سورة الطلاق مشاري

**

 المصحف المرتل ختمة كاليفورنيا

** ///

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الجمعة، 28 أبريل 2023

حوادث دمشق اليومية- الشام- أحمد البديري

بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لمن تفرّد بالبقاء، وتوحّد بالربوبية والكبرياء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأنبياء، وعلى آله الأصفياء وأصحابه الأتقياء.

أما بعد، فإن حوادث دمشق الشام اليومية التي صدر غالبها في أيام الوزيرين العظيمين: سليمان باشا وأسعد باشا اللذين هما من أعيان وزراء بني العظم العظام، جمعها الفاضل شهاب الدين أحمد بن بدير البديري الشهير بالحلاق، من سنة 1154 إلى سنة 1176 قد اشتملت على غرائب وعجائب وأهوال، ولبساطة مؤلفها كتبها بلسان عامي، ثم أطنب بزيادات الحوادث وأدعية مسجعة يملُّ سامعها ويسأم قارؤها، فحذفت القشر من هذه الحوادث ووضعت اللباب، وهذبتها على حسب الاستطاعة بالصواب، وإليه تعالى المرجع والمآب، آمين.

حوادث دمشق اليومية أحمد البديري

المقدمة | سنة 1154 | سنة 1155| سنة 1156 | سنة 1157 | سنة 1158 | سنة 1159 | سنة 1160 | سنة 1161 | سنة 1162 | سنة 1163 | سنة 1164 | سنة 1165 | سنة 1166 | سنة 1167 | سنة 1168 | سنة 1169 | سنة 1170 | سنة 1171 | سنة 1172 | سنة 1173 | سنة 1174 | سنة 1175 |

حوادث دمشق اليومية

المقدمة

المؤلف: أحمد البديري سنة 1154

=======

قال البديري رحمه الله ما معناه: وفي سنة 1154 كان والياً بالشام الحاج علي باشا من الأتراك وذلك بعد مضي إحدى عشرة سنة من جلوس مولانا السلطان محمود خان بن السلطان مصطفى خان، أيد الله عرش هذه الدولة إلى آخر الدوران.

جرى على لسان العامة أنه سيحدث بدمشق الشام زلازل عظيمة تتهدم بسببها أماكن كثيرة، وأن الرجال ستقلب نساء، وأن أنهار الشام تجري طعاما. وتحدثوا في حوادث كثيرة من مثل هذه الخرافات، وصاروا يتداولونها فيما بينهم، ولم يحدث شيء فيما بعد من هذه السنة.

وكانت هذه السنة سنة غلاء في الأقوات وغيرها، حتى بلغت أوقية السمن بخمس مصاري ونصف ورطل الأرز بستة عشر مصرية، ومد الشعير بثمان مصاري والخبز الأبيض باثني عشر مصرية ورطل الكعك بأربعة عشر مصرية والخبز الأسمر رطله بخمسة مصاري.

وكان في العام الذي قبله الحاكم بدمشق الشام عثمان باشا المحصل، أخرج الأورطة التي للقبيقول من قلعة الشام. فمنهم من نفاه، ومنهم من قتله، والذي بقي كرّ له كور عمامته بعد شهادة جماعة من الناس بأنه غير زَرْبَه، ولا وقع منه فساد، وشتت شملهم في جميع البلاد، وكان ذلك إصلاحا. وقد قتل الشر من دمشق الشام واصطلحت أحوال الناس.

وكان مجيء الجوخدار من الحج مبشراً في اليوم السابع والعشرين من شهر المحرم. ودخل الكَتّاب تلك السنة ليلة الأربعاء ثالث ليلة من شهر صفر. وكان الكَتّاب باكر بشة الحمامي ومعه جماعة. ودخول الحج إلى الشام كان نهار السبت ثاني يوم بعد مجيء الكَتّاب، ولم يزل ينجرّ وينسحب خمسة أيام حتى دخل المحمل. وذكر الحجاج أنهم داروا في هذه السنة دورتين بين الحرمين، وصار عليهم غلاء وبرد كثير، وقتل ابن مضيان شيخ العرب بين الحرمين بعد قتال وقع بينهم وبين والي الشام أمير الحج. ثم أقام مدة بعد مجيئه من الحج، والناس في أمن وأمان ثم عزل. ووجهت الدولة العلية على الشام سليمان باشا بن العظم، فأرسل سليمان باشا قبل دخوله للشام سلحداره زوج بنت الوفائي متسلماً وبقي نحو شهرين لم يدخل الشام، ثم أتى ونزل على البقاع، وأراد محاصرة جبل الدروز، فصالحوه بمال عظيم حتى أرضوه. ودخل الشام نهار الخميس ثاني عشر جمادى الثانية في هذه السنة المذكورة وهي سنة 1154. وبعد ثلاثة أيام من دخوله صلب ثلاثة أشقياء من العرب، وبعد ذلك أبقى كل شيء على حاله ولم يحرك ساكناً.

وكانت السنة التي دخل فيها بمظهر اسمين من أسمائه تعالى: وهما قيوم حفيظ لسنة 1154، نظمها الشيخ عبد الرحمن البهلول أحد أدباء الشام ببيت، فقال:

بهذا العام فيهم قد تجلى

مع التاريخ قيوم حفيظ

وفي هذه السنة كان صوم رمضان الجمعة، ثم ثبت في آخره أن الشهر كان أوله الخميس، وخرج المحمل الشريف مع الباشا في منتصف شوال نهار السبت، وثاني يوم جاء الحج الحلبي، ومعهم من العجم نحو الثلاث مئة. وبعد أربعة أيام خرج الحج، وبقيت شرذمة من الحاج لأجل دفتر دار السلطان محمود خان، فخرج ثاني يوم الخميس، وخروج الحاج كان في كانون الأول والبرد في غاية الشدة، وبقي الصقيع والجليد في الأرض نحواً من خمسة وعشرين يوماً، والشمس طالعة والجليد لا يذوب، حتى قيل إنه ما رؤي مثلها، فقد يبست الأشجار، وعدمت الثمار على الخصوص الليمون والكباد والنارنج، حتى بيع رطل الفحم بالشام بثلاثة مصاري. وأخبرت المزيرباتية بعد رجوعهم أنه بيع رطل الفحم كل ثلاثة أرطال بقرش.

وفي هذه السنة خرجت الجردة نهار السبت السابع والعشرين من ذي القعدة، وصار عليها سردار يعقوب باشا المتولي على مدينة حلب، وقد ذكر له سيرة مرضية وعدل بالرعية.

قال الشيخ أحمد البديري: وقد قلت في هذا العام، وهو عام 1154 هذا المواليا في حق من أظهر الكذب والأراجيف التي قدمنا ذكرها، حيث قلت:

من كثر كذب الروافض دبّ فينا الشيب

ما يعلموا الكذب أنه من شروط العيب

من جهة الزلزلة قالوا كلام الريب

هم الملاعين صاروا يعلموا بالغيب

غيره:

في ليلة السبت خامس عشر في محرم

مالو لقول الروافض زور ومحرّم

من جهة الزلزلة النوم تحرم

من نام تحت السقوفة يا أخي بالليل

شم الهوى بين أطرافه بيتحرم

غيره

يا ناس كذب الروافض شاع في الأقطار

وصيّرونا نسا نقعد بوسط الدار

ينزل عليهم غضب واحد أحد قهار

روّعوا الخلق في هل زلزلة يا ناس

همو حمير اليهود جوا سقر في النار

غيره

بثبوت إن الرافض يوم الحشر يا أخيار

حمير للركب للخاخان والجوقار

راموا دسيسة بجلّق عمت الأقطار

في ليلة السبت قالوا الزلزلة بتصير

هل يعلم الغيب إلا الواحد القهار

غيره

في ليلة السبت قالوا الزلزلة بتصير

والطفل من عجبها بين الورى بتحير

أسألك يا رب بمن جا للأنام بشير

تمسح روافض أهل الشام يا معبود

واحرق آباهم وغوّر كورهم والبير

قد قالت الناس كذبة ما سمعناها

أنهار الشام يا أخي ينقع ماءها

تجري طعام بدال الماء مجراها

فاختية ورز أصفر ولحم سمين

قوموا انظروا للكبب والسمن غطّاها

غيره

سمعت واحد يقول يا أخي قساطلكم

هي عاطلة تاقوم معكم أعاونكم

لأن أدهان ها الألوان تساعدكم

وتخبوها لأيام الغلا والقحط

لا يحبسوها الكبب في دربها عنكم

غيره

في سنة أربع مع الخمسين يا سادات

سمعت أخبار ما سمعت بها عادات

زادوا بإسرافهم ما سمعوا الكلمات

الكل لله والأعمال بالنيات

غيره

استغفر الله ربي باعث الأرزاق

واحد مهيمن تجد كلها إطلاق

وامدح المصطفى هو صفوة الخلاق

يغفر لكم ومعكم أحمد الحلاق

حوادث دمشق اليومية

سنة 1154

المؤلف: أحمد البديري سنة 1155

=======

ثم دخلت سنة 1155 وأولها يوم الخميس وهو أول المحرم. وبعد خمسة أيام كان أول آذار. وفي تلك الأيام ظهر كوكب وصار يطلع كل ليلة من جهة الشرق من نصف الليل إلى طلوع الفجر، وله ذنب طويل، ومكث أياماً ثم غاب. وقد عمل بعضهم تاريخاً يتضمن تاريخاً لدخول هذه السنة وهي:

نحمد الله الذي أوهبنا

حسن عام وحبانا بالكرم

هلّ هذا العام يا قوم انظروا

لفظة التاريخ فألاّ يغتنم

فاضرعوا لله في إتمامه

بنجاح إنكم خير أمم

وابشروا يا أمة الهادي الذي

خصه الله بفضل وحكم

فضل ربي عمّنا تكرمة

ليس يحصى شكر هاتيك النعم

وكذا كل الورى قد عمهم

لطفه سبحانه باري النسم

وخصوصا عصبة الشام التي

هي للأبدال مأوى ملتزم

كيف والسادات قد حلّوا بها

سرّهم عمّ لسهل وأكم

فاشكروا الله على عام أتى

أظهر التاريخ حفظاً ونعم

وكان دخول جوقدار سليمان باشا الوزير ابن العظم سنة 1155 في يوم السبت الواقع في رابع وعشرين من شهر محرم من السنة المذكورة. وفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من المحرم أقبل كتّاب الحج الشريف. وثارت في اليوم المذكور ريح شديد يومين وليلتين قلعت أشجاراً كثيرة وهدمت أماكن لا تحصى، ووقع فرع عظيم من شجرة الخرنوبة التي في الحضرة على رأس غلام مراهق فمات لوقته ورجلين آخرين فهشّمهم، وسكن الريح بوقته. وفي عاشر ذي القعدة دخل مصطفى باشا متولي طرابلس الشام نهار الاثنين إلى دمشق، عينته الدولة العلية سرداراً على الجردة. والمذكور كان سفاكاً للدماء ظلوماً غشوماً أهرق دماء كثيرة حينما كان في طرابلس، وكان غالب قتله بالكلاب والشنكل، يترك الرجل حتى يموت جوعاً وعطشاً، فهربت غالب أهالي طرابلس من ظلمه وتفرقوا في البلاد، وأرسل أعوانه في طلب الهاربين، فالذي قبضوا عليه كان من الهالكين. وبعد مجيئه لدمشق وقعت فتنة بين الدالاتية التي للمتسلم وبين لاوند الأكراد، وقتل من الفريقين جماعة، وكانت تلك الفتنة في يوم الجمعة، حتى بطلت صلاة الجمعة في كثير من الجوامع.

وفي غرة ذي الحجة ختام السنة المذكورة توفي الشيخ محمد الكيال وكان من رؤساء المؤذنين في جامع الأموي، وكان رجلاً صالحاً، وكان ينسخ كتباً وغيرها بخط مقبول، وكان ينام والقلم بيده ويفيق ويكتب من غير نظر للكتابة، وقد عُدّت له كرامة.

وفي ذلك اليوم جاء خبر قتل متسلم دمشق، قتله عرب الزبيد وقتلوا من جنده جماعة كثيرة، وذلك لما كانت هذه العرب عاصية على الدولة خرج المتسلم المذكور ومعه جماعة من العسكر، فساروا حتى وصلوا للعرب المذكورة، ففاجأهم المتسلم وجنوده على حين غفلة بالقتل وغيره، وأرادوا أخذ أموالهم ومواشيهم، فردوا عليهم رد غيور صبور فقتلوا المتسلم المذكور وجماعة من عسكره، فحين بلغ هذا الأمر أكابر دمشق عملوا ديواناً ثم أمروا منادياً ينادي: من أراد طاعة الله والسلطان ممن له قدرة وقوة على الركوب فلا يتخلف، فالغارة الغارة على عرب الزبيد الذين قتلوا المتسلم وعسكره، فخرجت الإنكشارية والسباهية والزعماء، عينوا نائباً بدمشق حسين آغا بن القطيفاني، المتولي على وقف المرحوم سنان باشا، ثم ساروا للعرب، ورجعوا ومعهم جسد المتسلم المقتول، وهو في حالة عبرة لمن اعتبر، ثم غسلوه في سراية الحكم ودفنوه في باب الصغير. وكان اسمه إبراهيم، وهو مملوك سليمان باشا بن العظم حاكم الشام، وكان مع عدل مولاه، له ظلم وعدوان وجرأة على الخاص والعام، وكان يأمر بالقبض على كل من رآه بعد العشاء، ويأمر بتقييده في الحال بالحديد، إلى أن يأخذ منه مال كثير، وإذا أذنب أحد ذنباً، ولم يقدر على قبضه يقبض من يقدر عليه من أهله وقرابته، ويلزمه بمال عظيم، وإذا نهاه أحد عن تلك الأحوال يحرد، ويطلب الارتحال، ولا زال بظلمه وعتوه، إلى أن أخذه الله. وقيل سبب تدميره أنه جاءه شيخ الجبلة، الفحيلي، وقال له سراً: قم حتى أكسبك كثيراً من الغنائم، ولم يعلم أحد من كبراء الشام، سوى قومه الطغاة، فذهب هو وقومه حتى وصل إلى اللجاة، فلما وصل إلى تلك القبيلة ساق أموالهم والحريم، فارتدت عليه العرب، وأخذ عليه واحد منهم نيشاناً فضربه ولم يخطئه، وتركه ملقى قتيلاً وقتلوا جماعة من قومه، ذلك بما قدمت يداه.

وفي نهار السبت منتصف ذي الحجة، توفي أبونا ووالدنا وأستاذنا ومربينا سليمان بن الحشيش الحكواتي رحمه لله. كان فريد عصره ووحيداً في أوانه. وكان يحكي سيرة الظاهر وعنترة وسيف، ونوادر غريبة في التركي والعربي، ومع ذلك فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. وكان أشقر أبرص، شديد البياض إلاّ أنه بحر خضم لا يخاض رحمه الله.

وفي يوم السبت خامس عشر ذي الحجة توفي المرحوم عبد العزيز أفندي السفرجلاني، وكان فقيهاً محباً للعلماء، مقبولاً عند الحكام مهاباً وقوراً، وأعطي جاهاً لن ينله أحد من بني السفرجلاني، محباً لفعل الخير، ولهذا حصل له القبول عند الخاص والعام.

وفي أوائل الشتاء من آخر هذه السنة قلت الأمطار، ويئست الخلق ونهض الغلاء على قدم وساق، فأغاث الله عباده بالأمطار كالبحار، وذلك في ابتداء كانون الثاني، واستمر ليلاً مع نهار لا يفتر، وأثلجت الدنيا سبع مرات، واستمر ذلك خمسة وأربعين يوماً، وتهدمت أماكن كثيرة بحيث ما بقي محل ولا جهة في الشام إلا ووقع الهدم فيها، ثم بعد ذلك طلعت الشمس، وأحيا الله الأرض بعد موتها.

===

ثم دخلت سنة 1156، ألف ومئة وستة وخمسين نهار الاثنين غرة محرم، جعلها الله سنة خير ورحمة وبركة. وكان والياً بدمشق الشام سليمان باشا العظم، وهو في ركب الحج الشريف.

وفي نهار الثلاثاء، الثالث والعشرين من شوال توفي الشيخ العالم الفقيه الواعظ الشيخ أحمد الخطيب. الواعظ والإمام في جامع الدقاق في محلة القبيبات قبلي دمشق الشام، وهي الميدان التحتاني عند باب الله. قال المؤرخ: وتلك المحلة بها مولدي، ومسقط رأسي وبها منزلنا، وبعد وفاة والدنا انتقلنا منها إلى محلة التعديل. وكان الشيخ أحمد المذكور رجلاً فاضلاً، فقد أحيا تلك المحلة بالعلوم والدين، وانتفع به كثير من المسلمين.

وفي اليوم الثالث والعشرين من شوال من هذه السنة، قدم سلخور من جهة السلطان، بتحصيل مال سليمان باشا، وقدره اثنا عشر ألف كيس، ودخل الشام مثل شعلة النيران، وأخرج حرم سليمان باشا من ديارهم إخراجاً شنيعاً، وصاروا يفتشونهم كذا، واحدة واحدة، مع التفتيش في جيابهم وأعبابهم، وختم على جميع مخادع الدار، وأمر بالقبض على ابن عم المرحوم سليمان باشا، وهو السيد محمد، وعلى جماعة أخرى معه، وأمر بالترسيم الشديد عليهم، وسأل عن محمد آغا الديري، وكيل خرج سليمان باشا، فأخبروه أنه ذهب مع أسعد باشا إلى الحج، فأمر بجلبه، فجاؤوا به، وأمر بالترسيم عليه.

قال المؤرخ البديري: ثم أحضر السلخور القاضي والأعيان، واستجلب حرم سليمان الباشا، وأحضر الجلاد وآلة العذاب، وشدّد على الحريم بالطلب، وأن يعلموه عن المال أين مخبأ، فلما رأوا التشديد خافوا من العذاب وأقروا له عن بعض مخابئ تحت الأرض، فأرسل خلف المعمارية الذين عمروا السرايا، وكانوا نصارى، وكان المعلم نصرانياً يقال له ابن سياج، فأمر القبجي بتعذيبهم، وقطع رؤوسهم وأيديهم، فلما تحققوا عذابهم قالوا: نحن ندلك على كل ما عمل ثم أنهم حفروا له تحت الدرج، فبان عن سرداب، فرفعوا عنه التراب، ونزلوا في درج، فظهر مكان واسع وفيه صندوق مقفول وعليه غالات وقفول، فأخرجوه وفتحوه، فرأوه ملآن من الدراهم والريالات. ثم أخرجهم النصراني إلى مخدع، فحفر في دوائره، فإذا فيه سبع براني مملوءة من الذهب المحبوب السلطاني، فلما رأى الحاضرون ذلك الحال زاغت منهم الأبصار، ثم عدوه وضبطوه، فوجدوه ثمان مئة كيس وخمسين كيساً. فلما بلغ الناس ما خرج عنده من هذا المال، وكان في أيام شدة الغلاء، مع سوء الحال، لهجوا بالذم والنكال، وقالوا قد جوّع النساء والرجال والبهائم والأطفال حتى جمع هذا المال من أصحاب العيال، ولم يراقب الله ذا الجلال.

وقبلا جاء قبجي لضبط مال سليمان باشا، فضبط ألفين وخمسين كيساً، فلم يره بشيء كذا. وقد كان فتحي أفندي الدفتردار اشترى غالب متاعه والأغلال، فكان عنده من القمح ما بلغ ثمنه خمسة وعشرين كيساً، وبلغ الغرارة بخمسة وعشرين غرشا، والكيس بخمس مئة غرش، فانظر كم غرارة بخمسة وعشرين كيسا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسيأتي الكلام على بطش الله، وغضبه بالدفتري المذكور، لأن الله تعالى يمهل ولا يهمل. ولا تحسبنّ الله غافلاً عما يعمل الظالمون.

وفي اليوم الرابع والعشرين، وهو يوم السبت من شهر ذي القعدة، توفي الشيخ محمد المكتبي، هو وابنه، في الطاعون المشتد في هذه الأوقات. وكان إماماً في الجامع القلعي، وشيخ كتاب في محلة الخراطين، فتوفي هو في أول النهار، وابنه في آخره. وكان مبدأ هذا الطاعون أول الخريف، في أواخر الصيف، واستمر حتى دخل الشتاء وزاد كثيراً، وقد قيل بدخول السنة الجديدة يذهب.

وفي أوائل ذي الحجة، طلع نجم له ذنب، من جهة الغرب، ويستمر إلى ما بعد الشتاء بقليل واستقام إلى أن دخلت السنة الجديدة.

======

وكان دخولها غرة محرم الحرام يوم السبت سنة سبع وخمسين ومئة وألف، 1157 فبقي النجم الذي له ذنب يطلع من جهة الغرب، ثم صار يطلع من جهة الشرق، وذنبه إلى الغرب.

وفي نهار الخميس خامس جمادى الأولى، سافر إلى اصطنبول القبجي المذكور. وقد ظنت الناس أن أسعد باشا ابن أخي سليمان باشا يفعل أمراً في القبجي وفي فتحي الدفتردار فلم يقع منه شيء وسيأتي تدبيره في تدمير الدفتردار قريباً.

وفي آخر جمادى الثانية جاء خبر من الدولة العلية في طلب فتحي أفندي الدفتردار، فسار صحبة القبجي الذي جاء في طلبه.

وفي خامس يوم رجب تعصبت أعيان الشام، وعملوا عرضاً في فتحي أفندي بأنه من المفسدين، وما تم الأمر معهم لاختلاف كلمتهم.

وفي ليلة الثالثة والعشرين من رجب بعد العشاء انشقت السماء ونزل منه آفة عظيمة، واشتهر ذلك بين الناس. قال المؤرخ: ولم أرها بعيني.

وفي ثامن يوم من شعبان دخل قاضي الشام محمد أفندي زاده، وكان رجلاً عاقلاً، إلا أنه ما عنده سياسة ولا تدبير.

وفي اليوم الرابع عشر من شهر رمضان بهذه السنة جاء فتحي أفندي الدفتردار من اصطنبول ودخل الشام بفرح وسرور، ولم ينله أدنى ضيم، وسبب ذلك ما بذل في الاصطنبول من المال الذي تميل به قلوب الرجال. وكان محسوباً على القظلار وجماعة من رؤساء الدولة كبار. وقيل إنه دخل اصطنبول سراً وفرق المال سراً وجهراً، وكان قد طلبه السلطان فزيّوا رجلاً بزيه، وأدخلوه على الملك، فقرعه بالكلام وبما وقع منه، وما أرسلت أهل الشام من الشكايات عليه، فكان كلما قال له حضرة الملك محمود خان كلاماً يشير له برأسه أن نعم، وكان قد أمره بذلك من أدخله، فحالاً أمر بقتله فقتل، وهو يظن أنه فتحي أفندي الدفتردار، ثم أمروا فتحي أن يلحق بالشام ليلاً. وفي آخر ذي الحجة بطلت الفلوس الذي كذا كانت ضرب الشام.

====

ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومئة وألف نهار الثلاثاء. تفاقم الأمر من تعدي الزرباوات وهم الأشقياء، فاستطالوا في سب الدين وظلم الناس وغير ذلك. وحاكم الشام حضرة أسعد باشا لا يحرك ساكناً، ولم يفعل شيئاً، حتى صاروا يسمونه سعدية قاضين، نائمة مع النائمين، ونرى الأشقياء للعرض والمال مستحلين. لكن البلد من الحركات ساكنة ومن ظلم الحكام آمنة. وفي خمسة عشر من جمادى الثانية توفي الشيخ الفاضل معتقد أهل الشام على الإطلاق الشيخ يوسف الطباخ الخلوتي. قال المؤرخ: ومما منَّ الله عليّ أن حلقت رأسه واغتنمت دعاءه، رحمه الله ورضي عنه.

وفي نهار الاثنين الحادي والعشرين من جمادى الثانية من هذه السنة قامت العامة من قلة الخبز وغلو الأسعار وهجموا على السرايا، رافعين أعلى أصواتهم بالبكاء والتضرع، قائلين ما يحل من الله قلة الشفقة على العباد الذين تضرروا بالغلاء، وأنت حاكم الشام ومسؤول عند الله عنا وعن هذه الأحوال. فقال لهم أسعد باشا: اذهبوا إلى المحكمة، واشكو حالكم إلى القاضي. فأقبلوا نحو المحكمة، واصطرخوا فيها يشكون حالهم وما أصابهم وما هو واقع بهم. فخرجت جماعة القاضي بالعصي وطردوهم، وكان ذلك بأمر نائبه، فهجمت العامة ورجموهم بالحجارة، فأمر القاضي أعوانه أن يضربوا بالبارود فضربوهم، فقتلوا منهم رجلاً شريفاً وجرحوا منهم جماعة، فغارت العامة عليهم، وساعدهم بعض الإنكشارية، فهزموا القاضي وقتلوا باش جوقدار وبعض أعوانه، ونهبوا المحكمة وحرقوا بابها، وسكّرت الناس البلد، فركب بعض الأغاوات وردّ الناس. وأما القاضي فقد هرب من فوق الأسطحة هو ونائبه وجماعته، فأخذه بعض الأكابر وصار يأخذ بخاطره، فحلف القاضي لا يسكن هذا الشهر إلاّ بالقلعة. ثم جمعوا مال القاضي ومتاعه والذي نقص منه فرضوه على خزينة الوجاق وعلى بعض الأكابر والأعيان، وأرضوا القاضي وصالحوه وإلى المحكمة ردّوه.

وفي نهار الثامن والعشرين من جمادى الثانية توفي الشيخ الزاهد صاحب الأحوال والكرامات الشيخ أحمد النحلاوي الأحمدي، ودفن بزاويته القاطن بها جوار ستي خاتون شاه أخت الملك العادل السلطان نور الدين الشهير بزقاق المحكمة. ثم في هذه الأوقات زاد غلو الأسعار وقلت الأمطار وعظمت أمور السفهة والأشرار، حتى صار رطل الجبن بنصف قرش والبيضة بمصرية وأوقية السيرج بنصف الثلث، ومد الشعير بنصف قرش، ومد الحمّص بنصف قرش، ومد العدس بنصف قرش، وغرارة القمح بخمسة وأربعين قرشا، بعدما كانت بخمسة وعشرين غرشا، وأوقية الطحينة بأربعة مصاري، والدبس كل ثلاثة أرطال بقرش، ورطل العسل بقرش وربع، وكل شيء نهض ثمنه فوق العادة، حتى صار مدّ الملح بنصف قرش.

وفي تلك الأيام هلك مصطفى آغا ابن القباني كيخية الإنكشارية بمرض أعيا الأطباء برؤه، وكان من الذين يدخرون القوت ويتمنون الغلاء لخلق الله، فجعل الله العذاب والعقاب، لقد بلغني عنه أنه لما أرادوا دفنه حفروا له قبراً فوجدوا فيه ثعباناً عظيماً، فحفروا غيره فوجدوا كذلك، حتى حفروا عدّة قبور وهم يجدون الثعبان، قلت: وقد سبق ذلك فيما سلف لبعض الظلمة. وقد وجدوا في تركته من السمسم مئة غرارة، على أن في البلد كلها لم يوجد مدّ سمسم، ووجدوا من القمح شيئاً كثيرا، وقد طلب منه أن يبيع غرارة القمح بخمسة وأربعين قرشاً فلم يقل، وحلف لا يبيعها إلاّ بخمسين، فهلك ولم يبع شيئاً، فبيعت في تركته، ورحم الله عباده بموته لأنه أرحم الراحمين.

=====

ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومئة ألف، وكان أولها يوم الأحد. وقد دخل قاضيها مصطفى أفندي وقدامه أعوانه حاملين البندق والسلاح، حتى وصل إلى المحكمة، وهذا لم يقع لغيره، ثم جلس في المحكمة لا يحرك ساكناً، وفقه الله.

وكان الحاكم في الشام والوالي بها حضرة الوزير الخطير أسعد باشا ابن العظم أيّده الله وأعزّ كلمته. وكان غائباً في الحاج، والمتسلم والكيخية موسى. ولكن الغلاء قائم على قدم وساق مع الكرب والخوف والشقاق.

وفي ثالث صفر دخل الحاج دمشق نهار الخميس صحبه أميره المعظم والوزير المفخم حضرة الحاج أسعد باشا العظم، فهو والحجاج على غاية من الصحة والسلامة. ثم بعد ذلك أرسل يطلب الدالاتية طلباً حثيثاً، فلما رأت الإنكشارية ذلك ضاقت عليهم الأرض، وقالوا كأقوالهم السابقة في قلة أدبهم: الست سعدية تريد أن تغدر بنا، وهذا الأمر لا يخوفنا. ثم زادوا بحمل السلاح ونهب المال وسبي العرض وسب الدين، وغير ذلك من الفظائع. ولما زادوا عتوّاً وفتكاً، ولم يراقبوا حضرة الحق جل جلاله، أرسا الله تعالى من غضبه ريحاً شديدة على الشام ما رؤي مثلها في سالف الأيام، فقلعت الأشجار من أصولها وأرمت غالب الجدران، حتى ظنت الناس أن القيامة قد قامت. وفي نهار الجمعة في الثاني والعشرين من شهر شعبان من هذه السنة قدم محمد آغا بن فروخ بمنصب دفترية الشام، مكان فتحي أفندي الفلاقنسي، وأقام في داره المشهورة بهم.

وفي خلال هذه الأيام زاد الهم على الناس واشتد بهم وقوف الحال مع شدة الغلاء، والخبز بستة مصاري كما قدّمنا، حتى صار رأس الكرنب الذي قدر النارنجة بمصريتين، والباقي على هذا المنوال فالأمر لله الملك المتعال.

وفي خلال هذه الأيام من هذه السنة جاء مقرر طرابلس الشام إلى حضرة سعد الدين باشا، وكان مع أخيه في الدورة، فرجع مع أخيه إلى دمشق، وأقام قليلاً، وسار طالباً منصبه، وفقه الله.

وفي هذه السنة كان ثبوت رمضان ليلة الاثنين، والعيد الأربعاء والصوم تمام.

وفي نهار الجمعة بعد الصلاة في سبعة شوال من هذه السنة خرج حضرة والي الشام وأمير الحاج أسعد باشا العظم قاصداً الحج الشريف، والحاج خرج يوم عشرين. ولما سافر حضرة الباشا ترك المتسلم بها وهو موسى كخية مكانه في الشام. فجاءه الخبر بأن الزرباوات وهم الأشقياء المطرودون مرادهم بأن يأتوا إلى الشام على حين غفلة من أهله، ويقتلوا جماعة من الذين تسببوا في طردهم، فاضطرب المتسلّم المذكور، وأرسل استجلب عبد الله الترك آغة الدالاتية المطرود وقوى شوكته وكثر جماعته. وصار محمود آغا آغة الدالاتية التفكجية يدور ويطوف ليلاً خارج دمشق، والدالاتية تحوم حول البلد، وقد أقلقوا الخلق وزاد النكد، ولا زال هذا الحال مدة غيبة الباشا والحاج.

===

ثم دخلت سنة ستين ومئة وألف، وكان غرة محرمها نهار الخميس، وفي نهار الاثنين خامس محرم الحرام من هذه السنة الموافق لأول كانون الثاني زادت المياه بسبب سيل عظيم، ودخوله للشام كان نصف الليل، فحصل طوفان لم يسمع له نظير من قديم الزمان، هجم الماء من نصف الليل إلى الشام، وأغرق جميع ما كان في طريقه من الدكاكين، وأتلف أموالاً كثيرة لا تعد ولا تحصى، حتى صار المرجة كالبحر، ومع ذلك الماء يخطف الطير، وله خرير ودويّ وهدير. وقد غطت هذه الزيادة حجر تاريخ القلعة، ومرت في الأسواق والدور وأخرجت شيئاً غير محصور، وقد صارت تحت القلعة وفي المناخ بالارتفاع طول قامة الإنسان.

قال المؤرخ البديري: وقد دخلت إلى قهوة المناخلية بعد انصراف الماء فوجدت الماء في أعلى مساطبها أعلى من ذراع، وقد شاب من هولها الكبير والصغير. وقد غرق بها أناس غير محصورين، مع ما أتلف من البهائم والأموال وقد أضرت بجميع ما مرت عليه وانهدمت أماكن كثيرة لا تحصى وتركتها بلاقع. نسأله تعالى اللطف في المقدور آمين.

وفي خامس صفر كان قدوم الحاج الشريف، وقد أخبرت الحجاج بأن هذه السنة من أجمل السنين وأحسنها، وجميعهم شاكرون وداعون لحضرة أسعد باشا بالدوام، من كثرة ما حصل لهم في الطريق من الراحة والخير والإنعام من حضرة الباشا لعموم الحجاج، فجزاه الله أحسن الجزاء آمين.

وقدم مع أسعد باشا من الحجاز في هذه السنة باكير شاه والي جدة، وأقام في دار فتحي أفندي المتقدم نحو شهرين في الشام، ثم سار قاصداً حماه، ولم يعلم ما سبب مجيئه. وعاد أيضاً مع الركب الشامي شيخ الإسلام وأقام مدة في الشام، وسار طالباً إسلامبول. وكان رجلاً كبير السن وقوراً، ما حرّك ساكناً في الشام مدة إقامته.

وبعد قدوم الحج خزنة مصر إلى الشام، وقد تأخرت عن ميعادها. وقد شدد الطلب حضرة أسعد باشا بعد مجيئه من الحج على الزرب الأشقياء، فقبضوا على أمين ابن الحديد وعلى عبده بن حمزة عنبر، فأمر بقتلهما فقتلا شر قتلة. وقد زادت الدالاتية الاعتداء والجور، وخربوا البلاد والقرى، فكثرت الشكاية منهم إلى والي الشام أسعد باشا، فكتب للدولة عليهم في شأنهم، فجاءه مرسوم بإبادتهم، فأمر منادياً أن ينادي كل من أقام من الدالاتية في الشام أكثر من ثلاثة أيام من أهل الفساد والعناد فدمه مهدور، ثم بعد أيام ظهرت الدالاتية ولم تتم القضية والحكم لله عالم الخفيّة. وفي يوم الاثنين سابع شعبان من هذه السنة أمر حضرة أسعد باشا الدالاتية والأطلية بأن تركب وتغير على أرض البقاع ومن فيها من الدروز، فيقتلوا ويأسروا وينهبوا ويفعلوا ما أرادوا. ثم بلغني أنهم أغاروا على جماعة من الدروز وهم على حين غفلة، فقتلوا منهم ومن مشايخهم، وقبضوا على الباقين منهم، ونهبوا الأموال والدواب والغنم والنساء والأولاد، وجاءوا برؤوسهم إلى دمشق. فكان يوم مجيئهم يوماً تقشعر منه الجلود مع الجلال. فنسأله تعالى أن يصلح الأحوال، ويرحم أهل الشام ويرخص لهم الأسعار.

وفي يوم الخميس عاشر شعبان عمل الشيخ إبراهيم الجباوي متولي جامع الأموي فرح عرس إلى ابن ابنه، وأمر أن تزين الأسواق بالقناديل والشمع، وأمر أن تشعل منائر الجامع الأموي فشعلت وهذا شيء ما سمعناه أنه سبق لغيره.

وفي ليلة السبت مات الشيخ الولي معتقد أهل الشام الشيخ عمران بن الشيخ إبراهيم إمام داء السعادة. كان رحمه الله من أرباب الأحوال، وكان له سنة أصابع في يده اليمنى، وكان يكتب خطاً حسناً بيده اليسرى ويقلد كل خط، وكان حسن الصوت بقراءة القرآن. ودفن بباب الصغير بجوار سيدنا بلال رضي الله عنه.

وفي هذا العام جاءنا الخبر بوفاة أحمد باشا بن حسن باشا والي بغداد وقيل إن سبب موته أن الدولة أرسلت له فروة مسمومة فلبسها فدب السم في بدنه، فمات رحمه الله. كان رحمه الله شجاعاً مقداماً مدبراً للأمور أطاعته العباد ودانت له البلاد، وقد دفع عن بغداد كل جبار، ولقد قصده طهماسب الخارجي ومعه عسكر جرار، وحاصر بغداد أشهراً فلم يقدر على فتحها فرجع ذليلاً صاغراً، وطلب بلاد الهند والتتر، فسلط عليه ولده فقتله ودمره، وتولى ولده مكانه، ولم يخرج على الدولة وكان اسمه دبوس. ولما توفي أحمد باشا والي بغداد أرسلت الدولة إلى بغداد والياً كور محمد باشا، وكان صدراً أسبق، فلما استقر ببغداد، طلبت منه الإنكشارية العلايف أي المعاشات. فقال لهم: علايفكم عندي. قالوا: لا، فقد كان أحمد باشا الذي كان قبلك يعطينا إياها من ماله، ولما تأتي له من الدولة يأخذها. قال لهم: أنا لا أفعل. قالوا: لا بد من ذلك وشددوا عليه بالكلام، وكانوا مثل البحر الزخار. فقال: إن كان ولا بد من ذلك فأرسلوا إليّ من أكابركم من كل بلد ثلاثة رجال، حتى يستلموا المال ففعلوا، ولما حصلوا عنده أمر بقتلهم ورمي جثثهم. فلما رأوا إلى ذلك أسرعوا إلى القلعة ورموا عليها بالمدافع والبارود، حتى هدموا سرايته، وقتلوا آغة جماعته. فخرج الباشا من سرداب تحت الأرض ينفذ من خارج البلد وفرّ هارباً إلى بلاد العجم. ثم كاتبت أهل بغداد إلى الدولة العلية بأن يرسلوا والياً لبغداد عليهم سمّوه لها، كان عند مخدومه أحمد باشا المتقدم، وكان فيه استعداد تام، فأرسلوه لهم وقد رضوا به.

وفي سابع وعشرين من شعبان قدم أسعد باشا من الدورة، وكان دخوله قبيل المغرب، وجاءت معه مغاربة كثيرة.

وفي هذه السنة صار ثبوت رمضان الأربعاء، وضربت المدافع ليلتها في الساعة الخامسة، وبعض الأئمة صلى التراويح تلك الليلة. وقد صارت غرارة القمح بعشرين قرشاً، والله يعيننا على هذا الغلاء، الذي هو رطل الخبز بخمسة مصاري، والأرز بإحدى عشرة مصرية، والباذنجان بأربع مصاري.

وفي ثامن رمضان جاء من اصطنبول شيخ الإسلام يقصد الحج إلى بيت الله الحرام، وخرجت لملاقاته أعيان الشام، ومكث اثنا عشر يوماً، وتوفي لرحمة الله تعالى وصار قبره بالشام، ودفن بباب الصغير قبلي سيدنا بلال رضي الله عنه.

وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر رمضان نبّه أسعد باشا بأن يكون الريال بقرشين إلا ثلث، وكان أولاً بقرش ونصف وأربع مصاري، وكان عيد الفطر في هذه السنة نهار الجمعة.

وفي يوم السبت سادس عشر شوال خرج المحمل الشريف صحبة أمير الحاج أسعد باشا العظم حفظه الله، وأقام نائباً عنه بدمشق متسلماً موسى كيخية المتقدم ذكره. وقد جاء خط شريف بعد خروج الباشا إلى الحج بإخراج أولاد الدروز من القلعة، فأخرجهم المتسلم، وصار في الجبل فرح عظيم. ولو كان أسعد باشا في الشام لما أخرجهم، لأنه طالما جاءته أوامر بإخراجهم فلم يخرجهم. وفي هذه السنة المطر قليل والغلاء كثير، وكان غالب قوت أهل الشام خبز الذرة والشعير، والفقراء مالهم من دون الله معين ولا نصير.

=========

وفي هذه الوقعة توفي الولي المجذوب الشيخ إبراهيم الملقب بالكيكي وكان رجلاً مباركاً، وأبوه رجل من الصلحاء من محلة القبيبات. وكان في غالب أوقاته يدق على يديه ويميل إلى ورائه وإلى قدامه، وينادي بأعلى صوته: ولك كيكي يا غوّاص، وتارة يبكي ويقول: بدّي امرأة حتى..، ويقول له الناس: أي شيء لك في المرأة؟ فقال: المرأة خبزة، وله وقائع وكرامات. ومن كراماته التي نقلوها عنه واشتهرت أنه رأى يوماً من الأيام رجلاً يبيع علب لبن، فصاح على صاحب اللبن وقال بدّي علبة، وصار يبكي ويدق بيديه، فاجتمعت الناس وأخرجوا له علبة، فقال الشيخ وهو يبكي لا أريد إلا هذه، وأشار إلى واحدة من علب اللبن، فأخرجوها له، فأخذها بيده وأفرغها على الأرض، وإذا قد نزل منها حية، فتركها وذهب، وله كرامات غيرها كثيرة. وسبب موته أنه أصابه قوّاس في رجله، فصار يبكي وينادي يا أبي يا غوّاص، قرصتني زلقطة، ومات بعد أيام، رحمه الله تعالى.

وفي يوم الثلاثاء سادس ذي الحجة أرسل موسى كيخية متسلم دمشق الشام بيرقين دالاتية ومعهم بعض من جماعتهم، فجاؤوا له بإسماعيل آغا ابن الشاويش بالجنزير، وكان مقيماً في بعض القرى صوباصياً، ورفعه إلى القلعة، وكذلك جاؤوا له بأخيه سليمان آغا ابن الحملي وبأحمد آغا ابن عساكر فأوقفوهم، وذكر للمتسلم أنهم كانوا مساعدين للدروز والزرب.

وفي يوم السبت كانت وقفة عيد الأضحى في دمشق الشام، ذلك العام. وقد كانت سنة كثيرة الأهوال والآلام. فقد صار فيها جدري كثير حتى أفنى وأمات أولاداً كثيرة فسبحان الباقي بعد فناء.

=========

ثم دخلت سنة اثنين وستين ومئة بعد الألف، وكانت غرة محرمها يوم السبت. والمرجو من الله تبارك وتعالى أن تكون سنة مباركة علينا وعلى جميع إخواننا المسلمين. والآن الناس في شدة وحصر زائد من كثرة الغلاء والشدائد. ولكن استبشرت الناس بالخير بكثرة الأمطار التي هطلت بأول هذا العام. وقد عمل لهذه السنة تاريخاً حسناً وفألاً مستحسناً أديب الشام الشيخ عبد الرحمن، وأدرجه ضمن هذين البيتين. فقال:

عام جديد نرتجي من ربنا

فيه مزيد الخير والنعماء

فعساه يغنينا بواسع فضله

إذ عمنا أرّخت عام غناء

وفي يوم الاثنين ثاني محرم هذه السنة توفي شيخنا محدث الديار الشامية، بل خاتمة المحدثين، من افتخرت به دمشق على سائر الدنيا الشيخ إسماعيل العجلوني المدرّس تحت قبة النسر بجامع بني أمية، ولم يبق أحد من أهل الشام من كبير وصغير إلا حضر جنازته. ودفن بتربة الشيخ أرسلان، رضي الله عنه. وعوّض الإسلام خيراً.

وفي تلك الأيام توفي إبراهيم آغا آغة القبقول المنفصل عن منصبه أشهراً، وكان ديِّناً متواضعا ملازماً لصلاة الجماعة في الجامع الأموي رحمه الله تعالى.

وفي السابع والعشرين من المحرم أقبل جوقدار الحج، وبعد ثلاثة أيام جاء كتّاب الحج. وفي ليلة الخميس دخل الحج الشريف خامس يوم من صفر الخير.

وفي ليلة الجمعة توفي الشاب اللطيف ذو القدر المنيف والأصل الشريف سلاسة السادة السعدية والبضعة الصديقية الشيخ بكري بن الشيخ مصطفى بن سعد الدين، لأن أباه من بيت سعد الدين، وأمه من بيت البكري، رحمه الله وعوّضه الجنة آمين. وفي يوم الثلاثاء دخل سعد الدين باشا أخو أسعد باشا بن العظم إلى الشام بموكب عظيم، لأنه سردار الجردة وأميرها وقد سار بها في السنة الماضية.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1162

المؤلف: أحمد البديري سنة 1163

===========

ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومئة وألف، وكان غرّة محرمها يوم الخميس. والبرد كثير والغلاء باقي لم يزل. وظل الخبز بخمسة مصاري، ورطل الأرز باثنتي عشر مصرية، ورطل اللحم بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الفحم بثلاثة مصاري، ورطل الدبس بثمان مصاري، وأوقية السمن بخمسة مصاري. والجليد الذي صار في هذه السنة ما سمعنا بمثله. نسأله تعالى اللطف.

وفي منتصف محرم من هذه السنة توفي العالم العامل الشيخ محمد الديري، وكان يدرس بالجامع الأموي رحمه الله تعالى. وبعده بيومين توفي الشيخ العالم الزاهد منلا عباس الكردي خليفة شيخه منلا إلياس الكردي، وفي مكانه بجامع العداس رحمه الله ودفن بسفح جبل قاسيون. وفي ثامن وعشرين من المحرم توفي الشيخ عيسى إمام صلاة الأولى بجامع بني أمية في محراب السادة الشافعية.

كان رحمه الله رجلاً صالحاً حسن القراءة حسن الصوت، يلبس دائماً ثياباً بيضاء، وعمامته من صوف أبيض. وكانت جنازته حافلة لم يتخلف عنها إلا القليل، ودفن بتربة البرامكة قبلي المرجة، رحمه الله.

وفي ذلك اليوم كسفت الشمس، وبقيت مكسوفة نحو ثلاث ساعات، وصلى الناس صلاة الكسوف بجامع الأموي.

وكان دخول الحاج الشريف تلك السنة نهار الأربعاء خامس صفر. وثاني يوم الخميس دخل أمير الحاج أسعد باشا بموكب المحمل الشريف. وهذه السنة السابعة من حجاته المتواليات. وقد ذكرت الحجاج أن هذه السنة أيمن السنين وأحسنها وأرخصها ذهاباً وإيابا. ودخل حضرة سعد الدين باشا مع أخيه أسعد باشا وهما في غاية الصحة.

وفي خمسة وعشرين محرم شنق متسلم الشام موسى كيخية خمسة أنفار من الدروز الأشقياء. وفي تلك الأيام مات قاضي مكة ودفن بباب الصغير. ويوم الأحد ثالث وعشرين صفر توفي الولي الزاهد الشيخ محمد بن عبد الهادي العمري، وصلوا عليه في الأموي، ودفن في مرج الدحداح، وكانت جنازته غاصة بالرجال والنساء، رحمه الله. وفي الخامس والعشرين من صفر شنق الباشا ثلاثة رجال، جاؤوا بهم أهل دوما إلى الوالي أسعد باشا، وأخبروه أنهم وجدوا معهم خرج كذا فيه متاع لقفطجي السلطان، فأمر بصلبهم. وفي يوم السبت سلخ صفر سافر سعد الدين باشا لمحل مأموريته التي هي في طرابلس. وفي تلك الأيام توفي الشيخ مصطفى الكردي الذي كان قاطناً بمدرسة سليمان باشا بن العظم، وكان فقيهاً ديّناً. ودفن في سفح قاسيون رحمه الله. وبهذه الأيام أيضاً توفي نجيب أفندي السفرجلاني، وكان من صدور أكابر دمشق، وصار له مشهد عظيم ودفن بمقبرة باب الصغير. وتوفي أيضاً بتلك الأيام في أوائل ربيع الأول من هذه السنة توفي الشيخ الصالح العالم الشيخ مصطفى بن الشيخ شعيب من محلة باب السريجة، وصار له مشهد عظيم بالأعلام، وخرجت بجنازته جميع مشايخ الطرق، ودفن بباب الصغير، رحمه الله.

وفي تلك الأيام توفي أيضاً الولي الزاهد، من غلبت عليه الجذبة الإلهية، السيد مصطفى بن الشيخ مراد، وكانت الدولة والقبول في الشام وإسلامبول إلى ابن أخيه السيد علي أفندي، وخرجت جميع الأعيان بجنازته ودفن بباب الصغير رحمه الله. وفي ليلة الاثنين توفي الولي الكامل ذو الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة، من قد خلع العذار وتساوى عنده الليل والنهار، وشرب من خمر شراب الجبار، وأعطى درجة القبول عند الكبار والصغار الشيخ محمد جبري، وقد كان أحياناً يغيب وأحياناً يحضر، وأحياناً يسكر، وقد كان له جماعة وتلامذة، وكان في درجة الشيخ أحمد النحلاوي، وقد كان يتردد عليه أيام حياته، ولما توفي النحلاوي لازمه جماعة من فقراء الشيخ صاروا يدوروا معه ويباتوا معه أين ما بات. وكانت وفاته بباب السريجة، وصار له مشهد عظيم.

وفي منتصف سعد الذابح جاء الثلج يومان وليلتان بلا انقطاع ولم يعقبه مطر، وبقي على الأساطيح وفي الأزقة أكثر من عشرين يوماً، حتى صار رطل الفحم بنصف قرش وبثلث، ورطل الخبز من أربعة مصاري إلى ثمانية، وأوقية السمن بخمسة مصاري، ورطل اللحم بثلاثين مصرية. والحاصل كل شيء غال، والخلق في تعب بال. وبعد رحيل الباشا نادى المتسلم على الفلوس الرملية كل إحدى وعشرين فلساً بمصرية، وأطلق البغدادي الذي اتهم بقتل القرا مصطفى الكردي، وكانوا قد رفعوه للقلعة، وبعد إطلاقه بأيام سكر وعربد وضرب حمّارين فقتلهما، فاختبطت البلدة، وأرسل المتسلم في طلبه، فهرب ولم يظهر له أثر، ولا وقفوا له على خبر، فقبضوا على مملوك له فخنقوه.

وقبل خروج حضرة أسعد باشا إلى الحاج الشريف بثلاثة أيام انتهت عمارة دار الباشا، التي هي للحريم، وفرشت بأحسن المفروشات، ونقل حرمه إليها.

وفي تلك الأيام حصلت وقعة عظيمة بين الدروز والمتاولة، ومع المتاولة أيضاً أولاد الظاهر عمر حاكم طبرية، وقُتل من الفريقين، وحصروا قتلى الدروز، فكانوا نحواً من تسع مئة قتيل، وهي فتنة كبيرة. وفي يوم السبت خامس ذي القعدة ضربت مدافع فسألنا عن الخبر، فقيل جاء من السلطنة مقرر إبقاء أسعد باشا العظم والي الشام.

قال المؤرخ البديري: وفي ليلة الأربعاء لعشرين مضت من شهر ذي القعدة من هذه السنة توفي الشيخ إسماعيل بن شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الغني النابلسي، مات عن ثلاثين ولداً من بنيه وأولاد بنيه، وعمر سبعة وسبعين سنة، لأن مولده سنة خمس وثمانين بعد الألف ووالده الأستاذ مولده سنة خمسين بعد الألف ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومئة بعد الألف فيكون عمر الأستاذ والده ثلاثاً وتسعين سنة، وكانت وفاته بالصالحية ودفن في دارهم التي في العنبرانية قبلى الجامع الأموي، وحُمل نعشه للصالحية، ودفن في دار أبيه بجانب ولده الشيخ طاهر، رحمهم الله تعالى ونفعنا ببركاتهم أجمعين.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1163

المؤلف: أحمد البديري سنة 1164

============

ثم دخلت سنة أربعة وستين ومئة وألف، كانت هلّة المحرم نهار الثلاثاء، جعلها الله سنة خير وبركة علينا وعلى المسلمين. وفي ستة وعشرين من المحرم جاء جوقدار الحج الشريف، وبشّر عن الحج بكل خير من كثرة الرخص والمياه وغير ذلك ولله الحمد. غير أن الغلاء لم يفارق الشام، فقد دخلت هذه السنة ورطل الخبز بخمسة وبستة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل اللحم بثمانية وعشرين مصرية، ورطل الدبس بتسع مصاري، وأوقية السمن بستة مصاري، والعملة مغشوشة، والفلوس غير منقوشة، والنساء باحت والرجال ساحت، والحدود طاحت، والأكابر مشغولة ومروءة الرجال مغلولة، إلى آخر ما قال المؤرخ.

وفي تلك الأيام جاؤوا بأربع رؤوس من العرب قطاع الطريق، أتى بهم عيسى بشه الحبش، أحد الزرباوات الهاربين، فعُفي عنه لأجل ذلك.

وفي تاسع وعشرين محرم جاء كَتّاب الحج، وذكر أن هذه السنة هي أريح وأجود السنين في أيام الحاج أسعد باشا والي الشام حفظه الله. غير أنهم جاءهم سيل عظيم في عسفان أوقعهم أياماً، ثم أمر الباشا بأن يجدوا في المسير حتى ترك من العشرة اثنين، هكذا ذكر لي بعض الحجاج. ودخل الحاج يوم الأربعاء ثاني صفر. وثاني يوم الخميس دخل المحمل الشريف، وأسعد باشا وأخوه سعد الدين باشا سردار الجردة بالموكب العظيم. وثامن صفر دخل قاضي الشام عبد الله أفندي سعيد زاده ليلاً وعليه جلالة وهيبة ولم يتكلم بقال وقيل. وبلغنا أن عثمان باشا المحصل حاكم جدة مات ودفن بها.

وفي تلك الأيام من هذه السنة جاء منصب حلب إلى سعد الدين باشا أخو أسعد باشا، فتحوّل من طرابلس بعياله وذهب من دمشق إلى حلب، وقد أشاعوا أن سلفه حاكم حلب كان ظالماً غاشماً، وقد خرب قرايا كثيرة، وعمر عماير كثيرة، أخذ غالب مصارفها من أهل حلب، وبنى بها جامعاً يدهش الأبصار.

وبعد مجيء الحاج أسعد باشا من الحج الشريف وجدنا داره قد تمّت عمارتها، فلما دخلها زاد فرحاً وابتهاجاً وسروراً، فذبح الذبائح وأعطى المنائح، وأقام بها بلذة عيش، وبلغه مجيء تقريره في الشام، فازداد شكراً لمولى الأنام. غير أن أهل الشام في أكدار من غلاء الأسعار، وبخل التجار وانفساد الأحرار وضعف الصغار، وعدم زحمة الكبار، والحكم لله الواحد القهار. فلقد صار رطل اللحم الشامي بقرش، ورطل السمن بقرش ونصف، ورطل لحم الجاموس بأربعة وعشرين مصرية، والسمك مثل ذلك، ورطل لحم الجمل بثمانية عشر مصرية، وأوقية الرز بمصرية، والعسل الأوقية بشاهية. ورطل الخبز بستة مصاري، والناس في أسوأ الأحوال. وفي هذه السنة جاءت حجاج كثيرون من العجم، وهم على ما نقلوا ألف وست مئة عجمي، ما عدا البغّادة والعرب، وصار جبر خاطر لعموم الناس في البيع والشراء. وجاء مع العجم ربيّات ذهب كل واحدة بثلاثة عشر غرشاً ولؤلؤ كبير وصغير وأحجار ومعادن وشال وغير ذلك. وخرج المحمل يوم الخميس ثامن عشر شوال، وخرج الحاج يوم الجمعة بعد المناداة مرارا بأن لا يبات أحد من الحجاج إلا خارج باب الله. وخرج المتسلم والبلطجية بعد العصر وأناس بالليل والباقي ضحوة السبت. وهذا شيء ما سبق على ما نعلم.

وفي شوال بهذه الأيام صار حرٌّ شديد لا يطاق، حتى نشفت الأعين والآبار، فقد غارت قناة بيت راس التي هي قرية من ببيلة في طريق قبر الست ونشفت واندرست، حتى كأنها لم تكن. وعلى أثر جفاف الأعين وقلة المياه جاء زيادة ماء، حتى صارت الماء مثل الطحينة. ونهار الأربعاء ثامن ذي القعدة جرس رجل، قيل إنه يدق الزغل من المعاملة. وركب حمارا بالمقلوب وسخم وجهه بالسواد، وآلة العمل على صدره، وداروا به البدل كلها. ومع هذا فالغلاء واصل لحدّه: فرطل اللحم بستة وعشرين مصرية، والأرز بعشرة مصاري، والخبز بخمسة مصاري، إلى آخر ما قدمنا.

وفي منتصف ذي القعدة ورد حاكم حلب سعد الدين باشا أخو أسعد باشا ابن العظم إلى دمشق، سردار إلى جردة الحج، ورحل بها نهار الخميس غرة ذو الحجة.

===========

حوادث دمشق اليومية

سنة 1164

المؤلف: أحمد البديري سنة 1165

=========

ثم دخلت سنة خمس وستين ومئة ألف نهار السبت فاستبشرت الناس بقدومها، حيث ليلة الهلّة هطل مطر غزير وفرحوا وزرعوا وفلحوا، وبدت ترخص الأسعار، غير أن ما فيه أن يفتش على الخلق بالرحمة والرأفة من الحكام والوجوه، والخزّانة كثيرون والأكابر ساكتون والحكام يأكلون، فإنا لله وإنّا إليه راجعون، وانظر غلاء الأسعار: فقد أقبلت هذه السنة بخيراتها وبركاتها، ورطل الخبز بأربع مصاري، والدبس أربع أرطال إلاّ ثلث بقرش، ورطل السمن بقرش ونصف، ورطل البصل بأربع مصاري، ورطل الثوم بسبعة مصاري، ورطل الفحم بأربع مصاري، وعلى هذا فقس. فالأغنياء منعّمون والفقراء صابرون.

قال المؤرخ عفا الله عنه: وفي يوم الاثنين عاشر المحرم من هذه السنة ورد فرمان من الدولة العلية بأن حضرة خليل أفندي البكري صار قاضياً في دمشق الشام، وسجلوا الفرمان، وجلس مكانه ولده أسعد أفندي البكري إلى مجيء أبيه كما يأتي.

ونهار الأحد ثاني وعشرين محرم ورد جوقدار الحج الشريف يبشر عن الحجاج بكل خير، وأن الحاج وقف بعرفات يوم الجمعة. وهذه السنة التاسعة من حجج حضرة أسعد باشا المتواليات. وهذا ما سبق لغيره، والحمد لله الذي أعطاه. وفي ثاني يوم دخلت خزنة مصر إلى دمشق. قال المؤرخ: ومعها نسيبنا شيخ السعدية في الديار المصرية الشيخ يحيى أفندي الجباوي، أخو الشيخ إبراهيم الجباوي الشاغوري من أبيه. وفي يوم الثلاثاء غرة صفر الخير كان دخول ركب الحج الشامي إلى دمشق، ولم يروا أدنى مكدر كما أخبروا، غير أنهم جاءهم في هدية برد كبير كل بردة وزنها ستون درهماً، ولم يحصل منه أذية.

وفي تلك الأيام بلغنا أن أهل مصر طردوا كل غريب، والذي يجدونه بعد نهبوا ماله وعذبوه أشد التعذيب. وفي أوائل ربيع الأول دخل خليل أفندي البكري قاضياً لدمشق الشام، ففرحت ناس وغمت ناس، وظنوا أن معه أمور من تغيير وتبديل وتفتيش، فلم يقع شيء من ذلك. وفي ليلة الأربعاء سادس عشر ربيع الأول توفي العالم الجليل شيخ الشافعية في دمشق الشام، بل شيخ شيوخ الفضلاء من علمائها الأعلام، شيخنا وأستاذنا الشيخ على كزبر، وصلينا عليه صلاة الظهر في جامع الأموي، ودفن بتربة باب الصغير من قبلي أوس بن أوس الثقفي. وقبل وفاته عمل وصية. ومن جملة ما أوصى بخمسين قرشاً لتعمير القبور الذي حول قبره، فكانت منه كرامة، لأن ساعة دفنه تهدمت قبور كثيرة من تزاحم الخلق المحتاطين بجنازته. رحمه الله تعالى، وأعاد علينا من بركاته. وفي ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الأول وجد السيد محمد بن السيد أحمد خادم سيدي أبي الدرداء مذبوحاً بداره التي بداخل القلعة، وكان له عبد ومملوك فلم ير لهما أثر، قيل قتلاه، والله أعلم، وذهب كأنه ما كان. وبهذا الشهر في جامع الأموي جلس رجل يعدّ ذهباً معه، جاء رجل وخطفهم أمام مئات من الناس، وأسرع في الجري فصاح صاحبهم، فأدركه بعض أعوان السياسة، فأعطاه شيئاً من الذهب فتركه. وبهذا الشهر أيضاً رجل حمل ولده وعلى رأسه شيء من الدنانير، فتبعه لص حتى دخل حامل الولد زقاقاً، فخطف الدنانير والطاقية وذهب. وفي ليلة السبت عاشر رمضان بعد ما سكّر بوّاب حرم الأموي الأبواب نام، فجاء المؤذنون وطرقوا باب الجامع، فقام ليفتح لهم فوجد ثيابه مفقودة، فأعلمهم بذلك، فدخلوا وسكّروا وفتّشوا الحرم جميعهم، فلم يجدوا أحداً والأغرب أن جميع الأبواب مسكّرة، ثم ذهبوا لجهة الضريح، فوجدوا ثمانية قناديل من فضة مفقودة وقنديل واحد من ذهب، ولم يعلم لهم غريم.

وفي سابع رمضان المبارك جاء ركب الصرة أميني من إصطنبول. وفي يوم الخميس في نصف رمضان دخل حضرة الوزير أسعد باشا إلى الشام حين كان غائباً في الدورة، وهو والحمد لله في غاية الصحة والسلامة. وفي يوم السبت سابع عشر رمضان جاءت البلطجية من إسلامبول ومعها اثنان وعشرون تخت أروام ومعها أيضاً ابن الوزير الأعظم المنفصل عن الوزارة في هذه السنة ومعه الملكة وطواشي كبير، وأخبروا أن الدولة العلية متضعضعة.

وفي يوم الجمعة كان يوم عيد الفطر، وصار في ذلك اليوم هزّة عظيمة، وهي فتنة صارت بين المغاربة وأولاد الشاغور، وسكنت ولله الحمد من غير قتل أحد. ونهار الاثنين رابع عيد الفطر غرق شاب في نقب الربوة وما ظهر له أثر. وفي ليلة الخميس خامس شوّال قُتِل إبراهيم آغا ابن قوسر، قوس في داره التي في قبر عاتكة، ولم يُعلَم قاتله.

ونهار الأحد سابع عشر شوّال رحل أسعد باشا العظم حفظه الله بموكب المحمل الشريف. وكانت السنة العاشرة من حجاته المتواليات بالركب الشامي أميراً ولدمشق الشام وزيراً. وبذلك اليوم جاء الركب الحلبي، وقبله بيومين جاءت قافلة العجم، وهي قليلة بالنسبة للعام الذي قبله، وقد نزلوا في الخراب والسويقة. وفي تاسع عشر شوال سار ركب الحج الشامي من دمشق بالسلامة قاصداً بيت الله الحرام. وبعد أيام نادى حضرة محمد آغا المتسلم على اللحم الرطل بثمانية عشر مصرية، وسمر جماعة من اللحامة، ولم يقبل رشوة ولا برطيلاً، وعدل في حكمه وفّقه الله تعالى حتى صارت الفقراء تدعو له جهاراً. وبعد مدة سعّر جميع البضائع وشدّد، وصار يأخذ بيد كل من يشتكي له، جزاه الله خيراً. وفي ذلك العام خزن الفحم، ففتش المتسلم وسعّر، فلم يفد ذلك شيئاً، ولم يصل أحد للفحم إلاّ من كان قويّاً مثل القبقولي والدالاتي.، ولم يجد المتسلم له بهذا الخصوص مساعد.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1165

المؤلف: أحمد البديري سنة 1166

=======

ثم دخلت سنة ستة وستين ومئة وألف بنهار الثلاثاء أو الأربعاء جعلها الله سنة خير وبركة ورحمة علينا وعلى خلق الله أجمعين.

وفي غرتها أي غرة محرم دخل قاضياً للشام من أبناء الترك واسمه صالح ملاّ، فنزل من دار علي آغا بن الترجمان قريباً من باب القلعة وبطل الحكم من المحكمة القديمة المسماة بالكبرى.

وفي تلك الأيام وقع برج القلعة وأخذ البدن كله من بابها، وهكذا إلى آخر البرج من جهة القبلة، ولم يُقتل سوى رجل من القلعة. وفي تلك الأيام نزلت مطر كأفواه القرب ثلاثة أيام متوالية، أذهبت غالب مساطيح الزبيب وأتلفت البيادر. وبهذه الأيام في العشر الأول من المحرم شنق متسلم الشام ثلاثة أشخاص من اللصوص في شجرة الدالية التي في المرجة أمام باب التكية.

في منتصف محرم جاءت بشارة لدمشق: وهي مقرر لحضرة الحاج أسعد باشا والي الشام. وفي ليلة الاثنين ليلة عشرين من المحرم شنق المتسلم لصّاً في السويقة وقطع يد رجل نشّال. وفي سلخ محرم جاء كتّاب الجوقدار، وأخبر أن الحج في هذه السنة ذهب وآب من طريق الفرعي، وخرجت عليهم عرب وقضوا مشقة عظيمة، وصارت مقتلة جسيمة، ووقع نقص بالحاج وبالعسكر خصوصاً في المغاربة. وفي يوم الثلاثاء رابع عشر شوال خرج المحمل الشريف بالموكب المنيف وبالأمير الخطير الحاج أسعد باشا. وكانت الحجة الحادية عشر من حجاته المتواليات. وفي تلك الأيام جاء طوخان إلى مصطفى بيك بن إسماعيل باشا العظم أخي أسعد باشا، وأن يكون محافظاً للجردة مع أخيه سعد الدين باشا أميرين في سفر الجردة. وقبل خروجهم بيوم قامت قبقول دمشق قاطبةً بالأسلحة، وعملوا جمهوراً، وقامت اليمق على الأرطلية. وهذه الفتنة بسبب رجل صار قبقولي فما قبلوه ولا ارتضوه، وسكّرت الأسواق واشتغل ضرب الرصاص وجرحوا بعضهم بعضاً، وما صلح الأمر إلاّ بتبطيل الرجل من الوجاق، وعزل الأضباشي والأصطا. وكان عيد الأضحى هذه السنة يوم الأحد. وطلعت أخبار في تلك الأيام بتغيير السلطان ومجيء أحمد باشا ابن القلطقجي، فارتبكت وانخبطت القبقول، ثم بان بأن الأمر كذب لا أصل له، وحرقوا الخشبة وداروا في الأسواق. وفي يوم الجمعة والناس في صلاتها سلخ ذي الحجة كسفت الشمس.

وفي تلك الأيام جاء خبر بأن محمد باشا حاكم صيدا مات وكان على ما نقلوا أنه ظالم غاشم مصادر الناس بأموالها، حتى هرب أهل صيدا إلى جميع البلاد.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1166

المؤلف: أحمد البديري سنة 1167

======

ثم دخلت سنة سبع وستين ومئة وألف يوم السبت وبهذا اليوم سافر قاضي الشام صالح منلا طالباً إسلامبول. وفي سابع المحرم قدم القاضي الجديد، ونزل في محكمة النورية المسماة بمحكمة الباب. وفي ثامن عشر قتل أحمد آغا بن سنان في باب المصلى، وهو من قرية قريبة من قطنا.

وفي ليلة الجمعة عشرين من المحرم توفي بقية العلماء الأعلام مفتي السادة الشافعية وأفصح من نطق بالعربية الشيخ محمد أفندي الغزي، ودفن بمرج الدحداح، رحمة الله عليه وعلى أموات المسلمين.

ونهار الثلاثاء رابع وعشرين المحرم قدم جوقدار الحج الشريف مبشِّراً بكل خير عميم. وفي أثناء هذه الأيام جاء مقرَّر الشام لحضرة الحاج أسعد باشا والي الشام.

وفي يوم الجمعة خامس صفر الخير دخل ركب الحاج الشامي بالصحة والسلامة أحسن من كل عام، وأخبرت الحجاج أنهم لم يحجّوا نظيرها من الرخاء الكثير والماء الغزير والأمن والأمان، ولم ينقص من الحجاج إلا الأفراد النادرة، وأن أمير الحاج خوزق أربع لصوص من أولاد الشام، وتوفي معهم تُرْبَدار، ومتولي جامع السلطان إبراهيم بن أدهم. وثاني يوم السبت دخل المحمل الشريف والموكب المنيف بالكواخي والبشاوات، فكان أولهم مصطفى باشا بن إسماعيل باشا العظم أخو الحاج أسعد باشا، وبعده أخوه سعد الدين باشا العظم، وبعده أخوهما الوزير الكبير الحاج أسعد باشا في ألاى حافل وعسكر وجحافل. وثالث يوم دخلت خزنة مصر، وكانت بثمانية أحمال، فتفرجت الناس ثلاث فرج بثلاثة أيام متتابعات: يوم دخول الحج ويوم دخول المحمل ويوم دخول خزنة مصر.

وفي ذلك العام من شهر محرم الحرام تمت قيسارية أسعد باشا والي الشام الذي لم يعمل مثلها في سائر بلاد الإسلام، وقد تم بناؤها بعد سنة وشهرين. قال المؤرخ: وقد بلغني أنه صرف عليها في كل يوم من الآلات والأجر ألف ومئة غرش، ولكن كما قال القائل: جزى الله الوسعة كل خير. وفي ليلة الخميس تاسع عشر صفر الخير لثلاث أيام مضت من كانون الأول ثالث ساعة من الليل صارت زلزلة خفيفة في دمشق وقع بسببها بعض أماكن في سراية الحكم على جماعة، فقتل رجل مسلم ورجل نصراني. وكان ذلك الشهر مطره غزير جداً يعقبه إن شاء الله تَعالى خير كثير. وتوفي بهذا الشهر الشيخ محمد بن أحمد بن سوار شيخ المحيّا والشيخ خليل بن البكري في داره بباب توما وأعملوا له في الأموي. وفي ثامن عشر شهر صفر يوم الجمعة بعد العصر توفي لرحمة الله تَعالى الشيخ أحمد الجلبي إمام جامع السنانية للسادة الشافعية. قال المؤرخ: كان هذا الإمام إماماً في كل فن، ضحوك السن فاضلاً مباركاً قاطناً في جامع العداس عند الملاّ إلياس قُدّس سره، لا يفارق الملا لا ليلاً ولا نهارا، ودفن بباب الصغير قريباً من الملا إلياس، رحمهما الله تَعالى. وفي تلك الأيام أيضاً توفي الشيخ يحيى بن محاسن رحمه الله. وفي نهار الاثنين الثاني والعشرين من شهر صفر تشاجر سعد الدين المغربي خدام في بيت الخانم بنت سليمان باشا مع رجل من نفر الأرطة، فضرب الأرطلي فقتله، وجرح طواشي الخانم بعدما جرحه المغربي جرحين. فحين بلغ حضرة الوزير أسعد باشا أمر بقتله حالاً، فخنقوه في تلك الأيام من غير إثبات ولا دعوى.

وفي منتصف مربعانية الشتاء وقعت صخرة بنهر القنوات، ووقوعها كان تجاه وادي كيوان، سدّت النهر وانقطع ثلاثة أيام بلياليها، فأخرجوا الصخرة قطعاً قطعاً، فوجدوها قبراً قديماً من قبور الحكماء.

وفي شهر ربيع كذا أعاد الباشا السردرة على البلاد، فصاروا يمسكون من عرب الجبل ويقتلون ويأتون برؤوسهم إلى الشام. وفي شهر جمادى كذا جدَّد حضرة أسعد باشا الجامع الذي هو قدام قهوة الخريزاتية وحسّنه هيئة وفرشاً وعمّر بعض دكاكينه قنايا ماء قريباً من بيت السفرجلاني.

وفي أواخر رجب جاء مقرَّر لسنة ثمانية وستين، وهو عن ثلاثة عشر سنة من حكمه، حفظه الله أمير الشام وأمير حاج الإسلام وقد عدل في الخاص والعام، وأحسن للعلماء والفقراء والأيتام بلا ظلم ولا عدوان، وعمَّر أماكن كثيرة داخل المدينة وخارجها ومدارس وجوامع وغير ذلك من وجوه الخير والصدقات، جزاه الله خيرا.

وفي يوم الاثنين خامس رجب خرج حضرة أسعد باشا إلى الدورة، وترك موسى كيخية متسلماً بها. وكان نصف شعبان المبارك يوم الخميس، وثبت أول رمضان نهار السبت. والأسعار ناهضة جداً: فرطل اللحم بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الخبز بأربعة وبخمسة مصاري، ورطل الأرز بعشرة مصاري، ورطل الكعك باثني عشر مصرية، ورطل الدبس بخمسة عشر مصرية، وأوقية السمن بستة مصاري في أيام الموسم، وأوقية الزيت بثلاث مصاري ونصف، وكذلك الصابون، وأوقية الجبن الأخضر بمصريتين، وأوقية القريشة بثلاثة مصاري، ورطل المشمش الحموي بستة مصاري مع أنه مقبل كثير، والمشمش البلدي بثلاثة مصاري ونصف مع إقباله. وحاصله كل شيء غالي حتى العلق التي تستعمله الناس لإخراج الدم، والقصرمل الذي يخرج من وقيد الحمام، والأمر لله.

وفي ثاني عشر شوال سار حضرة الوزير الحاج أسعد باشا مع المحمل في الموكب العظيم للحج الشريف. وكانت هذه السنة هي الثالثة عشر من حججه المتوالية وإمارته التي لم تسبق لغيره.

وبهذه السنة مروا على وادي الليمون في الطلعة، وكانت وقفتهم الجمعة، ورجعوا من الطريق السلطاني. وفي خامس وعشرين من المحرم دخل جوقدار الحج وبشَّر بالخير. وفي خامس صفر دخل الحج الشريف وهو على أحسن حال.

وفي هذه الأيام توفي رجل من البله المجاذيب، وكان بطلاً من الأبطال تعتقده أهل الشام ويكاشف بكلامه، ويقع كما يقول واسمه الشيخ خليل البياض. وخرج بجنازته أكابر الشام حتى حاكمها المتسلم موسى كيخية ومشى وراءها، رحمه الله.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1167

المؤلف: أحمد البديري سنة 1168

===========

ثم دخلت سنة ثمانية وستين ومئة وألف. وكان غرة محرمها نهار الاثنين المبارك، جعلها الله سنة خير وبركة علينا وعلى سائر المسلمين. ونهار الجمعة، سلخ صفر قدم قبجي من إسلامبول، وأخبر بوفاة حضرة السلطان محمود خان بيوم الجمعة، والناس في الصلاة وجلس أخوه مكانه، وهو السلطان عثمان خان، والخطبة باسمه. فانهزّت الشام البلدة من هذا الخبر، وبقيت الناس مترددة في الاستقرار، إلى أن كان نهار الخميس عاشر ربيع الثاني جاء قبجي كبير من دار السلطنة ومعه منشور عظيم بأن صاحب الخطبة في سائر بلاد الإسلام السلطان عثمان خان، وأمر أن تزين دمشق ثلاثة أيام، فزينت زينة ما سمع بمثلها، أبقى الله تَعالى هذه الدولة العثمانية إلى آخر الدوران. آمين.

وبهذه السنة انتشر مرض الجدري في عموم الناس، حتى في الشيوخ والعجائز، ومات فيه كثير من الأولاد. وفي أوائل جمادى الأولى ذبح بيرقدار التفكجية في الخان الصغير الذي هو قبالة حمام الملكة، ولم يُعلم ذابحه، ولم يؤخذ من ماله شيء. ووجد بهذه الأيام قتيل في النهر، وقتيل في التربة وفي غير ذلك أيضاً. نسأله تعالى حسن العاقبة.

وفي منتصف جمادى الأولى جاء تقرير إلى مصطفى باشا أخي سعد الدين باشا بن العظم إلى صيدا، ولم يأت إلى أخيه أسعد باشا خبر شافي من جهة حكم الشام، وقد طال عليه المطال. والغلاء في كل شيء حتى التراب والقصرمل والأحجار والحديد والخشب، وغير ذلك من أدوات العمارة، وبالجهد الكلي حتى يحصل الإنسان على معلم أو نجار، وأجر الواحد بدينار ولا يوجد، والكلس واللبن لا يوجدان وهلم جرا. فقد ضاقت الأنفاس والأشياء زادت عن حد القياس، والباشا ومن حوله يجمعون المال في الأكياس، فنادى على اللحم فلم يوجد ونادى على الصابون فتبدّد، ونادى على الزيت، وكان له أغراض وأمور وأحكام تفتت الكبد، والمستعان بالله الفرد الصمد.

وفي تاسع عشر جمادى الأولى ظهر خبر بأن امرأة قتلت زوجها مع جماعة من الأشقياء، بدعوى أنه ينام مع مملوكه ولا ينام معها، وبعد قتله دفنوه في دهليز البيت، والقتيل ينتسب إلى الأكراد، وله قهوة بسوق الخيل، واسمه درويش آغا، فقامت الأكراد على ساقها في سوق الخيل، فجاء ولد صغير كان حاضراً ومطلعاً على قتله ودفنه، فدلّهم على مقتله وداره، فذهبوا وألقوا القبض على الجميع، فوجدوا طبجي الباشا خليل آغا وأخو الزوجة ورجل آخر، فجاؤوا إلى الطبجي وقطعوه قطعاً، وقتلوا الرجل وأخا الزوجة، أما المرأة فإنهم أخذوها وغرقوها في مغرق البحصة في نهر بردى، ولم يسألوا عن الحكام، والحاكم لم يتعرض لهم فنسأله تعالى الفرج القريب.

وفي تلك الأيام شرع حضرة أسعد باشا والي الشام بترميم الجامع الأموي، حتى بلغني أنه اشترى طنافساً أي فرشاً بأربعة أكياس. جزاه الله خيراً.

وفي تاسع جمادى الأولى من نهار الثلاثاء نزل مطر عظيم وثلج جسيم، فزادت المياه حتى طاف نهر بردى، ووصلت الزيادة إلى تحت القلعة، ومشت إلى حارة العمارة، لكن ولله الحمد لم تضر بأحد ولا بالبنيان.

وبتلك الأيام صارت فتن بين عرب الشام وعرب عنزة كذا. وفي شهر رجب أرسل أسعد باشا والي الشام عسكراً لعرب الفضل، فنهبوا مالهم وطرشهم وبعض عيالهم. وفي تلك الأيام شنق الباشا رجلاً حمّالاً من حارة البحصة، قيل إنه خنق رجلاً من جيرانه.

وفي منتصف شهر رجب جاء مقرَّر حضرة أسعد باشا والي الشام، وكانت السنة الثالثة عشرة من حكمه وإمارته للحج. وبهذا الشهر خرج حضرة والي الشام المذكور إلى الدورة، وجعل مكانه متسلماً موسى كيخية لدمشق الشام. وثبت هلال رمضان هذه السنة ليلة الثلاثاء، وشعلت القناديل في المآذن، وصلوا التراويح قبل أن يضربوا المدافع، وما ضربت إلا بعد ساعتين.

وفي هذه الأيام عزلت الحكومة الأمير حيدر بن حرفوش عن بلد بعلبك، فأبى الخروج منها وأمر جميع من فيها بالرحيل وكل من أقام بعد ثلاثة أيام ينهب ماله وعياله. فرحلوا بعدما حرق بيوتهم وكرومهم وطفشوا إلى البلاد والقرايا، وأقام بها هو عاصياً، ثم ضمن الأمير حسين بن حرفوش بعلبك، ورجعت غالب أهل بعلبك بلا أدنى حادث.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1168

المؤلف: أحمد البديري سنة 1169

============

ثم دخلت سنة تسع وستين ومئة وألف نهار الأحد والغلاء قائم في الشام كما قدمنا. وجاء الجوقدار سابع وعشرين من المحرم، والكَتّاب جاء ثاني يوم من صفر، وسادس يوم منه دخل الحج الشريف. وأخبرت الحجاج أن هذه السنة كانت مخصبة ودار بهم أمير الحج من غير الطريق السلطاني، فحصل على الحج عطش شديد، حتى هلك في يوم واحد ألف وخمس مئة إنسان.

وفي سلخ ربيع الثاني جاء مقرَّر إلى الحاج أسعد باشا في الشام وهي السنة الرابعة عشر من حكمه الشام وإمارة الحج الشريف المتوالية التي لم تسبق لغيره. وتلك الليلة نزل ثلج عظيم في الشام ما رؤي مثله من سنين.

وبتلك الأيام جاء قبجي إلى حسين بيك بن مكي حاكم غزة ومعه فرمان بأن يكون باشا بالقدس ويعمِّر ماء القدس، وأن يلم مال الدورة بأمر الدولة.

وكان صوم رمضان هذه السنة نهار الأحد. وفي جمادى الأولى نزل ثلج عظيم بدمشق وأقام أياما وهدم أماكن كثيرة. وفي تلك الأيام جاء قبجي برجوع القدس إلى أسعد باشا والي الشام. وفي ذلك الشهر جاء خبر بأن عرب الحجاز محاصرين مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلَّم، ولها نحو شهرين في المحاصرة، حتى هدموا ما حولها وقطعوا نخلها وضيّقوا على أهلها، وهم الآن في كرب وضيق ما سبق ولا سمع من عهد الجاهلية. فبلغ هذا الحال الدولة العلية أيّدها الله تَعالى، فأرسلت إلى حاكم الشام أسعد باشا العظم بأن يتأهب لقتالهم بالرجال والعسكر الجرّار، وإلى أخيه مصطفى باشا كذلك، وإلى أخيه سعد الدين باشا كذلك، وأن يكون حاكماً بجدة، وأن يأخذ معه عساكر وأن يساعد أخويه.

وفي تلك السنة أمر حضرة الحاج أسعد باشا العظم بترميم وإصلاح جامع يلبغا، فعمل له وقفاً وجرايات بعد ما جدد فيه أخلية وغير ذلك، وأمر أيضاً بإصلاح جامع الياغوشية الذي تحت القلعة. وكان قد وقع منه جدار على امرأة ورجال، وألزم بعض أخصائه بتعميره من ماله لأنه ذو مال. وفي أول رجب تمت عمارة قهوة الشاغور التي هي مقابلة للشيخ السروجي رضي الله عنه. وبتلك الأيام عُمِّرت أيضاً قهوتين كذا بباب السريجة وقهوة أمام باب المصلى.

وفي نهار الجمعة من شعبان توفي مصطفى بيك بن مردم بيك، وهو من أعيان الشام وذوي البيوت التي شهدت أهل الشام بصلاحه، لأنه كان يحب الخير ويعمله، ولا يقارب الحكام وليس له أذية لأحد، ودفن بمدفنهم عند جده لالا مصطفى باشا، في أسفل سوق السنانية.

ثم جاء رمضان المبارك وأثبتوه الأحد وصمناه تماماً. وسار الحج قاصداً الحجاز ثامن عشر من شهر شوال. وفي ذلك اليوم توفي عبد الله أفندي زاده قاضي الشام، ودُفن بجوار سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه. وبهذا النهار وجدوا صبياً مخنوقاً في نهر بردى، وبعده ظهر أبوه أنه خواجا في سوق السلاح. وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة دخل سعد الدين باشا والي طرابلس إلى سردارية الجردة بعد ورود عزله من طرابلس. ونهار السبت كان نهار وقفة عيد الأضحى بالشام. وفي سلخ ذي الحجة نهار الجمعة توفي خطيب الأموي محمد سعيد أفندي بن محاسن ودفن بباب الصغير.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1169

المؤلف: أحمد البديري سنة 1170

===========

ثم دخلت سنة سبعين ومئة وألف نهار السبت في طالع يمن وفرح وسرور إن شاء الله. ولكن الغلاء واقع في البضائع وغيرها كما أسلفنا، فلا عود ولا إعادة.

وبهذه الأيام انفصل مصطفى باشا أخو أسعد باشا العظم من صيدا ووُجهت عليه ولاية أدَنة. وبتلك الأيام صار انقطاع نهر القنوات بعد عيد الزبيب. وبنصف محرم جاء من إسلامبول قاضي الشام محمد أفندي. وبهذه الأيام سمّروا خبازاً بباب الجابية.

وفي سابع وعشرين محرم دخل جوقدار الحج الدالي علي باش ومعه جماعة، وبشَّر بالخبر وأن حضرة الباشا والحجاج سالمين. وفي يوم الثلاثاء جاء كتّاب حماة وحلب، ويوم الأربعاء جاء نصراني في بعض مكاتيب، وأخبر أن كتّاب الشام جرحوه العرب. وبتلك الأيام أتت السماء بمطر كأفواه القرب، حتى ظنت الناس أن الحج قد غرق، وكان بمنزلة الصنمين. وقد تأخر دخول الحج عن ميعاده نحو جمعة. ونهار الثلاثاء ثاني عشر صفر دخل الحج الشريف، وثاني يوم دخل أمير الحاج وحاكم الشام الحاج أسعد باشا العظم في موكب الحج والمحمل الشريف. وهذه السنة الرابعة عشر كما قدمنا من سنين حججه المتواليات التي ما عُهدت لغيره. أدام الله أيام وجوده آمين. ودامت هذه الفتنة أياماً بين صلح وقيل وقال، حتى صار الديوان عند الأغوات وأكابر الشام، وبُت القرار على إخراج غريب كيت من الشام، وأن يخرج ولي الذي كان سبب الفتنة. فأخرجوهم كذا الأغوات، ومعهم علي أفندي المرادي تطييباً لخاطر أهل البلد، ولم يزالوا خارجين بهم إلى خارج البلد، فرجعت الأغوات والأفندي المرادي وبقي الوجل على حاله، ثم صارت أهل كل حارة تسهر كل ليلة. وبقي الأمر على ذلك إلى أن وصل الخبر إلى الشام بأن الذين خرجوا نهبوا القرايا وقتلوا النفوس، وهتكوا الحريم. فأرسلت الحكومة أوراقاً إلى أهل البر والقرايا أن يقتلوهم أو يطردوهم، فتعصّبوا عليهم وطردوهم، ولكن بعدما قتلوا ونهبوا. ثم رأوا القبجي في طريقهم فشلحوه، وقتلوا بعض جماعته. وبقيت أهل الشام بين خوف وأهوال، إلى أن كان يوم الاثنين سابع والعشرين من ذي الحجة وصل خبر إلى الشام بأن موسى باشا باشة الجردة لما وصل إلى القطرانة خرجت عليه العرب شلحوه ونهبوا الجردة وكل ما فيها، حتى شلحوه لباسه وخاتمه من إصبعه، وأنزلوه من تخته، وركبوا مكانه في التخت، وأخذوا طبوله وأطواخه ومدافعه. وكان كبيرهم يقال له قعدان الفايز. ثم تفرقت الجماعة الذين كانوا في الجردة، فرجعت منهم أناس إلى الشام، ومنهم ناس انقطعوا في حوران، ومنهم ناس هربوا إلى غزة، وناس إلى القدس، وناس إلى معان مع ابن موسى باشا، لأنها قريبة من الموضع الذي نهبت فيه الجردة. وأما الباشا فإنه رجع إلى قرية داعل وأقام بها مدة أيام. فأرسلوا له تختاً ليحملوه به، فوجدوه قد مات، فحملوه وجاؤوا به إلى الشام. وكان دخلوه على البلد في أول الليل، وثاني يوم دفنوه في تربة سيدي خمار رضي الله عنه.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1170

المؤلف: أحمد البديري سنة 1171

======

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومئة وألف، ونحن على هذا الحال، نسأله تعالى أن يحوِّل حالنا إلى أحسن حال.

وفي هذا الشهر المحرم الحرام توفي العالم العلامة خاتمة المحدثين وبقية السلف الصالحين الشيخ صالح الجنيني المحدث الكبير تحت قبة النسر في الجامع الأموي، وصار له مشهد عظيم، ودفن بباب الصغير، رحمه الله تَعالى.

وفي تلك الأيام خرجت جردة ثانية دون الجردة الأولى. وفي سابع وعشرين محرم دخل جوقدار حسين باشا والي الشام وأمير الحاج، ومعه ثلاث هجانة مردفين، ومعهم أخو ابن مظيان شيخ عرب الحجاز، فتباشرت أهل الشام وزينوا الأسواق بالقناديل. فقامت القبقول وخرجوا وقوّسوا على الرعية، وصارت هزة قوية، وبقيت الفتنة في البلد بين الإنكشارية والقبقول والأشراف، فقتل القبقول من الأشراف نحو ثلاثين رجلاً وقوسوا على جامع الأموي، وقتلوا الشيخ عمر كبب مؤذن الجامع، وكان نازلاً من أذان الظهر، وقتل فيه بعض أولاد، وصار الهرج في أسواق المدينة مدة أيام، ثم دخلت الأغوات والأفندية بينهم بالصلح، فأبوا، فقالوا لهم: ارفعوا القتال واصبروا حتى يأتي حسين باشا من الحاج، ويفصل في هذه الأحكام، فرفعوا القتال.

وبقيت القبقول في القلعة لا تحول ولا تزول، إلى أن كان يوم الاثنين سابع عشر صفر الخير، والناس مزعوجة من تأخير مجيء الحج ولم تدر ما السبب، جاء خبر إلى الشام بأن الحج قد شلحه العرب ونهبوه، والعرب سلبت النساء والرجال أموالهم وحوائجهم. فضجت العالم وتباكت الخلق وأظلمت الشام. وبلغ الناس بأنه جاء إلى المتسلم ست مكاتيب أن يخرج إلى الحاج نجدة فلم يظهرها، فقامت العامة وهجموا على المتسلم بالسرايا ورجموه بالأحجار، فاجتمعت الموالي والأغوات، ونادوا بإخراج دواب من البلد وأن يخرجوا حوائج وثياب مفصلة ومخيطة ونعال وزرابيل، وأن تخرج رجال لملاقاة الحاج. فخرج خلق كثير، وكان خروجهم يوم الجمعة في الحادي والعشرين من صفر الخير، وذلك بعدما كتبوا عرضاً للدولة يعلموهم بهذا الحال، وأرسلوا إلى حمص يطلبون حسن باشا بن الكبرلي لأجل أن يحافظ على الشام. وأمر الباشا بإحضار أئمة الحارات، وأمرهم أن يكتبوا أن جميع الذي نهب وسلب ردّه الباشا في الحال، ولم يهذب لأحد عقال وختّمهم بهذا العرض على هذا الشرط. وكانت هذه مكيدة منه ولم يقدروا أن يخالفوا أمره. وبقيت جماعة الباشا تنهب وتظلم، وتبغي وتتجبّر، ولا توقر كبيراً ولا صغيراً، ويقولون عن أهل الشام كلكم كفار ونصارى وأشرار. وكان لا يطعم جماعته إلا اللحم والأرز والخبز الطيب، حتى قلّ اللحم ولم يوجد خبز يؤكل، وعلى كل فرن مئات من الناس الجائعين، حتى افتقرت غالب أهل البلد، وصاروا يسألون الناس، وزاد النكد ونهضت الأسعار نهوض الماكر الجبار: فصار رطل الأرز بأربعة وعشرين مصرية، والخبز مثله، والدبس مثل ذلك، وأوقية السمن بثمانية مصاري، وأوقية الزيت بأربعة مصاري، وغرارة القمح بثلاثة وسبعين غرشاً، وغرارة الذرة بثمانية وأربعين، وغرارة الحمص بستين غرشاً، وغرارة العدس بخمسة وثلاثين، والشعير بخمسين، وأوقية السماق بأربعة مصاري، ورطل البصل بأربعة مصاري وعلى هذا فقس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وبعد مدة أيام قطع الباشا خرج بعض العساكر والبيارق، فصاروا يغيرون على القرايا، وينهبون الأموال والأعراض والأولاد. ولا تسأل كذلك عن عسكر الباشا، فإنهم نهبوا البساتين وكسروا الشجر وشلحوا البشر. ومع ذلك فإن الباشا لم يرض بذلك، وطالما عاملهم بالتأديب والضرب الأليم، فلم يرجعوا حتى صار يقتل منهم. وأرادت أهل الشام أن تقاتلهم، لكن لم يجدوا أحداً يأخذ بيدهم، وأكابر الشام لم تتكلم بخير، والأمر لله.

وبهذه الأيام نفى الباشا نقيب الأشراف حمزة أفندي إلى القدس. وبعد مدة جاء فرمان مع قبجي بأن عبد الله باشا الشنّجي والي الشام له الأمر المفوَّض يفعل ما يريد بلا مشاورة. ثم إنه تحرك لسفر الدورة، فأمر بإخراج المدفعين اللذين في باب القلعة، وكان لهم سنين وأعواماً لم يخرجوا، فعمل لهم عربات ومن الحديد حلقات، بلغ وزنهم مع الخشب ثلاثة وثلاثين قنطاراً، وخرج بهم طالباً سفر الدورة، وعمل شواهي مثل المدافع الصغار وركّبها على ظهور الجمال تدور يميناً وشمالاً ثم أمر العامة أن يجروا المدافع الكبار، فقتل منهم رجلان وتحطم منهم جماعة. وقد فرضت جماعته على الحارات والأسواق مال، فلمّوه باستعجال.

ولما خرج الباشا إلى الدورة شنق متسلمه رجلاً، وجاء بعض أعوانه برجل شريف، وقالوا: هذا قوّس مع الإنكشارية، فحالاً أمر بخنقه ولم يشاور أحدا. وصار الآخر يظلم وهذا يجور، وزاد البلاء والغلاء، وجلس على كل حانوت من حوانيت الخبّازة واحد من أعوان الحاكم وذلك من كثرة ازدحام الخلائق وكثرة النساء والأولاد فتسمع لهم بكاء ونحيبا يقطع القلوب والأكباد. والأمر لله لأنه مراده.

وفي تلك الأيام جاء الخبر بقتل أسعد باشا بن العظم والي الشام سابقاً. وبعد أيام جاء قبجي من جهة الدولة بختم سرايته وضبط ماله وختم بيوت جميع أتباعه وأعوانه وضبط مالهم ورفعهم إلى القلعة، وازدادت الشدة، وصارت أمور وأهوال في دمشق الشام ما وقعت في سالف الأزمان. ثم جاءت أتباع ابن العظم أسعد باشا، ودخل القبجي إلى السرايا، فأخرج الدفائن العظيمة من سرايته فإذا هي كالكنوز المودوعة فيها، فأخرجوا من الأرض ومن الحيطان والسقوف والأحواض حتى من الأدبات دراهم ودنانير وأمتعة نفيسة لا تقام بقيمة، ومجوهرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تَعالى والحكم لله العلي الكبير.

وفي يوم الخميس رابع رمضان جاء الباشا من الدورة ودخل دمشق. وفي سابع عشر شوال خرج عبد الله باشا الشتجي للحج الشريف بموكب عظيم وعسكر جرّار.

وبتلك السنة توفي الشيخ أحمد المنيني الحنفي خطيب الجامع الأموي رحمه الله تَعالى. وجاء سيل عظيم في مربعانية الصيف نزل في قرية جبة من قرب يبرود، وكان نزوله في أول الليل، فما كان إلا ساعة حتى أخذ قرية جبة عن بكرة أبيها، ثم مرّ على يبرود، فغطى جميع الكروم وهدم وقتل، ثم وصل إلى قرية النبك يهدر في جريه مثل الرعد، فأتلف بها كثيراً. نسأله تعالى اللطف بالمقدور.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1171

المؤلف: أحمد البديري سنة 1172

======

ثم دخل شهر رمضان المبارك نهار الخميس، وصار العيد يوم الجمعة، فصار عيداً للأموات والأحياء، لكنه للأموات أكثر. فقبل عيد الفطر بيومين وبعده بيومين يخرج من كل باب من أبواب دمشق ممن مات مطعونا في كل يوم نحواً من ألف جنازة والعياذ بالله.

وهذا شيء ما سمع من عهد الطاعون عمواس، نسأله تعالى اللطف فيما جرت به المقادير. وصار النقص أيضاً في الفاكهة، حتى صارت أوقية الجانرك بمصريتين، والمشمش رطله بأربعة وعشرين مصرية، ورطل التوت بثمانية مصاري، ورطل التفاح بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الأنجاص بثلاثين مصرية، ورطل الثوم بثلاثين مصرية، ورطل البصل بسبعة مصاري، واللحم والأرز وغيره على نحو ما قدمنا، وقد طال الأمر وكثر القهر وزال السرور، وزادت البغضاء والشرور، ولم يدر الإنسان أين يدور، من شدة البكاء والنفور، ولله عاقبة الأمور.

وفي يوم الجمعة الخامس عشر من شوال سار محمد باشا الشالك بالركب الشامي إلى الحرمين الشريفين. وبعد يومين سار الحاج بمهماته وبعد أيام جاء عثمان باشا والي مدينة طرابلس سردار الجردة، وكان نزوله مدة إقامته في قرية من القرايا من غير أسف ولا ندم، وسار مسافراً في ذي الحجة مع كواخي صيدا ونابلس.

وفي نصف ذي الحجة توفي الشيخ أحمد بن سوار شيخ المحيا، وكان علاّمة زمانه ووقته، وله شجاعة زائدة وبراعة في العلوم متزايدة، وصار له مشهد عظيم، ودفن في تربة قبر السيدة عاتكة. وبعده توفي ابن عمه الحسيب النسيب الشيخ سليمان، وكان يعمل المحيا في جامع الأموي وفي جامع البزوري الذي في محلتهم. وبهذا الشهر أيضاً توفي العالم العلامة مفتي السادة المالكية الشيخ يوسف أفندي، وصار له مشهد عظيم، ودفن بمرج الدحداح، رحمه الله تَعالى.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1172

المؤلف: أحمد البديري سنة 1173

===========

ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومئة وألف، وكان غرة محرمها الثلاثاء، وكان دخولها في اشتداد الحر. وفي السابع والعشرين من المحرم قدم جوقدار الحج الشريف، وبعده دخل الكَتّاب، وأخبر أن هذه الحجة بغاية الراحة، وأن عثمان باشا سردار الجردة صنع من الخيرات في هديه أشياء ما صنعها غيره. وذلك أنهم لما التقوا بالجردة وجدوا عثمان باشا سردار الجردة قد سبقهم، وفي انتظارهم له إحدى عشر يوماً مقيم في هدية، وهذا ما سبق لأحد قبله. وقد أغاث الحجاج بالإكرام، فقد أطعم الجائع وسقى العطشان، وركب العيّان وكسا العريان. ثم لما وصلت أفعاله الحسنى إلى الدولة العلية صانها المولى من كل بلاء وبلية وجّهوا عليه إمارة الشام، ووجهوا لولده محمد باشا مدينة طرابلس.

وفي نهار الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول جاء قبجي بعزل محمد باشا الشالك من الشام وبتوجيهها لعثمان باشا سردار الجردة.

وفي هذه الأيام بوشر بعمارة جامع الأموي، فدخلته المعمارية والنجارون والدهانون والحجّارة، وبذلوا الهمة بتعمير القبة والجهة الشرقية وما سقط من المآذن وبتحسين جميعه، ولا يُفتح إلا في وقت الصلاة فقط. والعمارة أيضاً مشتغلة في القلعة وترميمها، وقد تمت عمارة القلعة في شهر رجب سنة تاريخه، وتم تعمير الجامع الأموي والجهة الشمالية والقبة وترميم المنائر وتحسينه في شهر رمضان من هذه السنة.

وقبيل شهر رجب سار عثمان باشا إلى الدورة، وفتح فيها قلعة طرطورة، وكانت تلك القلعة في يد الظاهر عمر، وقتل كذا، ولما رجع عنها عثمان باشا أخذها الظاهر عمر بقوة جيشه بلا محاصرة.

وفي هذه السنة المطر غزير والطاعون المفرط والوباء زائد الحدّ والفاكهة قليلة جداً، والغلاء مطنب كما أسلفنا: فالرمانة الواحدة بثمان مصاري وأوقية التفاح بسبع مصاري، ورطل الفحم بخمسة عشر مصرية، وأوقية السمن بسبع مصاري، وأوقية الزيت بثلاث مصاري، وبقية المقتاتات على هذا النمط كما أسلفنا، وأما القيمق فقد صار رطله بريال، وما بقي للفقراء حال. وفي اثنين وعشرين شعبان من هذه السنة جاء عثمان باشا من الدورة وأحواله مسرورة. ونهار الاثنين ثبت رمضان المبارك، وثالث ليلة منه والناس في صلاة التراويح صارت زلزلة مزعجة، فقطعت الناس صلاة التراويح، وتهاربت الناس، وداست بعضها بعضا، وانذهلت عقولهم وفُقدت نراجيلهم وبعض ثيابهم، وثاني ليلة حصلت أيضاً مع رجّات لا تُدرك.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1173

المؤلف: أحمد البديري سنة 1174

==

ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومئة وألف. وكان عثمان باشا والي الشام في الحج أميراً له. ولما جاء الحج أخبر أن هذه الحجة من أبرك الحجج برخاء ورخص وأمان.

وفي تلك السنة جاء قبجي يأمر بالزينة العظمى، ونادى عثمان باشا أن من عنده لعبة ولو كانت من الطين والخشب أو عنده معرفة بأبواب السيما التي تسمى بالملاعيب فله عندي الإكرام الزايد، فبذل جانباً من المال وأعطى ومنح، ودارت العرايض بأنواع الملاعب وعملت جميع الصنائع والحرف، ومشت بمواكب عديدة مدهشة، منهم بالأسلحة والعدد والدروع الفاخرة، ومنهم الثياب المثمنة المنوعة. والحاصل حصلت زينة ما سمعنا ولا رأينا أنه صار نظيرها.

وبتلك السنة ركب عثمان باشا والي الشام على قلعة صهيون وفتحها، فأمن الخايف وقلت الرواجف. وفي تلك السنة أيضاً جاء خبر إلى الشام بقتل عبد الله الشتجي، وضبطت الدولة ماله ونواله، وراح كأنه ما كان.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1174

المؤلف: أحمد البديري سنة 1175

===

ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومئة وألف. وكان والي الشام عثمان باشا أميراً بالركب الشامي، وكانت حجة مريحة لم يحصل أدنى كدر للحجاج. وكانت وقفة عرفات يوم الجمعة. ومن الاتفاق العجيب أن عثمان باشا خرج بالركب يوم الجمعة، ووقف على عرفات مع الحج يوم الجمعة، ودخل الشام يوم الجمعة.

وفي مدته لم يحصل في الشام أدنى مكدّر، فعدل في الرعية، وعاشت أهل الشام بمدته عيشة هنية. وكان كيخيته سليمان بك مملوك سليمان باشا بن العظم. وكان في موت بيت العظم قد قاسى أهوالاً، فنال بصبره آمالا.

وفي تلك الأيام ورد الخبر إلى دمشق الشام بأن سعد الدين باشا بن العظم مات في ديار بكر، وجاء الأمر بضبط ماله، فضبطت الدولة على ماله واستولت على نواله، فقد نقل الثقات أنه خرج عنده مال عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

انتهى ما ذكره البديري من هذا التاريخ، واختصر حوادث السنين الأخيرة جداً وزاد سنة سهواً. والصحيح ما نقلناه. فسبحان من ليس بغافل ولا ساه. انتهى ما حررناه بقلم محمد سعيد أبي جمال، أحسن الله له الحال والمآل. وذلك قبيل ظهر يوم الخميس الرابع والعشرين من رمضان سنة 1317. تمّ الكتاب على يد الفقير خادم العلم الشريف محمد بن المرحوم الشيخ عبد القادر المجذوب في ميدان الحصا في رجب الحرام سنة 1323.

حوادث دمشق اليومية

سنة 1175

المؤلف: أحمد البديري 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقد أبطل الله كل طلاق سبق علي تنزيل طلاق سورة الطلاق 5هـ

  المقدمة الأولي /التفصيل القريب و الصواب في التفصيل الاتي 1= نزلت أحكام الطلاق في ثلاث سور قرانية أساسية تُشرِّع قواعده علي المُدرَّج ال...