين
يديك ولا تكن كمن اذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم فأسقط ذلك وقبض على ابي الكرم الوالي الهاشمي فوقف جماعة من العيارين بالرحبة فأخذوا ثياب الناس وقت السحر وورد الخبر بموت الفجاءة في همذان واصفهان فمات منهم الوف حتى اغلقت الدور ثم عادت الجباية من العقار وضوعفت ثم قطعت الجبايات ووقعت مصادرات لأهل الأموال حتى أنهم أخذوا بادخر الجوهري على رأس جمال ليصادر ووصل يمن العراق الخادم الى بغداد رسولا من السلطان سنجر فأمر السلطان مسعودا بمبايعة المقتفي عند فدخل اليه في رجب فبايعه عن عمه سنجر وتمت البيعة المقتفية في خراسان وخرج هذا الخادم الى الموصل فأخذ بيعة زنكي واهل الشام ودفع الراشد عن زنكي فتوحه نحو آذربيجان وفي شعبان عقد للمقتفي على فاطمة بنت محمد بن ملك شاه اخت مسعود وحضر مسعود والاكابر وتولى العقد وزير الخليفة ونثرت الحبوب والجواهر وتماثيل الكافور والعنبر وتوجه السلطان مسعود الى الجبل وخلف نائبه بالعراق ألبقش الكبير السلاحي فورد سلجوق شاه بن محمد الى واسط والحلة وطمع في العراق فطرده ألبقش وكان مستضعفا واجتمع جماعة من الامراء والملك داود وعساكر آذربيجان فواقعوا السلطان مسعودا وجرت حروب عظيمة ثم قصد مسعود آذربيجان وقصد داود همذان ووصلها الراشد يوم الوقعة وتقررت القواعد ان الخليفة يكتب لزنكي عشرة بلاد ولا يعين الراشد ونفذت الخطوط التي كتبت في حق الراشد بما يوجب الخلع الى الموصل واحضر هناك القضاة والشهود فقرئ عليهم المكتوب الذي انفذ من بغداد وفيه شهادة الشهود والقضاة واحضر قاضي القضاة وثبت الكتاب عنده وخلع الراشد بالموصل وخطب للمقتفي ومسعود وقطعت خطبة الراشد وداود فلما سمع الراشد بذلك نفذ الى زنكي يقول له غدرت فقال مالي بمسعود طاقة فالمصلحة ان تمضي الى داود فمضى في نفر قليل وتخلى عنه وزيره ابن صدقة ودخل الموصل ولم يبق معه صاحب عمامة سوى ابي الفتوح الواعظ وكان قد نفذ مسعود الفي
فارس
للقبض عليه ففاتهم ومضى الى مراغة فدخل الى قبر ابيه وحثا التراب على راسه فحمل
اليه اهل البلد الاموال وكان يوما مشهودا وقوى داود وضرب المصاف مع مسعود فقتل من
اصحاب مسعود خلق كثير
وفي يوم السبت ثاني عشرين ربيع الاول جلس ابن الخجندي مدرسا في النظامية وفي يوم
الاثنين رابع عشرين من الشهر قبض على صاحب المخزن ووكل به في دار السلطان على بقية
ما استقر عليه من المال ومات رجل فأخذ ما له اصحاب التركات فعاد اصحاب السلطان
واخذوا ماله من المخزن واخذت تركات الحشرية من الخليفة واخذوا الحفارين والغسالين
وكتبوا عليهم واشهدوا ان لا يكتموهم شيئا فصاروا لا يقدرون على قبر ميت إلا برقعة
من العميد ولم يبق للخليفة الا العقار الخاص واعيد صاحب المخزن بعد ان كفل به
جماعة وكتبوا خطوطهم بالضمان الوزير وسديد الدولة
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر جلس ابو النجيب في دار رئيس الرؤساء بالقصر للتدريس
وحضر عنده جماعة من الفقهاء والقضاة
وفي يوم الجمعة ثالث عشره بنيت دكة في جامع القصر للقاضي ابي يعلى بن الفراء في
الموضع الذي كان يجلس فيه ثم نقضت في يوم الخميس ثامن عشره ومنع من كان يجلس ونودي
بالجلوس في النظامية يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر فاجتمع خلق عظيم فحضر وزير
السلطان فقعد والمستوفي والشحنة ونظر وسديد الدولة وجماعة الفقهاء والقضاة وحضرت
يومئذ فكان لا يحسن يعظ ولاندار في ذلك
وفي هذه السنة فشا الموت في الناس حتى كان يموت في اليوم مائة نفس وفي خامس عشر
جمادى الاولى جاء العيارون ليلا الى سفينة قد ملئت رجالا واموالا كثيرة لتنحدر الى
واسط فحلوا رباطها من تحت التاج واحدروها وأخذوا ما فيها وكان السلطان في بغداد
وفي هذا الشهر اعيدت بلاد الخليفة ومعاملاتها اليه والتركات واستقر عن
ذلك
عشرة آلاف دينار
وفي رابع عشرين هذا الشهر اشهر اربع نسوة في الاسواق على بقر السقائين مسودات
الوجوه لانهن شربن المسكر في الشط مع رجال
وفي يوم السبت حادي عشر جمادى الآخرة عاد السلطان الى بغداد بعد ان كان قد خرج
وكان السبب مكاتبة وردت من الموصل الى دار الخلافة فانفذت اليه فاستعادوه وحكى انه
كان في المكاتبة ان عسكر الموصل والخليفة قد تحركوا للمجيء وفي شعبان ضربت الطبول
على باب النوبي وجلس حاجب الباب والقاضي ابن كردي وقرأوا منشورا يشتمل معناه على
الخطبة للمقتفي ولمسعود والخلع على قاضي القضاة واقبال وانحدارهم إلى بغداد وأن
القضاة جمع الجموع في الموصل وحكم بالكتب التي وصلت اليه وان الراشد لما علم بهذا
ذهب نحو مراغة
وفي هذا الشهر عادت الجبايات مرة خامسة على الناس بعنف وشدة ظلم وقبض الشحنة على
ابي الكرم الوالي الى رباط ابي النجيب فتاب وحلق شعره ولبس خرقة التصوف استقالة من
الظلم ثم خلع عليه وأعيد الى شغله
وعملت عملة عظيمة بباب الازج اخذ فيها شيء بألوف دنانير وكانت خبازة تخبز لأولئك
القوم فحدثت ابنها بما لهم الكثير فحدث ذلك الرجل رفقة له من العيارين فجاؤا في
الليل فنقلوا ما في الدار فقالت صاحبة الدار لامها لما خرجوا نحمد الله اذ لم
يدخلوا العرضي فان فيه الحبوب والامتعة فسمعوا فعادوا ودخلوا واخذوا ذلك وقالوا لا
تتهموا احدا نحن الحماة بالموضع الفلاني فسمع الجيران ومضوا فأخذ الشحنة اقواما من
اولئك فصلبهم على جذوع ثم اخذ منهم اموالا وحطهم في عافية
وفي ليلة الثلاثين لم ير الهلال وكانت السماء مصحية فأصبح الناس صائمين لتمام
ثلاثين يوما فلما كانت ليلة احدى وثلاثين لم ير الهلال أيضا وكانت السماء جلية
صاحية ومثل هذا لا يعرف فيما مر من التواريخ
ومن
العجائب أن ثلاثة من العيارين وقفوا في طريق الظفرية ليلا فمر بهم ابو العز
الحمامي فأخذوا ثيابه ثم تطلبوا واخذ منهم اثنان فلما كان بعد يومين جاء الثالث
هاربا من الرجالة فدخل الحمام الذي فيه ابو العز الذي اخذت ثيابه فخلع الثياب على
الفرند وهي قميصان وخيشية فرآها الحمامي فعرفها فدخل اليه وقال له من اين لك هذه
الثياب فأقر انه أخذها منه تلك الليلة فنفذ الى المستخدمين فأخذوه ولم يجدوا كتافا
ففتشوا جيبه لعلهم يجدون شيئا من الذهب فوجدوا حبلا مهيأ للكتاف فكتفوه
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
78 - احمد بن محمد
ابن ثابت بن الحسن بن علي ابو سعد الخجندي ولد سنة ثلاث واربعين وهو ولد الامام
ابي بكر الخجندي من اهل اصبهان تفقه على والده وولي التدريس بالنظامية نوبا عدة
وصرف وسمع ابا القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك وغيره وتوفي ببلده في غرة شعبان
هذه السنة
79 - عبد الملك بن علي
ابن عبد الملك بن محمد بن يوسف ابو الفضل سمع الحديث الكثير من عاصم وابي نصر
الزينبي وغيرهما وكان عليه نور توفي في ذي الحجة
80 - محمد بن احمد
ابن علي ابو الحسن ابن الابرادي تعبد وتفقه وصحب ابا الحسن ابن الفاعوس ووقف دارا
له بالبدرية فجعلها مدرسة لاصحاب احمد بن حنبل توفي ليلة الخميس ثاني عشرين رمضان
ودفن بباب ابرز
81 - محمد بن احمد
ابن الحسن الجوهري البروجردي ابو بكر سمع الحديث الكثير ورحل الى
بغداد
وكانت له دنيا واسعة وتوفي في هذه السنة ببروجرد وكان رئيسها والمقدم بها
82 - محمد بن علي
ابن حريث ابو طالب المعروف بابن الكوفية الخفاف سمع ابا نصر الزينبي وحدث بشيء
يسير وتوفي في رجب
83 - نصر بن الحسين
ابن الحسن المقرئ ابو القاسم ويعرف بابن الحبار سمع طرادا وابن النظر وغيرهما وقرأ
بالقراآت وروى واقرأ وقرأت عليه القرآن وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
84 - هبة الله بن أحمد
ابن عمر الحريري ابو القاسم ويعرف بابن الطبر ولد يوم الخميس وهو يوم عاشوراء سنة
خمس وثلاثين واربعمائة بالتستريين وسمع الحديث من ابي الحسن ابن زوج الحرة وابي
طالب العشاري والبرمكي وابن المأمون والصريفيني وغيرهم وقرأ القرآن بالقراآت على
ابي بكر الخياط وغيره وحدث واقرأ وكان صحيح السماع قوي التدين ثبتا كثير الذكر
دائم التلاوة وهو آخر من حدث عن ابن زوج الحرة ابي الحسن فحدث عن ابي الحسن هذا
ابو بكر الخطيب وابو القاسم هذا وبين وفاتهما ثمان وسبعون سنة وسمعت عليه الحديث
وقرأت عليه وكانت قوته حسنة وكنت أجيء اليه في الحر فيقول نصعد الى سطح المسجد
فيسبقني في الدرجة ومتع بسمعه وبصره وجوارحه الى ان توفي يوم الخميس ثاني جمادى
الاولى من هذه السنة عن ست وتسعين سنة واشهر وكان شيخنا عبد الوهاب ابن اخته ودفن
بالشونيزية في تربة شيخنا عبد الوهاب الأنماطي وهو الذي ام الناس في الصلاة عليه
سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة
فمن
الحوادث فيها انه جيء بأحد عشر عيارا فصلبوا في الاسواق وصلب رجل صوفي من رباط
البسطامي لكم صبيا فمات
وجاء الخبر بفتح الروم بزاعة فقتلوا الذكور وسبوا النساء والصبيان وجاء الناس
يستنفرون ومنع الخطبة والخطباء ببغداد وقتلوا طوابيق الجوامع وجرت محن ونفذ
السلطان مسعود الى البقش كاسا ليشربها فامتنع خمسة اشهر ثم عزم على شربها فتقدم
الى الولاة بالمحال والاسواق أن يشعلوا الشمع والقناديل والسرج في جميع المحال
ليلا ونهارا ثلاثة ايام وظهرت القينات والمعازف والنساء عليهن الثياب الملونات
والمخانيث الى ان شرب الكأس ووصل مسعود الى بغداد في مستهل جمادى الاولى وقبض على
ألبقش السلاحي والي العراق وولي بهروز الخادم العراق وعقد للسلطان على سفري بنت
دبيس بن صدقة وكان السبب انه كان اولاد دبيس في ضيق لأن السلطان اقطع اموالهم
فجاءت بنت دبيس وكانت امها بنت عميد الدولة ابن جهير وكانت في غاية الحسن فدخلت
على خاتون زوجة المستظهر تستشفع بها الى مسعود ليعيد عليها بعض ما اخذ منها وتشكو
الضر فوصفت ذلك لمسعود فقال مسعود احضريها عندك حتى احضر القضاة وأتزوجها ففعلت
فتزوجها وتقدم الى الوزير بأن تعلق بغداد سبعة ايام وذلك في سادس عشر جمادى الاولى
فظهر بالتعاليق فساد عظيم بضرب الطبول والزمور والحكايات وشرب الخمر ظاهرا
وفي جمادى الآخرة قتل الشحنة صبيا مستورا من المختارة فامر السلطان بصلب الشحنة
فصلب وحطه العوام فقطعوه
وفي رمضان وصف للسلطان مسعود ابنة عمه قاورت بالحسن فخطبها وتزوجها وعلق البلاد
ثلاثة أيام
وكان الراشد قد جمع العساكر الكثيرة وقوى امره فدخلوا عليه الباطنية فقتلوه
ذكر
من توفي في هذه السنة من الاكابر
85 - احمد بن محمد
ابن احمد ابو بكر بن ابي الفتح الدينوري شيخنا سمع الحديث من ابي محمد التميمي
وابي محمد السراج وغيرهما وتفقه على ابي الحطاب الكلوذاني وبرع في المناظرة وكان
اسعد الميهني يقول ما اعترض ابو بكر الدينوري على دليل احد الا ثلم منه ثلمة سمعت
عليه درسه مدة وحدثنا شيخنا ابو بكر قال كنا نتفقه على شيخنا ابي الخطاب فكنت في
بدايتي اجلس في آخر الحلقة والناس منها على مراتبهم فجرى بيني وبين رجل كان يجلس
قريبا من الشيخ بيني وبينه رجلان أو ثلاثة كلام فلما كان اليوم الثاني جلست في
مجلسي كعادتي في آخر الحلقة فجاء ذلك الرجل فجلس الى جانبي فقال له الشيخ لما تركت
مكانك فقال انا مثل هذا فاجلس معد يدري علي فوالله ما مضى الا قليل حتى تقدمت في
الفقه وقويت معرفتي به وصرت اجلس الى جانب الشيخ وبيني وبين ذلك الرجل رجلان وانشدني
شيخنا ابو بكر لنفسه ... تمنيت ان تسمى فقيها مناظرا ... بغير عناء فالجنون فنون
... فليس اكتساب المال دون مشقة ... تلقيتها فالعلم كيف يكون ...
سمعت عليه الدرس مدة وتوفي في جمادى هذه السنة ودفن قريبا من قبر احمد عند رجلي
ابي منصور الخياط
86 - احمد بن ظفر
ابن احمد ابو بكر المغازلي سمع ابا الغنائم بن المامون وابا محمد الصريفيني وابا
بكر الخياط وابا علي بن البناء وغيرهم سمعت منه وكان ثقة وتوفي في رمضان هذه السنة
87 - احمد بن عمر
ابن عبد الله ابو نصر الاصبهاني رحل في طلب العلم والحديث وسمع من خلق
كثير
وكتب الكثير وكان ثقة دينا
88 - ابراهيم بن احمد
ابن الحسين بن احمد بن حمدان ابو تمام الصميري البروجردي ولد سنة اربعين واربعمائة
ببروجرد وسمع بها من يوسف الهمذاني وبمكة من ابي معشر الطبري وببغداد من ابي اسحاق
الشيرازي وكان رئيس بروجرد وتوفي بها في هذه السنة
89 - اسمعيل بن احمد
ابن عبد الملك النيسابوري ابو سعد بن ابي صالح المؤذن ولد سنة اثنتين وخمسين وتفقه
على ابي المظفر السمعاني وابي المعالي الجويني وبرع في الفقه وكانت له قدم عند
الملوك والسلاطين وكان كثير السماع خرج له ابوه صالح بن صالح مائة حديث عن مائة شيخ
وكتب له اجازة بجميع مسموعاته وتوفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة ودفن يوم العيد
90 - بدر بن الشيخي
مولى ابي منصور عبد المحسن بن محمد بن علي وعتيقه سمع ابا الحسين ابن المهتدي وابن
المسلمة وابن النقور وابن المأمون وغيرهم وحدثنا عنهم وكان سماعه صحيحا توفي يوم
السبت رابع عشرين رمضان عن ثمانين سنة ودفن بباب حرب عند مولاه
91 - البقش السلاحي
كان اميرا كبيرا قبض عليه السلطان وحمله الى قلعة تكريت ثم امر بعد قليل بقتله
فغرق نفسه فأخرج من الماء فقطع رأسه وحمل اليه
92 - زبيدة بركياروق
زوجة السلطان توفيت بهمذان
93
- عبد المنعم بن عبد الكريم
ابن هوازن ابو المظفر القشيري آخر من بقي من اولاد ابي القاسم القشيري ولد سنة خمس
وأربعين واربعمائة سمع اباه وابا بكر البيهقي ويوسف المهرواني وغيرهم روى عنه
شيخنا عبد الوهاب الانماطي ولى منه اجازة وتوفي في هذه السنة
94 - عمر بن محمد
ابن عمويه ابو حفص السهروردي عم ابي النجيب الواعظ سمع طرادا والتميمي وعاصما
وغيرهم وحدث ببغداد وكان متقدم الصوفية في الرباط المعروف بسعادة الخادم ورأيته
ولم اسمع منه وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة ودفن بالشونيزية عند قبر رويم
95 - علي بن علي
ابن عبيد الله ابو منصور صاحب محمد الوكيل ويعرف بابن سكينة ولد سنة تسع واربعين
وكان امين الحاكم تحت يده اموال الايتام وكان يلقب امين الامناء سمع ابا محمد
الصريفيني وابن السراج وابن العلاف وغيرهم وحدث وكان سماعه صحيحا وسمعت منه وسمعته
يقول من منع ماله الفقراء سلط الله عليه الأمراء توفي ليلة السبت سادس ذي القعدة
عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بالشونيزية
96 - محمد بن ابراهيم
ابن محمد بن ابراهيم بن احمد ابو غالب الصيقلي الدامغاني ولد سنة ثلاث وخمسين
واربعمائة ورحل في طلب الحديث فسمع الكثير وكان متقدم الصوفية وكان ثقة ذكره شيخنا
ابو الفضل بن ناصر فقال هو صالح ثبت من اهل السنة توفي في هذه السنة بكرمان
97 - محمد بن عبد الملك
ابن محمد بن عمر ابو الحسن الكرجي ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة وسمع بالكرج
وبهمذان
وباصبهان وبغداد وكان محدثا فقيها شاعرا اديبا على مذهب الشافعي الا انه كان لا
يقنت في الفجر وكان يقول امامنا الشافعي قال اذا صح عندكم الحديث فاتركوا قولي
وخذوا بالحديث وقد صح عندي ان النبي صلى الله عليه و سلم ترك القنوت في صلاة الصبح
وصنف في المذهب والتفسير وكان حسن المعاشرة ظاهر الكياسة ومن شعره ... تناءت داره
عني ولكن ... خيال جماله في القلب ساكن ... اذا امتلأ الفؤاد به فماذا ... يضر اذا
خلت منه المساكن ...
توفي في هذه السنة
98 - محمد بن فرجية
ابو المواهب المقرئ كان مليح الاداء للقراآت وسمع الحديث واقرأ الناس وتوفي في صفر
هذه السنة
99 - منصور بن المسترشد
الملقب بالراشد امير المؤمنين قد ذكرنا انه استخلف بعد ابيه وانه لما قصد السلطان
مسعود بغداد خرج الى ناحية الموصل وانه خلع وولي المقتفي وخرج الراشد من الموصل
الى بلاد اذربيجان ثم مضى الى اصفهان وقوى ثم مرض مرضا شديدا وفي سبب موته ثلاثة
اقوال احدها انه سقي السم ثلاث مرات والثاني انه قتله قوم من الفراشين الذين كانوا
في خدمته والثالث انه قتله الباطنية وقتلوا بعده وكان موته في سابع عشرين رمضان
وبلغ الخبر فقعدوا له في العزاء يوما واحدا وقد ذكر ابو بكر الصولي ان الناس
يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس منذ اول الاسلام لا بد وان يخلع وانا تأملت هذا
فرأيته عجيبا انعقا الامر لنبينا صلى الله عليه و سلم ثم قام بعده ابو بكر وعمر
وعثمان وعلي والحسن فخلع ثم معاوية ويزيد ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك وابن
الزبير فخلع وقتل ثم الوليد وسليمان وعمر ويزيد وهشام والوليد بن يزيد فخلع ثم لم
ينتظم لبني امية أمرهم
فتولى
السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين فخلع وقتل ثم المأمون والمعتصم
والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فخلع وقتل ثم القاهر والراضي والمتقي
والمستكفي والمطيع والطائع فخلع ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد
والراشد فخلع وقتل
100 - انوشروان بن خالد
ابن محمد القاساني ابو نصر وزر للسلطان محمد والمسترشد بالله وكان عاقلا مهيبا
عظيم الخلقة دخلت عليه فرأيت من هيبته ما أدهشني وهو كان السبب في جمع المقامات
التي انشأها ابو محمد الحريري فإن أبا القاسم عبد الله بن أبي محمد الحريري حكى ان
والده كان جالسا في مسجده ببني حرام احدى محال البصرة فدخل المسجد شيخ ذو طمرين
عليه اهبة السفر رث الحالة فصيح اللهجة حسن العبارة فقال من اين الشيخ قال من سروج
وكنيتي ابو زيد فعمل والدي المقامة الحرامية بعد قيامة من ذلك المجلس واشتهر هذا
فبلغ انوشروان بن خالد وطلع بتلك المقامة فاشار عليه بأن يضم اليها غيرها فاتمها
خمسين وكان انوشروان كريما سأله رجل خيمة فلم تكن عنده فبعث اليه مائة دينار وقال
اشتريها خيمة فكتب اليه الرجل ... لله در ابن خالد رجلا ... احيا لنا الجود بعد ما
ذهبا ... سألته خيمة الوذ بها ... فجاد لي بل بخيمة ذهبا ...
وكتب اليه ابو محمد الحريري ... الا ليت شعري والتمني تعلة ... وان كان فيه راحة
لأخي الكرب ... أتدرون اني مذ تناءت دياركم ... وشط افتراقي عن جنابكم الرحب ...
أكابد شوقا ما يزال اواره ... يقلبني بالليل جنبا على جنب ... وأذكر ايام التلاقي
فأنثى ... لتذكارها بادي الاسا طائر اللب ... ولي حنة في كل وقت اليكم ... ولا حنة
الصادي الى البارد العذب ... فوالله لو اني كتمت هواكم ... لما كان مكتوما بشرق
ولا غرب
ومما
شجا قلبي المعني وشفه ... رضاكم باهمال الاجابة عن كتبي ... وقد كنت لا اخشى مع
الذنب جفوة ... فقد صرت اخشاها ومالي من ذنب ... ولما سرى الوفد العراقي نحوكم ...
واعوزني المسري اليكم مع الركب ... جعلت كتابي نائبي عن ضرورة ... ومن لم يجد ماء
تيمم بالترب ... ونفذت ايضا بضعة من جوارحي ... لتنبئكم عن شرح حالي وتستنبي ...
ولست ارى اذكاركم بعد خبركم ... بمكرمة حسبي اهتزازكم حسبي ...
توفي انوشروان في رمضان هذه السنة ودفن في داره بالحريم الطاهري ثم نقل بعد ذلك
الى الكوفة فدفن بمشهد علي عليه السلام وكان يميل الى التشيع
سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه طردت الكتاب اليهود والنصارى من الديوان والمخزن ثم اعيدوا
في الشهر ايضا وفرغ بهروز من المصلحة التي تصدى لحفرها وهي نهر دجيل وولي القضاء
ابو يعلى بن الفراء قضاء باب الازج في صفر وكانت زلزلة بجنزة اتت على مائتي الف
وثلاثين الفا فأهلكتهم وكانت الزلزلة عشرة فراسخ في مثلها قال المصنف وسمعت شيخنا
ابن ناصر يقول قد جاء الخبر انه خسف بجنزة وصار مكان البلد ماء اسود وقدم التجار
من اهلها فلزموا المقابر يبكون على أهاليهم
ووصل رسول من ابن قاروت ملك كرمان الى السلطان مسعود يخطب خاتون زوجة المستظهر
ومعه التحف فجاء وزير مسعود الى دارها فاستأذنها فأذنت فحضر القضاة دار السلطان
ووقع الملاك على مائة ألف دينار ونثرت الدراهم والدنانير وذلك في ثامن عشر صفر
وسيرت اليه فكانت وفاتها هنالك وفي ربيع الاول ازيلت المواصير والمكوس ونقشت
الالواح بذلك واستوزر السلطان رجلا من رؤساء الري يقال له محمد الخازن فأظهر العدل
ورفع
المكوس
والضرائب وكان حسن السيرة فدخل عليه رجلان يقال لاحدهما ابن عمارة والآخر ابن ابي
قيراط يطلبان ضمان المكوس التي ازيلت بمائة ألف دينار فرفع امرهما الى السلطان
فشهرا في البلد مسودين الوجوه وحبسا فلم يتمكن اعداؤه مما يريدون منه فأوحشوا بينه
وبين قرا سنقر صاحب آذربيجان فأقبل قرا سنقر في العساكر العظيمة وقال إما حمل رأسه
الي او الحرب فخوفوا السلطان من حادثة لا تتلافى الفسخ ففسح لهم في قتله على كره
شديد فقتله تتر الحاجب بيده من شدة حنقه وحمل الى قرا سنقر
وفي هذه السنة قدم المغربي الواعظ وكان يتكلم في الاعزية فأشير علي بعقد مجلس
الوعظ فوعظ وكان ينشد بتطريب وينده بالسجوع فنفق على الناس نفاقا كثيرا فتأثر
الغزنوي بذلك ومنعه من الجلوس فتعصب له اقوام فأطلق في الجلوس واركب فرس وزير
السلطان فطيف به في الاسواق وابيح له الجلوس اين شاء وقرر له الجلوس في دار
السلطان فيقال ان الغزنوي احتال حتى لم يقع ذلك
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
101 - احمد بن عبد الباقي
ابن منازل ابو المكارم الشيباني ولد سنة ستين وسمع ابن النقور وابن ابي عثمان
وعاصما وكان شيخا صالحا مستورا وسماعه صحيح وحدث وتوفي في صفر هذه السنة ودفن بباب
حرب
102 - زاهر بن طاهر
ابو القاسم بن ابي عبد الرحمن بن ابي بكر الشحامي ولد سنة ست واربعين واربعمائة
ورحل في طلب الحديث وعمر وكان مكثرا متيقظا صحيح السماع وكان يستملي
على
شيوخ نيسابور وسمع منه الكثير باصبهان والري وهمذان والحجاز وبغداد وغيرها واجاز
لي جميع مسموعاته واملى في جامع نيسابور قريبا من الف مجلس وكان صبورا على القراءة
عليه وكان يكرم الغرباء الواردين عليه ويمرضهم ويداويهم ويعيرهم الكتب وحكى ابو
سعد السمعاني انه كان يخل بالصلاة قال وسئل عن هذا فقال لي عذر وانا اجمع بين
الصلوات ومن الجائز ان يكون به مرض والمريض يجوز له الجمع بين الصلوات فمن قلة فقه
هذا القادح رأى هذا الامر المحتمل قدحا توفي زاهر في ربيع الآخر من هذه السنة
بنيسابور ودفن في مقبرة يحيى بن يحيى
103 - عبد الله بن احمد
ابن عبد القادر بن محمد بن يوسف ابو القاسم بن ابي الحسين اخو شيخنا عبد الخالق
ولد سنة اثنتين وخمسين واربعمائة وسمع من ابن المهتدي وابن المسلمة وابن المأمون
وابن النقور والصريفيني وغيرهم وكان خير صالحا وجاور بمكة سنين وسكن بغداد في
الحربية وتوفي في رجب هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
104 - عبد العزيز بن عثمان
ابن ابراهيم بن محمد ابو محمد الاسدي من اهل بخارا ولي القضاء بها وهو من بيت
العلم والحديث من اولاد الائمة وكان وافرا وقورا سخيا محمود السيرة ورد بغداد فسمع
بها من جماعة منهم ابو طالب بن يوسف وقد سمع ببلده وبالكوفة واملى ببخارا وتوفي في
هذه السنة
105 - علي بن افلح
ابو القاسم الكاتب كان فيه فضل حسن وله شعر مليح الا انه كان متجرئا كثير الهجو
وكان قد خلع عليه المسترشد بالله ولقبه جمال الملك واعطاه اربعة آدر في درب
الشاكرية وكان هو قد اشترى دورا الى جانبها فهدم الكل وانشأ دارا كبيرا واعطاه
الخليفة خمسمائة دينار واطلق له مائة جذع ومائتي الف آخرة
واجرى
له ادرارا في كل سنة فظهر انه يكاتب دبيسا وسبب ظهور ذلك انه كان في المسجد الذي
يحاذي دار السماك رجل يقال له مكي يصلي بالناس ويقرئ القرآن فكان اذا جاء رسول
دبيس اقام عند ذلك الامام بزي الفقراء فاطلع على ذلك بواب ابن افلح واتفق ان ابن
افلح غضب على بوابه فضربه فاستشفع بالناس عليه فلم يرده فمضى وأطلع صاحب الشرطة
على ذلك فكبس المسجد واخذ الجاسوس وهرب ابن المفلح وامام المسجد وامر المسترشد
بنقض داره وكان قد غرم عليها الف دينار وكان طولها ستين ذراعا في اربعين وقد اجريت
بالذهب وعملت فيها الصور وفيها الحمام العجيب فيه بيت مستراح فيه بيشون ان فركه
الانسان يمينا خرج الماء حارا وان فركه شمالا خرج باردا وكان على ابواب الدار
مكتوب شعر ... ان عجب الزوار من ظاهري ... فباطني لو علموا اعجب ... شيدني من كفه
مزنة ... يحمل منها العارض الصيب ... ودبجت روضة اخلاقه ... في رياضا نورها مذهب
... صدر كسا صدري من نوره ... شمسا على الايام لا تغرب ...
وكان على الطرز مكتوب شعر ... ومن المروءة للفتى ... ما عاش دار فاخره ... فاقنع
من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخرة ... هاتيك وافية بما ... وعدت وهذي ساحرة ...
4
وكان على الحيرى مكتوب شعر ... وناد كأن جنان الخلود ... اعارته من حسنها رونقا
... واعطته من حادثات الزما ... ن ان لا تلم به موثقا ... فأضحى يتيه على كل ما
... بنى مغربا كان او مشرقا ... تظل الوفود به عكفا ... وتمسي الضيوف له طرقا ...
بقيت له يا جمال الملو ... ك والفضل مهما اردت البقا
وسالمه
فيك ريب الزمان ... ووقيت منه الذي يتقا ...
قال المصنف رحمه الله وقد رأيت انا هذه الدار بعد أن نقضوها ثم ظهر ان ابن افلح
مضى الى تكريت فاستجار ببهروز الخادم ثم آل الأمر الى ان عفي عنه ومن شعره
المستحسن قوله ... دع الهوى لا ناس يعرفون به ... قد مارسوا الحب حتى لان اصبعه
... بلوت نفسك فيما لست تخبره ... والشيء صعب على من لا يجربه ... افن اصطبارا وان
لم تستطع جلدا ... فرب مدرك امرا عز مطلبه ... احنى الضلوع على قلب يحيرني ... في
كل يوم ويعييني تقلبه ... تناوح الريح من نجد يهيجه ... ولامع البرق من نعمان
يطربه ...
وله في اخرى ... منع الشوق جفوني ان تناما ... واذاب القلب وجدا وغراما ... يا
ندماي على كاظمة ... هل ترومون وقد بنت مراما ... انا مذ فارقتكم ذو ندم ...
فتراكم يا نداماي نداما ... يا خليلي قفا ثم اسألا ... عن غزال نبه الشوق وناما
... وقفا نسأل رسما عافيا ... اين من كان به قدما اقاما ...
وله في اخرى ... هذه الخيف وهاتيك مني ... فترفق ايها الحادي بنا ... واحبس الركب
علينا ساعة ... نندب الربع ونبكي الدمنا ... فلذا الموقف اعددنا الأسى ... ولذا
الدمن دموعي تقتنا ... زمنا كانوا وكنا جيرة ... يا اعاد الله ذاك الزمنا ...
بيننا يوم أثيلات النقا ... كان عن غير تراض بيننا ...
ومن رسائله انه كتب الى ابي الحسن ابن التلميذ كتابا يقول فيه اطال الله بقاء
سيدنا طول اشتياقي اليه وأدام تمكينه دوام ثنائي عليه وحرس نعمته حراسة ضميره
للأسرار وكبت أعداءه كبت صبري يوم تناءت به الدار عن سلامة
انتقلت
بعده من جسمي الى ودي وعافية كان يوم بينه بها آخر عهدي وانا احمد الله العلي على
ما يسوء ويسر واديم الصلاة على رسوله وآله المحجلين الغر وبعد فاني اذكر عهد
التزاور ذكر الهائم الولوع واحن الى عصر التجاور حنين الهائم الى الشروع ... واني
وحقك منذ ارتحلت ... نهاري حنين وليلي انين ... وما كنت اعرف قبل امرءا ... بجسم
مقيم وقلب يبين ... وكيف السلو الى سلوتي ... وحزني وفي صبري خؤون ...
وعجيب ان لا اكون كذلك وقد اخذت حسن الوفاء عنه واكتسبت خلوص الصفاء منه وطريف ان
لا اهيم به شغفا واجرى على مفارقته اسفا وقد فتنتني منه دماثة تلك الاخلاق
والشمائل التي شغلتني كلفي بها عن كل شاغل فما لي داب منذ سارت به الركائب سوى
تذكر محاسنه التي تأدبت بجزيل آدابها ولا شغل منذ دعا البين فاجابه غير التفكر في
فضائله التي تشبثت بفواضل اهدابها والابتهاج بوصف مشاهدته من خلائقه الزهر
والافتخار بمودته على ابناء الدهر وان كان ما ينتهي اليه استطاعتي من الثناء عليه
قد تناقله قبلي الرواة وغنى طربا بذكره الحداة فانني جئت مثنيا على خلاله الرضية
ما نسوه وذاكرا من افعاله المرضية كل صالح لم يذكروه
فأجابه بجواب كتبت منه كلمات مستحسنة وهي كتبت الى حضرة سيدنا مد الله في عمره
امتداد املي فيه وادام علوه دوام بره لمعتفيه وحرس نعماه حراسة الادب بناديه وكبت
اعداءه كبت الجدب نبت اياديه على سلامة سلمت بتأميل ايابه وعافية عفت لولا قراءة
كتابه ... واني وحقك مذ بنت عنك قلبي حزين ودمعي هتون ... واخلف ظني صبر معين ...
وشاهد شكواي دمع معين ... ولله ايامنا الخاليا ... ت لو رد سالف دهر حنين
وإني
لأرعى عهود الصفاء ... ويكلؤ هالك سر مصون ... واحفظ ودك عن قادح ... وود الاكارم
علق ثمين ... ولم لا ونحن كمثل اليدين ... وانت بفضلك منها اليمين ... اذا قلت
اسلوك قال الغرا ... م هيهات ذلك مالا يكون ... وهل في سلوله مطمع ... وصبري خؤون
وودي امين ...
106 - محمد بن حمزة
ابن اسمعيل بن الحسن بن علي بن الحسين ابو المناقب الحسيني العلوي من اهل همذان
رحل الى البلاد وكتب الحديث الكثير فسمع وجمع وكان يروي عن جده علي بن الحسين
الحسيني اشعارا منها ... ومالك من دنياك الا بليغة ... تزجى بها يوما وتقضي بها
ليلا ... وما دونها مما جمعت فانه ... لزيد وعمرو اولا ختمهما ليلى ...
107 - محمد بن شجاع
ابن ابي بكر بن علي بن ابراهيم اللفتواني ابو بكر ولفتوان قرية من قرى اصبهان ولد
سنة سبع وستين واربعمائة وسمع ابا عمرو بن مندة وابا محمد التميمي وطرادا لما قدم
اصبهان وورد بغداد بعد العشرين وخمسمائة فسمع من مشايخها وكان شيخا صالحا فقيرا
ثقة متعبدا حدثنا عنه اشياخنا وتوفي باصبهان في جمادى الآخرة من هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة اربع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه بدا بهروز يعمل سكر النهروانات فبناه دفعتين وهو يتفجر ثم
استحكم في الثالثة وما زال يعمل عليه الى ان مات في سنة اربعين
وولدت في هذه السنة ابنة قاورت من السلطان مسعود ولدا ذكرا فعلقت بغداد وظهرت
المنكرات فبقيت ثمانية ايام فمضى ابن الكواز الزاهد الى باب ابن
قاروت
وقال ان ازلتم هذا والا بتنا في الجوامع وشكونا الى الله تعالى فحطوا التعاليق
فمات الولد
وعلقت البلد لاجل دخول خاتون بنت محمد زوجة المقتفي وكانت قد وصلت مع اخيها مسعود
واقامت عنده بدار المملكة ثم دخلت الى الخليفة في زي عجيب وبين يديها زوجة السلطان
مسعود بنت دبيس وبنت قاورت ويحجبها الوزير شرف الدين والمهد مركب الخليفة وذلك في
جمادى الاولى ثم وقع في رجب املاك السيدة بنت امير المؤمنين لمسعود وحضر وزير
الخليفة ووزير السلطان والوجوه ونثر عليهم وتمكن الوزير ابو القاسم بن طراد من
الدولتين ونفذ الخليفة خدما واعمالا على البلاد من غير مشاورة الوزير وجرت بينهما
وحشة وانقطع الوزير عن الخدمة ثم وقع الصلح في شعبان وخلع على الوزير واختصم أصحاب
ثم ترشك فنفذ مسعود فقبض عليه فأشار الوزير بأن يكون في خدمة السلطان تحت ركابه
فأخذه مسعود في صحبته فثقل ذلك على الخليفة لكونه من خاصته ثم أشير على السلطان
باعادته فأعاده ثم منع الوزير ثقة الدولة ابن الابري من الدخول إلى الخليفة وكان
وكيله قديما فثقل ذلك على الخليفة فقبض على حاجب الوزير فاستشعر الوزير من ذلك
فقصدوا دار السلطان مسعود في سميرية وسط النهار واقام بها فروسل في العود الى
منصبه فامتنع وكانت الكتب تعنون باسمه الى ان ورد جواب مكتوبات الخليفة الى
السلطان من المعسكر يقول له كلنا بحكمك فول من تريده واعزل من تريد فبعث اليه على
يدي صاحب المخزن وابن الانباري ونجاح الخادم فعزله من الوزارة وهو مقيم بدار
الملكة وذلك في ذي الحجة واستناب قاضي القضاة الزينبي وتقدم بفتح الديوان وجرت
الامور على العادة ثم ان قاضي القضاة مرض فاستنيب ابن الانباري
وتوفي رجل خير من باب الازج ونودي عليه واجتمع الناس في مدرسة عبد القادر للصلاة
عليه فلما اريد غسله عطس وعاش وحضرت جنازة اخرى فدخل عليه فصلى ذلك الخلق عليها
وتكاثرت
كبسات العيارين وصاروا يأخذون مجاهرة
وولي ابو الحسين الدامغاني قضاء الجانب الغربي وجلس ابن السهروردي للوعظ في
النظامية وحضر ارباب الدولة
وفي رمضان عزل ابن الصاحب من باب النوبي وولي مكانه ابن مسافر ثم عزل في ذي الحجة
وولي ابو غالب بن المعوج
وغارت المياء من اقطار الارض ونقص ماء دجلة نقصا لم ير مثله ورفعت كراسي الوعاظ من
جامع القصر
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
108 - احمد بن جعفر
ابن الفرج ابو العباس الحربي كان شيخا صالحا حسن السمت قليل الكلام مشغولا
بالعبادة سمع ابا عبد الله الحسين بن احمد النعالي وغيره وكان يقال انه رئي بعرفات
في بعض السنين التي لم يحج فيها ودخل عليه بعض اهل الحرسة قبل موته بيوم فقال له
اذا كان غدا واتفق ما يكون يعني موته فاخرج من المحلة فانك ترى عند العقد شيخا فقل
له مات احمد بن جعفر فلما مات خرج الرجل فرأى رجلا قائما على يمين الطريق قال فقال
لي قبل ان اكلمه مات الشيخ احمد فقلت نعم فمشى فاتبعته فلم الحقه وغاب عني في
الحال توفي في هذه السنة وصلى عليه في تربة القزويني ودفن بالحربية ثم نقل بعد ذلك
الى مقبرة باب حرب
109 - احمد بن منصور
ابن محمد بن عبد الجبار السمعاني ابو القاسم توفي في شوال
110 - احمد بن محمد
ابن الحسين بن علي ابو الحسن الياباني من أهل واسط ولد بها وسمع بها من المشايخ
وانتقل الى بغداد فسكنها وسمع بها من ابي الخطاب نصر بن النظر
وابي
القاسم بن فهد وكان حافظا لكتاب الله دينا خيرا يبين آثار الصلاح على وجهه توفي في
شعبان هذه السنة ببغداد
111 - احمد بن منصور
ابو المعالي الغزال سمع ابا الحسين بن النقور وابا نصر الزينبي وغيرهما وحدث وكان
خيرا يسقي الادوية بالمارستان العضدي وكان يعبر الرؤيا أتاه رجل يوم الجمعة الثامن
والعشرين من ربيع الآخر من هذه السنة فقال رأيت البارحة في النوم كأنك قدمت في هذا
الموضع وأشار الى خربة مقترنة بالمارستان ففكر ساعة ثم قال ترحموا علي ثم مضى فصلى
الجمعة في جامع المنصور ورجع الى المارستان فوصل قريبا من الموضع الذي عينه صاحب
المنام فسقط ومات فجاءة ودفن بمقبرة باب حرب
112 - ابراهيم بن سليمان بن رزق الله
ابو الفرج الورديسي الضرير وورديس قرية عند اسكاف سمع ابا محمد التيميمي وغيره
وكان فهما للحديث حافظا لأسماء الرجال ثقة سمع الحديث الكثير وحدث بشيء يسير وتوفي
يوم الجمعة سابع ربيع الأول ودفن بباب حرب
113 - ثابت بن حميد المستوفي
قبض عليه الوزير البروجردي فحبسه في سرداب بهمذان في الشتاء بطاق قميص فمات من
البرد وأخذ من ماله ثلثمائة ألف دينار
114 - جوهر الخادم الحبشي
خادم سنجر المعروف بالمقرب كان مستوليا على مملكته متحكما فيها فجاءه باطنية في زي
النساء فاستغاثوا اليه فقتلوه بالري في هذه السنة
115 - عبد السلام بن الفضل
ابو القاسم الجيلي سمع الحديث وتفقه على الكيا الهراسي وبرع في الفقه والاصول
وولي
القضاء بالبصرة وكان وقورا ذا هيئة وجرت حكوماته على السداد وكان ابو العباس بن
المعتي الواعظ البصري يقول ما بالبصرة ما يستحسن غير القاضي عبد السلام والجامع
توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة
116 - فاطمة بنت عبد الله
الخيري الفرضي ولدت في جمادى الاولى سنة احدى وخمسين وسمعت من ابن المسلمة وابن
النقور والصريفيني وغيرهم وحدثت عنهم وتوفيت ليلة الاثنين خامس رجب هذه السنة
ودفنت بباب ابرز
117 - المهدي بن محمد
ابو البركات نشأ ببغداد وكان واعظا حسن العبارة وسمع ابا الخطاب بن النظر والحسين
بن طلحة النعالي وثابت بن بندار وابا الحسين بن الطيوري وغيرهم فخسف بجنزة في هذه
السنة فهلك فيها عالم عظيم لا يحصى من المسلمين منهم المهدي
سنة
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه استوزر ابو نصر المظفر بن محمد بن جهير نقل من استاذية الدار
الى الوزارة ووصل الى بغداد رجل اظهر الزهد والنسك واقام في قرية السلطان بباب
بغداد فقصده الناس من كل جانب واتفق ان بعض اهل السواد دفن ولدا له قريبا من قبر
السبتي فمضى ذلك المتزهد فنبشه ودفنه في موضع ثم قال للناس في بعض الايام اعلموا
انني قد رأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه علي بن ابي طالب فسلمت عليهما وسلموا
علي وقالا لي ان في هذا الموضع صبي من اولاد امير المؤمنين علي بن ابي طالب وخطا
لي المكان وأشار الى ذلك الموضع فحفروه فرأوا الصبي وهو أمرد فمن وصل الى قطعة من
أكفانه فكأنه
قد
ملك الملك وخرج ارباب الدولة واهل بغداد وانقلب البلد وطرح في الموضع دساتيج الماء
الورد والبخور واخذ التراب للتبرك وازدحم الناس على القبر حتى لم يصل احد من كثرة
الزحام وجعل الناس يقبلون يد الزاهد وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع والناس تارز
يزدحمون عليه وتارة على الميت وبقي هذا اياما والميت مكشوف يبصره الناس ثم ظهرت
رائحته وجاء جماعة من اذكياء بغداد فافتقدوا كفنه فرأوه خاما ووجدوا تحته حصيرا
جديدا فقالوا هذا لا يمكن ان يكون على هذه الصفة منذ اربعمائة سنة فما زالوا
ينقبون عن ذلك حتى جاء السوادي فأبصره وقال هذا والله ولدي وكنت دفنته عند السبتي
فمضى معه قوم الى المكان فرأوا القبر قد نبش وليس فيه ميت فلما سمع الزاهد ذلك هرب
فطلبوه ووقعوا به فأخذوه فقرروه فأقر انه فعل ذلك حيلة فأخذ واركب حمارا وشهرو ذلك
في ربيع الآخر من هذه السنة
وفي يوم الاثنين تاسع ربيع الآخر نفذ السلطان مسعود كاسا لبهروز ليشربه فشربه
وعلقت بغداد وعمل سماعا عظيما في دار البرسقي فحضر عنده ارباب الدولة وحضر جميع
القيان واظهر الناس الطبول والزمور والفساد والخمور
واعترض على شيخ الشيوخ اسمعيل وقيل له لا تدخل ولا تخرج ولا يقربك احد من ابناء
الدنيا لاجل قربه من الوزير الزينبي
وفي ربيع الآخر اخذ المغربي الواعظ مكشوف الرأس الى باب النوبي لانه وجد في داره
خابية نبيذ مدفونة وآلات اللهو من عود وغيره فحبس وانهال عليه الناس يسبونه وكان
ينكر ذلك ويقول ان امرأته مغنية والآلات لها وما علمت وفي جمادى الآخرة عزل جماعة
من المعدلين ابن غالب واحمد بن الشارسوكي وابن جابر وابن شافع وابن الحداد وابن
الصباغ وابن جوانوه ثم عزل آخرون فقارب عدد الكل ثلاثين
وفي شوال فتحت المدرسة التي بناها صاحب المخزن بباب العامة وجلس للتدريس فيها ابو
الحسن ابن الخل وحضر قاضي القضاة الزينبي وارباب الدولة
والفقهاء
وحضرت مع الجماعة ووصل في ذي القعدة رسول من عند سنجر ومعه البردة والقضيب فسلمه
الى المقتفي
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
118 - اسمعيل بن محمد
ابن الفضل بن علي بن احمد ابو القاسم الطلحي من اهل اصبهان ولد سنة تسع وخمسين
سافر البلاد وسمع الكثير ونسخ واملى بجامع اصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس وهو
امام في الحديث والتفسير واللغة حافظ متقن دين توفي في ليلة عيد الاضحى من هذه
السنة باصبهان أنبأنا شيخنا ابو الفضل بن ناصر قال حدثني ابو جعفر محمد بن ابي
المرجي الاصبهاني وهو ابن اخي اسمعيل الحافظ قال حدثني احمد الاسواري وكان ثقة وهو
تولى غسل اسمعيل بن محمد الحافظ انه اراد ان ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل فجذبها
الشيخ اسمعيل من يده وغطى فرجه فقال الغاسل أحياة بعد موت
119 - عبد الرحمن بن محمد
ابن عبد الواحد بن الحسن بن مبارك ابو منصور القزاز المعروف بابن زريق كان من
اولاد المحدثين سمعه ابوه وعمه والكثير وكان صحيح السماع وسمع شيخنا أبو منصور من
ابن المهتدي وابن وشاح وابي الغنائم ابن الدجاجي وجابر ابن ياسين والخطيب وابي
جعفر ابن المسلمة وابي محمد الصريفيني وابي بكر الخياط وابي الحسين بن النقور
وغيرهم وكان ساكنا قليل الكلام خيرا سليما صبورا على العزلة حسن الاخلاق وتوفي في
شوال هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
120 - عبد الجبار بن احمد
ابن محمد بن عبد الجبار ابو منصور ابن توبة اخي المقدم ولد سنة اثنتين وستين وسمع
ابا الحسين ابن النقور وابا محمد الصريفيني وابا منصور ابن العكبري وابا نصر
الزينبي
وصحب ابا اسحاق الشيرازي وكان ثقة دينا صدوقا مليح الشيبة قيما بكتاب الله توفي في
جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب ابرز
121 - عطاء بن ابي السعد
ابن عطاء بن ابي عياض ابو محمد الفقاعي الثعلبي من اهل هراة ولد سنة اربع واربعين
واربعمائة وسمع ببغداد من ابي القاسم ابن البسري وابي نصر الزينبي وطراد وغيرهم
وكان من المريدين لعبد الله بن محمد الانصاري فضرب المثل به في ارادته له وخدمته
اياه ولما خرج عبد الله الانصاري الى بلخ جرت لعطاء مع النظام العجائب وكان النظام
يحتمله وخرج النظام الى غزو الروم فكان يعد ومعه فوقع احد نعليه فما التفت اليه
وخلع الآخر وعدا فأمسك النظام الدابة وقال اين نعلاك قال وقع أحدهما فما وثقت خشيت
ان تفوتني فقال فلم خلعت الآخر قال لان شيخي الانصاري اخبرني ان النبي صلى الله
عليه و سلم نهى ان يمشي الانسان في نعل واحدة فأعجب النظام ذلك وقال اكتب ان شاء
الله حتى يرجع شيخك الى هراة اركب بعض الجنائب فقال شيخي في المحنة وانا اركب
الجنائب لا افعل ذلك فعرض عليه مالا فلم يقبل وتحرك نعل فرس النظام فنزل الركابي
ليقامه فوقف النظام الفرس فقعد عطاء قريبا منه وجعل يقشر ايا كان رجله ويرمي بها
وقال للنظام ارم انت نعل الخيل ونرمي نحن جلد الرجل ونبصر ما يعمل القضاء ولمن
تكون العاقبة وقال له النظام الى كم تقيم هاهنا أمالك ام تبرها فقال نحن نحسن نقرأ
قال واي شيء مقصودك فأخرج كتابا من امه وفيه يا بني ان اردت الله ورضا امك فلاترجع
الى هراة ما لم يرجع شيخك الانصاري وآل الأمر الى أن حبس ثم اخرج فقدم الى خشبة
ليصلب فوصل في الحال من السلطان من امر بتركه فلما أطلق رجع الى التظلم والتشنيع
وتوفي في هذه السنة
122 - محمد بن احمد
ابن محمد بن عبد الجبار بن توبة ابو الحسين الاسدي العكبري ولد سنة خمس
وخمسين
واربعمائة وقرأ القرآن بروايات وكان حسن التلاوة وسمع الحديث من ابي الغنائم ابن
المأمون وابي جعفر ابن المسلمة وابي محمد الصريفيني وابي الحسين ابن النقور وابي
بكر الخطيب وغيرهم وقرأ شيئا من الفقه على ابي اسحاق وكان له سمت ووقار وبهاء توفي
يوم الثلاثاء سابع عشر صفر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب ابرز
123 - محمد بن عبد الباقي
ابن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن
الحارث بن عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري احد الثلاثة الذين تيب عليهم في قوله
تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا ابو بكر بن ابي طاهر ويعرف ابوه بصهر هبة الله
البزار ولد بالبصرة ونشأ بها وكنا نسأله عن مولده فقال أقبلوا على شأنكم فأني سألت
القاضي ابا المظفر هناد بن ابراهيم النسفي عن سنه فقال أقبل على شأنك فأني سألت
ابا الفضل محمد بن احمد الجارودي عن سنه فقال لي أقبل على شأنك فأني سألت ابا بكر
محمد بن علي بن زحر المنقري عن سنه فقال اقبل على شأنك فاني سألت ابا ايوب الهاشمي
عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فاني سألت ابا اسمعيل الترمذي عن سنه فقال لي أقبل
على شأنك فاني سألت البويطي عن سنه فقال لي أقبل على شأنك فأني سألت الشافعي عن
سنه فقال لي أقبل على شأنك فاني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال لي أقبل على شأنك ثم
قال لي ليس من المروءة ان يخبر الرجل عن سنه قال لنا شيخنا محمد بن عبد الباقي
ووجدت في طريق آخر قيل له قال لأنه ان كان صغيرا استحقروه وان كان كبيرا استهرموه
ثم قال لنا مولدي في يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين واربعين واربعمائة وذكر لنا
ان منجمين حضرا حين ولدت فأجمعا أن العمر اثنتان وخمسون سنة قال وها انا قد جاوزت
التسعين وانشدني ... احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ... سن ومال ما ستطعت ومذهب ...
فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ... بمموه ومكفر ومكذب
وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وأول سماعه الحديث من ابي اسحاق البرمكي في رجب سنة خمس واربعين حضورا وسمع من ابي الحسن الباقلاوي سنة ست واربعين وكان آخر من حدث في الدنيا عن ابي اسحاق البرمكي واخيه ابي الحسن علي بن عمر والقاضي ابي الطيب الطبري وابي طالب العشاري وابي الحسن علي بن ابراهيم الباقلاوي وابي محمد الجوهري وابي القاسم عمر بن الحسين الخفاف وابي الحسين محمد بن احمد بن حسنون وابي علي الحسن بن غالب المنقري وابي الحسين بن الآبنوسي وابي طالب بن ابي طالب المكي وابي الفضل هبة الله ابن المأمون فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم وقد سمع خلقا كثيرا يطول ذكرهم وكانت له اجازة من ابي القاسم علي بن المحسن التنوخي وابي الفتح بن شيطا وابي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي وتفقه على القاضي ابي يعلى بن الفراء وشهد عند قاضي القضاة ابي عبد الله الدامغاني وعمر حتى ألحق الصغار بالكبار وكان حسن الصورة حلو المنطق مليح المعاشرة وكان يصلي بجامع المنصور فيجيء في بعض الايام فيقف وراء مجلسي وانا على منبر الوعظ فيسلم علي واملي الحديث في جامع القصر فاستملى شيخنا ابو الفضل بن ناصر وقرأت عليه الكثير وكان فهما ثبتا حجة متقنا في علوم كثيرة منفردا في علم الفرائض وقال يوما صليت الجمعة بنهر معلى ثم جلست انظر الناس يخرجون من الجامع فما رأيت احدا أشتهي ان اكون مثله وكان يقول ما علم اني ضيعت من عمري ساعة في لهو ولعب وما من علم الا وقد حصلت بعضه او كله وكان قد سافر فوقع في ايدي الروم فبقي في اسرهم سنة ونصفا وقيدوه وجعلوا الغل في عنقه وارادوا ان ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل وتعلم بينهم الخط الرومي وسمعته يقول يجب على المعلم ان لا يعنف وعلى المتعلم ان لايأنف وسمعته يقول كن على حذر من الكريم اذا اهنته ومن اللئيم اذا اكرمته ومن العالم اذا احرجته ومن الاحمق اذا مازحته ومن الفاجر اذا عاشرته وسمعته يقول من خدم المحابر خدمته المنابر وانشدني لنفسه
بغداد
دار لأهل المال طيبة ... وللمفاليس دار الضنك والضيق ... ظللت حيران امشي في
أزقتها ... كأنني مصحف في بيت زنديق ...
وانشدني لنفسه ... لي مدة لا بد أبلغها ... فاذا انقضت وتصرمت مت ... لو عاندتني
الاسد ضارية ... ما ضرني مالم يجي الوقت ...
ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء ثابت العقل يقرأ الخط
الدقيق من بعد ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال قد نزلت في اذني مادة وما اسمع
فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين ثم زال ذلك وعاد الى الصحة ثم مرض
فأوصى ان يعمق قبره زيادة على ما جرت به العادة وقال لانه اذا حفر ما جرت به
العادة لم يصلوا الي وان يكتب على قبره قل هو نبأ عظيم انتم عنه معرضون ولم يفتر
عن قراءة القرآن الى أن توفي وتوفي يوم الاربعاء قبل الظهر ثاني رجب هذه السنة
وصلى عليه بجامع المنصور وحضر قاضي القضاة الزينبي ووجوه الناس وشيعناه الى مقبرة
باب حرب ودفن الى جانب ابيه قريبا من قبر بشر الحافي
124 - يوسف بن ايوب
ابن يوسف بن الحسن بن وهرة ابو يعقوب الهمذاني من اهل بوزنجرد قرية من قرى همذان
مما يلي الري نزيل مرو جاء الى بغداد بعد الستين واربعمائة فتفقه على الشيخ ابي
اسحاق حتى برع في الفقه وعلم النظر وسمع ابا الحسين ابن المهتدي وابا الغنائم وابا
جعفر ابن المسلمة وابا بكر الخطيب والصريفيني وابن النقور وغيرهم ورجع الى بلده
وتشاغل بعلم المعاملة وتربية المريدين فاجتمع في رباطه بمرو جماعة كثيرة من
المنقطعين وقال دخلت جبل زر لزيارة الشيخ عبد الله الجوشني وكان شيخه قال فوجدت
ذلك الجبل معمورا بأولياء الله تعالى كثير المياه كثير الاشجار وكل عين على رأسها
واحد من الرجال
مشتغل
بنفسه صاحب مجاهدة فكنت أدور عليهم وأزورهم ولا اعلم في ذلك حجرا لم تصبه دمعتي
وقدم الى بغداد سنة ست وخمسمائة فوعظ بها فظهر له قبول تام وقام اليه رجل يعرف
بابن السقاء فآذاه وجرت له في ذلك المجلس قصة قد ذكرتها في سنة ست ثم عاد الى مرو
ثم خرج الى هراة ثم رجع الى مرو ثم عاد الى هراة فلما رجع الى مرو توفي بقرية
قريبة من هراة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الاول من هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة ست وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه مات ابراهيم السهولي رئيس الباطنية فأحرقه ولد عباس شحنة
الري في تابوته
وفيها دخل خوارزمشاه مرو وفتك فيها مراغمة لسنجر حين تمت عليه الهزيمة وقبض على
ابي الفضل الكرماني متقدم الحنفيين وعلى جماعة من الفقهاء
وفيها عمل بثق النهروان وخلع بهروز على الصناع جميعهم جباب ديباج رومي وعمائم قصب
مذهبة وبنى قرية سماها المجاهدية وبنى لنفسه تربة هناك ووصل السلطان عقيب فراغه
وجريان الماء في النهر فقعد هو والسلطان في سفينة وسارا في النهر المحفور وفرح
السلطان بذلك وقيل انه كاتبه في تضييع المال فقال له قد انفقت عليه سبعين الف
دينار انا اعطيتك اياها من ثمن التبن وحده ثم انه عزله من الشحنكية وولى قزل فظهر
من العيارين ما حير الناس وذاك ان كل قوم منهم احتموا بأمير فأخذوا الاموال وظهروا
مكشوفين وكانوا يكبسون الدور بالشموع ويدخلون الحمامات وقت السحر فيأخذون الاثواب
وكان ابن الدجاجي جالسا ليلة بالحربية فكبسوها واخذوا عمامته ودخلوا الى خان بسوق
الثلاثاء بالنهار وقالوا ان لم تعطونا احرقنا الخان ولبس الناس السلاح لما زاد
النهب واعانهم وزير السلطان فظهروا وقتلوا المصالحة وزادت الكبسات حتى صار الناس
لا يظهرون من المغرب ثم ان السلطان اطلق
الناس
في العيارين فتتبعوا ودخل مسعود الى داره ومضى اليه الوزير ابن جهير يوم الثلاثاء
خامس عشرين ربيع الاول من هذه السنة ودخل الوزير ابن طراد الى السلطان مسعود وسأله
ان يسأل أمير المؤمنين ان يرضى عنه ويعيده الى داره فسلمه الى وزيره وقال له تمضي
وتسأل أمير المؤمنين بشفاعتي وأخذه صحبته الى داره التي في الاجمة واقام عنده
اياما والرسل تردد بينه وبين امير المؤمنين والساعي في ذلك صاحب المخزن وامير
المؤمنين يعد ذنوبه ومكاتباته واساآته ومضى الوزير في الشفاعة وجعل يقول يا مولانا
ما زالت العبيد تجني والموالي تعفو وقد اتصل السؤال من جانبي سنجر ومسعود فاجاب
وعفا عنه فلما كان يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الاول ركب الوزيران في الماء وجميع
الامراء والخدم والخواص ويرنقش الزكوي ودخلوا من باب الشط فقعدوا في بيت النوبة
واستأذنوا فأذن لوزير السلطان وحده فدخل وقبل الارض ووقف بين يدي امير المؤمنين
وقال يا مولانا السلطان سنجر يسأل ويتضرع الى امير المؤمنين في قبول شفاعته في
الزينبي وكذلك مسعود يقبل الارض ويقول له حق خدمة وان كان بدا منه سيئة فقد قال
الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وقال وليعفوا وليصفحوا ورأى أمير المؤمنين في
ذلك اعلى فأخذ امير المؤمنين يعدد سيئاته ثم قال عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم
الله منه وقد أجبت السلطانين الى سوالهما وعفوت عنه ثم اذن له فدخل هو والامراء
فوقفوا وراء الشباك وكشفت الستارة فقبلوا الارض بين يديه ثم مضى الى داره وعاد
الوزير الى مسعود فأخبره بما جرى
وفي جمادى الاولى في كانون الاول اوقدت النيران على السطوح ببغداد ثلاث ليال وضربت
الدبادب والبوقات حتى خشي على البلد من الحريق فنودي في الليلة الرابعة بازالته
وفي جمادى الآخرة ورد الخبر بالوقعة التي جرت بين سنجر وبين كافر ترك
وكانت
الوقعة فيما وراء النهر وبلغت الهزيمة الى ترمذ وافلت سنجر في نفر قليل فدخل الى
بلخ في ستة أنفس وأخذت زوجته وبنت بنته زوجة محمود وقتل من أصحاب سنجر مائة ألف أو
أكثر وقيل انهم احصوا من القتلى احدى عشر الفا كلهم صاحب عمامة واربعة آلاف امرأة
وكان سنجر قد قتل اخا خوارزم شاه الى كافر ترك وكان بينهما هدنة وقد تزوج اليه
فسار اليه في ثلثمائة الف فارس وكان هو معه مائة الف فارس فضربوا على سنجر فلم تر
وقعة اعظم منها وكانت في محرم هذه السنة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
125 - احمد بن محمد
ابن علي بن احمد بن عمر بن الحسن بن حمدي ابو جعفر العدل سمع الحديث من ابي محمد
بن ايوب وغيره وشهد عند ابي القاسم الزينبي وكان له سمت حسن ودين وافر وطريقة
مرضية ومذهب في النظافة شديد وكان واصلا لرحمه كثير التصدق على الفقراء وكان يسرد
الصوم ولا يفطر الا الايام المحرم صومها وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة
وصلى عليه بجامع القصر ودفن في داره بخرابة الهراس ثم نقل بعد مدة الى مقبرة باب
حرب
126 - احمد بن محمد
ابن علي بن محمود بن ابراهيم بن ماخرة ابو سعد الزوزني ولد في ذي الحجة سنة تسع
واربعين وسمع القاضي ابا يعلى وابن المسلمة وابن المهتدي وحدثنا عنهم وهو آخر من
حدث عن القاضي ابي يعلى وكان قد مضى الى صريفين فسمع الجعديات كلها من ابي محمد
الصريفيني وسمع من ابي علي بن وشاح وجابر بن ياسين وابي الحسين ابن النقور وابي
منصور ابن العكبري وابي بكر الخطيب وغيرهم وكانوا ينسبونه الى التسمح في دينه وحكى
ابو سعد السمعاني انه كان منهمكا في الشرب
فلا
ادري من اين علم ذلك ومرض فبقي خمسة وثلاثين يوما بعلة النصب لم يضطجع وتوفي يوم
الخميس تاسع عشر شعبان من هذه السنة ودفن يوم الجمعة عند رباط جده ابي الحسن
الزوزني حذاء جامع المنصور قال شيخنا ابو الفضل ابن ناصر رأيته في المنام وعليه
ثياب حسنة فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي فقلت له واين انت قال انا وابي في
الجنة
127 - اسمعيل بن احمد
ابن عمر بن ابي الاشعث ابو القاسم السمرقندي ولد بدمشق في رمضان سنة اربع وخمسين
وسمع شيوخ دمشق ثم بغداد فسمع ابن النقور وكان يلازمه حتى قال سمعت منه جزء يحيى
بن معين اثني عشرة مرة وسمع الصريفيني وابن المسلمة وابن البسرى وغيرهم ثم انفرد
باشياخ لم يبق من يروي عنهم غيره وكان مكثرا فيه وكان دلالا في بيع الكتب فدار على
يده حديث بغداد باشياخ فادخر الاصول وسمع منه الشيوخ والحفاظ وكان له يقظة ومعرفة
بالحديث واملى بجامع المنصور زيادة على ثلثمائة مجلس وسمعت منه الكثير بقراءة
شيخنا ابي الفضل بن ناصر وابي العلاء الهمذاني وغيرهما وبقراءتي وكان ابو العلاء
يقول ما اعدل به احدا من شيوخ خراسان ولا العراق انبأنا ابو القاسم السمرقندي قال
رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم كانه مريض وقد مد رجله فدخلت فجعلت اقبل
اخمص رجليه وامر وجهي عليهما فحكيت هذا المنام لابي بكر ابن الخاضبة فقال أبشر يا
ابا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية عنك لاحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
فان تقبيل رجليه اتباع اثره وأما مرض النبي صلى الله عليه و سلم فوهن يحدث في
الاسلام فما أتى على هذا إلا قليل حتى وصل الخبر ان الافرنج استولت على بيت المقدس
وتوفي شيخنا اسمعيل ليلة الثلاثاء سادس عشرين ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة
وثلاثة اشهر ودفن بباب حرب في المقابر المنسوبة الى الشهداء وهذه المقبرة قريبة من
قبر احمد ولا نعرف لهذا
الذي
يقال لها اصلا وقد اخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال اخبرنا ابو بكر الخطيب
قال لم ازل اسمع العامة تذكر انها قبور من اصحاب امير المؤمنين علي بن ابي طالب
كانوا شهدوا معه قتل الخوارج بالنهروان وارتثوا في الوقعة ثم لما رجعوا ادركهم
الموت في ذلك الموضع فدفنهم علي عليه السلام هنالك وقيل ان فيهم من له صحبة قال
وقد كان حمزة بن محمد بن طاهر وكان من اهل الفهم له قدم في العلم ينكر ما قد استمر
عند العامة من ذلك ويقول لا اصل له
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ عن ابي محمد ابن السراج قال رأيت منذ خمسين سنة مقابر
الشهداء عند الوهدة وقد انقلبت الجبانة وبرزت جمجمة عند طاقة ريحان طرية
128 - اسمعيل بن عبد الوهاب
ابن اسمعيل ابو سعد الفوشنجي نزيل هراة ولد سنة احدى وستين وسمع ابا صالح المؤذن
وابا بكر بن خلف وحمد بن احمد وورد بغداد فسمع من ابن نبهان وابن بيان وغيرهما
وتفقه وكان دائم الذكر متعبدا ثم مضى الى هراة فسكنها الى ان توفي بها في هذه
السنة وكان يفتيهم
129 - آدم بن احمد
ابن اسد ابو سعد الاسدي الهروي من اهل هراة سكن بلخ وكان اديبا فاضلا عالما باللغة
ودخل بغداد وحدث بها وقرئ عليه بها الادب وروى عبد الكريم بن محمد انه جرى بين هذا
الاسدي وبين شيخنا ابي منصور ابن الجواليقي نوع منافرة في شيء اختلفا فيه فقال له
الاسدي انت لا تحسن ان تنسب نفسك فان الجواليقي نسبة الى الجمع والنسبة الى الجمع
لا تصح توفي الاسدي في شوال هذه السنة
130 - احمد بن منصور
ابن احمد ابو نصر الصوفي الهمذاني كان حسن الصورة مليح الشيبة لطيف
الخلقة
مائلا الى اهل الحديث والسنة كثير التهجد لتلاوة القرآن سمعت عليه الحديث في رباط
بهروز الخادم وكان شيخ الرباط فاوصى ان يحضر شيخنا ابو محمد المقرئ غسله ويصلي
عليه فشق ذلك على اصحاب الشافعي وكانت وفاته يوم الجمعة ثامن عشر رمضان عن سبع
وتسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره ودفن بالشونيزية في صفة الجنيد
131 - خاتون امرأة المستنظر بالله
قد ذكرنا حالها في تزويج المستظهر بها وفي تزويج ملك كرمان بها وكانت دارها حمى
ولها الهيبة والاصحاب وورد الخبر بموتها فقعد لها في العزاء يومين في الديوان
132 - محمد بن جعفر
ابن محمد بن احمد ابو بكر التميمي من اهل اصبهان من بيت الحديث والعدالة ولد في
سنة سبع وستين واربعمائة باصبهان وسمع من عبد الوهاب بن منده وغيره وكان ثقة كثير
التعبد وقدم بغداد للحج فخرج معهم وهو مريض فتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ذي القعدة
ودفن بزبالة
133 - محمد بن الحسين
ابن محمد ابو الخير التكريتي يلقب بالتيرك سمع ابا محمد السراج وكان شيخا صالحا
متشاغلا بما ينفعه سافر الكثير وسكن في آخر عمره برباط الزوزني المقابل لجامع
المنصور قال المصنف ورأيته انا وتوفي في هذه السنة ودفن على باب الرباط
134 - محمد بن محمد
ابن محمد بن ابي بكر ابو محمد السهلوكي الخطيب خطيب بسطام مدينة بقومس وقاضيها سمع
بها من ابي الفضل السهلوكي وببغداد من ابي محمد التميمي ونظام الملك وغيرهم وتوفي
في ربيع الاول من هذه السنة ببسطام
135
- محمود بن احمد
ابن عبد المنعم بن احمد بن محمد بن ماساده ابو منصور الواعظ من اهل اصبهان سمع
الحديث وتفقه على ابي بكر الخجندي وارتفع امره وعرض جاهه فصار المرجع اليه وكان
يفسر ويعظ بفصاحة وورد بغداد بعد العشرين وخمسمائة فوعظ بجامع القصر وعاد الى
اصبهان فتوفي بها في هذه السنة
136 - نصر بن احمد
ابن محمد بن مخلد ابو الكرم الازدي يعرف بابن الجلخت من واسط آخر من روى عن ابي
تمام علي بن محمد القاضي وقد سمع من جماعة وكان ثقة صالحا من بيت الحديث وتوفي في
ذي الحجة من هذه السنة
137 - هبة الله بن أحمد
ابن عبد الله بن علي بن طاوس ابو محمد المقري البغدادي انتقل والده الى دمشق
فسكنها فولد هو بها في سنة اثنتين وستين واربعمائة ونشأ وكان مقرئا فاضلا حسن
التلاوة وختم القرآن عليه خلق من الناس واملى الحديث وكان ثقة صدوقا وتوفي في محرم
هذه السنة ودفن في مقبرة باب الفراديس بظاهر دمشق وحضره خلق عظيم
138 - يحيى بن علي
ابن محمد بن علي الطراح ابو محمد المدير ولد بنهر القلائين في سنة تسع وخمسين
واربعمائة ونشأ بها ثم انتقل الى الجانب الشرقي سمع ابا الحسين بن المهتدي وابا
جعفر بن المسلمة وابا محمد الصريفيني وابا الغنائم بن المامون وابا الحسين ابن
النقور وابا بكر الخياط وابا القاسم بن البسري والمهرواني وغيرهم وكان سماعه صحيحا
وكان من اهل السنة شهد له بذلك شيخنا ابن ناصر وكان له سمت المشائخ ووقارهم
وسكونهم مشغولا بما يعنيه وكان كثير الرغبة في الخير
وزيارة
القبور وسمعنا عليه كثيرا وكان مديرا لقاضي القضاة ابي القاسم الزينبي وتوفي ليلة
الجمعة رابع عشرين رمضان هذه السنة ودفن بالشونيزية
139 - يحيى بن علي
ابو يعلى الباجرائي تفقه وتقدم وبرع وناظر وهو صغير السن واختطف في زمن الشبيبة
ودفن في مقبرة جامع المنصور
سنة
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان ابن طلحة صاحب المخزن عاد من الحج منصرفا تاركا للعمل فنظر
ابو القاسم علي بن صدقة من غير وكالة
ووصلت سفن فيها خمر فربطت مما يلي باب المدرسة فأنكر الفقهاء ذلك فضربوا وجاء
الأعاجم فكبسوا المدرسة وضربوا الفقهاء ولزم ابن الرزاز المدرس بيته وكان جميع
المعيدين يجتمعون بالاعاجم
وارسل السلطان سنجر الى السلطان مسعود يأذن له في التصرف في الري وما يجري معها
على عادة السلطان محمد ويجمع العساكر ويكون مقيما بالري بحيث ان دعته حاجة استدعاه
لأجل ما كان نكب به سنجر من الكفار
ووصل الى بغداد عباس شحنة الري بعسكر كثير وخدمه الخدمة الوافرة ووصل اليه جماعة
من الامراء فأشار عباس بقصد الري واشار الوزير عز الملك بقصد ساوة فقبل قول عباس
وفي جمادى الاولى وصل الخبر بان زنكي ملك قلعة الحديثة ونقل من كان فيها من آل
مهارش الى الموصل ورتب اصحابه فيها
وفي جمادى الآخرة استدعى ابو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة وخلع عليه ورتب في
المخزن
وفي حادي عشر شعبان جرت للشيخ ابي محمد المقرئ وهلة وخرج من مسجده
وسبب
ذلك ان ضريرا يقال له علي المشتركي خاصم غلاما كان يخدم الشيخ وخرج عن المسجد وصلى
في مسجد الشافعية ثم سكن مسجد يانس وصار له جمع من العميان وكانت الفتن تجري بينهم
وبين اصحاب الشيخ ويبلغون الى حاجب الباب وكان يتعصب للمشتركي الركاب سلار فنفذ
الى الشيخ كلاما صعبا فغضب الشيخ وعبر الى الحربية فأقام ثلاثة ايام ثم عاد فنفذ اليه
حاجب الباب فاحضره فاذا المشتركي جالس عنده على الدكة فقال له قد برز توقيع شريف
بمصالحتكم فأبى ذلك وعاد الى المسجد ومعه الغوغاء فصعب ذلك على حاجب الباب فكتب
واطنب ثم نفذ اليه انه قد تقدم باخراجك من المسجد ونفذ معه الرجالة الى الشرط
وختموا داره ومسجده فاقام بالحربية ثم برز توقيع بعوده فعاد
وفي غرة ذي القعدة ورد الخبر بان ابنة دبيس ولدت للسلطان مسعود ولدا ذكرا فعلقت
بغداد وأخذ الناس في اللعب سبعة ايام ثم ظهر المفسدون وقتلت المصالحة واخذت اموال
الناس وعزل ابو الكرم الوالي ورتب مكانه رجل يقال له ابن صباح فكان يطوف ولا ينفع
حمايته
وتقدم المقتفي ان لا يخاطب احد بموادنا سوى الوزير ولا يحمل لأحد غاشية على الكتف
سوى قاضي القضاة الزينبي
وفي يوم الاربعاء تاسع ذي القعدة استدعى القاضي ابو يعلى محمد بن محمد بن الفراء
الى دار قاضي القضاة الزينبي وفوض اليه قضاء واسط فوصل اليها يوم الاحد حادي عشر
ذي الحجة وجلس للحكم في الجامع
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
140 - ابراهيم بن محمد
ابن ابراهيم بن سالم بن علوي بن جحاف ابو منصور الهيتي ولد بهيت في سنة ستين وسمع
ابا نصر النرسي وابا الغنائم بن ابي عثمان وابا طاهر البلاقلاوي وتفقه على ابي عبد
الله الدامغاني وبرع في المناظرة وسمع شهادته قاضي القضاة الزينبي واستنابه
في
القضاء وتوفي يوم الخميس حادي عشر شوال هذه السنة ودفن بمقبرة الخيزران
141 - ابراهيم بن هبة الله
ابن علي بن عبد الله ابو طالب من اهل ديار بكر سمع الحديث من جماعة روى عنهم وكان
دائم التلاوة للقرآن الكريم كثير الذكر فقيها مناظرا توفي في هذه السنة
142 - احمد بن ابي الحسين
ابن احمد بن ربعة ابو الحارث الهاشمي ولد قبل الستين واربعمائة وسمع ابا الحسين
ابن الطيوري وكان يؤم في جامع المنصور في الصلوات الخمس وكان فيه خير وكان يحضر
مجلسي كثيرا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن في مقبرة بين جامع المنصور وشارع
دار الدقيق
143 - الحسين بن علي
ابن احمد بن عبد الله المقرئ ابو عبد الله الخياط ولد في رمضان سنة ثمان وخمسين
سمع ابن المأمون والصريفيني وابن النقور وغيرهم وحدثنا عنهم وقرأت عليه القرآن
والحديث وكان صالحا يأكل من كد يده من الخياطة توفي في ذي الحجة من هذه السنة
144 - سليمان بن محمد
ابن الحسين ابو سعد القصار المعروف بالكافي الكرجي من بلد الكرج سمع الحديث وتفقه
وبرع في الفقه والاصول وتكلم مع الائمة الكبار وكان اعرفهم بأصول الفقه توفي
بالكرج في هذه السنة
145 - عبد الله بن محمد
ابن محمد البيضاوي ابو الفتح سمع الحديث من ابن النقور وغيره وشهد وصار حاكما
فسمعت عليه الكثير وتوفي في جمادى الاولى من هذه السنة وصلى عليه بجامع
المنصور
اخوه لأمه قاضي القضاة ابو القاسم الزينبي ودفن بمقبرة باب حرب
146 - محمد بن الحسين
ابن عمر ابو بكر الأرموي تفقه على ابي اسحاق الشيرازي وسمع من ابن النقور وغيره
وكان ببغداد رجل يقال له محمد بن الحسين الارموي فاشتبه الاسمان فترك هو الرواية
توفي في ليلة السبت سابع محرم هذه السنة ودفن قريبا من ابن سريج
147 - محمد بن عبد الله
ابن احمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد الاسدي ابو الفضل الخطيب ولد في عشر ذي
الحجة الاول من سنة تسع واربعين وسمع ابا الحسين ابن المهتدي وابا الغنائم ابن
المأمون وابا الحسين ابن النقور وطرادا وابا الوفاء بن الحسين القواس وهو جده لأمه
وغيرهم وحدث وقرأ بالقراآت وشهد عند أبي الحسن الدامغاني وردت اليه الخطابة بجامع
المنصور ثم في جامع القصر وسرد الصوم نيفا وخمسين سنة وكان رجلا صالحا وتوفي يوم
الخميس ثامن عشرين جمادى الاولى ودفن في دكة قبر الامام احمد عند جده لأمه ابي
الوفاء ابن القواس بعد فتنة تلوفيت فان المقتفي وقع بذلك ومنعت العامة
سنة
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان السلطان جمع العساكر لقصد الموصل والشام وترددت رسل زنكي حتى
تم الصلح على مائة الف دينار تحمل في ثوب فحمل ثلاثين الفا ثم تقلبت الاحوال
فاحتيج الى مداراة زنكي وسقط المال وقيل بل خرج ابن الأنباري فقبض المال
وفي هذه السنة قبض السلطان على ترشك المقتفوي وحمل الى قلعة خلخال وقدم السلطان
مسعود في ربيع الآخر فنزل اصحابه في دور الناس وتضاعف فساد العيارين
بدخوله
وكثرت الكبسات والاستقفاء نهارا ونقل الناس رحالهم الى دار الخلافة وباب المراتب
وكان اللصوص يمشون بثياب التجار في النهار فلا يعرفهم الانسان حتى يأخذوه فأخذت
خرق الصيارف وضاقت المعايش واعيد الى الولاية ابو الكرم الهاشمي في جمادى الاولى
فطاف البلد وأخذ ثلاثة فلم ينفع وكان للعيارين عيون على الناس من النساء والرجال
يطوفون الخانات الرحبة والصيارف والجوهريين فاذا عاينوا من قد باع شيئا تبعوه
واخذوا ما معه وكانوا يجتمعون في دور الذين يحمونهم في دار وزير السلطان ودار
يرنقش واخذوا اخرق الصيارف وجرحوهم ولقوا رجلا قد باع دابة بخمسة وعشرين دينارا
فضربوه بالسيف واخذوها فنفر الناس وغلقوا دكاكينهم وغلقوا باب الجامع وتلقوا
السلطان في الميدان ومعهم ابن الكواز الزاهد فاستغاثوا اليه فلم يجبهم فعادوا
مرارا وهو لا يلتفت وكان في العيارين ابن قاورت وهو ابن عم السلطان مسعود فاخذ
بعملات فتقدم السلطان بصلبه فصلبة بباب درب صالح الذي فيه بيته وصلب معه ثلاثة من
اصحابه ثم اباح السلطان دماءهم فصلب منهم جماعة فسكن الناس
وفي رجب خرج ملك البطائح الى تل علم فشاهده فكان طوله نحو ثمانمائة ذراع وعرضه نحو
اربعمائة ذراع
وفي هذه السنة قدم مع السلطان فقيه كبير القدر اسمه الحسن بن أبي بكر النيسابوري
وكان من اصحاب ابي حنيفة وكانت له معرفة حسنة باللغة وفهم جيد في المناظرة وجالسته
مدة وسمعت مجالسه كثيرا فجلس بجامع القصر وجامع المنصور واظهر السنة وكان يلعن
الاشعري جهرا على المنبر ويقول كن شافعيا ولا تكن اشعريا وكن حنفيا ولا تكن
معتزليا وكن حنبليا ولا تكن مشبها ولكن ما رأيت اعجب من اصحاب الشافعي يتركون
الاصل ويتعلقون بالفرع ومدح الأئمة الأربعة وذم الاشعري ثم قال زاد في الشطرنج بغل
والبغل مختلط النسب ليس له اصل صحيح فقام في الاسبوع الثاني ابو محمد ابن الباطوخ
فأنشده قصيدة فيها هذا المعنى وهي
صرف
العيون اليك يحلو ... وكثير لفظك لا يمل ... والناس لو متعتهم ... بك الف عام لم
يولوا ... من اين وجه ملالهم ... وغرامهم بك لا يقل ... لو رمت بذل نفوسهم ...
بذلوا رضا لك واستقلوا ... وافيت فابتسم الهدى ... وانار دين مضمحل ... ونهضت في
نصر الكتا ... ب بحد غضب لا يفل ... لمعانه يوم التنا ... ضل لالأدلة يستهل ...
أنعشت خامل معشر ... من بعد أن ضعفوا وقلوا ... وعقدت حين نصرتهم ... في الدين
عقدا لا يحل ... وقمعت اخدان الضلا ... ل فهان ذكرهم وذلوا ... وقطعت شملهم فليس
لهم بحمد الله شمل ... كم ذا التحدي بالدليل لهم وكم عجزوا وكلوا ... انذرهم فان
انتهوا ... عن كفرهم اولا فقتل ... ما ثم غير ابي حنيفة والمديح له يجل ... وفقيه
طيبة مالك ... طود له زهد وفضل ... وفتى ابن حنبل والحديث عن ابن حنبل ما يمل ...
والشافعي ومن له من بعد من قدمت مثل ... فهم ادلتنا ومن ... يهدي بغيرهم يضل ... كنا
نعد خلافهم ... صلحا وندرسه ونتلو ... حتى بلينا بالخلا ... ف وزاد في الشطرنج بغل
... والجنس يضبط في البها ... ئم اصلها والبغل بغل ...
وجلس يوم الجمعة العشرين من رجب في دار السلطان فحضر السلطان مسعود مجلسه فوعظه
فبالغ وكان قد كتب على المدرسة النظامية اسم الاشعري فتقدم السلطان بمحوه وكتب
مكانه اسم الشافعي وكان ابو الفتوح الاسفرائيني
يجلس
في رباطه ويتكلم على مذهب الاشعري فتجري الخصومات فمضى ابو الحسن الغزنوي الواعظ
الى السلطان فاخبره بالفتن وقال انما ابو الفتوح صاب فتنة وقد رجم ببغداد مرارا
والصواب اخراجه من البلد فتقدم السلطان واخرج في رمضان وخرج ابو عبد الله ابن
الانباري الى الموصل لاقرار زنكي على ولايته واستثنى من اقطاعه صريفين واذن في
اقامة الجمعة بجامع ابن بهليقا فصار احد الجوامع المذكورة وأخذ رجال يقال انه فسق
بصبي فترك في جب ورقي الى رأس منارة مدرسة سعادة ثم رمى به الى الارض فهلك
وفي شوال برز السلطان مسعود طالبا همذان وزلزلت الارض ليلة الثلاثاء رابع عشرين ذي
القعدة فكانت رجة عجيبة كنت مضطجعا على الفراش فارتج جسدي منها
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
148 - احمد بن عبد العزيز
ابن ابي يعلى الشيرازي ابو نصر بن القاص والقاص هو ابو يعلى كان احمد مليح الهيئة
حسن الشيبة كثير البكاء يحضر مجلس شيخنا ابي الحسن الزاغوني فيبكي كثيرا وتوفي يوم
الاثنين تاسع ذي القعدة ودفن بمقبرة باب حرب
149 - عبد الوهاب بن المبارك
ابن احمد بن الحسن الانماطي ابو البركات الحافظ ولد في رجب سنة اثنتين وستين
واربعمائة وسمع ابا محمد الصريفيني وابا الحسين ابن النقور وابا القاسم ابن البسري
وابا نصر الزينبي وطرادا وكان ذا دين وورع وكان قد نصب نفسه للحديث طول النهار
وسمع الكثير من خلق كثير وكتب بيده الكثير وكان صحيح السماع ثقة ثبتا وكنت اقرأ
عليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه اكثر من استفادتي بروايته وكان على طريقة
السلف وانتفعت به ما لم انتفع بغيره ودخلت عليه وقد بلى وذهب لحمه فقال لي ان الله
لا يتهم في قضائه وتوفي
يوم
الخميس حادي عشر محرم هذه السنة وصلى عليه ابو الحسن الغزنوي ودفن بالشونيزية
150 - عبد الخالق بن عبد الصمد
ابن علي بن الحسين بن عثمان الشيباني ابو المعالي ويعرف بابن البدن ولد سنة اثنتين
وخمسين وسمع ابا الحسين ابن المهتدي وابا جعفر ابن المسلمة وابن النقور والزينبي
وغيرهم وحدثنا عنهم وكان سماعه صحيحا وكان عبدا صالحا سريع الدمعة وتوفي ليلة
الخميس لليلة بقيت من جمادى الاولى من هذه السنة
151 - علي بن طراد
ابن محمد بن علي بن ابي تمام الزينبي ويكنى ابا القاسم ولد سنة اثنتين وستين
واربعمائة سمع اباه وعمه ابا نصر وابا طالب وابا محمد التميمي وابا القاسم بن
بشران وابن السراج وابن النظر وولى نقابة النقباء ولاه المستظهر وخلع عليه ولقبه
الرضا ذا الفخرين وهي ولاية ابيه وركب معه ثم وزر للمسترشد والمقتفي وابوه طراد
ولى نقابة النقباء وابوه ابو الحسن محمد ولى نقابة النقباء وابوه ابو القاسم علي
ولي نقابة النقباء وابوه ابو تمام كان قاضيا وتقلبت بعلي بن طراد احوال عجيبة من
ولاية وعزل الى ان خرج مع المسترشد وهو وزيره لقتال الأعاجم فأسر هو وارباب الدولة
ثم أطلقوا ووصل الى بغداد واشار بعد قتل المسترشد بالمقتفي ووزر له ثم تغير
المقتفي عليه فاستجار بذلك السلطان الى أن سئل فيه وأعيد الى بيته وتوفي بكرة
الاربعاء غرة رمضان هذه السنة عن ست وسبعين سنة وكان قد اوصى الى ابن عمه قاضي
القضاة علي بن الحسين فامضى المقتفي تلك الوصية وبعث له الاكفان والطيب ودفن بداره
الشاطئية بباب المراتب ثم نقل الى تربته بالحربية ليلة الثلاثاء سادس عشر رجب سنة
اربع واربعين وجمع على نقله الوعاظ فوعظوا في داره الى وقت السحر ثم اخرج والقراء
معه والعلماء والشموع الزائدة في الحد
152
- محمد بن احمد
ابن محمد بن ابراهيم الدقاق ابو الحسن المعروف بابن صرما وهو ابن عمة شيخنا ابي
الفضل بن ناصر ولد يوم الخميس النصف من شعبان سنة ستين واربعمائة وسمع من ابي محمد
الصريفيني وابي الحسين ابن النقور وابي القاسم ابن البسرى وغيرهم وحدثنا عنهم وكان
شيخا صالحا ستيرا توفي يوم الثلاثاء منتصف شعبان ودفن بمقبرة باب حرب
153 - محمد بن الخضر
ابن ابراهيم ابو بكر المحولي خطيبها وامامها سمع الحديث ورواه وقرأ بالقراآت على
ابي طاهر بن سوار وابي محمد التميمي وكان يقول قرأت على ابي طاهر بن سوار الروايات
في خمس عشرة سنة وما كنت اجمع بين الروايتين والثلاث كنت اختم لكل رواية ختمة وما
احد الا هكذا وكان فصيحا وكان مشتهرا بالتجويد وحسن الاداء واعطي فصاحة وخشوعا
وكان الناس يقصدون صلاة الجمعة وراءه لذلك وكان صالحا دينا توفي يوم السبت ثامن
عشر ذي القعدة ودفن بالمحول
154 - محمد بن الفضل
ابن محمد ابو الفتوح الاسفرائيني ويعرف بابن المعتمد ولد سنة اربع وسبعين
باسفرائين دخل بغداد فأقام بها مدة يتكلم بمذهب الأشعري ويبالغ في التعصب وكانت
الفتن قائمة في ايامه واللعنات في الاسواق وكان بينه وبين الغزنوي معارضات حسد
فكان كل منهم يذكر الآخر على المنبر بالقبيح فلما قتل المسترشد وولي الراشد ثم خرج
من بغداد خرج ابو الفتوح مع الراشد الى الموصل فلما توفي الراشد سئل في حقه
المقتفي فأذن له في العود الى بغداد فدخل وتكلم واتفق ان جاء الحسن بن ابي بكر
النيسابوري الى بغداد فوعظ وذم الأشعرية وساعده الخدم ووجد الغزنوي فرصة فكلم
السلطان مسعودا في حق ابي الفتوح فأمر
باخراجه
من البلد وبلغني ان السلطان قال للحسن النيسابوري تقلد دم ابي الفتوح حتى اقتله فقال
لا اتقلد فوكل بابي الفتوح يوم الجمعة ويوم السبت واخرج يوم الاحد ووقف له عند
السور خمسة عشر تركيا وجاء منهم واحدا واثنان اليه فقال تقوم للمناظرة فخرج غير
متأهب ولا مزود لسفر وذلك في شعبان فلما خرج من رباطه تبعه خلق كثير فلما وصلوا
الى السور ضربوا الاتراك فرجعوا وكان قد سلم الى قيماز الحرامي فتبعه جماعة ليحمل
الى همذان ثم سلم الى عباس فبعثه الى اسفرائين واشترط عليه متى خرج من بلده اهلك
فأخذ بلجام فرسه وسير به ناحية النهروان وحده وخرج اهله واولاده فمضوا الى رباط
حموه وهوابو القاسم شيخ فخرج هو وابو منصور ابن البزاز ويوسف الدمشقي وابو النجيب
الى السلطان يسألون فيه فلم يلتفت اليهم ونودي في البلد لا يذكر احد مذهبا ولا
يثير فتنة فانخزلت الاشاعرة وحمل ابو الفتوح الى ناحية خراسان فلما وصل الى بسطام
توفي بها في ذي الحجة من هذه السنة فدفن هناك ووصل الخبر بموته فقعدوا في رباطه
للعزاء به فحضر الغزنوي عزاءه وكان يذكر كل واحد الآخر على المنبر بالقبائح فكلمه
قوم من العامة بكلام فظيع وقالوا انما حضرت شماتة به وهو ساكت فقام رجل فقيه فأنشد
... خلا لك يا عدو الجو فاصفر ... ونجس في صعودك كل عود ... كذاك الثعلبان يجول
كبرا ... ولكن عند فقدان الاسود ...
فبكى الغزنوي وقال لي علي بن المبارك لما عاد الى رباطه قلت له انت كنت هاجرا لهذا
الرجل في حياته تذكره بما لا يحسن فكيف حضرت عزاءه واظهرت الحزن عليه حتى قال
الناس ما قالوا فقال انا انما بكيت على نفسي كان يقال فلان وفلان فعدم النظير مقرب
للرحيل وانشدني ... ذهب المبرد وانقضت ايامه ... وسينقضي بعد المبرد ثعلب ... بيت
من الآداب اصبح نصفه ... خربا وباقي النصف منه سيخرب ... فتزودوا من ثعلب فبمثل ما
... شرب المبرد عن قليل يشرب
اوصيكم
ان تكتبوا انفاسه ... ان كانت الانفاس مما يكتب ...
155 - محمد بن القاسم
ابن المظفر بن علي الشهرزوري ابو بكر بن ابي احمد من اهل الموصل ولد سنة اربع
وخمسين وسافر البلاد وصحب العلماء وسمع الحديث الكثير ومن شعره ... همتي دونها
السها والثريا ... قد علت جهدها فما تتدانى ... فانا متعب معنى الى ان ... تتفانى
الايام او اتفانى ...
156 - محمود بن عمر
ابن محمد بن عمر ابو القاسم الزمخشري من اهل خوارزم وزمخشر احدى قراها ولد سنة سبع
وستين واربعمائة ولقي العلماء الافاضل وكان له حفظ في علم الادب واللغة وصنف
التفسير الكبير وغريب الحديث اقام بخوارزم مدة وبالحجاز مدة وورد بغداد غير مرة
كان يتظاهر بالاعتزال توفي بخوارزم ليلة عرفة من هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وصل الخبر يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة ان زنكي فتح
الرها عنوة وقتل الكفار الذين فيها وذلك انه نزل عليها على غفلة ونصب المجانيق
ونقب سورها وطرح فيه الحطب والنار فتهدم ودخلها فحاربهم ونصر المسلمون وغنموا
الغنيمة العظيمة وخلصوا اسارى مسلمين يزيدون على خمسمائة وظهر في عاشر شوال كوكب
ذو ذنب من جانب المشرق بازاء القبلة وبقي الى نصف ذي القعدة ثم غاب ثلاث ليال ثم
طلع من جانب المغرب فقيل انه هو وقيل بل غيره
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
157 - ابراهيم بن محمد
ابن منصور بن عمر الكرخي الشافعي ابو البدر سكن الكرخ وسمع ابا الحسين ابن
النقور
وابا محمد الصريفيني وخديجة الشاهجانية وغيرهم وتفقه على ابيه وعلى ابي اسحاق وابي
سعد المتولي وسماعه صحيح وحدث وكان دينا وتوفي يوم الجمعة تاسع عشرين ربيع الاول
من هذه السنة ودفن بباب حرب
158 - سعيد بن محمد
ابن عمر بن منصور ابن الرزاز ابو منصور الفقيه ولد سنة اثنتين وستين وسمع الحديث
من ابي محمد التميمي وابي الفضل بن خيرون وغيرهما وحدث وكان سماعه صحيحا وتفقه على
ابي حامد الغزالي وابي بكر الشاشي وابي سعد المتولي والكيا الهراسي واسعد الميهني
وشهد عند ابي القاسم الزينبي وولي تدريس النظامية ثم صرف عنها وعاش حتى صار رئيس
الشافعية وكان له سمت ووقار وسكون وتوفي يوم الأربعاء بعد الظهر حادي عشر ذي
القعدة من هذه السنة وصلى عليه ولده ابو سعد ودفن في تربة ابي اسحاق الشيرازي وحضر
جنازته قاضي القضاة واقيم في اليوم الثالث بحاجب من الديوان
159 - عبد الله بن احمد
ابن محمد بن عبد الله بن حمدويه ابو المعالي البزاز من اهل مرو ولد سنة احدى وستين
واربعمائة ورحل الى العراق والحجاز وسمع ببغداد من ثابت بن بندار وابي منصور
الخياط وابي الحسن ابن العلاف وباصبهان من اصحاب ابي نعيم وبنيسابور من ابي بكر بن
خلف وغيره وتفقه وكان حلو الكلام حسن المعاشرة كثير الصلاة والصيام والصدقة وسافر
الى غزنة واقام بها مدة واشترى كتبا كثيرة ورجع الى مرو فبنى خزانة الكتب في رباط
بناه باسم اصحاب الحديث وطلابه من خاصة ماله ووقف كتبه فيه توفي بمرو في ذي الحجة
من هذه السنة
160 - عبد الرحمن بن محمد
ابن هندويه ابو الرضا النسوي الفارسي سبط ابي الفضل الهمذاني سمع ابا الحسين ابن
الطيوري سنة احدى وخمسمائة وكان ابو الحسين قد توفي سنة خمسمائة ويمكن
ان
يكون هذا في اول اختلاطه غير ان شيخنا ابا الفضل بن ناصر قال كان هذا قبل ان يختلط
توفي في رجب ودفن بالشوينزية
161 - عمر بن ابراهيم
ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن ابي طالب ابو البركات الهاشمي ولد سنة اثنتين واربعين واربعمائة
بالكوفة وسمع بها وببغداد وسافر الى بلاد الشام فأقام بدمشق وحلب مدة وكتب الكثير
وسمع من الخطيب وابن النقور وابن البسري وكان يسكن محلة يقال لها السبيع ويصلي
بالناس في مسجد ابي اسحاق السبيعي وله معرفة بالحديث والفقه والتفسير واللغة
والادب وله تصانيف في النحو وكان خشن العيش صابرا على الفقر وكان يقول دخل ابو عبد
الله الصوري الكوفة فكتب عن اربعمائة شيخ وقدم علينا هبة الله بن المبارك السقطي
فافدته عن سبعين شيخا من الكوفيين وما بالكوفة اليوم احد يروي الحديث غيري انبأنا
ابن ناصر الحافظ قال سمعت ابا الغنائم محمد بن علي النرسي يقول عمر بن ابراهيم
الكوفي جارودي المذهب فلا يرى الغسل عن الجنابة وقال يوسف بن محمد بن مقلد قرأت
عليه عن عائشة فقلت رضي الله عنها فقال تدعو لعدوة علي توفي يوم الجمعة سابع شعبان
هذه السنة وصلى عليه نحو الثلاثين الفا ودفن يوم السبت في المقبرة المسلبة
المعروفة بالعلويين
162 - علي بن عبد الكريم
ابن احمد بن محمد الكعكي المقرئ ابو الحسن قرأ بالقراآت على ابي الفضل بن
خيرون
وابي محمد التميمي وغيرهما وسمع الحديث الكثير وتفقه على الشاشي الا انه اشتغل
بالعمل مع السلطان وتوفي في ذي القعدة هذه السنة ودفن بمقبرة باب ابرز
163 - علي بن هبة الله
ابن عبد السلام ابو الحسن الكاتب البغدادي ولد سنة اثنتين وخمسين واربعمائة وسمع
ابن النقور والصريفيني وابا القاسم الطبري وغيرهم وكان حسن الاصول صحيح السماع
وحدث بواسط وبغداد وتوفي يوم الثلاثاء سادس رجب وحضر جنازته قاضي القضاة الزينبي
وصاحب المخزن وأرباب الدولة والعلماء ووجوه الناس ودفن في المقبرة المنسوبة الى
الشهداء في اعلى باب حرب
164 - محمد بن عبد الملك
ابن الحسن بن ابراهيم بن خيرون ابو منصور المقرئ ولد في رجب سنة اربع وخمسين وسمع
ابا الحسين ابن المهتدي وابا جعفر ابن المسلمة وابن المأمون وابن النقور
والصريفيني والخطيب وغيرهم وقرأ القرآن بالقراآت وصنف فيها كتبا وأقرأ وحدث وكان
ثقة وكان سماعه صحيحا قال المصنف سمعت عليه الكثير وقرأت عليه وهو آخر من روى عن
الجوهري بالاجازة توفي ليلة الاثنين سادس عشر رجب من هذه السنة ودفن بباب حرب
165 - محمد بن محمد
ابن محمد بن احمد ابن المهتدي بالله ابو الحسن بن ابي الغنائم ولد سنة ثمان وسمع
ابا نصر الزينبي وكان خطيب جامع المنصور وتوفي في صفر هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة اربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في جمادى الآخرة جلس يوسف الدمشقي للتدريس بالمدرسة
التي
بناها ابن الابري بباب الازج وحضر قاضي القضاة وصاحب المخزن وارباب الدولة
وفي يوم الاحد العشرين من رجب دخل السلطان مسعود بغداد وكان السبب ان بزبه سار من
بلاده الى اصبهان متظاهرا بطاعة السلطان مسعود وكتب الى عباس صاحب الري بالوصول
اليه فوصل اليه وكان مع بزبه محمد شاه بن محمود فاستشعر السلطان مسعود من
اجتماعهما فقصد العراق فسار بزبه وعباس الى همذان وتظاهرا بالعصيان واتصل بهما
الملك سليمان شاه بن محمد فخطبوا لمحمد شاه ولسليمان شاه وتوجهوا لحرب السلطان
مسعود فلقيه سليمان شاه طائعا وعاد بزبه الى بلاده
وفي رمضان خرج السلطان مسعود من بغداد وكان علي بن دبيس ببغداد فخرج منها هاربا
وهو صبي وكان السبب ان السلطان مسعود لما أراد الخروج من بغداد اشار مهلهل بحمل
علي بن دبيس الى قلعة تكريت فعلم فهرب في خمسة عشر فارسا فقصد النيل ثم مضى الى
الازيز وجمع بني اسد وساروا الى الحلة وفيها اخوه محمد بن دبيس فتحاربا فنصر على
محمد ثم اخذ وملك على الحلة فاحتقر امره فاستفحل فقصدهم مهلهل ومعه امبر الحاج نظر
في عسكر بغداد فنصر عليهم وهزمهم اقبح هزيمة وعادوا مفلولين الى بغداد فاسمعهم
العامةاقوالا قبيحة ثم ان السلطان اقره على الحلة
وفي هذه السنة احترز الخليفة من اهله وأقاربه وضيق على الامير ابي طالب
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
166 - احمد بن محمد
ابن الحسن بن علي بن احمد بن سليمان ابو سعد بن ابي الفضل البغدادي بغدادي الاصل
اصبهاني المولد والمنشأ ولد سنة ثلاث وستين وسمع الكثير وحدث بالكثير وكان على
طريقة السلف الصالح صحيح العقيدة حلو الشمائل مطرحا للتكلف فربما خرج من بيته الى
السوق وعلى رأسه قلنسوة طاقية وربما قعد
بين
الناس مؤتزرا وكان يستعمل السنة مهما قدر حتى انه رجع مرة من الحج فاستقبله خلق
كثير من اصبهان فسار بسيرهم حتى اذا قارب البلد حرك فرسه وسبقهم فسئل عن ذلك فقال
اردت استعمال السنة فان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان اذا رأى جدران المدينة
اوضع راحلته وحج احدى عشرة حجة واملة بمكة والمدينة وكان يصوم في الحر وورد مرارا
الى بغداد وسمعت منه الكثير ورأيت اخلاقه اللطيفة ومحاسنه الجميلة وكان في كل مرة
اذا ودع اهل بغداد يقول في نفسي الرجوع ولست بآيس فحج سنة تسع وثلاثين وخمسمائة
ورجع فتوفي بنهاوند في ربيع الاول سنة اربعين وحمل الى اصبهان فدفن بها
167 - احمد بن علي
ابن محمد ابو الحسين الدامغاني ولد قاضي القضاة ابي الحسن سمع الحديث من ابي طلحة
النعالي وطراد وغيرهما وولي القضاء بالجانب الغربي وباب الازج وتوفي في جمادى
الآخرة من هذه السنة ودفن الى جانب ابيه بنهر القلائين
168 - بهروز بن عبد الله
ابو الحسن الخادم الابيض الغياثي كان يلقب بمجاهد الدين ولي العراق نيفا وثلاثين
سنة وعمر دار السلطان وسد البثق وكان ابن عقيل يقول ما رأيت مثل مناقضة بهروز فانه
منع ان يجتمع في السفينة النساء والرجال وجمع بينهم في الماخور وتوفي في رجب ودفن
برباطه المستجد بشاطئ دجلة المعروف برباط الخدم
169 - الحسين بن الحسن
ابن عبد الله ابو عبد الله المعدل سمع ابا عبد الله الدامغاني وابا القاسم البسري
وقرأ بالقراآت على ابي الخطاب الصوفي وكان ثقة دينا حدث واقرأ وقضى وتوفي يوم
الاربعاء ثامن عشرين جمادى الآخرة ودفن في المقبرة الخيزرانية قريبا من قبر الهيتي
وحضره قاضي القضاة الزينبي وخلق كثير من الاكابر
170
- علي بن احمد
ابن الحسين بن احمد ابو الحسين اليزدي سكن قراح وظفر وتفقه على ابي بكر الشاشي
وسمع الحديث الكثير وروى وكان له قميص وعمامة بينه وبين اخيه اذا خرج هذا قعد هذا
171 - موهوب بن احمد
ابن محمد بن الخضر الجواليقي ابو منصور بن ابي طاهر ولد في ذي الحجة سنة خمس وستين
ونشأ بباب المراتب وسمع الحديث الكثير من ابي القاسم ابن البسري وابي طاهر بن ابي
الصقر وابي الحسين وغيرهم وحدث وقرأ على ابي زكرياء سبع عشرة سنة فانتهى اليه علم
اللغة فاقرأها ودرس العربية في النظامية بعد ابي زكريا مدة فلما ولي المقتفي اختص
بامامة الخليفة وكان المقتفي يقرأ عليه شيئا من الكتب وكان غزير الفضل متواضعا في
ملبسه ورياسته طويل الصمت لا يقول الشيء الا بعد التحقيق والفكر الطويل وكثيرا ما
كان يقول لا أدري وكان من اهل السنة وسمعت منه كثيرا من الحديث وغريب الحديث وقرأت
عليه كتابه المعرب وغيره من تصانيفه وقطعة من اللغة وتوفي سحرة يوم الاحد منتصف
محرم وحضر للصلاة عليه الاكابر كقاضي القضاة الزينبي وهو صلى عليه وصاحب المخزن
وجماعة ارباب الدولة والعلماء والفقهاء ودفن بباب حرب عند والده
172 - المبارك بن علي
ابن عبد العزيز السمذي ابو المكارم الخباز ولد سنة احدى وخمسين وسمع الصريفيني
وابا القاسم بن البسري وغيرهما وكان سماعه صحيحا وتوفي يوم عاشوراء ودفن بباب ابرز
سنة
ثم دخلت سنة احدى واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر وقع الحريق في القصر
الذي
بناه المسترشد في البستان الذي على مسناة باب الغربة وكان تلك الليلة قد اجتمع
الخليفة بخاتون فيه وجمعوا من الاواني والاثاث والزي كل طريف وعزموا على المقام
فيه ثلاثة ايام فما احسوا الاوالنار قد لفحتهم من اعلى القصر وكانوا نياما في
اعلاه وكان السبب ان جارية كانت بيدها شمعة فعلقت بأطراف الخيش فأصبح الخليفة
فأخرج المحبوسين وتصدق بأشياء
وفي ثالث جمادى الآخرة خلع على ابن المرخم خلعة سوداء وطيف به في الاسواق فقلد
القضاء يحضر من أي صقع شاء وليس على يده يد وكان مطيلسا بغير حنك ثم ترك الطيلسان
ووصل الخبر يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر بأن ثلاثة من خدم زنكي الخواص قتلوه
وقام بالامر ابنه غازي في الموصل واكبر الولاية وكان ابنه محمود في حلب
وفي رجب دخل السلطان مسعود الى بغداد وعمل دار ضرب فقبض الخليفة على ضراب كان سبب
اقامة دار الضرب لمسعود فنفذ الشحنة فقبض على حاجب الباب ابن الصاحب وعلى اربعة
انفس خواص وقال لا اسلمهم حتى يخلوا صاحبي وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شعبان
فنفذ الخليفة فأخرج من في الجامع وغلقه وامر بغلق المساجد فبقيت ثلاثة ايام كذلك
ثم تقدموا بفتحها ولم يسلم لهم الضراب واطلق حاجب الباب يوم الخميس خامس عشرين
شعبان وتوفي نقيب النقباء محمد بن طراد فولي النقابة ابو احمد طلحة بن علي الزينبي
واستشعر السلطان مسعود من سليمان شاه فراسل الامير عباسا واستصلحه فلما تم ذلك قبض
على سليمان شاه وحمله الى القلعة وحضر عباس من خدمته السلطان بالري وسلمها ثم
اجتمع الامراء عند مسعود ببغداد فتكلموا على عباس فقتل
وجلس ابن العبادي بجامع القصر في رمضان فاجتمع خلق لا يحصى وفي شوال توفيت بنت
الخليفة وقع عليها حائط او سقف فماتت فحملت الى الرصافة ومعها
الوزير
وارباب الدولة واشتد الحزن عليها وكانت قد بلغت مبلغ النساء وجلس للعزاء بها ثلاثة
ايام ولبسوا الثياب البيض واجتمعوا في اليوم الثاني في الترب للتعزية وكان في
الجماعة قاضي القضاة الزينبي ومعه صهره ابو نصر خواجا احمد نظام الملك وهو يومئذ
مدرس النظامية فجاء استاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ليجلس بين قاضي القضاة وبين
الامير ابي نصر فمنعه فتناوشوا فكتب استاذ الدار يشكو فخرج الامر بانهاء ابي نصر
واخرجه من الدار دار الخلافة فأخرج من بيته ماشيا الى باب النوبي
وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة جلس ابن العبادي الواعظ بجامع السلطان وحضر عنده
السلطان مسعود فوعظه وعرض بذكر حق البيع وذكر ما يجري على المسلمين من ذلك ثم قال
له يا سلطان العالم انت تهب مثله لمطرب ومغن بقدر هذا المأخوذ من المسلمين تهبه لي
وتحسبني ذلك المطرب واتركه للمسلمين وافعله شكرا لما انعم الله به عليك من بلوغ
الاغراض فأشار بيده اني قد فعلت فارتفعت الضجة بالدعاء له ونودي في البلد باسقاطه
وولي ابن الصقيل حجبة الباب وخلع على نقيب النقباء خلع النقابة
وانتشر جراد عظيم وطيف بالالواح التي نقش عليها ترك المكس في الاسواق وضربت بين
يديها الدبادب والبوقات
وفيها حج الوزير نظام الدين ابو المظفر بن علي بن جهير وحججت انا ومعي الزوجة
والاطفال وكنت ارى الوزير في طريق مكة متواضعا وقد عاد له ابو نصر الكرخي
وخرج في هذه السنة التشرينان وكانون الاول ولم يأت مطر الا قطرات لا تبل الارض
واشرفت المواشي على العطب من قلت العشب وظهر بالناس علة انتفاخ الخلق فمات به خلق
كثير وغارت المياه من الانهار والآبار
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
173
- احمد بن محمد
ابو نصر الحديثي المعدل تفقه على ابي اسحاق وسمع الحديث وكان من اوائل شهود
الزينبي توفي يوم الاربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة وحضر الزينبي والاعيان
174 - اسمعيل بن احمد
ابن محمود بن دوست ابو البركات بن ابي سعد الصوفي ولد سنة خمس وستين وسمع الحديث
من ابي القاسم الانماطي وابي نصر الزينبي وطراد وابي محمد التميمي وغيرهم وحدث
وتوفي في جمادى الاولى وعمل له عرس كما تقول الصوفية في عاشر جمادى الآخرة واجتمع
مشايخ الربط وارباب الدولة والعلماء فاغترموا على ما قيل على المأكول والمشروب
والحلوى ثلثمائة دينار
175 - زنكي بن آق سنقر
كان امير الشام وذكرنا من احواله فيما تقدم قتله بعض سلاحيته وقيل قتله ثلاثة من
غلمانه وكان محاصرا قلعة جعبر
176 - سعد الخير بن محمد
ابن سهل بن سعد ابو الحسن المغربي الاندلسي الانصاري سافر من بلاد الاندلس الى
بلاد الصين وركب البحر وقاسى الشداد ثم دخل بغداد وتفقه على ابي حامد الغزالي وسمع
الحديث من طراد وابن النظر وثابت وخلق كثير وقد سمع من شيوخ خراسان وقرأ الادب على
ابي زكريا وحصل كتبا نفيسة وحدث وقرأت عليه الكثير وكان ثقة صحيح السماع وتوفي يوم
السبت عاشر محرم هذه السنة وصلى عليه الغزنوي بجامع القصر وكان وصيه وحضر قاضي
القضاة الزينبي والاعيان ودفن الى جانب قبر عبد الله بن احمد بوصية منه
177 - شافع بن عبد الرشيد
ابن القاسم بن عبد الله الجيلي من اهل جيلان تفقه على الكيا الهراسي ثم رحل الى
ابي
حامد الغزالي فتفقه عليه وكان فقيها فاضلا يسكن كرخ بغداد وكان له حلقة للفقه
بجامع المنصور في الرواق وكنت احضر حلقته وانا صبي فألقي المسائل توفي في محرم هذه
السنة
178 - عبد الله بن علي
ابن احمد بن عبد الله ابو محمد المقرئ سبط ابي منصور الزاهد ولد ليلة الثلاثاء
السابع والعشرين من شعبان سنة اربع وستين واربعمائة وتلقن القرآن من شيخه ابي
الحسن ابن الفاعوس وسمع الحديث من ابن النقور وابي منصور بن عبد العزيز وطراد
وثابت وغيرهم وقرأ بالقراآت على جده وعبد القاهر العباسي وابي طاهر بن سوار وثابت
وغيرهم وقرأ الادب على ابي الكرم بن فاخر وسمع الكتب الكبار وصنف كتبا في القراآت
وقصائد وام في المسجد منذ سنة سبع وثمانين الى ان توفي وقرأ عليه الخلق الكثير
وختم مالا يحصى وكان اكابر العلماء واهل البلد يقصدونه وقرأت عليه القراآت والحديث
الكثير ولم اسمع قارئا قط اطيب صوتا منه ولا احسن اذا صلى كبر سنه وجمع الكتب
الحسان وكان كثير التلاوة وكان لطيف الاخلاق ظاهر الكياسة والظرافة حسن المعاشرة
للعوام والخواص وتوفي بكرة الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر من هذه السنة في غرفته
التي بمسجده فحط تابوته بالحبال من سطح المسجد واخرج الى جامع القصر وصلى عليه عبد
القادر وكان الناس في الجامع اكثر من يوم الجمعة ثم صلى عليه في جامع المنصور وقد
رأيت ايام جماعة من الاكابر فما رأيت اكثر جمعا من جمعه كان تقدير الناس من نهر
معلى الى قبر احمد وغلقت الاسواق ودفن في دكة الامام احمد بن حنبل عند جده ابي
منصور
179 - عبد المحسن بن غنيمة
ابن احمد بن فاحة ابو نصر المقرئ سمع من ابن نبهان وشجاع الذهلي وغيرهما وكان شيخا
صالحا توفي في محرم هذه السنة ودفن بباب حرب
180
- عباس شحنة الري
كان قد مال الى بعض السلاطين فاستصلحه مسعود واحضره فحضر وخدم وسلم الري الى
السلطان ثم ان الأمراء اجتمعوا عند السلطان ببغداد وقالوا ما بقي لنا عدو سوى عباس
فاستدعي عباس الى دار المملكة يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وقتل في دار السلطان
ورمى بدنه تحت الدار فبكى الخلف عليه لأنه كان يفعل الجميل وكانت له صدقات وحكى
انه ما شرب الخمر قط ولا زنى وانه قتل من الباطنية الوفا كثيرة فبنى من رؤسهم
منارة ثم حمل فدفن في المشهد المقابل لدار السلطان
181 - محمد بن محمد
ابن احمد ابن السلال ابو عبد الله الوراق ولد سنة سبع واربعين واربعمائة وسمع ابن
المسلمة وابن المأمون وجابر بن ياسين وتفرد بالرواية عن ابي علي محمد بن وشاح
الزينبي وابي الحسن ابن البيضاوي وابي بكر بن سياؤوس وسمعت منه وكان شيخنا ابن
ناصر لا يرضى عنه في باب الدين وقال شيخنا ابو بكر بن عبد الباقي كذلك
182 - محمد بن طراد
ابن محمد بن علي ابو الحسن بن ابي الفوارس الزينبي نقيب الهاشميين وهو اخو الوزير
علي بن طراد ولد سنة اثنتين وستين وسمع الكثير من ابيه وعمه ابي نصر ومن ابي
القاسم ابن البسري وغيرهم وحدث وتوفي في ثالث عشرين شعبان هذه السنة
183 - محمد بن محمد
ابن عبد الله بن عيسى ابو هاشم الساوي قاضي ساوة ولد سنة ثلاث وسبعين وسمع الكثير
وتفقه وناظر ووعظ توفي في ربيع الاول من هذه السنة بساوة
184
- وجيه بن طاهر
ابن محمد بن محمد ابو بكر الشحامي اخو ابي القاسم زاهر بن طاهر من اهل نيسابور من
بيت الحديث وكان يعرف طرفا من الحديث ولد سنة خمس وخمسين واربعمائة وسمعه ابوه
الكثير ورحل بنفسه الى بغداد وهراة وسمع الكثير وكان شيخا صالحا صدوقا صالحا حسن
السيرة منور الوجه والشيبة سريع الدمعة كثير الذكر ولي منه اجازة بمسموعاته
ومجموعاته توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بمقبرة الحسين الى جنب اخيه
ووالده
سنة
ثم دخلت سنة اثنتين واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه عزل ابن مهدويه عن كتابه الزمام وولي مكانه ابو المظفر يحيى
ابن محمد بن هبيرة وورد الخبر انه بزبه راسل شحنة اصبهان فاستماله ورحل اليها ومعه
محمد شاه وكان السلطان مسعود مقيما بهمذان وعساكره قليله فارسل الى عساكر آذربيجان
فتأخروا عنه فسار بزبه من اصبهان سيرا يمهل فيه فلما قاربها وصلت عساكر آذربيجان
الى السلطان وكان بزبة قد جاء جريدة في خمسة آلاف فارس فضرب على عسكر السلطان فكسر
الميمنة والميسرة وكان مسعود قد تأخر عن المصاف في الف فارس وكان عسكره عشرة آلاف
فاشتغل عسكر بزبه بالنهب والقتل فجاء مسعود فحمل عليهم فالتقى هو وبزبه فكبت الفرس
بزبه فوقع فجىء به إلى مسعود فقطع نصفين وجيء برأسه فعلق بازاء دار الخلافة وعلقت
بغداد واستولى خاص بك على دولة السلطان مسعود فأهلك جماعة من الامراء فاستشعر
الباقون منه
وفي صفر شاع ان رجلا رأى في المنام انه من زار قبر احمد بن حنبل غفر له فما بقي
خاص ولا عام الا وزار وعقدت يومئذ مجلسا محضر الوف لا يحصون وعزل ابو نصر بن جهير
في ربيع الاول عن الوزارة وسكن بالدار التي بناها
بشاطئ
دجلة بباب الازج وهي التي آل أمرها الى ان صارت ملكا لجهة الامام المستضيء بأمر
الله فوقفتها مدرسة لاصحاب احمد بن حنبل وسلمتها الى فدرست فيها سنة سبعين
وفي ربيع الآخر منع الغزنوي من الجلوس في جامع القصر ورفع كرسيه
وفي جمادى الاولى ولي الوزارة ابو القاسم علي بن صدقة بن علي بن صدقة نقلا عن
المخزن اليها فدخل الى المقتفي ومعه قاضي القضاة الزينبي واستاذ الدار وجملة من
الخواص وقلده الوزارة شفاها وخلع عليه ومضى الى الديوان يوم السبت ثالث عشر جمادى
الاولى وقرأ ابن الانباري كاتب الانشاء عهده
وفي هذا الشهر اذن للغزنوي في العود الى الجلوس بالجامع وقدم ابن العبادي برسالة
السلطان الى الخليفة بتولية الامير ابي المظفر فخرج الخلق للقائه ولم يبق سوى
الوزير وقبل العتبة ومضى الى رباط الغزنوي
وفي يوم السبت الثالث والعشرين من جمادى الآخرة ولي يحيى بن جعفر المخزن ولقب زعيم
الدين وورد سلار كرد الى شحنة بغداد ومعه مكتوب من السلطان مسعود اليه والى
العساكر بمساعدته على أخذ البلاد الزيدية من علي بن دبيس وتسليمها اليه فخرجوا في
رجب والتقوا فاقتتلوا واندفع علي بن دبيس الى ناحية واسط ثم قصد العراق ثم عاد
فملك الحلة
وفي يوم الاربعاء سابع عشر شوال جلس ابو الوفاء يحيى بن سعيد المعروف بابن المرخم
في داره بدرب الشاكرية في الدست الكامل وسمع البينة وحضر مجلسه شهود بغداد
والمديرون والوكلاء واستقر جلوسه في كل يوم اربعاء وأخذ على عادة كانت للقاضي
الهروي وكان ابو الوفاء بئس الحاكم يأخذ الرشا ويبطل الحقوق وتزايدت الاسعار حتى
بلغ الكر الشعير اربعين دينارا والحنطة ثمانين فنادى الشحنة ان لاتباع الكارة
الدقيق الا بدينار فهرب الناس وغلقوا الدكاكين وعدم الخبز اربعة ايام فبقي الأمر
كذلك شهرا ثم تراخى السعر
وفي
رمضان هرب اسمعيل بن المستظهر اخو الخليفة من داره الى ظاهر البلد وبقي يومين نقب
من الموضع واخرج بزي المشائية على رأسه سلة وبيده قدح على وجه التفرج فانزعج البلد
فخشي ان يعود فاختبأ عند قوم بباب الازج فاعلموا به فجاء استاذ الدار وحاجب الباب
وخدم فردوه
وحج بالناس ولم يزوروا قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم حذرا من قلة الماء
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
185 - احمد بن عبد الله
ابن علي بن عبد الله ابو الحسنى الآبنوسي الوكيل ولد سنة ست وستين وسمع ابا القاسم
ابن البسري وعاصما وابا الغنائم ابن ابي عثمان وابا محمد التميمي وابا بكر الشامي
في خلق كثير وتفقه على ابي الفضل الهمذاني وابي القاسم الزنجاني وصحب شيخنا ابا الحسن
ابن الزاغوني فحمله على السنة بعد أن كان معتزليا وكانت له اليد الحسنة في المذهب
والخلاف والفرائض والحساب والشروط وكان ثقة مصنفا على سنن السلف والتقشف وسبيل اهل
السنة في الاعتقاد وكان ينابذ من اصحاب الشافعي من يخالف ذلك من المتكلمين وكان
يخلو بالأذكار والأوراد من بكرة الى وقت الظهر ثم يقرأ عليه بعد الظهر وتوفي سحرة
يوم الخميس ثامن ذي الحجة ودفن بمقبرة الشونيزية عند أبيه
186 - احمد بن علي
ابن عبد الواحد ابو بكر الدلال يعرف بابن الاشقر ولد سنة سبع وخمسين سمع ابا
الحسين ابن المهتدي وابا محمد الصريفيني وغيرهما وحدث عنهم وكان سماعه صحيحا وكان
خيرا وتوفي يوم الاربعاء ثامن صفر ودفن بمقبرة باب حرب
187 - احمد بن محمد
ابن محمد ابو المعالي ابن البسر البخاري سمع من ابيه الحديث وتفقه عليه وسمع من
غيره وافتى وناظر واملى الحديث وكان حسن السيرة وهو من بيت الحديث
والعلم
وتوفي بسرخس في جمادى هذه السنة وحمل الى مرو ثم حمل الى بخارا فدفن بها
188 - اسعد بن عبد الله
ابن احمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله ابو منصور ولد سنة
ثلاث او اربع وثلاثين واربعمائة وسمع من طراد وطاهر بن الحسين وكان الناس يثنون
عليه الخير وينسبونه الى الصلاح وقال حملوني الى ابي الحسن القزويني فمسح يده على
رأسي فمذ ذلك الوقت الى الآن اكثر من تسعين سنة ما اوجعني راسي ولا اعتراني صداع
ورايته انا بعد هذا السن الكبير يمشي منتصب القامة وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن
في مقبرة جامع المنصور مقابل سكة الخرقي
189 - دعوان بن علي
ابن حماد بن صدقة الجبي ابو محمد الضرير ولد سنة ثلاث وستين واربعمائة بجبة وهي
قرية عند العقر في طريق خراسان سمع الحديث من ابي محمد التميمي وابن النظر وابن
السراج وثابت وغيرهم وقرأ بالقراآت على عبد القاهر وابي طاهر ابن سوار وثابت
وغيرهم وتفقه على ابي سعد المخرمي وكان متعبدا للخلاف بين يديه وحدث وأقرأ وانتفع
به الناس وكان ثقة دينا ذا ستر وصيانة وعفاف وطريق محمودة على سبيل السلف الصالح
وتوفي يوم الاحد سادس عشرين ذي القعدة ودفن بمقبرة ابي بكر غلام الخلال وكتب الى
عبد الله الجبائي الشيخ الصالح قال رأيت دعوان بن علي بعد موته بنحو من شهر في
المنام وكأن عليه ثيابا بيضا شديدة البياض وعمامة بيضاء وهو يمضي الى الجامع لصلاة
الجمعة فأخذت يده اليسرى بيدي اليمنى ومضينا فلما بلغنا الى حائط الجامع قلت له يا
سيدي ايش لقيت فقال لي عرضت على الله خمسين مرة وقال لي ايش عملت فقلت قرأت القرآن
واقرأته فقال لي انا أتولاك انا أتولاك انا أتولاك قال
عبد
الله فاصابني الوحد وصحت آه وضربت بكتفي اليمنى حائط الجامع ثلاث مرات اتأوه واضرب
الحائط بكتفي ثم استيقظت
190 - طاهر بن سعيد
ابن ابي سعيد بن ابي الخير الهيتي ابو القاسم شيخ رباط البسطامي وكان مقدما في
الصوفية رايته ظاهر الوقار والسكون والهيأة والصمت وتوفي يوم الاثنين ثاني عشر
ربيع الاول فجاءة ودفن في مقبرة الجنيد وقعدوا للعزاء به فنفذ اليهم من الديوان من
اقامهم
191 - عبد السيد بن علي
ابن محمد بن الطيب ابو جعفر ويعرف بابن الزيتوني تفقه على ابي الوفاء بن عقيل ثم
انتقل عن المذهب واتصل بالزينبي نور الهدى وقرأ عليه مذهب ابي حنيفة وعلى خلف
الضرير الكلام وصار متكلما داعيا في الاعتزال ثم اشتغل بالاشراف على المارستان
وتوفي في شوال ودفن بباب حرب
192 - عمر بن ابي الحسن
ابو شجاع البسطامي دخل الى بغداد فحدث وسمعنا منه شمائل النبي صلى الله عليه و سلم
لابي عيسى الترمذي وغيرها وناظر ووعظ وكان مجموعا حسنا انشد عمر في مجلس وعظه ...
تعرضت الدنيا بلذة مطعم ... ورونق موشى من اللبس رائق ... ارادت سفاها ان تموه
قبحها ... علي وكم خاضت بحلو الدقائق ... فلا تخدعينا بالسراب فاننا ... قتلنا
نهابا في طلاب الحقائق ...
193 - فاطمة خاتون بنت السلطان
محمد بن ملك شاه السلجوقي زوجة المقتفي امير المؤمنين توفيت ببغداد في ربيع الاول
وصلى عليها قاضي القضاة الزينبي في صحن السلام وحملت في الزبزب الى الترب بالرصافة
قريبا من قبر المستظهر داخل القبة
194
- محمد بن احمد
ابن الحسن الطرائفي ابو عبد الله سمع من ابي جعفر ابن المسلمة كتاب صفة المنافق
فحسب لم يوجد له سماع غيره وكانت له اجازات من ابن المسلمة وابن النقور وابن
المهتدي وابن المأمون والخطيب فقرئ عليه عنهم وكان شيخا صالحا توفي غرة ذي الحجة
من هذه السنة
195 - محمد بن المظفر
ابن علي بن المسلمة ابو الحسن بن ابي الفتح بن ابي القاسم الوزير ولد سنة اربع
وثمانين وسمع الحديث من ابن السراج وابن العلاف وغيرهما وروى وانزوى وتصوف وجعل
داره التي في دار الخلافة رباطا للصوفية وتوفي في ليلة الجمعة تاسع رجب وحمل الى
جامع القصر وازيلت شقة من شباك المقصورة حتى ادخل التابوت وام للناس في الصلاة
عليه علي بن صدقة الوزير المسمى بالقوام ودفن قريبا من رباط الزوزني مقابل الجامع
196 - المبارك بن خيرون
ابن عبد الملك بن خيرون ابو السعود سمع ابا الفضل بن خيرون عم ابيه ومالكا
البانياسي وابا طاهر الباقلاوي في آخرين وسماعه صحيح سمعت عليه وكان خيرا وتوفي
يوم السبت ثالث عشر المحرم ودفن بمقبرة باب حرب
197 - نصر الله بن محمد
ابن عبد القوي ابو الفتح اللاذقي المصيصي الشافعي نزيل دمشق ولد باللاذقية سنة
ثمان واربعين واربعمائة وانتقل منها مع والده الى صور فنشأ ثم انتقل في سنة ثمانين
واربعمائة الى دمشق تفقه على ابي الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي بصور وسمع بها منه
الحديث ومن ابي بكر الخطيب وسمع ببغداد وبالأنبار وكان بقية مشايخ الشام وكان
فقيها مفتيا متكلما في الاصول دينا توفي في ربيع الاول من هذه السنة
198
- هبة الله بن علي
ابن محمد بن حمزة ابو السعادات العلوى النحوي الشجري سمع من ابي الحسين ابن
الطيووي وابن نبهان وغيرهما وقرأ على الشريف ابي المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا
النحوي وامتد عمره فانتهى اليه علم النحو وكان يجلس يوم الجمعة بجامع المنصور مكان
ثعلب ناحية الرباط يقرأ عليه وناب في النقابة بالكرخ ومتع بجوارحه وعقله وتوفي يوم
الخميس العشرين من رمضان وام الناس بالصلاة عليه ابو الحسن الغزنوي الواعظ ثم دفن
بداره بالكرخ
أنشدني ابو الغنائم الشروطي قال قال الشريف ابو السعادات ابن الشجري ما سمع في
المدح ابلغ من شعر ابي نواس ... وامامك الاعداء تطلبهم ... ووراءك القصاد في الطلب
... فاذا سلبت وقفته لهم ... فسلبت ما تحوي من السلب ...
قال وما سمعت في الذم ابلغ من بيت لمسكويه ... وما انا الا المسك قد ضاع عندكم ...
يضيع وعند الاكرمين يضوع ...
199 - هبة الله بن أحمد
ابن علي بن سوار ابو الفوارس بن ابي طاهر الدقاق ثم المقرئ الوكيل سمع الحديث من
ابيه وقرأ عليه القراآت وسمع من ابي الغنائم ابن ابي عثمان وعاصم وابي طاهر الكرخي
وغيرهم وحدث واقرأ وكان سماعه صحيحا وكان ثقة امينا وتوحد في علم الشروط وكتب
المحاضر والسجلات وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شوال ودفن بمقبرة معروف
سنة
ثم دخلت سنة ثلاث واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وصل الخبر بان ملوك الافرنج وهم ثلاثة انفس وصلوا الى بيت
المقدس وصلوا صلاة الموت وانحدروا الى عكة وفرقوا الاموال في
العساكر
فكان تقدير ما فرقوا سبعمائة ألف دينار وعزموا على قصد المسلمين فلما سمع المسلمون
بقصدهم اياهم جمعوا الغلة والتبن ولم يتركوا في الرساتيق شيئا ولم يعلم اهل دمشق
ان القصد لهم بل ظنوا انهم يقصدون قلعتين كانتا بقرب دمشق فلما كان يوم السبت سادس
ربيع الاول لم يشعروا بهم الا وهم على باب دمشق وكانوا في اربعة آلاف لا بس وستة
آلاف فارس وستين الف راجل فخرج المسلمون وقاتلوا فكانت الرجالة التي خرجت اليهم
سوى الفرسان مائة وثلاثين الفا فقتل من المسلمين نحو مائتين فلما كان في اليوم
الثاني خرج الناس اليهم وقتل من المسلمين جماعة وقتل من الافرنج مالا يحصى فلما
كان في اليوم الخامس وصل غازي بن زنكي الى حماة في عسكر مثله ووصل اولاد غازي الى
بالس في ثلاثين الفا فقتلوا من القوم مالا يحد وكان البكاء والعويل في البلد وفرش
الرماد اياما واخرج مصحف عثمان الى وسط الجامع واجتمع عليه الرجال والنساء
والاطفال وكشفوا رؤسهم ودعوا فاستجاب الله منهم فرحل اولئك وكان معهم قسيس طويل
بلحية بيضاء فركب حمارا احمر وترك في حلقه صليبا وفي حلق حماره صليبا واخذ في يده
صليبين وقال للافرنج اني قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق ولا يردني احد فاجتمعوا حوله
واقبل يطلب دمشق فلما رآه المسلمون غاروا للاسلام وحملوا عليه بأجمعهم فقتلوه
وقتلوا الحمار واخذوا الصلبان فاحرقوها
ووصلت الاخبار من معسكر السلطان ان الامراء قد تغيرت على السلطان مسعود بسبب خاصة
خاص بك ومعهم محمد شاه بن محمود فوصل الخبر في نصف ربيع الاول بوصولهم الى شهرابان
وانهزم الناس ونقل اهل بغداد رحالهم وهرب شحنة مسعود الى قلعة تكريت وقطع الجسر
وكان قد تولى عمل الجسر الغزنوي الواعظ وعمل له درابزينات من الجانبين ووسعه وبعث
الخليفة بابن العبادي الواعظ رسولا الى العسكر فقال لهم أمير المؤمنين يقول لكم في
أي
شيء جئتم وما مقصودكم فان الناس قد انزعجوا بسبب مجيئكم فقالوا نحن عبيد هذه
العتبة الشريفة وعبيد السلطان ومماليكه وما فارقنا السلطان الا خوفا من ابن
البلنكري فانه قد افنى الامراء فقتل عبد الرحمن بن طويرك وعباسا وبزبه وتتر وصلاح
الدين وما عن النفس عوض إما نحن وما هو وما نحن خوارج ولا عصاة وجئنا لنصلح امرنا
مع السلطان وهم ألبقش وألدكز وقيمز وقرقوت وأخو طويرك وألطرنطاي وعلي بن دبيس وابن
تتر في آخرين فدخلوا بغداد في ربيع الاول ثم انبسطوا فمدوا ايديهم الى ما يختص
بالسلطان وكبسوا خانات باب الازج فقاتلوهم فبعث الخليفة الى مسعود يقول له اما
الشحنة الذي من قبلك فقد هرب هو وأمير الحاج الى تكيرت وقد احاط العسكر بالبلد وما
يمكنني ان آخذ عسكرا لأجل العهد الذي بيننا فدبر الآن فكتب اليه قد برئت ذمة أمير
المؤمنين من العهد الذي بيننا وقد اذنت لك ان تجند عسكرا وتحتاط بنفسك وللمسلمين
فجند واظهر السرادقات والخيم وحفر الخنادق وسد العقود والعسكر ينهبون حوالي البلد
ويأخذون غلات الناس وقسطوا على محال الجانب الغربي الاموال وخرجوا الى الدجيل
واخذوا نساء الناس وبناتهم وجاؤا بهن الى الخيم وجاءت زواريق فيها غلة فلما بلغت
تحت التاج تقدم أمير المؤمنين بأخذها فمنعهم الاتراك الذين يحفظونها فوقع القتال
واتصلت الحرب وكان القتال تحت مدرسة موفق وخرج صبيان بغداد يقاتلون بالميازر الصوف
والمقاليع وقتل جماعة من الفريقين فبعث اليهم الغزنوي الواعظ فقبح ما فعلوا وقال
لو جاء الافرنج لم يفعلوا هذا أي ذنب لأهل القرى والرساتيق واستنقذ منهم المواشي
وساقها الى البلد فجاء الناس فمن عرف شيئا أخذه
وفي ثالث جمادى الاولى قبض الخليفة على وزيره ابن صدقة ورتب نقيب النقباء نائبا ثم
اطلق الوزير ابو القاسم الى داره وقبض على الوزير ابي نصر بن جهير من الدار التي
يسكنها بباب الازج واحضر الى دار استاذ الدار ماشيا
وفي
ثامن عشرين جمادى الاولى جلس المقتفي في منظرة الحلبة واستعرض العسكر وحفرت
الخنادق ببغداد ونودي بلبس العوام السلاح وان يمنعوا عن انفسهم وأموالهم وكان
البقش نازلا في دار تتر فلما مضى اليه الغزنوي رسولا رحل الى ظاهر البلد تطييبا
لقلب الخليفة وانقطعت الحرب فلما كانت عشية الثلاثاء سادس جمادى الآخرة بعث
الخليفة ليلا فغلق الباب الحديد من عقد السور مما يلي جامع السلطان وبنوا خلفه
وسدوه سدا قاطعا وكان لألبقش في سوق السلطان مخزن فيه طعام ورحل فنهبه العوام
فأصبح العسكر فرأوا باب السور مسدودا فركب منهم نحو الف فارس وجاؤا الى السور مما
يلي باب الجعفرية ففتحوا فيه فتحات وصعدوا وبعثوا رجالا فنقضوا البناء الذي خلف
العقد وكسروا الباب الجديد واخذوا منه قطعا وبعث البقش رسولا الى الخليفة لاي شيء
سددتم في وجوهنا وقد كنا نسترفق من سوق السلطان فلم يلتفت الى قوله وخرج قوم من
العوام فقاتلوا باب الاجمة فاستجرهم العسكر فانهزموا بين يديه فأخذ بهم الطمع
فركبوا السور ونزلوا يطلبون الخيم وهنا كمين قد تكمن لهم فخرج عليهم فانهزموا
فضربوهم بالسيوف فقتلوا منهم نحوا من خمسمائة ولم يتجاسر احد يخرج الى القتلى
فنادوهم تعالوا خذوا قتلاكم
فلما جاءت عشية ذلك اليوم جاء الامراء فرموا انفسهم تحت الرقة بازاء التاج وقالوا
ما كان هذا بعلمنا وانما فعله اوباش لم نأمرهم به فعبر اليهم خادم وقبح فعلهم وقال
انما كان الذين قتلتم نظارة فاعتذروا فلم يقبل عذرهم فأقاموا الى الليل وقالوا نحن
قيام على رؤوسنا ما نبرح او يأذن لنا امير المؤمنين ويعفو عن جرمنا فعبر اليهم
الخادم وقال امير المؤمنين يقول انا قد عفوت عنكم فامضوا واستحلوا من اهل القتلى
ثم تقدم باصلاح ثلم السور وخرج العوام بالدبادب والبوقات وجاء اهل المحال فعمر
وحفر خندقه واختلف العسكر واجتمع البقش وابن دبيس والطرنطاي فساروا يطلبون الحلة
واخذ الدكز الملك وطلب بلاده وسكن الناس
وفي
رجب وقع الغلاء والقحط ودخل اهل القرى والرساتيق الى بغداد لكونهم نهبوا فهلكوا
عريا وجوعا
وتوفي قاضي القضاة الزينبي وتقلد القضاء ابو الحسن علي بن احمد بن علي بن محمد
الدامغاني وخرج له التوقيع بالتقليد وخلع عليه فركب الى جامع القصر فجلس فيه وقرأ
ابن عبد العزيز الهاشمي عهده على كرسي نصب له
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
200 - ابراهيم بن محمد
ابن نبهان بن محرز الغنوي الرقي ابو اسحاق ولد في سنة تسع وخمسين واربعمائة سمع
ابا بكر الشاشي وابا محمد التميمي وابا محمد السراج وغيرهم وتفقه على ابي بكر
الشامي وابي حامد الغزالي وكتب كثيرا من مصنفات الغزالي وقرأها عليه وصحبه كثيرا
قال المصنف ورأيته وله سمت وصمت ووقار وخشوع وروى كثيرا وتوفي ليلة الخميس رابع ذي
الحجة من هذه السنة ودفن بمقبرة السونيزية في تربة تلي التوثة
201 - احمد بن محمد
ابن المختار بن محمد بن عبد الواحد بن المؤيد بالله ابو تمام ابن ابي العز المعروف
بابن الخضر اخو ابي الفضل المختار البغدادي خرج من بغداد للتجارة ودخل ما وراء
النهر وركب البحر الى الهند وكثر ماله وهو حريص على الزيادة وقد سمع ابا جعفر ابن
المسلمة وابا نصر الزينبي وغيرهما وتوفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة من هذه السنة
بنيسابور ودفن بمقبره الغرباء خلف الجامع وكان ولده نصر الله اذا سئل عن سن ابيه
يقول كان له مائة وثلاث سنين
202 - صالح بن شافع
ابن حاتم ابو المعالي صحب ابن عقيل وغيره وسمع ابا الحسين ابن الطيوري وابا منصور
الخراط وغيرهما وكان من المعدلين فجرت حالة اوجبت عزله
عن
الشهادة وتوفي في رجب هذه السنة ودفن في دكة احمد بن حنبل على ابن عقيل
203 - عبد الله بن الحسن
ابن قسامي ابو القاسم من اهل الحريم الطاهري ولد سنة اثنتين وسبعين واربعمائة وسمع
من ابي نصر الزينبي وابي الغنائم بن ابي عثمان وثابت بن بندار وغيرهم وكان سماعه
صحيحا وكان صدوقا فقيها مناظرا وتوفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة ودفن بباب حرب
204 - عبد الواحد بن محمد
ابن عبد الواحد ابن الصباغ ابو المظفر سمع من النقيب وابن النظر وحمدو وغيرهم وحدث
بشيء يسير وصرف عن الشهادة في ايام المسترشد لسبب جرى ثم رد وعزل في ايام المقتفي
وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بباب حرب
205 - علي بن الحسين
ابن محمد بن علي الزينبي ابو القاسم الاكمل بن ابي طالب نور الهدى بن ابي الحسن
نظام الحضرتين بن نقيب النقباء ابي القاسم بن القاضي ابي تمام ولد في نصف ربيع
الاول من سنة سبعين واربعمائة وسمع الحديث من ابيه أبي طالب وعمه طراد وابي الخطاب
بن النظر وابي الحسن ابن العلاف وابن بيان وابي عبد الله الحميدي وغيرهم وسمعنا
منه الحديث على شيخنا ابي بكر قاضي المارستان وابي القاسم بن السمرقندي وحدث وكان
للمسترشد اليه ميل فوعده النقابة فاتفق موت الدامغاني فطلب فياله رئيسا مارأينا
وزيرا ولا صاحب منصب اوقر منه ولا احسن هيئة وسمتا وصمتا قل ان يسمع منه كلمة
وطالت ولايته فأحكمه الزمان وخدم الراشد وتاب في الوزارة ثم استوحش من الخليفة
فخرج الى الموصل فاسر هناك ووصل الراشد وقد بلغه ما جرى ببغداد من خلعه فقال له
اكتب خطك بابطال ما جرى وصحة امامتي فامتنع فتواعده زنكي وناله بشيء
من
العذاب ثم اذن في قتله فدفع الله عنه ثم بعث من الديوان لاستخلاصه فجيء به فبايع
المقتفي ثم ناب في الوزارة لما التجأ ابن عمه علي بن طراد الى دار السلطان ثم ان
المقتفي اعرض عنه بالكلية قال المصنف وقال لي النقيب الطاهر انه جاء الي فقال يا
ابن عمر انظر ما يصنع معي فان الخليفة معرض عني فكتبت الى المقتفي فاعاد الجواب
بانه فعل كذا وكذا فعذرته وجعلت الذنب لابن عمي ثم جعل ابن المرخم مناظرا له
وناقضا لما يبنيه والتوقيعات تصدر بمراضي ابن المرخم ومسخطات الزينبي ولم يبق الا
الاسم فمرض وتوفي سحرة الاربعاء يوم عيد النحر من هذه السنة وله ست وسبعون سنة
وصلى عليه ابن عمه طلحة بن علي نقيب النقباء ونائب الوزارة وكان الجمع كثيرا جدا
ودفن في مشهد ابي حنيفة الى جانب ابيه ابي طالب الزينبي وخلف جماعة من البنين
ماتوا ما اظن احدا منهم عبر ثلاثين سنة قال المصنف رحمه الله وحدثني ابو الحسن
البراندسي عن بعض العدول ان رجلا رأى قاضي القضاة في المنام فقال له ما فعل الله
بك فقال غفر لي ثم انشد ... وان امرءا ينجو من النار بعدما ... تزود من اعمالها
لسعيد ...
قال ثم قال لي امض الى أبي عبد الله يعني ابن البيضاوي القاضي وهو ابن اخي قاضي
القضاة وأحد أوصيائه فقل له لم تضيق صدر غصن وشهية يعني سراريه فقال الرجل وما
عرفت اسماءهن قط فمضيت وقلت ما رأيت فقال سبحان الله كنا البارحة في السحر نتحدث
في تقليل ما ينوبهن
206 - محمد بن علي البغدادي
ابو غالب بن ابي الحسن يعرف بابن الداية المكبر سمع ابا جعفر بن المسلمة
207 - المبارك بن المبارك
ابن زوما ابو نصر الرفاء ولد سنة ثمان وثمانين واربعمائة قرأ القرآن على ابي بكر
بن الدنف وسمع الحديث من ابي طالب بن يوسف وغيره وكان حنبليا ثم انتقل فصار شافعيا
وتفق على شيخنا الدينوري وتفقه على اسعد ثم على
ابن
الرزاز وبرز في الفقه ثم اخرج من المدرسة اخراجا عنيفا وتوفي في ذي القعدة من هذه
السنة ودفن في تربة ابي اسحاق
208 - المبارك بن كامل
ابن ابي غالب البغدادي ويعرف ابوه بالخفاف ابو بكر المفيد ولد سنة خمس وتسعين واول
سماعه في سنة ست وخمسمائة وقرأ القرآن بالقراآت وسمع ابا القاسم بن بيان وابا علي
بن نبهان وابا الغنائم النرسي وخلقا كثيرا وما زال يسمع العالي والنازل ويتبع
الاشياخ في الزوايا ويقل السماعات فلو قيل انه سمع من ثلاثة آلاف شيخ لما رد
القائل وجالس الحفاظ وكتب بخطه الكثير وانتهبت اليه معرفة المشايخ ومقدار ما سمعوا
والاجازات لكثرة دريته في ذلك وكان قد صحب هزارسب ومحمودا الاصبهاني وغيرهما ممن
يعني بهذا الشأن فانتهى الامر في ذلك اليه الا انه كان قليل التحقيق فيما ينقل من
السماعات فجازفة منه لكونه يأخذ عن ذلك ثمنا وكان فقيرا الى ما يأخذ وكان كثير
التزوج والاولاد وتوفي في جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بالشونيزية
سنة
ثم دخلت سنة اربع واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الاسعار تراخت في مستهل المحرم وعاد الرخص وكثرت الخيرات وخرج
اهل السواد الى قراهم
ومن ذلك ان محمود بن زنكي بن آق سنقر غزا فقتل ملك انطاكية واستولى على عسكر
الافرنج وفتح كثيرا من قلاعهم
وفي يوم الاربعاء ثالث ربيع الآخر استوزر ابو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة ولقب
عون الدين وخلع عليه
وفي رجب عاد البقش وجمع الجموع وقصد العراق وانضم اليه ملك شاه بن محمود طرنطاي
وعلي بن دبيس واجتمع معهم خلق كثير من التركمان فلما بقي
بينهم
وبين بغداد ثلاثة فراسخ بعثوا الى الخليفة يطلبون منه الخطبة لملك شاه فلم يجبهم
وقويت الاراجيف ودون الخليفة وجمع العسكر وحفرت بقية الخندق وتقدم الى اهل الجانب
الغربي بالانتقال الى الحريم ونودي في الرصافة وابي حنيفة ان لا يبقى احد فنقل
الناس وبعث امير المؤمنين ابن العبادي الى السلطان ونفذ بعده بالركابية يستحثه على
المجيء ويعلمه انهم جاؤا لاجل الخطبة واني ما اجبتهم للعهد الذي بيني وبينك فينبغي
ان تعجل المجيء فلم يبرح فبعث اليه عمه سنجر يعاتبه ويقول قد اخربت البلاد وقتلت
العباد في هوى ابن البلنكري فينبغي ان تنفذ به وبوزيره والجاولي والا ما يكون
جوابك غيري فلم يلتفت الى ذلك فرحل سنجر الى الري وبعث اليه يقول قد جئت اليك فلما
علم بذلك سار اليه جريدة وعاد من عنده طيب القلب وجاء السلطان مسعود في ذي الحجة
وخرج اليه الوزير ابن هبيرة وارباب الدولة وجلس لهم وطيب قلوبهم فرجعوا مسرورين وكان
البقش قد قبض على ابن دبيس فأطلقه فوصل ابن دبيس الى بغداد ودخل على السلطان فرمى
نفسه بين يديه فعفا عنه وخلع عليه ورضي عن الطرنطاي ولم يعلم البقش حتى دخل دار
السلطنة فسلمت نفسه ولم ترد اليه ولاية
وخرج في هذه السنة نظر الخادم بالحاج فلما بلغ الكوفة مرض فعاد ورتب قيماز
الارجواني مكانه فلما وصل الى بغداد توفي بعد ايام
وفي يوم السبت غرة ذي الحجة وقت الضحى زلزلت الارض زلزلة عظيمة فبقيت تموج نحوا من
عشر مرات وكانت زلزلة بحلوان تقطع منها الجبل وساخ في الارض وانهدم الرباط
البهروزي وهلك عالم من التركمان
وفي هذه السنة اشتدت بالناس علة برسامية وسرسامية عمت الخلق فكانوا اذا مرضوا لا
يتكلمون ولا يطول بهم الامر
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
209 - احمد بن الحسن
ابن علي بن اسحاق الطوسي ابو نصر بن نظام الملك وزر للمسترشد والسلطان محمد
وسمع
الحديث ثم لزم منزله توفي في ذي الحجة من هذه السنة
210 - احمد بن محمد
ابن الحسين ابو بكر الأرجاني قاضي تستر وارجان بلدة منها روي عن ابي بكر ابن ماجه
وله الشعر المستحسن يتضمن المعاني الدقيقة وورد بغداد ومدح المستظهر بالله وله في
قصيدة ... جعلت طليعتي طرفي سفاها ... تدل على مقاتلي الخفايا ... وهل يحمى حريم
من عدو ... اذا ما الجيش خانته الربايا ... ولي نفس اذا ما امتد شوقا ... أطار
القلب من حرق شظايا ... ودمع ينصر الواشين ظلما ... فيظهر من سرائري الخفايا ...
ومحتكم على العشاق جورا ... واين من الدمى عدل القضايا ... يريك بوجنتيه الورد غضا
... ونور الأقحوان من الثنايا ... تأمل منه تحت الصدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في
الزوايا ... خطبت نواله الممنوح حتى ... اثرت به على نفسي البلايا ... يؤرق مقلتي
وجدا وشوقا ... فأقلق مهجتي هجرا ونايا ...
وهذه الابيات من قصيدة قالها الارجاني على وزن قصيدة لابن ون العماني وهي ... نقود
عهودها عادت نسايا ... وعاد وصالها المنزور وايا ... اذا انشدت في التعريض بيتا
... تلت من سورة الاعراض آيا ... ورب قطيعة جلبت وصالا ... وكم في الحب من نكت
خفايا ... شكت وجدي الي فآنستني ... وبعض الانس في بعض الشكايا ... فلا ملت
معاتبتي فاني ... اعد عتابها احدى العطايا ... وليلة اقبلت في القصر سكري ...
تهادى بين أتراب خفايا ... ثنينا السوء عن ذاك التثني ... وأثنينا على تلك الثنايا
...
وله في قصيدة ... ولما بلوت الناس اطلب منهم ... أخا ثقة عند اعتراض الشدائد
تطمعت
في حالي رخاء وشدة ... وناديت في الأحياء هل من مساعد ... فلم أر فيما ساءني غير
شامت ... ولم أر فيما سرني غير حاسد ... تمتعتما يا ناظري بنظرة ... واوردتما قلبي
أمر الموارد ... أعيني كفا عن فؤادي فانه ... من البغي سعى اثنين في قتل واحد ...
وله يمدح سعد الملك ... حيث انتهيت من الهجران لي فقف ... ومن وراء دمي بيض الظبا
فخف ... يا عابثا بعدات الوصل يخلفها ... حتى اذا جاء ميعاد الفراق يفي ... يستو
صفون لساني عن محبتهم ... وانت اصدق يا دمعي لهم فصف ... ليست دموعي لنار الشوق
مطفئة ... وكيف والمار باد والحريق خفي ... لم أنس يوم رحيل الحي موقفنا ...
والعيس تطلع اولاها على شرف ... والعين من لفتة الغيران ما حظيت ... والدمع من
رقبة الواشين لم يكف ... وفي الحدوج الغوادي كل آنسة ... ان ينكشف سجفها للشمس
تنكسف ... في ذمة الله ذاك الركب انهم ... ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف ... فان
اعش بعدهم فردا فياعجبا ... وان مت هكذا وجدا فيا أسفي ...
توفي القاضي ابو بكر بتستر في هذه السنة
211 - عبد الله بن عبد الباقي
ابن التبان ابو بكر الفقيه كان من اهل القرآن سمع من ابي الحسين ابن الطيوري وتفقه
على ابن عقيل وناظر وافتى ودرس وكان اميا لا يكتب وتوفي في شوال عن تسعين سنة ودفن
بباب حرب
212 - عبد الغني بن محمد
ابن سعد بن محمد ابو البركات الحنبلي سمع ابا الغنائم ابن النرسي وابن نبهان وابن
عقيل
وغيرهم ولم يزل يسمع معنا الى ان مات وكان قارئا مجودا حسن التلاوة وشهد عند ابي
القاسم الزينبي وتوفي في زمان كهولته يوم الاربعاء ثالث عشر شوال ودفن بباب حرب
213 - عيسى بن هبة الله
ابن عيسى ابو عبد الله النقاش ولد سنة سبع وخمسين واربعمائة وكان بغداديا ظريفا
مؤانسا لطيفا خفيف الروح كثير النوادر رقيق الشعر قد رأى الناس وعاشر الظراف وسمع
ابا القاسم ابن البسري وابا الحسين علي بن محمد الأنباري الخطيب وغيرهما وكان يحضر
مجلسي كثيرا ويكاتبني وكتبت اليه يوما رقعة خاطبته فيها بنوع احترام فكتب الي ...
قد زدتني في الخطاب حتى ... خشيت نقصا من الزيادة ... فاجعل خطابي خطاب مثلي ...
ولا تغير على عادة ...
وله ... يا من تبدل بي وأمكنه ... مالي وحقك عنك من بدل ... ان كنت حلت فانني رجل
... عن عهد ودك قط لم احل ... لهفي على طمع اصبت به ... في عنفوان شبيبة الأمل ...
وله ... اذا وجد الشيخ في نفسه ... نشاطا فذلك موت خفي ... ألست ترى ان ضوء السراج
... له لهب قبل ان ينطفي ...
214 - نظر بن عبد الله الجيوشي
ابو الحسن الخادم سمع الحديث من ابي الخطاب بن النظر وغيره بافادة مؤدبه شيخنا ابي
الحسن بن الزاغوني وحج سبعا وعشرين حجة كان في نيف وعشرين منها اميرا قال المصنف
فحججت معه سنة احدى واربعين ومعي شيء من سماعه فأردت ان اقرأه عليه فرأيت ما يأخذ
به الناس من الطرح على الحمالين والظلم فلم أكلمه وخرج بالناس الى الحج في سنة
اربع واربعين مريضا فلما
وصل
الى الكوفة زاد مرضه فسلمهم الى قيماز ورجع الى بغداد فتوفي ليلة الثلاثاء الحادي
والعشرين من ذي القعدة ودفن بالترب في الرصافة وفي تلك السنة طمع العرب في الحاج
فأخذوهم بين مكة والمدينة على ما نذكره في الحوادث
سنة
ثم دخلت سنة خمس واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في المحرم جلس يوسف الدمشقي مدرسا في النظامية من جانب
الأعاجم والفي الدرس واجتمع له الفقهاء والخلق الكثير ولم يكن ذلك عن اذن الخليفة
وكان ميل الخليفة الى ابن النظام فلما كان يوم الجمعة منع يوسف من الدخول الى
الجامع والى دار الخلافة وضربت جماعة من اصحابه بالخشب وصلى الجمعة في جامع
السلطان ولم يعد الى المدرسة والزم بيته وفي يوم السبت سابع عشرين المحرم جلس ابو
النجيب للتدريس في النظامية الصبح وتقدم اليه بالتدريس في النظامية فقال له اريد
اذن الخليفة فاستخرج له اذن الخليفة وزادت دجلة فبلغ الماء الى باب المدرسة ومنع
الجواز من طريق الرباط ودخلت السفن الازقة
وقد ذكرنا ان الخادم نظرا لما حج خرج بالحاج مريضا فعاد وسلمهم الى قيماز فلما
وصلوا الى مكة طمع امير مكة في الحاج واستزرى بقيماز فطمعت العرب ووقفت في الطريق
وبعثوا يطلبون رسومهم فقال قيماز للحاج المصلحة ان تعطوهم ونستكفي رسول الله صلى
الله عليه و سلم فاستغاثوا عليه وقالوا نمضي الى سنجر فنشكو منك وكانوا قد وصلوا
الى الغرابي فخرجت عليهم العرب بعد العصر يوم السبت رابع عشر المحرم فقاتلوهم
فكثرت العرب فاخذوا من الثياب والاموال والاجمال ما لا يحصى واخذوا من الدنانير
الوفا كثيرة فتحدث من التجار انه اخذ من هذا عشرة آلاف ومن هذا
عشرون
ألف ومن هذا ثلاثون الفا واخذ من خاتون اخت مسعود ما قيمته مائة الف دينار وتقطع الناس
وهربوا على اقدامهم يمشون في البرية فماتوا من الجوع والعطش والعري وقيل ان النساء
ظنوا ان اجساد هذه الطير تستر العورة وما وصل قيماز الى المدينة الا في نفر قليل
وجاء في هذه السنة باليمن مطر كله دم حتى صارت الارض مرشوشة بالدم وبقي اثره بثياب
الناس
ومرض ابن البلنكري وهو خاص السلطان مسعود فلما عوفي اسقط المكوس وكان المكاس
ببغداد يلقب مختص الحضرة وكان يبالغ في اذى الناس واخذ اموالهم ويقول انا قد فرشت
حصيرا في جهنم فمرض ومات في ربيع الآخر من هذه السنة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
215 - اسمعيل بن محمد
ابن عبد الوهاب بن الحسن القزاز ويعرف بابن زريق سمع من ثابت وابن العلاف وغيرهما
وتوفي يوم الاربعاء النصف من ربيع الاول ودفن بباب حرب
216 - الحسن بن ذي النون
ابن ابي القاسم بن ابي الحسن الشغري ابو المفاخر بن ابي بكر من اهل نيسابور سمع
الحديث من ابي بكر الشيروي وغيره وكان فقيها اديبا دائم التشاغل بالعلم لا يكاد
يفتر وكان يقول اذا لم تعد الشيء خمسين مرة لم يستقر ورد بغداد واقام بها مدة يعظ
في جامع القصر وغيره واظهر السنة وذم الاشاعرة وبالغ وقد ذكرت في الحوادث ما جرى
له وكان هو السبب في اخراج ابي الفتوح الاسفرائيني من بغداد ومال اليه الحنابلة
لما فعل وحدثني ابو الحسن البراندسي انه خلا به فصرح له بخلق القرآن وبان بأنه كان
يميل الى رأي المعتزلة بعد أن كان يظهر
ذمهم
ثم فتر سوقه وخرج من بغداد فتوفي بقرية ايذاجرد في جمادى الاولى من هذه السنة
انشدنا الحسن بن ابي بكر النيسابوري ... أهون عليا وايمان محبته ... كم مشرك دمه
من سيفه وكفا ... ان كنت ويحك لم تسمع مناقبه ... فاسمع مناقبه من هل اتى وكفا ...
وأنشدنا ... مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا ... ومات من بعدهم تلك الكرامات ...
وخلفوني في قوم ذوي سفه ... لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا ...
217 - صافي بن عبد الله
الجمالي عتيق ابي عبد الله بن جردة سمع ابا علي ابن البناء وقرأ عليه القرآن وقرأت
عليه الحديث بحق سماعه من ابي علي البناء وكان شيخنا ابو الفضل ابن ناصر يقول ان
صافي كان غلاما آخر لابن جردة فأخبر صافي بذلك فحضر يوما في دار شيخنا ابي منصور
الجواليقي وكنت حاضرا وكنا يومئذ نسمع غريب الحديث لابي عبيد على الاشياخ ابي
منصور وابي الفضل وسعد الخير فقال لشيخنا ابي الفضل سمعتك انك قلت ان هذه الاجزاء
ليست سماعي وانه كان لسيدي غلام آخر اسمه صافي وما كان هذا قط وانا أذكر ابا علي
ابن البناء وقد قرأت عليه وانا ممن يشتهي الرواية مشغوف بها فادعى سماع مالم اسمع
فبان للجماعة صدقه واعتذر اليه ابو الفضل بن ناصر ورجع عما كان يقوله توفي صافي في
ربيع الاول من هذه السنة
218 - عبد الملك بن ابي نضر
ابن عمر ابو المعالي الجيلي من جيلان تفقه على اسعد الميهني وسمع الحديث وكان
فقيها صالحا دينا خيرا عاملا بعلمه كثير التعبد ليس له بيت يسكنه يبيت في أي مكان
اتفق كان يأوي في المساجد في الخرابات التي على شاطئ دجلة حج في
هذه
السنة فأغارت العرب على الحاج فانصرف واقام بفيد فتوفي بها في هذه السنة وكان جماعة
الفيديين يثنون عليه ويصفونه بالتورع والزهد
سنة
ثم دخلت سنة ست واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه انفجر بثق النهروانات بتوفر الزيادة في تأمرا
وفي جمادى الآخرة قطعت يد رجل متفقه يقال له شجاع الدين كان يتخادم للفقهاء
والوعاظ ظهرت عليه عملات فقطع
وفي رمضان دخل السلطان مسعود الى بغداد فمضى اليه الوزير ابن هبيرة وارباب الدولة
فأكرمهم فعادوا شاكرين
وسأل ابن العبادي ان يجلس في جامع المنصور فقيل له لا تفعل فان اهل الجانب الغربي
لا يمكنون الا الحنابلة فلم يقبل فضمن له نقيب النقباء الحماية فجلس يوم الجمعة
خامس ذي الحجة في الرواق وحضر النقيبان واستاذ الدار وخلق كثير فلما شرع في الكلام
أخذته الصيحات من الجوانب ونفر الناس وضربوا بالآجر فتفرق الناس منهزمين كل قوم
يطلبون جهة وأخذت عمائم الناس وفوطهم وجذبت السيوف حوله وتجلد وثبت وسكن الناس
وتكلم ساعة ونزل وارباب الدولة يحفظونه حتى انحدر وقد طار لبه
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر
219 - احمد بن محمد
ابن احمد بن الحسن المذاري ابو المعالي بن ابي طاهر ولد سنة اثنتين وستين وسمع ابا
القاسم ابن البسري وابا علي ابن البناء وغيرهما وكان سماعه صحيحا وقرأت عليه كثيرا
من حديثه وسئل عن نسبه الى المذار فقال كان ابي سافر اليها واقام بها مدة ثم رجع
فقيل المذاري ومذار قرية تحت البصرة قريبة من عبادان توفي عشية الاربعاء الثامن
والعشرين من جمادى هذه السنة ودفن بمقبرة
باب
حرب
220 - الحسن بن محمد
ابن الحسين ابو علي الراذاني ولد بأوانا وسكن بغداد وسمع الحديث من ابي الحسين ابن
الطيوري وغيره وكان يسمع معنا على ابن ناصر الى ان مات وتفقه على ابي سعد المخرمي
ووعظ مدة وتوفي فجاءة وكان قد تزوج امرأة ابي المعالي المكي وعزم تلك الليلة ان
يدخل بها فدخل الى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر فقاء فمات وذلك في يوم الاربعاء رابع
صفر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب الى جانب ابن سمعون
221 - علي بن دبيس
توفي في هذه السنة عن قولنج اصابه فاتهم طبيبه محمد بن صالح بانه بطن في أمره فمات
الطبيب عن قريب
222 - عبد الرحمن بن محمد
ابن علي ابو محمد ابن الحلواني تفقه وناظر وكان يتجر في الخل ويقنع به ولا يقبل من
احد شيئا توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في داره بالمأمونية
سنة
ثم دخلت سنة سبع واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في تاسع المحرم باض ديك لرجل يعرف بابن عامر وباض بازي لعلي
بن حماد بيضتين وباضت نعامة لاذكر معها بيضة ذكر ذلك ابو العباس الماندائي القاضي
وفي هذه السنة من الحوادث ان يعقوب الخطاط توفي برباط بهروز وكانت له غرفة في
النظامية فحضر الذي ينوب في التركات وختموا على غرفته في المدرسة فخاصمهم الفقهاء
وضربوهم واخذوا التركة وهذه عادتهم في الحشريين فمضوا
شاكين فقبض حاجب الباب على رجلين من الفقهاء وعاقبهم بباب النوبي وحملهما الى حبس اللصوص فأغلق الفقهاء المدرسة واخرجوا كرسي الوعاظ فرموه وسط الطريق فلما كانت عشية تلك الليلة صعد الفقهاء سطح المدرسة واستغاثوا وأساؤا الادب في استغاثتهم وكان المدرس ابو النجيب يومئذ فجاء فرمى نفسه تحت التاج في اليوم الثاني واعتذر وكشف رأسه فقيل له قد عفي عنك فامض الى بيتك والزم زاويتك وهرب الفقهاء الى دار الملك وتبعهم فبقوا اياما فبعث شحنة بغداد وهو المسمى بمسعود بلال مع ابي النجيب وجمع أصحابه فرجع هو والفقهاء الى المدرسة بغير اذن امير المؤمنين فجلس ودرس ووعظ وتكلم بالكلمات بالعجمية لا يعرفها الا أعجمي فلما كان يوم الخميس سابع رجب وصلت الاخبار بموت السلطان مسعود وانه مات بباب همذان فعقد العسكر السلطنة لملك شاه بن محمود فقام بأمره خاصبك ثم ان خاصبك قبض على ملك شاه وكاتب اخاه محمدا وهو بخوزستان فلماوصل الى همذان سلم السلطنة اليه وكانت مكاتبته حيلة ليحصله فعلم فقتل خاص بك ولما ورد موت السلطان اختلط الناس وهرب مسعود الشحنة الى تكريت فظفروا بخيله وبعض سلاحه ونادى الخليفة انه من تخلف من الجند ولم يحضر الديوان ليدون ويجري على عادته في اقطاعه ابيح دمه وماله وقعد الوزير للعزاء في بيت النوبة ونفذ استاذ الدار ومعه من ينقض فنقضوا دار تتر التي على المسناة وتقدم الى ابن النظام ان يمضي الى المدرسة ليدرس بها فمضى في موكب وقبض على ابي النجيب وحمل الى الديوان وأهين وحبس وقبض على الحيص بيص الشاعر واخذ من بيته حافيا ماشيا مهانا وحمل الى حبس اللصوص وقصد من كان له تعلق بالعسكر ثم اخرج ابو النجيب الى باب النوبي فاقيم على الدكة الظاهرة بين اثنين وكشف رأسه وضرب بالدرة خمس مرات تولى ذلك غلام الحسبة بتقدم واعيد الى حبس الجرائم وذلك في آخر رجب وفي يوم السبت اخذ البديع صاحب ابي النجيب وكان متصوفا يعظ الناس فحمل الى الديوان واخذ من عنده الواح من طين فيها قبل وعليها مكتوب
اسماء
الائمة الاثنا عشر فاتهموه بالرفض فشهر بباب النوبي وكشف رأسه وأدب والزم بيته
وكان مهلهل قد ضمن الحلة في كل سنة بتسعين الف دينار فأقبل السلاركرد الى الحلة
فهرب مهلهل الى مشهد علي عليه السلام فكتب سلاركرد الى مسعود الشحنة وهو في تكريت
فلحق به فلما اجتمعا قبض مسعود على سلار فغرقه فجهز امير المؤمنين العساكر وكانوا
ثلاثة آلاف ومن تبعهم فعبروا وضربوا تحت الرقة في تاسع عشر شعبان وقدم كرساوج من همذان
فتلقى بالموكب وخلع عليه واعطى الشحنكية وخرج الوزير ابن هبيرة في سابع عشرين
شعبان فسار معه العسكر الى الحلة فسبقت مقدمته فانهزم الشحنة فعادوا يبشرون الوزير
وقد كان تهيأ للقتال فعاد الوزير وبلغ امير المؤمنين تخبيط بواسط فأخرج سرادقه
فضربه تحت الرقة واخرج الكوسات وكانت احد وعشرين حملا وبعددها الاعلام وخرج يوم
الاثنين الحادي والعشرين من شوال على ساعتين من النهار في سفينة وولي العهد في
سفينة والوزير في سفينة والخدم في سفن ولم يتمكن احد من العوام ان يركب في سفينة
فوقف الناس ينظرون من جانبي دجلة وصعد من السفينة وارباب الدولة بين يديه فظهر
للناس ظهورا بينا وأشار الى اصحابه ان لا يضربوا احدا بمقرعة فركب وولى العهد
وسارا والناس مشاة بين ايديهما حتى نزلا السرادق ثم رحل الى ان نزل بواسط فهرب
اولاد الطرنطاي خطلبرس الى الشحنكية بواسط ثم مضى الى الحلة والكوفة وعاد الى
بغداد في ذي القعدة فنزل بدار يرنقش التي على الصراة ثم دخل الى داره وعلقت بغداد
سبعة أيام ثم خطب لولي العهد يوم الجمعة غرة ذي الحجة من هذه السنة فعاد التعليق
وعلقت القباب فعمل الذهبيون قبة على باب الخان العتيق عليها صورة مسعود وخاص بك
وعباس وغيرهم من الامراء بحركات تدور وعلق ابن المرخم قبة فيها خيل تدور وعليها
فرسان بحركات وعلقت بنت قاورت بباب درب المطبخ قبة فيها صورة السلطان وعلى رأسه
شمسة وعلق ترشك قبة
على
سطح داره على تماثيل صور اتراك يرمون بالنشاب وعلق ابن مكي الاحدب قبة عليها جماعة
من الحدب وعلق جعفر الرقاص بباب الغربة قبة عليها مشاهرات فاكهة اترج ونارنج ورمان
وثياب ديباج وغير ذلك واقام السودان الكلالة فوق القبة يغنون ويرقصون وعمل اهل باب
الازج حذاء المنظرة اربعة ارجى تدور وتطحن الدقيق لا يدري كيف دورانها وعمل
الملاحون سميرية على عجل تسير وانطلق الناس في اللعب وبقي التعليق الى يوم العيد
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
223 - سلاركرد
امير كبير قد ذكرنا كيف هلك
224 - محمد بن اسمعيل
ابن احمد بن عبد الملك ابو عبد الله بن ابي سعد بن ابي صالح المؤذن ولد ينيسابور
في سنة ثمانين وهو من بيت العلم والحديث وسمع الحديث الكثير وقدم الى بغداد رسولا
من صاحب كرمان في سنة ست وقدم رسولا الى السلطان في سنة اربع واربعين وتوفي في ذي
القعدة من هذه السنة بكرمان
225 - محمد بن عمر
ابن يوسف الارموي ابو الفضل بن ابي حفص من اهل ارمية ولد سنة تسع وخمسين وسمع من
ابي جعفر ابن المسلمة وابي الغنائم ابن المأمون وابي الحسين ابن المهتدي وابي بكر
الخياط وابي نصر الزينبي وابن النقور وابي القاسم ابن البسري وغيرهم وروى لنا عنهم
وسمعت منه بقراءة شيخنا ابن ناصر وقرأت عليه كثيرا من حديثه وكان سماعه صحيحا وكان
فقيها على مذهب الشافعي تفقه على أبي اسحاق الشيرازي وكان ثقة دينا كثير التلاوة
للقرآن وكان شاهدا فعزل وتوفي في رجب هذه السنة ودفن مقابل باب ابرز
226
- محمد بن محمد
ابن محمد ابو بكر الخلمي من اهل بلخ ولد سنة خمس وسبعين وسمع الحديث الكثير وكان
اماما مفتيا مناظرا حسن الاخلاق متقدما على اصحاب ابي حنيفة واملي بجامع بلخ وتوفي
بها في شعبان هذه السنة ودفن في داره
227 - محمد بن منصور
ابن ابراهيم ابو بكر القصري سمع من ثابت بن بندار وابي طاهر بن سوار وغيرهما وحدث
بشيء يسير وقرأ القرآن بالقراآت واقرأ وكان حافظا مجودا خيرا وكان يطالع تفسير
النقاش ويذكر منه رأيت له دكة على هيئة المنبر من آجر بجامع المنصور يجلس عليها
بعد الجمعة فيسأل عن آيات فيفسرها وكانت له شيبة طويلة تعبر سرته وتوفي في ليلة
الجمعة سابع شعبان ودفن بمقبرة باب حرب
228 - محمد بن هبة الله
ابن محمد بن علي بن المطلب الكرماني ابو عبد الله بن الوزير ابي المعالي سمع ثابتا
وابا غالب البقال وابن نبهان وابن ثابت وغيرهم وحدث ببعض مسموعاته وكان ظاهر
الكياسة حسن الاخلاق وتوفي في ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم ودفن في مقابر قريش
بالحضرة
المظفر بن اردشير
ابو منصور العبادي ولد سنة احدى وتسعين واربعمائة وسمع من ابي بكر الشيروي وزاهر
الشحامي وغيرهما ودخل بغداد فأملى الحديث ووعظ بالجامع والنظامية وكانت له فصاحة
وحسن عبارة وكان يوما جالسا في جامع القصر فوقع المطر فلجأ الجماعة الى ظل العقود
والجدران فقال لا تفرقوا من رشاش ماء رحمة قطر عن متن سحاب نعمة ولكن فروا من شرار
نار اقتدح من زناد الغضب ثم قال مالكم لا تعجبون مالكم لا تطربون فقال له قائل
وترى الجبال تحسبها
جامدة
الآية فقال التماسك عن المرح عند تملك الفرح قدح في القدس فقام شاعر يمدحه فاجلس
فقال الشاعر قد كان حسان يبسطه رسول الله صلى الله عليه و سلم في المسجد فقال
الشيخ كان حسان شاعرا ولم يكن مستبيحا عرضا ولا مستمنحا عرضا وكان مثل هذا الكلام
المستحسن يبدر في كلامه وانما كان الغالب على كلامه ما ليس تحته كثير معنى وكتب ما
قاله في مدة جلوسه فكان مجلدات كثيرة فترى المجلد من اوله الى آخره ليس فيه خمس
كلمات كما ينبغي ولا معنى له وكان يترسل بين السلطان والخليفة فتقدم اليه ان يصلح
بين ملك شاه بن محمود بن محمد وبين بدر الحويزي فمضى فأصلح بينهما وحصل له منهما
مال فأدركه اجله في تلك البلدة فجاء الخبر بأنه مات يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر من
هذه السنة بعسكر مكرم ثم حمل الى بغداد فدفن في دكة الجنيد بالشونيزية وكان جامعا
للمال فلم يحظ به بل كان له ولد فتوفي بعده بأشهر وعاد المال الى السسلطان وفي ذلك
عبرة لمن اعتبر
230 - المبارك بن هبة الله
ابن سلمان ابو المعالي الصباغ يعرف بابن سكرة سمع الحديث الكثير وكان يبيع البقالة
ثم تركها ووعظ توفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن في داره في المقتدية
231 - مسعود السلطان بن محمد
ابن ملك شاه جرت له احوال عجيبة قد ذكرناها في حوادث السنين وآل الأمر الى ان خرج
المسترشد بالله إلى محاربته فأسر المسترشد ورأى مسعود من التمكين مالم يره ابناء
جنسه وقدم فبايع المقتفي لأمر الله وتحكم وكتب له شيخنا ابو بكر بن عبد الباقي
جزءا من حديثه فسمعه عليه فكان اقوام يسمعون على السلطان عن شيخنا توفي يوم
الاربعاء سلخ جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن نصف الليل وفي صبيحة الخميس ولي
مكانه ملك شاه واذعن له الامراء وزم الامور
ابن
البلنكري
232 - يعقوب الخطاط
كان غاية في حسن الخط وجودته فتوفي في جمادى الآخرة برباط بهروز
سنة
ثم دخلت سنة ثمان واربعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وصل الخبر في محرم ان سنجر كسرته الغز واستولوا على عسكره
وملكوا بلخ
وفيها نفذ ترشك المقتفوي في خمسمائة فارس وفيهم قسيم الدولة ونجاح الخادم لحصار
قلعة تكريت ثم نفذ ابو البدر ظفر بن عون الدين الوزير فجرى بينه وبين ترشك نفور في
الرتبة واراد ان يكون ترشك بحكمه وتحت امره فلم يفعل فبعث ابن الوزير يشكو منه
فقيل انهم قالوا له اقبض عليه فأحس وقيل بل نفذوا اليه ان يقال وكان قد جرى بينه
وبين استاذ الدار خصومة فكبسوا بيته وأهانوه وحبسوه اشهرا فخشي ان يفعل به كذلك
فكاتب صاحب القلعة وهو مسعود بلال الشحنة اني اريد أن أقبض على الذين معي واسلمهم
اليك فقال له اذا فعلت ذلك فعلت معك ما تشكرني عليه فقال للمعسكر اركبوا وخلا بابن
الوزير ونجاح ويرنقش فقبض عليهم وسلمهم الى صاحب القلعة واخذ سلاحهم وخيلهم وكان
قد نفذ الوزير خمسين حملا عليها اقامة فوصلت يوم القبض فأخذها فخلع صاحب القلعة
عليه الخلعة التي نفذها له السلطان واعطاه فرسا ومركب ذهب وطوق ذهب واضاف اليه
عسكرا وأمره وانضاف اليه تركمان وخرج معه مسعود بلال فقصد طريق خراسان ونهبوا وخرج
المقتفي لدفعهما فهربا من بين يديه واتم المقتفي الى تكريت فشاهدها واقام عليها
يوما ثم انصرف ثم برز السرادق للانحدار الى واسط لدفع ملك شاه عنها فانهزم ملك شاه
من واسط
قاصدا
خوزستان ووصل الخليفة الى ظاهر واسط فأقام اياما ثم رجع الى بغداد وفي عبور
الخليفة من الجانب الغربي الى داره سلم الوزير من الغرق لان السفينة التي كان فيها
انقطعت نصفين وغاصوا في الماء الى حلوقهم واستنقذهم الملاحون فأعطى الوزير الملاح
الذي استنقذه ثيابه ووقع له بمال
وفي شوال اخذت البصرة وانهزم من كان بها من اصحاب ملك شاه
وفي سابع عشرين منه دخل سبع بالليل دروب واسط واجتاز على الدار التي يسكنها صاحب
البطيحة ومضى الى البستان فقتله الرجالة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
233 - احمد بن ابي غالب الوراق
ابو العباس المعروف بابن الطلاية ولد بعد الستين واربعمائة وقرأ القرآن وسمع شيئا
قريبا من الحديث واشتغل بالتعبد وكان ملازما للتعبد في المسجد ليلا ونهارا وكان قد
انطوى من التعبد حتى كان اذا قام فرأسه عند ركبتيه وتوفي يوم الاثنين حادي عشرين
رمضان من هذه السنة ودفن الى جانب ابي الحسين ابن سمعون بمقبرة باب حرب
234 - خاص بك التركماني
صبي من التركمان نفق على السلطان مسعود فقدمه على جميع الامراء وصار له من المال
مالا يحصى فلما مات مسعود خطب لملك شاه ثم قال له اني أريد أن اقبض عليك وانفذ الى
اخيك محمد فأخبره بذلك ليأتي فأسلمه اليك وتكون انت السلطان فقال افعل فقبض عليه
ونفذ الى محمد الى خوزستان بانني قد قبضت على اخيك فتعال حتى اخطب لك واسلم اليك
السلطنة فعرف محمد خبيئته فجاء الى همذان فجاء الناس يخاطبونه في اشياء فقال مالكم
معي كلام وانما خطابكم مع خاص بك ومهما اشار به فهو الوالد والصاحب والكل تحت امره
فوصل هذا الكلام الى خاص بك فسكن بعض السكون ثم التقيا فخدمه خاص بك وحمل اليه
حملا
كثيرا من خيل ومال فأخذ المال وقتل خاص بك ووجد له تركة عظيمة في جملتها سبعون الف
ثوب اطلس وكان ذلك في هذه السنة وقتل مع خاص بك زنكي الخازندار
235 - عبد الله بن عيسى
ابن عبد الله بن احمد بن ابي حبيب ابو محمد الاندلسي ولد ببلاد الاندلس وهو من بيت
العلم والوزارة وصرف عمره في طلب العلم وولي القضاء بالاندلس مدة ثم دخل مصر
والاسكندرية وجاور بمكة ثم قدم العراق فأقام ببغداد مدة ثم وافى خراسان فأقام
بنيسابور وبلخ وكان غزير العلم في الحديث والفقه والادب وتوفي بهراة في شعبان هذه
السنة
236 - عبد الخالق بن احمد
ابن عبد القادر بن محمد بن يوسف ابو الفرج بن ابي الحسين بن أبي بكر بن ابي القاسم
ولد سنة اربع وستين وسمع ابا نصر الزينبي وطرادا وعاصما وابن النظر وغيرهم وكان من
المكثرين سماعا وكتابة وله فهم وضبط ومعرفة بالنقل وهو من بيت النقل قرأت عليه من
حديثه وتوفي يوم الاثنين ثالث عشر المحرم ودفن بمقابر الشهداء من باب حرب
237 - عبد الملك بن عبد الله
ابن ابي سهل ابو الفتح بن ابي القاسم الكروخي وكروخ بلدة على عشر فراسخ من هراة
ولد في ربيع الاول سنة اثنتين وستين واربعمائة بهراة وسمع من جماعة وورد الى بغداد
فسمعنا منه جامع الترمذي ومناقب احمد بن حنبل وغير ذلك وكان خيرا صالحا صدوقا
مقبلا على نفسه ومرض ببغداد فبعث اليه بعض من يسمع عليه شيئا من الذهب فقال بعد
السبعين واقتراب الاجل آخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا فرده اليه
مع حاجته وكان يكتب نسخا بجامع الترمذي ويبيعها فيتقوت بها وكتب به نسخة فوقفها
وخرج الى مكة فجاور بها
وتوفي
بها في ذي الحجة من هذه السنة بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام
238 - الفضل بن سهل الحلبي
وكان يلقب بالاثير سمع الحديث وكان قد قرئ عليه كثير من تصانيف الخطيب باجازته عنه
وكانوا يتهمونه بالكذب فحكى شيخ الشيوخ اسمعيل بن ابي سعيد الصوفي قال كان عندي
الشيخ ابو محمد المقرئ فدخل الأثير الحلبي فجعل يثني على ابي محمد وقال من فضائله
ان رجلا اعطاني مالا فجئت به اليه فلم يقبله فلما قام قال ابو محمد والله ما جاءني
بشيء ولا ادري ما يقول والحمد لله الذي لم يقل عنده وديعة لأحد توفي الاثير في رجب
هذه السنة
239 - كامل بن سالم
ابن الحسن ابو تمام التكريتي شيخ رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور سمع الحديث
وكان كثير التلاوة دائم الذكر قليل الكلام وتوفي في شوال هذه السنة ودفن الى جانب
شيخه ابي الوفاء على باب الرباط
240 - محمد بن محمد
ابن عبد الله بن ابي سهل ابو طاهر من اهل مرو سمع الكثير وكان كثير التلاوة وكتب
وكانت له معرفة بالحديث وكان حافظا لكتاب الله كثير التلاوة دائم الذكر والتهجد
دينا عفيفا وكان يلي الخطابة بمرو وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمرو
241 - محمود بن الحسين
ابن بندار ابو نجيح بن ابي الرجاء الاصبهاني الطلحي الواعظ سمع الحديث على ابن
الحصين وغيره وقال الشعر توفي في هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة تسع واربعين وخمسمائة
فمن
الحوادث فيها انه نفذ الى تكريت بسبب الأسارى فقبضوا على الرسول فنفذ الخليفة
عسكرا الى تكريت فخرج اهل تكريت فمنعوهم الدخول الى البلد فخرج امير المؤمنين يوم
الجمعة غرة صفر فنزل على البلد فهرب اهله فدخل العسكر البلد فشعثوه ونهبوا بعضه
ونزل من القلعة جماعة من الفريقين ونصبت ثلاثة عشر منجنيقا على القلعة ووقع من
سورها ابراج وبعث صاحب الموصل يسأل فيهم ويشير عليهم باعادة الاسراء فلم يقبلوا
وهبت ليلة الاربعاء ثالث عشر ربيع الاول بعد العشاء ريح مظلمة وظهر فيها نار خاف
الناس ان تكون القيامة واثارت من التراب ما يزيد على الحد فتقطع سرادق الخليفة
واشرف امير المؤمنين يوم الاربعاء الخامس عشرين من ربيع الاول على القلعة ووقع
القتال بين يديه فقتل جماعة فساء له ذلك ورأى الزمان يطول في اخذها فرحل عنها ودخل
بغداد في آخر الشهر ثم تقدم الى الوزير بعوده الى حصارها واستعداد آلة كثيرة مما
يحتاج اليه في فتح القلاع فخرج يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ونادى من تخلف بعد
ثلاث ابيح ماله ودمه وجيء بالامراض وعرض العسكر وكانوا ستة آلاف فارس فنزلوا الى
القلعة وانصرف الى القلعة بثلثمائة الف دينار سوى الاقامة فانها كانت تزيد على
الفكر فقرب فتحها فوصل الخبر بان مسعود بلال جاء الى شهرابان في عسكر عظيم ومعه
ألبقش ونهب الناس فاستدعى الوزير للخروج اليهما وكانا قد حثا السلطان محمدا على
قصد العراق فلم يتهيأ له فاستأذناه في التقدم امامه فأذن لهما فجمعا جمعا كثيرا من
التركمان ونزلا بطريق خراسان فخرج الخليفة اليهما فنفذ مسعود من اخرج ارسلان شاه
بن طغرل من قلعة تكريت وكان محبوسا بها وجعلوا القتال عليه ليكون اسم الملك جامعا
للعسكر وتلازم العسكران على نهر بكمزا فعبر الخليفة اليهم فتلازموا ثمانية عشر
يوما وتحصن التركمان بالخركاهات والمواشي ويقال انهم كانوا اثني عشر الف بيت من
التركمان ثم برزوا للقتال آخر يوم من رجب فكانت الوقعة فانهزمت ميسرة العسكر
الخليفي وبعض
القلب
وكان بازائهم مسعود الخادم وترشك حتى بلغت الهزيمة الى بغداد وثبت الخليفة وضربوا
على خزانته وقتل خازنه يحيى بن يوسف ابن الجزري فلما رأى العسكر الميسرة قد انكسرت
ضعفت قلوبهم فجاء منكوبرس وكان فارسا شديد البأس ومعه فريذان فنزلا عن الخيل وقبلا
الارض بين يدي امير المؤمنين وقالوا يا مولانا تثبت علينا ساعة حتى نحمل بين يديك
فاذا رأيناك قويت قلوبنا فقال لا والله الا معكما فرفع الطرحة عن رأسه وجذب السيف
ولبس الحديد هو وولي العهد وكبرا وصاح امير المؤمنين يال مضر كذب الشيطان وفر وقرأ
ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا الآية وحمل وحمل العسكر بحملته فوقع
السيف في العدو وسمع صوت السيوف على الحديد كوقع المطارق على السنادين وانهزم
القوم وتم الظفر وسبى التركمان واخذت اموالهم من الابل والبقر والغنم مالا يحصى
وقيل كانت الغنم اربعمائة ألف رأس فبيع كل كبش بدانق لكثرتها ونودي من كان أخذ من
اولاد التركمان او نسائهم فليرد ذلك فردوا فأخذ البقش الملك وهرب الى بلده وطلب
مسعود وترشك القلعة ودخل الخليفة الى بغداد في غرة شعبان
ووصل الخبر في العشرين من شعبان بان مسعودا وترشك قصدا واسط ونهبوا ما يختص
بالوزير فتقدم الى الوزير بالخروج فخرج ومعه العسكر في خامس عشرين شعبان فانهزم
العدو فلحقهم ونهب منهم رجلا كبيرا وعاد فدخل الوزير على الخليفة فشرفه بقميص
وعمامة ولقبه سلطان العراق ملك الجيوش
وخرج العسكر في عيد الفطر على زي لم ير مثله لاجتماع العساكر وكثرة الامراء وكان
العيد يوم الخميس فلما جاءت العشية جاء مطر وفيه رعد وبرق وبرد تزلزلت الارض لصوته
وخر الناس على وجوههم من شدة الرعب ووقعت منه صواعق فوقع بعضها في التاج الذي بناه
المسترشد فطار شرارها الى الرقة وبقيت النار تعمل اياما فأحرقت آلات كثيرة ثم
اتصلت الاخبار بمجيء العساكر صحبة
محمد
شاه وبانفاذه الى عسكر الموصل يستنجدهم والى تكريت الى مسعود بلال فأخرج الخليفة
سرادقه واستعرض الوزير العسكر في شوال فكانوا يزيدون على اثني عشر الف فارس
وجاء الخبر أن ألبقش قد مات وبعث محمد شاه الى الامراء الخلع وقال عودوا السنة الى
موطنكم فلي السنة عذر والبرد شديد وكان السبب ان محمدا كان قد بعث الى مسعود بلال
في نوبة ألبقش يقول له خذ معك من القلعة بعض الملوك الذين عندك وخذوا بغداد
ليهابكم الناس وليعلم ان معكم ملك الى حين وصولي فأخذ ابن امرأة ألدكز وكانت امه
مع ألدكز فنفذ ألدكز ألفي فارس وقال لهم كونوا في خدمة الملك واحفظوه فلما وقعت
الكسرة وانهزم ألبقش أخذ الصبي فحمله الى قلعته فلما سمع محمد شاه ذلك بعث اليه
يقول له سر الي واستصحب الملك فمات البقش وبقي الصبي مع ابن البقش وحسن الجاندار
فحملوه الى الجبل فخاف محمد شاه ان يصل الصبي الى ألدكز فتتغير الامور فاعتذر الى
العسكر فهرب من يده جماعة من خواصه وجاؤا الى الخليفة واتصل الصبي بزوج امه ألدكز
وامن الناس لتفرق العساكر
وفي هذه السنة وكل بالغزنوي لأجل قرية كانت في يده فلما كان سلخ ذي الحجة نفذ
الخليفة عسكرا الى ناحية همذان ومتقدمهم قيماز السلطاني في الفي فارس
وفي هذه السنة اتصلت الاخبار باختلاف مصر والساحل وهلاك خليفتهما وولي عهده والجند
وانه لم يبق ثم الا صبي صغير فكتب المقتفي لامر الله عهدا لنور الدين بن زنكي
وولاه مصر واعمالها والساحل وبعث إليه الخليفة المراكب والتحف وأمره بالمسير اليها
وحدث في هذه السنة في دجلة زيادة واحمرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدث في هذه
السنة في دجلة في عدة نواحي بلاد واسط ظهور دم من الارض لا يعلم له سبب
ووصلت اخبار سنجر أنه تحت الاسر موكل به في خيمة يجري له كل يوم
مالا
يجوز ان يجري لسائس في سياسته وانه يبكي على نفسه
وفيها توفي ابو الفتوح استاذ الدار فولى ابنه محمد مكانه
وقتلت جارية امرأة سيدتها فأخرجت الجارية الى الرحبة وقتلها زوج المرأة بحضرة
الناس كما يقتل الرجال
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
242 - البقش
صاحب الحرب المذكورة ببكمزامات في رمضان وتصرف في ولايته قيماز السلطان
243 - عبد الله بن هبة الله
ابن المظفر ابن رئيس الرؤساء ابو الفتوح كان يلي استاذية الدار وله صدقات وأعطية
ومجلسه للفقراء والمتصوفة وانفق عليهم كثيرا ولما احتضر احضر غرماءه والمتظلمين
عليه فوفاهم ووصى اولاده ببقايا عليه توفي في هذه السنة ودفن بالمقبرة الملاصقة
لمقبرة الرباط الزوزني
244 - عبد الرحمن بن عبد الصمد
ابن احمد بن علي ابو القاسم ابن الأكاف من اهل نيسابور سمع ابا سعيد الحيري وابا
بكر الشيروي وغيرهما وتفقه وناظر وكان اماما ورعا عالما عاملا غزير الديانة مقبلا
على نفسه قنوعا بالكفاف غير معترض لما لا يعنيه وأوصى اليه قريب له ليفرق ماله الى
الفقراء ففرقه وكان فيه مسك فلما اراد تفرقته سد أنفه وقال انما ينتفع بريحه وهذا
مما روينا عن عمر بن عبد العزيز انه اتى بطيب من بيت المال فأمسك على أنفه وقال
انما ينتفع بريحه ولما استولى الغز إلى نيسابور قبضوا عليه واخرجوه ليعاقبوه فشفع
فيه السلطان سنجر وقال كنت امضي اليه متبركا به ولم يمكني من الدخول عليه فاتركوه
لأجلي فتركوه فدخل شهرستان وهو مريض فبقي اياما وتوفي في هذه السنة ودفن بالحيرة
عند أبيه
245
- علي بن محمد
ابن ابي عمر البزاز ثم الدباس ابو الحسن يعرف ابوه بالباقلاوي ولد سنة سبعين وسمع
ابا محمد التميمي وطرادا وابن النظر وابا ايوب وغيرهم وتأدب بابن عقيل وكان سماعه
صحيحا وقرأت عليه كثيرا من مسموعاته وكان من أهل السنة والصدق على طريق السلف
وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن بباب حرب
246 - علي ابو الحسن
المعروف بابن الابري كان حدادا فقدمه المقتفي وقربه ووكله وبنى مدرسة بباب الازج
توفي في شعبان هذه السنة ودفن بداره برحبة الجامع ثم اخرج بعد مدة
247 - المبارك بن احمد
ابن عبد العزيز بن المعمر بن الحسن بن العباس بن محمد بن عبد الرحمن بن اسمعيل ابن
عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الانصاري ابو
المعمر ولد سنة خمس وسبعين واربعمائة وسمع الكثير وقرأت عليه الكثير وكان له فهم
وعلم بالحديث وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن بالشونيزية
248 - المظفر بن علي
ابن محمد بن محمد بن جهير ابو نصر من بيت الوزارة وزير وجده وزير وكان استاذ الدار
ثم وزر للمقتفي سمع الحديث وحدث وحج وتوفي يوم الخميس سادس ذي الحجة وصلى عليه
بجامع القصر ودفن مقابل جامع المنصور قريبا من الرباط
سنة
ثم دخلت سنة خمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه قبض على حاجب الباب ابي الفتح ابن الصقيل الهاشمي
ووكل
به في الديوان واحضر الناس وواقفوه على ما أخذ منهم واخرج منه الى بيته ورتب مكانه
ابو المعالي بن الكيا الهراسي نحو اربعين يوما ثم عزل ورتب ابو القاسم علي بن محمد
بن هبة الله بن الصاحب
وفي هذا الشهر ورد الخبر أن الغز والتركمان دخلوا نيسابور ونهبوها وفتكوا بأهلها
وفقهائها منهم محمد بن يحيى شيخ أصحاب الشافعي فقتلوا بها نحوا من ثلاثين الف نسمة
وكان سنجر معهم عليه اسم السلطنة وهو معتقل ولقد ادار يوما ان يركب فلم يجد من
يحمل سلاحه فشده على وسطه وكان اذا قدم اليه الطعام احتبس منه شيئا يخبؤه لوقت آخر
خوفا من انقطاعه عنه لتقصيرهم به
وفي شهر ربيع الاول خرج الخليفة الى دقوقا محاصرا لها فاستغاثوا له ارحمنا فرجع
عنهم
وفي رجب كانت الوقعة بين عسكري الخليفة وبين شملة التركماني فهزموه وتبعوه الى ان
خرج اليهم كمين في مضيق فانكسروا وأسر وجوههم ثم احسن اليهم وسرحهم واعتذ فقبل
عذره وسار الى خوزستان فملكها وازاح ملك شاه ابن محمود بن محمد بن ملك شاه عنها
وفي شعبان هجم ثلاثة نفر من الشراة على الحويزي عامل نهر ملك فقتلوه وفي شوال وصل
الملك سليمان بن محمد بن ملك شاه الى بغداد ضيفا مستجيرا بأمير المؤمنين وتلقى
بولد الوزير ابن هبيرة وكان على رأسه شمسة وخمسة اعلام سود ولم ينزل احدهما للآخر
وقبل عتبة باب النوبي وخرج امير المؤمنين حين خروج الحاج فسار معهم الى النجف ودخل
جامع الكوفة واجتاز في سوقها وعاد الى بغداد وفي رمضان منع الوعاظ كلهم
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
249 - احمد بن محمد
الحويزي كان عاملا على نهر ملك فكان يؤذي الناس ويعلق الرجال في السواد
ويعذبهم
ويستخرج الاموال فلا يتلبس بها اظهارا للزهد فكأنه يجمع بذلك التصنع ان يرقى الى
مرتبة اعلى من هذه وكان كثير التلاوة للقرآن كثير التسبيح حتى اني اتفقت في خلوة
حمام وهو في خلوة أخرى فقرأ نحوا من جزئين حتى فرغ من شأنه هذا مع الظلم الخارج في
الحد فهجم عليه ثلاثة نفر من الشراة بمرو بيتا من نهر الملك فضربوه بالسيوف فجيء
به الى بغداد بعد ثلاث وذلك في شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة الرباط مقابل جامع
المنصور وحفظ قبره حتى لا تنبشبه العوام وظهر في قبره عجب وهو انه خسف بقبره بعد
دفنه اذرعا فظهر بعده من لعنه وسبه مالا يكون لذمي
250 - الحسن بن احمد
ابن محبوب ابو علي القزاز سمع طرادا وابن النظر وثابت بن بندار وغيرهم قرأت عليه
كثيرا من حديثه وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب
251 - سعيد بن احمد
ابن الحسن بن عبد الله بن البناء ابو القاسم بن ابي غالب ولد سنة سبع وستين
واربعمائة وقرأت عليه كثيرا من حديثه عن ابي نصر الزينبي وعاصم وغيرهما وكان خيرا
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
252 - محمد بن ناصر
ابن محمد بن علي بن عمر ابو الفضل البغدادي ولد ليلة السبت الخامس عشر من شعبان
سنة سبع وستين واربعمائة وقرأ على أبي زكريا كثيرا من اللغة وسمع الحديث من ابي
القاسم ابن البسري وابي طاهر بن ابي الصقر وابي محمد التميمي وابي الخير العاصمي
وابي الغنائم بن ابي عثمان وابي عبد الله مالك بن احمد البانياسي
وابي
الخطاب ابن النظر ومن دونهم واكثر من الشيوخ المتأخرين وكان حافظا ضابطا متقنا ثقة
لا مغمز فيه وهو الذي تولى تسميعي الحديث فسمعت مسند الامام احمد بن حنبل بقراءته
وغيره من الكتب والاجزاء العوالي على الاشياخ وكان يثبت لي ما اسمع وذكره ابو سعد
السمعاني في كتابه فقال كان يحب ان يقع في الناس قال المصنف وهذا قبيح من ابي سعد
فان صاحب الحديث ما زال يجرح ويعدل فاذا قال قائل ان هذا وقوع في الناس دل على انه
ليس بمحدث ولا يعرف الجرح من الغيبة وكتاب السمعاني ما سواه الا ابن ناصر ولادله
على احوال المشايخ احد مثل ابن ناصر وقد احتج بكلامه اكثر التراجم فكيف عول عليه
في الجرح والتعديل ثم طعن فيه ولكن هذا منسوب الى تعصب ابن السمعاني على اصحاب احمد
ومن طالع في كتبه رأى تعصبه البارد وسوء قصده لا جرم لم يمتع بما سمع ولا بلغ
مرتبة الرواية بل اخذ من قبل ان يبلغ الى مراده ونعوذ بالله من سوء القصد والتعصب
توفي شيخنا ابن ناصر يوم الثلاثاء الثامن عشر من شعبان هذه السنة وصلى عليه قريبا
من جامع السلطان ثم بجامع المنصور ثم في الحربية ثم دفن بمقبرة باب حرب تحت السدرة
الى جانب ابي منصور ابن الانباري وحدثني أبو بكر ابن الحصري الفقيه قال رأيته في
المنام فقلت ما فعل الله بك فقال غفر لي وقال لي قد غفرت لعشرة من اصحاب الحديث في
زمانك لأنك رئيسهم وسيدهم
253 - محمد بن علي بن الحسن
ابن احمد ابو المظفر الشهرزوري ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة وسمع ابا عبد الله
حسين بن احمد بن طلحة وابا الفضل بن خيرون وغيرهما وروى الحديث وكانت له معرفة
حسنة بعلم الفرائض والحساب انفرد بها وكان ثقة من اهل الدين والخير وكان يبيع
العطر في دكان عند مسجد شيخنا ابي محمد المقرئ ويقرأ عليه هنالك ثم سافر الى بلاد
الموصل لدين ارتكبه فبقي بها مدة ثم رجع عنها الى بعض ثغور اذربيجان وتوفي بمدينة
خلاط في رجب هذه السنة
254
- المبارك بن الحسن
ابن احمد ابو الكرم الشهرزوري ولد في ربيع الآخر سنة احدى وستين وقرأ القرآن وسمع
من التميمي وابن خيرون وطراد وجماعة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
255 - يحيى بن ابراهيم
ابو زكريا بن ابي طاهر الواعظ السلماسي سمع الحديث وقدم الى بغداد فوعظ بها وكان
له القبول التام ثم غاب عنها نحوا من اربعين سنة ثم قدم بعد الاربعين وخمسمائة فطلب
ان يفتح له الجامع ليعظ فلم يجب الى ذلك فسمعنا عليه شيئا من الحديث بقراءة شيخنا
ابن ناصر ثم رحل عن بغداد فتوفي في سلماس في هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة احدى وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان سليمان شاه بن محمد استدعى يوم الجمعة خامس عشر المحرم الى باب
الحجرة فجاء في الماء وخرج اهل بغداد للفرجة فلما حضرا حلف على النصح والموافقه
ولزوم الطاعة وانه لا يتعرض للعراق بحال ووعده بالخطبة فلما كان يوم الجمعة تاسع
عشر المحرم خطب له بعد سنجر ولقب بألقاب ابيه ونثر على الخطيب الدراهم والدنانير
فلما كان يوم السبت رابع عشر صفر أخرج الخليفة السرادق والاعلام فلما كان صبيحة
الاثنين سادس عشر صفر بعث الى سليمان فأحضر باب الحجرة وخلع عليه وتوج وسور وحلف
على ما ذكر ايمانا كثيرة وقرر بأن العراق للخليفة ولا يكون لسليمان الا ما فتحه من
بلاد خراسان واعطى الفرس والمركب واسرج له الزبزب وركب في الماء وكان الناس في
السميريات يتفرجون حتى تعذرت السفن وبعث الخليفة اليه عشرين الف دينار ومائتي كر
وخلع على الامراء الذين معه ثم رحل وضرب في النهروان وتبعه العساكر وبعث الى
الخليفة ما ارحل حتى اراك فيقوى قلبي فخرج
الخليفة
في غرة ربيع الاول فرحل معه منازل وهو يتقدم الى أن وصلوا حلوان ونفذ معه العسكر
وعاد
وفي ربيع الآخر خلى سبيل ابي البدر ابن الوزير من القلعة وكان بين اخذه واطلاقه
ثلاث سنين واربعة اشهر وخرج اخوه والموكب فاستقبلوه وكان يوما مشهودا
وفي سلخ ربيع الآخر كثر الحريق ببغداد ودام اياما فوقع بدرب فراشا ودرب الدواب
ودرب اللبان وخرابة ابن جردة والظفرية والخاتونية ودار الخلافة وباب الازج وسوق
السلطان وغير ذلك
وفي رجب خرج الخليفة الى ناحية الدجيل وكان قد تولى حفره ابن جعفر صاحب الديوان ثم
رجع وعاد فخرج فأبصر الانبار وسار في اسواقها ودروبها ثم رجع وعاد متصيدا
وجاءت الاخبار بان ملك شاه ابن اخي سيلمان شاه قد انضاف اليه وانهم اتصلوا بألدكز
وتحالفوا فلما سمع بذلك محمد شاه سار اليهم وضرب معهم مصافا فانهزموا بين يديه
وتشتت العسكر ووصل من عسكر الخليفة الى بغداد نحو خمسين فارسا بعد أن كانوا ثلاثة
آلاف ولم يقتل منهم احد انما اخذت خيولهم واموالهم وتشتتوا وجاؤا عراة وجاؤا الخبر
أن سليمان شاه انفصل عن ألدكز وجاء يقصد بغداد على طريق الموصل وكان عاجزا عن حسن
التدبير فهان في عيون أهل الاطراف فخرج على كوجك امير الموصل فقبض عليه ورقاه الى
القلعة في رمضان هذه السنة وبعث الى محمد شاه يقول له قد قبضت عليه فتعال تسلمه
وان اردت ان تقصد بغداد فأنا الحق بك فسار محمد شاه يقصد بغداد فوصل الى ناحية
بعقوبا وبعث الى علي كوجك فتأخر عنه وانزعجت بغداد واحضرت العساكر وخرج الوزير
يستعرض العسكر وذلك في مستهل ذي الحجة فلما اقبل محمد شاه الى بغداد اضطربت عساكر
العراق على الخليفة فعصى بدر بن المظفر صاحب البطيحة وارغش صاحب البصرة
وفي
رجب هذه السنة اخرج الوزير شرف الدين الزينبي من داره وقلع من قبره فحمل الى
الحربية في الماء ليلا بعد أن احضر الوعاظ فتكلموا قبل قلعه من داره من اول الليل
وعبرت الاضواء الكثيرة والخلق الكثير واتفق ان رجلا يقال له ابو بكر الموصلي قص
ظفره فحاف عليه فخبثت يده ومات
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
256 - رشيد الخادم
كان صاحب اصبهان توفي في هذه السنة
257 - سلمان بن مسعود
ابن الحسين بن حامد ابو محمد ويعرف بالشحام ولد سنة سبع وسبعين وسمع ثابتا وابن
الطيوري ويحيى بن منده وغيرهم وكان سماعه صحيحا وكان من اهل السنة قرأت عليه كثيرا
من حديثه وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب
258 - علي بن الحسين
ابو الحسن الغزنوي قدم بغداد في سنة ست عشرة فسمع الحديث على مشايخنا وكان يعظ
وكان مليح الايراد لطيف الحركات فأمرت خاتون زوجة المستظهر فبنى له رباط بباب
الازج ووقفت عليه الوقوف وصار له جاه عظيم تميل الأعاجم اليه وكان السلطان يأتيه
فيزوره وكثر زبون مجلسه بأسباب منها طلب جاهه وكثرة المحتشمين عنده والقراء
واستعبد كثيرا من العلماء والفقراء بنواله وعطائه وكان محفوظه قليلا فكان يردد ما
يحفظه وحدثني جماعة من القراء انه كان يعين لهم ما يقرؤن بين يديه ويتحفظ الكلام
عليه سمعته يوما يقول في مجلس وعظه الحكمة في المعراج لرسول الله صلى الله عليه و
سلم انه رأى ما في الجنة والنار ليكون يوم القيامة على سكون لا انزعاج فيه فلا
يزعجه ما يرى لتقدم الرؤية ولهذا المعنى قلبت العصا حية يوم التكليم لئلا ينزعج
موسى عند القائها بين
يدي
فرعون وسمعته يقول حزمة حزن خير من اعدال اعمال وانشدنا ... كم حسرة لي في الحشا
... من ولد اذا نشا ... وكم اردت رشده ... فما نشا كما أشا ...
وأنشدنا ... يحسدني قومي على صنعتي ... لأنني في صنعتي فارس ... سهرت في ليلي
واستنعسوا ... هل يستوي الساهر والناعس ...
وكان يميل الى التشيع ويدل بمحبة الاعاجم فلا يعظم بيت الخلافة كما ينبغي فسمعته
يقول تتولانا وتغفل عنا وانشد ... فما تصنع بالسيف ... اذا لم تك قتالا ... فغير
حلية السيف ... وضعه لك خلخالا ...
ثم قال تولى اليهود فيسبون نبيك يوم السبت ويجلسون عن يمينك يوم الاحد وصاح اللهم
هل بلغت فكانت هذه الاشياء تبلغ فتثبت في القلوب حتى انه منع من الوعظ فقدم
السلطان مسعود فاستدعاه فجلس بجامع السلطان فحدثني ابن البغدادي الفقيه انه لما
جلس يومئذ حضر السلطان فقال له يا سلطان العالم محمد بن عبد الله أمرني ان اجلس
ومحمد ابو عبد الله منعني ان اجلس يعني المقتفي وكان اذا نبغ واعظ سعى في قطع
مجلسه ولما مال الناس الى ابن العبادي قل زبونه فكان يبالغ في ذمه فقام بعض اذكياء
بغداد في مجلس العبادي فأنشده ... لله قطب الدين من واعظ ... طب بأدواء الورى آس
... مذ ظهرت حجته في الورى ... قام بها برهان في الناس ...
وأراد ابن الغزنوي قد قام للناس لانه كان يلقب بالبرهان وهذا من عجيب ذكاء
البغداديين فلما مات السلطان مسعود تتبع الغزنوي واذل لما كان تقدم من انبساطه
وكان معه قرية اصلها للمارستان فأخذت وطولب بنمائها بين يدي الحاكم وحبس ثم سئل
فيه فاطلق ومنع من الوعظ وحدثني عبد الله بن نصر البيع قال اخذت من الغزنوي القرية
التي كانت وقفت عليه فاستدعاني وسألني
ان
اقول لابن طلحة صاحب المخزن ان يسأل فيه وقال هذه القرية اشترتها خاتون من الخليفة
والذي وقع عليه الشهادة صاحب المخزن فهو اعرف الخلق بالحال قال فجئت فأخبرته فقال
انا رجل منقطع عن الاشغال وكان قد تزهد وترك العمل فعدت اليه فأخبرته فقال لا بد
من انعامه في هذا فكتب صاحب المخزن الى المقتفي هذا رجل قد اوى الى بلدكم وهو
منسوب الى العلم فقال المقتفي اولا يرضى ان يحقن دمه وما زال الغزنوي يلقى الذل
بعد العز الوافي فحدثني ابو بكر ابن الحصري قال سمعته يقول من الناس من الموت احب
اليه من الحياة وعني نفسه وكان لا يحتمل الذل فمرض فحكى الطبيب الداخل عليه انه قد
القى كبده وكان مرضه في محرم هذه السنة فبلغني انه كان يعرق في مرضه ويفيق فيقول
رضا وتسليم وتوفي ليلة الخميس سابع عشرين المحرم وصلى عليه في رباطه ودفن بمقبرة
الخيزران الى جانب ابي سعيد السيرافي
259 - المظفر بن حماد
ابن ابي الخير صاحب البطيحة فتك به يعيش بن فضل بن ابي الخير من اصاغرهم في الحمام
ومعه اثنان من اهله وولى ابنه مكانه
260 - يحيى بن عبد الباقي
ابو بكر الغزال سمع وسمع وتوفي في شوال هذه السنة ودفن في مقبرة يقال لها العطافية
وقف ابن عطاف التاجر وهو أول من دفن فيها
سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه لما قرب محمد شاه من بغداد وكان قد طلب ان يخطب له فلم يقبل
عرض الخليفة العسكر وبعث الى الامراء فأقبل خطلبرس من واسط وعصى ارغش صاحب البصرة
واخذ واسط ورحل مهلهل الى الحلة فأخذها بنو عوف وضرب الخليفة سرادقة تحت دار يرنقش
ثم نزعه وجمع جميع السفن
التي ببغداد تحت التاج ونودي في سادس عشر المحرم ان لا يقيم احد بالجانب الغربي فأجفل الناس واهل السواد ونقلت اموال الناس الى دار الخلافة وعبر محمد شاه فوق حربي ونهب اوانا واتصل به علي كوجك واتفقا وضرب محمد شاه بالرملة فقطع الجسر وجيء به الى تحت التاج ولبس الناس السلاح فأخرج الخليفة سبعة آلاف جوشن ففرقها ونصبت المجانيق والعرادات واقام اربعين شقاقا يعملون الخشب لعمل التراس والمجانيق والعرادات فكانت مائتين وسبعين عرادة ومنجنيق في كل عرادة اربعون رجلا وكان يخرج كل يوم من الخزانة اكثر من مائة كر واذن للوعاظ في الجلوس بعد منعهم من ذلك مدة سنة وخمسة اشهر وكان ذلك في ليلة السبت ثامن عشر المحرم فلما كان يوم الاثنين ركب عسكر محمد شاه وعلي كوجك وجاؤا في نحو ثلاثين الف مجفجف فوقفوا عند الرقة ورموا بالنشاب الى ناحية التاج وصعد الناس اليهم من السفن وكان صلاح الدين رجل من اصحاب السلطان قد بنى خانا عند الرقة أنفق عليه ألوف دنانير وجعله للسابلة فكان هؤلاء القوم يعتصمون به وبحائط الرقة فامر امير المؤمنين بنقض ذلك وكان صبيان بغداد يعبرون اليهم بالمقاليع وزراقات النار فيردون العسكر الكثير ويتلقون النشاب بميازر صوف وكان القتال تحت قمرية وقصر عيسى وضرب الصبيان يوما امير منهم بقارورة نفط فرمت به الفرس فقتلوه وقعد القوم له في العزاء ونهب عسكر القوم بالجانب الغربي واخربوا مائتين وسبعين دولابا وركب يوم الاثنين عسكر الخليفة ومضوا بكرة الى ناحية الدار المعزية ومعهم العرادات واقواس الجرح يقاتلون والنشاب يقع عليهم مثل المطر فلما كان يوم السبت ثالث صفر جاء عسكر الأعداء في جمع عظيم فانتشروا على دجلة وخرج عسكر الخليفة في السفن واتصلت الحملات وانقطعت صلاة الجمعة من الجانب الغربي ووصلت الاخبار بمجيء سفن اليهم من الحلة وانهم قد أداروها الى الصراة وجاءتهم سفن من
واسط
فأقامت في المدائن ووصل لهم من الموصل كلك عليه دقيق وسكر وعسل وسمن ونعل للخيل
وغير ذلك فأخذه اصحاب الخليفة فركبوا بأجمعهم وانتشروا من الرملة الى تحت الرقة
وضربوا الدبادب والبوقات وكانت الريح شديدة تمنع السفن ان تصعد فرمى صبيان بغداد
نفوسهم في الماء وسبحوا فصعد منهم نحو خمسين بأيديهم السيوف والمقاليع والنشاب
وسكنت الريح فركبت المقاتلة في السفن تمنع من الصبيان وكان يوما مشهودا
وفي يوم الجمعة سادس عشر صفر وصلت سفن القوم الى الدور فخرجت سفن اهل بغداد
فمنعتها من الاصعاد وجرى قتال عظيم ووقع النفير ببغداد ولم يصل الجمعة الا القليل
ونودي من الديوان بحمل السلاح فحمل العوام والتجار والرؤساء ثياب الحرب وكان
المحتسب كل يوم يجوز والسلاح بين يديه وعلم الحاج بالحال فجاء الخبر ان الحاج
بالحلة على حملة السلامة وان امير الحاج قيماز امرأة الوزير ابن هبيرة فكانت مع
الحاج فدخل البرية مع بني خفاجة وجاء الحاج فعبروا الى بغداد
فلما كان يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل ركابي من همذان واخبر ان ملك شاه دخل همذان
وكبس بيوت المخالفين ونهبها فخلع على الركابي وضربت بين يديه الدبادب وجاء رسول
آخر فأخبر بذلك فلما كانت عشية الجمعة سلخ صفر عبر منهم في السفن نحو الف فارس
فقصدوا تحت الزاهر ليدخلوا دار السلطان فنزل منكو برس الشحنة واصحابه فضرب عليهم
فقتل منهم جماعة ورمى الباقون انفسهم في الماء واتصل القتال عند عقد السلطان ودار العميد
في دجلة وغير ذلك من الاماكن وخرج بعض الايام الى الاتراك من الخزانة خمسة وعشرون
الف نشابة ومائتان وستون كرا وكان جميع ذلك من خزانة الخليفة ولم يكلف احدا شيئا
ولا استقرض من ذوي
المال
وحكى زجاج الخاص انه عمل في هذه النوبة ثمانية عشر الف قارورة للنفط سوى ما كان
عندهم من بقايا نوبة تكريت وفي يوم الاربعاء خامس ربيع الاول فتح باب السور مما
يلي سوق السلطان وباب الظفرية وخرجت الخيالة والرجالة وخرج منكوبرس وقيماز
السلطاني ووقع القتال فحملوا اثنتي عشرة مرة ونصب الأعداء عرادة على دار السلاركرد
فرماها المنجنيق الذي تحت دار الشحنة فكسرها وتعذر على اهل بغداد الشوك والتبن
والعلف فبيع الشوك كل باقة بحبة ورأس غنم بسبعة دنانير وسد الخليفة الجسر فبقي منه
زورقان وكان يحفظ فلما كان يوم الاربعاء تاسع عشر ربيع الاول وصل الخبر بأنهم قد
عبروا الرحل والحمال من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي ووصل قوم من طريق خراسان
واخبروا بأن الشحنة الذي عندهم جاء اليهم مهزوما واخبر بأن عسكرا من طريق همذان
يخبر بأن ملك شاه وصل الى همذان وصحبته ابن امرأة ألدكز
فلما كان يوم الخميس العشرين من ربيع الاول جاؤا بالسلاليم التي عملوها وكانت
اربعمائة سلم طوال ليضعوها على السور فلم يقدروا فلما كان يوم الجمعة حادي عشرين
ربيع الاول لم يجر الا قتال يسير وهذه الجمعة الثالثة من الجمع التي لم يصل فيها
الجمعة ببغداد غير جامع القصر وعطل باقي الجوامع واحتوى العسكر على الجانبيين ووصل
رسول من ألدكز يخبر بدخول ملك شاه همذان فأخذ نساء المخالفين واولادهم فخلع عليه
ونفذ على كوجك جماعة فوقفوا على قمرية يصيحون الى منكوبرس الشحنة نفذ رسولا نودعه
رسالة الى امير المؤمنين فاستؤذن في ذلك فاذن فنفذ الوزير بصاحبه
وقيل ان نور الدين بن زنكي بعث الى علي كوجك وقال له تمضي وترمي نفسك بين يدي امير
المؤمنين حتى يرضى ووصل في هذا اليوم امرأة سليمان شاه بنت خوارزم شاه وكانت قد
اصلحت بين ملك شاه وبين الامراء جميعهم في همذان وجاءت على التجريد في زي الحاج
الصوفية الى الموصل وعليها مرقعة وفي
رجليها
طرسوس ومعها ركابي في زي المكدين ثم جاءت حتى صارت في عسكر محمد شاه وكوجك ثم جاءت
ليلة السبت فوقفت تحت الرقة وصاحت بملاح وقالت له صح لي بقائد من قواد امير
المؤمنين يعبر فعرف الوزير فنفذ اليها حاجبا فعرفته نفسها فعبر بها فدخلت على
الوزير فقام لها قياما تاما وعرف الخليفة وصولها فأفرد لها دارا حسنة وحمل اليها
ما يصلح واحضرت الركابي فأخرج الكتب وفيها ان ملك شاه دخل همذان ونقض الكشك وكبس
بيوت المخالفين ونقض دورهم
وفي يوم الاثنين رابع عشرين ربيع الاول فقد من جبس الجرائم خمسة من الكبار منهم
ابن سمكة ومقتص الخادم فتصبحوا في مفتح باب النوبي فوجدوهم في الدروب وابواب
المساجد فأخذوهم
فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشرين الشهر نادى الحراس في الدروب والاسواق من اراد
الجهاد فليلبس السلاح ويقصد السور فخرج الخلق وجاء العدو ومعهم السلاليم والمعاول
والزبل لسد الخندق وخرج الناس واقتتلوا فلما كان يوم الخميس سابع عشرين ربيع الاول
نادوا في عسكرهم لا يتأخرن احد عن الحرب وعبر العسكر الذي بالجانب الغربي وجاؤا
باجمعهم وافترقوا فبعضهم في عقد الظفرية وبعضهم في عقد سوق السلطان وفتحت الابواب
ووقع القتال الى المغرب فلما كان يوم السبت تاسع عشرين هذا الشهر نادوا اليوم يوم
الحرب العظيم فلا يتأخرن احد فخرج الناس فلم يجر قتال وكان المنجمون قد حكوا فيه
بأمر عظيم يلحق الناس من القتل وغيره فبان كذبهم فلم يجر شيء
وجاء زنكي فكلم بعض اتراك الخليفة فقال له صاحب الخليفة نحن على انتظاركم فاليوم
الوعد فما حبسكم فقال له قد عولوا على عمل غرائر وازقاق قد عملوا بعضها وحشوها حصى
ورملا ليسدوا الخندق وعملوا سلاليم طوالا عراضا فقال له التركي قد فتحنا لكم
الابواب لما علمنا بمجيئكم وان اعوزكم
سلاليم
اعرناكم ثم اذا فتحت الابواب فقد استغنيتم عن السلاليم فقال قد عولوا على يوم
الاربعاء فقال له هل وصلكم خبر همذان قال نعم قال فكيف قلوبكم قال ما هي طيبة
قلوبنا الى اهلنا وكوجك خائف فما يعبر الينا وقد تحيروا واختلفوا ثم ودعه وانصرف
وجاء من اصحابهم قوم فاستأمنوا فسئلوا عن حالهم فقال قد رحل كثير منهم كل قوم الى
جهة وكان الضعفاء يعبرون فيجلبون علفا وحطبا فيبيعونه ويعيشون بثمنه وربما حشوا
فيه اللحم والتفاح والخضرة ففطنوا بهم فمنعوهم
وفي ليلة الجمعة سادس ربيع الآخر قبض على اليزدي الفقيه وحبس في حبس الجرائم وسببه
انه عزم على الانتقال الى ذلك العسكر فكتب اليهم كتابا وقال اذا قرأتم كتابي
فخرقوه وبعثه مع فقيه فحمله الى الوزير فاحضره فاقر وقال الحاجة حملتني على هذا
فحبس وأخذ منه السجل الذي كان معه بالتدريس في المدرسة ثم اطلق في ربيع الآخر
فلما كان يوم السبت سابع ربيع الآخر عبر الضعفاء الذين كانوا يجلبون الحطب والعلف
على عادتهم فحسرهم كوجك وجمع منهم جماعة وتقدم بقطع آذانهم وخرم آنافهم ففعل بهم
ذلك فعادوا ودماؤهم تسيل فجاؤا يستغيثون تحت التاج فتقدم الخليفة بمداواتهم وقسم
فيهم مالا
وبعث محمد شاه الى كوجك يقول له انت وعدتني بأخذ بغداد فبغداد ما حصلت وخرجت من
يدي همذان واخذ مالي بها وخربت بيوت اصحابي وانا معول على المضي فقال له متى رحلت
بغير بلوغ غرض كنت سبب قلع بيت السلجوقية الى يوم القيامة ثم لا يقصدونك بل
يقصدونا ايضا ولكن اصبر حتى نمد الجسر ونعبر ونجمع موضعا واحدا ونرمي هذه الغرائر
في الخندق وننصب السلاليم ونحمل حملة واحدة فنأخذ البلد ثم ما زالوا يتسللون وضاقت
بهم الميرة وخلف منهم خلق كثير وبعثوا ابن الخجندي فوقف عند قمرية وقال ابعثوا
الينا يوسف الدمشقي فجاء يوسف فقال مالكم عندنا قبل اليوم جواب الا السيف فكيف
اليوم
وقد قتلتم واحرقتم وافسدتم ثم استأمن خلق كثير منهم فأخبروا ان القوم على الرحيل
ووصل في عشية يوم الثلاثاء سابع عشر هذا الشهر ثلاثة من الركابية فأخبروا ان ملك
شاه قد أخذ اربعة آلاف بختية نفذ بها محمد شاه الى همذان وخبروا بهزيمة اينانج
وبأموال كثيرة اخذت من همذان من المخالفين ودار الى عسكر الخليفة جماعة من امراء
القوم وفرسانهم وهلك من امرائهم جماعة وجاء كتاب من ملك شاه يذكر فيه انه اجتمع
بالامراء ألدكز وجميع العساكر وبعثنا الى أينانج فلم يحضر فقصدناه فانهزم وجاء
الينا اكثر عسكره وقد نفذنا الى الأمراء الذين مع محمد شاه من اهل همذان نقول لهم
متى تأخرتم عن الحضور الى عشرين يوما خربنا بيوتكم واخذنا اموالكم واولادكم
ونساءكم وقد وصل الينا منهم عالم عظيم وقد نفذنا اميرا معه ثلاثة آلاف فارس الى
كرمانشاهان ونحن منتظرون الامر الشريف فان أذن لنا في المسير الى بغداد جئنا وان
رسم لنا بالمضي الى الموصل مضينا
وفي يوم الجمعة العشرين من ربيع الآخر جرى قتال على قمرية وهذه الجمعة هي السابعة
التي تعطلت فيها جوامع بغداد فلم يصل الا في جامع القصر وحده وفي ليلة السبت خرج
رجل من العيارين يقال له ابو الحسين العيار فأخذ معه جماعة من الرجالة والشطار
ونزل من السور وكبس طوالع العسكر ومنهم قوم نيام وانتهبهم ووقعت الصيحة فانهزموا
وعاد الرجالة الى الباب
ووقع الاستشعار بين محمد شاه وكوجك فخاف كل واحد منهما من صاحبه فقال محمد قد أخذت
بلادي واقطعت وانت اشرت علي بالمجيء الى بغداد فلما علم انه قد تغيرت له نيته قال
له ان لم افتح لك البلد في ثلاثة ايام فما انا كوجك واعبر يوم الاثنين وفي بكرة
يوم الثلاثاء فقاتل وقد قررت مع أصحابي ان يقاتلوا قتال الموت أي شيء بغداد عندنا
فاتفقا على ذلك ونصبوا الجسر وعبر اكثر العساكر وقال له تعبر انت اليوم وأعبر انا
غدا فلما كان يوم الاثنين
ثالث
عشرين ربيع الآخر عبر محمد شاه وأصحابه الى عشية وتخلف منهم ثلثمائة غلام فلما كان
العشاء قطع كوجك الجسر وقلع الخيم وبعث رحله وخيمه وماله طول الليل فأصبح الناس
وما بقي من خيمه شيء وضرب النار في زوارق الجسر وفيما بقي من تبن وشعير وحطب وضرب
على خزانة السلطان والوزير ورحل وبقي محمد شاه وأصحابه بقية يوم الثلاثاء ثم قلع
الخيم وذهب هو وعسكره ومنع الخليفة عسكره من ان يلحقوه وضربت الرجالة الى دار
السلطان فنهبوها وكان فيها اموال كثيرة ونهبوا الابواب والاخشاب وأخذوا الاطيار
والغزلان والعسكر يرونهم فاذا طردوهم عادوا ورأى رجل من التجار حملا فيه سكر في
سوق المدرسة وكان قد نهب من دار السلطان فقال لي هذا قالوا من يشهد لك قال في وسطه
مائة دينار الا دينارا فنظروا فاذا هو كما قال فسلموه اليه فأخذ الذهب واعطاهم
السكر ونهبت دار خاص بك فنودي برد ما أخذ من الدار فحمل الى ديوان الأبنية وكان
الناس قد طرقوا يوم النهب الى محلة ابي حنيفة وكان ثم اموال للتجار وعزموا على
السفر فآووا اموالهم الى ثم فنهبت واما أصحاب محمد شاه فانهم نهبوا بعقوبا
وأعمالها وجمع الخليفة الأمراء الذين كان يستشعر منهم فخلع عليهم واعطاهم الاموال
وقال تمضون الى همذان فتكونون مع ملك شاه وخرج الناس يلعبون في نهر عيسى وغيره
بانواع اللعب والمضحكات فرحا بالسلامة وكان العظامية والقرع والصبيان الذين كانوا
يقاتلون في تلك الايام قد اتخذوا زرديات من بعر الغنم وسلاحا من الفارسي واخرجوا
طبلا وبوقا ونصبوا خشبا وصلبوا جماعة تحت آباطهم يلعبون ويضحكون ما كان كل سبت
وخرج الناس يتفرجون ويضحكون عليهم
فلما كان يوم الخميس رابع عشر جمادى الاولى ركب الخليفة في الماء الى تحت دار تتر
ثم ركب وسار يفتقد السور من اوله الى آخره وعاد من دجلة يفتقده ثم عبر الى الجانب
الغربي فنظر آثار الخراب وما احرق من الدور ثم عاد الى منزله
مسرورا
واطلق للفقراء مالا كثيرا
وحدث في هذه السنة بالناس امراض شديدة لأجل ما مر بهم من الشدائد وكثر المطر
والرعد والبرق وبرد الزمان كأنه الشتاء والناس في ايار وفشا الموت في الصغار
بالجدري وفي الكبار بالامراض الحادة وغلت الاسعار وبيعت الدجاجة بنصف دانق والتبن
خمسة ارطال بحبة وتعذر اللحم
فلما كان خامس عشرين جمادى الآخرة وصل الخبر بوفاة سنجر فقطعت خطبته وفي سابع عشر
رجب خرج الخليفة فنزل بأوانا وقصد فم الدجيل وكان الحفر فيه ثم عاد وقصد نهر الملك
ورحل يقصد البطائح يطلب ابن ابي الخير فهرب فعاد الخليفة الى بغداد
وفي شعبان استأذن الخليفة ابن جعفر صاحب مخزن الامام المقتفي ان اجلس في داره فأذن
له فكنت اعظ فيها كل جمعة
وفي شعبان خرج الخليفة الى الصيد فأقام عشرة أيام
وكانت وقعة عظيمة بين محمود بن زنكي وبين الافرنج وفتح عسكر مصر غزة واستعادوها من
الافرنج ووصل رسول محمود بتحف وهدايا ورؤس الافرنج وسلاحهم واتراسهم
ووصل الخبر في رمضان بزلازل كانت بالشام عظيمة في رجب تهدمت منها ثلاثة عشر بلدا
ثمانية من بلاد الاسلام وخمسة من بلاد الكفر اما بلاد الاسلام فحلب وحماة وشيرز
وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران واما بلاد الافرنج فحصن الاكراد وعرقة
واللاذقية وطرابلس وانطاكية فاما حلب فأهلك منها مائة نفس واما حماة فهلكت جميعها
الا اليسير واما شيرز فما سلم منها الا امرأة وخادم لها وهلك جميع من فيها واما
كفر طلب فما سلم منها احد واما فامية فهلكت وساخت قلعتها واما حمص فهلك منها عالم
عظيم واما المعرة فهلك بعضها واما تل حران فانه انقسم نصفين وظهر من وسطه نواويس
وبيوت كثيرة واما حصن الاكراد وعرقة فهلكتا جميعا وهلكت اللاذقية فسلم منها
نفر
وينح فيها جومة فيما حمأة وفي وسطها صنم واقف واما طرابلس فهلك أكثرها واما
انطاكية فسلم بعضها
وفي هذه السنة اعتزم الوزير ابن هبيرة مالا يقارب ثلاثة آلاف دينار على طبق الافطار
طول رمضان وحضره الاماثل وكان طريقا جميلا يزيد على ما كان قبله من اطباق الوزراء
وخلع على المفطرين الخلع السنية
وفي شوال قدم ابن الخجندي الفقيه والعاملي الحنفي صاحب التعليقة فتلقاهما الموكب
وقبلا العتبة وحضرا مجلسي في دار صاحب المخزن وقدم ابو الوقت فورى لنا صحيح
البخاري عن الداودي فألحق الصغار بالكبار
وفيها اعيدت نقابة الطالبيين الى الطاهر ابي عبد الله بن عبيد الله وكانت جعلت في
ولده ابي الغنائم لأنه كان قد مرض مرضا اشرف منه على التلف ولم يشك الناس في هلاكه
وحدثني بعد أن عوفي ما يدل ان شخصا اطعمه فعزل في حالة المرض فلما عوفي أعيد
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
261 - احمد بن عمر
ابن محمد بن اسمعيل ابو الليث النسفي من اهل سمرقند سمع الحديث وتفقه ووعظ وكان
حسن السمت وحج وعاد الى بغداد فأقام بها نحو ثلاثة اشهر ثم ودع وخرج الى بلده وكان
ينشد وقت الوداع ... يا عالم الغيب والشهاده ... مني بتوحيدك الشهاده ... اسأل في
غربتي وكربي ... منك وفاة على الشهاده ...
فلما وصل الى قومس خرج جماعة من اهل القلاع وقطعوا الطريق على القافلة وقتلوا
مقتلة عظيمة من العلماء والمعروفين فضربوه ثلاث ضربات فمات
262 - احمد بن بختيار
ابن علي بن محمد ابو العباس الماندائي الواسطي ولي القضاء بها مدة وكان فقيها
فاضلا
له معرفة تامة بالأدب واللغة ويد باسطة في كتب السجلات والكتب الحكيمة سمع ابا
القاسم بن بيان وابا عبي بن نبهان وغيرهما وكان يسمع معنا على شيخنا ابن ناصر وصنف
كتاب القضاة وتاريخ البطائح وغير ذلك وكان ثقة صدوقا توفي في جمادى الآخرة من هذه
السنة وصلى عليه في النظامية ودفن بمقبرة باب أبرز
263 - سنجر بن ملك شاه
ابن الب ارسلان ابو الحارث واسمه احمد ولد بسنجار في بلاد الجزيرة في رجب سنة تسع
وسبعين واربعمائة حين توجه ابوه ملك شاه الى غزو الروم ونشأ ببلاد الخزر وسكن
خراسان واستوطن مرو وكان قد دخل الى بغداد مع أخيه السلطان محمد علي امير المؤمنين
المستظهر بالله فحكى هو قال لما وقفنا بين يديه ظن اني انا السلطان فافتتح كلامه
معي فخدمت وقلت يا مولانا السلطان هو اشرت الى أخي ففوض اليه السلطنة وجعلني ولي
العهد بعده بلفظه فلما توفي السلطان محمد لقب سنجر بالسلطان واستقام امره متراقيا
وكان امره عليا وكان مهيبا كريما رفيقا بالرعية حليما عنهم وكانت البلاد آمنة في
زمانه فجلس على سرير الملك احدى واربعين سنة وكان قبلها في ملك وسلطنة نحوا من عشرين
سنة ولم يملك احد من الخلفاء والسلاطين هذه المدة فانها تقارب الستين سنة وخطب له
على اكثر منابر الاسلام وروى الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ولحقه طرش واتفق
انه حارب الغز فأسروه ثم تخلص بعد مدة وجمع اليه اصحابه بمرو وكان يعود اليه ملكه
فتوفي يوم الاثنين وقت العصر الرابع والعشرين من ربيع الاول من هذه السنة ودفن في
قبة بناها لنفسه سماها دار الآخرة ولما بلغ خبر موته الى بغداد قطعت خطبته ولم
يجلس له في العزاء فجلست امرأة سليمان للعزاء فعزاها به الخليفة وأقامها
264 - علي بن صدقة ابو القاسم الوزير
عزل فتوفي في ليلة الجمعة ثالث عشرين من جمادى الاولى من هذه السنة وصلى
عليه
في جامع القصر قبل صلاة الجمعة وقبر بمشهد باب التبن
265 - عيسى بن ابي جعفر
ابن المقتفي توفي ودفن في مشهد باب ابرز وما امكن حمله الى الترب لأجل الفتن
266 - ابو القاسم بن المستظهر بالله
وكان اصغر اولاده سنا توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الاولى من هذه السنة وحمل
ضاحي نهار الى الترب في الماء ومضى معه الوزير الى مقصورة جامع السلطان فصلى بها
الجمعة في الموضع الذي كان يصلي فيه السلطان وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين
ثم خرج توقيع فأقامهم من العزاء
267 - محمد بن عبيد الله
ابن نصر الزاغوني ابو بكر ولد سنة ثمان وستين واربعمائة وسمع ابا القاسم ابن
البسري وابا نصر الزينبي وطرادا وعاصما والتميمي وخلقا كثيرا وقرأت عليه كثيرا من
مسموعاته وتوفي ليلة الاثنين ثالث عشرين ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب حرب
268 - محمد بن عبد اللطيف
ابن محمد بن ثابت ابو بكر الخجندي سمع ابا علي الحداد وغيره وتقدم عند السلاطين
وكانوا يصدرون عن رأيه وقدم بغداد وولي تدريس النظامية وكان مليح المناظرة قال
المصنف رحمه الله حضرت مناظرته وهو يتكلم بكلمات معدودة مثل الدر ووعظ بجامع القصر
وبالنظامية وما كان يندار في الوعظ وكان مهيبا وحوله السيوف وهو بالوزراء اشبه منه
بالعلماء خرج الى اصبهان فنزل قرية فنام في عافية فاصبح ميتا في شوال هذه السنة
وحمل الى اصبهان
269 - محمد بن المبارك
ابن محمد ابن الخل ابو الحسن بن ابي البقاء ولد سنة خمس وسبعين وسمع الحديث
من
ابن ايوب وابن الطيوري وابن النظر وثابت وابن السراج وغيرهم وتفقه على ابي بكر
الشاشي ودرس وتوفي في محرم هذه السنة فدفن باللوزية وتوفي اخوه ابو الحسين ابن
الخل الشاعر في ذي القعدة من هذه السنة
270 - نصر بن نصر
ابن علي بن يونس ابو المعمر العكبري الواعظ سمع من ابي القاسم ابن البسري وابي
الليث نصر بن الحارث الشاشي وابي محمد التميمي وغيرهم وكان ظاهر الكياسة يعظ وعظ
المشايخ ويتخيره الناس لعمل الاعزية ولد في سنة ستين وتوفي في ذي الحجة من هذه
السنة وصلى عليه بالنظامية والتاجية ودفن بمقبرة باب ابرز وكان له ولد يكنى ابا
محمد نشأ على طريقته ولد سنة خمسمائة ومات سنة خمس وسبعين
271 - يحيى بن عيسى
ابن ادريس ابو البركات الأنباري قرأ القرآن على جماعة وسمع الحديث على عبد الوهاب
الانماطي وغيره وقرأ النحو على الزبيدي وصحبه مدة وتفقه على القاضي الحراني وعظ
الناس وكان يبكي من حين صعوده على المنبر الى حين نزوله وتعبد في زاويته نحو خمسين
سنة وكان ورعا حتى انه عطش فجيء بماء من بعض دور الحكام فلم يشرب وكان لا يفعل
شيئا الا بنية وكان من اهل السنة الجياد رزقه الله اولادا صالحين فسماهم ابا بكر
وعمر وعثمان وعليا وكان امارا بالمعروف ناهيا عن المنكر مستجاب الدعوة له كرامات
ومنامات صالحة رأى في بعضها رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي بعضها احمد بن حنبل
فقال المروذي يا ابا عبد الله هذا من اصحابنا فقال وهل يشك فيه وكان هو وزوجته ام
اولاده يصومان النهار ويقومان الليل ويحييان بين العشائين ولا يفطران الا بعد
العشاء وختما اولادهما القرآن واقرءا خلقا من الرجال والنساء توفي يوم الاثنين
رابع ذي القعدة من هذه السنة فقالت زوجته اللهم لا تحيني بعده فماتت بعد
خمسة
عشر يوما
سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في غرة ربيع الاول ختن ولد الخليفة وختن معه جماعة من اولاد
الامراء واعدت الخلع والتحف ولم يبق احد من ارباب الدولة الا وحمل من التحف كثيرا
وعمل سماطا كبيرا للامراء والأتراك في الصحراء مما يلي سور الظفرية
وفيها وقع الاتفاق بين محمد شاه واخيه ملك شاه وامده بعسكر ففتح خوزستان ودفع عنها
شملة التركماني
وفي ربيع الآخر خرج امير المؤمنين بقصد الانبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه
السلام ومضى الى واسط ودخل سوقها وعاد الى بغداد ولم يخرج هذه النوبة معه الوزير
لأنه كان مريضا وانفق في مرضه هذا نحو خمسة آلاف دينار بعضها للاطباء وبعضها
للصدقة وبعضها في قضاء ديون اهل الحبوس وغيرهم وخلع على ابن التلميذ لما عوفي
ثيابا كثيرة واعطاه دنانير وبغلة وبعث اليه الخليفة يتعرف اخباره ويستوحش له فخرج
فانحدر الى المدائن لتلقي الخليفة وعاد معه ثم خرج الخليفة في رجب واحضر قويدان
وخلع عليه واضاف اليه عسكرا كثيرا ونفذ به الى بلاد البقش واقطعه البلاد والقلاع
ثم وصل الخبر بان قويدان قد انضاف الى سنقر الهمذاني واتفق معه فبعث الخليفة
مملوكا يقال له قيماز العمادي في جماعة يطلبونهما فهربا ثم انضافا الى ملك شاه
فأدركهم الجوع والوفر فهلك اكثرهم ثم خرج الخليفة في شعبان فبات في داره بالحريم
الطاهري ثم سار الى دجيل فاقام بها اياما ثم عاد الى بغداد وخرج يوم العيد الموكب
بتجمل وزي لم ير مثله من الخيل والتجافيف والاعلام وكثرة الجند والامراء
وفي يوم الجمعة وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثل البيض واكبر على صور مختلفة
وفيه
برد مضرس ودام ساعة وكسر اشياء كثيرة
وفيها غرق رجل بنتاله صغيرة فأخذ وحبس
قال المصنف وحججت في هذه السنة فتكلمت في الحرم نوبتين فلما دخلنا المدينة وزرنا
قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قيل لنا ان العرب قد قعدوا على الطريق يرصدون
الحاج فحملنا الدليل على طريق خيبر فرأيت فيها من الجبال وغيرها العجائب
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
272 - ابو اسحاق بن المستظهر
اخو المقتفي لأمر الله توفي في نصف محرم وحمل الى الترب بالرصافة ومضى معه الوزير
وارباب الدولة واغتم عليه المقتفي غما كثيرا وجلسوا للعزاء به في بيت النوبة يومين
وخرج التوقيع باقامتهم من العزاء ثم ماتت بعد يومين امه وهي جهة من جهات المستظهر
وحملت الى الترب ومضى معها الموكب سوى الوزير ودفنت عنده في التربة الجديدة التي
أنشأها المقتفي
273 - عبد الجليل بن محمد
ابن عبد الواحد الاصفهاني ابو مسعود الحافظ كان واحد بلدته حفظا وعلما ونفعا وصحة
عقيدة وتوفي بها في شعبان هذه السنة
274 - عبد الاول بن عيسى
ابن شعيب بن ابراهيم ابو اسحاق ابو الوقت ابو عبد الله السجزي الاصل الهروي المنشأ
ولد سنة ثمان وخمسين واربعمائة وسمع ابا الحسن الداوودي وابا اسمعيل الانصاري وابا
عاصم الفضيلي وغيرهم حمله ابوه على عاتقه من هراة الى فوسنج فسمعه صحيح البخاري
ومسند الدارمي والمنتخب من مسند عبد بن حميد وحدثه عبد الله الانصاري مدة وسافر
الى العراق وخوزستان والبصرة وقدم
علينا
بغداد فروى لنا هذه المذكورات وكان صبورا على القراءة وكان شيخنا صالحا على سمت
السلف كثير الذكر والتعبد والتهجد والبكاء وعزم في هذه السنة على الحج فهيأ ما
يحتاج اليه فمات وحدثني ابو عبد الله محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال اسندته
الي فمات فكان آخر كلمة قالها يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من
المكرمين
275 - نصر بن منصور
ابن الحسن بن احمد بن عبد الخالق العطاء ابو القاسم الحراني ولد بحران سنة اربع
وثمانين فأوسع الله له في المال وكان يكثر فعل الخير ويتتبع الفقراء ويمشي بنفسه
اليهم ويكسو العراة ويفك الاسراء كل ذلك من زكاة ماله وكان كثير التلاوة للقرآن
محافظا على الجماعة وحدثني ابو محمد العكبري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و
سلم في المنام فقلت يا رسول الله امسح بيدك عيني فانها تؤلمني فقال اذهب الى نصر
ابن العطار يمسح عينك قال فقلت في نفسي أترك رسول الله وامضي الى رجل من ابناء
الدنيا فعادوته القول يا رسول الله امسح عيني بيدك فقال لي اما سمعت الحديث ان
الصدقة لتقع في يد الله وهذا نصر قد صافحته يد الحق فامض اليه قال فانتبهت فقصدته
فلما رآني قام يتلقاني حافيا فقال الذي رأيته في المنام قد تقدم في حقك بشيء فقرأ
على عيني الفاتحة والمعوذات فسكن الألم ووجدت العافية
276 - يحيى بن سلامة
ابن الحسين بن محمد ابو الفضل الحصكفي ولد بطنزة بعد الستين واربعمائة وهي بلدة من
الجزيرة من ديار بكر ونشأ بحصن كيفا وانتقل الى ميافا رقين وهو امام فاضل في علوم
شتى وكان يفتي ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى
الغلو في التشيع ورد بغداد وقرأ شيئا من مقاماته وشعره على ابي زكريا التبريزي
فكتب التبريزي على كتابه قرأ علي ما يدخل
الاذن
بلا اذن
كتب الى ابي محمد الحسن بن سلامة يعزيه عن ابيه أبي نصر ... لمانعي الناعي ابا نصر
... سدت على مطالع الصبر ... وجرت دموع العين ساجمة ... منهلة كتتابع القطر ...
ولزمت قلبا كاد يلفظه ... صدري لفرقة ذلك الصدر ... ولى فأضحى العصر في عطل ...
منه وكان قلادة العصر ... حفروا له قبرا وما علموا ... ما خلفوا في ذلك القبر ...
ما أفردوا في الترب وانصرفوا ... الا فريد الناس والدهر ... تطويه حفرته فينشره
... في كل وقت طيب النشر ... يبديه لي حبا تذكره ... حتى أخطاه وما أدري ... تبا
لدار كلها غصص ... تأتي الوصال بنية الهجر ... تنسى مرارتها حلاوتها ... وتكر بعد
العرف بالنكر ...
وله ... جد ففي جدك الكمال ... والهزل مثل اسمه هزال ... فما تنال المراد حتى ...
يكون معكوس ما تنال ...
ومن أشعاره الرقيقة ... اقوت مغانيهم فأقوى الجلد ... ربعان كل بعد سكن فدفد ...
اسأل عن قلبي وعن أحبابه ... ومنهم كل مقر يجحد ... وهل تجيب أعظم بالية ... وارسم
خالية من ينشد ... ليس بها الا بقايا مهجة ... وذاك الا حجر او وتد ... كأنني بين
الطلول واقف ... اندبهن الأشعث المقلد ... صاح الغراب فكما تحملوا ... مشى بها
كأنه مقيد ... يحجل في آثارهم بعدهم ... بادي السمات ابقع واسود ... لبئس ما
اعتاضت وكانت قبلها ... يرتع فيها ظبيات خرد
ليت المطايا للنوى ما خلقت ... ولا حدا من الحداة احد ... رغاؤها وحدوهم ما اجتمعا ... للصب الا ونحاه الكمد ... تقاسموا يوم الوداع كبدي ... فليس لي منذ تولوا كبد ... على الجفون رحلوا وفي الحشا ... تقيلوا ودمع عيني وردوا ... فأدمعي مسفوحة وكبدي ... مقروحة وغلتي ما تبرد ... وصبوتي دائمة ومقلتي ... دامية ونومها مشرد ... تيمني منهم غزال اغيد ... يا حبذا ذاك الغزال الاغيد ... حسامه مجرد وصرحه ... ممرد وخده مورد ... وصدغه فوق احمرار خده ... مبلبل معقرب مجعد ... يقعده عند القيام ردفه ... وفي الحشا منه المقيم المقعد ... ايقنت لما ان حدا الحادي بهم ... ولم امت ان فؤادي جلمد ... كنت على القرب كئيبا مغرما ... صبا فما ظنك بي اذ بعدوا ... هم الحياة اعرقوا ام اشأموا ... أم أيمنوا ام اتهموا أم أنجدوا ... ليهنهم طيب الكرى فانه ... حظهم وحظ عيني السهد ... نعم تولوا بالفؤاد والكرى ... فأين صبري بعد هم والجلد ... لولا الضنا جحدت وجدي بهم ... لكن نحولي بالغرام يشهد ... ليس على المتلف غرم عندهم ... ولا على القاتل عمدا قود ... هل أنصفوا اذ حكموا ام اسعفوا ... من تيموا ام عطفوا فاقتصدوا ... بل أنصفوا اذ حكموا واتلفوا ... من هيموا وأخلفوا ما وعدوا ... وسائل عن حب اهل البيت هل ... اقر اعلانا به ام أجحد ... هيهات ممزوج بلحمي ودمي ... حبهم وهو الهدى والرشد ... حيدرة والحسنان بعده ... ثم على وابنه محمد ... جعفر الصادق وابن جعفر ... موسى ويتلوه على السيد ... اعنى الرضا ثم ابنه محمد ... ثم علي وابنه المسدد
الحسن التالي ويتلو تلوه ... محمد بن الحسن المفتقد ... فانهم أئمتي وسادتي ... وان لحاني معشر وفندوا ... أئمة أكرم بهم أئمة ... اسماؤهم مسرودة تطرد ... هم حجج الله على عباده ... وهم اليه منهج ومقصد ... هم في النهار صوم لربهم ... وفي الدياجي ركع وسجد ... قوم أتى في أهل اتى مدحهم ... ما شك في ذلك الا ملحد ... قوم لهم فضل ومجد باذخ ... يعرفه المشرك ثم الملحد ... قوم لهم في كل أرض مشهد ... لا بل لهم في كل قلب مشهد ... قوم لهم والمشعران لهم ... والمروتان لهم والمسجد ... قوم لهم مكة والابطح والخيف وجمع والبقيع الغرقد ... ما صدق الناس ولا تصدقوا ... ما نسكوا وافطروا وعيدوا ... لولا رسول الله وهو جدهم ... واحبذا الوالد ثم الولد ... ومصرع الطف ولا اذكره ... ففي الحشا منه لهيب موقد ... يرى الفرات ابن البتول طاميا ... يلقى الردى وابن الدعى يرد ... حسبك يا هذا وحسب من بغى ... عليهم يوم المعاد الصمد ... يا اهل بيت المصطفى يا عدتي ... ومن علي حبهم اعتمد ... انتم الى الله غدا وسيلتي ... وكيف اخشى وبكم اعتضد ... وليكم في الخلد حي خالد ... والضد في نار لظى يخلد ... ولست اهواكم ببغض غيركم ... اني اذا اشقى بكم لا اسعد ... فلا يظن رافضي انني ... وافقته او خارجي مفسد ... محمد والخلفاء بعده ... افضل خلق الله فيما اجد ... هم اسسوا قواعد الدين لنا ... وهم بنوا اركانه وشيدوا ... ومن يخن احمد في اصحابه ... فخصمه يوم المعاد احمد ... هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا ... هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا
والشافعي
مذهبي مذهبه ... لأنه في قوله مؤيد ... اتبعه في الاصل والفرع معا ... فليتبعني
الطالب المسترشد ... إني بإذن الله ناج سابق ... اذا ونى الظالم والمقتصد ...
وله أيضا ... حنت فأذكت لوعتي حنينا ... أشكو من البين وتشكو البينا ... قد عاث في
اشخاصها طول السرى ... بقدر ما عاق الفراق فينا ... فخلها تمشي الهوينا طالما ...
اضحت تباري الريح في البرينا ... وكيف لا نأوى لها وهي التي ... بها قطعنا السهل
والحزونا ... ها قد وجدنا البر بحرا زاخرا ... فهل وجدنا غيرها سفينا ... ان كن لا
يفصحن بالشكوى لنا ... فهن بالارزام يشتكينا ... قد اقرحت بما تئن كبدي ... ان
الحزين يرحم الحزينا ... مذ عذبت لها دموعي لم تبت ... هيما عطاشا وترى المعينا
... وقد تياسرت بهن جائرا ... عن الحمى فاعدل بها يمينا ... نحن اطلالا عفا آياتها
... تعاقب الأيام والسنينن ... يقول صحبي أترى آثارهم ...
نعم ولكن لا نرى القطينا
... لو لم تجد ربوعهم كوجدنا ... للبين لم تبل كما بلينا ... ما قدر الحي على سفك
دمي ... لو لم تكن اسيافهم عيونا ... أكلما لاح لعيني بارق ... بكت فابدت سرى
المصونا ... لا تأخذوا قلبي بذنب مقلتي ... وعاقبوا الخائن لا الأمينا ... ما
استترت بالورق الورقاء كي ... تصدق لما علت الغصونا ... قد وكلت بكل باك شجوه ...
تعينه اذ عدم المعينا ... هذا بكاها والقرين حاضر ... فكيف من قد فارق القرينا ...
اقسمت ما الروض اذا ما بعثت ... ارجاؤه الخيرى والنسرينا ... وادركت ثماره وعذبت
... انهاره وابدت المكنونا
وقابلته
الشمس لما اشرقت ... وانقطعت افنانه فنونا ... اذكى ولا احلى ولا اشهى ولا ...
ابهى ولا اوفى بعيني لينا ... من نشرها وثغرها ووجهها ... وقدها فاستمع اليقينا
... يا خائفا على اسباب العدى ... اما عرفت حصني الحصينا ... اني جعلت في الخطوب
موئلي ... محمدا والانزع البطينا ... احببت ياسين وطاسين ومن ... يلوم في ياسين او
طاسينا ... سر النجاة والمناجاة لمن ... أوى الى الفلك وطور سينا ... وظن بي
الاعداء اذ مدحتهم ... ما لم اكن بمثله قمينا ... يا ويحهم وما الذي يريبهم ...
مني حتى رجموا الظنونا ... رفد مديح قدر وافى رافد ... فلم يجنوا ذلك الجنونا ...
وانما اطلب رفدا باقيا ... يوم يكون غيري المغبونا ... يا تائهين في اضاليل الهوى
... وعن سبيل الرشد ناكبينا ... تجاهكم دار السلام فابتغوا ... في نهجها جبريلها
الامينا ... لجوامعي الباب وقولوا حطة ... تغفر لنا الذنوب اجمعينا ... ذروا العنا
فان اصحاب العبا ... هم النبا ان شئتم التبيينا ... ديني الولاء لست ابغي غيره ...
دينا وحسبي بالولاء دينا ... هما طريقات فاما شأمة ... اوفاليمين فاسلكوا اليمينا
... سجنكم سجين ان لم تتبعوا ... علينا دليل عليينا ...
وله أيضا ... اذا قل مالي تجدني ضارعا ... كثير الأسى مغرى بعض الانامل ... ولا
بطرا ان جدد الله نعمة ... ولو أن ما آوي جميع الانام لي ...
توفي الحصكفي في ربيع الاول من هذه السنة بميافارقين
سنة
ثم دخلت سنة اربع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان امير المؤمنين ابل من مرض فضربت الطبول وفرقت
الصدقات
وذبح كل واحد من ارباب الدولة من البقر وفرقت الكسوة على الفقراء وعلق البلد
اسبوعا
وفي المحرم وصل ترشك الى بغداد فلم يشعر به الا وقد القى نفسه تحت التاج عند كوخ
المستخدمين معه سيف وكفن فبرز له الاذن بالمضي الى الديوان فحضر عند الوزير فأنهى
حضوره ووقع له بمال واذن له في الدخول الى الدار المعمورة من أي باب شاء
ووصل في رسالة محمد شاه ومعه عدة رسل من امراء الاطراف طلبا للمقاربة فلما نزلوا
بشهر آبان انفذ من دار الخلافة من استوقفهم هناك ولم يمكنوا من الوصول فأقاموا
ثمانية عشر يوما ثم عادوا ولم تسمع رسالتهم
وفي هذه السنة عاد الغزالي نيسابور فنهبوها وكان بها ابن اخت سنجر فاندفع عنها الى
جرجان
وفيها خرج الخليفة الى واسط واجتاز بسوقها وابصر جامعها ومضى الى الغراف وزلت به
فرسه في بعض الطريق فوقع الى الارض وشج جبينه بقبيعة سيف الركاب فانتاشه مملوك من
مماليك الوزير فأعتقه الوزير وخلع عليه وحصل للطبيب ابن صفية مال لأنه خاط المكان
وعاده
وفيها وقع برد عظيم فهلكت قرى وذكر انه كان في بعض البرد ما وزنه خمسة أرطال
واهلكت الغلة فلم يقدروا على علف
وفي ثامن عشر ربيع الاول كثر المد بدجلة وخرق القورج واقبل الى البلد فامتلأت
الصحارى وخندق السور وافسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسع عشر ربيع
فوقع بعض السور عليها فسد بها ثم فتح الماء فتحة اخرى فاهملوها ظنا انها تنفس عن
السور لئلا يقع فغلب الماء وتعذر سده فغرق قراح ظفر والاجمة والمختارة والمقتدية
ودرب القيار وخرابة ابن جردة والريان وقراح القاضي وبعض القطيعة وبعض باب الازج
وبعض المأمونية وقراح ابي الشحم وبعض قراح ابن رزين وبعض الظفرية ودب الماء تحت
الارض
الى
اماكن فوقعت قال المصنف وخرجت من داري بدرب القيار يوم الاحد وقت الضحى فدخل اليها
الماء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدور كلها واخذ الناس يعبرون الى الجانب
الغربي فبلغت المعبرة دنانير ولم يكن يقدر عليها ثم نقص الماء يوم الاثنين وسدت
الثلمة وتهدم السور وبقي الماء الذي في داخل البلد يدب في المحال الى ان وصل بعض
درب الشاكرية ودبر المطبخ وجئت بعد يومين الى درب القيار فما رأيت حائطا قائما ولم
يعرف احد موضع داره الا بالتخمين وانما الكل تلال فاستدللنا على دربنا بمنارة
المسجد فانها لم تقع وغرقت مقبرة الامام احمد وغيرها من الاماكن والمقابر وانخسفت
القبور المبنية وخرج الموتى على رأس الماء واسكر المشهد والحربية وكانت آية عجيبة
ثم ان الماء عاد فزاد بعد عشرين يوما فنقض سد القورج فعمل فيه اياما
وتنافر الوزير ونقيب النقباء في كلام فوقع بأن يلزم النقيب بيته ثم رضي عنه بعد
ذلك واصطلحا
وفي هذه السنة جمع ملك الروم جمعا عظيما وقصد الشام وضاق بالمسلمين الأمر ثم عاد
الكفار خائبين وغنم المسلمون واسر ابن اخت ملكهم وكان سبب عودهم ضيقة الميرة عليهم
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
277 - احمد بن معالي
ابن بركة الحربي تفقه على ابي الخطاب الكلواذاني وبرع في النظر قال المصنف سمعت
درسه مدة وكان قد انتقل الى مذهب الشافعي ثم عاد الى مذهب احمد ووعظ وتوفي في
جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وكان سبب موته انه ركب دابة فانحنى
في مضيق ليدخله فأتكأ بصدره الى قربوس السرج فأثر فيه وانضم الى ذلك اسهال فضعفت
القوة وكان مدة يومين او ثلاثة
278
- احمد بن محمد
ابن عبد العزيز ابو جعفر العباسي المكي نقيب مكة شيخ صالح ثقة سمع الكثير وتوفي في
هذه السنة ودفن بالعطافية
279 - جعفر بن زيد
ابن جامع ابو زيد الحموي من اهل حماة بلدة من بلاد الشام بين حمص وحلب قرأ القرآن
وكان كثير الدراسة وسمع من ابي الحسين ابن الطيوري وابي طالب ابن يوسف وانقطع عن
مخالطة الناس متشاغلا بنفسه وتوفي في ليلة الاحد خامس عشر ذي الحجة من هذه السنة
ودفن في صفة ملاصقة لمسجده في محلته المعروفة بقطفتا
280 - الحسن بن جعفر
ابن عبد الصمد بن المتوكل على الله ابو علي ولد سنة سبع وسبعين واربعمائة قرأ
القرآن وكان يؤم في مسجد ابن العلثي وسمع من ابن العلاف وابن الحصين وغيرهما وكان
فيه لطف وظرف وسمع سيرة المسترشد وسيرة المقتفي وتوفي في جمادى الآخرة من هذه
السنة ودفن بمقبرة باب حرب
281 - محمد شاه بن محمود
طلب الخطبة والسلطنة فلم يجب اليهما فجاء الى بغداد فحاصرها على ما سبق ذكره ثم
عاد وتوفي في ذي الحجة بباب همذان
282 - يحيى بن نزار المنبجي
كان فيه فضل وادب ويقول الشعر وكان يحضر مجلسي ويدهشه كلامي وجد في اذنه ثقلا فخاف
الطرش فاستدعى انسانا من الطرقية فامتص اذنه فخرج شيء من مخه فكان سبب موته توفي
في ذي الحجة ودفن في تربتهم بالوردية
سنة
ثم دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان المسمى بعلي كوجك صاحب الموصل افرج عن سليمان شاه بن محمد
وخطب له بالسلطنة وسيره الى همذان وتوجه ابن اخيه ملك شاه بن محمود الى اصبهان
طالبا للأجمة فمات بها
وفي منتصف صفر فوض تدريس جامع السلطان الى اليزدي مكان الشمس البغدادي
وفي هذه الايام منع المحدثون من قراءة الحديث في جامع القصر وسببه ان صبيانا من
الجهلة قرأوا شيئا من اخبار الصفات ثم اتبعوا ذلك بذم المتأولين وكتبوا على جزء من
تصانيف ابي نعيم اللعن له والسب فبلغ ذلك استاذ الدار فمنعهم من القراءة
وفي يوم الجمعة سلخ صفر ارجف على الخليفة بالموت فانزعج الناس وماج البلد وعدم
الخبز من الاسواق ثم وقع الى الوزير بعافيته وطابت قلوب الناس ووقعت البشائر
والخلع فلما كانت صبيحة الاحد ثاني ربيع الاول اصبحت ابواب الدار كلها مغلقا الى
قريب الظهر واغلق باب النوبي وباب العامة فتحقق الناس الامر وركب العسكر بالسلاح
فلما كان قريب الظهر فتحت الابواب ودعي الناس الى بيعة المستنجد بالله فأظهروا موت
المقتفي
باب ذكر خلافة المستنجد بالله
واسمه يوسف بن المقتفي ولد في ربيع الاول سنة ثمان عشرة وخمسمائة وبويع بعد موت
أبيه المقتفي وقيل انه اريد به سوء ليولي غيره فدفع عنه فبايعه اهله وأقاربه
واولهم عمه ابو طالب ثم ابو جعفر بن المقتفي وكان اكبر من المستنجد ثم بايعه
الوزير وقاضي القضاة وارباب الدولة والعلماء ثم خطب له يوم الجمعة على المنابر
ونثرت الدنانير والدراهم قال المصنف رحمه الله وحدثني الوزير
ابو
المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة قال حدثني امير المؤمنين المستنجد بالله قال رأيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام منذ خمس عشرة سنة فقال لي يبقى أثرك في
الخلافة خمس عشرة سنة فكان كما قال قال ورأيته صلى الله عليه و سلم قبل موت ابي
بأربعة اشهر فدخل بي الى باب كبير ثم ارتقى الى رأس جبل وصلى بي ركعتين وألبسني
قميصا ثم قال لي قل اللهم اهدني فيمن هديت وذكر دعاء القنوت وذكر لي الوزير ابن
هبيرة قال كان المستنجد قد بعث الي مكتوبا مع خادم في حياة ابيه وكأنه أراد ان
يسره عنه فأخذته وقبلته وقلت للخادم قل له والله ما يمكنني ان أقرأه ولا أن اجيب
عنه قال فأخذ ذلك في نفسه علي فلما ولي دخلت عليه فقلت يا امير المؤمنين اكبر دليل
في نصحي اني ما حابيتك نصحا لامير المؤمنين قال صدقت انت الوزير فقل الى متى فقال
الى الموت فقلت أحتاج والله الى اليد الشريفة فاحلفته على ما ضمن لي وحكى ان
الوزير خدم بعد ذلك يحمل كثير من خيل وسلاح وغلمان وطيب ودنانير فبعث اربعة عشر
فرسا عرابا فيها فرس ابيض يزيد ثمنه على اربعمائة دينار وست بغلات مثمنة وعشرة من
الغلمان الاتراك فيهم ثلاثة خدم وعشرة زريات وخوذ وعشرة تخوت من الثياب وسفط فيه
عود وكافور وعنبر وسفط فيه دنانير فقبلت منه وطاب قلبه
ولما بويع المستنجد اقر الوزير ابن هبيرة على الوزارة واصحاب الولايات على
ولاياتهم وأزال المكوس والضرائب وامر بالجلوس لعزاء ابيه فتقدم الي بالكلام في
العزاء ووضع كرسي لطيف فتكلمت في بيت النوبة ثلاثة أيام وخرج في اليوم الثالث الى
الوزير توقيع نسخته الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وإنا اليه راجعون
تسليما لأمر الله وقضائه فصبرا لحكمه النافذ ومصابه في الامام السعيد الذي عظم
مصابه واعتاض حلو العيش صابه وفت في عضد الاسلام وعذابه الدين واهي النظام ان
الصبر عليه لبعيد والكمد عليه مع الايام جديد لقد كان سكينة مغشية المراد ورحمة
منتشرة في العباد برا بهم رؤفا متحننا عليهم
عطوفا
فجدد الله سبحانه لديه من كراماته الراجحة وتحياته الغادية الرائحة ما يحله بحبوحة
جنانه وينيله مبتغاه من إحسانه ومع ما من الله عليه من استقرار الأمر في نصابه
وحفظه على من هو أولى به فليس الا التسليم الى المقدور والتفويض اليه سبحانه في
جميع الامور فهو يوفي المثوبة والأجر والسعيد من كان عمله في دنياه لأخراه ورجوعه
الى الله سبحانه في باديته وعقباه والله تعالى يوفق امير المؤمنين لما عاد برضاه
وصلاح رعاياه ليعود النظام الى اتساقه ونور الامامة الى اشراقه فانهض انت الى
الديوان لتنفيذ المهام ولتثق بشمول الانعام ولتأمر الحاضرين بالانكفاء الى الخدمات
وليتقدم بضرب النوبة في اوقات الصلوات وكان الوزير في اليومين يجيء ماشيا فقدمت
اليه فرسه في اليوم الثالث فركب وتقدم في هذا اليوم بالقبض على ابن المرخم الذي
كان قاضيا وكان بئس الحاكم آخذ الرشاء واستصفيت امواله واعيد منها على الناس ما
ادعوا عليه وكان قد ضرب فلم يقر فضرب ابنه فأقر باموال كثيرة واحرقت كتبه في
الرحبة وكان منها كتاب الشفاء واخوان الصفاء وحبس فمات في الحبس
واسقطت الضرائب وما كان ينسب الى سوق الخيل والجمال والغنم والسمك والمدبغة والبيع
في جميع اعمال العراق وافرج عن جماعة كانوا مطالبين بأموال وقد تقدم استاذ الدار
فخلع عليه فجعل امير حاجب وتقدم الى الوزير بالقيام له وخلع المستنجد بالله عند
انتهاء شهر والده على ارباب الدولة وخلع علي خلعة وعلى عبد القادر وابي النجيب
وابن شقران واذن لنا في الجلوس بجامع القصر وتكلمت في الجامع يوم السبت ثامن عشرين
ربيع الآخر فكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف وخمسة عشر ألفا
وظهر اقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون في المذاهب واعانني الله تعالى عليهم وكانت
كلمتنا هي العليا واذن لرجل يقال له ابو جعفر بن سعيد ابن المشاط فجلس في الجامع
فكان يسأل فيقال له آلم ذلك الكتاب كلام الله فيقول لا ويقول في القصص هذا كلام
موسى وهذا كلام النملة فأفسد عقائد الناس وخرج
فمات
عن قريب
وفي جمادى الآخرة عزل قاضي القضاة ابو الحسن علي بن احمد الدامغاني ورتب مكانه عبد
الواحد ابو جعفر الثقفي وخلع عليه وكتب له عهد وكان قد قيل لابن الدامغاني قم لابن
الثقفي الصغير الذي ولي مكان ابن المرخم فقال ما جرت العادة ان يقوم قاضي القضاة
لقاض فقيل له قد قمت لابن المرخم فأنكر ذلك وشهد عليه العدول بأنه قام له فأخذوا
ذلك عليه وعزل
واخذ رجل معلم يقال له ابو المعمر عبد الرزاق بن علي الخطيب كان يعلم الصبيان
بالمأمونية فصار يخبر المقتفي وتقدم الى حاجب الباب بسماع قوله فكان يخشى ويتقي
وصار له شرف فلما توفي المقتفي كتب الى المستنجد يلتمس ما كان يفعله في زمان ابيه
فقال الخليفة هذا الذي كان يخبر قالوا نعم فأمر بالقبض عليه فأخذ وعوقب الى ان سال
دمه وجيء به الى بيته ليلا ليدلهم على دفين فقال احفروا هاهنا وهاهنا فحفروا فلم
يجدوا شيئا فقال انما قلت ذلك من حرارة الضرب واعادوه الى الحبس
وفي هذه السنة ولي ابن حمدون المقاطعات
وفيها قبض على ابن الفقيه النائب بالمخزن وكان يشرف لولاية المخزن فقبض عليه صاحب
المخزن وبذل ابن الصقيل الذي كان حاجب الباب اربعة آلاف دينار على أن يولى نقابة
العباسيين فخوطب في ذلك نقيب النقباء فبذل خمسة آلاف فقبض على ابن الصقيل وطولب
بما بذل فقرر عليه اثنا عشر الفا فباع كل ما يملك
وفي رمضان حدثت حادثة عجيبة وذلك ان مغربيا كان يلعب بالرمل ويحبس بالنجوم سكن
حجرة في دربية سوق الاساكفة ظهرها الى دار ابن حمدون العارض فأظهر الزهادة فكان
يخرج في الليل الى الحارس فيقول افتح لي فقد لحقني احتلام ثم نقب اصول الحيطان
وفرق التراب في الغرف حتى خرج الى خزانة في الدار وفيها خزانة خشب ساج فنقل كل ما
فيها من مال ومصاغ
قوم
ثلاثة آلاف دينار وخرج الى الحارس فقال افتح لي وكان قد استعد ناقة ورفقة فخرج
فركب وسار فما علم به حتى صار على فراسخ ثم أخذ مملوك لنصر بن القاسم التاجر
وقالوا كان رفيق المغربي وقيل انه ساعد المغربي على ذلك فلما خرج قتله واخذ المال
وفي اول شوال اتفق العسكر بباب همذان على القبض على سليمان شاه وخطوا لأرسلان بن
طغرل وورد على كوجك الى بغداد قاصدا للحج ووصل الى الخدمة الشريفة وخلع عليه وحج
في هذه السنة شيركوه صاحب الرحبة وغيرها من اعمال الشام وبث في الحرمين معروفا
كثيرا ولم يفعل كوجك شيئا يذكر به على كثرة ماله
وتوفي قاضي القضاة الثقفي فولي مكانه ابنه جعفر وقدم مركبان من كيش فيهما هدايا
وتحف للخليفة منها عدة افراس وعشرة احمال من القنا الخطي وأنياب الفيلة وخشب الساج
والصنوبر والآبنوس وسلال العود والببغ والجواري والمماليك
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
283 - عبد الواحد بن احمد
ابن محمد بن حمزة أبو جعفر الثقفي وكان قاضيا بالكوفة وسمع من ابي الغنائم وغيره
وولاه المستنجد قضاء القضاة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
284 - الفائز صاحب مصر
توفي في رجب هذه السنة وكان صبيا يدبر أمره ابو الغارات الصالح بن رزيك واقيم
مقامه صبي لقب بالعاضد وهو الذي انقرضت على يده دولة آل عبيد وعادت الخطبة بديار
مصر لبني العباس وسوف نذكر ذلك عند وصولنا اليه
285 - قيماز الارجواني
امير الحاج بعد نظر دخل ميدان الخلافة فلعب بالصولجان فشب فرسه من
تحته
ورمى به فوقع على ام راسه فانكسرت ترقوته وسال مخه من منخريه واذنيه فمات ودفن
بمقبرة الشونيزي وتبعه الامام وترحم الناس عليه وذلك في شعبان هذه السنة
286 - محمد ابو عبد الله المقتفي بالله
امير المؤمنين بن المستظهر بالله مرض بالتراقي وقيل كان دمل في العنق توفي ليلة
الاحد في ربيع الاول من هذه السنة عن ست وستين سنة إلا ثمانية وعشرين يوما ولي
الخلافة اربع وعشرين سنة وثلاثة اشهر وستة عشر يوما ودفن في الدار ثم اخرج الى
الترب وانه وافق اباه المستظهر في علة التراقي وماتا جميعا في ربيع الاول وتقدم
موت محمد شاه على موت المقتفي بثلاثة اشهر وكذلك المستظهر مات قبله السلطان محمد
بثلاثة اشهر ومات المقتفي بعد الغرق بسنة وكذلك القائم مات بعد الغرق بسنة قال
عفيف الناسخ وكان رجلا صالحا رأيت في المنام قبل دخول سنة خمس وخمسين قائلا يقول
اذا اجتمعت ثلاث خاءات كان آخر خلافته قلت خلافة من قال خلافة المقتفي قلت ما معنى
اجتماع الخاءات قال سنة خمس وخمسين وخمسمائة
287 - محمد بن احمد
ابن علي بن الحسين ابو المظفر ابو التريكي كان يخطب في الجمع والاعياد وكان حصن
الصورة فاضلا توفي يوم الاربعاء خامس عشر ذي القعدة ودفن في تربة معروف الكرخي
288 - محمد بن يحيى
ابن علي بن مسلم ابو عبد الله الزبيدي من اهل زبيد بلدة باليمن مولده على التقريب
سنة ثمانين واربعمائة قدم بغداد سنة تسع وخمسمائة ووعظ وكان له معرفة بالنحو
والادب وكان صبورا على الفقر لا يشكو حاله قال المصنف رحمه الله حدثني
البراندسي
قال جلست مع الزبيدي من بكرة إلى قريب الظهر وهو يلوك شيئا في فمه فسألته فقال لم
يكن لي شيء فأخذت نواة أتعلل بها وانه كان يقول الحق وان كان مرا ولا يراقب احدا
ولا تأخذه في الله لومة لائم وقد حكى لي انه دخل على الوزير الزينبي وقد خلعت عليه
خلع الوزارة والناس يهنئونه بالخلعة فقال هو هذا يوم عزاء لا يوم هناء فقيل له
فقال الهناء على لبس الحرير وحدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه قال سمعت محمد بن
يحيى الزبيدي يحكي عن نفسه قال خرجت الى المدينة على الوحدة فآواني الليل الى جبل
فصعدت عليه وناديت اللهم اني الليلة ضيفك ثم نزلت فتواريت عند صخرة فسمعت مناديا
ينادي مرحبا بك يا ضيف الله انك مع طلوع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا وتمرا
فاذا دعيت فأجب فهذه ضيافتك قال فلما كان من الغد سرت فلما كان مع طلوع الشمس لاحت
لي اهداف بئر فجئتها فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمرا فدعوني الى الأكل فأكلت
توفي الزبيدي في ربيع الاول من هذه السنة ودفن قريبا من باب الشام الغربي من بغداد
289 - ملك شاه بن محمود
ابن محمد بن ملك شاه توفي في ربيع الاول باصبهان
سنة
ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيما انه في يوم الجمعة سابع المحرم قطعت خطبة سليمان شاه من المنابر
في الجوامع وانتشر في هذه الايام ذكر التسنن والترفض حتى خشيت الفتنة وخرج الوزير
يوم الجمعة رابع عشر المحرم بعد الصلاة من المخيم وخرج الخليفة صبيحة السبت وكان
ركوبه في الماء وصعوده عند مسناة السور فركب هناك وخرجوا الى الصيد
وفي يوم الثلاثاء تاسع صفر ولي ابن الثقفي قضاء القضاة مكان ابيه واستناب
أخاه
في الحكم وخرج التوقيع بازالة المتعيشين الذين يجلسون على الطرقات في رحبة الجامع
وغيرها وبنقض الدكاك البارزة في الاسواق التي توجب الازدحام
وفي يوم الجمعة ثالث ربيع الاول انتقل الوزير ابن هبيرة من الدار التي كان يسكنها
بجنب الديوان الى دار ابن صدقة الوزير وحول قاضي القضاة ابن الدامغاني عن الدار
التي سكنها بباب العامة فأسكنها الوزير ابنته فانتقل ابن الدامغاني الى مدرسة
التتشي
وفي صبيحة السبت رابع ربيع الاول خرج الخليفة الى الصيد وليس معه الا الخواص من
الغلمان وعارض الجيش ابن حمدون
وفي ليلة الاربعاء ثاني عشرين ربيع الاول اخرج المتقفي من الدار في الزبزب والسفن
حوله بالشمع الكبار والموكبيات وجمع ارباب الدولة معه الى الترب وكان الماء زائدا
شديد الجريان فجرى له تخبيط كثير وصلوا الى هناك بعد نصف الليل
وفي يوم السبت ثامن عشر ربيع الاول خرج الوزير من داره على عادته ليمضي الى
الديوان والغلمان بين يديه وهموا برد باب المدرسة التي بناها ابن طلحة فمنعهم
الفقهاء وضربوهم بالآجر فهم اصحاب الوزير بضربهم وشهروا عليهم السيوف فمنعهم
الوزير ومضى الى الديوان ثم ان الفقهاء كتبوا قصة يشكون من غلمان الوزير فوقع
عليها بضرب الفقهاء وتأديبهم ونفيهم من الدار فمضى اصحاب استاذ الدار فعاقبوهم
هناك ثم ادخلهم الوزير اليه واستحلهم واعطى كل واحد دينارا واعيدوا الى المدرسة
بعد أن غلقت اياما واختفى ابو طالب مدرسهم ثم ظهر بعد العفو
وارجف في هذه الايام بأن عسكرا قد تعلق بالبند نيجين من التركمان وان الخليفة يريد
أن ينفذ هناك عسكرا يضمهم الى ترشك ويقاتلونهم فخرج جماعة من الامراء في جيش كبير
فاجتمعوا بترشك فلما حصل بينهم وثبوا عليه فقتلوه واحتزوا رأسه وبعثوا به في مخلاة
وانما احتالوا عليه لانهم دعوه فأبى أن يحضر
واضمر
الغدر وقتل مملوكا للخليفة ودعا الوزير أولياء ذلك المقتول وقال ان امير المؤمنين
قد اقتص لابيكم من قاتله فشكروا
وفي يوم الاثنين حادي عشر ربيع الآخر فتحت المدرسة التي بناها ابن الشمحل في
المأمونية وجلس فيها الشيخ ابو حكيم مدرسا وحضر جماعة من الفقهاء
وفي هذه الايام رخص السعر فبيع اللحم اربعة ارطال بقيراط وكثر البيض فبيع مائة
بيضة بقيراط والعسل كل منا بطسوج والخوخ كل عشرة ارطال بحبة وفي جمادى الآخرة جلس
ابو الخبر القزويني في جامع القصر وتعصب له الاشاعرة
وفي هذه الايام غلظ على الناس في امر الخراج وردت المقاطعات الى الخراج فانطلقت
الألسن باللوم للوزير لأنه كان عن رأيه
وفي رمضان عمل الوزير طبق الافطار على عادته ووصلت الاخبار ان جماعة من العسكر
طلبوا العرب لأخذ الاعشار منهم فامتنعت العرب فأخذ العسكر ينهبون اموالهم فعطفوا
عليم فقتلوهم واهلك الامراء قيصر وبلال وبهلوان ومن نجا مات عطشا في البرية فكن
إماء العرب يخرجن بالماء ليسقين الجرحى فاذا احسن بحي يطلب الماء أجهزن عليه وكثر
البكاء على القتلى ببغداد وخرج الوزير وبقية العسكر في طلب العرب
وفي هذه الايام احتدت شوكة علاء الدين ابن الزينبي في امر الحسبة فوكل بالطحانين
وأخذ منهم الاموال وعزموا ان يكسروا علائق التعيشين ويبيعونهم علائق من عندهم فمضى
الناس واستغاثوا ومضى المجان الى قبر ابن المرخم يخلقونه وكتبوا عليه من رد مجوننا
علينا فرفعت يد ابن الزينبي من الحسبة وعاد الوزير من سفره بعد أن انطردت بنو
خفاجة
ووقعت حادثة عجيبة لأبي بكر ابن النقور وذلك انه غمز به الى الديوان ان في بيته
وديعة فاستدعى فسئل عنها فأنكر وكان معذورا في الانكار لانه لم يعلم بها انما علم
بها النسوة من اهله فوكل به ونفذ الى بيته فاخذت الوديعة من عرضي داره
كانت
الوف دنانير في مسائن وكان القاضي يحيى وكيل مكة بعثها مع نسائه الى النساء
اللواتي في دار ابن النقور فسألنهن ان يعيروهن عرضي الدار فيه رحلا ويغلقن عليه
ففعلن فدفن المال فأحست به جارية في البيت فنمت وأهل ليتركوا البيت لا يعلمون وكان
المال لبنت المنكوبرس الامير
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
290 - ابراهيم بن دينار
ابو حكيم النهرواني ولد سنة ثمانين واربعمائة سمع من ابن ملة وابن الحصين وغيرهما
الحديث الكثير وتفقه على ابي سعيد بن حمزة صاحب ابي الخطاب الكلوذاني وقد رأى ابا
الخطاب وسمع منه ايضا وكان عالما بالمذهب والخلاف والفرائض وقرأ عليه خلق كثير
ونفع به واعطى المدرسة التي بناها ابن الشمحل بالمأمونية واعدت درسه فبقي نحو
شهرين فيها وسلمت بعده الي فجلست فيها للتدريس وله مدرسة بباب الازج كان مقيما بها
فلما احتضر اسندها الي وكان يضرب به المثل في التواضع وكان زاهدا عابدا كثير الصوم
وقرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض ورأيت بخطه على جزء له رأيت ليلة الجمعة عاشر
رجب سنة خمس واربعين وخمسمائة فيما يرى النائم كأن شخصا في وسط داري قائما فقلت من
انت فقال الخضر ثم قال ... تأهب للذي لا بد منه ... من الموت الموكل بالعباد ...
ثم على انني اريد أن أقول له هل ذلك قريب فقال قد بقي من عمرك اثنا عشرة سنة تمام
سن اصحابك وعمري يومئذ خمس وسبعون فكنت ارتقب صحة هذا ولا افاوضه في ذكره لئلا
انعى اليه نفسه فمرض رحمه الله اثنين وعشرين يوما وتوفي يوم الثلاثاء بعد الظهر
ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة ست وخمسين وخمسمائة وكان مقتضى حساب منامه ان سمى له
سنة فتاولت ذلك فقلت لعلة دخول سنة لا تمامها او لعله رأى في آخر سنة ومات في أول
الأخرى او لعلها
من
السنين الشمسية ودفن رحمه الله قريبا من بشر الحافي
291 - حمزة بن علي
ابن طلحة ابو الفتوح روى عن ابي القاسم ابن بيان وولي حجبة الباب ثم المخزن وكان
قريبا من المسترشد وولي المقتفي وهو على ذلك ثم بنى مدرسة الى جانب داره ثم حج في
تلك السنة ولبس القميص الفوط عند الكعبة وعاد متزهدا فأنشده ابو الحسين ابن الخل
الشاعر ... يا عضد الاسلام يا من سمت ... الى العلى همته الفاخره ... كانت لك
الدنيا فلم ترضها ... ملكا فاخلدت الى الآخرة ...
وانقطع في بيته نحوا من عشرين سنة وكان محترما في زمان عز له يغشاه ارباب الدولة
وغيرهم وتوفي في هذه السنة ودفن بتربة له في الحربية مقابلة لتربة ابي الحسن
القزويني
292 - محمد بن احمد
ابن محمد ابو طاهر الكرخي القاضي ولي قضاء باب الازج وقضاء واسط وقضاء الحريم وقد
ولي في زمن خمسة خلفاء المستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والمستنجد وهو الذي
حكم بفسخ ولاية الراشد وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة
293 - ابو جعفر بن المقتفي
توفي يوم الاحد ثاني عشر ربيع الاول ومضى معه الوزير وارباب الدولة الى الترب
سنة
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الحاج وصلوا الى مكة فلم يدخل اكثرهم لفتن جرت وانما دخلت
شرذمة يوم العيد فحجوا ورجع الاكثرون الى بلادهم ولم يحجوا
وخرج
الخليفة الى الصيد على طريق واسط وادعت امرأة ان ابن النظام الفقيه مدرس النظامية
تزوجها بحجة وخلف ثم قرر فأقر فافتضح وعزل من التدريس ووكل به وكان قد عقد بينهما
فقيه يقال له الاشتري فأخذ وصفع على باب النوبي
وفي ربيع الآخر ترافق رجل من اهل الحربية وصبي في الطريق فقتله الصبي بسبب شيء من
الذهب كان معه ودخل الى الحربية فانذر به وقال قد قتل هنا قتيل فأخذوه وقالوا انت
كنت معه فجيء به في الباب فاعترف بالقتل فقتل
وقبض على ابن الشمحل وحبس عند استاذ الدار وقبض على زوجته بنت صاحب المخزن ابن
طلحة ونقل ما في داره
وفي جمادى الآخرة وقع حريق عظيم احترق منه سوق الطيوريين والدور التي تليه مقابله
الى سوق الصفر الجديد والخان الذي في الرحبة ودكاكين البزوريين وغيرها واحترق فيها
رجل شيخ لم يستطع النهوض واحترقت طيور كثيرة وكانت في اقفاص
وفي رجب جلس يوسف الدمشقي في النظامية مدرسا وخلع عليه وحضر عنده جماعة من الاعيان
وفي هذه السنة تكاملت عمارة المدرسة التي بناها الوزير بباب البصرة واقام فيها
الفقهاء ورتب لهم الجراية وكان مدرسهم ابو الحسن البراندسي وفيها اعني المدرسة دفن
الوزير وحكى ابو الفرج بن الحسين الحداد قال جرت لابن فضلان الفقيه قصة عجيبة وهو
انه اتهم بقتل امرأة فأخذ واعتقل بباب النوبي اياما وذلك انه دخل على اخت له قد
خطبت وما تمت عدتها من زوج كان لها فمات فضربها فثارت اليه امرأة كانت عندهم في
الدار لتخلصها منه فرفسها برجله ولكمها بيده فوقعت المرأة مغشية عليها ثم خرجت
فوقعت في الطريق فأدخلت الى رباط وسئلت عن حالها فأخبرتهم الخبر فحملت الى بيت
اهلها فماتت في الحال فكتب اهلها الى الخليفة فتقدم باخذه فانكر فلم يكن لهم بينة
فحلف وخرج وهذه القصة اذا صحت فقد وجبت عليه الدية مغلظة في ماله لانه شبه عمد
ويجب عليه كفارة
القتل
بلا خلاف
وفي رجب جمع الوكلاء والمحضرون والشهود كلهم عند حاجب الباب وشرط عليهم ان لا
يتبرطلوا من أحذ ولا يأخذ الشروطي في كتب البراءة اكثر من حبتين ولا المحضر اكثر
من حبة ولا الوكيل اكثر من قيراطين واشهدوا عليهم الشهود بذلك وسببه جناية جرت
بينهم في تزويج كتاب
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
294 - سعد الله بن محمد
ابن علي بن احمدي ابو البركات سمع ابا الخطاب الكلوذاني وابا عبد الله بن طلحة
وابا بكر الشاشي وكان خيرا وسمعت عليه كتاب السنة للالكائي عن الطريثيثي عنه توفي
في شعبان هذه السنة ودفن بباب حرب
295 - شجاع الفقيه الحنفي
كان مدرسا في مشهد ابي حنيفة جيد الكلام في النظر قرأ عليه جماعة مذهب ابي حنيفة
توفي في يوم الخميس حادي عشرين ذي القعدة من هذه السنة ودفن مما يلي قبر ابي حنيفة
من خارج المشهد
296 - صدقة بن وزير الواسطي
دخل بغداد ولبس الصوف ولازم التقشف زائدة في الحد ووعظ وكان يصعد المنبر وليس عليه
فرش فأخذ قلوب العوام بثلاثة اشياء احدها التقشف الخارج والثاني التمشعر فانه كان
يميل الى مذهب الاشعري والثالث الترفض فانه كان يتكلم في ذلك وبلغني انه لما مرض
كان يحضر الطبيب ليلا لئلا يقال عنه يتداوى وكان اذا اتاه فتوح يقول انا لا آخذ
انما سلموه الى أصحابي فتم له ما اراد وبنى رباطا واجتمع في رباطه جماعة فمرض ومات
يوم الخميس ثامن ذي القعدة وصلى عليه في ميدان داخل السور ودفن في رباطه بقراح
القاضي وبنى يزدن في رباطه منارة وتعصب لهم لأجل ما كان يميل اليه من التشيع فصار
رباطه
مقصودا
بالفتوح وفيه دفن
سنة
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الخميس عشرين المحرم وصلت الاخبار عن الحاج بأمر مزعج
من منعهم دخول مكة والطواف لفتنة وقعت هناك وانكشف الأمر بان جماعة من عبيد مكة
عاثوا في الحاج فنفر عليهم جماعة من اصحاب أمير الحاج فقتلوا منهم جماعة فرجعوا
الى مكة وجمعوا جمعا واغاروا على جمال فأخذوا منها قريبا من الف جمل فنادى أمير
الحاج في الاتراك فركبوا وتسلحوا ووقع القتال بينهم فقتل جماعة من اهل العراق واهل
مكة وجمع الأمير الحاج ورجع ولم يدخل بهم الى مكة خوفا عليهم فلم يقدروا من الحج
الاعلى الوقوف بعرفة ودخل الخادم ومعه الكسوة فعلق ستار الكعبة وبعث امير مكة الى
امير الحاج يستعطفه ليرجع فلم يفعل ثم جاء اهل مكة بخرق الدم فضربت لهم الطبول
ليعلم انهم اطاعوا
وفي ربيع الاول قبض على صاحب الديوان ابن جعفر وحمل الى دار استاذ الدار ووكل به
وجعل ابن حمدون صاحب الديوان
وفي بكرة السبت سابع عشر ربيع الاول خرج الخليفة الى ناحية الخالص وتشارف البلد
ورخصت المواشي والاسعار رخصا كثيرا
وفي جمادى الآخرة خلع على ابن الابقي خلع النقابة وذلك بعد وفاة ابيه وفي شعبان
بني كشك بالحطمية للخليفة وكشك للوزير وانفق عليهما مال عظيم وخرج الخليفة اليه في
شعبان وكان الخليفة والوزير واصحابهما يصلون بجامع الرصافة الجمعة مدة مقامهم في
الكشك ووقع حريق عظيم من باب درب فراشة الى مشرعة الصباغين من الجانبين
وفي تاسع عشر ذي القعدة خرج الخليفة متصيدا ومعه ارباب الدولة وعاد عشية الاثنين
سابع عشر هذا الشهر وفي عشية الاحد حادي عشر ذي الحجة قبض على
ابن
الابقى الذي جعل نقيب النقباء وحمل الى دار استاذ الدار ثم حمل الى التاج مقيدا
وذكر ان السبب انه كاتب منكوبرس بحذره من المجيء الى بغداد ويخوفه على نفسه وكانت
بنو خفاجة في هذه الايام تأخذ القوافل في باب الحربية وكثر العيث في الاطراف وفوض
الى حاجب الباب النظر في محلة باب البصرة فرتب فيها أصحابه وانما كان أمر هذه
المحلة الى النقيب وخرج تشرين الاول والثاني بغير مطر الا ما يبل الارض
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
297 - طلحة بن علي
ابو أحمد الزينبي نقيب النقباء تولى النقابة وناب في الوزارة وحضر مجلسي مرارا خرج
يوما من الديوان معافى فبات في منزله فمات فذكر انه أكل لبا وارزا وجمارا ودخل
الحمام فعرضت له سكتة فتوفي في ليلة الاثنين خامس ربيع الاول وصلى عليه بجامع
القصر ودفن بمقبرة الشهداء من باب حرب
298 - محمد بن عبد الله
ابو عبد الله بن ابي الفتح البيضاوي القاضي سمع الحديث علي ابن الطيوري وغيره قرأت
عليه اشياء من مسموعاته وتوفي في شوال هذه السنة
299 - محمد بن عبد الكريم
ابن ابراهيم بن عبد الكريم ابو عبد الله بن الأنباري الملقب بسديد الدولة كاتب
الانشاء كان شيخا مليح الشيبة طريف الصورة فيه فضل وأدب وانفرد بانشاء المكاتبات
وبعث رسولا الى سنجر وغيره من السلاطين وخدم الخلفاء والسلاطين من سنة ثلاث
وخمسمائة وعمر حتى قارب التسعين ثم توفي يوم الاثنين تاسع عشر رجب وصلى عليه يوم
الثلاثاء بجامع القصر وحضر الوزير وغيره من ارباب الدولة ودفن بمشهد باب التبن
300
- هبة الله بن الفضل
ابن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن علي بن احمد بن الفضل ابو القاسم المتوني
القطان سمع الحديث من ابيه وابي الفضل بن خيرون وابي طاهر الباقلاوي وكان شاعرا
مطبوعا لكنه كان كثير الهجاء متفسحا وله في اول قصيدة ... يا أخي الشرط املك ...
لست للثلب اترك ...
ولما ولي ابن المرخم القضاء وكان قاضي ظالما قال ابن الفضل ... يا حزينه الطمي
الطمي ... قد ولى ابن المرخم ... بدواته المفضضة ... ووكيله المكعسم ... وي على
الشرع والقضا ... وي على كل مسلم ... اترى صاحب الشريعة قد جن أو عمي ...
ومن شعره اللطيف دوبيت ... يا من هجرت فما تبالي ... هل ترجع دولة الوصال ... ما
أطمع يا عذاب قلبي ... ان ينعم في هواك بالي ... ما ضرك ان تعلليني ... في الوصل
بموعد محال ... اهواك وانت حظ غيري ... يا قاتلتي فما احتيالي ... ايام عناي فيك
سود ... ما اشبههن بالليالي ... العذل فيك يزجروني ... عن حبك مالهم ومالي ... يا
ملزمي السلو عنها ... الصب انا وانت سالي ... والقول بتركها صواب ... ما احسنه لو
استوى لي ... في طاعتها بلا اختياري ... قد صح بعشقها اختبا لي ... طلقت تجلدي
ثلاثا ... والصبوة بعد في حبالي ... ذا الحكم علي من قضاه ... من ار خصني لكل غالي
...
توفي ابن الفضل يوم السبت ثامن عشر رمضان ودفن بمقبرة معروف
سنة
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الجمعة حادي عشرين المحرم جيء بصبي صغير مقتولا ومعه
صبي آخر فأقر أنه قتله بمنجل كان معه بسبب حلقة اخذها من اذنه فأخذت منه الحلقة
وقتل
ودخل كانون الثاني في صفر ولم أر كانونا أدفأ منه وفي يوم الاحد رابع عشر صفر شهر
جماعة من الحصريين كتبوا اسماء الائمة الاثني عشر على الحصر شهرهم المحتسب بتقدم
الوزير
وفي يوم الاحد خامس ربيع الآخر املك يوسف الدمشقي بابنة قاضي القضاة جعفر بن عبد
الواحد الثقفي بصداق مبلغه سبعمائة دينار ولم يكن في هذه السنة للناس ربيع بسبب
اليبس المتقدم لعدم المطر موت المواشي
وفي جمادى اجتمع جماعة يسمعون كتاب ابن منده في فضائل احمد بن حنبل في مسجد ابن
شافع فجرى بين ابن الخشاب وبين ابي المحسن الدمشقي منازعة في امر يتعلق بالفقهاء
فآل الامر الى خصام فوشى بهم الدمشقي الى الخليفة وانهم يقرأون كتابا فيه معايب الخلفاء
فتقدم بأخذ الكتاب من أيديهم
وفي شوال عملت دعوة في الدار الجديدة التي بناها المستنجد بباب الغربة وحضر ارباب
الدولة ومشايخ الصوفية وبات قوم على السماع
وتقدم بقتل تسعة من اللصوص فأخرجوا من الحبس فقتلوا واحد بباب الازج وآخر بالرحبة
وآخر بباب الغلة وآخر باللكافين واربعة على عقد سوق السلطان وواحد بسوق السلطان
وشهرت امرأة تزوجت بزوجين ومعها أحدهما
وورد البشير الى المستنجد بفتح مصر فقال حاجب الوزير ابن تركان قصيدة اولها ...
لعل حداة العيس ان يتوقفوا ... ليشفي غليلا بالمدامع مدنف
وفيها
... ليهنك يا مولى الانام بشارة ... بها سيف دين الله بالحق مرهف ... ضربت به هام
الأعادي بهمة ... تقاصر عنها السمهري المثقف ... بعثت الى شرق البلاد وغربها ...
بعوثا من الآراء تحيي وتتلف ... فقامت مقام السيف والسيف قاطر ... ونابت مناب
الرمح والرمح يرعف ... وقدت لها جيشا من الروع هائلا ... الى كل قلب من عداتك يزحف
... ليهنك يا مولاي فتح تتابعت ... اليك به خوص الركائب توجف ... اخذت به مصرا وقد
حال دونها ... من الشرك ناس في الحي الحق تقذف ... فعادت بحمد الله باسم امامنا
... تتيه على كل البلاد وتشرف ... تملكها من قبضه الكفر يوسف ... وخلصها من عصبة
الرفض يوسف ... فشابهه خلقا وخلقا وعفة ... وكل عن الرحمن في الارض يخلف ... كشفت
بها عن آل هاشم سبة ... وعارا أبي الا بسيفك يكشف ...
ثم تكامل الأمر بعد سبع سنين على ما نذكره في خلافة المستضيء بامر الله
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
301 - محمد بن علي
ابن منصور ابو جعفر الاصفهاني ويلقب بالجمال الموصلي كان وزيرا لصاحب الموصل فكان
كثير المعروف دائم الصدقات واثر اثارة عظيمة بمكة والمدينة فأحكم ابواب الحرم وبنى
لها عتبا عالية وأجرى عينا الى عرفات وبنى للمدرسة سورا وكانت صدقته تصل كل سنة الى
أهل بغداد فيعم بها الفقهاء والزهاد والمتصوفة ولا يخيب من يقصده بحال الا ان تلك
الاموال فيما يذكر اكثرها من المكوس ووصل الخبر بموت الجمال في رمضان هذه السنة
وقدر الله له أنه قدم بجنازته الى بغداد وصلى عليه في الشونيزية ثم حملت الى مكة
فطيف بها ثم الى المدينة ودفن في الرباط الذي عمره بين قبر رسول الله صلى الله
عليه و سلم وبين البقيع فليس بينه وبين قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم الا
اذرع
سنة
ثم دخلت سنة ستين وخمسمائة
فمن الحوداث فيها انه وصل الى بغداد في المحرم صاحب المخزن ابو جعفر وقد فارق
الحاج بالرحبة فأخبر أنهم لقوا شدة وأخبر أن جماعة انقطعوا في فيدو الثعلبية
وواقصة وهلك خلق كثير في البرية لتعذر الظهر ولم يصح للحاج المضي الى المدينة لهذه
الأسباب وللقحط الذي بنا وان الوباء وقع في البادية فهلك منهم خلق كثير وهلكت
مواشيهم وان الاسعار بمكة ضيقة جدا وقدم مع الحاج فخر الدين بن المطلب فمنع من
دخول الحريم وذكر أن السبب انه طلب موضع له يشتري للخليفة فتكلم بكلام لا يصلح
فقبض على عقاراته وغضب عليه فأقام في رباط الزوزني اياما ثم مضى الى الدور مستجيرا
بالوزير ليصلح حاله مع الخليفة قال المصنف فحدثني اخو الوزير قال كتب الى الوزير
أن أحسن ضيافته ثلاثا ثم آمره أن يخرج ففعلت فخرج فأقام بمشهد علي عليه السلام
وفي صفر خرج المستنجد بالله الى نهر الملك للتصيد وقبض في طريقه على توبة البدوي
ويقال له واطأ عسكر همذان على الخروج والعصيان وكان ضاربا بحلته على الفرات وقيد
وادخل بغداد في الليل وحبس ثم ذكر انه قتل وكان الناس يشيرون الى بعض الاكابر أنه
اشار بالقبض عليه وبقتله فما عاش ذلك المشار اليه بعده أكثر من اربعة أشهر
وفي عيد الاضحى ولدت امرأة من درب بهروز يقال لها بنت ابي الاعز الاهوازي الجوهري
اربع بنات وماتت معها بنت اخرى وماتت المرأة ولم يسمع بمثل هذا وحكى ابو الفرج بن
الحسين الحداد أن ابن البراج وكان ناظرا في وقف النظامية وكان ابن الزميلي مشرفا
عليه والمدرس يوسف الدمشقي فاتفق ابن البراج وابن الزميلي على أن يكتبا كتابا على
لسان ألدكز الى يوسف الدمشقي يتضمن انه من بطانتهم وانه يشعرهم بما يتجدد في بغداد
من الامور
وأن
يشكره على ما يصل اليهم منه وعولا على ان يدخلا على يوسف الى بيته ويسلما عليه
ويضعا الكتاب عند مسنده بحيث لا يشعر ثم يخرجا من فورهما الى الديوان فيعلما
الوزير بذلك فانفرد ابن الزميلي على ابن البراج ودخل الى حاجب الباب فاعلمه بذلك
فمضى حاجب الباب الى الوزير فحدثه فاستدعى ابن الزميلي فسئل عن ذلك فانكر فاكذبه
حاجب الباب واستخف به فقال ابن الرميلي ابن البراج هو الذي يريد أن يفعل ذلك
فاستدعي ابن البراج فأنكر واحال على ابن الرميلي وحلف بالطلاق الثلاث انه ما عنده
خبر من هذا وقذف ابن الرميلي بالفسق واستبا جميعا فقال لهما الوزير قوما قبحكما
الله فخرجا مفتضحين ونجا يوسف
وعملت الدعوة في دار الخلافة يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة وحضر ارباب
الدولة والصوفية على عادتهم وخلع عليهم وفرق عليهم مال وفي رجب نقص اليزدي عن
مشاهرته التي كانت بسبب التدريس بجامع السلطان وكان مبلغها عشرة دنانير فكتب اقوام
يقولون نحن نقنع بثلاثة فقيل لهم هو احق بهذا فقنع بذلك ودرس ورضي بذلك القدر
وتوفي الوزير فقبض على ولديه واخذ حاجبه ابن تركان فحبس في دار استاذ الدار وقدم
رجل مغربي فنصب جذعا طويلا ووقف على رأسه يعالج فحاكاه صبي عجان وسافر العجان
البلاد فقدم وقد اكتسب الاموال والجواري والخدم فنصب جذعين طويلين شد احدهما الى
الآخر وصعد ورقص على كرة معه بحبال وحمل جرة ماء على رأسه ولبس سراويله هناك ورمى
نفسه واستقبلها بحبل مشدود فحصل له مبلغ
وفي
ذي القعدة وقع الحريق في السوق الجديد من درب فراشة الى مشرعة الصباغين من
الجانبين فذهب في ساعة حتى لم يبق للخشب الذي في الحيطان أثر
وفي ذي الحجة وقع حريق في الحضائر والدور التي تليها وتفاقم الأمر ورخص السكر في
هذه السنة والنبات فكان ينادي على السكر قيراط وحبة رطل وعلى النبات نصف رطل
بقيراط وحبة وهذا شيء لم يعهد
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
302 - عمر بن بهليقا الطحان
عمر جامع العقبة بالجانب الغربي وكان مسجدا لطيفا فاشترى ما حوله واوسعه وسمت همته
حتى استأذن ان يجعله جامعا فاذن له الا ان اكثر المواضع التي اشتراها كانت تربا
فيها موتى فأخرجوا وبيعت وكان المسجد الاول مما يلي الباب والمنارة وتوفي يوم
الاثنين ثامن عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن على باب الجامع بعيدا من حائطه ثم
نبش بعد ايام واخرج فدفن ملاصقا لحائط الجامع ليشتهر ذكره بأنه بني الجامع فتعجب
من هذا بعض من له فطنة وقال هذا رجل سعى في نبش خلق من الموتى واخرجهم وجعل تربتهم
مسجدا فقضى عليه بأ نبش بعد دفنه
303 - محمد بن عبد الله
ابن العباس بن عبد الحميد ابو عبد الله الحراني ولد في سنة اربع وثمانين واربعمائة
وشهد عند ابي الحسن الدامغاني في سنة اربع وخمسمائة زكاه ابو سعد المخرمي وابو
الخطاب الكلوذاني وعاش حتى لم يبق من شهود الدامغاني غيره وسمع الحديث الكثير من
طراد والتميمي وابي الحسن بن عبد الرزاق الانصاري وكان لطيفا ظريفا وجمع كتابا
سماه روضة الادباء فيه نتف حسنة وسمعت منه اشياء ولي منه اجازة وزرته يوما فاطلت الجلوس
عنده فقلت قد ثقلت فانشدني ... لان سميت ابراما وثقلا ... زيارات رفعت بهن قدري
... فما ابرمت الا حبل ودي ... ولا ثقلت الا ظهر شكري
توفي
ابن الحراني يوم السبت ثالث عشر جمادى الآخرة من هذه السنة وتقدم الوزير بفتح
الجامع للصلاة عليه في بكرة الاحد فصلى عليه يوم الاحد ودفن بمقبرة الفيل من باب
الازج
304 - محمد بن محمد
ابن الحسين ابو يعلى ابن الفراء ولد سنة اربع وتسعين واربعمائة وسمع الحديث من
ابيه وعمه وابن الحصين وغيرهم وتفقه على والده وافتى ودرس وكان له ذكاء وفهم جيد
وتولى القضاء بباب الازج وبواسط ثم اشهد قاضي القضاة ابو الحسن ابن الدامغاني على
نفسه ببغداد أنه قد عزله عن القضاء فذكر عنه انه لم يلتفت الى العزل ثم خاف من
حكمه بعد العزل فتشفع بابن ابي الخير صاحب البطيحة الى الخليفة حتى امنه فقدم بعد
احدى عشرة سنة وقد ذهب بصرة فلازم بيته فلما مرض طلب ان يدفن في دكة احمد بن حنبل
قال لي عبد المغيث بعث بي الى الوزير فقال في الدكة جدي لامي فانكر الوزير هذا
وقال كيف تنبش عظام الموتى فتوفي ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن
عند آبائه بمقبرة احمد
305 - مرجان الخادم
كان يقرأ القرآن ويعرف شيئا من مذهب الشافعي وتعصب على الحنابلة فوق الحد حتى ان
الحطيم الذي كان برسم الوزير ابن هبيرة بمكة يصلي فيه ابن الطباخ الحنبلي مضى
مرجان وازاله من غير تقدم بغضا للقوم وناصبني دون الكل وبلغني انه كان يقول مقصودي
قلع هذا المذهب فلما مات الوزير ابن هبيرة سعى بي الى الخليفة وقال عنده كتب من
كتب الوزير فقال الخليفة هذا محال فان فلانا كان عنده احد عشر دينارا لابي حكيم
وكان حشريا فما فعل فيها شيئا حتى طالعنا فنصرني الله عليه ودفع شره ولقد حدثني
سعد الله البصري وكان رجلا صالحا وكان مرجان حينئذ في عافية قال رأيت مرجان في
المنام ومعه اثنان قد أخذا بيده فقلت الى اين قالا الى النار قلت لماذا قالا كان
يبغض ابن الجوزي ولما قويت عصبيته لجأت الى الله سبحانه ليكفيني شره فما مضت إلا
ايام
حتى أخذه السل فمات يوم الاربعاء حادي عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بالترب
306 - يحيى بن محمد
ابو المظفر ابن هبيرة الوزير ولد سنة تسع وتسعين واربعمائة وقرأ بالقراآت وسمع
الحديث الكثير وكانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة والعروض وتفقه وصنف في تلك
العلوم وكان متشددا في اتباع السنة وسير السلف ثم امضه الفقر فتعرض للعمل فجعله
المقتفي مشرفا في المخزن ثم رقاه الى ان صيره صاحب الديوان ثم استوزره فكان يجتهد
في اتباع الصواب ويحذر الظلم ولا يلبس الحرير وقال لي لما رجع من الحلة وكان قد
خرج لدفع بعض البغاة دخلت على المقتفي فسلمت فقال ادخل هذا البيت فدخلت فغذا خادم
وفراش ومعه خلعة حرير فقلت أنا والله ما ألبس هذا فخرج الخادم فأخبر المقتفي فسمعت
صوت المقتفي قدو الله قلت انه ما يلبس وكان المقتفي معجبا به يقول ما وزر لبني
العباس مثله وكان المستنجد معجبا به وقد ذكرنا انه لما ولى المستنجد بالله دخل
عليه فقال له يكفي في اخلاصي اني ما حابيتك في زمن ابيك فقال صدقت وقال مرجان
الخادم سمعت المستنجد ينشد وزيره ابا المظفر ابن هبيرة وقد مثل بين يدي السدة
الشريفة في اثناء مفاوضة ترجع الى تقرير قواعد الدين واصلاح أمر المسلمين وانشده
لنفسه مادحا له ... صفت نعمتان خصتاك وعمتا ... فذكر هما حتى القيامة ينشر ...
وجودك والدنيا اليك فقيرة ... وجودك والمعروف في الناس ينكر ... فلو رام يا يحيى
مكانك جعفر ... ويحيى لكفا عنه يحيى وجعفر ... ولم ار من ينوي لك السوء يا ابا
المظفر ... الا كنت انت المظفر ...
وكان الوزير مبالغا في تحصيل التعظيم للدولة قامعا للمخالفين بانواع الحيل حتى حسم
امور السلاطين السلجوقية ولما جلس في الديوان في اول وزارته احضر رجلان من غلمان
الديوان فقال دخلت يوما الى هذا الديوان فقعدت في مكان
فجاء هذا فقال قم فليس هذا موضعك فاقامني فاكرمه واعطاه ودخل عليه يوما تركي فقال لحاجبه أما قلت لك اعط هذا عشرين دينارا او كرا من الطعام وقل له لا يحضر هاهنا فقال قد اعطيناه فقال عد وأعطه وقل له لا تحضر ثم التفت الى الجماعة فقال لا شك انكم ترومون سبب هذا فقالوا نعم فقال هذا كان شحنة في القرى فقتل قتيل قريبا من قريتنا فأخذ مشايخ القرى فأخذني مع الجماعة وامشاني مع الفرس وبالغ في أذاي واوثقني ثم أخذ من كل واحد شيئا وأطلقه ثم قال لي ايش بيدك فقلت ما معي شيء فانتهرني وقال اذهب وانا لا اريد اليوم اذاه وابغض رؤيته وكان آخر قد آذاه في ذلك الزمان وضربه فلما ولي الوزارة احضره واكرمه وولاه وكان يتحدث بنعم الله عليه ويذكر في منصبه شدة فقره القديم فيقول نزلت يوما الى دجلة وليس معي رغيف اعبر به وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء وكانت امواله مبذولة لهم وللتدبير فكانت السنة تدور وعليه ديون وقال ما وجبت علي زكاة قط وكان اذا استفاد شيئا قال افادنيه فلان حتى انه عرض له يوما حديث وهو من فاته حزبه بالليل فصلاه قبل الزوال كان كأنه صلاة بالليل فقال ما ادري ما معنى هذا فقلت له هذا ظاهر في اللغة والفقه اما اللغة فان العرب تقول كنت الليلة الى وقت الزوال واما الفقه فان ابا حنيفة يصحح الصوم بنية قبل الزوال فقد جعل ذلك الوقت في حكم الليل فاعجبه هذا القول وكان يقول بين الجمع الكثير ما كنت اعرف ما معنى هذا الحديث حتى عرفنيه فلان فكنت استحيي من الجماعة وجعل لي مجلسا في داره كل جمعة يحضره ويطلق العوام في الحضور وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره فاعجبه فقال لزوجته اني أريد ان ازوجه ابنتي فغضبت الام ومنعت من ذلك وكان يقرأ عنده الحديث في كل يوم بعد العصر فحضر فقيه مالكي فذكرت مسألة فخالف فيها ذلك الفقيه فاتفق الوزير وجميع العلماء على شيء وذلك الرجل يخالف فبدر من الوزير أن قال له أحمار انت أما ترى الكل يخالفونك وانت مصر فلما كان في اليوم الثاني قال الوزير للجماعة جرى مني
بالامس مالا يليق بالأدب حتى قلت له تلك الكلمة فليقل لي كما قلت له فما أنا الا كأحدكم فضج الخلق بالبكاء وأخذ ذلك الفقيه يعتذر ويقول انا اولى بالاعتذار والوزير يقول القصاص القصاص فقال يوسف الدمشقي يا مولانا اذا أبى القصاص فالفداء فقال الوزير له حكمه فقال الرجل نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي قال لا بد قال على بقية دين مائة دينار فقال تعطى مائة دينار لابراء ذمته ومائة لابراء ذمتي فأحضرت في الحال فلما أخذها قال الوزير عفا الله عنك وعني وغفر لك ولي وكان الوزير يتأسف على ماضي زمانه عن تندم ما دخل فيه وقال لي كان عندنا بالقرية مسجد فيه نخلة تحمل الف رطل فحدثت نفسي ان أقيم في ذلك المسجد وقلت لأخي محب الدين نقعد أنا وأنت وحاصلها يكفينا ثم انظر الى ماذا صرت ثم صار يسأل الله الشهادة ويتعرض بأسبابها كان الوزير صحيحا ليس به قلبة في يوم السبت ثاني عشر جمادى الاولى من هذه السنة نام ليلة الاحد في عافية فلما كان وقت السحر قاء فحضر طبيب كان يخدمه يقال له ابن رشادة فسقاه شيئا فيقال انه سمه فمات وسقى الطبيب بعده بنحو ستة أشهر سما فكان يقول سقيت كما سقيت فمات قال المصنف رحمه الله وكنت ليلة موت الوزير نائما بين جماعة من أصحابي على ظهر سطح فرأيت في المنام مع انشقاق الفجر كأني في دار الوزير وهو جالس فدخل رجل بيده حربة فضرب بها بين انثييه فخرج الدم كالفوارة فضرب الحائط فالتفت فاذا خاتم ذهب ملقى فأخذته بيدي وقلت لمن أعطيه أنتظر خادما يخرج فأسلمه اليه فانتبهت فأخبرت من كان معي فما استتممت الحديث حتى جاء رجل فقال مات الوزير فقال من معي هذا محال انا فارقته أمس العصر وهو في كل عافية فجاء آخر وآخر فصح الحديث ونفذ الى من داره فحضرت فقال لي ولده لا بد أن تغسله فغسلته ورفعت يده ليدخل الماء في مغابنه فسقط الخاتم من يده فحيث رأيت الخاتم تعجبت من ذلك ورأيت في وقت غسله آثارا بوجهه وجسده تدل على أنه مسموم وحملت جنازته يوم الاحد الى جامع القصر فصلى عليه ثم حمل الى
مدرسته
التي بناها بباب البصرة فدفن بها وغلقت يومئذ اسواق بغداد وخرج جمع لم نره لمخلوق
قط في الاسواق وعلى السطوح وشاطئ دجلة وكثر البكاء عليه لما كان يفعله من البر
ويظهره من العدل وقيل في حقه مراث كثيرة فمنها قول نصر البحتري ... ألمم على جدث
حوى ... تاج الملوك وقل سلام ... واعقر سويداء الضمير فليس يقنعني السوام ... فاذا
ارتوت تلك الجنا ... دل من دموعك والرغام ... فأقم صدور اليعملا ... ت فبعد يحيى
لا مقام ... ذهب الذي كانت تقيدني مواهبه الجسام ... فاذا نظرت اليه لم ... يخطر
على قلبي الشآم ... غاض الندى الفياض عن ... راجيه واشتد الاوام ... وتفرقت تلك
الجمو ... ع وقوضت تلك الخيام ... عجبا لمن يغتر بال ... دنيا وليس لها دوام ...
عقبى مسرتها الأسى ... وعقيب صحتها السقام ... ما مت وحدك يوم مت وانما مات الأنام
... بابي لي الإحسان ان ... أنساك والشيم الكرام ... سنة 561
ثم دخلت سنة احدى وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الاربعاء ثالث المحرم عاد الخليفة من الكشك الى الدار
وأخذ الناس يرجفون لاجل عجلة هذا المجيء فقال قوم قد وصل اهل الموصل الى دقوقا
وقال قوم بل عسكر من قبل الماهكي وحكى بعض الجند أنهم ما ناموا تلك الليلة لخبر
جاءهم به انسان تركماني وارادوا الدخول ليلا فأشير عليهم ان لا يفعلوا لئلا ينزعج
الناس وظهر في هذه الايام من الروافض امر عظيم من ذكر الصحابة وسبهم وكانوا في
الكرخ اذا رأوا مكحول العين ضربوه
ورفع
على قيماز انه قد اخذ من مال الحلة مالا كثيرا فأدى عشرين الفا واخذت المدرسة التي
بناها ابن الشمحل فاحرز فيها غلة وقلعت القبلة منها
وفي هذه السنة جاء الحاج على غير الطريق خوفا من العرب لكنهم لقوا شدة ورخصت الاسعار
في ربيع الاول فحدثني بعض جيراننا انه اشترى كارة دقيق باثني عشر قيراطا قال
واشتريتها في زمن المسترشد باثني عشر دينارا
وفي رابع ربيع الآخر خرج الخليفة الى الكشك وصلى يوم الجمعة في جامع المهدي وظهر
في هذه الايام بين العوام الشتم والسب بسبب القرآن وكان ابن المشاط بعد في بغداد
وكان يجلس في الجامع فيقال له آلم كلام الله فيقول لا فقيل له التين والزيتون فقال
التين في الريحانيين والزيتون يباع في الاسواق
وفي ربيع الآخر هرب عز الدين محمد بن الوزير بن هبيرة وكان محبوسا ونصب سلما وصعد
عليه في جماعة فغلقت ابواب دار الخليفة ونودي عليه في الاسواق وان من اطلعنا عليه
فله كذا ومن اخفاه ابيح ماله فجاء رجل بدوي فأخبرهم انه في جامع بهليقا وكان ذلك
البدوي صديقا للوزير فاطلعه هذا الصبي على حاله فضمن له ان يهرب به فلما اخذ ضرب
ضربا وجيعا واعيد الى السجن ثم رمى في مطمورة وحدثني بعض الاتراك وكان محبوسا
عندهم انهم صاحوا بابن الوزير من المطمورة فتعلق بحبل وصعد فمدوه وجلس واحد على
رجليه وآخر
على
رأسه وخنق بحبل ومنع القصاص كلهم من القصص في أواخر جمادى الآخرة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
307 - الحسن بن العباس
ابن ابي الطيب بن رستم ابو عبد الله الاصبهاني قال عبد الله الحياني الشيخ الصالح
ما رأيت احدا اكثر بكاء من الحسن الاصبهاني قال وسمعت محمد بن سالار احد اصحابه
يقول سمعت شيخي ابا عبد الله ابن الرستمي يقول وقفت على ابن ماشاذة وهو يتكلم على
الناس فلما كان الليلة رأيت رب العزة في المنام وهو يقول يا حسن وقفت على مبتدع
ونظرت اليه وسمعت كلامه لأحرمنك النظر في الدنيا فاستيقظت كما ترى قال عبد الله
الحياني فكانت عيناه مفتوحتين وهو لا يبصر بهما توفي في صفر هذه السنة باصبهان
308 - عبد القادر
ابن ابي صالح ابو محمد الجيلي ولد سنة سبعين واربعمائة ودخل بغداد فسمع من ابي بكر
احمد بن المظفر بن السوسن التمار وابي القاسم علي بن احمد بن بيان الرزاز وابي
طالب بن يوسف وتفقه على ابي سعد المخرمي وكان ابو سعد قد بنى مدرسة لطيفة بباب
الأزج ففوضت الى عبد القادر فتكلم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيت بالزهد وكان
له سمت وصمت فضاقت مدرسته بالناس فكان يجلس عند سور بغداد مستندا الى الرباط ويتوب
عنده في المجلس خلق كثير فعمرت المدرسة ووسعت وتعصب في ذلك العوام واقام في مدرسته
يدرس ويعظ الى ان توفي ليلة السبت ثامن ربيع الآخر ودفن في الليلة بمدرسته وقد بلغ
تسعين سنة
309 - ابو الفضال بن شقران
كان في مبتدأ امره يتلمذ على ابي العز الواعظ ثم صار فقيها بالنظامية وصار معيدا
وعظ واخذ ينصر مذهب الأشعري ويبالغ فتقدم الوزير بمنعه فحط
عن
المنبر يوم جلوسه ثم ترك الوعظ واقام برباط بهروز مدة وغلبت عليه الرطوبة فمات بعد
مرض طويل في يوم السبت خامس صفر هذه السنة ودفن بمقبرة دبر الخبازين
سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع الارجاف بمجيء شملة التركماني الى قلعة الماهكي وبعث
يطلب ويقتطع فامتنع الخليفة ان يعطيه ما طلب من البلاد وبعث الخليفة اكثر عسكر بغداد
الى حربه ونفذ اليه يوسف الدمشقي في رجاله وجاء ثم عاد فتوفي يوسف هناك وارجف
الناس بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الأسعار ثم عادوا فقالوا ليس لهذا الارجاف
اصل
ووصل صاحب المخزن الى بغداد من مكة وجاء رخص الزاد وكثرة الماء وانهم نقضوا القبة
التي بنيت بالمدينة للمصريين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشر صفر اخرج ابن الوزير الكبير المسمى شرف الدين من محبسه
ميتا فدفن عند أبيه بباب البصرة
وفي سابع رجب عملت الدعوة في دار الخليفة وفرقت الاموال
وفي
يوم الخميس ثاني عشر رجب جاء رجال ونساء من الجانب الغربي من الحريم الى نهر معلى
فاستعاروا حليا للعرس فاعيروا فنزلوا في سميرية ليمضوا الى الحريم فلما وصلت
السفينة الى الجناح عند دار السلطان انكفأت بهم فغرقوا وتلف ما معهم وفي هذا اليوم
هبت ريح شديدة قصفت النخل والشجر ورمت الاخصاص وتبعها مطر وبرد كثير ووقع بهذه
الريح حائط من دار بيت القهرمانة في الجانب الغربي مما يلي الحريم فظهر بين الآجر
سطيحة فيها تسعة ارطال ذهبا فاخذها الذي وجدها واعلم بها المخزن فأخذت منه وذكر أن
هذا الذهب خبأه ابن القهرمانة لأولاده واعلم به غلاما له وقال قد تركت في هذا
الحائط ذهبا لأولادي فلا تعلمهم به الا ان يحتاجوا اليه فلما مات أخبرهم به الغلام
وزعم انه قد شذ منه الموضع فضربوه فمات
وفي هذه السنة تزوج امير المؤمنين ابنة عمه ابي نصر بن المستظهر بالله واجتمع بها
في ايام الدعوة التي تختص بالصوفية
وفي يوم السبت عاشر شوال عبر اهل بغداد الى الجانب الغربي نحو الظاهرية يتفرجون في
صيد السمك لأن الماء زاد في الفرات حتى فاض الى تلك الاجمة ولها نيف وثلاثون سنة
لم ينعقد فيما سمك وانما صارت مزارع فكثر سمكها وفي هذه السنة عاد ضمانها حتى كان
يباع ثلاثة ارطال او اربعة ارطال بحبة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
310 - علي بن ابي سعد
ابن ابراهيم ابو الحسن الخباز الأزجي سمع الحديث الكثير وحصل الاصول وحدث وتوفي
يوم الاربعاء عاشر شعبان هذه السنة ودفن بمقبرة احمد
311 - محمد بن الحسن
ابن محمد علي بن حمدون ابو المعالي الكاتب كانت له فصاحة وولي ديوان الزمام مدة
وصنف كتابا سماه التذكرة وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن
بمقابر
قريش
سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان الحاج وصلوا الى العراق سالمين فخرجت عليهم بنو خفاجة في طريق
الحلة فقطعوا قطعة من الحاج فأخذوا أموالهم وقتلوا جماعة وحكى الناس ان التجار لم
يبيعوا شيئا بمكة على عادتهم لان حاج مصر لم يأتوا لاشتغالهم بما حدث عندهم من
القتال بمضي نور الدين وشيركوه
وفي رابع صفر وصل ابن البلدي من واسط فتلقاه الموكب وفيهم قاضي القضاة وحاجب الباب
والحجاب بالسواد فخرج قيماز لتلقيه قبل ذلك بيوم ولما قرب من موازاة التاج عبر
استاذ الدار فتلقاه فنزل في السفن وصعد باب الحجرة وخلع عليه خلعة سنية حسنة وقلد
سيفا وجعل في ركابه سيف وخرج راكبا من باب الحجرة الى الديوان فجلس هناك الى
اصفرار الشمس ونهض الوزير الى الدار التي كان فيها ابن هبيرة بباب العامة وخرج
التشرينان بغير مطر وكثر الموت وفي صبيحة الاثنين وقع وفر الى ان طبق الارض الى
قريب نصف الليل وفي هذه السنة بيع الورد مائة رطل بقيراط وحبة
وفيها مات قاضي القضاة جعفر بن الثقفي وبقيت بغداد ثلاثة وعشرين يوما بلا قاض في
ربع من الارباع ولا قاضي قضاة حتى ولى روح ابن الحديثي القضاء
يوم
الخميس رابع عشر رجب
وفي شعبان جلس المحتسب بباب بدر على ما حرت به العادة فأخذ جماعة من المتعيشين ثم
أمر بتأديب احدهم فرجم المحتسب بالآجر الى ان كاد يهلك واختفى ولم يجسر أن يركب
حتى نفذ الى حاجب الباب فبعث اليه المستخدمين فمشوا معه الى بيته واخذ أولئك الطوافون
فعوقبوا وحبسوا
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
312 - احمد بن عبد الغني
ابن محمد بن حنيفة ابو المعالي سمع ابا سعد بن حشيش وابن النظر وثابت بن بندار
وغيرهم وكان ثقة وتوفي في رمضان هذه السنة
313 - احمد بن عمر
ابن الحسين بن خلف ابو العباس القطيعي سمع الحديث وتفقه على القاضي ابي يعلى وناظر
ووعظ وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن بالحلبة
314
- احمد بن المقرب
ابن الحسين ابو بكر الكرخي ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة روى عن طراد وابن النظر
وغيرهما وكان ثقة توفي في ذي الحجة من هذه السنة
315 - جعفر بن عبد الواحد
ابو البركات الثقفي ولد في محرم سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع الحديث من ابي القاسم
الحريري وولي قضاء القضاة بعد ابيه وكان ابوه قد اقام في القضاء اشهرا ثم مات فدفن
بدار بدرب بهروز فلما مات الولد اخرجا فدفنا عند رباط الزوزني المقابل لجامع
المنصور وكان سبب موت هذا الولد انه طولب بمال خرجه عليه رجل من اهل الكوفة فضاق
صدره واشرف على بيع عقاره وكلمه الوزير ابن البلدي بكلمات خشنة فقام الدم ومات
316 - سعد بن محمد
ابن طاهر ابو الحسن المقرئ ولد سنة ست وثمانين واربعمائة وسمع من ابي القاسم ابن
بيان وغيره وكان يسمع معنا على ابن القاسم الحريري وغيره ويقرأ القرآن فبينا هو
جالس في مسجده يقرأ مال فوقع ميتا وذلك في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الآخر ودفن
بمقبرة العقبة من الجانب الغربي
317 - عبد الكريم بن محمد
ابن منصور ابو سعد السمعاني دخل الى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وسمع معنا على
المشايخ وسافر في طلب الحديث وذيل على تاريخ بغداد وكان قد كتب شجاع الذهلي من
التذييل شيئا وكتب ابو الفضل بن خيرون وفيات المشايخ فجمع هو ذلك وتلقف من اشياخنا
كعبد الوهاب ومحمد بن ناصر ومن بقي من الاشياخ ما يصلح ان يذكر من زمن الخطيب الى
زمانه الا انه كان يتعصب على مذهب احمد ويبالغ فذكر من اصحابنا جماعة وطعن فيهم
بما لا يوجب الطعن
مثل
ان قال عن عبد القادر كان يلقى الدرس المشستكة وانما كان الرجل مريض العين وقال عن
ابن ناصر كان يحب الطعن في الناس وهذا وقد اخذ اكثر كتابه عنه واحتج بقوله في
الجرح والتعديل فقد ازرى بما قال على نفسه في كل ما اورده عنه من جرح او تعديل وما
كان ينبغي ان يحتج به في شيء ثم قد كان يلزمه ان يقول طعن في فلان وليس بموضع
الطعن واي شغل للمحدث غير الجرح والتعديل فمن عد ذلك طعنا مذموما فما اعرف العلم
فشفي ابو سعد غيظه بما لا معنى فيه في كتابه فلم يرزق نشره لسوء قصده فتوفي وما
بلغ الامل ولو أن متتبعا يتبع ما في كتابه من الأغاليط والانساب المختلطة ووفاة
قوم هم في الاحياء لأخرج اشياء كثيرة غير أن الزمان اشرف من أن يضيع في مثل هذا
وهذا الرجل كانت له مشقعة عجيبة فانه كان يأخذ الشيخ البغدادي فيجلس معه فوق نهر
عيسى ويقول حدثني فلان من وراء النهار ويجلس معه في رقة بغداد ويقول حدثني فلان
بالرقة في اشياء من هذا الفن لا تخفى على المحدثين وكان فيه سوء فهم وكان يقول في
ترجمة الرجل حسن القامة وليست هذه عبارة المحدثين في المدح وقال في عجوز يقرأ
عليها الحديث وهي من بيت المحدثين ابوها محدث وزوجها محدث وقد بلغت سبعين او زادت
فقال كانت عفيفة وهذا ليس بكلام من يدري كيف الجرح والتعديل وذكر في ترجمة ابن
الصيفي الشاعر فقال المجان ببغداد يقولون هو الحيص بيص وله اخت اسمها دخل وخرج
ومثل هذا لا يذكره عاقل ولا نرى التطويل بمثل هذه القبائح توفي ابن السمعاني ببلده
في هذه السنة ووصل الخبر بذلك
318 - عبد القاهر بن عبد الله
ابن محمد بن عمويه ابو النجيب السهروردي كان يذكر أنه من اولاد محمد بن ابي بكر
الصديق ويقول مولدي تقريبا في سنة تسعين سمع الحديث وتفقه ودرس بالنظامية وبنى
لنفسه مدرسة ورباطا ووعظ مدة وكان متصوفا وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن
بمدرسته
محمد
بن عبد الحميد
ابن الحسن ابو الفتح الرازي المعروف بالعلاء العالم من اهل سمرقند كان فقيها فاضلا
ومناظرا من الفحول وصنف التعليقة المعروفة بالعالمي ودخل بغداد وحضر مجلسي للوعظ
قال ابو سعد السمعاني كان مدمنا للخمر على ما سمعت فكان يقول ليس في الدنيا راحة
الا في شيئين كتاب أطالعه اوباطية من الخمر اشرب منها قال المصنف ثم سمعت عنه انه
تنسك وترك المناظرة واشتغل بالخير الى ان توفي
320 - هبة الله بن ابي عبد الله بن كامل
ابن حبيش ابو علي قرأ القرآن وتفقه على ابن القاضي وسمع الحديث على شيخنا ابي بكر
ابن عبد الباقي وتقدم في رباط بدر زيجان على جماعة من الصوفية وكان من اهل الدين
توفي في محرم هذه السنة ودفن بمقبرة احمد قريبا من بشر الحافي
321 - يوسف الدمشقي الكبير
تفقه على اسعد المهيني وبرع في المناظرة ودرس في النظامية وغيرها وكان متعصبا في
مذهب الاشعري وبعث رسولا نحو خوزستان الى شملة التركماني فمات هناك في شوال هذه
السنة
سنة
ثم دخلت سنة اربع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها ان بعض غلمان الخليفة واقع العيارين بالدجيل وقتل كثيرا منهم
وجاء برؤوسهم واخذ قائدهم
وفي صفر جلس ابن الشاشي للتدريس بالمدرسة التتشية على شاطئ دجلة بباب الازج التي
كانت بيد يوسف الدمشقي وحضر عنده جماعة من ارباب المناصب وفي هذا اليوم صلب تسعة
أنفس وقطعت يد العاشر وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الاول رئي في صحن دار
السلام بدار الخليفة رجل غريب قائم في
طريق
الخليفة الذي يركب فيه ومعه سكين صغيرة في يده وأخرى كبيرة معلقة في زنده
فاستنطقوه فقال انا من حلب فحبس وعوقب البواب
وفي سابع عشر ربيع الآخر فوض الى ابي جعفر ابن الصباغ نيابة التدريس في النظامية
واعتقل تاج الدين اخو استاذ الدار
وفي جمادى الآخرة مات حاجب الباب ابن الصاحب وتولى ولده حجبة الباب وفي يوم الجمعة
عاشر شعبان دخل قوم من العيارين الى دار بعض التجار عند سوق العطر فلم يجدوا في
الدار الا مملوكا فسألوه عن المال فقال لا علم لي فقتلوه وفتشوا الدار فلم يجدوا
فيها شيئا وخرجوا ولم يحظوا الا بقتل الغلام
وفي ليلة النصف من شعبان اتفقت حادثة عجيبة وهو أن انسانا كان قائما عند دكان عطار
بشارع دار الدقيق فجاء نفاط يلعب بقارورة النفط فخرجت من يده بغير اختياره فأهلكت
ما في الدكان كله وتعلقت بثياب ذلك الرجل القائم هناك الى ان نزع ثيابه انسلخ جلده
من عنقه الى مشد سراويله وأخذ النفاط فحبس وجرت فتنة فتخلص النفاط
وفي سادس عشرين شعبان خرج الوزير الى الحلة لينظر الى البلاد ويتعرف احوالها
وفي رمضان قبض على يزدن وتتامش وسلما الى قيماز وضيق على قيماز واخذ منه على ما
حكى ثلاثون الف دينار جمع فيها مراكبه وآنية داره وانكسر كسرة عظيمة
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
322 - ازهر بن عبد الوهاب
ابن احمد بن حمزة ابو جعفر السماك سمع من مشايخنا ابن الحصين والحريري وابي بكر بن
عبد الباقي وعبد الوهاب وكان ثقة وفيه فضل وادب وتوفي في محرم هذه السنة
323
- سعد الله بن نصر
ابن سعيد الدجاجي ابو الحسن ولد في رجب سنة ثمانين واربعمائة وسمع ابوي الخطاب
محفوظ بن احمد وعلي بن عبد الرحمن ابن الجراح وتفقه وناظر ووعظ وكان لطيف الكلام
حلو الايراد ملازما للمطالعة الى أن مات
انبأنا سعد الله بن نصر قال كنت خائفا من الخليفة لحادث نزل فاختفيت فرأيت في
المنام كأني في غرفة أكتب شيئا فجاء رجل فوقف بازائي وقال اكتب ما املي عليك وأنشد
... ادفع بصبرك حادث الايام ... وترج لطف الواحد العلام ... لا تأيسن وان تضايق
كربها ... ورمالك ريب صروفها بسهام ... فله تعالى بين ذلك فرجة ... تخفى على
الابصار والاوهام ... كم من نجا من بين اطراف القنا ... وفريسة سلمت من الضرغام
...
وسئل في مجلس وعظه وانا اسمع عن اخبار الصفات فنهى عن التعرض بها وامر بالتسليم
لها وأنشد ... أبي الغائب الغضبان يا نفس ان يرضى ... وانت التي صيرت طاعته فرضا
... فلا تهجري من لا تطيقين هجره ... وان هم بالهجران خدك والأرضا ...
توفي في شعبان من هذه السنة ودفن الى جانب رباط الزوزني في ارضاء الصوفية لأنه
اقام عندهم مدة حياته فبقي على هذا خمسة ايام وما زال الحنابلة يلومون ولده على
هذا ويقولون مثل هذا الرجل الحنبلي أي شيء يصنع عند الصوفية فنبشه بعد خمسة ايام
بالليل وقال كان قد اوصى ان يدفن عند والديه ودفنه عندهما
324 - ابو طالب بن المستظهر بالله
توفي في رمضان وحمل الى الترب في الماء وكان من المشايخ المتقدمين في الدار وكان
له بر ومعروف
325
- محمد بن عبد الباقي
ابن محمد بن سلمان المعروف بابن البطي ولد سنة سبع وسبعين وسمع مالك بن علي
البانياسي وحمد بن احمد الحداد وابن النظر والتميمي وغيرهم وكان سماعه صحيحا سمعنا
منه الكثير كان يحب اهل الخير ويشتهي ان يقرأ عليه الحديث وتوفي يوم الخميس سابع
عشرين جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة باب أبرز
326 - محمد بن المبارك
ابن الحسين بن اسمعيل ابو بكر ابن الحصري ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القرآن
وسمع الحديث من الرقي وابي عبد الله ابن البناء وابي بكر بن عبد الباقي وغيرهم
وتفقه على ابي يعلى وناظر وولي القضاء بقرية عبد الله من واسط توفي في رجب هذه
السنة ببغداد فجاءه ودفن بالزرادين وكان عمره اربع وخمسين سنة
327 - محمد الفارقي
كان يتكلم على الناس قاعدا وربما قام على قدميه في دار سيف الدولة من الجامع وكان
يقال انه كان يحفظ كتاب نهج البلاغة ويغير الفاظه وكانت له كلمات حسان في الجملة
توفي في يوم الجمعة حادي عشر رجب هذه السنة وصلى عليه وقت صلاة الجمعة
328 - معمر بن عبد الواحد
ابن رجاء ابو احمد الاصفهاني كان من الحفاظ الوعاظ وله معرفة حسنة بالحديث وكان
يخرج ويملي سمعت منه الحديث في الروضة بالمدينة وكان يروي عن أصحاب ابي نعيم
الحافظ وتوفي بالبادية ذاهبا الى الحج في ذي القعدة من هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة خمس وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في ثالث صفر فوض الى اليزدي تدريس مشهد ابي حنيفة
فمضى
ومعه حاجب من الديوان فدرس هناك
وفي ثامن صفر عبر العيارون من الجانب الغربي الى الشرقي الى الحاج وقد تحصنوا
بالبيوت داخل البلد فأخذوا اموالهم وانحدروا في السفن يضربون الطبل ولم يطلبوهم ثم
وقع منهم اقوام فظهر عليهم شيء يسير
وفي ربيع الاول جاء المكيون بخرق البحر والهدايا كما جرت العادة والطبول بين
ايديهم وكان معهم ثلاثة افراس وبغلة وانطع من الأدم ومضوا الى الديوان
وفي ربيع الآخر خرج الخليفة الى الصيد
وفي جمادى الاولى وقعت حادثة عظيمة للنصارى تعدى ضررها الى المسلمين وذلك انه خطب
ابن مخلد النصراني الى ابن التلميذ ابنته فامتنع ابن التلميذ والتجأ ابن مخلد الى
الجاه واخذ من غلمان الباب والفراشين جماعة فأحضر الجاثليق واستاذ الدار البنت
فأذنت فعقدوا عليها وحملوها الى ابن مخلد فشكا ابن التلميذ الى الخليفة فأخذ ابن
مخلد وعوقب مائة خشبة وفرق بينه وبين الزوجة ووكل بالجاثليق بالديوان واخرج من
كاتب حكيم من الديوان لانه كان مع القوم وضرب صاحب الخبر في الباب ضربا عجيبا لانه
قصر في العقوبة وحطت مرتبة حاجب الباب عن منزلته وجعل نائبا لا يجلس على مخدة ولا
بين يديه دواة وفوضت العلامة في الكتب الى ابن البراج فلا تشهد الشهود الا في كتاب
فيه علامته
وفي ذي القعدة وردت الاخبار بوقوع زلازل كثيرة بالشام وقع منها نصف حلب ويقال هلك
من اهلها ثمانون الفا
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
329 - احمد بن صالح
ابن شافع ابو الفضل الجيلي ولد سنة عشرين وخمسمائة وقرأ القرآن وسمع الحديث
من
ابي علي ابن البناء وابي عبد الله ابن السلال والارموي ويحيى بن ثابت وابي الوقت
وغيرهم وقرأ على ابن ناصر معظم حديثه وشهد وتوفي في شعبان هذه السنة ودفن على ابيه
في دكة الامام احمد
330 - احمد بن عمر
ابن محمد بن لبيدة ابو العباس الأزجي قرأ القرآن وسمع من ابن الحصين وابن خيرون
والقزاز وابن السلال وغيرهم وكان فيه خير خرج الى مكة فتوفي في الطريق ودفن بزبالة
في هذه السنة
331 - الحسين بن محمد
ابو المظفر ابن السيبي عامل قوسان حبس مديدة ثم قطعت يده ورجله وحمل الىالمارس
فتوفي في محرم هذه السنة وكان أديبا لطيفا له شعر حسن ومما قال من الشعر يتشوق
أهله ... سلام على اهلي وصحبي وجلاسي ... ومن في فؤادي ذكرهم راسب راسي ... أحبة
قلبي قل صبري عنكم ... وزاد بكم وجدي وحزني ووسواسي ... اعالج فيكم كل هم ولا أرى
... لداء همومي غير رؤيتكم آسي ... خذوا الواكف المدرار من فيض ادمعي ... وحر لهيب
النار من كرب أنفاسي ... لقد ابدت الايام لي كل شدة ... تشيب لها الاكباد فضلا عن
الراس ... اقول لقلبي والهموم تنوشه ... وقد حدثته النفس بالصبر والياس ... وكيف
اصطباري عنكم وتجلدي ... على فقدكم ويلي على قلبي القاسي ... ومن لي بطيف منكم أن
يزورني ... على الليلة الليلاء في جنح ديماس ...
332 - طاووس ام المستنجد
توفيت في يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان وحملت الى الترب بالرصافة وكان
الوزير
واستاذ الدار قائمين وارباب الدولة في السفن قياما الى ان حملت
سنة
ثم دخلت سنة ست وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع حريق عظيم في درب المطبخ ثم في سويقة خرابة ابن جردة ثم
ارجف على الخليفة بالمرض لانه انقطع عن الركوب ثم ركب وتصدق بالخبز والبقر وعملت
دعوة في دار البدرية وخلعت الخلع وضربت الطبول للبشارة بسلامته وجاءت خرق البحر مع
المكيين على عادتهم وبين يديها الطبول والهدايا ثم مرض المستنجد بالله فلما اشتد
مرضه كان الاتراك يحفظون البلد اياما ثم توفي ففتحت الحبوس واخرج من فيها وما زالت
الحمرة الكثيرة عند مرض المستنجد ترمي ضوءها على الحيطان مثل شعاع الشمس
باب ذكر خلافة المستضيء بالله
واسمه الحسن بن يوسف المستنجد بالله ويكنى ابا محمد وامه أرمنية تدعى غضة
ولد
في سادس شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ولم يتول الخلافة من اسمه الحسن ويكنى ابا
محمد الا الحسن بن علي وهو فقد اشتركا في الاسم والكنية والكرم كان له من الولد
ابو العباس احمد وهو الذي تولى الخلافة بعده وابو منصور هاشم بويع المستضيء بأمر
الله يوم توفي المستنجد البيعة الخاصة بايعه اهل بيته وبعث الى الوزير ابن البلدي
ان احضر البيعة فلما دخل دار الخلافة وكان في ولايته قد قطع أنف امرأة ويد رجل
بجناية جرب منهما وكان ذلك بتقدم فسلم الى اولياء القوم فقطعوا أنفه ثم يده ثم ضرب
بالسيوف وألفى في دجلة وتولى ذلك استاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ثم جلس المستضيء
يأمر الله بكرة الاحد تاسع ربيع الآخر في التاج فبايعه الناس وصلى في التاج يومئذ
على المستنجد ونودي برفع المكوس وردت مظالم كثيرة واظهر من العدل والكرم مالم نره
من أعمارنا واستوزر استاذ الدار وجلس لعزاء المستنجد ثلاثة ايام وتكلمت في تلك
الايام في بيت النوبة ثم اذن للوعاظ في الوعظ بعد أن كانوا قد منعوا مدة وفرق
الامام المستضيء بأمر الله مالا عظيما على الهاشميين والعلويين والعلماء والاربطة
وكان دائم البذل للمال ليس له عنده وقع وخلع على ارباب الدولة والقضاة والجند
وجماعة من العلماء وحكى خياط المخزن انه فصل الفا وثلثمائة قباء ابريسم وخطب له
على منابر بغداد يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر ونثرت الدنانير كما جرت العادة
وولى روح بن احمد الحديثي قضاء القضاة يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر وولي يومئذ
ابو المحاسن عمر بن علي الدمشقي الحكم بنهر معلى وولي ابن الشاشي النظامية فمضى الدعاة
بين يديه
وفي هذا الشهر عزل ابن شبيب مشرف المخزن وولي مكانه ابو بكر ابن العطار وجعل ابن
شبيب وكيلا بباب الحجرة وولي من الامراء المماليك نحو سبعة عشر اميرا وقدم فخر
الدولة ابن المطلب الى بغداد وكان مقيما بمشهد علي عليه السلام وردت عليه املاكه
وولي ابن البخاري الديوان وكسف القمر ليلة النصف من جمادى الاولى وهذا اعجب لان
عادته الانكساف ليلة
النصف
في ليلة الرابع عشر
وفي يوم الجمعة العشرين من جمادى الاولى خلع على الوزير الخلع التامة ومشى بين
يديه قيماز وقاضي القضاة وغيرهما وفي يوم الاثنين ثالث عشرين الشهر جلس الوزير في
داره للهناء وانشد الحيص بيص ... اقول وقد تولى الامر خير ... ولي لم يزل برا تقيا
... وقد كشف الظلام بمستضيء ... غدا بالخلق كلهم حفيا ... وفاض الجود والمعروف حتى
... حسبناه حبايا اوأ تيا ... بلغنا فوق ما كنا نرجي ... هنيئا يا بني الدنيا هنيا
... سألنا الله يرزقنا إماما ... نسربه فأعطانا نبيا ...
وقال ايضا ... يا أمام الهدى علوت عن الجو ... دبمال وفضة ونضار ... فوهبت الاعمار
والأمن والبلدان في ساعة مضت من نهار ... فبماذا اثنى عليك وقدحا ... وزت فضل
البحور والامطار ... انما أنت معجز مستمر ... خارق للعقول والأفكار ... جمت نفسك
الشريفة بين الباس والجود بين ماء ونار ...
واحتجب الخليفة عن اكثر الناس فلم يركب الا مع الخدم ولم يدخل اليه غير قيماز وجلس
الوزير في الديوان يوم الجمعة واجلس عن يمينه ابن الشاشي وكان العادة ان اليمين
لأصحاب ابي حنيفة فأخذ المكان منهم واستشهد في جمادى الآخرة ابنا ابن المنصوري
الخطيب
وقبض في يوم الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرة على احمد الفوي وابنه وسعد الشرابي
واخذت مدرسة كانت للحنفية وقد كانت قديما للشافعية وهي بالموضع المسمى بباب
المدرسة على الشط وقد حضرت فيها مناظرة يوسف الدمشقي وبيده كانت وآل امرها الى أن
سلمت الى محمد البروي فدرس فيها وحضر قاضي القضاة وشيخ الشيوخ وحاجب الباب ومدرس
النظامية وابن
سديد
الدولة كاتب الانشاء
وشرع في نقص الكشك الذي عمله المستنجد ليعمل بآلته مسناة للسور فتراجف الناس بمجيء
العسكر فاحتدت سوق الطعام
وفي رجب ولي ابن ناصر العلوي التدريس بمدرسة السلطان التي كان فيها اليزدي فحضر
درسه قاضي القضاة وغيره
وفي يوم السبت رابع عشرين الشهر ولي الامير السيد العلوي التدريس بجامع السلطان
مكان اليزدي
وفي هذه الايام وهي امر ابي بكر ابن العطار والسبب انه كان ينافس صاحب المخزن
فانقطع عن المخزن وقيل انه اخذت الوكالة منه
وفي غرة شعبان بعث يزدن مع جماعة من العسكر الى واسط ليردوا ابن سنكا عن البلاد
وفي ثامنه نقضت الدور التي اشتراها قيماز ليعملها دارا كبيرة وكان من جملتها دار
ابن الطيبي وكانت بعيدة المثل قد غرم عليها الوف فأعطى منها الفا وكذلك اخذ ما
حولها من الدور المثمنة بثمن بخس واخرج اهلها وتشتتوا
وجرى في سابع شعبان بين اهل المأمونية وباب الازج فتنة بسبب السباع انتهبت فيها
سويقة البزازين
وفي عشية الاثنين ثامن عشرين شعبان نقل تابوت الخليفة من الدار الى الترب وفي نصف
رمضان هبت ريح عظيمة ورعدت السماء بقعقعة لم يسمع بمثلها فخر الناس على وجوههم
وكان للوزير طبق جميل طول الشهر وكان الذي يحضر فيه من الخبز كل ليلة الف رطل
واربعمائة رطل حلاوة سكر وفرق امير المؤمنين مصاحف كانت في الدار على جماعة فبعث
الي مصحفا مليح الخط كثير الاذهاب وفي سلخ شوال جلس امير المؤمنين للرسل الذين
جاؤا من همذان وغيرها فبايعوه
ذكر
من توفي في هذه السنة من الاكابر
333 - ابو طاهر بن البرني الواعظ
تعلم الوعظ من شيخنا ابي الحسن الزاغوني وسمع الحديث وكان يعظ وتوفي في محرم هذه
السنة ودفن بمقبرة احمد
334 - النفيس بن صعوة
قرأ القرآن وتفقه على الشيخ ابي الفتح ابن المنى وناظر ووعظ ثم احتضر في شبابه
فتوفي في يوم الثلاثاء تاسع شوال وصلى عليه بجامع السلطان ودفن عند مقبرة أحمد
335 - ابو نصر بن المستظهر
عم المستنجد وحموه لان المستنجد تزوج ابنته ولم يبق من اولاد المستظر غيره وكان
يذكر عنه الخير وصلى عليه صبيحة الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة بصحن السلام وحمل
الى الترب ومعه الوزير وارباب الدولة الا انهم كانوا جلوسا
336 - يوسف المستنجد بالله
ابن المقتفي لأمر الله توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الآخر من سنة ست وستين
وخمسمائة وحضرت الصلاة يوم الاحد قبل الظهر في التاج ودفن في الدار وبلغ من العمر
ثمانيا واربعين سنة وكانت ولايته احد عشر سنة وشهرا
سنة
ثم دخلت سنة سبع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في المحرم اعطى ابو منصور ابن المعلم مدرسة السلطان محمود
التي كان فيها اليزدي واستناب فيها ابا الفتح ابن الزنى وحضر جماعة من الفقهاء
فافتتح التدريس بأن قال قالت طائفة من الاصوليين بأن الله ليس بموجود فنفر
الحاضرون من هذا وذكر مسألة من الفروع خلافية للشافعي فلم يذكر
الشافعي
فوصل الخبر الى الوزير فاحضره وامر بأن يحضر بوقة السواد وحمار ليشهر في البلد
وقال ما وجدت في العلوم الا هذا فسأل فيه ابن المعلم فأفرج عنه
ووصل يوم السبت ثاني عشرين المحرم ابن ابي عصرون رسولا يبشر بأن الخليفة خطب له
بمصر وضرب السكة باسمه وعلقت اسواق بغداد وعملت القباب وخلع على الرسول وانكمد
الروافض وكانت مصر يخطب لهم بها الى هذا الاوان فكان مدة مملكة بني عبيد لها
وانقطاع خطبة خطبة بني العباس الى ان اعيدت مائتي سنة وثماني سنين قال المصنفوقد
صنفت كتابا في هذا النصر على مصر وعرضته على الامام المستضيء بأمر الله امير
المؤمنين
وفي ربيع الاول خرج الخادم صندل ومعه القاضي الدمشقي صحبة ابن ابي عصرون برسالة
الى نور الدين بالشام
وفي هذه الايام فتح قيماز بابا من داره التي بدار الخليفة الى السوق مما يلي
دكاكين الاساكفة ونصب عليه بابا من حديد فأنكر ابو بكر ابن العطار صاحب المخزن ذلك
وحسن للخليفة التقدم بسده فتقدم بذلك
وفي يوم الجمعة منتصف جمادى الاولى جعل للشيخ ابي الفتح ابن المنى حلقة في الجامع
فجلس فيها ولم يبن فيها دكة
وفي صبيحة الثلاثاء العشرين من جمادى الاولى اصبحت الدنيا شديدة البرد وسقط الوفر
على الناس نهارا الى وقت الظهر الا انه كان خفيفا
وفي يوم الاربعاء غرة رمضان تكلمت في مجلسي بالحلبة فتاب على يدي نحو من مائتي رجل
وقطعت شعور مائة وعشرين منهم وقدم في هذه الايام محمد الطوسي الواعظ وفي رأسه حلق
مشدودة وطوق وحواليه جماعة بسيوف فمضى الى الوزير فأنكر عليه ذلك ومنع من حمل
السلاح معه
وفي يوم الاحد عاشر شوال دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من
الخليفة يذكر انه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل ازاره وقيامه من مسنده ففعل
ذلك وقبض على ولده استاذ الدار وافرج عن سعد
الشرابي
وأعيد عليه ما كان أخذ منه وفي صبيحة الثلاثاء نهبت دار الوزير ودار ولده فأخذ
منها الكثير وفي ثاني عشر شوال استنيب صاحب المخزن ابن جعفر في الوزارة
وفي سابع عشر شوال وقع حريق عظيم في السوق الجديد من درب حديد الى قريب من عقد
الجديد احترقت فيه الدكاكين من الجانبين
وفيه فوض الى ابن المعلم مدارس الحنفية يرتب فيها من يشاء
وفي سادس عشرين دي الحجة وصلت رسل ملك البحرين وكيش بهدايا فيها الواح صندل وآبنوس
وطيب وناب فيل
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
337 - عبد الله بن احمد
ابن احمد بن احمد ابو محمد الخشاب قرأ القرآن وسمع الحديث الكثير وقرأ منه مالا
يحصى وقرأ النحو واللغة وانتهى علمها اليه ومرض في شعبان هذه السنة نحو عشرين يوما
فدخلت عليه في مرضه وقد يئس من نفسه فقال لي عند الله أحتسب نفسي وتوفي يوم الجمعة
ثالث رمضان وصلى عليه بباب جامع المنصور يوم السبت ودفن بمقبرة احمد قريبا من بشر
وحدثني عبد الله الحياني العبد الصالح قال رأيته في النوم بعد موته بايام ووجهه
منير مضيء فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي قلت وادخلك الجنة قال وادخلني الجنة الا
انه اعرض عني
قلت
اعرض عنك قال نعم وعن جماعة من العلماء تركوا العمل
338 - محمد بن محمد
ابن محمد ابو المظفر البروي تفقه على محمد بن يحيى وناظر ووعظ وقدم بغداد فجلس
للوعظ في اول ولاية المستضيء واظهر مذهب الأشعري وتعصب على الحنابلة وبالغ فأخذه
قيام الدم في رمضان هذه السنة في يوم وتوفي ودفن في تربة ابي اسحاق الشيرازي
339 - ناصر الخويي
كان متصوفا مقامه بمحلة التوثة ثم انتقل فأقام بجامع المنصور وكان يمشي في طلب الحديث
حافيا وتوفي فصلى عليه بجامع المنصور ودفن في التوثة
سنة
ثم دخلت سنة ثمان وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها اني عقدت المجلس يوم عاشوراء بجامع المنصور فحضر من الجمع ما حزر
بمائة الف
وفي صفر جرت حادثة عجيبة وهو أن خادما سلم الى غلام له مائة وخمسين دينارا ومضى
الى الحمام فأخذ الغلام المال وانحدر في الحال الى النعمانية فلما
خرج
الخادم لم ير الغلام فأخذ معه غلاما تركيا من أصحاب قيماز وانحدر فوجد الغلام
فأخذه وأخذ الغلام وقيده وتركه معه في السفينة ليصعد به الى بغداد ثم ان الخادم
نام فسأل الغلام التركي ان يحل يديه من القيد لما يلقى من الالم فحله التركي فزحف
وقتل الخادم وغلاما كان معه فنهض اليه التركي فقتله ثم جاء بالمال فتسلمه أصحاب
التركات
وفي هذا الشهر قدمت خرق البحر مع المكيين كما جرت العادة
وفي هذه الايام زاد الارجاف بمجيء العسكر من باب همذان فغلت الاسعار وأخذ الخليفة
في التجنيد وعمارة السور وجمع الغلات وعرض العسكر
وفي هذه الايام شرع في ختان السادة وفرقت خلع كثيرة وعمل من المطاعم مالا يحد فذكر
انه ذبح ثلاثة آلاف دجاجة والف رأس من الغنم وعملت احدى وعشرون الف خشكنا نكة من
ستين كارة سميذا وشرع في عمارة دواليب على الشط قريبا من التاج فأحكمت
وفي ربيع الآخر درس ابن فضلان في المدرسة التي عملها فخر الدولة ابن المطلب عند
عقد المأمونية وبنيت له دكة في جامع القصر
وفي جمادى الاولى جاء برد لم يسمع بمثله وكان ذلك في كانون الاول حتى جمدت مياه
الابار واستمر ذلك الى نصف كانون الثاني
ومن الحوادث ان بعض الامراء سأل الخليفة ان يأذن لابي الخير القزويني في الوعظ
بباب بدر ليسمعه امير المؤمنين واراد أن يخص بهذا دون غيره فتكلم هناك يوم الخميس
غرة رجب فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب تقدم لي بالجلوس هناك واعطيت مالا
واخذ الناس اماكن من وقت الضحى للمجلس بعد العصر وكانت ثم دكاك فاكتريت حتى ان
الرجل كان يكتري موضع نفسه بقيراطين وثلاثة وكنت اتكلم اسبوعا والقزويني اسبوعا
الى آخر رمضان وجمعى عظيم وعنده عدد يسير ثم شاع أن امير المؤمنين لا يحضر الا
مجلسي
وزادت
دجلة في اوائل شعبان ثم تربى الماء فيها فلما كان يوم الاثنين عاشر شعبان عظمت
الزيادة فاسكرت المحال ووصل الماء الى قبر الامام احمد ودخل مدرسة ابي حنيفة ودب
من الحيطان الى النظامية والى رباط ابي سعد الصوفي واشغل الناس بالعمل في القورج
وتقدم من الديوان الى الوعاظ بالخروج مع العوام ليعمل الناس كلهم ثم من الله بنقص
الماء في مفتتح رمضان
ووقع الحريق من باب درب بهروز الى باب جامع القصر ومن الجانب الآخر من حجرة النخاس
الى دار الخليفة وتغير ماء دجلة باصفرار وثخن الماء فبقي على هذا مدة
وفي شعبان مرت ريح سوداء أظلمت الدنيا فتقدم الي بالجلوس بباب بدر يوم عرفة فحضر
الناس من وقت الضحى وكان الحر شديدا والناس صيام وكان من أعجب ما جرى ان حمالا حمل
على رأسه دار نوبة من قبل الظهر الى وقت العصر ظلل بها من الشمس عشرة أنفس فأعطوه
خمسة قراريط واشتريت مراوح كثيرة بضعفي ثمنها وصاح رجل يومئذ قد سرق الآن مني مائة
دينار في هذه الزحمة فوقع له امير المؤمنين بمائة دينار
وفي ذي الحجة عزل نقيب النقباء ابن الابقى وولي مكانه ابن الزوال
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
340 - احمد بن سالم
ابن احمد ابو العباس الشحمي قرأ القرآن وأقرأ وصنف كتابا في المتشابه كبيرا وسمع
من المزرفي وغيره وتوفي في محرم هذه السنة ودفن في مقبرة الفيل من باب الازج
341 - ابو المعالي الكتبي
كان فاضلا يقول الشعر المليح والنثر الجيد وله رسائل ومدائح وكان من الذكاء على
غاية وكان هو دلال بغداد في الكتب فاعترضه مرض فمات في صفر
هذه
السنة ودفن بمقبرة احمد
342 - ابو الفتح ابن الزنى
كان متفقها على مذهب ابي حنيفة وكان عاملا على ديوان المقاطعات فتوفي في غرة ذي
الحجة من هذه السنة ودفن بباب أبرز وكان له امرأة يهودية وابن اخ مسلم فكتب جميع
ماله لليهودية وترك ابن اخيه المسلم فاجتلب من الناس ذما كثيرا
343 - يزدن التركي
كان من كبار الامراء وتحكم في هذه الدولة وتجرد للتعصب في المذهب فانتشر بسببه
الرفض وتأذى اهل السنة فمرض أياما بقيام الدم وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ودفن
في داره بباب العامة ثم نقل الى مقابر قريش
سنة
ثم دخلت سنة تسع وستين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه وقع حريق بالظفرية في ليلة الاربعاء ثالث المحرم فاحترقت
مواضع كثيرة وما زالت النار تعمل الى الفجر
وفي يوم الجمعة جلست في جامع المنصور فحزر الجمع بمائة الف وتكلم يومئذ محمد
الطوسي في التاجية وكان فيما قال ان ابن الملجم لم يكفر بقتل علي عليه السلام فهاج
الناس عليه ورموه بالآجر وخرج من المجلس والاتراك يحفظونه فلما كان في يوم مجلسه
بالتاجية فرش له فاجتمع الناس في الصحراء متاهبين لرجمه وجاؤا بقوارير النفط فلم
يحضر ومزق فرشه قطعا وتقدم اليه ان لا يجلس ولا يخرج من رباطه وما زال اهل البلد
على حنق عليه ثم منع الوعاظ كلهم من الوعظ في يوم الاثنين حادي عشرين المحرم ثم
بعث الى النائب في الديوان فقال قد تقدم الى ان اتخيز ثلاثة انت ورجل من الشافعية
ورجل من الحنفية وذلك في سادس صفر فتكلمنا ثم اطلق الوعاظ واحدا بعد واحد
ورأينا
في هذه السنة الحر في تموز وآب ما لم نره في أعمارنا وكان الحاج حينئذ في سفر
الحجاز فاخبروا لما قدموا انهم كانوا يتأذون بالبرد وتغير الهواء ببغداد بدخول
ايلول فاصاب الناس نزلات وسعال فقل ان ترى احدا الا وبه ذلك وانما كان العادة ان
يصيب بعض الناسي وهذا كان عاما
وفي ربيع الاول وقعت صاعقة في نخلة بالجانب الغربي فاشتعلت النخلة
وسألني اهل الحربية ان اعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر
ربيع الاول فانقلبت بغداد وعبر اهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت
الى باب البصرة فدخلتها بعد المغرب فتلقاني اهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق
عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت اهل الحربية قد اقبلوا بشموع لا يمكن احصاؤها
فأضيفت الى شموع اهل باب البصرة فحزرت بالف شمعة فما رأيت البرية الا مملوأة ضوءا
وخرج اهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في
سوق الثلاثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو
قيل ان الذين خرجوا يطلبون المجلس وسعوا في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع
المجتمعين في المجلس كانوا ثلثمائة الف ما أبعد القائل
وفي بيع الاول وقع الامير ابو العباس ابن الخليفة من قبة عالية الى أرض التاج
وأوجب ذلك وهنا في البدن وسلمه الله سبحانه
وفي هذا الشهر ختن الوزير ابن رئيس الرؤساء اولاده وعمل الدعوة العظيمة وانفذ الى
اشياء كثيرة وقال هذا نصيبك لأني علمت انك لا تحضر في مكان يغنى فيه
وفي ربيع الآخر جرت مشاجرة بين الطوسي وبين نقيب النقباء فقال الطوسي انا نائب
النقابة وانا نائب الله في ارضه فاستخف به النقيب وقال انما نائب الله في ارضه
الامام صلوات الله عليه فرفع ذلك فأمر باخراجه من البلد فأخرج يوم الخميس رابع
عشرين ربيع الآخر فسئل فيه فأقام بالجانب الغربي مديدة ثم
سئل
فيه فدخل الحريم ثم سئل فيه فأعيد الى المجلس وكان المتعصب له ريحان الخادم
وفي جمادى الآخرة اعتقل المحيي الفقيه في الديوان اياما وكان قد سعى به انه يرى
رأي الدهرية ولا يصلي ولا يصوم وتعصب له قوم فتركوه فأخرج
وفي رجب وصل ابن الهروي رسولا من نور الدين بتحف كثيرة وفيها ثياب من ثياب
المصريين وحمار مخطط كأن جلده الثوب العتابي
وفي يوم الاربعاء تاسع عشرين رجب عزل ابن الشاشي من التدريس بالنظامية وولى مكانه
ابو الخير القزويني
وورد بغداد في شعبان هذه السنة بأن ابن اخي شملة التركماني ويعرف بابن سنكا قد
استحدث قلعة في ولاية باذرايا بقرب من قلعة الماهكي ليتخذها ذريعة الى الاغارة على
البلاد ونقل اليها الميرة فبعث السلطان اليه الجيوش فالتقوا فحمل بنفسه عليهم فطحن
الميمنة فتقدم قيماز العميدي الى الامراء فحثهم على خوض الماء وكان قد فتح البثوق
يحتج بها فخاض قيماز ومعه جماعة فغرقوا ثم اقتتلوا وأسر ابن سنكا ثم قتل وجيء
برأسه فعلق بباب النوبي وهدمت القلعة ثم جاء رسول شملة ومعه حمل يبذل الطاعة
ويعتذر مما جرى فلم يلتفت اليه
وفي غرة رمضان زادت دجلة زيادة كثيرة ثم تفاقم الامر في سابع رمضان وجاء مطر كثير
في ليلة الجمعة ثامن رمضان ووقع في قرى حول الحظيرة وفي الحظيرة بردمارأ وامثله
فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملة من المواشي وحدثني بعض الثقات انهم وزنوا
بردة فكان فيها سبعة ارطال قال وكانت عامته كالنارنج يكسر الاغصان وساخت الدور ثم
زاد الماء في يوم الاحد عاشر رمضان فزاد على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بذراع وكسر
وخرج الناس وضربوا الخيم على تلال الصحراء ونقلوا رحالهم الى دار الخليفة ومنهم من
عبر وتقدم بالعوام يخرجوا بالوعاظ الى القورج ليعملوا فيه فخرجنا وقد انفتح موضع
فوق القورج بقرية يقال لها الزورتقية وجاء الماء من قبله فتداركه
الناس فسدوه وبات عليهم الجند وتولى العمل الامير قيماز بنفسه وحده ثم انفتح يومئذ بعد العصر فتحة من جانب دار السلطان وساح الماء فملأ الجواد ثم سد بعد جهد وبات الناس على اليأس يضجون بالبكاء والدعاء ثم نص الماء نحو ذراعين فسكن الناس وغلا السعر في تلك الايام فبيع الشوك كل باقة بحبة والخبز الخشكار كل خمسة ارطال بقيراط ودخل نزيز الماء من الحيطان فملأ النظامية والتتشية ومدرسة أبي النجيب وقيصر وجميع الشاطئات ثم وصل النزيز الى رباط ابي سعد الصوفي فهدمت فيه مواضع والى درب السلسلة ومن هذه المواضع ما وقع جميعه ومنه ما تضعضع وكثر نزيز الماء في دار الخلافة وامتلأت السراديب فكان الخليفة يخرج من باب الفردوس الى ناحية الديوان فيمضي الى الجامع ونبع الماء من البدرية فهلكت كلها وغلقت ابوابها ونبع في دار البساسيري ودرب الشعير من البلاليع وانهدمت دور كثيرة حتى انه نفذ الى المواضع البعيدة فوقعت آدرفي المأمونية وصعد الماء الى الحريم الطاهري بالجانب الغربي فوقعت دوره ودخل الماء الى المارستان وعلا فيه ورمى عدة شبابيك من شبابيكه الحديد فكانت السفن تدخل من الشبابيك الى ارض المارستان ولم يبق فيه من يقوم بمصلحته الا المشرف على الحوائج فحكى انه جمع اقطاعا من الساج فشدها كالطوق وترك عليها ما يحتاج من الطعام والشراب حتى الزيت والمقدحة ورقي المرض الى السطح وبعث بالممرورين الى سقاية الراضي بجامع المنصور وامتلأت مقبرة احمد كلها ولم يسلم منها الا موضع قبر بشر الحافي لأنه على نشز وكان من يرى مقبرة احمد بعد ايام يدهش كأن القبور قد قلبت وجمع الماء كالتل العظيم من العظام وكالتل من الواح القبور واسكرت الحربية والمشهد ووقع اكثر سور المشهد ونبع من داخله الماء فرمى الدور والترب ووقعت آدر بالحربية من النزيز وامتلأ الماء من دجلة الى سور دار القز وكان الناس ينزلون في السفن من شارع دار الدقيق ومن الحربية ومن درب الشعير وامتلأت مقبرة باب الشام ووقع المشهد الذي على باب النصرية ووصل الماء من الصراة
الى
باب الكرخ وكان الناس قد وطئوا التلال العالية وهلكت قرى كثيرة ومزارع لا تحصى
وخرجت يوم الجمعة خامس عشرين رمضان الى خارج السور فاذا قد نصب لخطيب جامع السلطان
منبر في سوق الدواب يصلى بالناس هناك لامتلاء جامع السلطان بالماء وجاء يوم الخميس
حادي عشرين رمضان بعد الظهر برد كبار ودام زمانا كسر اشياء كثيرة وتوالت الامطار
في رمضان والرعود والبروق
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين رمضان جعل مسجد التوثة جامعا وأذن في صلاة الجمعة فيه
فأقيمت فيه يومئذ ثم عاد الماء في يوم السبت ثالث عشرين رمضان الى الزيادة الاولى
على غفلة ثم زاد عليها وجاء يومئذ مطر عظيم وانفتح القورج والفتحة التي في اصل دار
السلطان وغلب الماء فامتلأت الصحراء وضرب الى باب السور وضربوا الخيم على التلال
العالية كتل الزبابية وتل الجعفرية وقعد الناس ينتظرون دخول الماء الى البلد وعم
الماء السبتي والخيزرانية واسكر اهل ابي حنيفة فجاءهم الماء من خلف المحلة فنجوا
باطفالهم وعم المحلة وجامع المهدي فوقعت فيه اذرع ونبع الماء من دار الخليفة من مواضع
وهدم فيها دور كثيرة وملأ السراديب وانتقل جماعة من الخدم الى دور في الحريم
وامتلأت الصحاري وعبر خلق كثير الى الكرخ وتقطر السور وانفتحت فيه فتحات وكان
الناس يعالجون الفتحة فاذا سدوها انفتحت اخرى وكثر الضجيج والدعاء والابتهال الى
الله سبحانه وغلا الخبز وفقد الشوك واخذ اصحاب السلطان يقاوون القورج ويجتهدون في
سده واقاموا القنا وفي اسافله الحديد في الماء ونقلوا حطبا زائدا عن الحد والماء
يغلبهم الى ان سده سكار حاذق في سابع شوال واسكر جانب السور لئلا يتمقطر واقام
الماء خلف السور نحوا من شهر ونصب على الخندق الذي خلف السور جسر يعبر الناس عليه
من القرى الى بغداد
وجاءت
في هذه الايام اكلاك من الموصل فتاهت في الماء حتى بيع ما عليها ببعقوبا بثمن طفيف
واخبر اهلها بما تهدم من المنازل بالأمطار في الموصل وقالوا اتصلت عندنا الامطار
اربعة اشهر فهدمت نحو الفي دار وكانوا يهدمون الدار اذا خيف وقوعها فهدموا اكثر
مما هدم المطر وكانت الدار تقع على ساكنيها فيهلك الكل ثم زادت الفرات زيادة كثيرة
وفاضت على سكر عندها يقال له سكر قنين وجاء الماء فأهلك من القرى والمزارع الكثير
ثم جاء الى الجانب الغربي من نهر عيسى والصراة واسكر اهل دار القز واهل العتابيين
وباب البصرة والكرخ وباتوا مدة على التلال يحفظون المحال وقد انبسط الماء فراسخ
ومر خلف المحال فقلب في الخندق والصراة ونهر عيسى ورمى قطعة من قنطرة باب البصرة
ومن العجائب ان هذا الماء على هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارعه بالعطش ووقع الموتان
في الغنم وكان ما يؤتى به سليما يكون مطعونا حتى بيع الحمل بقيراط ومرض الناس من
اكلها ثم غلت الفواكه فبيع كل منا من التفاح بنصف دانق وكذلك الكمثرى والخوخ حتى
غلا الطين الذي يؤخذ من المقالع وبلغ الآجر كل الف بثلاثة دنانير ونصف
وتوفي في هذه السنة محمود بن زنكي فتجدد بعد موته اختلاف بحلب بين السنة والشيعة
فقتل من الطائفتين خلق ونهب ظاهر البلد فذهب خمسة آلاف خركاه وبيت من التركمان
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
344 - احمد بن علي
ابن المعمر بن محمد بن عبيد الله ابو عبد الله الحسيني نقيب العلويين وكان يلقب
بالطاهر سمع الحديث الكثير وقرئ عليه وكان حسن الاخلاق جميل المعاشرة يتبرأ من
الرافضة توفي ليلة الخميس العشرين من جمادى الآخرة ودفن بداره من الحريم الطاهري
مدة ثم نقل الى مشهد الصبيان بالمدائن ولما توفي ولي مكانه ولده
345
- الحسن بن احمد
ابن الحسن بن احمد بن محمد العطاء ابو العلاء الهمذاني سافر الكثير في طلب العلم
وقرأ القرآن واللغة وقدم بغداد فاكثر من السماع وحصل الكتب الكثيرة وعاد الى بلده
همذان فاستوطنها وكان له بها القبول والمكانة وصنف وكان حافظا متقنا مرضي الطريقة
سخيا وانتهت اليه القراآت والتحديث وتوفي ليلة الخميس عاشر جمادى الآخرة من هذه
السنة وقد جاوز الثمانين بأربعة اشهر وايام قال المصنف وبلغني انه رئي في المنام
في مدينة جميع جدرانها من الكتب وحوله كتب لا تحد وهو مشتغل بمطالعتها فقيل له ما
هذه الكتب قال سالت الله ان يشغلني بما كنت اشتغل به في الدنيا فأعطاني ورأى له
شخص آخر ان يدين خرجتا من محراب مسجد فقال ما هذه اليدان فقيل هذه يدا آدم بسطها
ليعانق ابا العلاء الحافظ قال واذا بأبي العلاء قد اقبل قال فسلمت عليه فرد علي
السلام وقال يا فلان رأيت ابني احمد حين قام على قبري يلقنني أما سمعت صوتي حين
صحت على الملكين فما قدرا ان يقولا شيئا فرجعا
346 - رستم بن شرهيك
ابو القاسم الواعظ سمع الحديث وتعلم الوعظ من شيخنا ابي الحسن الزاغوني وأقام
بشارع رزق الله وكان يعظ بجامع بهليقا توفي يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الاول من
هذه السنة عن ستين سنة تقريبا ودفن بباب حرب
347 - ابن الاهوازي
خازن دار الكتب بمشهد ابي حنيفة توفي في ربيع الاول جاء من محلته الى البلد فاتكأ
على دكة فمات وكذلك مات اخوه وابوهما فجاءة
348 - محمود بن زنكي
ابن آق سنقر الملقب نور الدين ولي الشام سنين وجاهد الثغور وانتزع من
ايدي
الكفار نيفا وخمسين مدينة وحصن منها الرها وبني مارستانا في الشام انفق عليه مالا
وبنى بالموصل جامعا غرم عليه ستين الف دينار وكان سيرته اصلح من كثير من الولاة
والطرق في ايامه آمنة والمحامد له كثيرة وكان يتدين بطاعة الخلافة وترك المكوس قبل
موته وبعث جنودا افتتحوا مصر وكان يميل الى التواضع ومحبة العلماء واهل الدين
وكاتبني مرارا واحلف الامراء على طاعة ولده بعده وعاهد ملك الافرنج صاحب طرابلس
وقد كان في قبضته اسيرا على ان يطلقه بثلثمائة الف دينار وخمسين ومائة حصان
وخمسمائة زردية ومثلها تراس افرنجية ومثلها قنطوريات وخمسمائة اسير من المسلمين
وانه لا يعبر على بلاد الاسلام سبع سنين وسبعة اشهر وسبعة ايام وأخذ منه في قبضته
على الوفاء بذلك مائة من اولاد كبراء الافرنج وبطارقتهم فان نكث اراق دماءهم وعزم
على فتح بيت المقدس فوافته المنية في شوال هذه السنة وكانت ولايته ثمانية وعشرين
سنة واشهرا
349 - يحيى بن نجاح المؤدب
سمع الحديث الكثير وقرأ النحو واللغة وكان غزير الفضل يقول الشعر الحسن توفي في
اواخر هذه السنة
سنة
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في يوم الجمعة غرة المحرم ركب الخليفة من داره الى الجامع
فخرج من باب الفردوس ودخل الديوان راكبا ونزل عند باب المجاز الذي ينفذ الى الطريق
وركب من هناك ودخل المقصورة لصلاة الجمعة وسبب ذلك ان طريقه في السراديب انسدت من
زمان الغرق بالماء والتراب
وجرت خصومات بين اهل باب البصرة واهل الكرخ قتل فيها جماعة واتصلت واصلح بينهم من
الديوان ثم عادوا الى الخصام فتولى الأمر سليمان بن
شاووش
فخافوا سطوته وكفوا
وفي يوم الاحد ثالث المحرم ابتدأت بالقاء الدرس في مدرستي بدرب دينار فذكرت يومئذ
اربعة عشر درسا من فنون العلوم
وفي سابع عشر المحرم أخذ رجل قد خنق صبيا بسبب حليقات كانت في أذنه ونصفية بياض
وكان الرجل خياطا من الجانب الغربي وان والد الصبي كان غائبا فلما حضر ضرب عنق هذا
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين المحرم نصب جسر جديد أمرت بعمله جهة من جهات المستضيء
بأمر الله تلقب بنفشة وكتبت اسمها على حديدة في سلسلة وجعل تحت الرقة مكان الجسر
العتيق وحمل الجسر العتيق الى نهر عيسى فبقي تحت الرقة الى ان حول في هذه الايام
نحوا من خمسين سنة فوجد الناس له راحة عظيمة بوجود جسرين
وفي يوم الاحد ثالث عشر ربيع الاول اعيد ابو الحسن بن احمد الدامغاني الى قضاء
القضاة بعد ان بقي مصروفا خمس عشرة سنة وكان قد تولى مكانه لما عزل ابو جعفر ابن
الثقفي فمات فولى جعفر ولد ابن الثقفي قضاء القضاة فمات فولى روح بن الحديثي قضاء
القضاة فمات وارجف لولد ابن الحديثي بذلك فلم يمض شهر حتى مات فاعيد ابن الدامغاني
وقبض على صاحب الديوان ابن البخاري و وكل به في المخزن ورفعت اليه اشياء ثم نقل
الى الديوان موكلا به مديدة ثم اطلق
وفي هذه الايام انتدب رجل يأخذ الطرزدانات من الدكاكين ويهرب ثم وقعوا به فأظهر ما
كان يأخذ
وكسفت الشمس وقت طلوعها يوم الثلاثاء ثامن عشرين ربيع الآخر فبقيت كذلك الى ضحوة
عالية
وفي ليلة السبت عاشر جمادى الاولى وقع في البلد انزعاج شديد من وقت العتمة ولبس
العسكر السلاح ولم يدر ما السبب ثم اصبحت الناس على ذلك الانزعاج
ولم
يفتح باب النوبي ولا باب العامة وزاد الانزعاج وركوب العسكر وجعلت الظنون ترجم وكل
قوم يرجفون بشيء وبقي البابان مغلوقين طول النهار وكان يفتح بعض جانب باب النوبي
فيدخل من يريدون ثم يغلق فانكشف الامر الى آخر النهار وهو أن الامر وقع الى استاذ
الدار صندل اذا كان في غد فاحضر ابن المظفر وغير ثيابه ومره بالعقود في الديوان
فبلغ هذا الخبر قيماز فغضب من ذلك وأغلق باب النوبي وباب العامة وقال لا أقيم
ببغداد حتى يخرج منها هو واولاده وان هذا عدوى ومتى عاد الى الوزارة قتلني فقيل
للوزير ابن المظفر تخرج من البلد فقال لا افعل فلما شدد عليه وخيف من فتنة قال انا
اعلم اني اذا خرجت قتلت فاقتلوني في بيتي فتلطفوا به وقالوا لا بد من هذا فسأل بان
يفتح الجامع ويحضر فخر الدولة بن المطلب وشيخ الشيوخ وان يحلف له قيماز انه لا
يؤذيه ولا يتتبعه اذا خرج ولا يواطئ على اذاه ففعل ذلك واصبح باب النوبي وباب
العامة مغلوقين ثم فتحا ولم يترك احد يدخل ويخرج الا أن يعرف فكان العسكر تحت
السلاح والمحال تحفظ فلما كانت ليلة الاثنين اخرج الوزير ابن رئيس الرؤساء واولاده
راكبين بعد العتمة الى رباط ابي سعد الصوفي فباتوا ثم ومعهم جماعة موكلون بهم
وحرست السطوح واغلق الباب وكان لا يفتح بالنهار الا لمهم واصبح الناس قد سكنوا
ودخل قيماز الى الخليفة معتذرا مما فعل من غلق الابواب وغير ذلك وهو منزعج خائف
فقيل انه لم يذكر له في ذلك شيء فخرج طيب النفس وأصر قيماز على انه لا بد من خروج
الوزير واهله من بغداد فما زالت الرسل تتردد في ذلك الى ان استقر الامر أنهم
يعبرون الى الجانب الغربي
وفي يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى انتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر
فاني كنت اذكر في كل مجلس منه آيات من اول الختمة على الترتيب الى ان تم فسجدت على
المنبر سجدة الشكر وقلت ما عرفت ان واعظا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل
القرآن فالحمد لله المنعم ثم ابتدأت يومئذ في اول
ختمة
وانا افسرها على الترتيب والله قادر على الانعام بالاتمام والزيادة من فضله
وفي بكرة يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الاولى خرج الوزير ابن رئيس الرؤساء
واولاده من رباط ابي سعد الصوفي فعبروا على الجسر ونزلوا بدار النقيب الطاهر
بالحريم على شاطئ دجلة بالجانب الغربي واحترزوا هنالك بالسلاح ثم اعيدوا في آخر
يوم الخميس سابع جمادى الآخرة الى بيوتهم جاؤا على الخيل الى تحت الرقة ونزلوا في
السفن ودخلوا من باب البشرى فخرجوا الى منازلهم
وفي جمادى الآخرة توفي السامري المحتسب وولى مكانه ابن الرطبي
وفي اول يوم من رجب حضر ارباب الدولة للهناء بباب الحجرة ثم انصرفوا الى الدار
الجديدة التي عمرها المستضيء مقابلة المخزن وحضر العلماء والمتصوفة والقراء
واستدعيت مع القوم فقرأ واختمة واكلوا طعاما وانصرف قاضي القضاة في جماعة من
الاكابر وانصرفت معه وبقي المتصوفة فباتوا على سماع وخلعت على الكل خلع وفرق عليهم
مال
وتقدم الي بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر فتكلمت يوم الخميس بعد العصر خامس رجب
وحضر امير المؤمنين واخذ الناس اماكنهم من بعد صلاة الفجر واكتريت دكاكين فكان
مكان كل رجل بقيراط حتى انه اكترى دكان لثمانية عشر بثمانية عشر قيراطا ثم جاء رجل
فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم وك الناس يقفون يوم مجلسي من باب بدر الى باب العيد
كأنه العيد ينظر بعضهم الى بعض وينتظرون قطع المجلس
وفي يوم الخميس خامس وعشرين شعبان سلمت الي المدرسة التي كانت دارا لنظام الدين
ابي نصر بن جهير وكانت قد وصلت ملكيتها الى الجهة المسماة بنقشة فجعلتها مدرسة
وسلمتها الى ابي جعفر ابن الصباغ فبقي المفتاح معه اياما ثم استعادت منه المفتاح
وسلمته الى من غير طلب كان مني وكتب في كتاب
الوقف
انها وقف على اصحاب احمد وتقدم الي يوم الخميس المذكور بذكر الدرس فيها فحضر قاضي
القضاة وحاجب الباب وفقهاء بغداد وخلعت علي خلعة وخرج الدعاة بين يدي والخدم ووقف
اهل بغداد من باب النوبي الى باب المدرسة كما يكون في العيد واكثر وكان على باب
المدرسة الوف والزحام على الباب فلما جلست لالقاء الدرس عرض كتاب الوقف على قاضي
القضاة وهو حاضر مع الجماعة فقرئ عليهم وحكم به وانفذه وذكرت بعد ذلك الدرس فألقيت
يومئذ دروس كثيرة من الاصول والفروع وكان يوما مشهودا لم ير مثله ودخل على قلوب
اهل المذهب غم عظيم
وتقدم ببناء دكة لنا في جامع القصر في آخر شعبان فانزعج لهذا جماعة من الاكابر
وقالوا ما جرت عادة للحنابلة بدكة فبنيت وجلست فيها يوم الجمعة ثالث رمضان ودل بعض
فقهاء ابي حنيفة في الافطار بالأكل واعترضت عليه يومئذ وازدحم العوام حتى امتلأ
صحن الجامع ولم يمكن للأكثرين وصول الينا وحفظ الناس بالرجالة خوفا من فتنة وما
زال الزحام على حلقتنا كل جمعة وكانت ختمتنا في المدرسة ليلة سبع وعشرين فعلق فيها
من الاضواء مالا يحصى واجتمع من الناس ألوف كثيرة وكانت ليلة مشهودة ثم عقدت
المجلس يوم الاربعاء سابع شوال تحت المدرسة فاجتمع الناس من الليل وباتوا وحزرا
الجمع يومئذ بخمسين ألفا وكان يوما مشهودا
وكانت تتامش الامير قد بعث الى بلد الغراف من نهبهم وآذاهم حتى بلغني ان قوما منهم
قتلوا وقوما غرقوا فجاء منهم جماعة فاستغاثوا بجامع القصر في شوال ومنعوا الخطيب
وفاتت الصلاة اكثر الناس وانكر امير المؤمنين ما جرى وان تتامش وزوج اخته قيماز لم
يحفلا بالانكار واصروا على الخلاف وجرت بينهما وبين ابن العطار منا بذات ثم بعث
امير المؤمنين مختار الخادم فأصلح بينهم فلما
كان
الغد أظهر الخلاف واصرا عليه وضربوا النار في دار ابن العطار ثم في يوم الاربعاء
خامس ذي القعدة جاؤا وطلبوه فنجا وبعث الى قيماز ليحضر فأبى وبارز بالعناد وكان قد
حالف الامراء على موافقته فبان قبح المضمر فصيح في العوام للخصومة وضربت ناحية
قيماز بقوارير النفط فنقب حائطا من داره الى درب بهروز وخرج من البلد ضاحي نهار
ومعه تتامش ابن حماه وعدد يسير من الامراء ودخل العوام الى دار قيماز ودور الامراء
الذين هربوا معه فنهبوها وأخذوا اموالا زائدة عن الحد واحرقوا من الدور مواضع
كثيرة وبقي الخارجون من البلد في الذل والجوع وقصدوا حلة ابن مزيد ثم خرجوا عنها
فطلبوا الشام وقد تفلل جمعهم وبقي معهم عدد يسير ثم جعل حاجب الباب ابن الوكيل
صاحب الديوان
وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي القعدة خلع على الوزير ابن رئيس الرؤساء وأعيد الى
الوزارة وجلس في الديوان ثم خلعت عليه خلع الوزارة واحضرنا للاستفتاء في حق قيماز
وما يجب عليه من مخالفته امير المؤمنين فكتب الفقهاء كلهم انه ما رق ثم جاء الجبر
يوم الجمعة سابع عشرين ذي الحجة بأن قيماز توفي ودفن وان اكثر اصحابه مرضى فأعيد
سعد الشرابي الى شغله وسلمت خزانة الشراب اليه
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
350 - حامد بن حامد
ابو الفضل الحراني صديقنا قدم بغداد وتفقه وناظر وعاد الى حران فأفتى ودرس
وكان
ورعا به وسوسة في الطهارة وروى عن شيخنا عبد الوهاب وتوفي بحران في هذه السنة
351 - روح بن احمد
ابو طالب الحديثي قاضي القضاة توفي يوم الاثنين عشر المحرم ودفن يومئذ بقراح ظفر
وكان ولده عبد الملك في الحج فبلغته وفاته وهو بالكوفة فلما دخل بغداد مرض اياما
ومات وكان ينبز بالرفض
352 - شملة التركماني
كان قد تغلب على بلاد فارس واستجد بها قلاعا ينهب الأكراد والتركمان ثم يأوي اليها
وقوي على السلجوقية وكان يظهر الطاعة للامام مكرا منه وتم له ذلك زيادة على عشرين
سنة ثم انه نهض الى قتال بعض التركمان فعلموا بذلك فاستعانوا بالبهلوان فساعدهم
بجنود فاقتتلوا فأصاب شملة سهم ثم أخذ أسيرا وولده وابن أخته وتوفي بعد يومين
353 - عبد الله بن عبد الصمد
ابن عبد الرزاق ابو محمد الدهان سمع الحديث ورواه وكان شيخا صالحا ففلج قبل موته
وتوفي يوم الجمعة ودفن بمقبرة احمد
354 - قيماز بن عبد الله
كان مملوكا للمستنجد بالله وارتفع امره وعلا كثيرا فلما ولى المستضيء بأمر الله
بعد
موت المستنجد زاد أمره وصار مقدما على الكل وكانت الجنود كلها تحت أمره وانبسط
كثيرا حتى ان المستضيء اراد تولية وزير فمنع من ذلك وأغلق باب النوبي يومين وقيل
انه نوى نية ردية وقد اشرنا الى حاله في حوادث هذه السنة الى ان خرج من بغداد
هاربا فتوفي بناحية الموصل وغسل في سقاية ووصل خبره في ذي القعدة
355 - يحيى بن جعفر
ابو الفضل كان صاحب مخزن المقتفي فأقره على ذلك المستنجد ولم يغير عليه المستضيء
ثم استنابه في الديوان اذ خلا عن وزير فتقلب في هذه الاحوال عشرين سنة كان يحفظ
القرآن وسمع الحديث وحج حجات كثيرة توفي يوم السبت تاسع عشر ربيع الاول من هذه
السنة وصلى عليه يوم الاحد بجامع القصر ودفن عند أبيه في الحربية وخلف ولدين
نجيبين فبلغ كل واحد منهما نحو ثلاثين سنة من العمر وتهيأ للولايات فمات الاكبر ثم
تبعه اخوه بعد قليل ودفنا عند ابيهما
سنة
ثم دخلت سنة احدى وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالجلوس تحت المنظرة الشريفة بباب بدر فتكلمت بكرة
الخميس ثالث المحرم والخليفة حاضر وكان يوما مشهودا ثم تقدم الي بالجلوس هنالك يوم
عاشوراء فأقبل الناس الى المجلس من نصف الليل وكان الزحام شديدا زائدا على الحد
ووقف من الناس على الطرقات مالا يحصى وحضر امير المؤمنين وفقه الله
وفي صفر قبض على استاذ الدار صندل وعلى خادمين معه وحبسوا وارجف الناس انهم كانوا
قد تحالفوا على سوء ثم ضيق بعد ذلك على الامير ابي العباس ولد امير المؤمنين
المستضيء بامر الله وولي ابن الصاحب حاجب الباب مكان استاذ الدار وولي ابن الناقد
حجبة الباب
وبنى
كشك في البلد لامير المؤمنين ناحية جامع السلطان وجاء في ليلة الاحد ثامن ربيع
الآخر مطر عظيم برعد شديد ووقعت صاعقة في دار الخلافة وراء التاج واحرقت ما حولها
فأصبحوا فأخرجوا اهل الحبوس واكثروا الصدقات وكانت ابنتي رابعة قد خطبت فسأل الزوج
ان يكون العقد بباب الحجرة وحضر قاضي القضاة ونقيب النقباء وجماعة من الشهود
والخدم والاكابر فزوجت ابنتي بأبي الفتح ابن الرشيد الطبري وتزوج حينئذ ولدي ابو
القاسم بابنة الوزير يحيى بن هبيرة وكان الخاطب ابن المهتدي
وتقدم الي بالجلوس ليلة رجل تحت المنظرة فاجتمع الناس فجاء مطر فمنع الحضور فتقدم
بالجلوس في اليوم الثاني فتكلمت وامير المؤمنين حاضر وامرنا بالبكور الى دعوة امير
المؤمنين فحضرنا بكرة السبت وحضر الوزير ابن رئيس الرؤساء وارباب الدولة والعلماء
والمتصوفة فأكلوا وانشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها امير المؤمنين وخرج قاضي القضاة
وارباب الدولة بعد الأكل وخرجت معهم وبات الباقون مع المتصوفة على سماع الانشاد
وفرق على الجماعة مال وخلع وكان هذا رسمهم في كل رجب وكانت العادة ان لا يدخل احد
الدار بطيلسان ولا طرحة أحتراما لأمير المؤمنين سوى قاضي القضله فأنه كان يجعل
طرحته طيلسانا وكنت اذا تكلمت بباب بدر اصعد المنبر فاذا جلست رفعت الطرحة فوضعتها
الى جانبي فاذا فرغ المجلس اعدتها
وفي يوم الجمعة تاسع رجب استدعانا صاحب المخزن للمناظرة فحضر فقهاء بغداد
ولم
يتخلف الا النادر ودل ابو الخير القزويني في مسألة زكاة الحلي واعترضت عليه ثم
جرينا على العادة في الجلوس بباب بدر ليلة الجمعة فأسبوع لي واسبوع للقزويني وكان
الزحام عندي اكثر وبعث الي بعض الامراء من اقارب امير المؤمنين فقال والله ما احضر
انا ولا امير المؤمنين غير مجلسك وانما تلمحنا مجلس غيرك يوما وبعض يوم آخر
وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان حملت الي طريفة قد بعثت الى امير المؤمنين من قرية
قريبة من بغداد يقال لها الوقت وهي بقرتان قد ولدتا برأسين ورقبتين واربع ايدي
وبطن واحد وفرج ذكر وفرج انثى الا ان كل واحدة رجلا وقيل ان هذه ولدت حية ثم ماتت
وفي رمضان كتب على حائط المدرسة التي وقفتها الجهة وسلمتها الي بخط القطاع في
الآجر وقفت هذه المدرسة الميمونة الجهة المعظمة الشريفة الرحيمة بدار الرواشني في
ايام سيدنا ومولانا الامام المستضيء بأمر الله امير المؤمنين على اصحاب الامام
احمد بن حنبل وفوضت التدريس بها الى ناصر السنة ابي الفتح ابن الجوزي وما زالت
المجالس تحت المنظرة بباب بدر الى آخر رمضان وكان في آخر رمضان قبل مجلسنا هناك
بيوم قد انزعج البلد ولبس السلاح فاختلفت الاراجيف فانقشع الامر ان امير المؤمنين
اصابته صفراء من الصوم فتكلمت تحت المنظرة فسكن البلد فحدثني من يلوذ بخدمة امير
المؤمنين قال حضر يومئذ الامام عندك المجلس متحاملا ولولا شدة حبه لك لما حضر لما كان
اعتراه من الالم وحدثني صاحب المخزن قال كتبت الى امير المؤمنين في كلام كنت ذكرته
هل وقع ما ذكره فلان بالغرض فكتب امير المؤمنين ما على ما ذكره فلان مزيد
وفي بكرة الجمعة سابع عشرين رمضان كسفت الشمس اول وقت الضحى وبقيت ساعة حتى تجلت
وكان حاجب الباب ابن الناقد يلقب بالقنبر فذكر هذا الملقب من كان يعرفه به
فشاع
في العوام فصاروا يصيحون به اذا خرج فحفظ باتراك فلم يجيء من الأمر شيء وخلع عليه
قبل العيد بثلاثة ايام فقيل لامير المؤمنين ان الناس قد عزموا اذا خرج يوم العيد
في الموكب ان يرسلوا القنابر بين الناس وهذا يصير الموكب هتكة فعزله وولى ابا سعد
ابن المعوج حجبة الباب وكان الرفض في هذه الايام قد كثر فكتب صاحب المخزن الى امير
المؤمنين ان لم تقو يدي ابن الجوزي لم تطق على دفع البدع فكتب امير المؤمنين
بتقوية يدي فأخبرت الناس بذلك على المنبر وقلت ان امير المؤمنين صلوات الله عليه
قد بلغه كثرة الرفض وقد خرج توقيعه بتقوية يدي في ازالة البدع فمن سمعتموه من
العوام يتنقص بالصحابة فأخبروني حتى انقض داره واخلده الحبس وان كان من الوعاظ
حدرته المشان فانكف الناس ثم تقدم في يوم الخميس عاشر شوال يمنع الوعاظ كلهم الا
ثلاثة كل واحد من مذهب انا من الحنابلة والقزويني من الشافعية وصهر العبادي من
الحنفية ثم سئل في ابن عبد القادر فاطلق
وعقدت الولاية على مكة لأمير المؤمنين فخرج الحاج على خوف شديد من القتال
وفي يوم السبت رابع ذي القعدة وقت الضحى خرج امير المؤمنين الى الكشك الذي عمل له
خارج السور وخرج ارباب الدولة مشاة وخرج الناس ينظرون اليه ويدعون له فدخل الكشك
فاقام فيه ساعة ثم خرج فمضى نحو القورج ثم عاد فدخل من باب النصر وقت الظهر
وفي يوم الجمعة غرة ذي الحجة خلع على ظهير الدين ابي بكر بن نصر ابن العطار بباب
الحجرة خلعة سنية واعطى مركبا وسيفا وولى المخزن ولاية تامة وخلع يومئذ على استاذ
الدار ابن الصاحب
وفي يوم الاربعاء سادس ذي الحجة صنع الوزير ابن رئيس الرؤساء دعوة وجمع فيها ارباب
المناصب وحضر الخليفة فاستدعيت فخلعت على خلعة ونصب لي منبر في الدار فتكلمت بعد
أن أكلوا الطعام والخليفة حاضر والوزير وجميع
ارباب
المناصب وجميع علماء بغداد والفقهاء والوعاظ الا النادر
ثم تكلمت يوم عرفة وكان مجلسا عظيما تاب فيه خلق كثير وقطعت شعورا كثيرة وكان
الخليفة حاضرا
وفي يوم عيد الاضحى وقعت فتنة في أخذ جمال البحريين جماعة من العوام فنضر بعضهم
امير يقال له سنقر الصغير فرماه العوام بالآجر فضربهم هو وأصحابه بالنشاب ثم
اصبحوا يوم فرح ساعة فأقاموا الحرب وكان الذين خاصموه اهل باب الازج فكان اصحابه
يخاصمونهم فقامت يومئذ الفتنة عامة النهار ومات بين الفريقين نحو عشرة أنفس ونهب
من باب الازج قطعة ثم سكنت الثائرة واخرج امير المؤمنين مالا ففرقه على من نهب له
شيء
وخرج في اواخر ذي الحجة عسكر كثير الى بني خفاجة لمحاربتهم فرحلوا فلم يدركوهم
وقتل من المطاردين قوم جاءت اخبار ظريفة عما جرى للحاج في طريقهم فمنها انهم خرجوا
من عرفات فلم يبيتوا بالمزدلفة وانما مروا بها ولم يقدروا على رمي الجمار وخرجوا
الى الابطح فبكروا يوم العيد وقد خرج اليهم قوم من مكة يحاربونهم فتطاردوا وقتل من
الفريقين جماعة ثم آل الامر الى أن صيح في الناس الغزاة الغزاة الى مكة فهجموا
وصعد امير مكة المعزول الى القلعة التي على جبل ابي قبيس ثم نزل عنها وخرج من مكة ودخل
الناس فقصد قوم لا خلاق لهم النهب فأخذوا شيئا كثيرا من اموال التجار المقيمين
بمكة واحرقوا آدرا كثيرة بمكة وحدثني بعض التجار ان رجلا كان زراقا بالنفط ضرب دار
رجل بقارورة فاشتعلت وكانت تلك الدار لأيتام يستغلونها كل سنة اذا جاء الحاج فهلكت
وما فيها ثم اخرج قارورة اخرى فسواها ليضرب بها فجاء حجر فكسرها فعادت عليه فاحترق
فبقي ثلاثة ايام بسفح الجبل ورأى بنفسه العجائب ثم مات قال وحدثني رجل من السماسرة
قال كان عندي مال عظيم لي ولغيري من التجار فدخل على اربعة انفس فجمعوا الكل فقلت
لأحدهم وعرفته يا فلان قد اكلت انا وانت الطعام وهذا ليس لي وهذه مائة دينار خذها
حلالا ودعني
فقال
اسكت قد اخذنا علينا بالدين قبل أن نجيء اليكم لنقضي من اموالكم فجمع الاربعة اربع
كوارير فيها جميع المال وخرجوا عني خطوات فلقيهم عبيد من مكة فضربوا اعناقهم فقمت
ونقلت المال فتعبت في نقله ولم يذهب منه ثم ان امير مكة قال لا اتجاسر ان اقيم بعد
الحاج فأمروا غيره ورحلوا
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
356 - علي بن الحسن
ابن هبة الله ابو القاسم الدمشقي المعروف بابن عساكر سمع الحديث الكثير وكانت له
معرفة وصنف تاريخا لدمشق عظيما جدا يدخل في ثمانين مجلدة كبارا وكان شديد التعصب
لأبي الحسن الاشعري حتى صنف كتابا سماه تهذيب المفتري على ابي الحسن الاشعري وتوفي
بدمشق في هذه السنة
357 - المبارك بن الحسن
ابو النجم ابن القابلة الفرضي سمع ابا الحسين ابن الفراء وابا منصور ابن زريق وكان
عارفا بعلم الفرائض والمواقيت توفي في جمادى الاولى من هذه السنة ودفن بمقبرة
الزادمان قرية قريبة من بغداد
358 - مسعود بن الحسين
ابن سعد ابو الحسين اليزدي القاضي ولد سنة خمس وخمسمائة وتفقه وافتى وناب في
القضاء ودرس بمدرسة ابي حنيفة ومدرسة السلطان ثم خرج الى الموصل فأقام مدة يدرس هناك
وينوب في القضاء فتوفي بها في جمادى الآخرة
سنة
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه تقدم الي بالكلام تحت منظرة الخليفة بباب بدر فتكلمت يوم
الاحد ثاني المحرم وحضر امير المؤمنين ثم تكلمت هناك يوم عاشوراء فامتلأ المكان من
وقت السحر فطلع الفجر وليس لأحد طريق فرجع الناس وامتلأت الطرق بالناس قياما
يتأسفون على فوت الحضور وقام من يتظلم في المجلس فبعث امير المؤمنين في الحال من
كشف ظلامته
وزفت ابنتي رابعة ليلة الاربعاء ثاني عشر المحرم الى زوجها وكان زفافها في دار
الجهة المعظمة في درب الدواب واحضرت الجهة وذلك بعد أن جهزتها الجهة بمال كثير
وفي يوم الخميس حادي عشر صفر دخل رجل الى جامع المنصور ليأكل خبزا فمات في مكانه
ومات آخر في باب البصرة وامرأة في تلك الساعة ودخل رجل من السواد الى مسجد
العتابيين يومئذ وترك حماره على الباب فمات الرجل ودخل بعض الحاج الى بغداد يوم
الاربعاء عاشر صفر ثم تتابعوا فدخل الاكثرون يوم الاحد ولم تجر لهم عادة بهذا
التأخر وأخبروا باشياء لقوها في دخول مكة قد ذكرنا بعضها في حوادث السنة
ونقصت دجلة في اول آب وهو اول صفر نقصانا ما رأينا مثله وخرجت جزائر كثيرة فيها ما
عهدنا مثلها وكانت السفينة تجنح في وسط دجلة فينزلون فيحركونها وفي اواخر آب هب
هواء شديد البرد ليالي فنزل الناس من السطوح ثم عاد الحر فصعدوا فاصاب الناس زكام
شديد عم ذلك الخلق
وفي اول ربيع الاول خرج العسكر لقتال بني خفاجة
وفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول خرج امير المؤمنين عند استواء طلوع الشمس الى
الكشك ثم عاد بعد الظهر الى قصره
وظهرت حمرة شديدة في السماء من المشرق من وقت طلوع الفجر الى حين
استواء
الشمس ثم كانت تظهر عند غيبة الشمس من المغرب كذلك كأنها الشفق الا انها أشد حمرة
لم تر مثلها كأنها الدم وكانت تتصاعد ويبقى تحتها من الغيم المضيء فتضىء له
الاماكن كأنه ضوء الشمس وبقيت مدة ثم انقطعت ثم عادت تقل وتكثر اشهرا
وفي ربيع الآخر اخرج المجذمون من بغداد ونفوا الى تحت البلد
وفي يوم الخميس ثامن جمادى الاولى اذن في اقامة الجمعة بمسجد ابن المامون بقصر
عيسى فأقيمت فيه يومئذ
وفي يوم السبت غرة جمادى الآخرة عبرت الى جامع المنصور فوعظت فيه بعد العصر وعبر
الناس من نهر معلى واجتمع اهل المحال فحزر الجمع مائة الف ورجعنا الى نهر معلى
والناس ممتدون من باب البصرة كالشراك الى الجسر وكان يوما مشهودا
وجاء الخبر بنصر المسلمين على الافرنج وخرج امير المؤمنين يوم الثلاثاء رابع عشرين
جمادى الآخرة اول وقت الضحى الى الكشك وخرج الناس لرؤيته على ما جرت به العادة
فبات في الكشك وخرج بكرة الى الصيد فبقي الاربعاء والخميس ودخل الدار العزيزة قبل
المغرب ثم تقدم الى بالجلوس بباب بدر تحت المنظرة يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة
فتكلمت فيه بعد العصر وامير المؤمنين حاضر وجرى مجلس مستحسن تاب فيه جماعة وقصت
فيه شعور وذكرت خروجه الى الكشك في قصيدة انشأتها وهي ... يا سيد الخلق وعين
الاكوان ... خليفة الله العظيم السلطان ... يا شمس جود نورها في البلدان ... يا
بدر تم تم لاعن نقصان ... ظهرت للخلق ظهور البرهان ... عاشت به ارواح اهل الايقان
... زين بك البر وزينت اوطان ... صدت القلوب حين صدوا الغزلان ... بحلمك الوافر بل
بالاحسان ... والكشك قد خفر فتت الايوان
هذا
على التوحيد وضع البنيان ... وذاك مبنى لأجل النيران ... حب بني العباس اصل
الايمان ... بني الاله ودهم في الجثمان ... الحجر والبيت لهم والأركان ... أصبحت
كالروح ونحن ابدان ... الشرع وكالعين وانت اجفان ... الجود غصن واحد يا بستان ...
هذا مديحي وهو قدر الامكان ... وفي ضميري ضعف هذا الاعلان ... عبيدكم لا يشترى
بأثمان ... وقد ملكتم رقه بالاحسان ... سميت نفسي مذ خدمت سلمان ... لكن لساني في
المديح حسان ... وحسن الفاظي تباهي سحبان ...
وفي بكرة الاربعاء ثاني رجب حضر الناس على عادتهم دعوة امير المؤمنين التي تكون في
كل رجب فحضر الوزير وأرباب الدولة والعلماء والمتصوفة ونصب لهم سماط مستحسن وقرئت
ختمة وتقدم الي بالدعاء فدعوت وانشد ابن شبيب قصيدة يمدح فيها امير المؤمنين وهذه
كانت العادة كل سنة ثم خرج قاضي القضاة ومعظم ارباب الدولة وخرجت معهم وبات القوم
على سماع الانشاد وخلعت عليهم خلع وفرقت عليهم اموال
وتكلمت يوم الخميس عاشر رجب بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر والزحام
شديد ثم تناوبنا انا والقزويني كل ليلة جمعة فكان يوم مجلسي تغلق ابواب المكان بعد
الظهر لشدة الزحام فاذا جئت بعد العصر فتح لي فزاحم معي من يمكنه ان يزاحم
وفي شهر رجب قارب بغداد بعض السلجوقية ممن يروم السلطنة وارسل رسولا ليؤذن له في
المجيء فلم يلتفت اليه فجمع جمعا ونهب مواضع فخرج اليه العسكر وجرت مناوشات في
شعبان ورحل فرجع العسكر الى بغداد ثم عاد فنهب مواضع وآذى قرى فعاد العسكر فخرج
اليه وامر عليهم شكر الخادم فأقاموا يراصدونه طول رمضان ثم رحل في شوال الى ناحية
خراسان فرجع العسكر وفي يوم الاثنين حادي عشر رمضان تقدم الي بالجلوس في دار ظهير
الدين
صاحب
المخزن وحضر امير المؤمنين واذن للعوام في الدخول فتكلمت وأعجبهم حتى قال لي ظهير
الدين قد قال امير المؤمنين ما كأن هذا الرجل آدمي لما يقدر عليه من الكلام
ومما جرى بعد النصف من رمضان ان رجلا من التجار باع متاعا له بألف دينار وتزل
المال في خان انبار وجاء الى بيته وليس معه في الدار الا مملوك له اسود قد اشتراه
قبل ذلك بأيام فقام المملوك في الليل فضربه بسكين في فؤاده واخذ المفتاح ومضى الى
الخان انبار فطرق باب الخان فقالت الخانية من انت قال انا غلان فلان قد بعث بي
لآخذ له شيئا من الخان انبار فقالت والله ما افتح لك حتى يجيء مولاك فرجع ليأخذ ما
في البيت فاتفق ان حارس الدرب سمع صيحة الرجل وقت ان ضرب بالسكين فأمسك الغلام
وبقي مولاه في الحياة يومين فوصى بقتل الغلام بعده فصلب المملوك بالرحبة بعد موت
مولاه يوم الخميس حادي عشرين رمضان واخذ مملوك آخر لبعض التجار من سيده الف دينار
وهرب فلم يسمع له خبر
وجاء حر شديد بعد نصف رمضان فكان ذلك في آذار فبقي اسبوعا على مثل حر حزيران او
اشد فأخبر المشايخ انهم ما رأوا مثل هذا في هذا الوقت ثم عاد الزمان الى عادته
وحدثني طلحة بن مظفر العلثي الفقيه انه ولد عندهم بالعلث في رمضان مولود لست اشهر
فخرج له اربعة اضراس
وفي يوم الاثنين خامس عشرين رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن فجلست وحضر امير
المؤمنين واذن للعوام في الدخول فتكلمت بعد العصر الى المغرب وبتنا في الدار تلك
الليلة مع جماعة من الفقهاء فجرت مناظرات الى نصف الليل
وفي يوم الجمعة العشرين من شوال حضرت الصلاة بجامع الرصافة فلم يحضر الخطيب وقاربت
العصر فصلى اكثر الناس الظهر وانصرفوا واقمت مع جماعة
ننتظر
الخطيب فجاء قبيل العصر فخطب وصلينا وكان السبب في تأخره ان الذي كانت الجمعة
نوبته صرف عن الخطابة ولم يعلم نائبه فتأخر فبعثوا اليه من باب البصرة فحضر فاختصر
فقرأ ألهاكم التكاثر وهذا شيء لا يذكر الناس انه جرى مثله على هذا الوصف
وفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة اذن في اقامة الجمعة بمسجد في شارع دار الدقيق من الجانب
الغربي فأقيمت فيه وقد ذكرنا انه اذن في اقامة الجمعة بمسجد ابن المأمون في جمادى
الاولى فمن العجائب تجدد جامعين ببغداد في سنة واحدة وفي يوم الاثنين ثامن ذي
القعدة بعد العصر هبت ريح شديدة فأثارت ترابا عظيما وازعجت الناس وبقيت كذلك ساعة
جيدة ثم ذهبت
واتفق في هذا الشهر أن رجلا امر بالمعروف فقصده بعض من امره بخشبة فهرب الآمر فعاد
الرجل الى بيته والخشبة بيده فحين دخل الدار وقع فمات ووصل الخبر في ذي القعدة بأن
بلادا كثيرة زلزلت وخسف ببعضها وذكر فيها الري وقزوين
وكتب الى بعض الوعاظ ان امرأة تقول كان رجل اذا رآني في الطريق مشى الى جانبي
وتعرض لي فقلت له انا لا اوافق الا على الحلال فتزوج بي عند الحاكم وقضيت معه
مديدة يأتيني كما يأتي الرجل المرأة ثم عظمت بطنه وقال لي قد حبلت فاعملي لي دواء
الاسقاط فعملت له فولد وقد حضرت المجلس انا وهو فما حكمنا فقال الواعظ هذا النكاح
ما صح لانه بالولادة انكشف انه امرأة وتعجب الناس من حال هذا الخنثى الذي كان يأتي
ويؤتى
وفي ليلة الاثنين ثاني عشرين ذي القعدة دخل رجل الى بيت اخته فذبحها وهرب وكأنه
حدث عنها بما لا يصلح وتحدث بعض جيراننا بباب المراتب انه وقع في دراهم حائط فقام
هو وجارية له يعزلون الآجر والجص فوجدت الجارية صندوقا لطيفا فيه منامية فيها
دنانير في الدنانير اربعة وخمسة وبين ذلك حب
الحبة
الواحدة كالزيتونة واشياء وصفتها فأعطت منها بعض جيرانهم وسلمت الباقي الى رجل كان
يعرفها منذ جلبت وقالت اكثر ببعض هذا وتعال الي في اليوم الفلاني حتى اخرج معك
فمضى الرجل ولم يعد فلما يئست منه حدثت سيدها بذلك فجعل يتلهف بعد أن فات الامر
ونزل رجل الى دجلة يسبح وترك ثيابه وفيها ستون دينارا على الشاطئ فجاء قوم فأخذوها
ومضوا فاتهم بها آخرين فأخذوا واهينوا ثم طلبوا من كان قريبا منهم فاذا رجل قد اخذ
الذهب وخرج ليسافر فوجدوه في الحربية قد نفق منه عشرة قراريط ففتشوه فأخذوه فقيل
لصاحب المال طيب قلوب المتهمين فقد رد مالك فلم يفعل
ومما تجدد ان رجلا قال لطحان من اهل الكرخ اعطني كارة دقيق فقال ما افعل فقال
والله ما ابرح حتى آخذ فقال الطحان وحق على الذي هو خير من الله ما اعطيك فشهد
عليه جماعة فحبس اياما ثم اخرج يوم السبت سابع عشرين ذي القعدة فضرب مائة سوط وسود
وجهه وشهر في الغد وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ثم اعيد الى الحبس
وتقدم الي بالجلوس بباب بدر فتكلمت بكرة الخميس ثالث ذي الحجة وحضر امير المؤمنين
وقام الي رجل يوم عرفة في المجلس فتاب وقطع شعره وقال لي ثلاث اسابيع ارى رسول
الله صلى الله عليه و سلم في المنام كأنه في كل مجلس يأتي اليك فيقبل صدرك
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
359 - علي بن عساكر
ابو الحسن البطائحي المقرئ كان قد قرأ القرآن وأقرأ وسمع الحديث الكثير وروى وكانت
له معرفة بالنحو وعبر الثمانين ووقف كتبه وتوفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شعبان
هذه السنة
360
- محمد بن سعيد
ابن محمد ابو سعد ابن الرزاز كان من المعدلين وسمع الحديث من ابن برهان وابن
الحصين وكان ينظر في التركات ويقول شعرا مطبوعا كتب اليه بعض الناس مكاتبة تتضمن
شعرا فكتب في جوابها ... يا من اياديه يعيا من يعددها ... وليس يحصي مداها من لها
يصف ... عجزت عن شكر ما اوليت من كرم ... وصرت عبدا ولي في ذلك الشرف ... اهديت
منظوم شعر كله درر ... فكل ناظم عقد دونه يقف ... اذا أتيت ببيت منه كان لنا ...
قصرا ودر المعالي فوقه شرف ... وان أتيت انا بيتا نناقضه ... اتيت لكن ببيت سقفه
يكف ... لا كنت منه ولا من اهله ابدا ... وانما حين ادنو منه أقتطف ...
ولد ابو سعد سنة احدى وخمسمائة وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة
361 - محمد بن عبد الله
ابن القاسم ابو الفضل الشهرزوري كان رئيس اهل بيته وبنى مدرسة بالموصل ومدرسة
بنصيبين وقف عليها وقوفا ولاه محمود بن زنكي ثم استوزره فكتب على رأسها محمد بن
عبد الله الرسول فكتب المقتفي صلى الله عليه و سلم وتوفي في محرم هذه السنة بدمشق
362 - مختار الخادم
وكان من خواص الخليفة وكان يتدين وعلت سنه توفي في آخر شعبان ودفن في الترب
بالرصافة
363 - مسلم بن ثابت
ابن زيد بن القاسم بن احمد ابو عبد الله بن جوالق الفقيه سمع الحديث وتفقه على
شيخنا
ابي بكر الدينوري وناظر وعلت سنه وكان لبعض امراء الدار العزيزة وتوفي في ذي
القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة احمد
سنة
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه في بكرة الخميس غرة المحرم دخل الى البلد تتامش الذي كان قد
خرج مع قيماز من بغداد وخرج اهل البلد للنظر اليه ونزل تحت التاج فقبل الارض مرارا
واذن له في الدخول الى داره وعفى عنه وامر وكرم
وبعد صلاة العصر يومئذ تقدم الي بالجلوس تحت منظرة باب بدر واجتمع الخلق وتاب
جماعة وحضر امير المؤمنين ثم تقدم الي بالجلوس هناك يوم عاشوراء وكان الناس يجيؤن
من نصف الليل بالأضواء فما طلع الفجر ولا حد موضع قدم وغلقت الابواب ولقينا شدة من
الزحام وامير المؤمنين حاضر
وقدم الحاج في نصف صفر وذكروا ما لقوا في طريقهم من الجوع وغلاء السعر وكثرة من
هلك من المشاة والجمال
وقبض على حاجب الباب ابي منصور ابن العلاء وسلم الى استاذ الدار وجرت همرجات عظيمة
قبض فيها على جماعة ومنه ابن الوزير من الركوب وان يتردد الى بابه احد واسكتت كثير
من املاكه ثم ردد عليه كثير منها بعد ذلك وصرف اكثر اشغال الديوان الى المخزن
وانقطع الوزير عن الركوب اصلا واخذ ابو المظفر الحسين بن محمد بن علي الدامغاني
اخو قاضي القضاة الى دار صاحب المخزن وهو الذي كان ينوب عن قاضي القضاة في الحكم
على بابه وكان قد زوج امرأة فتظلم زوجها الاول وقال اكرهت على طلاقها فقيل له كيف
زوجتها فقال جاءني كتاب حكمي من واسط ان زوجها قد طلقها وفتحته وكتبت على ظهره
وجاءتني براءة فكتبت عليها وزوجتها فأخرج صاحب المخزن الكتاب وليس بمفتوح ولا
مكتوب في ظهره ولا في البراءة فجبهه صاحب المخزن وقال قد عزلتك عن القضاء والشهادة
وكل ما كنت تتولاه ثم امر بتنحية طيلسانه
وقال
له يبلغ عنك وعن اخيك مالا يصلح وامير المؤمنين لا يغفل عن هذا ثم جعل يتبع افعالا
تنسب الى قاضي القضاة وحدثني بعض الوكلاء ان قاضي القضاة كان قد كتب الى الخليفة
قبل ذلك بمدة يسأل ان يعفي من قصد صاحب المخزن فأعفي وكان بينهما شيء فلما رأى
قاضي القضاة ما جرى على اخيه وكان قبل ذلك قد جرى على جماعة من وكلائه اهانات ثم
تتبع وجاء في يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر الى دار صاحب المخزن يستعطفه ثم صار
يتردد اليه كل اسبوع واستقبح الناس هذا التردد بعد الانقطاع الدائم وعلموا انه من
الخوف
وفي يوم الاثنين النصف من ربيع الآخر تكلمت في جامع المنصور وحضر الخلق فحزروا
بمائة الف وتاب ثلاثة وخمسون نفسا وقصت شعورهم وانشد في يوم السبت الشهاب الضرير
... بك يا جمال الدين قد ... شقت من الاعدا مرائر ... حسدوا وما لهم اذا ... سروا
علينا من جرائر ... لك في الفداء نفوسنا ... وهي الشريفات الحرائر ... يا من تطير
بلطفه ... من نار معناه شرائر ... يوم الجلوس لنا الأنيس لهم به تبلى السرائر ...
تكفي المليحة عند من ... تهوى شهادات الضرائر ...
وفي يوم الخميس خامس عشرين ربيع الآخر ضرب تركي تركيا ضحوة نهار على باب النوبي
بنشابة ثم اتبعها ضربة بسيف ثم ضرب الضارب وخرج من البلد ثم عاد ليأخذ من بيته
شيئا ويهرب فأخذوه فصلب وقت الظهر بباب النوبي وحط بعد صلاة الجمعة
وفي يوم الجمعة ثالث جمادى الاولى منع من اقامة الجمعة التي في قصر عيسى المعروف
بمسجد ابن المأمون وكان قد عمره فخر الدولة بن المطلب واوسعه وانفق عليه مالا
وجاءت الاخبار بان الموت في دمشق كثير والمرض بالموصل
كثير
وفي النصف من جمادى الآخرة اخرج البلخي الواعظ من البلد بتوقيع بعد أن اسمعه حاجب
الباب المكروه لما كان يذكر عنه من شرب الخمر
وفي يوم الجمعة سادس عشر جمادى الآخرة ركب الوزير الى باب الحجرة بعد أن بقي زمانا
لا يركب فطاب فلبه وجلس للهناء وجاء صاحب المخزن الى دار الوزير بعد صلاة الجمعة
والنقباء وقام له الوزير وقبل صاحب المخزن يده
وجاءت الى يوم الاحد خامس عشرين جمادى الآخرة فتوى في عبد وأمة كانا لرجل اعتقهما
وزوج الرجل بالمرأة فبقيت معه عشرين سنة وجاءت منه باربعة اولاد ثم بان الآن انها
اخته لابيه وامه ومذ عرفا ذلك اخذا في البكاء والنحيب فتعجبت من ذلك واعلمتهما انه
لا اثم فيما مضى والعدة تلزمها ويجوز ان ينظر اليها بعد أن فارقها نظره الى اخته
الا ان يخاف على نفسه فيلزمه البعد عنها
وفي ليلة رجب تكلمت بباب بدر تحت المنظرة الشريفة وامير المؤمنين حاضر والجمع
متوفر
وفي بكرة ليلة الاحد ثاني رجب حضرنا دعوة امير المؤمنين على العادة وحضر ارباب
الدولة كلهم والعلماء والصوفية فأكلوا وختمت الختمة ودعا للختمة ابن المهتدي
الخطيب وصلى بهم في ذلك اليوم وتلك الليلة في الدار وبعد دعاء الختمة خلع على امير
المدينة وولده وولد امير مكة ثم انصرف من عادته الانصراف وبات الباقون على عادتهم
وخلعت عليهم وفرق مال
وبنت الجهة المعظمة المسماة بنفشة رباطا في سوق المدرسة للصوفيات وفتحته اول رجب
وعملت فيه دعوة وتكلمن فيه وافرد لاخت ابي بكر الصوفي شيخ رباط الزوزني وفرقت
الجهة عليهم مالا
وفي ليلة الاحد سادس عشر رجب جاء مطر عظيم ودام ثلاثة ايام بلياليهن وكان فيه رعود
هائلة وبروق عظيمة ووقعت آدر كثيرة وامتلأت الطرقات
بالماء
وبقي الوحل اسبوعا وجمع اهل درب بينهم اثني عشر دينارا لمن ينقل الماء في المزادات
الى دجلة واخرج الخليفة مالا ينفق في تنحية الوحل من الطرق وزادت دجلة زيادة بينة
وذلك في كانون الثاني ولم يزل ينقص قليلا ثم يعود الى الزيادة فقال لي شيخ من
الملاحين لي ثمانون سنة ما رأيت مثل هذه الزيادة في كانون
وفي يوم الخميس سابع عشرين رجب تكلمت بعد العصر تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر
وفي هذه الايام خرج شحنة اوانا وعكبرا يتصيد فوق تلك النواحي فلقيه جماعة من بني
خفاجة فقتلوه فجيء به الى بيته بباب الازج فدفن في مقبرة احمد بن حنبل وكان كثير
الخير والتدين لا يشرب الخمر ولا يشكي منه وكان مواظبا على حضور مجلسي
وفي يوم الاثنين غرة شعبان لكم رجل رجلا فمات في الحال
وانشأ امير المؤمنين مسجدا كبيرا في السوق عند عقد الجديد وتقدم بعمارته فعمر
عمارة فائقة وكسى وقدم فيه عبد الوهاب ابن العيبي زوج ابنتي فصلى فيه بعد النصف من
شعبان واجريت له مشاهرة وتقدم الي فصليت فيه بالناس التراويح ليلة وكان الزحام
كثيرا فدخل على قلوب اهل المذهب ما شاء الله من الغم لكونه اضيف الى الحنابلة وقد
كان يرجف به لغيرهم
وفي بكرة السبت خامس رمضان تقدم بجلوسي في دار صاحب المخزن وازدحم الناس حتى غلق
الباب وكان امير المؤمنين حاضرا ثم تكلمت يوم الاثنين حادي عشرين رمضان في داره
ايضا على تلك الصفة
وفي سحرة يوم الاربعاء سابع شوال هبت ربح عظيمة فزلزلت الدنيا بتراب عظيم حتى خيف
ان تكون القيامة ثم جاء فيها برد ودام ذلك ساعة طويلة ثم انجلت وقد وقعت حيطان
وتهدمت مواضع على اقوام مات منهم وارتث منهم ووقع سقف متصل بمنظرة الخليفة التي
عند باب الحلبة وكانت الريح تقوى
تقوى
ساعة وتخف ساعة الى وقت الضحى ثم اشتدت وملأت الدنيا ترابا فصعد اعنان السماء فتبين
السماء منه مصفرة الى وقت العصر وزادت دجلة في عاشر شوال زيادة بلغت عشرين ذراعا
على المعتاد وخاف الناس واشغلوا بالعمل في القورج ثم نقص الماء بعد ثلاثة ايام
وفي يوم الجمعة سلخ شوال بعد أذان الجمعة صعد غيم وجاء مطر شديد من جامع السلطان
الى الرصافة فما فوق فكانت ثم غدران وامتلأت الصحارى والشوارع به ولم يأت بنهر
معلى الا اليسير وورد حاج كثير من خراسان فاستأذن الوزير ابن رئيس الرؤساء في الحج
فأذن له فعمل تركا جميلا وقيل انه اشترى ستمائة جمل وأقام منها مائة للمنقطعين
واخرج معه الادوية ومن يطب المرضى واستصحب جماعة من اهل الخير والعلم ودخلنا اليه
بكرة الثلاثاء نودعه فسلمنا عليه ثم قام فدخل الى الخدمة ثم خرج فعبر في سفينة الى
ناحية الرقة وقد خرج اهل بغداد فامتلأت الشواطئ من الجانبين وامتدوا الى ما فوق
معروف ينظرون اليه وخرج معه ارباب الدولة سوى صاحب المخزن فانه لم يلقه وأما استاذ
الدار فانه ودعه في دار الخلافة وعبر معه تتامش وكان مريضا فرده حين صعد من
السفينة وقال له انت مريض فعد فعاد فركب الوزير وبين يديه النقيبان وارباب الدولة
والعلماء وضرب له بوق حين ركب فلما وصل باب قطفتا خرج رجل كهل فقال يا مولانا انا
مظلوم وتقرب منه فزجره الغلمان فقال الوزير دعوه فتقدم اليه فضربه بسكين في خاصرته
فصاح الوزير قتلني ووقع من الدابة ووقعت عمامته فغطى رأسه بكمه وبقي على قارعة
الطريق وضرب ذلك الباطني بسيف فعاد فضرب الوزير واقبل حاجب الباب ينصره فضربه
الباطني بسكين وعاد وضرب الوزير فقطع الباطني بالسيوف وبعض الناس يقولون كانوا
اثنين وخرج منهم شاب بيده سكين فقتل ولم يعمل شيئا واحرقت أجساد الثلاثة وحمل
الوزير الى دار هناك وجيء بحاجب الباب الى بيته واختلط الناس وما صدق احد أن يعود
الى بيته في عافية وكان الوزير قد رأى في المنام قبل
ذلك
انه عانق عثمان بن عفان وحكى عنه ولده انه اغتسل قبل خروجه وقال هذا غسل الاسلام
واني مقتول بلا شك ومات الوزير بعد الظهر وتوفي حاجب الباب في الليل وغسل الوزير
بكرة الاربعاء وحمل الى جامع المنصور فصلى عليه وحضر ارباب الدولة وصاحب المخزن
ودفن عند ابيه وجاء مكتوب من الخليفة الى اولاده يطيب قلوبهم ويأمرهم بالقعود
للعزاء فقعدوا يوم الخميس في داره فلم يحضر احد يومأ اليه لا من الامراء ولا من
القضاة ولا من الشهود ولا من الصوفية بل كان هناك عدد يسير وتكلم في العزاء من
عادته يتكلم في أعزية العوام من الطرقيين فتعجبت من هذه الحال وانه قد كان يكون
عزاء بزاز احسن من ذلك وما كان انقطاع الناس الا رضا لصاحب المخزن لأنه كان يفارقه
فلما كان في اليوم الثاني حضر الدار جماعة من الفقهاء بالنظامية فلم يقعد اولاده
فلما علم الخليفة بالحال تقدم الى ارباب الدولة ومن جرت عادته بالحضور فحضر في اليوم
الثالث صاحب الديوان وقاضي القضاة والنقيب وغيرهم وسألوا أن اتكلم عندهم في العزاء
فنصب لي كرسي لطيف وتكلمت عليه والقراء يقرأون ومددت الكلام الى ان جاء خدم
الخليفة بمكتوب منه يعزيهم ويأمرهم بالنهوض عن العزاء فقرأه ابن الأنباري قائما
والناس كلهم قيام ثم انصرفوا
وفي يوم الجمعة ولى ابن طلحة حجبة الباب
وفي ليلة الاثنين بعث صاحب المخزن بغلامه من الليل الى تتامش ليحضر عنده وكانت له
عادة بزيارته في الليل يخلوان للحديث فحضر عنده فوكل به في حجرة دار صاحب المخزن
ونفذ الى بيته فأخذ من الخيل والكوسات وكل ما في الدار واختلفت الاراجيف في نوبته
فقوم يقولون انهم في وضع الباطنية على قتل الوزير وذكر انه كتب الى امير المؤمنين
مرارا يحرضه على الخروج للفرجة في الحاج فلما اتفق قتل الوزير خيف ان تكون نيته قد
كانت رديئة وقوم يقولون انه كاتب أمراء خراسان وبقي موكلا به في دار صاحب المخزن
وفي
عاشر ذي الحجة غسل الديوان ورتب وهيء ورجمت الظنون وتحازر الناس من يكون وزير فلما
كان يوم العيد تقدم الى صاحب المخزن بالحضور في الديوان على وجه النيابة فحضر ورتب
الموكب وانصرف
وجاء قوم من اهل المدائن بعد العيد فشكوا من يهود بالمدائن وانه كان لهم مسجد يصلى
فيه الجماعة ويكثر فيه التأذين وهو الى جانب كنيسة اليهود فقال بعض اليهود قد
آذيتمونا بكثرة الآذان فقال المؤذن ما نبالي تأذيتم ام لا فتنا وشوا وجرت بينهم
خصومة استظهر فيها اليهود فجاء المسلمون يستنفرون ويستغيثون مما جرى عليهم من
اليهود الى صاحب المخزن فأمر بحبس بعضهم ثم اطلقهم فخرجوا يوم الجمعة الى جامع
الخليفة فاستغاثوا قبل الصلاة فخفف الخطيب الخطبة والصلاة فلما فرغ قاموا يستغيثون
فخرج جماعة من الجند فضربوهم ومنعوهم من الاستغاثة فانهزموا فلما رأى العوام ما
فعل بهم غضبوا نصرة للاسلام واستغاثوا وتكلموا بالكلام السيء وقلعوا طوابيق الجامع
وضربوا بها الجند فوقع الآجر على المنبر والشباك ثم خرجوا فنهبوا دكاكين المخلطيين
لأن أكثرهم يهود ووقف حاجب الباب بيده سيف مجذوب ليرد العوام وحمل عليهم نائبه
فرجموه وانقلب البلد من ذلك وجاء قوم الى الكنيسة التي بدار البساسيري فنهبوها
ونقضوا شبابيكها وقطعوا التوراة واخرجوها مقطعة الاوراق وما تجاسر يهودي يظهر
وتقدم امير المؤمنين بنقض الكنيسة التي بالمدائن وأمر أن تجعل مسجدا ونصب بالرحبة
واخشاب ليصلب عليها اقوام من العيارين فظنها العوام لتفزيعهم والتهويل عليهم لأجل
ما فعلوا فعلقوا على الاخشاب في الليل جرذانا ميتة
واخرج يوم الاثنين سادس عشر ذي الحجة جماعة كانت لهم مدة في الحبس ذكر أنهم كانوا
لصوصا بواسط وانهم قتلوا قوما هناك فصلبوا بالرحبة وكان فيهم شاب هاشمي وفي الجمعة
المقبلة اقيم الجند بالسلاح يحفظون الجامع والرحبة خوفا مما جرى من العامة في
الجمعة المقبلة الماضية فلم يتكلم احد وصار الجند في كل جمعة
يراعون
الجامع حذرا من مثل ذلك
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
364 - احمد بن محمد
ابن بكروس الحمامي ابو العباس ولد سنة اثنتين وخمسمائة وقرأ القرآن على ابي العز
ابن كادش وابي القاسم ابن الحصين وغيرهما وتفقه على شيخنا ابي بكر الدينوري وكان
يكثر الصوم والصلاة فتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر وصلى عليه بجامع القصر ودفن
بمقبرة الامام احمد
365 - صدقة بن الحسين
ابن الحسن ابو الفرج الحداد ولد سنة تسع وسبعين واربعمائة وكان في صباه قد حفظ
القرآن وسمع شيئا من الفقه وكان له فهم فناظر وافتى الا انه كان يظهر من فلتات
لسانه ما يدل على سوء عقيدته وكان لا ينضبط فكان من يجالسه يعثر منه على ذلك وكان
يخبط الاعتقاد تارة يرمز الى انكار بعث الاجسام ويميل الى مذهب الفلاسفة وتارة
يعترض على القضاء والقدر قال المصنف دخلت عليه يوما وعليه حرير فقال لي ينبغي ان
يكون هذا على جمل لا علي انا وقال لي يوما انا لا اخاصم الا من فوق الفلك وقال لي
القاضي ابو يعلى ابن الفراء مذ كتب صدقة كتاب الشفاء لابن سينا تغير وحدثني ابو
الحسن علي بن عساكر المقرئ قال دخلت عليه فقال والله ما أدري من اين جأوا بنا ولا
من أي مضيق يريدون ان يحملونا وحدثني عنه الظهير ابن الحنفي الفقيه قال دخلت عليه
وهو مضيق قال اني لأفرح بتعثيري قلت لم قال لان الصانع يقصدني وكان طول عمره ينسخ
باجرة فاتفق في آخر عمره ان تفقده بعض الاكابر فحكى لي عنه انه كان يقول انا كنت
انسخ طول عمري لا اقدر على دجاجة فانظر كيف بعث لي الدجاج
والحلوى
في وقت لا اقدر أن آكله وهذا من جنس اعتراضات ابن الريوندي وكنت انا أتأمل عليه
اذا قام الى الصلاة فاكون في اوقات الى جانبه فلا ارى شفتيه تتحرك اصلا وكتب الي
في قصيدة انشأها بخطه ... واحيرتا من وجود ما تقدمنا ... فيه اختيار ولا علم
فنقتبس ... ونحن في ظلمات مالها قمر ... يضيء فيها ولا شمس ولا قبس ... مد لفين
حيارى قد تكنفنا ... جهل تجهمنا في وجهه عبس ... والفعل فيه بلا ريب كلا عمل ...
والقول فيه كلام كله هوس ...
وله في أخرى يذم الدنيا ... لا توطنها فليست بمقام ... واجتنبها فهي دار الانتقام
... أتراها صنعة من صانع ... ام تراها رمية من غير رامي ...
فلما كثر عثوري على هذا منه وعجز تأويلي له هجرته سنين ولم اصل عليه حين مات وحكي
عنه ابو يعلى المقرئ قال كنا عنده فسمع صوت الرعد فقال فوق خباط واسفل خباط فقال
ابو يعلى وقال ابياتا اخذتها منه بخطه وهي ... نظرت بعين القلب ما صنع الدهر ...
فألفيته غرا وليس له خبر ... فنحن سدى فيه بغير سياسة ... نروح ونغد وقد تكنفنا
الشر ... فلا من يحل الزيج وهو منجم ... ولا من عليه الوحي ينزل والذكر ... يحل لنا
ما نحن فيه فنهتدي ... وهل يهتدي قوم اضلهم السكر ... عمى في عمى في ظلمة فوق ظلمة
... تراكمها من دونه يعجز الصبر ...
وكان مع هذا الاعتقاد يعرف منه فواحش واغرى بالطلب من الناس لا عن حاجة فخلق
ثلثمائة دينار ومات يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر وصلى عليه في رحبة الجامع ودفن
بمقبرة باب حرب وكتب الى ابو بكر الدلال وكان من اهل السنة الجياد قال رأيت في ما
يرى النائم كأني في سوق وكأن صدقة بن الحسين الحداد عريان وحوله جماعة فتبعته فصعد
درجة فصعدت خلفه فقلت يا شيخ صدقة ما فعل الله بك فقال لي ما غفر لي فقلت له كذا
قال نعم واعاد
القول مرة اخرى وغير عبارته قال قلت له اغفر لي قال ما اغفر لك ونزل من الدرجة فقلت اين تسكن فقال في بيت في خان فانتبهت فلقيت رجلا كان صديق صدقة فحدثته بما رأيت فقال لي اني رأيت في المنام امرأة اعرف انها ميتة فقلت لها رأيت صدقة قالت نعم وسألته ما فعل الله بك قال قد وكل بي كل ملك في السماء وقد ضايقوني حتى قد حنقوني فقلت اين تكون قال مسجون
366
- فاطمة بنت نصر
ابن العطار توفيت يوم الاربعاء سادس عشر رمضان واخرجت جنازتها بكرة الخميس الى
جامع القصر ونحي شباط المقصورة لأجلها وحضر جميع ارباب الدولة سوى الوزير وصلى
عليها اخوها صاحب المخزن وامتلأت الاسواق والشوارع بالناس اكثر من يوم العيد
وتبعها الى مقبرة احمد بن حنبل خلق كثير من الاكابر ودفنت عند ابيها وشاع عنها
الذكر الجميل والزهد في الدنيا وحدثني اخوها صاحب المخزن انها كانت كثيرة التعبد
شديدة الخوف ما خرجت في عمرها من بيتها الا ثلاث مرات لضرورة وما كانت تلتفت الى
زينة الدنيا
367 - محمد بن احمد
ابن عبد الجبار ابو المظفر الحنفي يقال له المشطب ولد سنة اثنتين وتسعين واربعمائة
كان فقيها على مذهب ابي حنيفة مناظرا افتى ودرس سنين وتوفي ليلة الثلاثاء حادي عشر
جمادى الاولى وصلى عليه بجامع القصر ودفن بمقبرة الخيزران
368 - محمد بن اسعد
ابن محمد بن ابي منصور العطاري المعروف بحفدة ولد بطوس وكانت له معرفة جيدة
بالخلاف وانس بالتفسير وكان يعظ بتبريز وناظر طويلا ودرس وافتى وقدم بغداد بعد
الستين وخمسمائة فناظر بها وتوفي بتبريز في رجب هذه السنة
369
- محمد بن عبد الله
ابن هبة الله بن المظفر رئيس الرؤساء ابي القاسم ابن المسلمة ابو الفرج الوزير ولد
في جمادى الآخرة من سنة اربع عشرة وخمسمائة وكان ابوه استاذ دار المقتفي وتولى
المستنجد فأقره على ذلك ورفع قدره فوق ما كان فلما ولي المستضيء بأمر الله الخلافة
استوزره وكان يحفظ القرآن وقد سمع الحديث وله مروءة واكرام للعلماء والفقراء ثم
جرى له مع قيماز ما جرى فعزله الخليفة ثم مات قيماز فأعيد الى الوزارة وخرج من
بيته الى الحج يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة فضربه الباطنية اربع ضربات على باب قطفتا
فحمل الى دار هناك ولم يتكلم الا انه يقول الله الله وقال ادفنوني عند أبي ثم مات
بعد الظهر وحمل يوم الخميس الى جامع المنصور فصلى عليه ولده الأكبر ودفن عند أبيه
بمقبرة الرباط عند الجامع
370
- محمد بن محمد
ابن هبة الله بن احمد ابن الزيتوني ابو الثناء سمع الحديث ووعظ وانقطع في مسجده
وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن في زاويته الملاصقة لمسجده
371
- محمد بن أبي نصر
ابو سعد ابن المعوج حاجب الباب قد ذكرنا انه ضربه الباطنية يوم قتل الوزير وحمل
الى داره بنهر معلى فدفن بها
سنة
ثم دخلت سنة اربع وسبعين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها انه كان مفتتحها الثلاثاء فتقدم الي بالكلام تحت منظرة باب بدر
فتكلمت بكرة وحضر امير المؤمنين وتكلمت هناك يوم عاشوراء حضر امير المؤمنين وقلت
ولو أني مثلت بين يدي السدة الشريفة لقلت يا امير المؤمنين كن لله سبحانه مع حاجتك
اليه كما كان لك مع غناه عنك انه لم يجعل احدا فوقك فلا ترض أن يكون أحد أشكر منك
فتصدق يومئذ أمير المؤمنين عقيب المجلس بصدقات واطلق محبوسين
وانكسف القمر بعد ثلث الليل الاخير ليلة النصف من ربيع الاول فبقي على حاله الى ان
غاب بعد طلوع الشمس وانكسفت الشمس يوم الاربعاء تاسع عشرين ربيع الاول وقت العصر
فبقيت الى قريب الغروب كذلك
وولدت امرأة من جيراننا في بطن واحدة ثلاثة اولاد ابن وبنتان فعاشوا بعض اليوم
وذلك في جمادى الاولى
وفي اوائل جمادى الآخرة تقدم امير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الامام احمد بن
حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة وبني لها جانبان ووقع اللوح
الجديد وفي رأسه مكتوب هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله امير
المؤمنين وفي وسطه هذا قبر تاج السنة وحيد
الأمة
العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الامام ابي عبد الله احمد بن محمد بن
حنبل الشيباني رحمه الله وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك ووعدت بالجلوس
في جامع المنصور فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الاولى فبات في الجامع خلق
كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة الف وتاب خلق كثير وقطعت شعور
ثم نزلت فمضيت الى زيادة قبر احمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف
وفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الاولى اطلق تتامش الى داره وتقدم امير المؤمنين
بعمل دكة بجامع القصر للشيخ ابي الفتح ابن المنى الفقيه الحنبلي جلس فيها يوم
الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة فماتوا اهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة وما كانت
العادة قد جرت بذلك وجعل الناس يقولون لي هذا بسببك فانه ما ارتفع هذا المذهب عند
السلطان حتى مال الى الحنابلة الا بسماع كلامك فشكرت الله تعالى على ذلك
ولقد قال لي صاحب المخزن ما يخرج الي شيء من عند السلطان فيه ذكرك الا يثني عليه
وقال له يوما نجاح الخادم انت تتعصب لابن الجوزي فقال والله ما يتعصب له سيدك بقدر
ما اتعصب له الا خمسين مرة وما يعجبه كلام غيره وكان يقول الوزير ابن رئيس الرؤساء
ما دخلت قط على الخليفة الا جرى ذكر ابن الجوزي وصار لي خمس مدارس وهذا شيء ما رآه
الحنابلة الا في زمني ولي مائة وثلاثون مصنفا الى اليوم وهي في كل فن وقد تاب على
يدي اكثر من مائة الف وقطعت اكثر من عشرين الف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي
جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء
وفي يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة تكلمت بباب بدر وامير المؤمنين حاضر والزحام
شديد
وفي بكرة السبت رابع رجب حضر الناس الدعوة في دار امير المؤمنين على رسمهم في كل
سنة فأكلوا ودبرت ختمات وقرأ القراء كلهم وعاد للختمة
ابن
المهتدي الخطيب وانشد ابن شبيب
وتكلمت يوم الخميس بعد العصر تاسع رجب تحت المنظرة وامير المؤمنين حاضر والزحام
شديد وبالغت في وعظ امير المؤمنين فمما حكيت له ان الرشيد قال لشيبان عظني فقال يا
امير المؤمنين لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الامن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى
يدر لك الخوف قال فسر لي هذا قال من يقول لك انت مسؤول عن الرعية فاتق الله انصح
لك ممن يقول انتم اهل بيت مغفور لكم وانتم قرابة نبيكم فبكى الرشيد حتى رحمه من
حوله وقلت له في كلامي يا امير المؤمنين ان تكلمت خفت منك وان سكت خفت عليك فانا
اقدم خوفي عليك لمحبتي لك على خوفي منك وتكلمت يوم السبت مفتتح رمضان في مدرستي
بدرب دينار فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الابواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق
من المفسدين
وخرج كانون ولم يأت فيه الا شيء يسير من المطر وخرج كانون الثاني خاليا عن مطر
وكذلك خرج شباط وآذار وجاء نيسان مرة شيء يسير وشاع في الناس ان في الموصل الغلاء
وفي ما حولها وانهم استسقوا فلم يسقوا واما دجلة فما رأيت فيها زيادة ولا انقطع الجسر
طول السنة وهلك من الزرع ما كان سقيه بالمطر واجدبت واسط فكانوا ينقلون الطعام من
بغداد اليها فمنع ذلك وصار الخبز الحواري كل ستة ارطال بقيراط والشعير كل اربعة
ارطال بحبة وهم على حذر من الغلاء الشديد هذا والناس يحصدون
وجاء رجل الى بغداد في رمضان فذكر انه يضرب بالسيف والسكين فلا يعمل فيه ولكن
ذكروا ان ذلك سيفه وسكينه خاصة وكان يقول لهم انا مشعبذ
وفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان كبس بالكرخ على رجل يقال له ابو السعادات ابن
قرايا كان ينشد على الدكاكين ويقال انه كان يذكر على العوني وغيره من الرفض فوجدوا
عنده كتبا كثيرة فيها سب الصحابة وتلقيفهم فأخذ فقطع لسانه بكرة الجمعة وقطعت يده
ثم حط الى الشط ليحمل
الى
المارستان فضربه العوام بالآجر في الطريق فهرب الى الشط فجعل يسبح وهو يضربونه حتى
مات ثم أخرجوه وأحرقوه ثم رمي باقيه الى الماء فطفا بعد ايام فقالت العامة ما رضيته
السمك وقالت العامة فيه الشعر الكثير المسمى بكان وكان فقال بعضهم ... زورو الشبيك
وخلوا ... سرداب سامرا ... السنة خل المشبه حامض ... وقعت فيه هراك ...
ما رأيتم ابن قرايا رأيا ظهر فيه معجزة ان ردت بل وتقدم هذا عقوبة ذاك
ثم ريع جماعة من الروافض فجعلوا يحرقوا كتبا عندهم من غير أن يطلع عليها مخافة ان
ينم عليهم وخمدت جمرتهم بمرة وصاروا أذل من اليهود
وفي ليلة السبت تاسع عشرين رمضان حضر الجماعة على طبق صاحب المخزن فتكلم ابن
البغدادي الفقيه فقال ان عائشة قاتلت عليا عليه السلام فصارت من جملة البغاة فتقدم
صاحب المخزن باقامته من مكانه ووكل به في المخزن وكتب الى امير المؤمنين بذلك فخرج
التوقيع بتعزيره فجمع الفقهاء فقيل لهم ما تقولون فيما قال وهل يجوز أن يترك
تعزيره اذا اقر بالخطأ فجعل هو يناظر على ما قال والفقهاء يردون ما يقول فقلت انا
من بين الجماعة هذا رجل ليس له علم بالنقل وقد سمع انه جرى قتال ولعمري لقد جرى
قتال ولكن ما قصدته عائشة ولا علي انما أثار الحرب سفهاء الفريقين ولولا علمنا
بالسير لقلنا مثل ما قال وتعزير مثل هذا ان يقر بالخطأ بين الجماعة ويصفح عنه فكتب
الى امير المؤمنين بذلك فوقع اذا كان قد أقر بالخطأ فيشترط عليه ان لا يعاود ثم
أطلق
وجاء الخبر بقلة الماء في طريق مكة وبعدم العشب والجمال فنودي في الناس لا يخرج
ماش ولا صاحب تجارة فقعد خلق كثير ورجع قوم قد قدموا من الموصل للحج فعادوا يبيعون
زادهم وخرج من خرج على خوف ومخاطرة وعاد جماعة من الحلة ونزل اكثرهم في السفن فخرج
عليهم عرب فأخذوا اكثر الاموال وقتل منهم قوم وشاع انه قدم قوم من الباطنية يريدون
قتل
قوم
من الاكابر فوقع الاحتراز وحكى لي ثقات ان الارض زلزلت بعد العصر يوم السبت ثاني
عشر ذي القعدة اربع مرات ولم احس انا بذلك
ومما جرى في هذا الشهر أن رجلا تاجرا اكرى مع مكارية من الموصل وكان معه الف دينار
فعلم بها المكارية فسرقوها في الطريق فلم يتكلم حتى دخل بغداد فاستعدى عليهم
فأحضرهم صاحب المخزن فأقر أحدهم اني أنا أخذتها وهي مدفونة في الياسرية فبعث فجيء
بها فنقصت خمسين دينارا فطولب فقال هي مع قرابة لي فقال صاحب المخزن احبسوا هذا
حتى نصلبه غدا فقام الرجل في الليل فصلب نفسه
وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذي القعدة هبت ريح شديدة وغامت السماء نصف الليل
وظهرت اعمدة مثل النار في اطراف السماء كأنها تتصاعد من الارض فاستغاث الناس
استغاثة شديدة وبقي الامر على ذلك الى ضحوة ذي الحجة ولم ير الهلال ليلة الثلاثين
فأرخ الناس الشهر بالجمعة على التمام وكان الهلال زائدا على الحد في الكبر والعلو
فجعلنا ندهش من كبره
ومن العادة ان اول رمضان هو يوم الاضحى وهذا ليس كذلك فبقي الامر على هذا يوم
الجمعة الى يوم الجمعة قبل الصلاة فوصل من بعض البلاد ما أوجب ان علم الناس ان
اليوم يوم عرفة فأخرج المنبر وهيئت امور العيد وتقدم الى الجلوس عشية الجمعة فجلست
للتعريف بباب بدر وامير المؤمنين حاضر
ذكر من توفي في هذه السنة من الاكابر
372 - احمد بن عيسى
ابن ابي غالب ابو العباس الابروزي الضرير قرأ القرآن وسمع الحديث وتفقه وناظر وكان
فيه دين توفي يوم الجمعة عاشر رجب وصلى عليه يومئذ بجامع
القصر
ودفن بمقبرة احمد بن حنبل
373 - سعد بن محمد
ابو الفوارس الصيفي الناقد الشاعر ويلقب بالحيص بيص سمع شيئا من الحديث ومدح
الاكابر وتقدم عندهم على الشعراء ومن شعره يمدح الوزير علي بن طراد ... ما انصفت
بغداد ناشئيها الذي ... كثر الثناء به على بغداد ... شاني اذا مد الجدال رواقه ...
بصوارم غير السيوف حداد ... وجرت بأنواع العلوم مقالتي ... كالسيل مد الى قرار
الوادي ... وذعرت ألباب الخصوم بخاطر ... يقظان في الاصدار والايراد ... فتصدعوا
متفرقين كأنهم ... مال تفرقه يد ابن طراد ...
وقال ايضا ... كل ما وسعت حلمي جاهلا ... اوسع الجهل له فحش المقال ... واذا شاردة
فهت بها ... سبقت مر النعامي والشمال ... عز بأسي أن أرى مضطهدا ... وأبى لي غرب
عزمي أن أبالي ... لا تلمني في شقائي بالعلا ... رغد العيش لربات الحجال ... سيف
عز زانه رونقه ... فهو بالطبع غني عن صقال ...
توفي ليلة الاربعاء سادس عشر شعبان هذه السنة
374 - شهدة بنت احمد
ابن عمر الابري المدعوة فخر النساء الكاتبة سمعت الحديث من ابن السراج وطراد
وغيرهما وقرأت عليه كثيرا وكان لها خط حسن وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة وعاشت مخالطة
للدار ولاهل العلم وكان لها بر وخير وقرئ عليها الحديث سنين وعمرت حتى قاربت
المائة وتوفيت ليلة الاثنين رابع عشر المحرم وصلي عليها بجامع القصر وازيل شباك
المقصورة لأجلها وحضرها خلق كثير وعامة العلماء ودفنت بمقبرة باب ابرز
375
- عمار بن سلامة
ابو البقاء الحراني كان من اماثل التجار كثير الصدقة ملازما لمجلس الذكر كثير
الخشوع والبكاء متعصبا لأهل السنة مبالغا في حب أصحاب احمد بن حنبل مرض ثلاثة ايام
وتوفي ليلة الاحد ثالث عشر محرم هذه السنة وصليت عليه بمدرستي بدرب دينار وحضر خلق
كثير ودفن بمقبرة الامام احمد بن حنبل رضي الله عنه
والله تعالى اعلم بالصواب واليه المرجع والمآب والحمد لله وحده وصلى الله على
سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
تم الجزء الثامن من الكتاب المنتظم في تاريخ الملوك والامم بتمامه وكماله تأليف
الشيخ الامام العالم الحافظ ابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين وكان الفراغ من تعليق جملته يوم السبت حادي
عشرين ذي القعدة الحرام سنة اربع وخمسين وثمانمائة احسن الله عاقبتها في خير
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
دائما أبدا الى يوم الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق