سورة الطلاق مشاري

**

 المصحف المرتل ختمة كاليفورنيا

** ///

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الاثنين، 1 مايو 2023

ج2. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار جار الله الزمخشري توفي 583 هـ



ج2. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار جار الله الزمخشري توفي 583 هـ

فإني وجدت الخمر شيئا ولم يزل ... أخو الخمر حلالا شرار المنازل

53- كان رجل يقول لوكيله: اشتر لي المطبوخ وحلف الخمار على أنه مطبوخ. فيأتي بالمطبوخ، فيقول الرجل: ليس له صفاء ولا حسن، أريد أرق منه. فلا يزال يردده حتى يأتيه بالخمر الصرف، فيقول: أما أحلفت الخمار؟ أما استوثقت منه؟ فيقول: بلى، فيقول: ثقة والله وقد حج، ثم يتعد يشربه بقلب مطمئن.

54- الخمر مصباح السرور، ولكنها مفتاح الشرور.

55- اترك النبيذ قبل أن يبلغ الحد الذي يوجب الحد «1» .

56- المهلبي الوزير «2» : الشراب بغير دسم سم، وبغير نغم غم.

57- تغدى الحجاج عند عبد الملك، ثم دعا بالشراب، فقال:

أعفني يا أمير المؤمنين، فإني أضرب عليه أهل العراق، فو الله لئن شربته لا ضربت عليه أبدا. قال: يا أبا محمد، إنه نبيذ الزمان، يشهي الطعام، ويزيد في الباه، قال: أما قولك يشهي الطعام، فوددت أن هذه الأكلة كفتني حتى أموت، وأما قولك يزيد في الباه، فحسب الرجل أن يصرع في كل شهر مرة.

58- أبو حنيفة عن إبراهيم «3» : كانت الرواية كل سكر «4» حرام فزادوا فيها ميما.

59- أخذ الطائف «5» فتيانا يشربون ومعهم أعرابي، فأتى بهم

(5/16)

الحجاج. فقال الأعرابي: والله ما كنا في شر، قدم إلينا هذا الكريم عافاه الله خبزا من لباب البر، ولحما من سمان الضأن، وطيبا من نبيذ السعن «1» ، وعنده رجل معه خشيبة يعرك أذنيها فينطق جوفها، فبينا نحن على أحمد حال وأرضاها إذ وغل «2» هذا اللئيم، فأكل وشرب حتى إذا تضلع «3» غدر بنا، وساقنا إليك لؤما وسفالة.

فضحك الحجاج، ووهب لهم الطائف يفعلون به ما شاؤوا.

60- يزيد بن المهلب: وددت لو أن كل كأس بألف دينار، وكل منكح في جبهة الأسد، فلا يشرب إلا جواد، ولا ينكح إلا شجاع.

61- الحسن: لو كان العقل عرضا لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب لمن يشتري شيئا بماله يشربه فيذهب عقله.

62- وعن عبد الله بن الأهتم «4» : لو كان العقل يشترى ما كان علق أنفس منه، فالعجب لمن يشتري الحمق بماله فيدخله رأسه، فيقيء في جيبه ويسلح في ذيله، يمسي محمرا، ويصبح مصفرا.

63- النبي صلى الله عليه وسلم: من بات سكران بات للشيطان عروسا.

64- عيسى عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والنساء حبائل

(5/17)

الشيطان، والخمر داعية للشر.

65-[شاعر] :

بلوت النبيذيين في كل بلدة ... فليس لأخوان النبيذ حفاظ «1»

إذا دارت الأرطال أرضوك بالمنى ... وإن فقدوها فالوجوه غلاظ «2»

66- حكيم: إياك وأخوان النبيذ، فبينا أنت متوج عندهم مخدم، مسجود له معظم إذ زلت بك القدم، فجروك على شوك السلم «3» . واحفظ قول القائل:

وكل أناس يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم

لئن قلت هذا لم أقل عن جهالة ... ولكنني بالفاسقين عليم

67- شرب رجل من إداوة «4» عمر رضي الله عنه، فسكر، فجلده، فقال: إنه من نبيذك! فقال: إنما جلدت لسكرك.

68- قيل لسعيد بن سلم «5» : أتشرب النبيذ؟ قال: لا، قيل: لم؟

قال: تركت كثيره لله، وقليله للناس.

69- قال ابن صدقة العطار البصري «6» : لو لم يوجب اجتناب

السكر «1» إلا قول الأحنف «2» : «تركته مخافة أن احتاج بالعشي إلى تقويم من احتاج إلى تقويمي بالغداة» لكفى به.

70- قال حكيم الهند: عجبا عجبا لمن كان شرابه عصير الكرم، وطعامه الخبز واللحم، ثم اقتصد في أكله وشربه وجماعه وتعبه، كيف يمرض وكيف يموت؟.

71- شهد رجل عند شريك «3» ، فقال المدعي عليه: إنه يشرب النبيذ، فقال له شريك: أتشربه؟ قال: نعم، وأنا الذي أقول:

وإذا المعدة جاشت ... فارمها بالمنجنيق

بثلاث من نبيذ ... ليس بالحلو الرقيق

يهضم المطعم هضما ... ثم يجري في العروق

فقال شريك: قم فأثبت شهادتك. وأراد الكسر على المشهود عليه.

72- دخل الهيثم بن خالد «4» على عبد الملك وبوجهه آثار، فقال:

ما هذا؟ قال: قمت بالليل فصدمني الباب، فقال عبد الملك:

رأتني صريع الكأس يوما فسؤتها ... وللشاربيها المدمنيها مصارع

فقال: آخذك الله بسوء ظنك يا أمير المؤمنين، قال: بل آخذك الله بسوء مصرعك يا هيثم.

73- كان وكيع بن أبي سود «5» مدمنا، فولى ابن أخيه بعض

الأعمال، فبلغه أنه يشرب، فدعا به وقال: إني استعملتك لأشرفك وارفع ذكرك فأقبلت على الشرب! فقال: والله ما شربت حسوة منذ وليتني، ولكني الساعة سكران. قال: من أي شيء؟ قال: من ريحها منك.

74- استفتى أعرابي من جبلي طي «1» ابن أبي ذئب «2» في النبيذ وقال: يحسن الوجوه، ويسخي الأنفس، ويسلي الهموم، ويحض على النجدة، فقال: هو حرام. فقال: إنه ينفعني من أرواح تعتريني، ويصلح عليه جسمي، قال: لم يجعل الله فيما حرم شفاء، فأنشأ يقول:

دع ابن أبي ذئب وإن كان مفتيا ... وأصحابه واشرب حلالا من التمر

ومن رطب زهو إذا ما وجدته ... وكل نبيذ من عتيق ومن بسر

فإن الهدى في غير ذلك فاعلمن ... وما الأمر إلا في الفواحش والخمر

75- قال حفص بن غياث «3» : كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذ، فاستأذن قوم فسترته، فقال: لم سترته؟ فقلت: كرهت أن يقع فيه ذباب. فقال: هيهات هو أمنع جانبا من ذاك.

76- علي رضي الله عنه: الشطرنج ميسر العجم. وعنه أنه مر بقوم يلعبون الشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.

77- عمر رضي الله عنه وقد ذكر عنده الشطرنج: إني لأعجب من ذراع في ذراع يدبرها الحكماء منذ وضعت لم يقفوا لها على غاية.

78- قيل لابن مجاهد «1» : إن الصولي «2» صنف كتابا في القرآن سماه «الشامل» فقال: إنه جيد الدست «3» ، أراد أنه شطرنجي حاذق. فأما القرآن فإنه منه في قطر بعيد.

89- دخل أبو العنبس «4» على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج، وكان وسخا، فقال: ما أوسخ هذا الشطرنج! قال أبو تمام: فكيف لو رأيت اللعب؟ فإنه أوسخ من الشطرنج.

80- كان أبو القاسم الكسروي «5» يقول: لا ترى شطرنجيا غنيا إلا بخيلا، ولا فقيرا إلا طفيليا، ولا تسمع نادرة بادرة إلا على الشطرنج.

81- قالوا: على الملك أن ينصف صاحبه في اللعب بالشطرنج والصوالج «6» والصيد والرمي في الغرض، ولا يتفضل عليه وعلى صاحبه

المشاحة وترك الأغضاء.

82- حكي عن سابور «1» أنه لاعب تربا «2» له بالشطرنج على إمرة مطاعة، فقمره «3» تربه، فقال سابور: ما إمرتك؟ قال: أركبك حتى أخرج بك إلى باب العامة. فدعا ببرقع فتبرقع به، وجثا لتربه.

83- استأذن يحيى بن أكثم على المتوكل وهو يلعب بالنرد مع الفتح بن خاقان، فغطيت الرقعة بمنديل. فقال له المتوكل: إني كنت ألاعب الفتح فكره دخولك واحتشمك، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن خاف أن أعلمك عليه، فضحك وأمر له بمال.

84- احتضر شطرنجي وهو يقول: شاه مات مكان الشهادة.

85- سئل الشعبي «4» عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا بأس به إذا لم يكن هناك تقامر وتباذل.

86- بعضهم: كنا في السجن مع ابن سيرين «5» فكان يمر بنا ونحن نلعب بالشطرنج، فيقوم قائما فيقول: ارفع الفرس، افعل كذا.

87- سعيد بن المسيب: كنت ألعب بالشطرنج مع صديقي في بيته حين خفت الحجاج.

88- علي بن الجهم:

أرض مربعة حمراء من أدم ... ما بين حرين معروفين بالكرم

تذاكرا الحرب فاحتلالا لها فطنا ... من غير أن يأثما فيها بسفك دم

هذا يغير على هذا وذاك على ... هذا يغير وعين الحزم لم تنم

فانظر إلى بهم حاشت بمعركة ... في عسكرين بلا طبل ولا علم

89- وقيل هي للمأمون.

قالوا إن سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يريدون القتال فإذا تنازع فريقان في كورة أو مملكة تلاعبا بالشطرنج، فيأخذها الغالب من غير قتال.

90- ولى سليمان بن عبد الملك صالح بن عبد الرحمن «1» بعد الحجاج، وأمره بتتبع آثار الحجاج. فقال له بعض أبناء ملوك الفرس:

انظر شطرنجا من ياقوت أحمر كان لبعض آبائي، قام عليه أصغر قطعة منها بثلاثة آلاف ألف، فإن وجدتها في الخزانة فاعلم أن الحجاج لم يخن.

فوجدوها في جونة عليها خاتمه، فحكي أن تلك الشطرنج حملها الأموي الذي لحق بالأندلس، فهي فخرهم.

91- أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت الاعب الحسين «2» وهو صبي بالمداحي «3» ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته قلت احملني، فيقول:

ويحك! أتركب ظهرا حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأتركه. وإذا أصابت مدحاته مدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني، فيقول: أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأحمله.

92- المداحي والمسادي والمراصج أحجار كالقرصة يدحرجونها إلى حفيرة، إن وقعت فيها فقد قمر «1» .

93- لما بلغ عمر رضي الله عنه تبايع أهل الشام في الخمر أمر أن يطبخ كل عصير بالشام حتى يذهب ثلثاه، فقال دو الكلاع «2» :

صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي ... ولست عن الصهباء يوما بصابر

رماها أمير المؤمنين بحتفها ... فخلانها يبكون حول المعاصر

94- عبد القوي بن عتاهية بن أبي العتاهية «3» ، وكان متهما في دينه، يقول ليموت بن المزرع:

يموت يا من نفسه نائمة ... غافلة غفلتها دائمة

لا تلح ضدا لك في نحلة ... فإن شطرنجكما قائمة «4»

95- حنظلة بن عرادة التميمي «5» في يزيد بن معاوية:

طرقت منيته وعند وساده ... كوب وزق راعف مرثوم «6»

ومرنة تبكي على نسوانه ... بالصبح تقعد تارة وتقوم «7»

96- مقيس بن صبابة الكناني «8» :

رأيت الخمر طيبة وفيها ... خصال كلها دنس ذميم

فلا والله أشربها حياتي ... طوال الدهر ما طلع النجوم

سأتركها وأترك ما سواها ... من اللذات ما أرسى يسوم «1»

97- علي بن خالد العقيلي الكاتب «2» أهدى لعلي بن الجهم نبيذا من زبيب وكتب إليه:

سللت بحكم النار روح زبيبة ... تخيرتها صفراء ممحوضة العجم «3»

فلما بدت زوجتها ريح نحلة ... أرق وأقوى في الصفاء من الوهم

وزففتها منك إليك زجاجة ... وقد أنزلاها منهما منزل الأم

فانتجهما سيفا من السكر قاطعا ... وجرده ثم اضرب به عنق الهم

98- أبو عدنان الأعور «4» :

ود النبيذيين رد خلابة ... والوصل منهم ليس بالتماسك

لا يرفضونك في رخاء معيشة ... وإذا ابتليت فأنت أول هالك

99- عامر بن الظرب العدواني أول من حرم الخمر في الجاهلية:

إن أشرب الخمر أشربها للذتها ... وإن أدعها فإني ماقت قالي «5»

سآلة للفتى ما ليس في يده ... ذهابة بعقول القوم والمال

أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرق ترب القبر أوصالي

100- الأعرج الطائي «1» :

تركت الشعر واستبدلت منه ... إذا داعي صلاة الصبح قاما

كتاب الله ليس له شريك ... وودعت المدامة والندامى

101- زراع بن عروة الحنفي «2» :

قد قال زراع فكن عند قوله ... ترفق بأهل الجهل إن كنت ساقيا

يبين لنا ذو العقل من سفهائنا ... إذا ما تعاطينا الكؤوس تعاطيا

وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا

تزيد حسى الكأس اللئيم ملامة ... وتترك أخلاق الكريم كما هيا

102- بلغ عمر رضي الله عنه أن عامله بدست ميسان «3» قال:

إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأكبر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمنا بالجوسق المتهدم «4»

فقال: إي ها الله! إنه ليسوؤني ذلك، والله لا عملت لي عملا، وعزله.

103- علي رضي الله عنه: إياكم وتحكيم الشهوات.

104- سمع الوليد بن يزيد بخبر شراعة بن الزندبود «5» وظرفه وصلاحه

لمنادمة مثله، فاستحضره، فقال له: يا شراعة، إني والله ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة رسوله، فقال: لو سألتني عنها لوجدتني فيها حمارا. قال: ولكن لأسألك عن الفتوة، قال: فأنا دهقانها الخبير، وطبيبها الرفيق. فقال له: ما تقول في الشراب؟ فقال: عن أيه تسألني؟

قال: عن الماء، قال: هو قوام البدن ويشاركني فيه الحمار. قال:

فاللبن؟ قال: ما نظرت إليه إلا استحييت من أمي لطول إرضاعها لي.

قال: فالخمر؟ قال: إنه صديق روحي. قال الوليد: وأنت أيضا صديقي. ثم سأله عن أصلح مكان للشرب، فقال: عجبت لمن لا تحرقه الشمس ولا يغرقه المطر لا يشرب مصحرا، فوالله ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه الماء، وصفو الهواء، وخضرة الكلأ، وسعة الفضاء، وقمر الشتاء.

105- قيل لرجل: ما تقول في نبيذ السعن «1» ؟ قال: نبيذ الرعن»

. قال: ففي نبيد الجر «3» ؟ قال: اشرب حتى تجر. قال: فنبيذ الدن؟ قال: اشرب حتى تجن. قال فالداذي «4» ؟ قال: أحلى من العسل الماذي «5» . قال: فنبيذ العسل والزبيب؟ فستر وجهه وقال: العظمة لله! قال: فالخمر؟ قال: لا تشربوها. قال: ولم؟ قال: أخاف أن لا تؤدوا شكرها فتنتزع منكم.

106- أهديت إلى الوليد «1» جفنة بلور، فملأها خمرا، وطلع القمر وهو يشرب، فقال: أين القمر الليلة؟ فذكر له بعض الأبراج، فقال بعض ندمائه: هو الجفنة. فضحك وقال: ما عدوت ما في نفسي، وطرب وقال: لاصطبحن الهفتجة «2» ، يريد الأسبوع، فقال له حاجبه: إن قريشا ووفود العرب بالباب، والخلافة ترق عن هذه الحالة. فقال: اسقوه، فأبى، فوضع القمع في فيه، وسقوه حتى خرما يعقل.

107-[شاعر] :

إذا اختلس الخطى واهتز لينا ... رأيت لرقصه سحرا مبينا

يمس الأرض من قدميه وهم ... كرجع الطرف يخفى أن يبينا

ترى الحركات منه بلا سكون ... فتحسبها لخفتها سكونا

كسير الشمس ليس بمستقر ... وليس بممكن أن يستبينا

108- للنبيذ حدان عقل لا هم فيه، وهم لا عقل فيه، فعليك بالأول ودع الثاني.

109- قال الجماز «3» : رأيت شيخا في علية «4» ، معه صبي يقول له كل ساعة: هات فروتي، فاطلعنا فإذا قنينة كلما طلب فروة سقي قدحا.

110- عكرمة «5» : ختن ابن عباس بنيه، فأرسلني فدعوت اللعابين، فلعبوا، فأعطاهم أربعة دراهم.

111- سئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد، فقال: إذا لم يكن قمار فلا بأس به.

112- إبراهيم بن محمد «1» : رأيت أبا هريرة يلعب مع أبي بأربعة عشر «2» على ظهر المسجد.

113- أبو الفضل الميكالي «3» :

عيرتني ترك المدام وقالت ... هل جفاها من الرجال لبيب

هي تحت الظلام نور وفي الأكا ... باد برد وفي الخدود لهيب

قلت يا هذه عدلت عن النص ... ح وما للرشاد فيك نصيب

إنها للستور هتك وبالألب ... اب فتك وفي المعاد ذنوب

114- كان عروة بن الزبير يقول لولده: يا بني العبوا فإن المروءة لا تكون إلا مع اللعب.

115- في كل رأس طربة ونزوة.

116- أبو سليمان الداراني «4» : خرجت شهوة الشطرنج من قلبي بعد أربع وعشرين سنة.

117- أعرابي:

غضبت علي لأن شربت بصوف ... فلئن بقيت لاشربن بخروف

ولأشربن من بعد ذاك بناقة ... ولأشربن بتالدي وطريفي «5»

118- بريدة «1» : عن النبي صلى الله عليه وسلم: من لعب بالنردشير «2» كأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه.

119- ودخلت في زمن الحداثة على شيخ يلعب بالنرد مع آخر يعرف بأزدشير، فقلت: الأزدشير والنردشير بئس المولى وبئس العشير.

120- عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل وأنا ألعب بالبنات، وعندي صواحباتي، فإذا رأين رسول الله صلى الله عليه وسلم سعين، فيقول:

كما أنتن، ولا يعيب علي.

121- خرج غلمان من أهل البحرين يعلبون بالصوالجة «3» ، وأسقف البحرين قاعد، فصكت الكرة صدره فأخذها، فجعلوا يطلبون إليه في ردها، فأبى، فقال غلام منهم: أسألك بحق محمد لما رددتها علينا، فشتم رسول الله، فاقبلوا عليه بصوالجهم وما زالوا يخبطونه حتى مات.

فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فو الله ما فرح بفتح ولا غنيمة من غنائم المسلمين كفرحه بقتل أولئك الغلمان الأسقف، وقال: الآن عز الإسلام، إن غلمة صغارا سمعوا شتم نبيهم فغضبوا له وانتصروا. ثم أهدر دم الأسقف.

122- قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي رضي الله عنه: أعدني على أخي عاصم. قال: ما باله؟ قال: لبس العباءة يريد النسك. قال علي به، فأتوا به مؤتزرا بعباءة مرتديا بأخرى، شعث الرأس واللحية. فعبس في وجهه وقال: ويحك! أما استحيت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟

أترى أن الله أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على

الله، أما سمعت الله يقول في كتابه: والأرض وضعها للأنام

«1» - إلى قوله- يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان

«2» ؟ أفترى الله أباح هذا لعباده إلا ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإن ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال.

قال عاصم: فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك! فإنما تزينت بزينتك. قال: ويحك! إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس.

123- زاد عبد الله بن عمر عبد الله بن جعفر وبين يديه بربط «3» ، فقال: إن أخبرتني ما هذا يا أبا عبد الرحمن فلك أي جارية من جواري شئت. فأخذ ابن عمر البربط فقبله ونظر إليه وقال: ميزان حراني «4» ، وأنا أبو عبد الرحمن. فضحك ابن جعفر ووهب له جارية.

124- بعضهم: رأيت أبا قتادة «5» في عرس يقول للجارية ارعفي الدف «6» .

125- عن أسلم مولى عمر: قدم علينا معاوية وهو من أبض الناس، فجعل عمر يضع إصبعه على متنيه ثم يرفعهما عن مثل الشراك حمرة، وهو يقول: بخ بخ، نحن إذن خير الناس إن جمعت لنا الدنيا والآخرة، فقال معاوية: أنا بأرض الريف والحمامات. فقال عمر: ما بك إلا إلطافك

نفسك بطيب الطعام، وتصبيحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات من وراء الباب.

126- كان المأمون يحب لعب الشطرنج حبا شديدا، ويقول: هو فكري يشحذ الذهن. وكان يقول: لا أسمعن أحدا يقول: تعالى حتى نلعب، ولكن يقول: حتى نتزاول «1» او نتقاتل.

ولم يك حاذقا بهما، فكان يقول: أنا أدبر الدنيا فاتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين!.

الباب السابع والسبعون الأمراض، والعلل، والعاهات والطب، والدواء، والعيادة، ونحو ذلك

1- عبد الله بن أنيس «1» عنه عليه الصلاة والسلام: أيكم أن يصح فلا يسقم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات، والذي بعثني بالحق، إن الرجل لتكون له الدرجة في الجنة فيبلغهما بشيء من عمله، فيبتليه الله ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله.

2- وقال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يمرض مرضا إلا حط الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها.

3- كان يقال: ما تزال الأوصاف والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة المصفاة.

4- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى على جسده البثيرة ابتهل في الدعاء وقال:

إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظمه.

5- جرير:

(5/33)

ونعود سيدنا وسيد غيرنا ... ليت التشكي كان بالعواد

لو كان يقبل فدية لفديته ... بالمصطفى من طارفي وتلادي «1»

قالهما في الوليد بن عبد الملك. وروي أنهما لكثير «2» في عبد الملك.

6- آخر:

يعدن مريضا هن هيجن داءه ... ألا إنما بعض العوائد دائيا

7- مرض قيس بن سعد بن عبادة فاستبطأ أخوانه، فقيل: يستحيون مما لك عليهم من الديون، فقال: أخزى الله ما لا يمنع الأخوان من العيادة، فأمر فنودي: من كان لقيس بن سعد عليه مال فهو في حل.

فكسرت درجته لكثرة من عاده ذلك اليوم.

8- كتب الرشيد إلى الفضل بن يحيى في مرضه: أطال الله يا أخي مدتك، والله ما منعني عن إتيانك إلا التطير من عيادتك، فاعذر أخاك، فو الله ما قلاك «3» ، ولا سلاك، ولا استبدل بك سواك، والسلام.

9- أطال قوم عيادة بكر بن عبد الله المزني، فقال: المريض يعاد، والصحيح يزار.

10- علي بن الجهم:

لا ييئسنك من تفرج كربة ... خطب رماك به الزمان الأنكد

واصبر فإن الصبر يعقب راحة ... في اليوم يأتي أو يجيء به الغد

كم من عليل قد تخطاه الردى ... فنجا ومات طبيبه والعود

11- النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة في ظل العرش، عائد المرضى، ومشيع

(5/34)

الموتى، ومعزي الثكلى.

12- محمد البيدق الشيباني «1» :

قالوا أبو الفضل معتل فقلت لهم ... نفسي الفداء له من كل محذور

يا ليت علته بي غير أن له ... أجر العليل وأني غير مأجور «2»

13- دخل عبد الوارث بن سعيد «3» على رجل يعوده، فقال: كيف أنت؟ قال: ما نمت منذ أربعين ليلة. قال: يا هذا، أحصيت أيام البلاء فهلا أحصيت أيام الرضا.

14- قيل لإسماعيل بن صبيح «4» وهو مريض: كيف أصبحت؟ قال:

أصبحت تحيرت علي الأطباء.

15- دخل الجاحظ على علي بن عبيدة الريحاني صاحب المنصور عائدا، فقال له: ما تشتهي؟ قال: أعين الرقباء، وأكباد الحساد، وألسن الوشاة.

16- قيل للنظام «5» في مرضه: ما تشتهي؟ قال: أن اشتهي.

(5/35)

17- قيل لأحول: إنكم ترون الشيء شيئين، وكان بين يديه ديك، فقال: كيف لا أرى هذين الديكين أربعة.

18- ولعبد الله الفقير إليه «1» :

ليس يرى ثانيا له أحد ... في العدل إلا المصاب بالحول

19- مر قوم بماء من مياه العرب، فوصفت لهم ثلاث أخوات بالجمال متطببات، فأحبوا أن يروهن، فحكوا ساق أحدهم بعود حتى أدموه، ثم قالوا: هذا سليم هل من راق؟ فخرجت صغراهن كأنها الشمس الطالعة، فقالت: ليس بسليم، ولكن خدشه عود بالت عليه حية، إذا طلعت عليه الشمس مات، فكان كما قالت.

20- قال الجماز «2» : لرجل إذا رمدت «3» العين بم تداويها؟ قال:

بالقرآن ودعاء الوالدة، قال: دواءان مباركان، ولكن إجعل معهما شيئا يقال له العزروت «4» .

21- أبو جعفر بن العباس «5» من أبناء الوزراء:

وأطراف المساويك ... تجلت عن مساويك «6»

فما جارحة فيك ... إذن أحوج من فيك

22- إبراهيم التيمي «7» : كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا، وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصير.

(5/36)

23- الحمد لله الذي لم يوحش منك ربعك، ولم يخل مجلسك في قومك، فلا أدبر عنك من الصحة ما أقبل إليك من السقم ما أدبر عنك، وثبت لك العافية، ومد فيها عصارة عيشك، حتى يقبضك على أرذل عمرك، وأحسن عملك.

24- قال معاوية لابن عباس: يا بني هاشم، ما لكم تصابون في أبصاركم؟ فقال: بدلا مما تصابون في بصائركم. وذلك أنه لم يوجد ثلاثة مكافيف على نسق غير عبد الله «1» والعباس «2» وعبد المطلب «3» .

25- الأصمعي: العميان أكثر الناس نكاحا، والخصيان أكثر الناس إبصارا، لأنهما طرفان، ما نقص من أحدهما زاد في الآخر.

26- بشار بن برد، وكان أعمى جاحظ العينين قد تغشاهما لحم أحمر:

عميت جنينا والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلا

وغاض ضياء العين للقلب رافدا ... بقلب إذا ما ضيع الناس حصلا

وشعر كنور الروض لاءمت بينه ... بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا

27- منصور الفقيه:

يا معرضا بهواه ... لما رآني ضريرا

كم ذا رأيت بصيرا ... أعمى وأعمى بصيرا

28- لما قال المؤمل بن أميل المحاربي:

شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر

عمي، فرأى في منامه من يقول له: هذا ما تمنيت في شعرك.

(5/37)

29- كان سيبويه «1» كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:

إذا بل من داء به ظن أنه ... يجاد به الداء الذي هو قاتله

30- المتنبي:

فإن أمرض فما مرض اصطباري ... وإن أحمم فما حم اعتزامي

وإن أسلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام

31- وقال آخر «2» :

كانت قناتي لا تلين لغامز ... فألانها الإصباح والإمساء

فدعوت ربي بالسلامة جاهدا ... ليصحني فإذا السلامة داء

قال رجل لفيلسوف: يا أبخر «3» . فقال: لا تعجب من هذا، فقد عفنت مساويك في صدري، وإن أخرجتها لم تجد من ذلك شيئا.

32-[شاعر] :

أنت لو جزت ببيت ... رض فيه المسك رضا

وتنفست لقال النا ... س فيه قد توضا

33- سار أبخر أصم فقال له: قد فهمت قد فهمت. فلما ولى سئل عما قال له، فقال: ما أدري، ولكنه فسا في أذني.

34- كان عمرو بن عدس «4» أبخر، ويقال لولده، أفواه الكلاب.

35- عض عبد الملك على تفاحة ورمى بها إلى امرأته، فدعت بسكين، فقال لها: ما تصنعين به؟ قالت: أميط عنها الأذى. فشق عليه

(5/38)

وطلقها «1» .

وكانت الذبان تسقط إذا ألممن بفيه لشدة بخره، ولذلك لقب بأبي الذبان.

36- وسار أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك، وكان أبخر، فخمر «2» أنفه بكمه، فجذب كمه وقال: لا يصلح للخلافة من لا يصبر على مناجاة الشيوخ البخر.

37- طول انطباق الفم يورث الخلوف «3» ، وكل رطب الفم سائل اللعاب سالم منه. ولذلك لا يعرض للمجانين الذين تسيل أفواههم، وكذلك من سال منه اللعاب نائما، ولذلك كان الزنج أطيب الناس أفواها، وإن كانت لا تعرف سنونا «4» ولا مسوكا.

38- والسباع موصوفة بالبخر، والمثل مضروب بالأسد والصقر، والكلب من بينها طيب الفم. وليس في البهائم أطيب أفواها من الظباء.

39- علي رضي الله عنه: وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده «5» .

40- سمع أبو العيناء «6» المتوكل يقول: ما يمنعني من نظم أبي العيناء في جملة الندماء إلا أنه ضرير. فقال: إن أعفاني من المسايفة، ورؤية الهلال، وقراءة الخواتيم صلحت لمنادمته.

(5/39)

41- كان الأعمش «1» يقود النخعي «2» فيصيح بهما الصبيان عين بين اثنين «3» ، فكان إبراهيم إذا انتهى إلى مجامعهم خلى عنه، فقال الأعمش: وما عليك يأثمون ونؤجر! قال: إبراهيم: وما عليك أن يسلموا ونسلم.

42- أنشد ابن الأعرابي «4» لرجل من بني قريع «5» :

يقولون ماء طيب خان عينه ... وما عين ماء خان عينا بطيب

ولكنه أزمان أنظر طيب ... بعيني قطامي نمى فوق مرقب

كأن ابن حجل مد فضل جناحه ... على ماء إنسانيهما المتصبب «6»

جرى فوق إنسانيهما فكأنما ... جرى فوق إنسانيهما ماء طحلب

43- أبو علي البصير الأنباري «7» :

لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني للسير إذ أنا راكب

فقد يستضيء القوم بي في وجوههم ... ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب

44- وقال آخر:

إذا ما غدت طلابة العلم مالها ... من العلم إلا ما يخلد في الكتب

غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي

45- النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا يعادون، صاحب الدمل، والرمد، والضرس.

(5/40)

46- الشعبي «1» : عيادة النوكى «2» أشد على المريض من وجعه.

47- عاد أعرابي أعرابيا فقال: بأبي أنت! بلغني أنك مريض، فضاق علي والله الفضاء العريض، وأردت إتيانك فلم يكن بي نهوض، فلما حملتني رجلاي، ولساء ما يحملان، أتيتك بجزرة شيح»

ما مسها عرنين، فاشممها واذكر نجدا، فهو الشفاء بإذن الله.

48- شاعر:

بي السوء والمكروه لا بك كلما ... أراداك كانا بي وكان لك الأجر

49- اعتل المسور «4» فجاء ابن عباس فقضى النهار يعوده، فقال المسور: هلا ساعة غير هذه! قال: إن أحب الساعات إلي أن أؤدي فيها الحق إليك أشقها علي.

50- المؤمل بن أميل:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر

51- قال عبد الله بن مصعب:

مالي مرضت فلم يعدني عائد ... منكم ويمرض كلبكم فأعود

فسمي عائد الكلب، وبنوه بنو عائد الكلب.

52- قيل لأعرابي: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي؟

قال: الجنة، قيل: أفلا ندعو لك طبيبا؟ قال: هو الذي أمرضني.

(5/41)

53- أبو هارون الأعرابي «1» :

مرضت فلم تعدني في شكاتي ... ولم تبعث لجارتها رسولا

ولو كنت المريض ولا تكوني ... لأكثرت العيادة والعويلا

54- عاد مالك بن أنس عبد السلام النكاح «2» فقال:

عادني مالك فلست أبالي ... بعد من عادني ولم يعدني

55- إذا دخل العواد على الملك فحقهم أن لا يسلموا عليه فيخرجونه إلى الرد، فإذا علموا أنه لاحظهم دعوا له دعاء يسيرا وخرجوا.

56- داووا كل مريض بعقاقير أرضه، فإن الطبيعة تتطلع لهوائها، وتنزع إلى غذائها.

57- نظر الحارث بن كلدة إلى حية، فقال: إن الطبيب العالم ربما قام له علمه مقام الدواء، وأجزأت عنه حكمته في موضع الترياق، فقيل له: فما بالك يا أبا وائل لا تأخذها بيدك إن كان الأمر على ما تصف؟

فحملته النخوة أن مد يده إليها، فنهشته فرقع صريعا، فما برحوا حتى مات.

58- قيل لجالينوس «3» حين نهكته العلة: أما تتعالج؟ قال: إذا كان الداء من السماء بطل الدواء، وإذا نزل قدر الرب بطل حذر المربوب.

59- هرب سليمان بن عبد الملك من الطاعون، فتلي عليه قوله تعالى: قل لن ينفعكم الفرار

- إلى قوله- إلا قليلا

«4» . فقال: ذلك القليل نريد.

(5/42)

60- وقع الطاعون بالكوفة، فخرج فيمن خرج صديق لشريح «1» ، فكتب إليه: أما بعد، فإنك والمكان الذي أنت به بعين من لا يعجزه هرب، ولا يفوته طلب. وإن المكان الذي خلفته لا يعجل أحدا إلى حمامه، ولا يظلمه شيء من أيامه، وأنا وإياكم لعلى بساط واحد، وإن النجف من ذي قدرة لقريب.

61- دعي ابن المقفع إلى الغداء، فقال: لست اليوم أكيلا للكرام، لأني مزكوم، والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار.

62- في الحديث: قال الشيطان: ما حسدت ابن آدم إلا على شيئين الطسأة والحقوة. والطسأة «2» الزكام، والحقوة «3» الهيضة «4» .

63- قيل لأعرابي: ما بال الآباط أنتن موضع في الجسد؟ فقال:

كانت فقاحا فغورن.

64- عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن بن عائشة: لي إبطان ترميان جليسي بشبيه السلاح أو بسلاح «5» .

65- عبد الله بن مالك الخزاعي:

ظلت علي الأرض مظلمة ... إذ قيل عبد الله قد وعكا

يا ليت ما بك بي وإن تلفت ... نفسي وقل ذاك لكا

66- قيل لفيلسوف: لم صار الأحدب أخبث الناس؟ قال: لأنه قرب فؤاده من دماغه، وكبده من فؤاده.

67- قالوا: من قدم أرضا فأخذه من ترابها، فجعله في مائها، ثم

(5/43)

شربه، فهو في أمن من وبائها.

68- كان أنوشروان يمسك عما تميل شهوته إليه من الطعام، ويقول: تركنا ما نحبه لنستغني عن العلاج بما نكرهه.

69- كتب الحسن بن سهل إلى أخ له: أجدني وإياك كالجسد الواحد إذا خص عضوا منه ألم عم سائره، فعافاني الله بعافيتك، وأدام لي الامتاع بك.

70- قال أعرابي لمريض: كيف تجدك؟ قال: أجدني أقربكم إلى الله، قال: اللهم باعد عبدك منك.

71- كشف الله ما بك من السقم، وطهرك بالعلة من الخطايا، ومتعك بأنس العافية فأعقبك دوام الصحة.

72- قطعت رجل عروة بن الزبير فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: والله ما كنا نعدها للصراع، لقد أبقى الله لك أكثرك، أبقى لك سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك. قال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.

73- النبي صلى الله عليه وسلم: العيادة قدر فواق «1» ناقة.

74-[شاعر] :

باخوانك الأدنين لا بك كلما ... شكوت إلي اليوم من ألم الورد

بكل امرىء منهم بقدر احتماله ... فإن عجزوا عنه فحملته وحدي

75- تقول العرب: قالت الحمى أنا أم ملدم «2» ، آكل اللحم وأمص الدم.

76- وجد في لوح:

(5/44)

يا أيها المشعر هما لا تهم ... إنك إن تقض لك الحمى تحم

ولو علوت شاهقا من العلم ... كيف توقيك وقد جف القلم

وخط أيام الصحاح والسقم

77- حموا عند فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس، إن الحمى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وقطعة من النار، فإذا وجدتم من ذلك شيئا فبردوا لها الماء في الشنان، ثم صبوا عليكم فيما بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فذهبت عنهم.

78- خرج رجلان من خراسان إلى بغداد في متجرهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الرجوع، فقال: ما أقول لمن يسألني عنك؟

قال: قل لهم لما دخل بغداد اشتكى رأسه وأضراسه، ووجد خشونة في صدره، وغرزا في طحاله، وخفقانا في فؤاده، وضربانا في كبده، وورما في ركبتيه، ورعشا في ساقيه، وضعفا عن القيام على رجليه. فقال:

بلغني أن الإيجاز في كل شيء مما يستحب، فأنا أكره أن أطول عليهم، ولكني أقول لهم قد مات.

79- قيل بحضرة أعرابي: لا أشد من وجع الضرس، فقال: كل داء شر داء.

80- جعفر بن محمد الصادق: ثلاث قليلهن كثير، النار والفقر والمرض.

81- طلق بن حبيب «1» : الهلبلجة في البطن كالكذبانوفة «2» في البيت. أي المرأة التي تصلح أمر البيت وتديره.

(5/45)

82- خرجت قرحة في كف محمد بن واسع، فقيل له: إنا نرحمك منها. فقال: وأنا أشكر الله إذا لم تخرج في عيني.

83- أنس «1» : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب، وهو في الموت، فقال له: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله وأخاف ذنوبي. قال: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو، وأمنه مما يخاف.

84- مرضت رابعة القيسية «2» فقيل لها: ما تشتهين؟ فقالت: أشتهي أن يجمع الله بيني وبين محمد بن واسع في عرصات القيامة.

85- عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيرا! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين على الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه محبته ولم يبق منه جارحة إلا أخذها.

86- قيل لحسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟ قال: بخير إن نجوت من النار. وقيل: فما تشتهي؟ قال: ليلة طويلة الطرفين أحيا ما بينهما.

87- رفعت امرأة زوجها إلى القاضي تبغي الفرقة، وزعمت أنه يبول كل ليلة في الفراش، فقال الرجل: لا تعجل، أصلحك الله، حتى أقص عليك قصتي. إني أرى في منامي كأني في جزيرة في البحر، وفيها قصر، وفوق القصر علية «3» ، وفوق العلية قبة، وفوق القبة جمل، وأنا على ظهر الجمل، وأن الجمل يتطأطأ ليشرب من البحر، فإذا رأيت ذلك بلت فرقا «4» . فبال القاضي وقال: يا هذه، أنا قد أخذنى البول من هول

(5/46)

حديثه، فكيف بمن رأى الأمر عيانا؟.

88- ربيعة الرقي:

عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بنظرة منك تشفيه من الرمد

إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد

- قال:

وليس لمكفوف خواطر مبصر ... وذو العين والتمييز جم الخواطر

89- قال عمر: لأدريس بن أنيس القرني، وقيل هو ابن الخليص:

أخرج بك وضح «1» فدعوت الله أن لا يذهبه عنك؟ وقلت: اللهم دع لي في جسدي ما اذكر به نعمك علي. قال: وما أدراك يا أمير المؤمنين؟

فو الله ما اطلع على هذا بشر. قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

90- فلج الربيع بن خيثم، فكان بكر بن ما عز يقوم بأمره، فسال لعابه فبكى بكر، فقال الربيع: ما يبكيك؟ فو الله ما أحب أنه باعني الديلم على الله.

وقيل له: لو تداويت! فقال: قد عرفت أن الدواء حق، ولكن عادا وثمودا «2» وقرونا بين ذلك كثيرا كانت فيهم الأوجاع، وكانت لهم الأطباء، فما بقي المداوى ولا المداوي.

91- الثوري: إذا مرض العبد ثم صح فعاد إلى ما كان عليه قالت الملائكة: مسكين! عولج فما أنجع فيه الدواء.

92- أعرابي:

يا ابن التي خمارها في فيها ... أإبلي زعمت لا أرويها

(5/47)

يعني أن أمه كانت بخراء «1» فهي تخمر فاها.

93- تزوج أبخر امرأة، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه، وقالت:

با حب والرحمن إن فاكا ... أهلكني فولني قفاكا

إذا غدوت فاتخذ سواكا ... من عرفط إن لم تجد أراكا «2»

94- دخل ابن السماك على الرشيد في عقب مرض، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ذكرك فاذكره، واطلقك فاشكره.

95- عبد الله بن شبرمة: عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار؟.

96- أصاب إبراهيم بن أدهم بطن فتوضأ في ليلة ستين مرة.

97- اشتكى مدني بالشام، فعاده جيرانه، فقالوا له: ما تشتهي؟

قال: اشتهي أن أرى إنسانا.

98- كتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: كن كالمداوي جرحه، يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء.

99- نظر معاوية في بئر عادية بالأبواء «3» فلقي «4» ، فخطب بمكة فقال: إن كنت ابتليت فقد ابتلى الصالحون قبلي، وإن مرض عضو مني

(5/48)

فما أحصى صحيحي، وما عفويت منه أكثر.

100- عن موسى وداود عليهما السلام: لا مرض يضنيني، ولا صحة تنسيني، ولكن بين ذلك.

101- قباذة بن فيروز: المرض حريق الجسد، والحزن منبت المنايا.

102- قيل للربيع بن خيثم: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني، ثم قال:

أصبحت لا أدعو طبيبا لطبه ... ولكنني أدعوك ما منزل القطر

103- عاد الفرزدق مريضا فقال له:

يا طالب الطب من داء تخونه ... إن الطبيب إذا أبلاك بالداء

هو الطبيب الذي يرجى لعافية ... لا من يذوق لك الترياق بالماء

104- علي بن العباس النوبختي:

كيف رأيت الداء أعفاك الله شفاء به من السقم

لئن تخطت إليك نائبة ... مست جميع القلوب بالألم

فالدهر لا بد محدث طبعا ... في صفحتي كل صارم خذم. «1»

105- كان الحسن يتمثل بقول عمران بن حطان:

أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعى ولا تنعى متى وإلى متى

106- دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيس بن أبي حازم يعوده، فقال:

طهور. فقال: بل حمى تفور، في صدر شيخ كبير، تزيره القبور.

107- قيل لعطاء في مرضه: ما تشتهي؟ فقال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعا للشهوة.

(5/49)

108- النعمان بن بشير: إنما المؤمنون كرجل، إذا اشتكى عضو من أعضائه اشتكى جسده له أجمع، وإذا اشتكى المؤمن اشتكى له المؤمنون.

109- لقمان لا تطيلوا الجلوس على الخلاء فإنه يورث الباسور «1» .

وكانت حكمة مكتوبة على أبواب الحشوش «2» .

110- أبو العتاهية:

بينا الفتى مرح الخطى فرحا بما ... يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى

إذ قيل بات بليلة ما نامها ... إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى

إذ قيل أمسى شاخصا وموجها ... ومعللا إذ قيل حل به الردى

111- أبو النجم العجلي:

والمرء كالحالم في المنام ... يقول إني مدرك مرامي

في قابل ما فاتني في العام ... والمرء يدنيه إلى الحمام

مر الليالي السود والأيام ... إن الفتى يصبح للأسقام

كالغرض المنصوب للسهام ... أخطأ رام وأصاب رامي

112- يقال في المهزول: هو شاحب المتحسر، ما فيه قوت يوم للقراد «3» .

113- هو كأشلاء اللجام.

114- يقال: هو مريض، مهيض، ووصب «4» نصب «5» .

(5/50)

115- يقال لمن شرب الدواء: كم لبست نعلك؟ كم تخطيت إلى بيت الكرامة؟ كم جدا برقك وسح سحابك، وكم سارت بك الناقة إلى المنزل الخالي.

116- لو كانت العلة مما يحتمل لتقمصت قميصها دونه، ولو كانت الصحة مما يتحلل لخلعت سربالها عليه.

117- الجرب علة إذا عرضت للمرء هربت عن فراشه عرسه، بل نفرت عن نفسه نفسه، وهو ربع من أرباع الخسران، وقسم من أقسام الخذلان.

118-[شاعر] :

أعاذك الله من أشياء أربعة ... الموت والعشق والإفلاس والجرب

119- شاعر:

وضنوا بالعيادة وهي أجر ... كأن عيادتي بذل الطعام

120- عليك بالحمية فإنها طابع الصحة، فلئن تصبر على الحمية مدة طويلة أحسن من أن تقاسي ساعة نفسا عليلة.

121- كفى بالمرء عارا أن يكون صريع مأكله، وقتيل أنامله، فكم لقمة أكلت نفس حر، وأكلة منعت أكلات دهر.

122- الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحته.

123- راع غداك تحكم به مناك.

124- من غرس الطعام جنى ثمره السقام.

125- رافد بن الغطريف الطائي:

يقولون لا تشرب نسيا فإنه ... وإن كنت حرانا عليك وخيم

لئن لبن المعزى بماء مؤيسل ... بغاني داء إنني لسقيم

النسي المحض يصب عليه ماء فيشرب، وتفسيره في البيت الثاني.

(5/51)

126- أبو حكيمة:

أيحسدني إبليس داءين أصبحا ... برأسي ورجلي دملا وزكاما

فليتهما كانا به وأزيده ... زمانة شيخ لا يريد قياما

127- بعض أهل البيت كان إذا أصابته علة جمع بين ماء زمزم وماء السماء، والعسل، واستوهب من مهر أهله شيئا. وكان يقول: قال الله تعالى: ونزلنا من السماء ماء مباركا

«1» ، وقال: فيه شفاء للناس

، وقال عليه السلام: ماء زمزم لما شرب له، وقال تعالى: فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

«2» . فمن جمع بين ما بورك فيه، وما فيه شفاء، وبين الهنيء والمريء، يوشك أن يلقى العافية.

128- رجل من بني عجل:

وشى بي واش عند ليلى سفاهة ... فقالت له ليلى مقالة ذي عقل

وخبرها أني عرجت فلم تكن ... كورهاء تجتر الملامة للبعل «3»

وما بي من عيب الفتى غير أنني ... جعلت العصا رجلا أقيم بها رجلي

129- ابن الرقاع العاملي:

لقد تباشر أعدائي بما لقيت ... رجلي وكم من كريم سيد عثرا

رجلي التي كنت أرقى في الركاب بها ... فاستقل وأرضى خطوها الشرا

محبوكة مثل أنبوب القناة لها ... عظم تكمش عنه اللحم فانحسرا

ليت الذي مس رجلي كان عارضه ... بحيث ينبت مني الحاجب الشعرا

130- في ديوان المنثور «4» : كم من أعرج في ديوان المعالي أعرج، وكم من صحيح قدم ليس له في الخير قدم. يصبح للأسقام كالغرض

(5/52)

للسهام، أخطأ رام وأصاب رام. من الصم من يسمع السرار، وإذا رفعت له الصوت لم يسمع. ورأينا من العمش من لا يثبت صورة الإنسان من قرب ويقرأ الخط الدقيق في حواشي الكتب.

131- مدح طريف بن سوادة عمرو بن هداب، وكان أبرص، فلما انتهى إلى قوله:

أبرص فياض اليدين أكلف ... والبرص أغدى باللهى وأعرف «1»

صاح به الناس وقالوا: قطع الله لسانك. فقال عمرو: مه «2» ، البرص من مفاخر العرب، أما سمعتم قول ابن حبناء:

إني امرؤ حنظلي حين تنسبني ... لا من عتيك ولا أخوالي العوق

لا تحسبن بياضا في منقصة ... إن المهاميم في أقرانها بلق «3»

أو ما سمعتم قول ابن مسهر:

أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا ... وكل كريم لا أبالك أبرص

أو ما سمعتم قول الآخر:

يا كأس لا تستنكري نحولي ... ووضحا أوفى على خصيلي

فإن نعت الفرس الرحيل ... يكمل بالغرة والتحجيل «4»

ثم قال لطريف: أما تحفظ فيه شيا؟ فأنشد:

ليس يضر الطرف توليع البهق ... إذا جرى في حلبة الخيل سبق

132- الجاحظ أنشدني أبو نواس لبعض بني نهشل:

(5/53)

نفرت سودة مني أن رأت ... صلع الرأس وفي الجلد وضح «1»

قلت يا سودة إني والذي ... يفرج الكربة عنا والكلح «2»

هو زين لي في الوجه كما ... زين الطرف نحاسين القرح

وزعم أبو نواس أنهم كانوا يتبركون به، وجذيمة الوضاح يفتخر به.

ولما شاع في بلعاء بن قيس قيل له: ما هذا با بلعاء؟ فقال: سيف الله جلاه.

133- وعن عمرو بن هداب أنه لما كف بصره، قال له ابن جامع:

يا أبا أسيد، لا تجزعن من ذهاب عينيك وإن كانتا كريمتيك، فإنك لو رأيت ثوابهما في ميزانك تمنيت أن يكون الله قطع يديك ورجليك وقطع ظهرك. فصيح به. فقال عمرو: معناه صحيح ونيته حسنة، وإن أساء في اللفظ.

134- كانت لرجل جارية يتعشقها، وبها صنان «3» ، وكان يعجبها منها، فإذا تعالت بالمرتك غاظته، فكان ينهاها. فإذا سألته حاجة ففرط قالت: لأمرتكن الله. فلا يجد بدا من قضائها.

135- الجاحظ: آباط «4» الزنج منتنة العرق، وسائر ذلك الجسم سليم، والتيس إبط كله، ونتنه في الشتاء كنتنه في الصيف. وأنا لندخل السكة فيها تيس فنجد نتنه، فلا نكاد نقطعها إلا مخمري «5» الأنوف.

136- ومن الناس من يستطيب رائحة التيس لفساد مزاجه، فيتعهد

(5/54)

الجلوس على باب التياس، ومنهم من يشتهي ريح الكرباس «1» ، فيحرقه ثم يضع منخريه عليه حتى يقضي وطره «2» .

137- ثلاث يهلكن: الجماع على البطنة، وأكل القديد اليابس، وشرب الماء البارد على الريق.

138- ومما يورث الهزال النوم على غير وطاء، وكثرة الكلام برفع الصوت.

139- وقال النظام: ثلاثة تخلق العقل: طول النظر في المرآة، والاستغراب في الضحك ودوام النظر في البحر.

140- الجاحظ: قال لي من أثق به: ما أخذت شيئا من البلاذر ونازعت أحدا إلا ظهرت عليه. وهو جيد للعصب. ويقولون: إن الخس للعصب خاصة.

141- كان أعين الطبيب يصرع، واتفق أن كان له بغل يصرع، فربما صرعا جميعا. والصرع قلما يذهب. وقد عرض للأصمعي فداواه ابن بختيشوع فذهب.

142- من الناس من لا يسكر البتة، منهم محمد بن الجهم وأبو عبد الله العمي.

143- أنشد الجاحظ لابن عباس:

إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور

144- الخريمي:

(5/55)

أصغي إلى فائدي فيخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني

أريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون

أسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطىء فالسمع غير مأمون

لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهرا بها يواتيني

لو كنت خيرت ما أخذت بها ... تعمير نوح بملك قارون

145- علي بن هارون بن علي في ابن أبي الحواري، وقد عرضت له سقطة:

كيف نال العثار من لم يزل ... منه مقيلا في كل خطب جسيم

أو ترقى الأذى إلى قدم ... لم يخط إلا إلى مقام كريم

146- عبد الواحد بن قيس عنه عليه الصلاة والسلام: داء الأنبياء الفالج واللقوة «1» .

147- قال الجاحظ: ومن المفاليج إدريس عليه السلام. وأكثر ما يعتري المتوسطين في الأسنان، لأن الشاب كثير الحرارة، والشيخ كثير اليبس.

148- وممن فلج من الكبراء أبان بن عثمان. وكانوا يقولون: رماه الله بفالج أبان، ولقوة معاوية، وبخر عبد الملك، وبرص أنس بن مالك، وجذام «2» ابن أبي قلابة، وعمى حسان «3» ، وصمم ابن سيرين «4» .

ومنهم أحمد بن أبي داود قاضي قضاة المعتصم والواثق، وكان من الشرف والكرم بمنزلة. ولأبي هفان في رجل ضرب غلاما له:

أتضرب مثله بالسوط عشرا ... ضربت بفالج ابن أبي داود

(5/56)

149- وقال علي بن الجهم:

أأرقد الليل مسرورا عدمت إذن ... عيشي وأحمد يرعى ليله وصبا

الله يعلم أني قد نذرت له ... صيام شهر إذا ما أحمد ركبا

ثم لما طال به قال:

لا زال فالجك الذي بك دائما ... وفجعت قبل الموت بالأولاد

150- عزهم بن قيس بن بلغدويه لما فقئت عين مالك بن مسمع:

تقاضوك عينا مرة فقضيتها ... وفي عينك الأخرى عليك خصوم

أجهلا إذا ما الأمن غشاك ثوبه ... وحلما إذا ما كدحتك كلوم

151- كتب بعضهم إلى محمد بن عبد الملك الزيات: نعمتني بوطء المطهمات حتى أصابني النقرس «1» ، واتخمتني بأكل الطيبات حتى ضربني الفالج، ولولاك لكنت أبعد من النقرس من فتح، وأسلم من الفالج من مكان. وأين شرف أدوائي من جرب الحسن بن وهب، ودود أحمد بن أبي خالد؟ وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء؟ فمن كان داؤه أفضل من صحة غيره، وعيبه أحمد من براءة ضده، فما ظنك بغير ذلك من أمره؟ والسلام.

152- شجة «2» عبد الحميد مثل في مستهجن يزيد صاحبه حسنا، وهو عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان من أجمل أهل زمانه، فأصابته شجة فزادته زينة وجمالا، حتى أن النساء كن يخططن في وجوههن شجة عبد الحميد.

153- أبو محلم الحراني في عبد الله بن طاهر؛

(5/57)

فإن تك حمى الربع شفك وردها ... فعقباك فيها أن يطول لك العمر

وقيناك لو يعطي الهوى فيك والمنى ... لكانت بنا الشكوى وكان لك الأجر

154- كان يقال لعمر بن عبد العزيز أشج بني أمية. وكان عمر رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلا بوجهه أثر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

لما نفحه «1» الحمار برجله فأثر في جبهته قال أصبغ: الله أكبر! هذا أشج بني أمية، يملك ويملأ الأرض عدلا. ولما قال عمر بن عبد العزيز في يزيد بن المهلب: أي عربي هو لولا عذرة في رأسه، بلغ ذلك يزيد فقال: من يعذرني من لطيم الشيطان؟.

155- الفضل بن إسماعيل العباسي:

أشكو إلى الله ما أصبت به ... من ألم في مفاصل القدم

كأنني لم أطأ بها كبدا ... من حاسد سر قلبه ألمي

ما من صحيح إلا ستنقله ال ... أيام من صحة إلى سقم

156- في الحديث: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أم مغيث. وهي وسط الرأس.

157-[شاعر] :

ففي شؤوني حريق من تنزلة ... وفي الخياشيم ضيق محصد المدر

158- ابن الحجاج:

أيها النزلة بيني ... واصعدي فوق لهاتي «2»

ودعي حلقي بحقي ... فهو دهليز حياتي

(5/58)

159- يقال للحمى داء الأسد لأنه قل ما يخلو منها. قال أبو تمام:

فإن يك قد نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يرعك الأسد الورد

160- وقال البحتري:

وما الكلب محموما وإن طال عمره ... ألا إنما الحمى على الأسد الورد

161- منيع بن لوبك الأسدي الأقطع:

هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر

وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر

لقد كنت مما أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمت علي المقابر

162- الحسن: رحم الله أقواما لم يدروا ما هيليلج ولا بليلج.

163- قال أعرابي كثر عياله وقل ماله: سأنتجع «1» خيبر، عسى أن يخفف عني ثقل هؤلاء. فلما شارفها قال:

قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي

وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند

فلما دخلها حم، وحم حمامه، وعاش أيتامه.

164- القابلة بالأهواز «2» ربما قبلت الصبي فتجده محموما، ولا ترى بها وجبة حمراء لصبي.

165- دماميل الجزيرة داء فاحش لا يكاد يخرج دمل بالجزيرة فعاش صاحبه.

(5/59)

166- قال الحجاج لطبيبه: أخبرنا بجوامع الطب، فقال: لا تطأن من النساء إلا شابة، ولا تأكلن من اللحمان إلا لحم فتي، وإذا تغذيت فاستلق، وإذا تعشيت فامش ولو على الشوك، ولا يدخلن بطنك طعام حتى تسمرىء ما فيه، ولا تأو إلى فراشك حتى تأتي الخلاء فتنتفض، وكل الفاكهة في إقبالها وذرها في إدبارها.

167- إذا ألم الألم فالمعالجة ترك المعالجة.

168- فتيان العراق يسمون الجرب حب الطرف، وفيه لبعضهم:

طلبت من المشتري ظرف حب ... فعوضني زحل حب طرف

فيا ليتني كنت صفر اليدين ... من كل حب ومن كل طرف

169- دخل العمري على الفضل بن الربيع عائدا، فسلم ثم قال:

أبا العباس، قد والله أمرضني ما أرى بك، وإنك لبعرض خير من أجر عظيم، فأتقبل ذلك بشكر وحسن صبر.

ونظر إلى مجلسه وهو في فسحة فقال: أخبرني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير المجالس ما سافر فيه النظر، واستروح فيه البدن. ثم قام فقال: عمرك الله العافية، ولا كان بك السوء.

170- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

جس الطبيب يدي يوما فقلت له ... إن المجسة في قلبي فخل يدي

ليس اصفراري لحمى خالطت جسدي ... لكن لطارق هم حل في كبدي

171- قال رجل للقاسم بن محمد وقد ذهب بصره: لقد سلبت أحسن وجهك. فقال: صدقت، غير أني منعت النظر إلى مايلهي، وعرضت الفكرة فيما يجدي.

172-[شاعر] :

حق العيادة يوم بعد يومين ... وخلسة مثل خلس اللحظ بالعين

(5/60)

لا تبرمن عليلا في مساءلة ... يكفيك من ذاك تسآل بحرفين

173- كانت بيحيى بن خالد البرمكي علة في جوفه عجز عنها أطباء العراق، فأشخص منويل أسقف فارس. وقد تقدم قبل أن يدخل عليه إلى خواصه بأخذ مائهم في قوارير، فأتوا بها، وفيهم مدني مضحك قد وهب له جارية فكان في كثرة الباه «1» الدعاوى العريضة، فأعطاه الوزير مجسته، فقال تناولت الحرف، فجحد، فحلف منويل حتى أقر. ونظر في القوارير فرد كل واحدة إلى صاحبها، فتعجب من لطف علمه.

174- وقال للمدني: أنت عنين «2» ، فلح، فقال: هو كافر بالمسيح إن كان خرج من صلبك شيء إلا البول. فاعترف وطلب العلاج، فقال:

هذا ما لا حيلة فيه، ثم قال: إن كان، وما أظنه يكون، فعليك بالكباب والأجر مع نبيذ الصرفان.

175-[شاعر] :

لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي

وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف اليد

176- كان جرير في بلاد قيس مريضا فعادوه وتفقدوه، فقال:

نفسي الفداء لقوم زينوا حسبي ... وإن مرضت فهم أهلي وعوادي

لو خفت ليثا أبا شبلين ذا لبد ... ما أسلموني لليث الغابة العادي

إن تجر طير بأمر فيه عافية ... أو بالرحيل فقد أحسنتم رادي

177- أبو الأطروشي صاحب طبرستان، كلمه رجل فقال: ارفع صوتك فإن بأذني بعض ما بروحك.

(5/61)

178- نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة في نقرة القفا فإنها تورث النسيان. وأمر أن يستنجى بالماء البارد فإنه صحة من الباسور «1» .

179- خطب المأمون بخراسان، فسعل الناس، فنادى بهم: ألا من كان به سعال فليتداو بشرخل الخمر، ففعلوا، فانقطع عنهم السعال.

180- عروة بن الزبير: قلت لعائشة: إني نظرت في أمرك فعجبت من أشياء، ولم أعجب من أشياء، رأيتك من أفقه الناس، فقلت: وما يمنعها وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت أبي بكر؟ ورأيتك من أعلم الناس بالشعر وأيام العرب، فقلت: وما يمنعها وهي بنت أبي بكر وعلامة قريش؟ ولكني رأيتك من أعلم الناس بالطب. فأخذت بيدي، وقالت: يا عروة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسقام والأوجاع، فكانت العرب والعجم تنعت له، فكنا نعالجه.

181- حكيم: إياك أن تحك بثرة وأن زعزعتك، واحفظ أسنانك من القار بعد الحار، والحار بعد القار، وأن تطيل النظر في عين رمدة «2» وفي بئر عادية، واحذر السجود على خصفة حديدة حتى تمسحها بيدك، فرب شظية حقيرة فقأت عينا خطيرة.

182- كانت الأدوية تنبت في محراب سليمان عليه السلام، فيقول كل نبت: يا رسول الله، أنا دواء لداء كذا.

183- جالينوس: البطنة تقتل الرجال، ومنها يكون الفالج، والبطن الذريع، والأقعاد، وصنف من الجذام يقال له الفهد لا يسمع صاحبه ولا يبصر ولا ينطق، وترك الطعام يغير الطبائع، ويهيج شدة الصداع، والكمد في العينين، والضربان في الأذنين، والقولنج «3» . فعليك بالطريقة

(5/62)

الوسطى. واتق الليل وطعامه وشرابه بجهدك.

184- رسطاليس: إن سم الحية حياة لها وتلف لغيرها، والسم ما دام في الحية فهو سخين، فإذا خرج إلى غيرها برد حتى يقتل بشدة برده.

185- جالينوس: الغم المفرط يميت القلب، ويجمد الدم في العروق فيهلك صاحبه. والسرور المفرط يلهب حرارة الدم حتى تغلب الحرارة الغريزية فيهلك.

186- قال أسقف فارس لمحموم: هذا عمل الداذي، قال: ما ذقته منذ فارقت بغداد، قال: ألم تر امرأة حملت ببغداد ووضعت بفارس؟.

187- وضع على مائدة المأمون يوم عيد أكثر من ثلاثمائة لون، فكان يذكر منفعة كل لون ومضرته وما يختص به. فقال يحيى بن أكثم: يا أمير المؤمنين، إن خضنا في الطب فانت جالينوس في معرفته، أو في النجوم فأنت هرمس في حسابه، أو في الفقه فأنت علي بن أبي طالب في علمه، أو في السخاء فأنت حاتم في كرمه، أو في صدق الحديث فأنت أبوذر في لهجته، أو في الوفاء فأنت السموأل بن عاديا «1» في وفائه، فسر بكلامه وقال: يا أبا محمد، إن الإنسان إنما فضل غيره بعقله، ولولا ذاك لم يكن لحم أطيب من لحم، ولا دم أفضل من دم.

(5/63)

188- طبيب الهند: منفعة الحقنة للإنسان كمنفعة الماء للشجرة إذا سقي أصلها.

189- ومرض أبو دجانة فنعت الطبيب له الحقنة فأبى، فأنشأ أعرابي عنده يقول:

لقد سرني والله وقاك شرها ... نفارك منها إذ أتاك يقودها

كفى سوءة ألا تزال مجبيا ... على شنة وفراء في أستك عودها

190- سفيان بن عيينة: اجتمع أطباء فارس وابن كلدة على أن الداء إدخال الطعام على الطعام. وقالوا: إدخال اللحم على اللحم يقتل السباع في البر. والشرب في آنية الرصاص أمان من القولنج.

191- حكيم: أربعة تهدم البدن: الجماع على الامتلاء، والاستحمام على الشبع، وأكل القديد، ونكاح العجوز.

192- قال الرشيد حين كان بطوس «1» لرجل: خذ هذه الدرة واعرض هذه القارورة على أسقف فارس، وبختيشوع من غير أن يتشاعرا، وازعم أنها قارورة أخ لك. فقال الأسقف: ما أشبه هذا الماء بماء الرشيد! فانتظر ولا ترحل فإن أخاك ميت غداة غد. وقال: يختيشوع مثله.

193- وعرض رجل على أيوب الطبيب قارورته، فقال: ما هي بقارورتك، لأنه ماء ميت وأنت حي تكلمني. فما فرغ من كلامه أن خر الرجل ميتا.

194- صدع ملك فأمره الطبيب بأن يضع قدميه في الماء الحار،

(5/64)

فقال خصي عنده: وأين القدم من الرأس؟ فقال: أين وجهك من بيضتيك نزعتا فذهبت لحيتك؟.

195- شكا رجل إلى الطبيب وجع البطن، وقال: أكلت سمكا ولحم بقر وبيضا وماستا، فقال: انظر فإن مت من هذا وإلا فارم نفسك من حالق.

196- اشترى أعرابي غلاما، فقيل: يبول في الفراش. فقال: إن وجد فراشا فليبل عليه راشدا.

197- قال أعور لأبي الأسود الدؤلي: ما الشيء ونصف الشيء ولا شيء؟ قال: أما الشيء فالبصير كما أنا، وأما لا شيء فالأعمى، وأما نصف الشيء فأنت يا أعور.

198- شم أعرابي إبطيه فقطب وجهه وقال: أخرجني الله من بينكما «1» .

199- صالح بن عبد القدوس:

عزاؤك أيها العين السكوب ... وصبرك إنها نوب تنوب «2»

وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب

فإن أك قد ثكلتك في حياتي ... وفارقني بك الإلف الحبيب

فكل قرينة لا بد يوما ... ستشعب إلفها عنها شعوب «3»

على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب

يموت المرء وهو بعد حيا ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب

يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب

إذا ما مات بعضك فابك بعضا ... فإن البعض من بعض قريب

(5/65)

200- ذكر أعرابي رجلا توانى في درك ثأره، فقال: كيف يدرك ثأره وفي صدره من البلغم حشو مرفقة؟ والبلغماني يكون سمينا بطينا.

201- جعفر بن سليمان الهاشمي كان لنا ظبي فذبحناه وسلخناه، فإذا جسده قد شرق بالدم، فقال لنا داود الطبيب: هكذا جسد المتخم ولكن لا يراه.

202- افتصد «1» المأمون فسرح والتحم، وعنده بختيشوع وابن ماسويه وميخائيل، فطلب الحيلة، فاعتزلوا ليتناظروا. فقال المأمون لأسود قائم على رأسه: مص موضع الفصد، ففعل، فخرج الدم. فقالوا: لو نشر بقراط «2» وجالينوس ما زادا على هذا.

203- صدع «3» المأمون بطرسوس فلم ينفعه علاج، فوجه إليه قيصر قلنسوة وكتب: بلغني صداعك فضعها على رأسك يسكن. فخاف أن تكون مسمومة، فوضعها على رأس حاملها فلم تضره، ثم وضعت على رأس مصدع فسكن، فوضعها على رأسه فسكن فتعجب، ففتقت فإذا فيها رق فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، كم من نعمة في عرق ساكن، حم عسق لا يصدعون عنها ولا ينزفون، من كلام الرحمن خمدت النيران، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع في الغصن

204- أسامة بن زيد رفعه: إن الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع في أرض فلا تخرجوا فرارا منه.

205- الهزيمي:

(5/66)

قد كنت أنظر قبل اليوم في كتب ... فيها الحكايات والأشعار والخطب

ودفتر الطب فيها لا ألم به ... إذ لم يكن فيه لي من صحتي أرب

فجاءت السبع والخمسون تحوجني ... إلى العلاج فمالي غيرها كتب

206- ابن عباس رفعه: تداووا فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له شفاء ألا السام.

207- وروي لكل داء دواء إلا الهرم.

208- أنشد الموصلي:

أعزز علي بأن أزورك عائدا ... أو أن أرى بفنائك العوادا

209- علي عليه السلام رفعه: من أتى أخاه المسلم يعوده مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة.

210- أنس رفعه: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار.

211- مرض أحمد بن أبي دؤاد: فعاده المعتصم وقال: نذرت أن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فقال: يا أمير المؤمنين، فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا. فقال: نويت أن أتصدق بها على من ههنا، وأطلق لأهل الحرمين مثلها. فقال: متع الله الإسلام بك، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد:

إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك الله منها حيث تجتمع

من لم يكن بأمين الله معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع

فقيل للمعتصم: عدته ولا تعود جلة أهلك! قال: وكيف؟ وما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجرا، وأوجب لي شكرا، وما سألني حاجة لنفسه قط.

212- دخل أبو الغمر على الداعي وهو يحتجم، فقال بديها:

إذا كتبت يد الحجام سطرا ... أتاك به الأمان من السقام

(5/67)

فحسمك داء جسمك باحتجام ... كحسمك داء ملكك بالحسام

فاستجاده وأمر له بعشرة آلاف درهم.

213- علي رفعه: ادهنوا بالبنفسج فإنه بارد في الصيف حار في الشتاء.

- وروي عنه: عليكم بالزيت فإنه يكشف المرة، ويذهب البلغم، ويشد العصب، ويذهب بالأعياء، ويحسن الخلق، ويطيب النفس، ويذهب بالهم.

- وروي عنه: إن يكن في شيء شفاء ففي شرطة حجام، أو شربة من عسل.

214- أبو نواس في أحمد بن روح بن أبي بحر الشاعر، وكان يهاجيه:

لا رعى الله ابن روح ... وسخ اسمي بلعابه

أسقم أسمي ريح فيه ... فأظن اسمي لما به

215- خالد بن عامر الملقب بالقفار:

وهن ببخص الداء بدن ... نواعم كالغزلان مرضى قلوبها «1»

بهن من الداء الذي أنا عارف ... ولا يعرف الأدواء إلا طبيبها

216- خالد بن زيد الجهضمي:

كفى حزنا أني أجالس معشرا ... يخوضون في بعض الحديث وأمسك

وما ذاك من عي ولا من جهالة ... ولكنه ما في للصوت مسلك

فإن سد مني السمع فالله قادر ... على فتحه والله بالعبد أملك

(5/68)

217- ربيعة الرقي «1» :

عينا ربيعة رمداوان فاحتسبي ... بكحلة منك تشفيه من الرمد

إن تكتحل منك عيناه فلا رمد ... على ربيعة يخشى آخر الأبد

218- طعن في عين قتادة بن النعمان يوم أحد فندرت في وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أحد عينيه نظرا وأحسنها، فقال الخرنق الأوسي:

ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أيما رد

فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد

219- أبو الحسن الناجم.

قالوا اشتكت نرجستا وجهه ... قلت لهم أحسن ما كانا

حمرة ورد الخد شابتهما ... والصبغ قد ينفض أحيانا

يريد أحسن ما كان وجهه إذا رمد.

220- ولد الأحنف ملتصق الأليتين حتى شق ما بينهما.

221- شراعة بن الزندبود:

قالوا شراعة عنين فقلت لهم ... الله يعلم أني غير عنين «2»

فإن ظننتم بي الظن الذي زعموا ... فقربوني من بيت ابن رامين «3»

(5/69)

222- أبو الفيض القضافي في المعتضد:

أرقت دما لو تسكب المزن مثله ... لأصبح وجه الأرض أخضر زاهيا «1»

دما طيبا لو يطلق الدين شربه ... لكان من الأسقام للناس شافيا

223- اعتل عثمان بن عمرو القيني فلم يعده العتبي، فكتب إليه:

بأبي أنت إن ذا الفضل محف ... وظ أقل القليل من هفواته

أترى عتبة ابن أبي سف ... يان وصى بنيه عند وفاته

أن يبروا الصحيح ممن أحبوا ... ويعقوا العليل عند شكاته

يا ابن من بالعتاب سمي أعتب ... وأسألن بالعليل إن لم تاته «2»

فحلف العتبي ليأتينه شهرا كل يوم.

224- العباس بن الأحنف:

قالت مرضت فعدتها فتبرمت ... فهي الصحيحة والمريض العايد

والله لو أن القلوب كقلبها ... ما رق للولد الضعيف الوالد

225- قال سفيان لصاحب له: ما نمت البارحة من ضربان ضرسي.

فقال: وأنت يا عبد الله تشكو؟ قال: يا أحمق، لم أشك، وإنما أنت أخي أخبرتك. قال أبو سليمان: إذا أخبر فقد شكا.

226- أبو صفوان: إن الله خلق جنة، وأعد فيها نعيما، وندبنا إليه بترك الشهوات، فلم نطعه. ثم أصبنا الشهوات فأورثتنا الأدواء، فجئنا إلى بعض خلقه ممن تشتمهم غدوة وعشيا، فقلنا: داوونا. فقالوا: نداويكم على أن تتركوا الشهوات، فأطعناهم.

227- مالك بن دينار: عجبت ممن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.

(5/70)

228- عاد سفيان فضيلا فقال: يا أبا محمد، وأي نعمة في المرض لولا العواد؟ قال: وأي شيء يكره في العواد؟ قال: الشكية.

229- علي عليه السلام لبعض أصحابه جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فإن المرض لا أجر فيه، ولكن يحط السيئات ويحتها حت «1» الأوراق، وإنما الأجر في القول باللسان، والعمل بالأيدي والأقدام.

230- كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره. فكتب سفيان: أما بعد، فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك، والسلام.

231- استأذن الربيع بن خثيم على ابن مسعود، فخرجت إليه جارية حسناء، فغمض عينيه، فقالت: على الباب رجل أعمى يقول أنا الربيع بن خثيم، فقال: ليس بأعمى، وإنما غض بصره عما نهاه الله عنه.

232- كان رجل يتعاطى الصراع فلا يصرع أحدا، فترك الصراع وتعاطى الطب، فمر به في بعض الأيام حكيم فقال له: الآن تصرع خلقا كثيرا.

233- كان منيع بن كوثل يقطع بنواحي الحجاز، فقطع، فقال:

هل أنت على باقي جناح كسرته ... وريش الذنابي مستقل فطائر

وكيف يطير الصقر أودى جناحه ... كسيرا وغالت دابريه المقادر

لقد كنت مما أحدث الدهر آمنا ... ألا ليتني ضمت علي المقابر

234- كان أيمن بن خريم به برص في يده، وكان يصفره بالزعفران، فإذا أكل رجلا لم ينشب «2» أن يصفر الطعام. وكان مداحا لعبد العزيز بن مروان، فامتدحه نصيب «3» بما أعجبه، فقال لأيمن: هو والله

(5/71)

أشعر منك، فقال أيمن: لا والله، ولكنك طرف ملول. فقال: أنا ملول وأنا أواكلك مذ كذا وكذا؟.

235- دخل عمر بن عبد العزيز إلى اسطبل أبيه، فضربه فرس على وجهه، فأتى به أبوه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: لئن كنت أشج بني أمية إنك لسعيد.

236- كان المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يطعم الطعام، وكان أعور؛ فجعل أعرابي يديم النظر إليه حابسا نفسه عن طعامه، فقال له المغيرة في ذلك، قال: إنه ليعجبني طعامك وتريبني عينك. قال: وما يريبك من عيني؟ قال: أراك أعور وأراك تطعم الطعام وهذه صفة الدجال. وكانت عينه أصيبت في قتال الروم، فقال: الدجال لا تصاب عينه في سبيل الله.

237- كان أبو أحمد بن جحش من المكافيف، وقد أخذ خطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو يرتجز:

يا حبذا مكة من وادي ... أرض بها أهلي وعوادي

أرض بها ترسخ أوتادي ... أرض بها أمشي بلا هادي

238- علي بن الجهم في مرض المتوكل:

لإمام الهدى البقاء الطويل ... ومنا لا به الصنى والنحول

كادت الأرض أن تميد لشكوا ... ك وكادت لها الجبال تزول

أنا أشكر إليك قسوة قلبي ... كيف لم ينصدع وأنت عليل

239- دخل علي عليه السلام على صعصعة بن صوحان عائدا،

(5/72)

فقال علي لصعصعة: والله ما علمتك إلا خفيف المؤونة، حسن المعونة، فقال صعصعة: وأنت يا أمير المؤمنين، إن الله في عينك لعظيم، وإنك بالمؤمنين لرحيم، وأنك بكتاب الله العليم.

فلما قام ليخرج، قال: يا صعصعة، لا تجعل عيادتي فخرا على قومك، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.

وروي: لا تتخذها أبهة على قومك، إن عادك أهل بيت نبيك.

240- ابن عباس: مرضت مرضا شديدا، فحماني أهلي كل شيء حتى الماء، فعطشت ليلة أشد العطش، فحبوت إلى أداوة «1» معلقة، فشربت كما أردت، فما زلت أعرف الصحة منها في جسمي ونفسي. فلا تحرموا مرضاكم شيئا.

241- سل الزبير العبسي حتى لم يبق منه إلا الجلد والعظم، فأخرج ذراعه فنظر إليها، فقال: الحمد لله الذي لم يبق للأرض من جسدي نباتا.

242- مرض بكر بن عبد الله المزني فرأى الناس يدخلون ويخرجون، فغمه ذلك، فلما كثر عليه قال: المريض يعاد، والصحيح يزار.

243- أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليرعفن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا. فرؤي عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى سال رعافه على درج المنبر.

244- أحمد بن يحيى ثعلب «2» ناله صمم شديد حتى كان يكتب له

(5/73)

الشيء في آخر أيامه.

245- قال السفاح لطبيبه في علة موته وأراد جسه:

أنظر إلى ضعف الحرا ... ك وذلة بيد السكون

ينبيك أن بيانه ... هذا مقدمة المنون

(5/74)

الباب الثامن والسبعون المال، والكسب، والتجارة، والنفاق، والغلاء، والرخص والغبن، والمكاس، وذكر الغنى والفقر وما اتصل بذلك

1- ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفت إلى أحد: ما يسرني أنه لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، لا أموت يوم أموت وعندي منه ديناران إلا أن أرصدهما لدين إن كان.

قال: فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك دينارا ولا درهما، ولا عبدا ولا أمة، وترك درعه التي كان يقاتل فيها رهنا بثلث قفيز «1» من شعير.

2- أنس رفعه: يقول الله عز وجل: ابن آدم أقبل إلي املأ قلبك غنى، وانزع الفقر من بين عينيك، واكف عليك ضيعتك، فلا تصبح إلا غنيا، ولا تمسي إلا غنيا. وأن توليت عني نزعت الغنى من قلبك، وأنسيت عليك ضيعتك، فلا تصبح إلا فقيرا، ولا تمسي إلا فقيرا.

3- عبد الله بن معقل: أتى رجل رسول الله فقال: والله إني لأحبك في الله. قال: إن كنت صادقا فيسر للفقير تجفافا، فالفقر إلى من يحبني

(5/75)

أسرع من السيل إلى منتهاه.

4- أبو ذر رفعه: صاحب الدرهمين أشد حسابا يوم القيامة من صاحب الدرهم.

5- أوحى الله إلى موسى عليه السلام: إذا رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته. وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين.

6- لقمان: كان إذا مر بالأغنياء قال: يا أهل النعيم، لا تنسوا النعيم الأكبر. وإذا مر بالفقراء قال: إياكم أن تغبنوا مرتين.

7- أبو سعيد المخزومي:

وإني لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر

ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر

8- دخل الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده، فرآه يصوب بصره ويصعده نحو صندوق له، فقال: يا أبا سعيد، ما قولك في مائة ألف في هذا الصندوق لم توصل منها رحم ولم تؤد زكاة؟ قال الحسن: ثكلتك أمك، فلم أعددتها؟ قال: لروعة الزمان، وجفوة السلطان، ومفاخرة العشيرة.

فلما مات ضرب الحسن بإحدى يديه على الأخرى، ثم قال لوارثه:

لا تخدعن كما خدع أبوك. أما إنك أتاك هذا المال حلالا فإياك أن يكون عليك وبالا، أتاك ممن كان له جموعا منوعا، يخوض فيه لجج البحار، ومفاوز «1» القفار، من باطل جمعه فأوعاه، ومن حق منعه فأوكاه. إن أعظم الحسرات يوم القيامة أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيا لها من توبة لا تنال وعثرة لا تقال!.

(5/76)

9- حكيم: من لم يصبر على خيانة الوكلاء، وإضاعة الكفاة فليس بتام الدهقنة.

10- قيل لعبد الله بن جعفر: إنك لتبذل الكثير إذا سئلت، ويضايق في القليل إذا توجرت. فقال: إني أبذل مالي، وأضن بعرضي وبعقلي.

11- النبي صلى الله عليه وسلم: من باع دارا أو عقارا فلم يردد ثمنه في مثله فذلك مال قمن «1» أن لا يبارك الله فيه.

12- حكيم: إذا تزين المرء بالذهب والفضة فقد دل على نقصه في نفسه عنها، والفاضل من زين الذهب والفضة بحسن السياسة والتدبير فيها.

13- الحسن: من وسع الله عليه في ذات يده فلم يخف أن يكون ذلك مكرا به من الله فقد أمن مخوفا. ومن ضيق الله عليه في ذات يده فلم يرج أن يكون ذلك نظرا من الله تعالى فقد ضيع مأمولا.

14- العتابي:

إني امرؤ هدم الأقتار مأثرتي ... واجتاح ما بنت الأيام من خطر «2»

أيام عمرو بن كلثوم يسوده ... حيا ربيعة والأحياء من مضر

أرومة عطلتني من مكارمها ... كالقوس عطلها الرامي من الوتر «3»

15- النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعجبنك امرؤ كسب مالا حراما، فإنه إن أنفق لم يتقبل منه، وإن أمسك لم يبارك فيه، وإن مات وتركه كان زاده إلى النار.

16- رسطاليس: محبة المال وتد الشر كله، لأن الشر كله متعلق بها.

(5/77)

17- نظر أعرابي إلى دينار فقال: ما أصغر قمتك وأكبر همتك!.

18- القنية مخدومة، ومن خدم غير نفسه فليس بحر.

19- ابن السماك «1» : الفطام عن الحطام شديد.

20- أعرابي: من ولد في الفقر أبطره الغنى، ومن ولد في الغنى لم تزده النعمة إلا تواضعا.

21- يحيى بن معاذ الرازي: الاقتصاد في المعيشة ضيعة لم تتكلف ثمنها.

22- النبي صلى الله عليه وسلم: ما عال من اقتصد.

23- العرب: ينبغي للمشتري أن يستري، أي أن يختار.

24- السري: نهيتك من مسألة أقوام أرزاقهم من ألسن الموازين، وأفواه المكاييل.

25- معاوية: ما رأيت سرفا «2» إلا وإلى جانبه حق مضاع.

26- من ختم البضاعة أمن الإضاعة.

27- مدح رجل رجلا عند خالد بن عبد الله فقال: دخلت عليه فرأيته أسرى الناس دارا وفراشا وآلة وخدما. فقال خالد: لقد ذممته، هذه والله حال من لم تدع فيه شهوته للمعروف فضلا ولا للكلام موضعا.

28- ونحوه: من عظمت مؤونته على نفسه قل فضله على غيره.

29- الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض، فمن ذهب بخاتم الله قضيت حاجته.

(5/78)

30- أبو الدرداء «1» رضي الله عنه:

يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ورزقي ... وتقوى الله أكبر ما استفادا

31- أشتري لابن عمر متاع فرضيه ودفع الثمن إلى من اشتراه له، فجاء وقد استوضع دينارين، فقال ابن عمر: قد رضينا المتاع، فبأي شيء تأخذ الدينارين؟ ردهما على الرجل.

32- النبي صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد نصف العيش، وحسن الخلق نصف الدين.

33- باع مزبد خمارا، فأقبلوا يقلبونه، فقال: والله لو قلبتم عين الشمس هذا التقليب لأخرجتم فيها صدأ.

34- علي رضي الله عنه: ما كسى عن درهميك فإن المغبون لا محمود ولا مأجور.

35- النبي صلى الله عليه وسلم: أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.

36- قيل لابن عيينة «2» : من أفقر الناس؟ قال: ليس أحد دون أحد، قال الله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله.

37- رأى بزرجمهر فقيرا جاهلا، فقال: بئس ما أجتمع على هذا! فقر ينغص دنياه، وجهل يفسد آخرته.

38- في الحديث المرفوع: مثل الفقر للمؤمن كمثل فرس مربوط

(5/79)

بحكمته إلى أخيه، كلما رأى شيئا مما يهودى ردته حكمته.

39- قال رجال لفيلسوف: ما أشد فقرك! فقال: لو علمت ما الفقر لشغلك الغم لنفسك عن الغم لي.

40- أعرابي: المال لا يصلح إلا بالوالي يلي المال ربه وإن كان أحمق.

41- قالوا: الغبن في شيئين، في الغلاء والرداءة، فإذا استجدت فقد أحرزت أفضلهما.

42- شاعر:

خلق المال واليسار لقوم ... وأراني خلقت للإملاق

أنا فيما أرى بقية قوم ... خلقوا بعد قسمة الأرزاق

43- قرىء على درهم في أحد جانبيه:

قرنت بالنجح وبي كلما ... يراد من ممتنع يوجد

وفي الجانب الآخر:

وكل من كنت له آلفا ... فالجن والأنس له أعبد

44- الجاحظ: إنما هو شيء ألقاه الشيطان في قلوب العامة، وأجراه على ألسنتهم حتى قالوا: المغبون لا محمود ولا مأجور، فحملوا الجهلة على النظر في قيمة حبة، والإطلاع في لسان الميزان، وأخذ المعايين بالأيدي. وبالحري أن يكون المغبون محمودا ومأجورا.. وقالت الحكماء: السؤدد التغافل. وأدبنا رسول الله حيث قال: رحم الله رجلا سهل البيع سهل الشرى. وقال معاوية: إني لأجر ذيلي على الخدائع.

وعن الحسن البصري: لا يكون المؤمن مماكسا «1» .

(5/80)

45- قال المنصور لرجل: ما مالك؟ قال: ما يكف وجهي ويعجز عن بر الصديق.

46- من حفظ ماله فقد حفظ الأكرمين: دينه وعرضه.

47- إذا استغنى اللئيم بلي به ثلاثة: صديقه القديم يجفوه، وامرأته يطلقها، وخادمه يستبدل به.

48- الحسن: ما أعز أحد الدراهم إلا أذله الله.

- وعنه رحمه الله: كسب الدرهم الحلال أشد من لقاء الزحف.

49- وذكر بعضهم أبا الشعثاء فقال: كان مسلما عند الدرهم.

50- عبد الله الفقير إليه:

وإذا رأيت صعوبة في مطلب ... فاحمل صعوبته على الدينار

يردده كالظهر الذلول فإنه ... حجر يلين قسوة الأحجار

51- حبس عمرو بن الليث أبا سعيد الكاتب وعلي بن النضر، فتبلح أبو سعيد في أداء ما طولب به، فحلف المطالب ليقلعن أضراسه أن لم يؤده، فلما احتاله من حيث وضع عمد ابن النضر فسرقه، فدعي بالطست «1» والكلبتين «2» فقلعت أضراسه. فنمي الخبر إلى عمرو فاغتم له وأطلقه. فلما كان بعد مدة أتاه علي بالكيس، فقال: ما حملك على ما فعلت؟ دخلت في دمي وفجعتني بأضراسي. قال: اسكت، فإنه إذا لم يكن لك أضراس وكانت لك دراهم اتخذت الهرايس والأخبصة «3» ، وإذا لم

(5/81)

يكن لك مال وأنت سالم الأضراس مت جوعا. فضحك وتسلى، وقعد يتنعم.

52- يونس بن عبيد صاحب الحسن: كسبت في هذه السوق ستين ألف درهم، ما منها درهم ألا وأنا أخاف أن أسأل عنه.

53- أنس رفعه: يقول الله لملائكته: أدنوا أحبائي، فتقول الملائكة: سبحانك من أحباؤك؟ قال: أدنوا مني فقراء المسلمين.

54- الثوري «1» : المال في هذا الزمان عز للمؤمن. وقال: المال سلاح المؤمن في هذا الزمان. وكان بين يديه دنانير يقلبها، فقيل له:

أتحبها؟ فقال: دعنا منك، فلولا هذه لتمندلت بأعراضنا القوم تمندلا.

وقال: لئن أخلف عشرة آلاف يحاسبني الله عليها أحب إلي من أن احتاج إلى الناس.

55- النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يخشى المؤمن الفقر مخافة الآفات على دينه.

56- ترك ابن المبارك دنانير وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها حسبي وديني.

57- وقيل لآخر: لم تحب هذه الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟

قال: هي وإن أدنتني منها فقد صانتني عنها.

58- عبد الله الفقير إليه:

لا تلمني إذا وقيت الأواقي ... فالأواقي لماء وجهي واقي

59- ابن عيينة: من كان له مال فليصلحه، فانكم في زمان من احتاج فيه إلى الناس كان أول ما يبذل دينه.

60- عون: صحبت الأغنياء، فلم يكن أحد أكثر غما مني، لأني

(5/82)

كنت أرى ثيابا خيرا من ثيابي، ودابة خيرا من دابتي. ثم صحبت المساكين فاسترحت.

61- فضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة، وإنما أهلكت القرون الأولى لأنهم أكلوا الربا، وعطلوا الحدود، ونقصوا الكيل والميزان.

62- قال رجل لإبراهيم بن أدهم: أقبل مني هذه الجبة، قال: إن كنت غنيا قبلتها منك، قال: أنا غني، قال: كم مالك؟ قال: ألفان، قال: أيسرك أن يكون أربعة آلاف؟ قال: نعم، قال: أنت فقير، لا أقبلها منك.

63- الحسن في قوله تعالى: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون

«1» ، ينقر أحدهم الدرهم فيعلم كم فيه من حبة، ويضيع دينه، ستعلم يا لكع «2» .

64- حكيم: لا تكن أسوأ المغرورين بجمع المال، فكم رأينا من جامع لبعل حليلته «3» .

65- وفي نوابغ الكلم «4» : أيها القلب الخول، إن حيلتك أن تجمع المال لبعل حليلتك.

66- حكيم: إنما مالك لك، أو لجائحة «5» تحدث فيه، أو للوارث، فلا تكن أخسهم حظا.

(5/83)

67- وفي نوابغ الكلم: المال للحارث، أو للحادث، أو للوارث، فلا تكن أخس ثالث.

68- أعرابي من بني أسد:

يقولون ثمر ما استطعت وإنما ... لوارثة ما ثمر المال كاسبه

فكله وأطعمه وخاله وارثا ... شحيحا ودهرا تعتريه نوائبه

69- عبد الرحمن بن شبل: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: التجار هم الفجار. فقيل: أليس أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيحنثون «1» .

70- مر علي عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرة «2» ، وهو يقول: يا معشر التجار خذوا الحق واعطوا الحق تسلموا، ولا تردوا قليل الحق فتحرموا كثيره، ما منع مال من حق إلا ذهبت في باطل أضعافه.

71- لقمان: يا بني، قد أكلت الحنظل، وذقت الصبر، فلم أر شيئا أمر من الفقر. فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيما لا ينتقصوك، ولكن سل الله، فمن الذي س سأل الله فلم يعطه؟ أو دعاه فلم يجبه؟ أو تضرع إليه فلم يكشف ما به؟.

72- أعرابي: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا.

73- إن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وظهرت عند الجدة نعمته.

74- يقال للدرهم الأخرس النجيع وخاتم رب العالمين.

(5/84)

75- أعرابي هلكت إبل له فقال: إن موتا تخطاني إلى ما لي لعظيم النعمة علي.

76- يقال لمقاسي الفقر: فلان يلاطم حمأة الجفر، أكثر غدارانه قد نضب. أخذ الأفلاس بكظمه.

77- أوصى رجل فقال اكتبوا: خلف فلان ما يسوؤه وينوؤه، مالا يأكله وارثه، ويبقى عليه وزره وإثمه.

78- وفي نوابغ الكلم: ترك مالا يبقي عليه وارثه، وتبقى عليه كوارثه.

79- لكل نافقة كساد.

80- القاسم بين القوم أوشلهم «1» حظا، أي أقلهم.

81- لا مال لمن لا مادة له.

82- كسب المال للولد حسرة الأبد.

83- عيسى عليه السلام: المال فيه داء كبير. قيل يا روح الله: ما داؤه؟ قال: أن يمنع صاحبه حق الله، قيل: فإن أدى حق الله؟ قال: لن ينجو من الكبر والخيلاء، قيل: فإن نجا؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله.

84- حكيم: لا يعد الغرم غرما إذا ساق غنما، ولا يعد غنيا من لم يكن غناه مشتركا.

85- أبو الفضل الميكالي:

وقد تهلك الإنسان كثرة ماله ... كما يذبح الطاووس من أجل ريشه

86- قال أعرابي لرجل: كيف فلان فيكم؟ قال: غني حظي،

(5/85)

قال: هذا من أهل الجنة.

87- الجاحظ: التجار أصحاب ترتيح وتدنيق، نظرهم في الطفيف مقرون بصناعتهم، ولذلك كان جود قريش، العالي على الأجواد، من قوم لا كسب لهم إلا من التجارة عجبا من العجب. وسبب إيثارهم التجارة أنهم من بين العرب دانوا بالتحمس والتشدد في الدين، لأنهم أهل حرم الله وحضنة بيته، فتركوا الغزو، وكراهة السبي، واستحلال النهب، فاقتصروا على التجارة، واتخذوها مكسبة، فضربوا في البلاد، وفتح الله عليهم الرزق بايلافهم الرحلتين.

88-[شاعر] :

وما القطا الكدر إلى الغدر ... أهدى من الفقر إلى الحر «1»

89- من دعاء السلف: اللهم إني أعوذ بك من ذل الفقر، ومن بطر الغنى. القنية ينبوع الأحزان.

90- عبيد الله بن عبد الله بن طاهر:

ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى

91- خير الأعمال ما قضى الغرض، وخير الأموال ما وقى العرض.

92- ما بقاء المال بين حوائج الإنسان وجوائج الزمان؟.

93- كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلا «2» فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل أقتلعه وأدخله بيته، فقيل له، فقال: أخزى الله مالا لا تطبق عليه بابك.

(5/86)

94- ومن الحواثر عامل عمرو بن هند الذي كتب إليه في قتل طرفة، وكان قد وداه «1» بعد ذلك، فقال المتلمس «2» لمعبد أخي طرفة:

لن ترحض السوءات عن أحسابكم ... نعم الحواثر إذ تساق لمعبد

95- قال معاوية للأحنف: مالك؟ قال: لا أخبرك، قال: ولم؟

قال: لأنك من القرشي بين شرتين، إن كنت غنيا حسدك، وإن كنت فقيرا حقرك.

96- يده في الكسب صناع، ولكنها في الإنفاق خرقاء.

97- الغنى أنس الأوطان.

98- إذا أيسرت فكل رحل رحلك، وإذا أعسرت فما أهلك أهلك.

99- الغربة مع الجدة أوطأ من لين الوطن مع الفقر.

100- حكيم: حسن التدبير مع الكفاف أكفى من المال الكثير مع الاسراف.

101- العطوي:

قاتلها الله لقد ... سامتكها إحدى العضل

(5/87)

تقول هلا رحلة ... تنفلنا خير نفل

ما الفقر عار إنما ال ... عار المراء والبخل

102- ملك الهياطلة: ما أقبح القنوع عند الحاجة، والتيه عند الاستقراء.

103- عمرو بن الليث: الطير بالطير يصاد، والمال بالمال يكتسب.

104- مكتوب على باب مدينة الرقة: ويل لمن جمع المال من غير حقه، وويلان لمن ورثه من لا يحمده، وقدم على من لا يعذره.

105- أيوب السختياني: قال لي أبو قلابة: يا أيوب الزم سوقك فإن الغني من العافية.

106- قال خالد بن صفوان «1» : يا بني، خلتان «2» إن أنت حفظتهما لم تبال ما ضيعت بعد: دينك لمعادك، ودنياك لمعاشك.

107-[شاعر] :

ذريني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير

وأهونهم وأحقرهم عليهم ... وإن أمسى له حسب وخير

يباعده الندي وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير

وقد يلقى الغني له جلالا ... يكاد فؤاد صاحبه يطير

(5/88)

قليل ذنبه والذنب جم ... ولكن الغنى رب غفور

108- نزل جبرائيل على لقمان وخيره بين النبوة وبين الحكمة، فاختار الحكمة، فمسح جبرائيل جناحه على صدره، فنطق بها، فلما ودعه قال: أوصيك بوصية فاحفظها، يا لقمان، لئن تدخل يدك إلى مرفقك في فم التنين خير لك من أن تسأل فقيرا قد استغنى.

109- قال الحجاج لابن القرية «1» : أي المال أنفع؟ قال الذي قدمته في وجهه إلى الله في صحة البدن.

110- قيل لخالد بن صفوان: مالك لا تنفق فإن مالك عريض؟

قال: الدهر أعرض منه.

ودفع إلى سائل درهما فاستقله، فقال: أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة، والمائة عشر الألف؟ أما ترى كيف ارتفع الدرهم حتى بلغ ما بلغ.

111- قرىء عند المنصور قوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا

«2» . فقال: حد الله النفقة فنهى عن الإسراف والتقتير، وأمر بالقصد والتقدير.

112- علي عليه السلام: إن المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعهما الله لأقوام.

113- الحسن: رحم الله عبدا كسب طيبا، وأنفق قصدا، وقدم فضلا.

(5/89)

- وعنه رحمه الله: إن المؤمن قد أخذ عن الله أدبا حسنا، فإذا وسع عليه وسع على عياله، وإذا قتر عليه قتر عليهم. فقال داود بن أبي هند: نفقات ننفقها نجد منها بدا من الطعام واللباس والطيب. قال:

أيها الرجل، أوسع على أهلك مما وسع الله عليك.

114- مالك بن خريم الهمداني جد مسروق بن الأجدع:

أنبئت والأيام ذات تجارب ... وتبدي لك الأيام ما لست تعلم

أن ثراء المال ينفع ربه ... ويثني عليه الحمد وهو مذمم

وإن قليل المال للمرء مفسد ... يحز كما حز القطيع المحزم

يرى درجات المجد لا يستطيعها ... ويقعد وسط القوم لا يتكلم

115- علي عليه السلام في ذكر آخر الزمان: ذاك حيث تكون ضربة السيف على المؤمن أهون من الدرهم من حله.

- وعنه: الفقر الموت الأكبر.

- وعنه: يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك.

- وعنه: من أتى غنيا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه.

- وعنه: إذا أملقتم «1» فتاجروا الله بالصدقة.

- وعنه: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجار. يعني يبتغون المال ولا يريدون الدين.

116- عمر رضي الله عنه: ما يأتيني الموت على حال أحب إلي من أن يأتيني وأنا بين دفتي رحلي أبغي على عيالي.

117- قيل لميمون بن مهران: إن ههنا أقواما يقولون: نجلس في بيوتنا وتأتينا أرزاقنا. فقال: هؤلاء حمقى! إن كان لهم يقين مثل يقين

(5/90)

إبراهيم خليل الرحمن فليفعلوا.

118- سفيان: يعجبني الرجل يموت ولا يترك كفنا.

119- اشترى سلمان وسقا من طعام وهو ستون صاعا، فقيل له، فقال: النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت.

120- لما افتتحت بلخ «1» في أيام عمر وجدت على بابها صخرة مكتوب فيها: إنما يبين الغني من الفقير عند الانصراف من بين يدي الله بعد العرض.

121- نبيه بن الحجاج:

قصر الناس بي ولو كنت ذا ما ... ل كثير لأجلب الناس حولي

ولقالوا أنت الكريم علينا ... ولحطوا إلى هواي وميلي

ولكلت المعروف كيلا هنيا ... يعجز الناس أن يكيلوا بكيلي

122- علي عليه السلام قال لابن الحنفية: يا بني إني أخاف عليك الفقر، فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعقل داعية للمقت.

- وعنه: إن الله فرض في أموال الأغنياء، أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع غني، والله سائلهم عن ذلك.

- وعنه: العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى.

- وعنه: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله! وأحسن منه نية الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله.

- وعنه: من مات تعبا من كسب الحلال مات والله عنه راض.

- عامر: أحب الناس إلى الله الفقراء، وكان أحب خلقه إليه الأنبياء فابتلاهم بالفقر.

(5/91)

123- قعود المرء عن الكسب إلحاف بالمسألة.

124- إبراهيم بن أدهم: اكتسب فإنك إن لم تفعل احتجت فداهنت الناس للطمع، فخالفت حينئذ الحق وأهله.

125- قيل لعروة بن الورد «1» عروة الصعاليك «2» ، لأنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا، وقال: إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله يا فتى.

126-[شاعر] :

لا تنظرن إلى ذوي ال ... مال المؤثل والرياش

فتظل موصول النها ... ر بحسرة قلق الفراش

وأنظر إلى من كان دو ... نك أو نظيرك في المعاش

(5/92)

127- الفضل بن عبد الرحمن المطلبي:

ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد ... لكل غد رزق من الله واجب

128- أنس: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، سعر لنا. فقال: إن الله الخالق القابض الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطالبني بمظلمة ظلمت بها من أهل ولا مال. دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.

129- المرار بن سعيد الفقعسي:

إذا افتقر المرار لم ير فقره ... وإن أيسر المرار أيسر صاحبه

130- أبو مسلم الحلق البصري:

عجبت لحملي المفتا ... ح إمسائي وإصباحي

وما ساوى الذي في من ... زلي قيمة مفتاحي

131- محمد بن البعيث بن الحليس الربعي:

كم قد قضيت أمورا كان أهملها ... غيري وقد أخذ الأفلاس كالظكم

سأكسب الحمد في عسر وفي يسر ... إن الجواد الذي يسخو على العدم

132- هارون بن جعفر الطالبي:

بوعدت همتي وقورب مالي ... ففعالي مقصر عن مالي

لو أعان السماح مني وقر ... لزكت لي مروءتي وفعالي

ما اكتسى الناس مثل ثوب اقتناع ... وهو من بين ما اكتسوا سربالي

ولقد تعلم الحوادث أني ... ذو اصطبار على صروف الليالي «1»

133- يزيد بن محمد بن يزيد المهلبي في مرثيه المتوكل:

قد كنت أسرف في مالي ويخلفه ... فعلمتني الليالي كيف أقتصد

(5/93)

134- اليوسفي الكاتب:

تكسبت بعد الفقر ما لم تمنه ... ولا دونه فيما مضى أنت تأمل

ونفسك تلك النفس أيام فقرها ... وأنت بها ما عشت في الناس تسفل

135- النمر بن تولب:

خاطر بنفسك قد تصيب غنيمة ... إن الجلوس مع العيال قبيح

فالمال فيه نجلة ومهابة ... والفقر فيه مذلة ونصوح

136-[شاعر] :

فلم أر بعد الدين خيرا من الغنى ... ولم أر بعد الكفر شرا من الفقر

ولم أر زين المال إلا امتهانه ... وتنفيذه في أوجه الحمد والأجر

137- أنس بن إناس:

وباه تميما بالغنى أن للغنى ... لسانا به المرء الهيوبة ينطق

138- أعرابي من باهلة:

وإن الغنى في أهله بورك الغنى ... بغير لسان ناطق بلسان

139- كان لعمر بن عبد العزيز سفينة تحمل فيها الطعام من مصر إلى المدينة، وهو واليهما فحدثه محمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أيما عامل تجر في رعيته هلكت رعيته. فأمر بما في السفينة فتصدق به، وفكها وتصدق بخشبها على المساكين.

140- عمر بن عبد العزيز: إذا اشترى أحدكم الشيء فليستجده، فإنه إنما يغبن عقله لا درهمه.

141- كان أبو بكر رضي الله عنه إذا خرج في تجارة أخذ بضائع لضعفة قريش فيبيعها لهم ويشتري. ولا يرزأهم «1» شيئا.

(5/94)

142- وقف علي عليه السلام على تمار «1» ، فإذا هو بخادم تبكي عنده، فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا تمرا بدرهم، فرده علي مولاي، فأبى أن يأخذه مني. قال: أعطها درهمها وخذ تمرك فإنها خادم ليس لها أمر. فدفعه التمار، فعرف أنه أمير المؤمنين، فصب التمر وأعطاها الدرهم، وقال: ارض عني يا أمير المؤمنين، قال: أنا راض إن وفيت المسلمين حقوقهم.

143- أول من وضع لسان الميزان عبد الله بن عامر، وكان الناس يزنون بالشاهين.

144- كان علي عليه السلام يمر في السوق على الباعة، فيقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم على المسلمين فإنه أعظم للبركة.

145- كان غلام من أهل مكة لازما للمسجد، فافتقده ابن عمر رضي الله عنه، فمشى إلى بيته، فقالت أمه: هو على طعيم له يبيعه، فلقيه فقال له: مالك وللطعام؟ فهلا إبلا! فهلا بقرا! فهلا غنزا! إن صاحب الطعام يحب المحل، وصاحب الماشية يحب الغيث.

146- وقف رجل على تاجر يحلف، فقال: يا عبد الله، اتق الله ولا تلقح سلعتك بالأيمان، فإنه لا يأتيك إلا ما كتب لك.

147- كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين ويجالسهم ويتحدث إليهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.

148- من استغنى بالله افتقر إليه الناس.

149-[شاعر] :

رضينا قسمة الرحمن فينا ... لنا أدب وللثقفي مال

(5/95)

الباب التاسع والسبعون المدح، والثناء، وطيب الذكر، والحث على اكتسابه، وما مدح به من المساعي الكريمة والخصال الحميدة

1- النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم المداحين فاحثوا «1» في وجوههم التراب، قال العتبي: هو المدح بالباطل والكذب، أما مدح الرجل بما فيه فلا بأس به. وقد مدح أبو طالب والعباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسان وكعب وغيرهم، ولم يبلغنا أنه حث في وجه مادح ترابا. ومدح هو صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار. ومدح هو صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: أنا سيد ولد آدم. وقال يوسف عليه السلام: إني حفيظ عليم. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أثنيت على الرجل بما فيه في وجهه لم تزكه.

وفي حثو التراب معنيان: أحدهما التغليظ في الرد عليه، وثانيهما أن يقال له: بفيك التراب.

2- وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم أجعلني خيرا مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.

3- أبو بكرة عن أبيه: مدح رجل رجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

ويحك قطعت عنق صاحبك. ثم قال: إن كان أحدكم مادحا صاحبه

(5/97)

فليقل: أحسب فلانا ولا أزكي على الله أحدا.

4- أثني على رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قطعتم ظهره، لو سمعها ما أفلح بعدها.

5- أبو خلف خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مدح الفاسق اهتز العرش، وغضب الرب.

6- مطرف: ما مدحني أحد إلا تصاغرت في نفسي.

7- سارية بن زنيم الديلي، وهو الذي ولاه عمر فارس وقال: يا سارية الجبل:

فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبر وأوفى ذمة من محمد «1»

وهو أصدق بيت قالته العرب.

8- من أحسن ما مدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم قول عبد الله بن رواحة «2» :

لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر

9- فضيل «3» : إذا كان قول الناس أنت رجل صدق أحب إليك من قولهم أنت رجل سوء فأنت والله رجل سوء.

- وعنه: من ذا الذي يتكلم فلا يحب أن يجود الناس كلامه.

(5/98)

10- ابن عائشة «1» : قلت لأبي: إن الناس يكثرون في عمر بن عبد العزيز. فقال: يا بني، إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.

11- مطرف: كنت جالسا عند مذعور، فمر رجل فقال: من سره أن ينظر إلى رجلين من أهل الجنة فلينظر إلى هذين. فعرفت الكراهة في وجهه، فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك تعلمنا ولا يعلمنا.

12- قال ابن عباس لعمر رضي الله عنه حين طعن: أبشر أمير المؤمنين بالجنة. قد أسلمت حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس، ومات نبي الله وهو عنك راض، ولا يختلف في خلافتك رجلان، ثم قتلت شهيدا. فقال عمر: إن من تغرونه لمغرور، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس من صفراء وبيضاء لافتديت به من هول المطلع.

13- علي بن هارون بن يحيى المنجم يمدح عليا رضي الله عنه:

وهل خصلة من سؤدد لم يكن بها ... أبو حسن من بينهم ناهضا قدما

فما فاتهم منها به سلموا له ... وما شاركوه كان أوفرهم قسما

14- الحسن: تراهم يهدرون عنده هدير الفحالة، أنت والله، أنت والله، وتراه مقنعا ساكنا، يحسب الحميق أنه كما يقال له.

15- علي عليه السلام في الأنصار: هم والله ربوا الإسلام كما يربى الفلو «2» ، مع غنائهم بأيديهم السباط، وألسنتهم السلاط.

16- مدح هشام بن عبد الملك فقال: يا هذا إنه قد نهي عن مدح الرجل في وجهه، فقال له: ما مدحتك، وإنما أذكرتك نعم الله عليك

(5/99)

لتجدد له شكرا. فقال هشام: هذا أحسن من المدح، ووصله وأكرمه.

17- كتب رجل إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان: رأيتني فيما أتعاطى من مديحك كالمخبر عن النهار الباهر، والقمر الزاهر، وأيقنت أني حيث أنتهي من القول منسوب إلى العجز، مقصر عن الغاية، فانصرفت من الثناء عليك إلى الدعاء لك، ووكلت الأخبار عنك إلى علم الله بك.

18- قال قتيبة لنهار بن توسعة: لست تقول كما كنت تقول في آل المهلب. قال: إنهم كانوا والله أهدافا للشعر. قال: هذا والله أمدح مما قلت فيهم.

فتى دهره شطران فيما ينوبه ... ففي بأسه شطر وفي جوده شطر

فلا من بغاة الخير في عينه قذى ... ولا من زئير الحرب في أذنه وقر «1»

19- أعرابي: ما يذم بلد تأويه، ولا يشكى زمان أنت فيه.

20- آخر: كان والله إذا ضيع الأمور مضيعها، وانصرف عن الحسنى ضجيعها، يهين نفسا كريمة على قومها، غير مبقية لغدها ما في يومها، وكان أمارا بالخير، نهاء عن المنكر.

21- قيل: إن فلانا يحسن القول فيك. قال: سأكافئه، قيل:

بماذا؟ قال: بأن أحقق قوله.

22- كان الحجاج يستثقل زياد بن عمر العتكي، فلما قدم على عبد الملك وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم، لم يكن بعد ذلك أحد أخف على قلبه منه.

23- بعض إياد:

وأي فتى صبر على الأين والضما ... إذا اعتصروا واللوح ماء فظاظها

(5/100)

إذا ضرجوها ساعة بدمائها ... وحل عن الكوماء عقد شظاظها «1»

فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وأنطق من قس غداة عكاظها «2»

24- أعرابي: كان فلان قوالا للحق، قواما بالقسط.

25- قال رجل لآخر: أنت بستان الدنيا. فقال: وأنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.

26- وقال رجل لأبي عمر الزاهد صاحب كتاب الياقوتة في اللغة:

أنت والله عين الدنيا. فقال: وأنت بؤبؤ تلك العين.

27- قال أعرابي ليحيى بن خالد: لولا ما أمسكت من رمق المكارم لقامت عليه المآتم.

28- آخر: فلان حتف الأقران يوم النزال، وربيع الضيفان عشية النزول.

29- آخر: فلان بحره مفعم، وخصمه مفحم.

30- آخر: هو نبعة «3» أرومته، وأبلق «4» كتيبته، ومدرة «5» عشيرته.

ونابهم الذي عنه يفترون، وبابهم الذي إليه يضطرون.

31- آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه الأصدقاء.

32- آخر: ذاك والله مضغة من ذاقها لفظها، وأنه مع ذلك عذب في أفواه كان ماضيا.

(5/101)

33- القاسم بن أمية بن أبي الصلت الثقفي:

قوم إذا نزل الحريب بدارهم ... ردوه رب صواهل وقيان

وإذا دعوتهم ليوم كريهة ... سدوا شعاع الشمس بالخرصان

لا ينقرون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان

بل يبسطون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان

34- أنو شروان: من أثنى عليك بما لم توله فغير بعيد أن يعضهك «1» بما لم تجنه.

35- وهب «2» : من مدحك بما ليس فيك فلا تأمن أن يذمك بما ليس فيك.

36- ما مدح أجد إلا نزا به الشيطان إلا أن المؤمن يراجع.

37- أيوب السختياني: لو لم نلق الله إلا بذنب ما يقوله الناس فينا، ويثنون علينا فنرضى به، للقيناه بهلكة إلا أن يغفر الله.

38- النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي جبرائيل صلوات الله عليه: يا محمد، من أولاك يدا فكافه، فإن لم تقدر فأثن عليه.

39- وكان يقول لعائشة: أبياتك، أبياتك، فتنشد:

ارفع ضعيفك لا تحزنك ضعفته ... يوما فتدركه العواقب قد نما

يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى

40- يقال: هذه المدحة فأين المنحة؟.

41-[شاعر] :

إذا ما المدح سار بلا نوال ... من الممدوح كان هو الهجاء

(5/102)

42- قيل: توضحت جباه التواريخ بغرره، وافتتحت صفحات الدواوين بسيره.

43- إنما تمدح عبدك، وتنشر بردك، وتقرظ ملكك، وتفتق مسكك. تقوله لكبير يثني عليك.

44- أوتي فلان خصال الرهان، وأصل البرهان، الأثنية مخيمة بفنائه مطنبة «1» ، والألسنة مسهبة في أطرائه مطنبة، له عنت نواصي المحامد، وأذعنت عواصي المكارم.

45- يزيد بن المهلب: الحياة أحب شيء إلى الإنسان، والثناء الحسن أحب إلي من الحياة، ولو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما يقال غدا إذا مت كريما.

46- ابن عباس في علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان والله يشبه القمر الباهر، والأسد الخادر «2» ، والفرات الزاخر، والربيع الباكر.

فأشبه من القمر ضوءه وبهاءه، ومن الأسد شجاعته ومضاءه، ومن الفرات جوده وسخاءه، ومن الربيع خصبه وحياءه.

47- قيل لناسك: كيف أصبحت؟ قال: بنعمة من الله، وثناء من الناس لم يبلغه عملي.

48- كعب بن زهير في رسول ار صلى الله عليه وسلم.

تحمله ناقته الأدماء محتجرا ... بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم «3»

وفي عطافيه أو أثناء ريطته ... ما يعلم الله من دين ومن كرم

49- قطن بن حارثة العليمي فيه عليه السلام:

(5/103)

رأيتك يا خير البرية كلها ... تبث نضارا في الأرومة من كعب

أغر كأن البدر يشبه وجهه ... إذا ما بدا للناس في حلل العصب «1»

أقمت سبيل الحق بعد اعوجاجها ... ورشت اليتامى في السغابة والجدب «2»

50- زياد بن أبيه: من مدح رجلا بما ليس فيه، فقد بالغ في هجائه.

51- المأمون: الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق، والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد.

52- سئل حكيم عن أحسن شيء في العالم، فقال: حسن الذكر.

53- كان أبو عبيد الله الوزير يقول: ما رأيت أجمع من خالد، له جمال أهل الشام، وشجاعة أهل خراسان، وأدب أهل العراق، وكتابة أهل السواد «3» .

54- حكى الجاحظ عن إبراهيم، قلت في أيام ولايتي الكوفة لرجل من وجوهها- كان لا يجف لبده، ولا يستريح قلمه، ولا تسكن حركته في طلب حوائج الناس، وإدخال السرور والمرافق على الضعفاء، وكان عفيف الطعمة مفوها-: خبرني عما هون عليك النصب، وقواك على التعب، فقال: والله لقد سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار، وسمعت خفق الأوتار، وتجاوب العود والمزمار، فما طربت من صوت حسن كطربي من ثناء حسن على رجل قد أحسن. فقلت له: لله أبوك! لقد حشيت كرما.

55- أوس بن لام في حاتم:

(5/104)

فإن تنحكي ماوية الخير حاتما ... فما مثله فينا ولا في الأعاجم

فتى لا يزال الدهر أعظم همه ... فكاك أسير أو معونة غارم

56- ابن حمدون:

آل المهلب معشر أنجاد ... ورثوا المكارم والوفاء فسادوا

شاد المهلب ما بنى آباؤه ... وأتى بنوه ما بناه فشادوا

وكذاك من طابت مغارس نبتة ... وبنى له الأباء والأجداد

57- مدح خالد بن صفوان إبراهيم بن الأهتم فقال: كان يقري العين جمالا والأذن بيانا.

58- أعرابي في مدح قومه: جعلوا أموالهم مناديل أعراضهم، فالخير بهم زائد، والجود لهم شاهد، يعطون أموالهم بطيب أنفس إذا طلبت إليهم، ويباشرون المكروه باشراق أوجه إذا بغي عليهم.

59- قيل للجمل المصري: هلا مدحت سليمان بن وهب وهو وال! ومدحته وهو معزول. فقال: عزله أكرم من ولاية غيره، وإنما أمدح كرمه لا عمله، وكرمه معه عمل أم عزل.

60- الرشيد: جعفر بحر لا ينزح، وجبل لا يزحزح.

61- الجاحظ: بقتك فيل، وحصاتك جمل.

62- كتب رسطاليس إلى الإسكندر: أما التعجب من مناقبك فقد نسخه تواترها فصارت كالشيء القديم الذي قد نسي، لا كالحديث الذي ينعجب منه.

63- كتب إبراهيم بن المهدي إلى أحمد بن يوسف: لعن الله زمانا أخرك عمن لا يساوي كله بعضك.

64- قالت امرأة عمران بن حطان «1» : أما زعمت أنك لا تكذب في

(5/105)

شعر قط؟ فقال: أو فعلت؟ قالت: أنت القائل:

فهناك مجزأة بن ثو ... ر كان أشجع من أسامة

أيكون رجل أشجع من أسد؟ قال: أنا رأيت مجزأة فتح مدينة، والأسد لا يفتح مدينة، 65- سلم الخاسر «1» في الفضل بن يحيى البرمكي:

سأرسل بيتا قد وسمت جبينه ... يقطع أعناق البيوت الشوارد

أقام الندى والبأس في كل منزل ... أقام به الفضل بن يحيى بن خالد

66- كان الفرزدق هجاء لعمر بن هبيرة «2» ، فلما سجن ونقب له السجن، فسار هو وابنه تحت الأرض، قال:

ولما رأيت الأرض قد سد ظهرها ... ولم يبق إلا بطنها لك مخرجا

دعوت الذي ناداه يونس بعد ما ... ثوى في ثلاث مظلمات ففرجا

(5/106)

فقال ابن هبيرة: ما أريت أشرف من الفرزدق، هجاني أميرا ومدحني أسيرا.

اتفقت الألسن على تقريظه إجماعا يدخل فيه صديقه بالامتياز وعدوه بالاضطرار.

67- الأصبغ بن عبد العزيز في عبد العزيز بن المطلب المخزومي:

إذا قيل من للعدل والحق والنهى ... أشارت إلى عبد العزيز الأصابع

أشارت إلى حر المحاتد لم يكن ... ليدفعه عن حوزة المجد دافع «1»

68- سوار بن أبي زهدم:

بني تيم بن مرة إن فيكم ... مكارم لسن في أحد سواكم

سبيلكم إلى المعروف نهج ... ولم تحلل إلى جهل حباكم

69- داود بن روح المهلبي في الرشيد:

له همان ما قسما هواه ... جهاد الروم والبيت الحرام

ينام الناس أمنا في ذراه ... ويكلؤهم بعين لا تنام

70- السري بن عبد الرحمن المدني في يزيد بن حاتم بن قبيصة:

يا واحد العرب الذي دانت له ... قحطان قاطبة وساد نزارا

إني لأرجو إن رأيتك سالما ... أن لا أعالج بعدك الأسفارا

71- عبد الله بن خارجة الشيباني في عبد الملك بن مروان:

رأيتك أمسي خير بني معد ... وأنت اليوم خير منك أمس

وأنت غدا تزيد الخير فضلا ... كذاك يزيد سادة عبد شمس

72- عبد الله بن حمزة بن فروة:

أنت المهذب من قريش والذي ... لفروعه فوق الفروع بسوق

(5/107)

ولكل باب ندى بكفك مفتح ... ولكل معروف عليك طريق

وإذا المناسب حصلتك تعطفت ... من كل ذي كرم عليك عروق

73- كعب بن مالك الأنصاري:

يا هاشما إن الإله حباكم ... ما ليس يبلغه اللسان المفصل

قوم لأصلهم السيادة كلها ... قدما وفرعهم النبي المرسل

74- عمرو بن هند النهدي:

ألم تر أولاد الزبير تحالفوا ... على المجد ما صامت قريش وصلت

قريش غياث في السنين وأنتم ... غياث قريش حيث سارت وحلت

75- الحطيئة العبسي:

فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ... بإحساننا إن الثناء هو الخلد

76- الحسين بن دعبل الخزاعي:

ملك الأمور بجوده وحسامه ... شرفا يقود عدوه بزمامه

فأطاع أمر الجود في أمواله ... وأطاع أمر الله في أحكامه

أمن البلاد وأهلها في سلمه ... ومخاوف الثقلين في استلئامه «1»

77- معصب بن عبد الله بن مصعب الزبيري في الحسن بن سهل:

لن ينفذ الكلم المثني عليك به ... ما فيك من كرم أو ينفذ الكرم

78- آخر:

يلقى السيوف بوجهه وبنحره ... ويقيم هامته مقام المغفر «2»

ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا ... فعقرت ركن المجد إن لم تعقر «3»

(5/108)

وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر «1»

أوما إلى الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري

79- عبد الملك بن مروان في الأشدق: كان والله ذا طي لسره، غرما بماله، فارغ القلب لفهم من حدثه، مشغول اللب بمعرفة ما أشكل عليه.

80- قيل لبعض العلماء: إن الناس يكثرون في أمر عمر بن عبد العزيز، فقال: كان يقال: إن الثناء يضاعف كما تضاعف الحسنات.

81- قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب أن أحمد، كأنه يخاف على نفسه، فقال: وما منعك أن تحب أن تعيش حميدا أو تموت فقيدا.

(5/109)

الباب الثمانون الملح، والمداعبات، والمضاحك، وما جاء من النهي عن المزاح، والترخيص فيه، ونحو ذلك

1- النبي صلى الله عليه وسلم: المزاح استدراج من الشيطان، واختداع من الهوى.

2- كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله. امنعوا الناس من المزاح، فإنه يذهب بالمروءة، ويوغر «1» الصدور.

3- علي عليه السلام: ما مزح امرؤ مزحة إلا مج من عقله مجة.

- وعنه: إياك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا وإن حكيت ذلك عن غيرك.

4- مزح رجل عند الحسن فقال: إنما هو عمرك فاقطعه بما شئت.

5- حكيم: تجنب شؤم الهزل، ونكد المزح، فإنما هما بابان إذا فتحا لم يغلقا إلا بعد عسر، وفحلان إذا لقحا لم ينتجا غير فقر.

6- آخر: لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح.

7- الحسن: ضحك المؤمن غفلة من قلبه.

8- السري بن يحيى: ما رأيت الحسن ضاحكا قط إلا مرة، ولا تبسم إلا أتبعها بعبرة.

(5/111)

9- سئل النخعي: كان أصحاب رسول الله يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم أمثال الجبال الرواسي.

10- محمد بن المنكدر «1» : قالت لي أمي: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم «2» .

11- غزوان بن غزوان الرقاشي قال: لله علي أن لا يراني ضاحكا حتى أعلم أي الدارين أرد، فما رؤي ضاحكا حتى لحق بالله تعالى.

12- إبراهيم: رآني فضيل ضاحكا، فقال: يا إبراهيم، ألا أحدثك حديثا حسنا؟ قلت: بلى، رضي الله عنك، قال: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين.

13- خرج أعرابي في الليل فإذا هو بجارية مليحة، فراودها، فقالت: يا هذا، أما لك زاجر من عقل إن لم يكن لك واعظ من دين؟

قال: والله ما ترانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها «3» ؟ فأخجله كلامها فقال: إنما كنت أمزح، فقالت الجارية:

فإياك إياك المزاح فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا «4»

ويذهب ماء الوجه بعد احتقانه ... ويورث بعد العز صاحبه ذلا

14- يزيد بن معاوية قال على منبره: ثلاث يخلقن العقل: سرعة

(5/112)

الجواب، وطول الصمت، والاستغراب «1» في الضحك.

15- الأحنف: كثرة الضحك تذهب الهيبة، وكثرة المزاح تذهب المروءة، ومن لزم شيئا عرف به.

16- كان الحجاج إذا استغرب ضحكا والى بين الاستغفار.

17- المغيرة: كنت كثير الضحك فم يقطعه عني إلا قتل زيد بن علي.

18- ذكر المزاح عند خالد بن صفوان فقال: يصك أحدكم أخاه بأصلب من الجندل، ينشقه أحد من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما أمازحك.

19- لقي يحيى عيسى عليه السلام، فتبسم عيسى في وجه يحيى فقال: ما لي أراك لاهيا كأنك آمن؟ فقال عيسى: ما لي أراك عابسا كأنك قانط؟ فقال: لا تبرح حتى ينزل علينا الوحي، فأوحى الله عز وجل:

أحبكما إلي أحسنكما بي ظنا. وروي: أحبكما إلي الطلق البسام.

20- عبد الله بن سالم: كان يقال: ترك الضحك من العجب أعجب من الضحك من غير عجب.

21- فلان معرب في المفاوهة، مغرب في المفاكهة.

22- عبد الله لبنيه: إياكم والمزاح فإنه يذهب البهاء، وإياكم والقهقهة فإنها تذهب الهيبة.

23- خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال.

24- المصنف «2» : العجب ممن هو في سواء الجحيم كيف يضحك

(5/113)

ممن هو في بحبوحة الجنة وهو يبكي. كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبكي حتى يبل الأرض.

25- محمد بن عمران التيمي قاضي المدينة: هذه الملح إنما تعجب عقلاء الرجال.

26- الأصمعي: شهرت بالأدب ونلت بالملح.

27- علي بن الجهم «1» : ما حثت الكؤوس بالأوتار «2» كحثها بالملح القصار.

28- إن الأحاديث من السمار أجلب للهو من العقار.

29- ركب يزيد بن نهشل بعيرا له لا يكاد ينهض، فلما استوى عليه قال: اللهم إنك قلت: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين

«3» . وإني أشهدك أني لهذا مقرن، فنفر البعير، وتعلقت رجله بالغرز والبعير يجمز «4» به حتى مات.

30- كان جماعة من طلاب الحديث يمشون إلى شيخ لهم، فقال خليع منهم: امشوا رويدا فإن طالب العلم يطأ على أجنحة الملائكة، حتى لا تكسروها. فعثر عثرة عرج منها.

(5/114)

31- كان بالمغرب وراق «1» ، فكتب مصحفا في أسبوع، فقيل له:

في كم كتبته؟ فقال: في ستة أيام وما مسنا من لغوب «2» ، فجست يده، وهكذا من أدركه الخذلان، وسلب التوفيق، فاستعمل الهزل في موضع الجد والجد كله حول كتاب الله وسنة رسول الله- وتخطاه أن يتدبر قوله تعالى: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب. قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن

«3» ، وما روي عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتحادثون، ويتناشدون الأشعار، فإذا ذكر الله وذكر الدين انقلبت حماليقهم كأنهم مجانين.

32- أبرم الأصمعي أصحابه ثم استزادوه، فقال: لا والله، ولا زغبة من عنفقة «4» جرذ.

33- ظهير بن عبد مناف الهذلي:

إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاقبل وصاة أب عليك شفيق

أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق

إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لرفيق «5»

34- مر أعرابي بآخر فقال: من أين أقبلت يا ابن عم؟ قال: من الثنية، قال: فهل أتيتنا منها بخبر؟ قال: سل عما بدا لك، قال: كيف علمك يحيى؟ قال: أحسن العلم، قال: هل لك علم بكلبي نفاع؟

قال: حارس الحي، قال: فبأم عثمان؟ قال: بخ بخ «6» ، ومن مثل أم

(5/115)

عثمان؟ لا تدخل الباب إلا متحرقة بالثياب المعصفرات، قال: بعثمان؟

قال: وأبيك جرو الأسد، يلعب مع الصبيان وبيده الكسوة. قال فبجملنا السقاء؟ قال: إن سنامه ليخرج من الغبيط، قال: فبالدار قال: وأبيك إنها خصيبة الجناب، عامرة الفناء، ثم قام عنه وقعد ناحية يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح وقال: يا ابن عم، أين هذا الكلب من نفاع؟ قال: يا أسفا، نفاع قد مات. قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات، قال: إنا لله أو قد مات الجمل؟ فما أماته؟

قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله، قال: ويل أمك! أماتت أم عثمان؟ قال إي والله، أماتها الأسف على عثمان، قال: ويلك! أمات عثمان؟ إي وعهد الله، سقطت عليه الدار. فرمى الأعرابي بطعامه ونثره، وأقبل ينتف لحيته ويقول: فأين أذهب؟ قال الآخر: إلى النار، وأقبل إلى طعامه يلتقطه ويأكله، ويهزأ به ويضحك منه، ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام.

35- كان إسحاق بن فروة مزاحا، فقال لأعرابي يوما وهو يمازحه:

أتشهد بما لم تره عينك؟ قال: نعم، أشهد أن أباك فعل بأمك ولم أر ذلك. فأفحمه، فجعل على نفسه أن لا يمازح أحدا أبدا.

36- حضر مائدة يزيد بن مزيد أعرابي، فقال: أفرجوا لأخيكم، فقال: لا حاجة إلى إفراجكم، إن أطنابي طوال. يريد سواعده. فلما مد يده حبق «1» ، فقال يزيد: ما أحسب إلا أن طنبا من أطنابك قد انقطع.

37- أفلتت من معاوية ريح «2» على المنبر فقال: يا أيها الناس، إن الله خلق أبدانا، وجعل فيها أرواحا فما تمالك الناس أن تخرج منهم. فقام صعصعة بن صوحان فقال: أما بعد فإن خروج الأرواح في المتوضئات سنة،

(5/116)

وعلى المنابر بدعة، واستغفر الله لي ولكم.

38- كان للعباس بن محمد الهاشمي إبنان، أحدهما ضخم سمين، والآخر قميء صغير الجثة، فقال فيهما محمد بن علي بن عبد العزيز الغربي:

كنت عند الجسر مختبئا ... حين ولى الليل والغلس «1»

إذ أتاني راكب عجل ... قد علاه البهر والنفس «2»

قال هل جازتك قنبلة ... حولها الأجناد والحرس

قلت مرت بي قلنسوة ... فوق سرج تحته فرس

حشوها شونيزة معها ... دنفح في ظهره قعس «3»

فشكا العباس إلى المأمون، فأمر بصلبه على خشبة عند الجسر يوما إلى الليل، فلما أنزل، دعا بحمال ليحمل الخشبة، فقيل له، فقال:

أول حملان حملني عليه أمير المؤمنين لا أضيعه، فحملها وباعها بثلاثة دراهم، واشترى بها تينا وعنبا لصبيانه. فرفع خبره إلى المأمون، فضحك وأمر له بخمسة آلاف درهم.

39- أتكأ جحا على جارية أبيه وهي نائمة، فقالت: من ذا؟ فقال:

اسكتي، أنا أبي.

40- وقيل لسفيان الثوري: المزاح هجنة، فقال: بل هو سنة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأمزح ولا أقول إلا حقا.

(5/117)

41- قال عليه السلام لامرأة من الأنصار: الحقي زوجك ففي عينيه بياض. فسعت المرأة إلى زوجها مرعوبة، فلما وافته قال لها: ما دهاك؟

قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في عينيك بياضا. قال: إن في عيني بياضا لا لسوء.

أتت عجوز أنصارية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أدع لي بالمغفرة، فقال لها: أما علمت أن الجنة لا تدخلها العجز، فصرخت، فتبسم رسول الله وقال: أما قرأت: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا

«1» .

43- أنس: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أحملني، فقال عليه السلام: إنا حاملوك على ولد ناقة. قال: وما اصنع بولد ناقة؟ قال:

وهل تلد الإبل إلا النوق؟.

44- ذكر نعيمان وهو بدوي، وكان أولع الناس بالمزاح، عند رسول الله وأنه يكثر المزاح والضحك، فقال: يدخل الجنة وهو يضحك.

45- وخرج هو وسويبط بن عبد العزي مع أبي بكر في تجارة قبل وفاة رسول الله بعامين، وكان سويبط على الزاد، فاستطعمه نعيمان، فقال:

حتى يجيء أبوبكر، فمر ركب من نجران فباعه منهم على أنه عبد بعشر قلائص «2» ، وقال: إنه ذو لسان ولغة، ولعله يقول: أنا حر، فقالوا: لا عليك، فوضعوا عمامته في عنقه وذهبوا به، فأخبر بذلك أبوبكر، فرد القلائص وخلصه، وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة.

46- ورأى نعيمان مع أعرابي عكة «3» عسل فاشتراها منه، وجاء بها

(5/118)

بيت عائشة في يومها، وقال: خذوها. فتوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أهداها له، ومر نعيمان وترك الأعرابي على الباب. فلما طال قعوده قال: يا هؤلاء، ردوها علي إن لم يحضر ثمنها. فعلم رسول الله بالقصة فوزن له الثمن. وقال لنعيمان: ما حملك على ما فعلت؟ قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل، ورأيت الأعرابي معه العكة. فضحك عليه السلام ولم يظهر له نكيرا.

47- فلان مغناطيس الصخب، لو ناطقه قيس بن عاصم «1» لعاد دغة، ولو خاطبه أكثم «2» لصار هبنقة «3» .

48- هجت ابن أبي عتيق «4» امرأته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية بقولها:

ذهب الإله بما تعيش به ... وقمرت ليلك أيما قمر

أنفقت مالك غير محتشم ... في خدر زانية وفي خمر

فكتب البيتين في رقعة وأراها ابن عمر. فاسترجع «5» لما رآها،

(5/119)

فقال: والله لو رأيت قائلها لأفعلن به. فأخذ ابن عمر أفكل وأربد «1» لونه، وقال: مالك غضب الله عليك!.

فلما كان بعد أيام لقيه، فأعرض عنه، فقال: بالقبر ومن فيه ألا سمعت كلامي، فتحوب ووقف معرضا عنه، فقال: علم أبا عبد الرحمن أني فعلت بقائل ذلك الشعر. فصعق عبد الله ولبط به. فدنا من أذنه وقال: إنها امرأتي. فقام ابن عمرو قبل ما بين عينيه.

49- قال ابن عمر لجاريته: خلقني خالق الخير، وخلقك خالق الشر. فبكت، فقال: لا عليك، فإن خالق الخير هو خالق الشر.

50- ما سمعت للمهتدي مزحة سوى قوله لسليمان بن وهب، وفي رجله خف واسع يصوت، فقال: يا سليمان؟ خفك هذا ضراط، وهو تعريض بضرطة وهب التي طار خبرها في الآفاق وعلى ألسن الشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة.

51- النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليتكلم بكلمة يضحك بها جليسه يهوى بها أبعد من الثريا.

52- قال الحجاج لمحمد بن عبد الله بن نمير الثقفي «2» : أخبرني عن قولك:

ولما رأيت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات «3»

(5/120)

في كم كنت؟ قال: كنت والله على حمار هزيل، ومعي دقيق على حمار مثله.

53- سمع عبادة من جوف ابن حمدون قرقرة، فقال: ولدت في ساباط. يعني: إنك كثير الرياح.

54- رؤي أعرابي على شاطىء نهر في حزيران يغوص غوصة ثم يخرج فيعقد عقدة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: جنابات الشتاء أقضيها في الصيف «1» .

قيل لأعرابي كان يسرف في الجماع: إنا نخاف عليك العمى، فقال: قد وهبت بصري لذكري.

55- استطرقت أعرابية فحلا لحجرها «2» ، فلما أدلى «3» رأت شيئا عظيما، فقالت لقينها: نح الحجر، فو الله ما حمله من الرجال حر قط، ولا من الخيل جواد قط.

56- الحسن: ابن آدم تضحك! ولعل كفنك خرج من عند القصار.

57- رأى زبيد اليامي قراء يضحكون، فقال: ما رأيت قراء أغلظ رقابا ولا ألين ثيابا ولا آكل لمخ العيش منكم.

58- حبق كاتب لعمر بن عبد العزيز بين يديه، فرمى بقلمه وقام خجلا، فقال له عمر: لا عليك، خذ قلمك، واضمم إليك جناحك، وليفرخ روعك، فما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.

(5/121)

59- محمد بن سلامة بن أبي زرعة الدمشقي:

لا يؤنسنك أن تراني ضاحكا ... كم ضحكة فيها عبوس كامن

60- نافع: كان أبو هريرة على المدينة خليفة لمروان، فربما ركب حمارا قد شد عليه برذعة «1» وفي رأسه خلية، فيلقي الرجل في الطريق، فيقول: الطريق قد جاء الأمير! وربما دعاني إلى عشائه، فيقول: دع العراق للأمير. فانظر فإذا هو ثريد «2» بزيت.

61- كان ابن سيرين ينشد:

نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول

62- ويضحك حتى يسيل لعابه.

63- كاتب: ونحن نحمد الله إليك، فإن عقدة الإسلام في قلوبنا صحيحة، وأواخيه ثابتة، ولقد اجتهد قوم أن يدخلوا قلوبنا من مرض قلوبهم، وأن يلبسوا يقيننا بشكهم، فعصم الله منهم، وحال توفيقه دونهم. ولنا بعد مذهب في الدعابة جميل، لا يشوبه أذى ولا قذى، يخرج به من الأنس إلى العبوس، وإلى الاسترسال من القطوب، ويلحقنا بأحرار الناس وأشرافهم الذين ارتفعوا عن لبسة الرياء والتصنع.

64- كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: امنعوا الناس من المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة، وتذهب بالمروءة.

65- أبو رفاعة: أخبرتني زبراء خادم علي عليه السلام، قالت:

وضأت عليا، فلما أراد القيام وضع يده على منكبي، فقال: انظري لا تضرطي يا زبراء.

66- الحسن: ضحك الزمن إنما هو غفلة منه.

(5/122)

67- ناصح الملك أكثر عدوا من الخائن، لأن صديق الملك يعاديه لمنزلته، وعدو الملك يعاديه لنصحه.

68- لا تعدن شتم الملك شتما، ولا أغلاظه إغلاظا، فإن ريح العزة تبسط اللسان بالغلظة في غير بأس ولا سخطة.

69- كان العهد لابن عم المنصور عيسى بن موسى، فأراد أن يكون لابنه المهدي، فمناه حتى سلم الأمر إلى المهدي، وولاه لذلك الكوفة.

فقدم إليه مخنث فقال: ما أحسبك تعرفني حين تفعل في عملي! قال:

بلى والله أيها الأمير، أنت الذي كنت غدا فصرت بعد غد، فخجل، وأمر فسحب من بين يديه.

(5/123)

الباب الحادي والثمانون الموت وما يتصل به من ذكر القبر والنعش والتعزية، والمرثية، والنعي، وغير ذلك

1- ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات لأحدكم الميت فحسنوا كفنه، وعجلوا إنجاز وصيته، وأعمقوا له في قبره، وجنبوه جار السوء. قيل: يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؟ قال: هل ينفع في الدنيا؟ قالوا: نعم، قال: فكذلك في الآخرة.

2- قال ابن المبارك: أحب إلي أن يكفن في ثيابه التي كان يصلي فيها.

3- في وصيته عليه السلام لأبي ذر: زر القبور تذكر بها الآخرة، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى يتحرك قلبك، فإن الجسد الخاوي عظة بليغة، وصل على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فإن الحزين في ظل الله.

4- أبو الدرداء «1» : ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له. فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: وما عند الله خير للأبرار

«2» . ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير

(5/125)

لأنفسهم

«1» .

5- كان عمر رضي الله عنه: إذا سوى على القبر سوى عليه فقال:

اللهم، أسلمه إليك الأهل والولد والمال والعشيرة، وذنبه عظيم فاغفر له.

6- محمد بن سعد المدني: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقبرة، فنادى: يا أهل القبور، ألا أخبركم بما حدث بعدكم، تزوج نساؤكم، وبيعت مساكنكم، وأقتسمت أموالكم، فهل أنتم مخبرون بما عاينتم؟ ثم قال:

ألا إنهم لو أذن لهم في الجواب لقالوا: وجدنا خير الزاد التقوى.

7- كتب على قبر عبد الله بن جعفر:

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب

تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب

8- كانت تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم آجركم الله ورحمكم.

9- خرج علي عليه السلام في ليلة يوم الجمل، ومعه شعلة من نار، يتصفح وجوه القتلى، فعثر على طلحة، فقال: أعزز علي أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء في بطون الأودية! شفيت نفسي، وقتلت معشري، إلى الله أشكو عجري وبجري.

10- نظر الحسن إلى رجل يجود بنفسه، فقال: إن امرأ هذا آخره لجدير أن يزهد في أوله، وأن امرأ أوله لجدير أن يخاف آخره.

11- نظر فيلسوف إلى ميت ينقل، فقال: حبيب ينقله أحباؤه إلى حبس الأبد.

12- عزى رجل رجلا فقال: جعل الله مصيبتك تاريخ ما تخشى ومفتاح ما تحب.

(5/126)

13- معاوية لعمرو بن عتبة: رحم الله أباك، والله لقد لصقت المصيبة بي، وإن كانت قد أخطأتني لقد أصابتني.

14- عمران بن حطان:

يا حمز كيف يذوق الخفض معترف ... بالموت والموت فيما بعده جلل

15- عبد الله الفقير إليه «1» :

حطمتني الخمسون والخمس حطما ... خطمتني إلى المنية خطما «2»

قد ظماني خوف المنية لكن ... خوف ما يعقب المنية أظما «3»

16- عبدة بن الطبيب وكان حبشيا من لصوص الرباب، ولما أسن «4» جمع بنيه وأنشدهم قصيدته التي منها:

وقد علمت بأن قصري حفرة ... غبراء يحملني إليها مرجع

فبكى بناتي شجوهن وزوجتي ... والأقربون إلي ثم تصدعوا «5»

17- أبنت الخنساء «6» أخاها، فقالت: لقد كان كريم الجدين،

(5/127)

واضح الخدين، يأكل ما وجد، ولا يسأل عما فقد.

18- جزعك في مصيبة صديقك أحسن من صبرك، وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك.

19- عزى رجل فتى عن أبيه فلم يجده كما أحب، فقال: يا بني سوء الخلف أضر علينا من فقد السلف.

20- مصيبة استطارت لبي واستطالت على قلبي.

21- دخل عمرو بن العاص على معاوية في مرضه، فقال: أعائدا «1» جئت أم شامتا؟ فقال عمرو: لم تقول هذا؟ فو الله ما كلفتني رهقا، ولا أصعدتني زلفا، ولا جرعتني علقا، فلم استثقل حياتك؟ ولم استبطىء وفاتك فقال معاوية:

فهل من خالد إما هلكنا ... وهل بالموت يا للناس عار

22- دخل ابن الجصاص على أبي إسحاق الزجاج بعد وفاة أمه ضاحكا وهو يقول: الحمد لله يا أبا إسحاق قد والله سرني، فدهش الناس، فقال: بلغني أنه هو الذي، فلما صح أنها هي التي سرني، فضحكوا.

23- اعتلت امرأة ابن مضاء الرازي، فقالت: ويلك، كيف تعمل إن مت؟ فقال: ويلي، كيف أعمل إن لم تموتي؟.

24- أبو مروان: كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها حزنها فهي المصيبة العظمى.

25- عزى محمد بن الوليد بن عتبة عمر بن عبد العزيز بابنه

(5/128)

عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين لو أن امرأ تركت تعزيته لعلمه وتيقظه لكنته، ولكن الله قضى أن الذكرى تنفع المؤمنين.

26- وبئت «1» خيبر فخرج إليها أعرابي بعياله وقال:

قلت لحمى خيبر استعدي ... هاك عيالي فاجهدي وجدي

وباكري بصالب وورد ... أعانك الله على ذا الجند

فحم ومات، وبقي عياله.

27- عزى رجل الرشيد، فقال: آجرك الله على الباقي، ومتعك بالفاني. فقال: ويحك ما تقول؟ وظن أنه غلط، فتلا: ما عندكم ينفد وما عند الله باق

«2» .

28- أبو ذؤيب:

يقولون لي لو كان بالرمل لم يمت ... نبيشة والطراق يكذب قيلها

ولو أن استودعته الشمس لا رتقت ... إليه المنايا عينها أو دليلها

29- قيل لأعرابي: إنك تموت، قال: وإلى أين يذهب بي؟

قالوا: إلى الله، قال ما أكره أن يذهب بي إلى من لم أر الخير إلا منه.

30- قيل للكميت: لم لم ترث أخاك؟ فقال: إن مرثيته لا ترد مرزيته.

31- كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمرو بن عبيد يعزيه عن أبيه: أما بعد فإنا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا، أموات آباء أموات أبناء أموات فالعجب لميت يكتب إلى ميت يعزيه عن ميت.

32- صالح المري: التهنئة بآجل الثواب أولى من التعزية بعاجل المصاب.

(5/129)

33- قال عليه الصلاة والسلام: ما تعدون الرقوب «1» فيكم؟ قالوا:

الذي لا يبقى له ولد. قال: بل الرقوب الذي لم يقدم من ولده شيئا.

34- عزى أبو العيناء «2» رجلا فقال: كان العزاء لك لا بك، والفناء لنا لا لك.

35- قيل لرجل: ما ورثت أختك من زوجها؟ قال: أربعة أشهر وعشرا.

36- استنشد عمر رضي الله عنه متمما «3» مرثية أخيه، فأنشده عينيته، فقال: لو كنت أحسن مثل ما تقول لبكيت أخي، فقال: لو صرع أخي مصرع أخيك لما بكيته، فقال: ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به.

(5/130)

37- عبد الرحمن الأعين القرشي يرثي امرأته:

لعمرك أني يوم زيل بنعشها ... ونفسي معي لم ألقها لصبور

38- أعشى همدان:

فما تزود مما كان يملكه ... إلا حنوطا غداة البين في خرق «1»

وغير نفحة أعواد تشب له ... وقل ذلك من زاد لمنطلق

39- عزى موسى بن المهدي سليمان بن أبي جعفر عن ابن له فقال:

أيسرك وهو بلية وفتنة ويحزنك وهو صلاة ورحمة؟.

40- وقال آخر: كان لك من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات.

41- في الحديث المرفوع: من يرد الله به خيرا يصب منه.

42- عزى شبيب بن شيبة يهوديا: أعطاك الله على مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل ملتك.

43- الأصمعي: هلك ابن لأعرابية، فتبعت جنازته وهي تقول:

رحمك الله يا هيثم، ما كان مالك لبطنك، ولا أمرك لعرسك، وأنت لكما قال:

رحيب ذراع بالتي لا تشينه ... وإن كانت الفحشاء ضاق بها ذرعا

فقلنا: يا أم الهيثم فهل لك منه عوض! قالت: نعم، ثواب الله، ونعم العوض الآخرة من الدنيا.

44- المنصور: اللهم إن كنت تعلم أني قد ارتكبت الأمور العظام جرأة مني عليك، فإنك تعلم أني قد أطعتك في أحب الأشياء إليك شهادة

(5/131)

أن لا إله إلا الله منا منك، لا منا عليك.

45- سأل الشعبي «1» رجلا عن سبب موت أخ له، فقال: عضت فأرة إصبعه فمات، فقال: أشهد أنه لا يرد على الموتى شهيد أنذل من أخيك.

46- كان أبو بكر رضي الله عنه يتمثل كثيرا:

تنفك تسمع ما حيي ... ت بهالك حتى تكونه

والمرء قد يرجو الرجا ... ء مغيبا والموت دونه

47- قيل للحسن: فلان في النزع، قال: وما معنى النزع؟ قالوا:

التقرب إلى لموت. قال: هو في ذلك منذ خلق.

وقيل له في عام وقعت فيه الميلة: أما ترى يا أبا سعيد؟ ما أحسن ما فعل ربنا! أقلع عاص، وأعطى ممسك، ولم يغلط بأحد.

48- نعي الحسن إلى أبي حازم فقال: يرحمك الله أبا سعيد. كنت كالعافية لا يعرف قدرها إلا بعد فراقها.

49- عمر بن عبد العزيز: ألا ترون أنكم من الدنيا في أسلاب الهالكين، وسيسلبها بعدكم الباقون، حتى يرث ذلك خير الوارثين.

50- بكى الخولاني عند موته، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لطول السفر وقلة الزاد، وقد سلكت عقبة فما أدري إلى أين يهبط بي، وإلى أي المكانين أسقط.

51- مات ابن لمسلم بن يسار، فقال: شغلني يا بني الحزن لك عن الحزن عليك.

52- مات عبد الله بن مطرف فخرج مطرف في ثياب حسنة وقد

(5/132)

أدهن، فأنكروا عليه، فقال: أفأستكين لها؟ وقد وعدني عليها ربي ثلاثا، إحداها أحب إلي من الدنيا وما فيها، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.

53- الحسن: دفنا صالحا لنا فمددنا على القبر ثوبا، فجاء صلة بن أشيم العدوي فرفع الثوب ونادى: يا فلان.

إن تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا أخالك ناجيا

54- أبو عبيدة الخواص قال عند قبر: حتى متى تشيع غاديا أو رائحا إلى ربه؟ تجعله في لحد وتحثى عليه التراب، أم والله لتكوننه عن قريب.

55- ابن المعتزض؛ الموت باب الآخرة.

56- كان الربيع بن خثيم يخرج إلى القبور بالليل، فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا.

57- مالك بن مغول: بلغني أن أول سرور يدخل على المؤمن الموت، لما يرى من كرامة الله.

58- فضيل «1» : ما الموت فيما بعده إلا كركضة عنز.

59- قيل لإبراهيم: كيف وجدت الموت؟ قال: كأن النفس تنزع بالسلا «2» ، قبل: قد رفقنا بك يا إبراهيم.

60- دخل ملك الموت على داود عليه السلام، قال: من أنت؟

قال: من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشى.

قال: فإذن أنت ملك الموت، ولم استعد بعد، قال: يا داود، أين فلان جارك؟ أين فلان قرينك؟ قال: مات. قال: أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟.

(5/133)

61- كتب أحمد بن يوسف الكاتب إلى عمرو بن سعيد بن مسلم يرثي ببغاء ماتت له:

عجبا للمنون كيف أتتها ... وتخطت عبد الحميد أخاكا

شملتنا المصيبتان جميعا ... فقدنا هذه ورؤية ذاكا

62- لما بلغ معاوية موت الحسن بن علي رضي الله عنه، سجد معاوية وسجد من حوله شكرا. فدخل عليه ابن عباس فقال له: يا ابن عباس أمات أبو محمد؟ قال: نعم، وبلغني سجودك، والله يا ابن آكلة الكبود لا يسدن حسدك إياه حفرتك، ولا يزيد إنقضاء أجله في عمرك.

63- عائشة رضي الله عنها: لما مات عثمان بن مظعون «1» كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه، فقبل ما بين عينيه، وبكى طويلا. فلما رفع على السرير قال: طوباك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها.

64- بينما حسان جالس وفي حجره صبي له يطعمه الزبد والعسل إذ شرق الصبي بهما، فمات، فقال:

اعمل وأنت صحيح مطلق مرح ... ما دمت يا مغرور في مهل

يرجو الحياة صحيح ربما كمنت ... له المنية بين الزبد والعسل

65- في الحديث المرفوع: مثل ابن آدم وإلى جنبه تسع وتسعون منية، فإذا انفلت منها وقع في الهرم إلى أن يموت.

(5/134)

66- عزى رجل سليمان بن عبد الملك فقال: إن رأيت أن تعجل ما أخرته العجزة فتريح نفسك وترضى ربك فافعل.

67- قيل لأعرابي: ما سبب موت أبيك؟ قال: كونه.

68- دخل على المأمون في مرض موته، فإذا هو قد فرش له جل «1» الدابة، وبسط عليه الرماد، وهو يتمرغ عليه ويقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه.

69- قال عمرو بن العاص عند احتضاره لابنه: من يأخذ هذا المال بما فيه؟ قال: من جدع الله أنفه، فقال: احملوه إلى بيت مال المسلمين. ثم دعا بالغل والقيد، فلبسهما ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن التوبة مبسوطة ما لم يغرغر ابن آدم بنفسه، ثم استقبل القبلة فقال: اللهم إنك أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فارتكبنا، هذا مقام العائذ بك فأهل العفو أنت، وإن تعاقب فبما قدمت يداي، سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين. فمات وهو مغلول مقيد. فبلغ الحسن بن علي فقال: استسلم الشيخ حين أيقن بالموت، ولعلها تنفعه.

70- وقال المنصور حين احتضر: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة.

وقال المعتصم، وجعلوا يهونون عليه: هان على النظارة ما يمر بظهر المجلود.

71- عائشة رضي الله عنها: لا أغبط بهون الموت أحدا بعد الذي رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

72- مطرف «2» : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيما لا موت فيه.

(5/135)

73- أبو حازم: انظر العمل الذي يسرك أن يأتيك الموت وأنت عليه فخذه الساعة.

74- ندب رسطاليس الإسكندر فقال: كان أمس يعظنا بكلامه، وهو اليوم يعظنا بسكوته.

75- في الحديث المرفوع: لو أن الطير والبهائم تعلم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا.

76- في مرثية أعشى باهلة للمنتشر بن وهب الباهلي، وهي التي قال الأصمعي ليس في الدنيا مثلها:

فإن جزعنا فمثل الخطب أجزعنا ... وإن صبرنا فإنا معشر صبر

أما سلكت سبيلا أنت سالكها ... فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر

77- عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام:

يا حسرتا من مصيبة عظمت ... أبناء عوف ومالك هلكوا

خلوا فجاجا علي فانخرقت ... لم يستطع سدهن من تركوا

78- في الحديث المرفوع: لا يتمن أحدكم الموت إلا من وثق بعمله.

- وعنه عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات، وروي عليه كآبة، وأكثر حديث النفس.

79- قيل لإبراهيم بن أدهم: ألا تتبع الجنازة؟ قال: لا أجد صاحبا، إنما صاحبي من يأخذ بعضدي ويقول انتبه فانظر إلى رأس أخيك كيف يبقى على السرير.

80- حاتم الأصم: اتباع الجنائز فضيلة، والصلاة عليها سنة، ومداواة القلب بها فريضة.

(5/136)

81- سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة: من هذا؟ قال: أنت، وإن كرهت فأنا.

82- سمع الحسن امرأة تبكي خلف جنازة وتقول: يا أبتاه مثل يومك لم أره، فقال لها: بل أبوك مثل يومه لم يره.

83- مكحول كان إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون.

84- وكان مالك بن دينار يقول: سبحان الذي لا يموت.

85- ثوبان رفعه: من شيع جنازة فأخذ بجوانب السرير الأربعة غفر له أربعون ذنبا كلها كبيرة.

86- ابن شوذب: الطلعت امرأة في لحد، فقالت لامرأة معها: ما هذا؟ فقالت: كندوج العمل، تعني خزانة العمل، فكانت تعطيها الشيء وتقول: اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.

87- ابن عباس: أرحم ما يكون الرب لعبده إذا أدخل قبره، وتفرق عنه أهله.

88- عمرو بن ميمون: افتتحنا مدينة بفارس، فدللنا على مغارة فيها بيت، فيه سرير من ذهب، عليه رجل، عند رأسه لوح مكتوب فيه: أنا بهرام بن بهرام «1» ملك فارس كنت أعتاهم بطشا، وأقساهم قلبا، وأطولهم أملا، وأحرصهم على الدنيا، فدوخت البلاد، وقتلت الملوك، وهزمت الجيوش، وأذللت المقاول، وجمعت من الدنيا ما لم يجمعه أحد قبلي، ولم استطع أن أفتدي به من الموت إذ نزل بي.

89- قال أبو بلال: كل ميتة ظنون إلا ميتة البلجاء «2» . قيل: وما ميتة

(5/137)

البلجاء؟ قال: أخذها زياد فقطع يديها ورجليها، فيقل لها: كيف ترين يا بلجاء؟ قالت: قد شغلني هول المطلع عن برد حديدكم هذا. وهي من نساء الخوارج.

90- الأصمعي: أول من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر. كنا في حلقة يونس فجاء خلف فسلم وقال: قد طرقت ببكرها أم طبق. فقال يونس: وماذا يا أبا محرز؟ فقال: فنتجوها خبرا ضخم العنق، فقال: لم أدر بعد، فقال: موت الإمام فلقة من الفلق. فارتفعت الضجة بالاسترجاع «1» .

91- ابن الرومي:

يا حر صدري على ثلاثة أموا ... هـ أريقت في الترب والمدر

ماء شباب ونعمة مزجا ... بماء ذاك الحياء والخفر

92- عزى أبو بكر عمر رضي الله عنهما عن ولد فقال: عوضك الله منه ما عوضه منك. يعني: عوضه الله منك ما هو خير منك وهو جوار الله، فعوضك منه ما هو خير منه وهو ثواب الله.

93- سكرات الموت به محدقة، وعيون الأمل به محدقة.

94- لا أراك الله بعد مصيبتك ما ينسيها.

95- يحيى بن خالد: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.

96- مات عكرمة «2» مولى ابن عباس وكثير عزة في وقت واحد، وصلى عليهما عمارة بن خزيمة بن ثابت. ودفنا في مكان واحد. فقال:

(5/138)

اللهم كما جمعت بينهما في زيارة القبور فلا تفرق بينهما يوم النشور «1» .

فما بقي في المدينة أحد إلا استحسن كلامه.

97- لما احتضر إبراهيم عليه السلام قال: هل رأيت خليلا يقبض روح خليله؟ فأوحى الله إليه: هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟ قال:

فاقبض روحي الساعة.

98- نصر بن سيار «2» : كل شيء يبدو صغيرا ثم يكبر، إلا المصيبة فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.

99- ابن المعتز: إذا كثر الناعي إليك كثر الناعي بك.

100- وقال نادب الإسكندر: مالك لا تقل عضوا من أعضائك؟

وكنت تستقل بملك العباد والبلاد.

101- وقال رئيس الطباخين: قد نضدت النضائد، وألقيت الوسائد، ونصبت الموائد، ولست أرى عميد المجلس.

102- وقف علي عليه السلام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إن الجزع لقبيح إلا عليك، وأن الصبر لجميل إلا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإما بعدك وما قبلك جلل.

ثم قال:

(5/139)

ما غاص دمعي عند نازلة ... إلا جعلت للبكا سببا

فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون ففاض وانسكبا

إني أجل ثرى حللت به ... من أن أرى بسواه مكتئبا

ورويت لمعقل بن عيسى العجلي أخو أبي دلف في جارية توفيت له.

103- مطر بن عكاش رفعه: إذا قضى الله لرجل أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، وأنشد:

إذا ما حمام المرء كان ببلدة ... دعته إليها حاجة فيطير

104- عزى شبيب بن شيبة المهدي عن أمته فقال: والله، الله خير لها منك، ولثواب الله خير لك منها، وإن أحق ما صبر عليه ما لم يستطع دفعه.

105- وعزى آخر عن ولده فقال: وهبه الله لك فحملت مؤنه وتكاليفه فهنيت به، وقبضه فرفع عنك مؤنه وتكاليفه فعزيت عنه، ولو عمل على الحق لعزيت عما هنيت به، وهنيت بما عزيت عنه.

106- نعيت إلى ابن عباس بنت له في طريق مكة، فنزل عن دابته فصلى ركعتين، ثم رفع يديه وقال: عورة سترها الله، ومؤونة كفاها الله، وأجر ساقه الله. ثم ركب ومضى.

107- ماتت لبعض ملوك كندة بنت، فوضع بدرة»

بين يديه وقال:

من أبلغ في التعزية فهي له. فدخل أعرابي فقال: عظم الله أجر الملك، كفيت المؤونة، وسترت العورة، ونعم الختن القبر. فقال: أبلغت وأوجزت. وأعطاه البدرة.

108- توفيت أم قاضي بلخ، فقال له حاتم الأصم: إن كانت وفاتها

(5/140)

عظة لك فعظم الله أجرك على موت أمك، وإن لم تتعظ بها فعظم الله أجرك على موت قلبك.

وقال: له: أيها القاضي، منذ كم تحكم بين عباد الله؟ قال: منذ ثلاثين سنة، قال: هل رد الله عليك حكما؟ قال: لا، قال: فإن الله لم يرد أحكامك في ثلاثين سنة وترد حكما واحدا حكمه عليك.

109- رأى الحجاج في منامه أن عينيه قلعتا، فطلق هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة. فلم ينشب أن جاءه نعي محمد أخيه يوم مات إبنه محمد. فقال: والله هذا تأويل رؤياي من قبل، إنا لله وإنا إليه راجعون. محمد ومحمد في يوم واحد! ثم أنشأ يقول:

حسبي حياة الله من كل ميت ... وحسبي بقاء الله من كل هالك

110- وقال الفرزدق:

إن الرزية لا رزية مثلها ... فقدان مثل محمد ومحمد

111- مر الاسكندر بمدينة ملكها سبعة وبادوا، فسأل: هل بقي من نسلهم أحد؟ فقالوا: بقي واحد هو في المقابر، فدعا به وقال: لم تلزم المقابر؟ قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال له: هل لك أن تتبعني حتى أبلغ بك بغيتك؟ قال: بغيتي حياة لا موت معها، فهل تقدر عليها؟ قال: لا، قال: فدعني أطلبها ممن يقدر عليها.

112- أبو عارم الكلابي:

أجازعة ردينة أن أتاها ... نعيي أم يكون لها اصطبار

إذا ما أهل قبري ودعوني ... وراحوا والأكف بها غبار

وغودر أعظمي في لحد قبر ... تراوحه الجنائب والقطار

(5/141)

تهب الريح فوق محط قبري ... ويرعى حوله اللهق النوار «1»

مقيما لا يكلمني صديق ... بقفر لا أزور ولا أزار

فذاك النأي لا الهجران حولا ... وحولا ثم تجتمع الديار

113- للإنسان عند الإشراف على الموت حركة من حدوث قوة، نحو ما يعرض للسراج عند انطفائه من حركة سريعة، وضياء ساطع، وتسميها الأطباء النعشة الأخيرة.

114- ولعبد الله الفقير إليه «2» :

قولا لشيخ هز من عطفه ... أن نعشته دولة زاهرة

لا تغترر فالمرء يرمى به ... في النعش بعد النعشة الآخرة

115- جزع الرشيد على حظية «3» ماتت له، فقال مضحك له: ما هذا الجزع الشديد؟ قال: أما ترى ما ابتليت به؟ ما أحب أحدا إلا مات. قال: فاحببني حتى أموت، قال: أن الحب ليس بشيء يصنع، وتسوقه الأسباب، قال: قل أنا أحبك، فقال: فحم ومات.

116- قال الحجاج حين أرجف «4» الناس بموته عند موت المحمدين: قالوا مات محمد بن الحجاج، ومحمد بن يوسف، والحجاج ميت. فمات الحجاج فمه! والله ما رضي الله البقاء إلا لأهون خلقه عليه إبليس، فانظره إلى يوم يبعثون. والأسوة برسول الله والتابعين من أولياء الله أحب إلي من الأسوة بإبليس.

117- وقف رجل من ولد أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على قبر الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: أما أن أقدامكم قد نقلت

(5/142)

وأعناقكم قد حملت إلى هذا القبر وليا من أولياء الله، ليسر نبي الله بمقدمه، وتفتح أبواب السماء لروحه، وتبتهج الحور العين بلقائه، وبشر به سيدات نساء الجنة من إمهاته، ويوحش أهل الحي والدين فقده. رحمة لله عليه، وعند الله تحتسب المصيبة.

118- عزى رجل عمر بن عبد العزيز فقال:

تعز أمير المؤمنين فإنه ... لما قد ترى يغذي الصغير ويولد

هل ابنك إلا من سلالة آدم ... لكل على حوض المنية مورد

فقال: ما عزاني أحد بمثل تعزيتك.

119- جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أصبت بمصيبة فما وقع بقلبي شيء مما عزيت به، حتى دخل علي مجوسي فقال: انظر ما كنت تعزي به الناس فعز به نفسك واحتسب.

120- عزى حبيب بن درواس جعفر بن سليمان عن أخيه محمد فقال: انظر مصيبتك في نفسك تنسك فقد غيرك، واذكر قول الله تعالى لنبيه: إنك ميت وإنهم ميتون

«1» ، وخذ بقول ابن أراكة الطائي:

تفكر فإن كان البكا رد هالكا ... على أحد فاجهد بكاء على عمرو

ولا تبك ميتا بعد ميت أجنه ... علي وعباس وآل أبي بكر

121- عزت أعرابية قوما فقالت: جافى الله عن ميتكم الثرى، وأعانه على طول البلى، وآجركم ورحمه.

122- أعرابي: إن المؤمن بعرض خبر تستبشر به السماء، وترحب به الأرض، ولن يساء إليه في بطنها وقد أحسن على ظهرها.

123- الثوري: ينبغي لمن كان له عقل إذا أتى عليه عمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهيأ كفنه.

(5/143)

144- أخبر الحسن بموت الحجاج فقال: اللهم إنه عقيرك وأنت قتلته، فاقطع سنته وأعماله الخبيثة. ودعا عليه.

125- أم سلمة: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: قولي اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبا حسنا. فقلت ذلك، فأعقبني الله منه من هو خير منه رسول الله.

126- عقبة بن عامر: لأن أطأ على جمرة حتى تبرد، أو على حد سيف حتى تنقطع قدمي أحب إلي من أن أمشي على قبر رجل مسلم، وما أبالي في القبور قضيت حاجتي أو في السوق بين ظهراني الناس.

127- في الحديث المرفوع: كسر عظم المؤمن بعد مماته ككسره في حياته.

128- زيد بن أسلم: لقد كانت تمضي في الزمن الأول أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة.

129- مات ابن للرضا فقال أبو العيناء: يا ابن رسول الله، أنت تجل عن عظتنا، وقدرك تقصر عنه صفتنا، وفي علمك بكتاب الله ما كفاك، وفي رسول الله ما عزاك، وفي ثواب الله ما أسلاك.

130- خليد في المنذر بن الجارود:

أقول لما حملوا نعشه ... ما يعلم النعش ولا الحاملون

ما حملوا من حسب ثاقب ... ونائل جزل وجد ولين

131- الربيع بن ضبيع الفزاري:

سيدركني ما أدرك المرء تبعا ... ويغتالني ما أغتال أنسر لقمان

وأفنى ويبقى منطقي بعد أزمن ... وكل امرىء إلا أحاديثه فان

132- المكعبر الضبي:

وتنفر من عمرو ببيداء ناقتي ... وما كان ساري الليل ينفر من عمرو

(5/144)

لقد حببت عندي الحياة حياته ... وحبب سكني القبر سكناه في القبر

133- عبد الله بن عباس في موت الحسن بن علي:

أصبح اليوم ابن هند آمنا ... ظاهر النخوة إذ مات الحسن

ارتع اليوم ابن هند قامصا ... إنما يقمص بالعير السمن «1»

134- علي عليه السلام: فاتقى عبد ربه، نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به، يزين له المعصية ليركبها، ويمينه التوبة ليسوفها، حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها.

135- وعنه رضي الله عنه: لقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت كفه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني؛ ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سعي هنيمة منهم، يصلون عليه، حتى واريناه في ضريحه.

- وعنه: كانوا قوما من أهل الدنيا وليسوا من أهلها، فكانوا فيها كمن ليس فيها، يرون أهل الدنيا يعظمون موت أجسادهم، وهم أشد إعظاما لموت قلوب أحيائهم.

- وعنه: من ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط أجره.

136- قال هرم بن حيان لأويس القرني: أوصني. قال: توسد الموت إذا نمت، واجعله نصب عينيك إذا قمت.

137- قال عبد الله بن مرزوق لسلامة: يا سلامة لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تحملني وتطرحني على المزبلة لأموت عليها، فلعله يرى مكاني فيرحمني.

138- ميمون بن مهران: شهدت جنازة ابن عباس بالطائف، فلما

(5/145)

وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى وقع على أكفانه، ثم دخل فيها، فالتمس فلم يوجد. فلما سوي عليه سمعنا من يسمع صوته ولا يرى شخصه: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي

«1» .

139- حاطب بن قيس بن هبشة يرثي عمرو بن حمحمة الدوسي:

سلام على القبر الذي ضم أعظما ... تحوم المعالي حوله وتسلم

سلام عليه كلما ذر شارق ... وما امتد قطع من دجى الليل مظلم «2»

فيا قبر عمرو جاد أرضا تعطفت ... عليك ملث دائم القطر مرزم «3»

140- وقال عتيك بن قيس المدني يرثيه:

برغم العلى والمجد والجود والندى ... طواك الردى يا خير حاف وناعل

لقد غال صرف الدهر منك مرزأ ... نهوضا بأعباء الأمور الأثاقل

يضم العفاة الطارقين فناؤه ... كما ضم أم الرأس شعب القبائل «4»

ويسر ودجى الهيجا مضاء عزيمة ... كما كسف الاصباح طرق الغياطل «5»

ويستهزم الجيش العرمرم باسمه ... وإن كان جرارا كثير الصواهل

ويمضي إذا ما النقع مد رواقه ... على الروع وارفضت صليل العوامل «6»

141- العيزار بن الأخنس السنبسي، وسنبس من طيء:

(5/146)

إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام خيارها

جزى الله زيدا كلما ذر شارق ... وأسكن من جنات عدن قرارها

142- أبو الهيذام العقيلي:

وما زال حكم البيض والسود نافذا ... بأمر الردى في أنفس البيض والسود

فللثكل ترخي حملها كل حامل ... وللموت يغذو والد كل مولود

143- القاسم بن طوق بن مالك التغلبي يشمت بموت الفضل بن مروان:

أبا العباس صبرا واعترافا ... بما يلقى من الظلم الظلوم

رزقت سلامة فبطرت فيها ... وكنت تخالها أبدا تدوم

لقد ولت بدولتك الليالي ... وأنت ملعن فيها ذميم

وزالت لم يعش فيها كريم ... ولا استغنى بثروتها عديم

فبعدا لا إنقضاء له وسحقا ... فغير مصابك الحدث العظيم

144- محمد بن مناذر في مرثية عبد المجيد بن عبد الوهاب الثقفي، وهي إحدى المراثي المبرزات، وهي نحو من ثلاثمائة بيت:

ما درى نعشه ولا حاملوه ... ما على النعش من عفاف وجود

145- محمد بن هارون بن مخلد:

كأني بإخواني على حافتي قبري ... يهيلونه فوقي وأدمعهم تجري

فيا أيها المذري علي دموعه ... ستعرض في يومين عني وعن ذكري

عفا الله عني يوم أترك ثاويا ... أزار فلا أدري وأجفا فلا أدري

146- طلب يعقوب بن الربيع أخو الفضل بن الربيع جارية اسمها ملك سبع سنين، باذلا فيها ماله وجاهه حتى ملكها، فماتت بعد ستة أشهر، فأنفذ شعره في مراثيها، فمن ذلك قوله:

بليت ملك في التراب فأب ... لاني بلاها وذكر ملك جديد

(5/147)

ينقص الوجد كلما قدم العه ... د ووجدي في كل يوم يزيد

147- الفرزدق في امرأة له ماتت حاملا.

وجفن سلاح قد رزيت فلم أنح ... عليه ولم أبعث عليه البواكيا

وفي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أرجأته ليالي

148- أخت طرفة ترثيه:

عددنا له ستا وعشرين حجة ... فلما توفاها استوى سيدا ضخما

فجعنا به لما رجونا إيابه ... على خير حال لا وليدا ولا قحما

149- أبو الزبرقان الكاتب يرثي أبا تمام:

خبر أتى من أعظم الأنباء ... لما ألم مقلقلا أحشائي

قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ... ناشدتكم لا تجعلوه الطائي

150- لما احتضر معاوية رفع يديه وقال:

هو الموت لا منجى من الموت والذي ... أحاذر بعد الموت أدهى وأفظع

ثم قال: اللهم فأقل العثرة، واعف عن الزلة، وعد بعفوك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، يا واسع المغفرة والرحمة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة، يا أرحم الراحمين.

فبلغ سعيد بن المسيب فقال: لقد وفق عند الموت، فإن ينج أبو عبد الرحمن من النار غدا فهو الرجل الكامل. وما أخوفني عليه!.

151-[شاعر] :

سروران مالهما ثالث ... حياة البنين وموت البنات

152- ماتت لرجل بنت فقال: عزوني لتعاهدوا السنة، وهنوني أن تقدم بعض إلى الجنة.

(5/148)

153- حفر ثابت البناني قبره، فكان يختلف إليه، يقرأ فيه ويصلي حتى مات.

154- قال عبد الملك عند موته: يا وليد، لا أعرفنك إذا أنا مت تجلس وتعصر عينك، وتخن كما تخن الأمة الوكعاء «1» ، لكن ائتزر وشمر وألبس جلد النمر، وضعني في حفرتي، وخلني وشأني، وعليك وشأنك.

وادع الناس إلى بيعتك، فمن قال بوجهه هكذا فقل بسيفك هكذا. ثم بعث إلى محمد وخالد ابني يزيد بن معاوية، فقال لهما: هل بكما من ندامة على بيعة الوليد؟ قالا: ما نعرف أحق بالخلافة منه. قال: أولى لكما! والله لو قلتما غير ذلك لأخذت الذي فيه أعينكما، ثم رفع ثني فراشه فإذا سيف مجرد، ونفسه تتردد في حنجرته، وهو يقول: الحمد لله الذي لا يبالي أصغيرا أخذ من خلقه أم كبيرا، حتى فاضت نفسه.

155- ودخل الوليد ومعه بناته يبكين عليه، فتمثل:

ومستخبر عنا يريد بنا الردى ... ومستخبرات والعيون سواجم «2»

وكان الطبيب قد حماه الماء، فقال: اسقوني شربة وإن كانت فيها نفسي، فسقوه فمات.

156- ابن عمر رفعه: ما حق امرىء مسلم له مال يوصي فيه أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، وكانت وصية ابن عمر لا تفارق جيبه.

157- وعن ابن عمر: توشك المنايا تسبق الوصايا.

158- جابر رفعه الذي يوصي عند الموت كالذي يقسم ماله عند الشبع.

(5/149)

159- ابن عباس رضي الله عنه: الضرار في الوصية من الكبائر.

160- معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه: من حضرته الوفاة فأوصى، وكانت وصيته على كتاب الله، كانت كفارة لما ترك من زكاته في حياته.

161- الفضل بن عباس: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم موعكا قد عصب رأسه، فأخذت بيده حتى جلس على المنبر، ثم قال: ناد في الناس، فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإنه قد دنا مني خفوق من بين أظهركم، من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقدمني «1» ، ومن كنت شتمت له عرضا فليسقدمني، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ولا يقل أحد أني أخشى الشحناء من رسول الله، ألا أن الشحناء ليست من طبيعتي ولا شأني. ألا وان أحبكم إلي من أخذ حقا إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيبة نفسي، وقد أرى أن هذا غير مغن عني حتى أقوم فيكم مرارا.

وذكر أنه رجع فقال مثله، وأن رجلا ذكر أن له عليه ثلاثة دراهم فقضاها. وأن عكاشة بن محصن قال: رفعت قضيبك الممشوق لتضرب العضباء «2» ، وأنا بقربك، فأصابني، فأتى به فقال: يا هكاشة فاقتص مني قبل القصاص يوم القيامة، فكرر قوله فضوح الدنيا أهون من فضوح يوم القيامة، فقال: ضربتني وأنا عريان، فألقى جبة من صوف كانت عليه، فخر عليه يقبله ويمرغ عليه وجهه ويقول: أعوذ بهذا البطن من النار.

فقال: يا عكاشة أعاذك الله من النار. ثم قال: عفوت عنك يا رسول الله،

(5/150)

فقال عفا الله عنك كما عفوت عن نبيه.

162- اجتمع الحسن والفرزدق في جنازة النوار بنت أعين بن ضبيعة امرأته، فقال الفرزدق: يقولون فيها خير الناس وشر الناس. فقال الحسن: لست أنا بخير الناس، ولا أنت بشر الناس، ثم قال له: يا أبا فراس ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: هذا العمود فأين الطنب «1» ؟ فقال الفرزدق:

أخاف وراء القبر إن لم تعافني ... أشد من القبر التهابا وأضيقا

إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى الموت مغلول القلادة أزرقا

فبكى الحسن حتى بل كمه.

163- عثمان رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة. قال: وثلاثة، قلنا:

واثنان، قال: واثنان. ولم نسأله عن واحد.

164- ثوبان: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأى ناسا ركوبا، فقال: ألا تستحيون؟ إن ملائكة الله يمشون على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب.

165- أنس: شكا رجل إلى رسول الله قسوة قلبه، فقال: اطلع على القبور، واعتبر بالنشور «2» .

166- عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه. وكان عثمان إذا وقف على قبر بكى ما لا يبكى عند ذكر الجنة والنار. فقيل له، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(5/151)

القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده شر منه.

167- مر عبد الله بن عمر بمقبرة فصلى ركعتين، وقال: ذكرت أهل القبور، وأنهم حيل بينهم وبين هذا، فأردت أن أتقرب بهما إلى الله تعالى.

168- البراء «1» رفعه: في قوله تعالى: لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش

«2» ، يكسى الكافر في قبره لوحين من نار.

169- معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي قال: أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبرائيل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق، فقال: يا محمد، من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام رسول الله يجر ثوبه مبادرا إلى سعد بن معاذ، فوجده قد قبض.

170- قال جابر: ولما وضع سعد في قبره سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه، ثم كبر فكبروا معه. فقالوا: يا رسول الله لم سبحت؟ قال:

هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عليه.

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك، فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول.

171- وعن عائشة رفعته: إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ.

172- وروى أنس: لو أن بني آدم علموا كيف عذاب القبر ما نفعهم العيش في الدنيا، فنعود بالله من عذاب القبر.

(5/152)

173- الإنسان ينسى حمامه ويريد أن يفجر أمامه.

174- محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمهما الله.

ومتعب النفس مرتاح إلى بلد ... والموت يطلبه في ذلك البلد

175- الموت قانص لا يشوى.

قيل للحجاج، وقد أشرف على الموت، وهو على الإسراف: ما تجزع من الموت؟ قال: إن كنت مسيئا فليست ساعة جزع، وإن كنت محسنا فليست ساعة فرح.

176- من يزف كريمته إلى القبر فقد بلغ أمنيته من الصهر.

177- استسلم لأمر الله فيما ذهب، واشكره على ما وهب.

178- الحسن: ما من يوم ألا تصفح ملك الموت وجوه الناس فيه خمس مرات، فمن رآه على لهو ولعب، أو معصية، أو رآه ضاحكا حرك رأسه وقال: مسكين هذا العبد، ما أغفله عما يراد به! ثم قال: اعمل ما شئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك «1» .

179- معاوية: أتتنا عجوز دهرية نسألها فقالت: حدثني أشياخ لنا أن الميت إذا وضع في قبره اعتورته «2» أربع نيران، فتجيء الصلاة فتطفىء واحدة منها، ويجيء الصوم فيطفىء واحدة، ويقول: لو أدركتهن لأطفأت كلهن، ولكن أنا لك وأمامك.

180- قعد أبو حازم المدني على شفير قبر، فقال لصاحبه: ماذا ترى؟ فقال: أرى حفيرة يابسة وجنادل «3» صما. فقال: أما والله لتمهدنه

(5/153)

لنفسك أو لتكونن معيشتك فيه ضنكا.

181- حاتم الأصم: ما من صباح إلا ويقول الشيطان لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وأين تسكن؟ فأقول له: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر.

182- الصاحب في تعزية عن بنت: لئن كانت الأيام قد فجعتك من المتوفاة بمن يوحش الخدور، فقد تجافت لك من ذكورة الولد عمن يؤنس الصدور.

183- معاذ بن جناب اليربوعي، وعاش مائة وأربعين سنة:

للموت ما يغذى وللموت قصرنا ... ولا بد من موت وإن نفس العمر

فمن كان مغرورا بطول حياته ... فإني كفيل أن سيصرعه الدهر

وليس بباق إن سألت ابن مالك ... على الدهر إلا من له الدهر والأمر

184- قال مسلم بن عبد الملك: ما وعظني إلا عمران بن حطان في قوله:

أفي كل عام مرضة ثم نقهة ... وتنعي ولا تنعى فكم ذا إلى متى

فقال له معاوية الصوفي: أما أنا فقد سمعته أمات الموت وما أماته شاعر قبله، حيث يقول:

لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فإن إذا ما جاءه الأجل

وكل شيء أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل

185- الأمير نصر بن أحمد عند وفاة أخيه أبي الأشعث:

يعزي المعزي ثم يمضي لشأنه ... ويبقى المعزى في أحر من الجمر

ويسلو المعزي عن قليل كغيره ... ويبقى المعزى عنه في وحشة القبر

186- كان بعض الصالحين إذا مات له حميم يقول: كدت والله أكون السواد المختوم.

(5/154)

187- قيل لحسان «1» : مالك لم ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لأني لم أر شيئا إلا رأيته يقصر عنه.

188- كان عبد الملك يكرم كثيرا على ما يعلم من رأيه، وكان علوي الرأي، فلما مات دخل كثير على ولده وهم يقتسمون ميراثه، فلم يلتفتوا إليه، فخرج وهو يقول:

أضحت رثاث ابن مروان مقسمة ... في الأقربين بلا حمد ولا ثمن

ورثتهم فتعزوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن

189- قال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: يا رجاء إذا وضعتني في لحدي فاكشف الثوب عن وجهي، فإن رأيت خيرا فاحمد الله، وإن رأيت غير ذلك فاعلم أن قد هلك عمر. فلما دفناه كشفت عن وجهه، فرأيت نورا ساطعا فحمدت الله، وعلمت أنه قد صار إلى خير.

190- ماتت بنت لعمر بن عبد العزيز فأتاه الناس، فقال لحاجبه:

قل لهم إنا لا نعزى على البنات والأخوات فارجعوا.

191- رجاء بن حيوة: دخلت على عمر حين احتضر، فقال: يا رجاء إني أرى وجوها كراما ليست بوجوه إنس ولا جان، وهو يقلب طرفه يمينا ويصعده ويحدره «2» ، ثم رفع يديه فقال: اللهم ربي، أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، فإن عفوت فقد مننت، وإن عذبت فما ظلمت، إلا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك المصطفى، ورسولك المرتضى، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فعليه السلام والرحمة. ثم قضى رحمه الله.

192- كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا وقف على قبر قال: ألا أراك ضيقا؟ ألا أراك مظلما؟ لئن سلمت لأتأهبن لك أهبتك.

(5/155)

192- عن كثير بن زيد: كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره، ثم اشتكى فاشتد وجعه، فقلت: لأحضرنه ولأنظرن ما يتكلم به، فإذا هو يهمهم ويقول: لا إله إلا أنت، أحبك وأخشاك، حتى مات.

194- أسماء بنت عميس «1» : أنا لعند علي بن أبي طالب بعد ما ضربه ابن ملجم، إذ شهق شهقة ثم أغمي عليه، ثم أفاق فقال: مرحبا، مرحبا، الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة، فقيل له: ما ترى؟

قال: هذا رسول الله، وأخي جعفر، وعمي حمزة، وأبواب السماء مفتحة، والملائكة ينزلون يسلمون علي ويبشرون، وهذه فاطمة قد طاف بها وصائفها من الحور، وهذه منازلي في الجنة. لمثل هذا فليعمل العاملون.

195- ووقف على قبره رجل من ولد حاجب بن زرارة «2» فقال: لقد كانت حياتك مفتاح خير ومغلاق شر، ووفاتك مفتاح شر ومغلاق خير. ولو أن الناس قبلوك بقولك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا فانتقض الأمر كما ينتقض الحبل عن مزايره.

196- جعل معاوية لجعدة بنت الأشعث امرأة الحسن مائة ألف حتى

(5/156)

سمته، ومكث شهرين وأنه ليرفع من تحته كذا طستا من دم. وكان يقول:

سيقت السم مرارا ما أصابني فيها ما أصابني في هذه المرة، لقد لفظت كبدي فجعلت أقلبها بعود كان في يدي. وقد رثته جعدة بأبيات منها:

يا جعد بكيه ولا تسأمي ... بكاء حق ليس بالباطل

إنك لن ترخي على مثله ... سترك من حاف ولا ناعل

وخلف عليها رجل من قريش فأولدها غلاما، فكان الصبيان يقولون له: يا ابن مسممة الأزواج.

ولما كتب مروان بشكاته إلى معاوية بشكاته، كتب إليه: أن أقل المطي إلي بخبر الحسن، ولما مات وبلغه موته سمع تكبير من الخضراء، فكبر أهل الشام لذلك التكبير. وقالت فاختة بنت قرط لمعاوية: أقر الله عينك يا أمير المؤمنين، ما الذي كبرت له؟ قال: مات الحسن، قالت:

أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ قال: والله ما كبرت شماتة لموته، ولكن استراح قلبي وصفت لي الخلافة.

وكان ابن عباس بالشام، فدخل عليه وقال له يا ابن عباس هل تدري ما حدث في أهل بيتك؟ قال: لا أدري ما حدث إلا أني أراك مستبشرا ومن يطيف بك وقد بلغني تكبيرك وسجودك. قال: مات الحسن.

قال: إنا لله، رحم الله أبا محمد، ثلاثا. ثم قال: والله يا معاوية أنه لا يسد جسده حفرتك، ولا يزيد يومه في عمرك، ولئن كنا أصبنا بالحسن لقد أصبنا بإمام المتقين، وخاتم النبيين، فسكن الله تلك العبرة، وجبر تلك المصيبة، وكان الله الخلف علينا من بعده.

وقال لأخيه الحسين: إذا أنا مت فادفني مع رسول الله إن وجدت إلى ذلك سبيلا، وإن منعوك فادفني في بقيع الغرقد «1» ، فلبس الحسين ومواليه

(5/157)

السلاح، وخرجوا ليدفنوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج مروان في موالي بني أمية فمنعوه من دفنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

197- كان لعلي بن الحسين جليس مات له ابن فجزع عليه، فعزاه ووعظه، فقال: يا ابن رسول الله إن ابني كان من المسرفين على نفسه، فقال: لا تجزع إن من وراء إبنك ثلاث خلال «1» ، أما أولهن فشهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله، والثانية شفاعة جدي عليه الصلاة والسلام، والثالثة رحمة الله التي وسعت كل شيء. فأين يخرج ابنك من واحدة من هذه الخلال؟.

198- قال آدم عليه السلام حين احتضر لابنه شيث: يا بني، أوصيك أن تطلي جسدي بدهن ومر ولبان مما هبط به علي من الجنة، فإنه إذا طلي به الميت لم ينفصل شيء من أعضائه حتى يبعثه الله. وأوصيك أن يكون معك دهن ومر ولبان حيث ما ذهبت، فإن الشيطان لا يقربك، وأوصيك أن تجعل جسدي في تابوت، وتجعلني في مغارة في أوسط الأرض.

ومات يوم الجمعة، وصلى عليه في الساعة التي خرج فيها من الجنة، في ست ليال خلون من نيسان، وعمره تسع مائة وستون سنة.

وناحوا عليه مائة وأربعين يوما.

199- وعن ابن عباس قبره بمسجد الخيف «2» بمنى، قال عطاء بلغني أن قبره تحت المنارة التي وسط مسجد الخيف.

200- وهب بن منبه: إن الكافر إذا وضع في لحده هبط به إلى سجين.

201- وعن طاووس أنه قال لولده: يا بني، إذا وضعتني في لحدي

(5/158)

فارفع لبنة وانظر فإن رأيتني فاحمد الله، وإن لم ترني فإنا لله وإنا إليه راجعون.

202- دفن طلحة رضي الله عنه على شاطىء المكلا بالبصرة، فرآه مولى له في المنام، فقال: أدركوني فقد غرقني الماء. فابتاعوا له دارا بالبصرة بعشرة آلاف وحولوه إليها.

203- مات أبو عيسى أخو المأمون، وقد عزم على أن يعقد له بعده، فعزاه محمد بن عباد، فقال: يا محمد حال القدر دون الوطر، وألوت المنية بالأمنية. فقال: يا أمير المؤمنين، كل مصيبة ما أخطأتك شوى «1» ، فجعل الله الحزن لك لا عليك.

204- عن ابن شهاب: أن رجلا أهدى إلى أبي بكر صفحة من خريز، وعنده الحارث بن كلدة، فأكلا منها، فقال الحارث: فيها سم سنة، فو الذي نفسي بيده لا يمر بي وبك أكثر من حول. فماتا في يوم واحد على رأس السنة.

205- كان أبو هريرة إذا سئل عمن مات قال: أنت فإن كرهت فأنا.

(5/159)

الباب الثاني والثمانون الملك والسلطان، والإمارة والبيعة، والخلافة وذكر الولاة وما يتصل بهم من الحجاب، وغير ذلك

1- قال الحسن للحجاج: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقروا السلاطين وبجلوهم، فإنهم عز الله وظله في الأرض إذا كانوا عدلا. قال الحجاج: لم يكن فيه إذا كانوا عدولا، قلت: بلى.

2- قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن هذا السلطان الذي ذلت له الرقاب، وخضعت له الأجساد ما هو؟ قال: ظل الله في الأرض، فإذا أحسن فله الأجر وعليكم الشكر، وإذا أساء فعليه الأصر «1» وعليكم الصبر.

- وعنه عليه الصلاة والسلام: أيما راع استرعى رعيته فلم يحطها بالأمانة والنصيحة من ورائها فقد ضاقت عليه رحمة الله التي وسعت كل شيء.

3- مالك بن دينار: وجدت في بعض الكتب يقول الله تعالى: أنا ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة. لا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إلى الله أعطفهم عليكم.

(5/161)

4- مطرف «1» : لا تنظروا إلى خفض عيش الملوك ولين رياشهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظعنهم «2» وسوء منقلبهم.

5- أبو عمران الجويني: بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار، وبكل من يخاف الناس شره وشدة بأسه، فيوثقون في الحديد، ثم أمر بهم إلى النار فأوصدها عليهم، فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا، ولا والله لا ينظرون إلى أديم السماء أبدا، ولا والله لا تلتقي جفونهم على غمض أبدا.

6- الأعمش «3» : قال لي أبو وائل شقيق بن سلمة: يا أبا سليمان، ليس لنا من أمرائنا واحدة من ثنتين: لا تقوى في الإسلام، ولا حلم من أحلام الجاهلية.

7- أبو عبيد الله الأشعري وزير المهدي:

لله دهر أضعنا فيه أنفسنا ... بالجهل لو أنه بعد النهي عادا

أفسدت ديني بإصلاحي خلافتهم ... وكان إصلاحها للدين إفسادا

ما قربوا أحدا إلا ونيتهم ... أن يعقبوه من التقريب إبعادا

8- قيل لعبد الملك: أقتلت عمرو بن سعيد الأشدق؟ فقال: قتلته وهو أعز علي من دم ناظري، ولكن لا يجتمع فحلان في شول «4» .

9- سمع زياد رجلا يسب الزمان فقال: لو كان يدري ما الزمان لضربت عنقه، إنما الزمان هو السلطان.

(5/162)

10- قال جحظة لإسماعيل بن بلبل حين استوزر: الولايات عواري، واصطناع الحر نهزة، فاغتنم الواجدان قبل الفقدان.

11- عزل عمار بن ياسر عن الكوفة فقال: وجدتها حلوة الرضاع مرة الفطام.

12- الإسكندر: السعيد من لا يعرفنا ولا نعرفه، لأنا إذا عرفناه أطلنا يومه وأطرنا نومه.

13- الغاضري: أعطانا الملوك الآخرة طائعين، وأعطيناهم الدنيا كارهين.

14- كتب عمر بن عبد العزيز إلى الحسن: أعني بأصحابك.

فأجابه: من كان من أصحابي يريد الدنيا فلا حاجة لك فيه، ومن كان يريد الآخرة فلا حاجة له فيك، ولكن عليك بذوي الأحساب، فإنهم إن لم يتقوا استحيوا، وإن استحيوا تكرموا.

15- فيلسوف: إن الملك الأعظم أن يملك الإنسان شهوته.

16- إبراهيم بن العباس: أصحاب السلطان كقوم رقوا جبلا ثم وقعوا، فأقربهم إلى التلف أبعدهم في المرقى.

17- بزرجمهر: الملوك تعاقب بالهجران، ولا تعاقب بالحرمان.

18- جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الأخوان.

19- غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على أصبهان في آخر أيام بني أمية، واجتمع عليه الناس، فكتب بند رجل كان معه إلى عمران بن هند بذلك، فأجابه عمران:

أتاني كتاب منك يا بند سرني ... تخبرني فيه باحدى العجائب

تخبرني أن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب

فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب

(5/163)

كنى عن الخلافة بالعجوز.

20- وقال كسرى لشيرين: ما أحسن هذا الملك لو دام! فقالت: لو دام ما انتقل إلينا.

21- مات بعض ملوك يونان، فطلبوا ملكا، فأشير بواحد، فقال فيلسوف: لا يصلح للملك لأنه كثير الخصومات، فلا يخلو من أن يكون ظالما، والظالم لا يصلح للملك لظلمه، أو مظلوما والمظلوم أحرى أن لا يصلح لضعفه، فقيل له: فأنت أحق بالملك. فملكوه.

22- قيل لرجل: قد ولي أخوك فهلا أتيته. فقال: ما سرني له فأهنيه، ولا ساءته فأعزيه، فلم آتيه؟.

23- عبيد الله بن زياد: نعم الشيء الامارة لولا قعقعة البريد وتشرف المنبر. الخليع البصري الباهلي:

ألا إنما المأمون لله محنة ... مميزة بين الضلالة والرشد

رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أبصر بالعبد

24- مر طارق الشرطي بابن شبرمة في موكبه، فقال:

أراها وإن كانت تحب كأنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع

اللهم لي ديني ولهم دينهم. فاستقضى بعد ذلك، فعاتبه ابنه وذكره ما قال: فقال: يا بني، إن أباك أكل من حلوائهم فحط في أهوائهم.

25- سمع أعرابي رجلا يقع في السلطان، فقال: ويحك إنك غفل لم تمسك التجارب، وفي النصح لدغ العقارب، وكأنني بالضاحك إليك باكيا عليك.

26- مكتوب على باب نوبهار «1» ببلخ قال بيوراسف: أبواب الملوك

(5/164)

تحتاج إلى ثلاثة: عقل، وصبر، ومال- نوبهار قرية من قرى بلخ- وتحته: كذب عدو الله، من كان له واحد منها لم يقرب باب السلطان.

27- سعيد بن حميد: عمل السلطان كالحمام، من فيه يريد الخروج منه، ومن هو خارج منه يريد الدخول فيه.

28- خالد بن صفوان: من صحب السلطان بالأمانة والنصيحة كان أكثر عدوا ممن صحبه بالغش والخيانة، لأن عدو السلطان وصديقه يتناصران عليه بالعداوة، والعدو يعاديه لنصحه، والصديق ينافسه في منزلته.

29- رأى المأمون رؤوس المحارض مفدمة بالقطن، فقال للخادم:

أحسنت، إنما يباهي بالذهب والفضة من قل عنده، وأما نحن فحقنا المباهاة بالأفعال الجميلة، والشيم الكريمة، وذاك بالملوك أبهى وأجمل.

30- أعرابي: حكم جليس الملوك أن يكون حافظا للسمر، صابرا على السهر.

31- حكيم: ينبغي للوالي أن يتفقد أمر خاصته كل يوم وأمر عامته كل شهر، وأمر سلطانه كل ساعة.

32- علي عليه السلام: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لإزالة الجبال أيسر من إزالة ملك مؤجل.

33- قال سفيان الثوري للمهدي بمكة: حدث قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة يوم النحر «1» ،

(5/165)

لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. وقد رأيت الناس يضربون بين يديك.

34- أبو هريرة: رأيت هندا بمكة جالسة، كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل فنظر إليه فقال: إني لأرى غلاما إن عاش ليسودن قومه. فقالت هند: إن لم يسودن إلا قومه فأماته الله.

35- سأل كسرى الموبذان «1» : ما شيء واحد يعز به السلطان؟

قال: الطاعة، قال: ما سبب الطاعة؟ قال: التودد إلى الخاصة، والعدل في العامة.

36- كتب عبد الصمد بن المعذل إلى صديق له ولي النفاطات فأظهر تجبرا:

لعمري لقد أحدثت فيها كأنما ... توليت للفضل بن مروان منبرا

وما كنت أخشى لو وليت مكانه ... علي أبا العباس أن تتغيرا

بحفظ عيون النفط أظهرت نخوة ... فكيف به لو كان مسكا وعنبرا

دع الكبر واستبق التواضع إنه ... قبيح بوالي النفط أن يتكبرا

37- من أخلاق الملوك حب التفرد، ويعتقدون أن البهاء والأبهة فيه، حتى أن أمكنهم أن يتفردوا بالماء والهواء لم يشاركوا فيهما.

38- وعن أردشير بن بابك: كان إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان، وإذا ركب في لبسة لم ير على أحد مثلها، وإذا تختم بخاتم كان حراما على أهل الملة أن يتختموا بمثله.

39- وكان أبو أحيحة سعيد بن العاص بمكة إذا اعتم لم يعتم أحد بمثل عمامته ما دامت على رأسه.

(5/166)

40- وكان الحجاج إذا وضع على رأسه طويلة لم يجترىء أحد من خلق الله أن يدخل عليه في مثلها.

41- وعبد الملك: إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد مثله حتى ينزعه.

42- وعن أبي حسان الزيادي: أتاني من قال لي: يقول لك ذو الرياستين «1» : لا تعتم غدا على قلنسوة إن أتيت الدار، فبت واجما، فلما أصبحنا فيها خرج الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين يعتم اليوم على قلنسوة فانزعوا عمائمكم.

43- من حق الملك أن يفحص عن أسرار الرعية فحص المرضعة عن منام رضيعها.

44- وكان أردشير متى شاء قال لأرفعهم وأوضعهم: كان عندك في الليل كيت وكيت، حتى كان يقال يأتيه ملك من السماء، وما ذاك إلا لتفحصه وتيقظه.

45- وعن عمر رضي الله عنه أن علمه كان بمن نأى عنه كعلمه بمن بات معه على وساد واحد. وقد اقتفى معاوية أثره.

46- وتعرف رجل إلى زياد، فقال: أتتعرف إلي وأنا أعرف بك منك بأبيك وأمك؟ وأعرف هذا البرد الذي عليك. فرعب الرجل حتى أرعد «2» .

47- وعن بعض العباسيين: كلمت المأمون في امرأة خطبتها، وسألته النظر إليها، فقال: يا أبا فلان، من قصتها وحالها وفعلها، فو الله إن زال يصفها ويصف أحوالها حتى بهت.

(5/167)

ورفع إليه رجل رقعة يسأله إجراء الرزق، فقال له: كم عيالك؟ فزاد في العدد فلم يوقع، ثم كتب إليه في السنة الثانية فصدق، فوقع له.

48- قال ذو الكلاع الحميري لعمر: لقد أذنبت ذنبا ما أرى الله يغفر لي لقد أشرفت على الناس مرة بعد أن طال احتجابي عنهم، فسجد لي مائة ألف.

49- لما بشر هشام بالخلافة سجد، وسجد أصحابه إلا الأبرش الكلبي. فقال: ما منعك أن تسجد؟ قال: وكيف أسجد وغدا تحلق في السماء وتتركني؟ قال: فإني أحلقك معي. قال: الآن وجب السجود.

50- الحمدوني في الحسن بن أيوب والي البصرة:

شر الأخلاء من ولى قفاه إذا ... كان المولي وأبدى البشر معزولا

من لم يسمن جوادا كان يركبه ... في الخصب قام به في الجدب مهزولا

51- قيل لسلطاني: مثل السلطان مثل البرمة السوداء، كل من مر بها سودته. فقال: إن كان ظاهر أسود فإن في باطنها لحما سمينا وطعاما لذيذا.

52- كتب عمر رضي الله عنه إلى عقبة بن غزوان: أما بعد، فإنك أصبحت أميرا تقول فتطاع، وتأمر فيتبع أمرك، فيا لها من نعمة! إن لم ترفعك فوق قدرك، أو تطغك على من دونك. احترس من النعمة أشد من احتراسك من الخطيئة، وهي والله أخوفها عندي عليك أن يقال لك: ومن مثلك؟ فتترفع، فتسقط سقطة لا شوى لها. والسلام.

53- خرج المتوكل إلى بعض متنزهاته، فوقف على جبل كله حصى قد غسله المطر، فاستحسنه، فنزل ودعا بطعامه، فأكل وشرب، ثم قام لصلاة الظهر فصلى، ثم قعد فسبح، ثم قال في دعائه: اللهم إنك خلقتني ولم أك شيئا بقدرتك، ثم صيرتني فوق هذا الخلق بعزتك، وأنت قادر أن تزيل هذا كله، فارزقهم مني العدل والنصفة، وألق في قلبي

(5/168)

لهم الرأفة والرحمة، ثم بكى وأخذ كفا من ذلك الحصى فجعله على رأسه، وجعل يقلب وجهه وخده على الأرض. ثم قام فركب.

54- ابن عباس: عنه عليه الصلاة والسلام: سيكون أقوام من أمتي يقرأون القرآن، ويتفقهون في الدين، يأتيهم الشيطان فيقول لهم: لو أتيتم السلطان فأصبتم من دنياهم، واعتزلتموهم بدينكم، ولا يكون ذلك، كما لا تجنى من القتاد إلا الشوك كذلك لا تجنى من قربهم إلا الخطايا.

55- الثوري: إن دعوك لتقرأ عليهم قل هو الله أحد فلا تأتهم.

وعنه: إن مررت بدورهم فلا تنظر إليها، فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا

الآية «1» .

56- أبو حازم قال للزهري «2» : إن الناس كانوا يفرون من السلطان وهو يطلبهم، وأنتم تأتون أبواب السلطان وهو يفر منكم.

57- قال سعيد بن المسيب: مال السلطان من الخمس. ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال، ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودة.

58- كتب عبد الملك إلى ابن المسيب: إلى أخي الخالص دون الناس، إن الناس قد دعوا إلى بيعة ابن أخيك الوليد، فإن رأيت أن تدخل فيما دخل فيه الناس لما أرجو فيه من الاستقامة وإصلاح ذات البيت فافعل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة فميتته ميتة جاهلية.

فلما قرأ سعيد الكتاب قال: كذب والله الذي لا إله إلا هو، ما هو بأخي الخالص دون الناس، إنه لعدوي من دون الناس، هو الذي بعث

(5/169)

إلى بيت الله الحجاج، فنصب عليه المجانيق «1» وأحرقه بالنار، ولم تحل مكة لأحد من الخلق إلا لمحمد، أحلت له ثلاث ساعات من نهار.

فدعاني أن أبايع لابنه، يريد أن يجعلها هر قلية.

59- مر بريد لبني مروان في سوق المدينة، فقال له سعيد: كيف نركتهم؟ قال: بخير. قال: تركتهم يجيعون الناس ويشبعون الكلاب.

فاشرأب الرسول حتى سكن. فقال له المطلب بن السايب: يغفر الله لك، تشيط بدمك بكليمة تلقيها؟ قال: اسكت يا أحمق، والله لا يسلمني الله ما أخذت بحقوقه.

60- كان ابن سيرين يثبت المهدي، وكان الحسن لا يعرفه، وقال يوما: إن يكن لهذه الأمة مهدي فهو هذا، يعني عمر بن عبد العزيز.

61- أرسل عمر بن عبد العزيز محمد بن سعيد رسولا إلى الروم ليفدي أسارى المسلمين بأسارى المشركين، فقال: دخلت على ملك الروم فإذا هو نازل عن سريره جالس على الأرض، فقلت: ما شأن الملك؟ قال: أو ما تدري ما حدث؟ مات الرجل الصالح. يعني عمر بن عبد العزيز. ثم قال: لست أعجب ممن أغلق بابه وترهب، ولكني أعجب ممن أمكنته الدنيا وقدر عليها ثم زهد فيها. إني لأحسب لو كان أحد يحيي الموتى بعد عيسى لأحياهم عمر.

62- استحضر سليمان بن عبد الملك طاووسا، فسكت طويلا ثم قال: هل تعلمون أول ما خلق؟ قالوا: لاض، قال: القلم، ثم قال:

فهل تعلمون آخر من يموت؟ قالوا: لا، قال: ملك الموت، قال: هل تعلمون أبغض خلق الله؟ قالوا: لا، قال: إن أبغض خلق الله إليه عبد أعطاه سلطانا فعمل بمعصيته. فأخذ سليمان يحك رأسه حتى كاد يجرحه.

63- قال موسى صلوات الله عليه: يا رب، أنت في السماء ونحن

(5/170)

في الأرض، فما علامة رضاك من سخطك؟ قال: إذا استعملت عليكم خياركم.

النامي «1» :

سأصبر إن جفوت فكم صبرنا ... لمثلك من أمير أو وزير

رجوناهم فلما أخلفونا ... تمادى فيهم غير الدهور

فبتنا بالسلامة وهي غنم ... وباتوا في المحابس والقبور

ولما لم تنل منهم سرورا ... رأينا فيهم كل السرور

64- مالك بن دينار: إذا غضب الله على قوم سلط عليهم صبيانهم.

65- محمد بن واسع: والله لسف التراب ولقم القصب خير من الدنو من أبواب السلطان.

66- نهى الثوري عن القرب من المنبر، فقيل: أليس يقال ادن واستمع: قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأما هؤلاء فتباعد عنهم، ولا تسمع كلامهم ولا تر وجوههم.

- وعنه: لا تجالسوا الملوك، فإنكم إن باهيتموهم أفقروكم، وإن تفضلوا عليكم حقروكم.

- وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفظت. قال: أفتأمنونني أن أسبح في البحر فلا تبتل ثيابي.

67- كتب يعقوب بن داود وزير المهدي إلى عابد يستقدمه، فاستشار محمد بن النصر وقال: لعل الله أن يقضي ديني. فقال محمد: لأن تلقى

(5/171)

الله وعليك دين ولك دين خير من أن تلقاه وقد قضيت دينك وذهب دينك.

68- ابن السماك «1» : الذباب على العذرة «2» أحسن من القارىء على أبواب الملوك.

69- فضيل: لو كانت لي دعوة مستجابة لما جعلتها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن العباد والبلاد. فقبل ابن المبارك رأسه وقال: يا معلم الخير، من يحسن هذا غيرك؟.

- وعنه: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم.

70- سفيان بن عيينة: ما من عملي شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء.

71- هوبر التغلبي:

الملك إن لم يقم بالحق سائسه ... عما قليل لأهل الملك ضرار

لا بارك الله في دنيا إذا انصرمت ... لذاتها كان عقبى أهلها النار

72- محمود بن مروان بن أبي الجنوب:

أعاد لنا المعتز أيام جعفر ... وأحيا لنا بالعدل والجود جعفرا

إمام له في كل قلب محبة ... كوالده قولا وفعلا ومنظرا

73- قال ابن السماك للرشيد: إن الله تعالى قد وهب لك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك ببعضها، ولم يجعل فوق قدرك قدرا، فلا تجعل فوق شكرك شكرا.

(5/172)

74- علي عليه السلام: إن شر الناس إمام جائر ضل وضل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيى بدعة متروكة، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالإمام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها.

75- ابن المبارك: دخل أسقف نجران على مصعب بن الزبير، فرماه بشيء فشجه، فقال له الأسقف: إجعل لي أمانا حتى أخبرك بما في الإنجيل، قال: لك ذلك. قال: فيه ما للأمير والغضب ومن عنده يطلب الحلم؟ وما للأمير والجور ومن عنده يطلب العدل؟ وما للأمير والبخل ومن عنده يطلب البذل.

76- يحيى بن يحيى لأن ألقى الله بكل ذنب أحب إلي من أن آخذ منهم، يعني السلاطين.

77- من صحب السلطان قبل أن يتأدب فقد غرر بنفسه.

78- قال سلمة الأحمر للرشيد: يا أمير المؤمنين، لو كنت في فلاة فعطشت بكم تشتري شربة ماء؟ قال: ينصف ملكي. قال: فإن شربتها فأبت أن تخرج؟ قال: بالنصف الآخر. قال: فلعن الله ملكا يباع بشربة وبولة.

79- ابن المبارك:

أنا ما استطعت هدا ... ك الله عن باب الأمير

لا تزرها واجنتبها ... إنها شر مزور

80- أبو هريرة رفعه: ويل للأمراء، ويل للأمناء، ليتمنيين أقوام لو أن ذوائبهم كانت معلقة في الثريا، يتذبذبون بين السماء والأرض، وأنهم لم يلوا عملا.

81- ابن عباس رفعه: إن من أشراط الساعة إماتة الصلوات، واتباع الشهوات، واتباع الهوى، ويكون أمراء خونة، ووزراء فسقة. فوثب

(5/173)

سلمان فقال: بأبي وأمي، إن هذا لكائن؟ قال: نعم، عندما يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء، ولا يستطبع أن يغير. قال.

أو يكون ذلك؟ قال: نعم يا سلمان، إن أذل الناس يومئذ المؤمن، يمشي بين أظهرهم بالمخافة، إن تكلم أكلوه، وإن سكت مات بغيظه.

82- عمر رضي الله عنه: عنه عليه الصلاة والسلام: ويل لديان الأرض من ديان السماء، إلا من أمر بالعدل وقضى بالحق، ولم يقض على هوى ولا قرابة، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه.

83- ربيعة الجرشي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من رجل عظيم سلطانه، قليل وفاؤه لدينه هضام، وعن آخرته نوام.

84- أبو هريرة: أخنع الأسماء عند الله أن يقال له ملك الأملاك.

أي أذلها. ويروى أنخع أي أقتل.

85- قال عمر رضي الله عنه لرجل: من سيد قومك؟ قال: أحوجهم الدهر إلي. فقال عمر: هكذا المخاتلة عن الشرف.

86- نزل عيسى عليه السلام دمشق فوجد ملكها يطعم الناس الطعام في صحاف الذهب والفضة، فذهب هو وأصحابه إلى بردى، فأخرجوا كسرا معهم فأكلوا، وشربوا من الماء. ثم قال عيسى: لا تدخلوا على الملوك، ولا تأكلوا من طعامهم، ولا تعجبوا بما أوتوا، واعجبوا مما يفعل بهم يوم القيامة.

87- لزمت بعض أمراء بلخ كفارة يمين، فسأل فقيها، فقال: كفر بالصيام. فبكى. لأن في أمره بالصيام أن جميع ما يملكه حرام ولا شيء له.

88- لقمان: لا تقارب السلطان إذا غضب، ولا البحر إذا مد.

89- لقمان: ثلاث فرق يجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والمرأة، والمريض.

(5/174)

90- أبوذر: قلت يا نبي الله، كم كتابا أنزل الله؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيت خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وعلى موسى عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قلت: فما كانت صحف إبراهيم؟ فذكر أن فيها قد أفلح من تزكى

«1» إلى آخر السورة. وفيها:

يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لن أردها ولو كانت من كافر.

91- علي عليه السلام: تباعد من السلطان الجائر، ولا تأمن خدع الشيطان فتقول متى أنكرت نزعت، فإنه هكذا هلك من كان قبلك، فإن أبت نفسك إلا حب الدنيا، وقرب السلاطين، وخالفتك عما فيه رشدك، فأملك عليك لسانك، فإنه لا بقية للموت عند الغضب، ولا تسل عن أخبارهم، ولا تنطق بأسرارهم، ولا تدخل فيما بينهم.

92- الثوري: وإياك الأمراء أن تدنو منهم وتخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك أن تخدع فيقال له: تشفع وترد مظلمة، فإنما ذلك خديعة إبليس اتخذها فخا.

93- قال الحجاج للحسن: أنت القائل: قاتلهم الله! قتلوا عباد الله على الدرهم والدينار؟ قال: نعم، قال: أما علمت سطوتي؟ أما اعتبرت بقتلي أكفاءك ولم يتكلوا بشطر من ذلك؟ قال: حملني على ذلك ما أخذ الله على العلماء، وتلا قوله تعالى لتبيننه للناس ولا تكتمونه

، فسكن غضبه، وأمر أن يدهنوا شعره. ثم ندم. وتوارى الحسن فلم يقدر عليه.

94- كاتب: أعطي قوس السيادة باريها، وأضيفت إلى كفئها

(5/175)

وكافيها، وفسخ به شرط الدنيا الفاسد في إهداء حظوظها إلى أوغادها «1» ، ونقض حكمها الجائر في العدول بها عن نجباء أولادها. رمقته عين الملك وهو جنين، وجهرته وهو ماء مهين، وقد كان يحيى أوتي الحكم صبيا، وعيسى كلم الناس في المهد.

95- غاية النوك «2» خدمة الملوك.

96- أمارة الطمع أمارة الطبع.

97- صحب عمرو بن عمار الطائي النعمان بن المنذر، وكان النعمان أقشر أحمر الحماليق، معربدا، فعربد على عمرو فقتله. فقال أبو قردودة الطائي:

لقد نهيت ابن عمار وقلت له ... لا تقربن أحمر العينين والشعره

إن الملوك متى تنزل بساحتهم ... تطر بنارك من نيرانهم شرره

يا جفة كإزار الحوض قد كفؤوا ... ومنطقا مثل وشيء اليمنة الحبرة

98- عبد الملك بن عمرو: رأيت في ديوان معاوية بعد موته كتابا من ملك الصين الذي على مربطه ألف فيل، وبنيت داره بلبن الذهب والفضة، والذي تخدمه بنات ألف ملك، والذي له نهران يسقيان الألوة «3» ، إلى معاوية.

99- قيل ليزيد بن المهلب: ما أحسن ما مدحت به؟ قال: قول زياد الأعجم:

فتى زاده السلطان في الحمد رغبة ... إذا غير السلطان كل خليل

(5/176)

100- قال الأولون: ليس في الأرض عمل أكد لأهله من سياسة العوام.

101- وقد قال الهذلي «1» :

وإن سياسة الأقوام فأعلم ... لها صعداء مطلعها طويل

102- الجاحظ: ليس شيء ألذ ولا أسر ولا أنعم من عز الأمر والنهي، ومن الظفر بالأعداء، ومن اعتقاد المنن في أعناق الرجال. لأن هذه الأمور هي نصيب الروح، وحظ الذهن، وقسمة النفس.

103- أبو الفتح البستي «2» :

يا قوم أرعوني أسماعكم ... حتى أؤدي واجب القرض

أشهد حقا أن سلطانكم ... ليس بظل الله في الأرض

104- الملك خلافة الله في عباده وبلاده، وليس يستقيم أمر خلافته مع مخالفته.

105- كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب.

106- أنوشروان: كل الناس أحقاء بالسجود، وأحقهم بذلك من رفعه الله عن السجود لأحد من خلقه.

107- ونحو ما أنشدنيه صديق لي من أهل الشام:

قرن الشجاعة بالخضوع لربه ... ما أحسن المحراب في المحراب

108- بعض السلف: يا بني، اتق السلطان، فإنه يغضب غضب الصبي، ويصول صيال الأسد.

(5/177)

109- يقال لأتم مدة الخلفاء ميدان الخلفاء، وهي مدة دوران المشتري أربع وعشرون سنة. ولم يستكملها إلا الرشيد والمقتدر، وقال قال عقال بن شيبة بن عبد الملك بن هلال للرشيد: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي خصك بطول البقاء، وجاوز بك ميدان الخلفاء. فتغير وجهه، فما عاش بعدها إلا أقل من سنة.

وليس من آداب الملوك أن يعرض لهم بما يؤذن بالموت.

110- وعن نصر بن أحمد أن شاعرا جاءه ليلة السذق «1» بقصيدة في أولها عدد أسذاقه وكانت إحدى وعشرين، فأنكر العدد واغتاظ، ولم يسمع ما بعده، ولم يسذق بعدها، إذ لم يدر عليه الحول.

111- كانت خلافة عبد الله بن المعتز يوما وبعض يوم، ولقب بالمنتصف بالله، وضربت مثلا فيما لا تطول مدته، وحين قتل لم يجسر على مرثيته إلا ابن بسام «2» فقال:

لله درك من ميت بمصيبة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب

ما فيه لولا ولا ليت فينقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب

112- في يتيمة ابن المقفع، وهي رسالته المضروب بها المثل في البلاغة، قال: قليل مضار السلطان في جنب كثير من منافعه كمثل الغيث الذي هو سقيا الله، وبركة السماء، وحياة الأرض ومن عليها، وقد يتأذى به السفر، ويتداعى به البنيان، وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب، ويموج له البحر، وتكون فيه الصواعق، فلا يمتنعن الناس إذا نظروا إلى آثار رحمة الله في الأرض التي أحيا، والنبات الذي أخرج، والرزق الذي بسط، عن أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها، ويلغوا ذكر خواص البلاء التي دخلت على خواص. ومثل الرياح التي يرسلها الله بشرى بين يدي

(5/178)

رحمته فيسوق بها الحساب، ويجعلها لقاح للأشجار، وروحا للعباد، يتنسمون منها، ويتقلبون فيها، وتجري فلكهم، وتقد نيرانهم بها، وقد نضر بكثير من الناس في برهم وبحرهم، فيشكوها الشاكي، ويتأذى بها المتأذي، فلا يزيلها ذلك عن منزلتها التي جعلها الله بها، وقدرها سببا لقوام عباده، وتمام نعمته.

113- ومثل الشتاء والصيف، والليل والنهار، وما فيها من قليل المضار وكثير المنافع. ولو أن الدنيا كانت سراء، وكانت نعماؤها من غير كدر، وميسورها من غير معسور، لكانت الدنيا إذن هي الجنة التي لا يشوب «1» مسرتها مكروه.

114- أبو العيناء «2» في بعض أصحاب السلطان: لله دوره من ناقض أوتار، ومدرك أوتار، يلتهب كأنه شعلة نار. بات على مدرجة الخائفين ينتظر إلى أن تزل بأمره قدمه فيحكم في ماله قلمه، له في الفينة بعد الفينة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر، أو خلسة سارق، يقوم عنها وقد أفاد نعما، وأوقع نقما.

115- بعض الأشراف:

فلا تحسب السلطان عارا عقابه ... ولا ذلة عند الحفائظ والأصل

لقد قتل السلطان عمرا ومصعبا ... قريعي قريش واللذين هما مثلي

عماد بني العاص الرفيع عماده ... وقوم بني العوام آنية النحل

أراد قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق ومصعب بن الزبير، وجعل بني العوام أواني النحل لكرمهم وطيبهم.

116- قالوا: السكر ثلاث: سكرة الشباب، وسكرة الولاية، وسكرة

(5/179)

الشراب، وهي أهونها. وقد خمسها من قال:

سكرات خمس إذا مني المر ... ء بها صار خلسة الشيطان

سكرة المال والحداثة والعش ... ق وسكر الشراب والسلطان

وسمعه بعض الزهاد فقال: أين هو من سكرة الموت؟ وقرأ:

وجاءت سكرة الموت بالحق

«1» .

117- الصابي «2» : وقعت الخلافة في الخلاف، وبرز الشر من الغلاف.

118- سليمان بن المهاجر البجلي حين قتل أبو سلمة الخلال:

إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزير»

119- الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها.

120- شياطين السلاطين سلاطين الشياطين.

121- الملك من لا يسلم الإسلام، ولا يفارق الفرقان، ولا يمل الملة «4» ، ولا يعدل عن العدل، ولا يجور على الجار.

122- إذا ساد اللئام باد «5» الكرام.

123- أجهل الناس من كان على السلطان مدلا.

124- هذه أحوال لم تدر بمثلها أحوال، وأقوال لم يقل مثلها أقوال.

(5/180)

125- قال رجل لأسد بن عبد الله: أصلح الله الأمير، إن لي عندك يدا. قال: وما هي؟ قال: دخلت المقصورة وليس لك مجلس فيها فقمت لك عن مجلسي، فقال: إن هذه ليد، فما حاجتك؟ قال: تستعملني على أبيورد «1» . قال: وما تصنع بولايتها؟ قال: أصيب منها مائة ألف.

قال: عليها رجل له منا ناحية، وقد أمرنا لك بمائة ألف درهم، قال: لم تقض ذمامي. قال: كيف؟ قال: منعتني تسليم الإمرة. قال: قد سو غناك مائة الألف واستعملناك على أبيورد.

126- أبو ميمون الأنباري الكاتب:

يا وزارء الملك لا تفرحوا ... أيامكم أقصر أيام

وزارة مختصر عمرها ... أطولها يقصر عن عام

127- إبراهيم بن أبي عبلة: دخلت على هشام، فقال: يا غلام، أكتب له على مصر. فقلت: أو يعفيني أمير المؤمنين؟ فغضب حتى اصفر وجهه، وقال: إذا استعنا بخياركم ذكروا نحو هذا، فتركته حتى سكن غضبه ثم قلت: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول: إنا عرضنا الأمانة

، والله ما أكرههن إذ أبين، ولا عاب عليهن إذ كرهن، فتبسم ثم قال: أبيت يا ابن أبي عبلة إلا ما أبيت.

128- قال ابن إسحاق: أبو جاد، وهوز، وحطي، وكلمون، وسعفص، وقرشيات، بن والمحض بن جندل، كانوا ملوكا، ملك أبو جاد بمكة، وهوز وحطي بوج «2» ، والباقون بمدين، وإنما أصاب مدين العذاب في ملك كلمون.

(5/181)

129- صالح بن علي الهاشمي: جاءتني امرأة موسوسة بواسط، فقالت لي: بأبي أنتم، ما أكثر ظلم الناس لكم! قلت: فيم ذاك؟

قالت: يزعمون أن الخلفاء منكم ظلمة، ولو كانوا كذلك ما ولاهم الله خلافته، أليس يقول: لا ينال عهدي الظالمين

«1» . فلو كان ظلمة لم ينلهم عهده.

130- راشد الكاتب في علي بن هشام:

صحبتك إذ أنت لا تصحب ... وإذ أنت لا غيرك الموكب

وإذ أنت تكثر ذم الزمان ... ومشيك أضعاف ما تركب

وإذ أنت تفرح بالزائرين ... ونفسك نفسك تسجب

فقلت كريم له همة ... ينال فأدرك ما أطلب

فنلت فأقصيتني عامدا ... كأني ذو عرة أجرب «2»

ففي الناس إذ ضاق بي ما لدي ... ك ولم ترع لي حرمة مذهب

131- كسرى: موت ألف سيد أهون من ارتفاع سفلة.

132- قيل لرجل أصابته حاجة: لو خالطت هؤلاء فأصبت من دنياهم، فقال: دعوني عنكم، فإني قد أصبت من فقر الدنيا ما لا أحب أن أجمع إليه من فقر الآخرة.

133- ابن شبرمة «3» : قلت لأبي مسلم حين أمر بمحاربة عبد الله بن علي: أيها الأمير، إنك تريد عظيما من الأمور، فقال: يا ابن شبرمة، إنك بحديث تفلق معانيه، وشعر توضح قوافيه، اعلم منك بالحرب. إن هذه دولة قد اطردت أعلامها، وخفقت ألويتها، واتسعت أفئيتها، فليس لمناوئها، والطامع فيها، يد تنيله شيئا من قوة الوثوب عليها. فإذا تولت

(5/182)

مدتها قدح الوزع بذنبها فيها.

134- قال رجل لأبي الدوانيق وهو المنصور: أين ما كنت تحدث به في أيام بني أمية أن الخلافة إذا لم تقابل بانصاف المظلومين من الظالمين، وأن لم تعارض بالعدل في الرعية، وقسم الفيء بالسوية، كان عاقبة أمرها بوارا «1» ، وحاق بولاتها سوء العذاب؟ فتنفس ثم قال: قد كان ما تقول، ولكنا استعجلنا ما في الفانية «2» على ما في الباقية «3» ، وكان قد انقضت هذه الدار، فقال له: فانظر على أي حال تنقضي، فقال: لعاعة تقول:

تبا تبا لعالم أصاره علمه غرضا لسهام الخطايا، وهو عالم بسرعة مواقع المنايا، اللهم إن تقض للمؤمنين صفحا فاجعلني منهم، وأن تهب الظالمين فرجا فلا تحرمني ما يتطول به المولى على أخس عبيده.

135- جودرز بن سابور: لا تثق بمودة الملوك، فإنهم يوحشونك من أنفسهم آنس ما كنت بهم.

136- خسرو بن فيروز: شر السلاطين من خافه البريء.

137- أردشير قال لابنه: يا بني، الملك والدين أخوان لا غناء لأحدهما عن الآخر. فالدين أس، والملك حارس، وما لم يكن له أس فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع.

138- هرمز بن نرسي: شكا له أهل اصطخر «4» احتباس القطر، فوقع: إذا بخلت السماء بقطرها جادت يد الملك بدرها.

139- بهرام بن نرسي: أبلغ الأشياء في تشييد الملك تدبيره بالعدل، وحفظه بالعفو.

(5/183)

140- هرمز بن سابور: نحن كالنار من قاربها كثر عليه ضررها، ومن باعدها لم ينتفع بها.

141- يزدجرد: نحن معاشر الملوك لا نشبه الآدميين إلا بالصور والخلق، فأما الأخلاق والهمم فبيننا وبينهم فيها التفاوت البعيد.

142- بهرام جور: لا شيء أضر بالملوك من استخبار من لا يصدق إذا خبر، واستكفاء من لا ينصح إذا دبر.

143- أنوشروان: ما عدل من جارت قضاته، ولا صلح من فسدت كفاءته.

144- لا يستغني أعلم الملوك عن الوزير، ولا أحد السيوف عن الصقال «1» ، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعقل النساء عن الزوج.

145- جلس الإسكندر يوما فما رفع إليه أحد حاجة، فقال: ما أعد اليوم من أيام ملكي.

146- ملك الخزر «2» : من طباع الملوك إنكارهم القبيح من غيرهم، واحتمالهم إياه من أنفسهم.

147- حسان بن تبع الحميري: لا تثقن بالملك فإنه ملول، ولا بالمرأة فإنها خؤون، ولا بالدابة فإنها شرود.

148- عهد أبي بكر الصديق عند موته: هذا ما عهد أبو بكر عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي فيها الفاجر، إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل فذلك علمي به، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت،

(5/184)

ولكل امرىء ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

149- عمر رضي الله عنه: أشقى الولاة من شقيت به رعيته.

150- عثمان رضي الله عنه: ما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن.

151- معاوية: ما أخاف على ملكي إلا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، قيل: فلم لا تقتلهم؟ فقال: فعلى من أتأمر؟.

152- زياد بن أبيه: طوبى لمن له دويرة تؤويه، وتجارة تكفيه، وجارية ترضيه، ولا نعرفه نحن فنؤذيه.

153- عبد الملك: أنصفونا يا معشر الرعية، تريدون منا سيرة أبي بكر وعمر، ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم بسيرة رعية أبي بكر وعمر.

نسأل الله أن يعين كلا على كل.

154- الحجاج: جور السلطان خير من ضعفه، لأن ذلك يخص، وهذا يعم.

155- أبو العباس السفاح: ما أقبح بنا أن تكون الدنيا بأيدينا وأولياؤنا خالون من أيادينا!.

156- قرأ الرشيد قوله تعالى: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي

«1» ، فقال: لعنه الله، ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولاها الخصيب «2» . وكان على وضوئه.

157- أخذ في مبايعة المهتدي بالله قبل أن يخلع المعتز نفسه، فقال المهتدي: لا يجتمع أسدان في غابة، ولا فحلان في عانة.

(5/185)

158- ابن المعتز: من شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة.

- وعنه: إذا زادك الملك تأنيسا وإكراما فزده تهيبا واحتشاما.

- وعنه: من صحب السلطان فليصبر على قسوته كصبر الغواص على ملوحة بحره.

- وعنه: لا تلبس السلطان في أيام الفتنة فإن البحر لا يسلم راكبه في حال سكونه، فكيف إذا عصفت رياحه، والتطمت أمواجه؟.

159- محمد بن زيد الداعي: ما أشبه دولة السامانية في طول ثيابها مع قلة كفاءتها إلا بالسماء المرفوعة بغير عمد.

160- أبو علي الصنعاني: إياك والملوك، فإن من والاهم أخذوا ماله، ومن عاداهم أخذوا رأسه.

161- سيف الدولة الحمداني: السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق فيها.

162- المطيع لله: باسمنا يدفع عن سواد الأمة وبياض الدعوة.

163- عضد الدولة: الدنيا أضيق من أن تسع ملكين.

164- محمود بن سبكتكين: شكر له أخوه كثرة نفقاته وصدقاته على أهل غزنة «1» عام القحط «2» ، فقال: يا أخي، لو كانوا قوما أجانب لكانت البشرية توجب مواساتهم، فكيف وهم إخواننا في الدين، وأصحابنا في الملك، وجيراننا في البلد؟ فأي عذر لنا مع سعة المال في تمييزهم عن العيال؟

(5/186)

165- وعاتب والي خوجان «1» على القتل فقال: إن جرح المال يوسى بتعويض وإخلاف، وليس لإتلاف النفوس تلاف.

166- قيل لبزرجمهر: كيف اضطربت أمور آل ساسان؟ فقال:

استعانوا بأصاغر العمال على أكابر الأعمال، فآل أمرهم إلى شر مآل.

167- السلطان لا يتوخى بكرامته الأفضل ولكن الأدنى، كالكرم لا يتعلق بأكرم الشجر ولكن بأدناها منه.

168- ظفر بن الليث: سمعت أبا داود وقد ولي بلخ ثمانين سنة يقول: والله، ما حللت حبوتي «2» لحرام قط، ولا ارتشيت درهما في الحكم، ولو علمت أن صلاح رعيتي في يميني لبذلتها.

169- هرمز بن نرسي لما دنت وفاته وامرأته حامل بسابور «3» عقد التاج على بطنها. وقام الوزراء بتدبير المملكة حتى ولد. وأغار العرب على نواحي فارس في صباه، فلما أدرك انتخب من أهل النجدة وأوقع بالعرب فنهكهم بالقتل. ثم خلع أكتاف سبعين ألفا فسمي ذا الأكتاف.

وأمرهم حينئذ بأرخاء الشعور، ولبس المصبغات والأزر، وأن يسكنوا بيوت الشعر، وأن لا يركبوا الخيل إلا اعراء.

170- كتب الإسكندر إلى أرسطاليس يعلمه بما افتتح من البلاد، ويعجبه من قبة ذهب وجدها في بلاد الهند. فأجاب: إني رأيتك تتعجب من قبة عملها الآدميون، وتدع التعجب من هذه القبة المرفوعة فوقك، وما

(5/187)

زينت به من الكواكب وأنوار الليل والنهار. وأما البلدان فليكن ملكك بالتودد إلى أهلها، لا كقهر الراعي غنمه بالعصا، فإنك في طاعة لمودة أحمد بدءا وعاقبة من طاعة القهر والإستطالة.

171- فحدث به المأمون فقال: لقد حث على التودد فأحسن، وقد أدبنا الله قبل معرفتنا بحكمة أرسطاليس بقوله: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك.

172- العتابي في الرشيد:

إمام له كف يضم بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البري عودها

وعين محيط بالبرية طرفها ... سواء عليها قربها وبعيدها

173- محمد بن مكرم الكاتب في أحمد بن إسرائيل وزير المعتز:

إن زمانا أنت مستوزر ... فيه زمان عسر أنكد

يذمك الناس جميعا فما ... يلقاك منهم واحد يحمد

طرف الذي استكفاك في ملكه ... أمر الرعايا عائر أرمد «1»

174- لما بويع لأبي العباس السفاح اعترضه المحيس بن أرطأة الأعرجي فقال:

أهلا وسهلا بخيار الناس ... بهاشم أهل الندى والباس

تدولوها يا بني العباس ... تداول الأكف للأمراس

فقال: نعم إن شاء الله، وأمر له بمائتي دينار.

175- يوسف الجوهري في المتوكل:

إن الخلافة لم تزل مشتاقة ... يسمو إليك سريرها والمنبر

حتى أتاك بها الذي أعطاكها ... ليعزها بك إنه بك أخبر

(5/188)

ولئن أتتك وتلك أفضل رتبة ... للطالبين لأنت منها أكبر

176- ابن عباس: دخلت على علي بذي قار «1» وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذه النعل؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحب إلي من إمرتكم، إلا أن أقيم حدا من حدود الله، أو أدفع باطلا.

177- وقال للأشتر حين ولاه مصر: وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك، وقدرته منك على ما لا تقدر منه على نفسك، فإن ذلك يطامن إليك من طماحك، ويكف عنك من غربك، ويفيء إليك ما غرب عنك من عقلك.

وليكن أبعد رعيتك منك، وأشنأهم «2» عندك أطلبهم لمعايب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب منها، فإنما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.

وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرها في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا.

- وعنه: ولقد لقيه دهاقين «3» الأنبار «4» فترجلوا له واشتدوا بين يديه، فقال: ما هذا الذي صنعتموه؟ قالوا: خلق منا نعظم به أمراءنا، فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون به على أنفسكم،

(5/189)

وتشقون به في آخرتكم. وما أخسر المشقة وراءها العذاب! وما أربح للراحة معها الأمان من النار.

- وعنه: صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه، وهو أعلم بموضعه.

178- عابد: ينظر أهل البصائر إلى الملوك بالتصغير والرحمة، وأهل الغفلة بالتعظيم والغبطة.

179- وقف ملك من ملوك بني إسرائيل على مريض، فقال:

مالك؟ قال: أرحمك، قال: يا رب مرحوم من سقم هو شفاؤه، ومغبوط بنعمة هي داؤه.

180- تزوج ملك من بني إسرائيل بنت ملك، فقالت له: إن أولى الناس بمعرفة النعم من غذي بالنعم، وما أحسن من طلب نعيم الآخرة بترك نعيم الدنيا! فهل لك أن تدع ما نحن فيه ونتعبد؟ فلبسا المسوح «1» وتعبدا.

181- إسحاق بن إبراهيم:

باب الأمير عراء ما به أحد ... إلا امرؤ واضع كفا على ذقن

182- أبو العرجاء حمال موسى بن عيسى: لما نزلنا بستان بني عامر بعثني محمد بن سليمان إلى الحسين بن علي صاحب فخ «2» لأتجسس له،

(5/190)

فمضيت فما رأيت إلا مصليا أو مبتهلا أو ناظرا في مصحف أو معدا لسلاح، فرجعت وقلت: ما أظن القوم إلا منصورين، وأخبرته بخبرهم.

فصفق بيده وبكى حتى ظننت أنه سينصرف، ثم قال: هم والله أكرم خلق الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، نازعنا الملك لضربنا خيشومه «1» بالسيف، وسار إليهم وفعل ما فعل.

183- ولما احتضر محمد بن سليمان كانوا يلقنونه الشهادة، وهو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني، ولم أكن شهدت حسينا يوم فخ ولا الحسن.

184- إبراهيم بن عبد الله بن رجاء الجلاني في المتوكل:

إذا ما امرؤ طالت إلى المجد كفه ... فكفك منها في ذرى المجد أطول

وحسبك أن الله فوقك وحده ... وأنك فوق الناس بالحق تعدل

185- وقف على الحسن أعمى فقال: تصدقوا على من لا قائد له يقوده، ولا بصر يهديه. فأشار إلى عبيد الله بن زياد وقال: ذاك والله صاحب هذه الدار ما كان له من حشمه قائد يقوده إلى خير، وما كان له من قبل نفسه بصر يبصر به.

186- علي عليه السلام: حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله لكل على كل، فجعلها نظاما لإلفتهم، وعزا لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها حقها عز الحق

(5/191)

بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.

وإذا غلبت الرعية واليها وأجحف الوالي برعيته اختلفت هناك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الادغال في الدين، وتركت محاج السنن، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنا لك تذل الأبرار، وتعز الأشرار.

187- أسر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلم فيه الحسن والحسين فخلاه علي، فقالا له: يبايعك يا أمير المؤمنين، فقال: ألم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إن له أمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر.

188- نوف البكالي: خطب أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة، وهو قائم على حجارة نصبت له، وعليه مدرعة «1» من صوف، وحمائل سيفه ليف، وفي رجليه نعلان من ليف، وكأن جبينه ثفنة «2» بعير، ثم قال: أين أخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين «3» ؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم إلى الجنة؟ ثم ضرب بيده إلى لحيته فأطال البكاء، ثم قال: أوه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة.

ثم نادى بأعلى صوته الجهاد عباد الله، ألا وأني معسكر في يومي

(5/192)

هذا، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج. فعقد للحسين في عشرة آلاف، ولقيس بن سعد في عشرة آلاف، ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرجعة إلى صفين.

فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم، فتراجعت العساكر فكنا كالأغنام فقدت راعيها تختطفها الذئاب من كل مكان.

189- أتى جرير بن عبد الله البجلي معاوية لأخذ البيعة لعلي رضي الله عنه، فدافعه فقال له: إن المنافق لا يصلي حتى لا يجد من الصلاة بدا، ولا أحسبك تبايع حتى لا تجد من البيعة بدا. فقال معاوية: إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن، إنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي. فلما كان من الغد رفع عقيرته «1» بسمع من جرير:

تطاول ليلي واعترتني وساوس ... لآت أتى بالترهات البسابس

أتاني جرير والحوادث جمة ... بتلك التي فيها اجتداع المعاطس

أكايده والسيف بيني وبينه ... ولست لأثواب الدنيء بلابس

إن الشام أعطت طاعة يمنية ... تواضعها أشياخها في المجالس

فإن يفعلوا أصدم عليا بجبهة ... تغث عليه كل رطب ويابس

وإني لأرجو خير ما نال نائل ... وما أنا عن ملك العراق بيائس

190- المستعين حين خلع:

كل ملك مصيره للذهاب ... غير ملك المهيمن الوهاب

كل ما قد ترى يزول ويفنى ... وتجازى العباد يوم الحساب

191- أبو زبيد الطائي:

إذا نلت الأمارة فاسم منها ... إلى العيوق بالسبب الوثيق «2»

(5/193)

ولا تلك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرا فتنشب في الحلوق

وكل إمارة إلا قليلا ... مغيرة الصديق على الصديق

192- أبو حفص العدوي:

في صاعد وأخيه وابنه عظة ... لمن تسمى وزيرا بعدهم أبدا

فقل لذي نخوة من بعد نخوتهم ... وظالم ظلمهم لا تأمن القردا

193- لما اشتدت شوكة العراق على عبد الملك خطب فقال: إن نيران العراق قد علا لهيبها، وكثر حطبها، فجمرها ذاك، وزنادها وار، فهل من رجل ذي سلاح عنيد، وقلب شديد، يندب لها؟ فقال الحجاج:

أنا يا أمير المؤمنين، فجبهه مرات. ثم أعاد الكلام فلم يقم غيره، فقال:

كيف تصنع إن وليتك؟ قال: أخوض الغمرات، واقتحم الهلكات، فمن نازعني حاربته، ومن هرب طلبته، ومن لحقت قتلته. أخلط عجلة بأناة، وشدة بلين، وتبسما بإزدراء. وعلى أمير المؤمنين أن يجرب، فإن كنت المطلى قطاعا، وللأرواح نزاعا، وللأموال جماعا، وإلا استبدل بي. فقال عبد الملك من تأدب وجد بغيته، اكتبوا كتابه.

وروي أنه قال: علي بابن القرناء، فلما رآه قال: هذا غلام ثقيف الموصوف في كتاب دانيال. ليكشف عن صدره، فإذا هو بشابة سوداء في وسطها نكت «1» حمر.

فقال: هذا ورب موسى، ليقتلن بعدد كل نكتة في شامته كذا وكذا، وهي النكتة التي يعطاها السفاكون.

وذكر أنه في الكتاب شاب أنزع بطين في اسمه حاء وجيمان.

194- أعرابي: حاجب المرء عامله على عرضه.

195- آخر: حاجب المرء بعضه، وكاتبه كله.

(5/194)

196- وكان عمرو بن سعيد بن سلم في حرس المأمون ليلة، فبرز المأمون يتفقد الحرس، فقال له: من أنت؟ قال: عمرو عمرك الله وابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلمك الله. فقال: أنت تكلؤنا الليلة، قال الله يكلؤك «1» يا أمير المؤمنين، وهو خير حافظ وهو أرحم الراحمين فقال المأمون:

إن أخا هيجاك من يسعى معك ... ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب زمان صدعك ... شتت فيك شمله ليجمعك

ادفعوا له أربعة آلاف دينار. قال عمرو: فوددت الأبيات طالت.

197- قال زياد لابنه: عليك بالحجاب، فإنما تجرأت الرعاة على السباع بكثرة نظرها إليها.

198- سعيد بن المسيب: نعم الرجل عبد العزيز لولا حجابه، إن داود ابتلى الخطيئة لحجابه.

199- قال بواب المأمون يوما للوقوف على الباب: كم تقفون؟

اختاروا واحدة من ثلاث: إما أن تقفوا ناحية من الباب، وإما أن تجلسوا في المسجد، ثم سكت. قالوا: فالخصلة الثالثة؟ فلم يحسن أن يثلث فقال جئتمونا بكلام الزنادقة. فأنهيت إلى المأمون فضحك. وأمر له بألف درهم وقال: لولا أنها نادرة جهل لاستحق أكثر.

200- استأذن رجل على أمير، فقال: قولوا له إن الكرى «2» قد خطب إلى نفسي، وإنما هي هجعة «3» ثم أهب. فخرج الحاجب فقال:

قد قال كلاما لا أفهمه، إلا أنه لا يريد أن يأذن لك.

(5/195)

201- علي عليه السلام: إنما أمهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه وبذل طعامه.

202- قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابي على معاوية، فطال مقامه ببابه فصاح: من يستأذن لي اليوم فأستأذن له غدا؟ فبغت معاوية فأذن له وأكرمه.

203- ولى يزيد بن المهلب إبنه مخلدا جرجان «1» ، وقال له:

استظرف الكاتب، واستعقل الحاجب.

204- أبو الشعيب الكوفي في بشر بن مروان:

بعيد مراد العين مارد طرفه ... حذار النواشي باب دار ولا ستر «2»

ولو شاء بشر كان من دون بابه ... طماطم سود أو صقالبة حمر «3»

ولكن بشرا أيسر الباب للتي ... يكون لها في غبها الحمد والشكر

205- قال عمرو بن مرة الجهمي لمعاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمير ولا وال يغلق بابه من دون ذوي الحاجة والخلة «4» والمسألة إلا أغلق الله أسباب السماوات دون حاجته وخلته ومسألته.

206- قيل لأبي سفيان: إن عثمان حجبك، فقال: لأعدمت من قومي من إذا شاء حجبني.

207- من وجد بابا مغلقا وجد إلى جنبه بابا مفتوحا.

208- استأذن النابغة على النعمان «5» . فقال الحاجب: الملك على

(5/196)

شرابه، فقال: هو وقت الملق «1» تقبله الأفئدة وهي جذلى للرحيق والسماع، فإن تبلج «2» فلق المجد عن غر مواهبه «3» فأنت قسيم ما أخذت.

209- ابن المبارك:

أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ... ولا أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالدين على دنيا الملوك كما ... استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

210- قام رجل بين يدي بعض الملوك، فقال له: لم قمت؟ قال:

لأجلس فولاه.

211- في بعض ولاة بني مروان:

إذا ما قطعتم ليلكم بمدامكم ... وأفنيتم أيامكم بمنام

فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة ... ومن الذي يأتيكم لسلام

رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة ... بلثم غلام أو بشرب مدام «4»

ولم تعلموا أن اللسان موكل ... بمدح كرام أو بذم لئام

212- قال أبو جعفر لسلم بن قتيبة في قتل أبي مسلم، فتلا: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا

«5» . فقال: حسبك يا أبا قتيبة، هذا الرأي.

213- قال أبو جعفر لشبيب بن شبة: عظني، فقال: إن الله لم يرض لك أن يكون فوقك أحد من خلقه، فلا ترض له من نفسك بأن يكون له عبد هو أشكر منك.

(5/197)

214- لا يحمل النير ردفا، ولا يصلح ملك بين نفسين.

215-[شاعر] :

جعل ابن حزم حاجبين لبابه ... سبحان من جعل ابن حزم يحجب

216- قال زياد لعمر رضي الله عنه: أعن خيانة عزلتني أم عن تقصير؟ قال: لا عن واحد منهما، ولكن أكره أن أحمل فضل عقلك على الرعية.

- وعنه رضي الله عنه: العمل كبير فانظر كيف تخرج منه.

217- أشرف عبد الملك على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظه ذلك فقال:

إيها عن ذكر عمر فإنه أزرى بالولاة.

218- الملك في أرباب السيوف لا في ربات الشنوف «1» .

219- البديع: نهت الحكماء عن خدمة الملوك، وقالوا أن الملوك إذا خدمتهم ملوك، يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستقلون في العقاب ضرب الرقاب، يعثرون على عثرة فيبنون لها منارا ويستوقدون بها نارا، فكن من الملوك مكانك من الشمس، إنها لتؤذيك والسماء لها مدار، والأرض لها دار. فكيف لو أسفت قليلا ودنت يسيرا؟ العاقل من طلب سربا لواذا منهم وهربا، أو ابتغي في الأرض نفقا، فرارا منهم وفرقا «2» .

220- نحيم: شر السلاطين من أمنه الجريء وخافه البريء.

221- كان الوليد بن عبد الملك صاحب بناء واتخاذ للضياع، فكان الرجل في زمانه يلقى الآخر فلا يسأله إلا عن بنائه وضيعته. وكان

(5/198)

سليمان «1» صاحب أكل ونكاح، فلا يتساءلون إلا عن التزوج والتسري وصفة الطعام. وكان عمر بن عبد العزيز دينا، فيلقى الرجل الآخر فيقول:

ما وردك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى يتم ما جعلت على نفسك من الصوم؟.

222- كتب أبو حازم المدني إلى عمر بن عبد العزيز: اتق الله ولا تكن للظالمين وليا، وإياك أن تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت له بتبليغ الرسالة مصدق، وهو عليك بسوء خلافته في أمته شهيد.

223- كان عمر بن عثمان بن معمر يسترسل مع جلسائه ولا يتكبر عليهم، فقال له بعض من يتنصح: إن الوالي ينبغي له أن يمسك نفسه ويتكبر على أهل عمله. فقال: إنكم إذا وليتم ولاية وضعتموها ههنا، وأشار إلى رأسه، ونحن إذ ولينا وضعناها ههنا، وأشار تحت قدميه.

224- سعيد بن العاص: يا بني إن الولايات محن الرجال تبدي محاسنهم ومساويهم، فإن وليت فاستطعت أن تكون ذكرا حسنا فافعل.

225- عمرو بن العاص: يا بني إمام عادل خير من مطر وابل «2» ، وأسد خطوم خير من سلطان غشوم، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم.

226- استأذن سعيد بن مالك على معاوية فحجب فهتف بالبكاء، فسعى إليه الناس وفيهم كعب فقال: ما يبكيك؟ قال: وما لي لا أبكي وقد ذهب الأعلام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاوية يتلعب بهذه الأمة.

فقال كعب: لا تبك فإن في الجنة قصرا من ذهب يقال له عدن، أهله الصديقون والشهداء، وأنا أرجو أن تكون من أهله.

227- عمر رضي الله عنه: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما استعجلت أحدا من الطلقاء.

(5/199)

228- أراد عمر أن يعزل المغيرة بن شعبة عن العراق بجبير بن مطعم وأن يكتم ذلك. وأمره بالجهاز، فأحس بذلك المغيرة، فأمر جليسا له أن يدس امرأته، وكانت تسمى لقاطة الحصى، لتدور في المنازل حتى دخلت منزل جبير بن مطعم، فوجدت امرأته تصلح أمره، فقالت: إلى أين يخرج زوجك؟ قالت: إلى العمرة. قالت: كتمك، ولو كانت لك عنده منزلة لأعلمك.

فجلست متغضبة، فدخل عليها جبير وهي كذلك، فلم تزل به حتى أخبرها، وأخبرت لقاطة الحصى، ودخل المغيرة على عمر فقال: بارك الله لأمير المؤمنين في رأيه وتوليته جبيرا. فقال: كأني بك يا مغيرة فعلت كذا، فقص عليه الأمر كأنما شاهده، وقال: أنشدك الله هل كان كذلك؟ قال: اللهم نعم. ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس من يدلني على المخلط المزيل نسيج وحده؟ فقام المغيرة فقال: ما يعرف ذلك في أمتك أحد غيرك. فولاه، ولم يزل والي العراق حتى طعن عمر.

229- علي عليه السلام: لا يصلح لكم يا أهل العراق إلا من أخزاكم وأخزاه الله.

ودعا عليهم سعد بن أبي وقاص فقال: اللهم لا ترضهم بأمير، ولا ترض أميرا بهم.

230- أبو هريرة: ويل للعرب من شر قد اقترب. اللهم لا تدركني إمارة الصبيان.

231- لما أراد طاهر أن ينفذ رأس الأمين إلى المأمون قال لمحمد بن الحسين بن مصعب: صر إلى أمير المؤمنين بهذا الرأس والبردة، وقل له:

وجهت إليك الدنيا والآخرة.

232- الحسين بن الضحاك في المأمون:

رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه والله أعلم بالعبد

ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مميزة بين الضلالة والرشد

(5/200)

الباب الثالث والثمانون المنطق، وذكر الخطب، والشعر، والفصاحة والبلاغة، والعي، والإفحام، والإيجاز وما اتصل بذلك

1- النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أفصح العرب غير أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن بكر.

ولما ردته حليمة السعدية إلى مكة نظر إليه عبد المطلب وقد نما نمو الهلال، وهو يتكلم بفصاحة، فامتلأ سرورا وقال: جمال قريش، وفصاحة سعد، وحلاوة يثرب.

2- وكان شبيب بن شيبة من أفصح الناس وهو من بني سعد، وفيه يقول أبو نخلة:

إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها

من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها

3- وعنه صلى الله عليه وسلم: سيكون بعدي أمراء يعظون الحكمة على منابرهم قلوبهم أنتن من الجيف.

4- سمع النبي صلى الله عليه وسلم من عمه العباس، فقال له: بارك الله لك يا عم في جمالك. أي في فصاحتك.

- وعنه عليه الصلاة والسلام الجمال في اللسان.

(5/201)

- وقال صلى الله عليه وسلم لحسان «1» : قل فو الله لقولك أشد عليهم من وقع السهام في غلس الظلام «2» .

5- أقبح الكلام إكثار تنبسط حواشيه، وتنقبض معانيه، لا يرى معه أمد، ولا ينتفع به أحد.

6- يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء ولو حك بنافوخه عنان السماء.

7- العجلة قيد الكلام.

8- مطرف «3» : إن للكلام الطيب حول العرش دويا كدوي النحل.

9- أطال خطيب بين يدي الإسكندر فزبره «4» ، وقال: ليس تحسن الخطبة بقدر طاقة الخاطب، ولكن على حسب طاقة السامع.

10- أعرابي: نحن أمراء الكلام: فينا وشجت أعراقه، ولنا تعطفت أغصانه، وعلينا تهدلت ثماره، فنجني منه ما أحلولى وعذب، ونترك منه ما أملولح وخبث.

11- قال المهدي للربيع: أخبرني عن أرق بيت قالته العرب، قال:

بيت أمريء القيس وما ذرفت عيناك «5» . فقال: هذا بيت قد داسته العامة، ولكن:

ومما شجاني أنها يوم أعرضت ... تولت وماء العين في الجفن حائر

فلما أفاهت من بعيد بنظرة ... إلي التفاتا أسلمته المحاجر

(5/202)

12- قيل في عمرو بن الأهتم المنقري وهو المكحل، وكان من الخطباء الشعراء: كأن شعره في مجالس الملوك حلل منشرة.

13- العتابي في أبي نؤاس: لو أدرك الخبيث الجاهلية لما فضل عليه أحد.

أبو نؤاس للمحدثين كامرىء القيس للأوائل، وهو فتح لهم هذه الفطن ودلهم على المعاني.

14- دعبل «1» جمعت بين أبي نؤاس ومسلم «2» فأنشده: أجارة بيتينا أبوك غيور. وأنشده مسلم قصيدته التي فيها:

لله من هاشم في أرضه جبل ... وأنت وابنك ركنا ذلك الجبل

فقلت لأبي نؤاس: كيف رأيته؟ قال: هو أشعر الناس بعدي، وسألت مسلما فقال: أنا أشعر الناس بعده.

15- جرير: أدركت الأخطل وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني.

16- سئل علي عليه السلام عن اللسان، فقال: هو معيار أطاشه الجهل وأرجحه العقل.

17- قال المعتصم لأحمد بن داود: إني لأسألك عما أعرف لأسمع حسن ما تصف.

18- قلما ينصف اللسان في وصف إساءة أو إحسان.

19- زياد ابن أبيه: الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدني.

(5/203)

20- قال معاوية لعبد الرحمن بن الحكم: بلغني أنك لهجت بقول الشعر، قال: هو ذاك، قال: فإياك والمدح، فإنه طعمة الوقاح من الرجال، وإياك والهجاء، فإنك تحنق به كريما، وتستثير به لئيما، وإياك والتشبيب بالنساء، فإنك تفضح الشريفة، وتغر العفيفة. ولكن أفخر بمفاخر قومك، وقل من الأشعار ما تزين به نفسك، وتؤدب به غيرك.

21- قيل لأبي علي الأموي: دعبل أشعر أم الطائي؟ فقال: أما إني والله خائف أن أصفع دعبلا بنعل الطائي فأضع من قدر صاحبها.

22- سهل بن هارون: اللسان والشعر الجيد لا يكادان يجتمعان في أحد.

23- سمع خالد بن صفوان مكثارا يتكلم، فقال: يا هذا، ليست البلاغة بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقصد إلى الحجة.

24- ابن المعتز:

ليس له ناقد فيعرفه ... وآفة التبر ضعف منتقده «1»

25- عبيد بن سفيان العكلي:

فتى كان يعلو مفرق الحق قوله ... إذا الخطباء الصيد عضل قيلها «2»

26- علي عليه السلام: اللسان سبع إن خلا عقر.

27- سمع الرشيد أولاده يتعاطون الغريب في محاورتهم، فقال: لا تحملوا ألسنكم على الوحشي من الكلام، ولا تعودوها الغريب المستشنع، ولا السفساف «3» المتصنع، واعتمدوا سهولة الكلام ما ارتفع عن طبقات

(5/204)

العامة، وانخفض عن درجة المتشدقين، وتمثل ببيت الخطفي جد جرير:

إذا نلت إنسي المقالة فليكن ... به ظهر وحشي الكلام محرما

28- عرضت على المتوكل جارية شاعرة، فسأل أبا العيناء أن يستجيزها «1» ، قال: أحمد الله كثيرا. فقالت: حين أنشاك ضريرا، فقال: يا أمير المؤمنين قد أحسنت في إساءتها. فاشتراها.

29- قيل للفرزدق: ما صيرك إلى القصار بعد الطول؟ فقال: إني رأيتها في الصدور أولج، وفي المحافل أجول.

30- قال بعض الشعراء:

أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب»

تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب

فبادر العبيد ليوقعوا «3» به، فقالت زبيدة: كفوا عنه فإنه لم يرد إلا خيرا، ومن أراد خيرا فأخطأ خير ممن أراد شرا فأصاب، سمع الناس يقولون: قفاك أحسن وجه غيرك، وشمالك أندى من يمين سواك. فقدر أن هذا مثل ذاك. أعطوه ما أمل وعرفوه ما جهل.

31- قال أبو سفيان لابن الزبعري: لو أسهبت، فقال: حسبك من الشعر غرة واضحة، أو سمة فاضحة.

32- فيلسوف: كما أن الآنية تمتحن بأطنابها «4» ، فيعرف صحيحها من منكسرها، فكذلك الإنسان يتعرف حاله بمنطقه.

(5/205)

33- قال عبد الملك لرجل: حدثني، قال: يا أمير المؤمنين افتتح، فإن الحديث يفتح بعضه بعضا.

34- خالد بن صفوان: لا تكن بليغا حتى تكلم أمتك السوداء، في الليلة الظلماء، في الحاجة المهمة، بما تتكلم به في نادي قومك. وإنما اللسان عضو إذا مرنته مرن وإذا أهملته حار.

35- حكيم: إن اللسان إذا كثرت حركته رقت عذبته.

36- دعبل:

يسل من فكيه كالحسام ... صفيحة تلعب بالكلام

37- قيل لسهل بن هارون: ما البلاغة؟ فقال: الكلام المنحدر على الغريزة على رسل «1» تحدر الدر من عقد أسلمته كف جارية إلى حجرها، لا يحمل فيه اللسان على غير مذهب السجية فيظهر فيه فج التكلف.

38- أعرابي: أخذ بزمام الكلام فقاده أسهل مقاد، وساقه أحسن مساق، حتى استرجع به القلوب النافرة، واستصرف به الأبصار الطامحة.

39- وقع جعفر البرمكي على ظهر رقعة قصيرة: إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيرا، وإذا كان الإيجاز كافيا كان الإكثار عيا.

40- أعرابي: كان والله مطلول المحادثة، ينبذ إليك الكلام على أدراجه، كأن في كل ركن من أركانه قلبا يعقل.

41- قيل لأعرابي: ما بال مراثيكم أجود؟ فقال: لأنا نقولها وأكبادنا تحترق.

42- سئل بعض العلماء عن بلاغة الأمين فقال: والله لقد أتته الخلافة يوم الجمعة، فما كان إلا ساعة حتى نودي الصلاة قائمة، فخرج

(5/206)

ورقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، وخصوصا يا بني العباس، إن المنون مراصد ذوي الأنفاس، حتم من الله لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تجروا أثواب الصابرين، وتعطوا أجور الشاكرين. فتعجبوا من بلة ريقه وجودة عارضته.

43- ذكر الحسن بني أمية وخطبهم فقال: أخصب ألسنة وأجدب قلوب. قال المبرد: قلت لمجنون أجز لي هذا البيت «1» :

أرى اليوم يوما قد تكاثف يومه ... وإبراقه فاليوم لا شك ماطر

فقال:

وقد حجبت فيه السحائب شمسه ... كما حجبت ورد الخدود المعاجر «2»

44- أعرابي: قد رعى الشيح «3» ، واستروح تلك الريح.

45- رؤبة «4» : ما رأيت أروى لأشعارنا من أبي مسلم من رجل يرتضح لكنة أعجمية.

46- قال أبو زيد: وإذا قال رؤبة لرجل يرتضخ لكنة فهو من أفصح الناس.

47- فيلسوف: من كانت له حكمة أو أدب فلينطق به، فإن السكوت أولى بالجاهل من الأديب.

48- أعرابي: كان لسانه أرق من ورقة، وألين من سرقة.

(5/207)

49- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: ما بقي من لسانك؟ فأخرج لسانه حتى ضرب بطرفه جبهته، ثم قال: والله ما يسرني به مقول «1» من معد، والله لو وضعته على صخر لفلقه، أو على شعر لحلقه.

50- عرض عقبة بن رؤبة على أبيه شعرا فقال: كيف تراه؟ قال:

إن أباك ليعرض له مثل هذا يمينا وشمالا فلا يلتفت إليه.

51- قيل لابن المقفع: لم لا تقول الشعر؟ فقال: الذي يجيئني لا أرضاه، والذي أراه لا يجيئني.

52- قال الهيثم بن صالح لابنه: يا بني، إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب، وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصواب، قال: يا أبت، فإن أكثرت وأكثرت، يعني كلاما وصوابا، قال: يا بني، ما رأيت موعوظا أحق بأن يكون واعظا منك.

53- أنشد الجاحظ:

فإن المنبر الشرقي يشكو ... على العلاف إسحاق بن شمر

أضبي على خشبات ملك ... كمركب ثعلب ظهر الهزبر «2»

54- الأحنف: الكلام أفضل من الصمت، لأن الصمت لا يعدو فضله فاعله، وفضل المنطق ينتفع به من سمعه.

55- الكلمة مربوقة ما لم تنجم من الفم، فإذا نجمت فهي سبع مجرب أو نار تلهب.

56- حصر خطيب بعد قوله الحمد لله فكرره، فقال مخنث: الذي ابتلانا بك.

(5/208)

57- قيل لكثير «1» : كيف تصنع إذا عز عليك قول الشعر؟ قال:

أطوف في الرباع المحيلة، والرياض المعشبة، فيسهل علي أريضه، ويسرع إلي أحسنه.

58- آخر: ما استدعى شارد الشعر بمثل الماء الجاري، والشرف العالي، والمكان الخضر الخالي. وله أوقات يسرع فيها أتيه ويسمح أبيه.

59- قيل لزيد بن علي: الصمت خير أم الكلام؟ فقال: أخزى الله المساكنة! فما أفسدها للسان وأخلبها للحصر «2» ! فو الله لمماراة ساعة أسرع هدم العي من النار في يبيس العرفج «3» . ومن السيل في الحدور «4» .

60- أفحم النابغة الجعدي أربعين عاما، ثم أن بني جعدة غزوا وظفروا، فاستخفه الفرح، فرام القريض فذل له ما ساتصعب عليه. فقالوا والله لنحن باطلاق لسان شاعرنا أسر منا بالظفر بعدونا.

61- بعض المازنيين:

ختم الإله على لسان عذافر ... ختما فليس على الكلام بقادر

وإذا أراد النطق خلت لسانه ... لحما يحركه لصقر فاقر

62- كان بعض ولد الزبير يسأل عما لا يحفظ من شعر عمر بن أبي ربيعة، فإذا ذكر له شيء كتبه ويده ترتعد من الفرح.

63- كان جرير إذا أنشد شعر عمر بن أبي ربيعة قال: شعر تهام إذا أنجد وجد البرد، حتى إذا سمع قوله:

(5/209)

رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشي فيخصر «1»

فقال: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.

64- أبو نؤاس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء «2» وليلى «3» ، فما ظنك بالرجال؟.

65- قيل للزهري «4» : ههنا قوم نساك يعيبون رواية الشعر، قال نسكوا نسكا أعجميا.

66- وعن مسلم بن يسار سمعت ابن المسيب ينشد شعرا، فقلت:

أتنشد الشعر؟ فقال: أو ما تنشدون؟ قلت: لا، قال: لقد نسكتم نسكا أعجمية، وقد قال رسول الله: شر النسك نسك الأعاجم.

67- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشعر جزل من كلام العرب يشفى به الغيظ، ويوصل به إلى المجلس، وتقضى به الحاجة.

68- الخليل بن أحمد: الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه أنى شاؤوا وجاز لهم فيه ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تسهيل اللفظ وتعقيده، ومد مقصوره وقصر محدوده، والجمع بين لغاته، وترصيف بين صلاته، واستخراج ما كلت الألسن عن نعته، والأذهان عن فمه.

(5/210)

يبعدون القريب، ويقربون البعيد، يحتج بهم ولا يحتج عليهم.

69- بعض الروم: اختصار المعاني وحذف الفضول سلالة البلاغة.

70-[شاعر] :

أبى الشعر إلا أن يفيء رديئه ... علي ويأبى منه ما كان محكما

فياليتني إذ لم أجد حوك وشيه ... ولم أك من فرسانه كنت مفحما

71- مدح الفرزدق هشاما فأجازه بأربعة لآف، فتسخطها وتمثل ببيت زهير:

ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم

ومدحه جرير فكان مثل ذلك، فحكي للفرزدق فقال: نعم شيطاننا واحد، يلم به مرة وبي مرة.

72- سئل بعضهم عن البلاغة فقال: من عمد إلى معان كثيرة فأداها بلفظ قليل، أو معان قليلة ففخمها بلفظ جليل.

73- قال سليمان بن زيد العدوي لعمرو بن عبيد: يا أبا عثمان، قلبي متأق من الشعر. فقال له: قل في رفض الدنيا. فجعل شعره في الزهد.

74- قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلغ بك الجنة، وعدل بك عن النار، وما بصرك مواقع رشدك، وعواقب غيك. حتى قال:

كأنك تريد تخير اللفظ في حسن إفهام.

75- الشعبي «1» : كنت أحدث عبد الملك وهو يأكل، فيحبس اللقمة، فأقول؛ أجزها أصلحك الله فإن الحديث من ورائك، فيقول:

والله لحديثك أحب إلي منها.

(5/211)

76- ابن عيينة «1» : الصمت منام العلم، والمنطق يقظته، ولا منام إلا بيقظة، ولا يقظة إلا بمنام.

77- ابن المبارك رحمه الله:

وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله

78- ليث بن نصر بن سيار: كنت أجمع بين رؤبة وابنه عقبة فيتسابان، فيقول له عقبة: أنا أشعر منك، فيقول له رؤبة: أسكت فانك ذهبان الشعر. يريد يسقط شعرك فلا يروى، وهو صفة على فعلان من الذهاب، كذلك فرس قطوان وصميان.

79- سئل يونس بن حبيب: أي الثلاثة أشعر؟ يعني جريرا والفرزدق والأخطل. قال: اتفقت العلماء على أن أشعرهم الأخطل. قيل من هم؟

قال: أبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن أبي إسحاق، وميمون الأقرن، وعنبسة الفيل، وعيسى بن عمر، هؤلاء الذين طرقوا الكلام وما شوه، فعلموا أمثلة وأبينة، لا كمن تحكون عنهم لا بدبريين ولا نحويين.

80- الفضل بن الربيع: إن من الشعر بيوتا ملس المتون، قليلة العيون، إن فقدتها لم تبالها، وإن سمعتها لم تفكه لها.

81- وصف رجل قوما بالعي فقال: منهم من ينقطع كلامه قبل أن يصل إلى لسانه، ومنهم من لا يبلغ كلامه أذن جليسه ومنهم من يفسد الآذان فيحملها إلى الأذهان شرا طويلا.

82- قيل لمعافي بن عمران: ما تقول في رجل يقول الشعر يلهج به؟ قال: هو عمرك فافته بما شئت.

83- ابن الرومي:

لقد ذهب الشعر والقائلوه ... وقل البصير بأبصارهم

(5/212)

فلو أن محتسبا عادلا ... على الشعراء وأشعارهم

لأفلت من يده عشرهم ... ودرر تسعة أعشارهم

84- لقمان: يا بني، لا تقبل بحديثك على من لا يسمعه، فإن نقل الصخور من رؤوس الجبال أيسر من محادثة من لا يسمع.

85- عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قسا قلبه، ومن قسا قلبه قل ورعه.

86- زياد بن أبيه: لحديث أسمعه من عاقل أحب من سلافة «1» فثئت «2» بماء ثغب «3» في يوم ذي وديقة «4» .

87- يجيش صدره إذا ارتجل كما جاش بجزل الحطب المرجل «5» .

88- إن هذه الأبيان لا تتجاوز الأبيات.

89- ليس من الصيارفة الصيارفة الجهابذة، وما كلامه إلا من خرافات الهرابذة. الهرابذة جمع هربذ وهو القائم على نار المجوس.

90- يقال: للمسحل «6» : ينحت عن غير عضاهه، ويغرف من غير مياهه.

91- الكلمة إذا ندت من الفم لم يملك مقودها «7» .

92-[شاعر] :

(5/213)

القول لا تملكه إذا نما ... كالسهم لا تملكه إذا رمى

93- لقي وجه الصواب ولقن فصل الخطاب.

94- من هو أقل من الصواب في مفرقي يتتبع الصواب في منطقي.

95- قال أعرابي لابنه: مالك ساكتا والناس يتكلمون؟ قال: لا أحسن ما يحسنون. قال: إن قيل لا فقل أنت نعم، وإن قيل نعم فقل أنت لا، وشاغبهم ولا تقعد غفلا لا يشعر بك.

96- كان ذو الرمة «1» يقول: إذا قلت كأن ولم أجد لها مخرجا فقطع الله لساني.

97- أبو جعدة: ما أبرم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرا قط إلا تمثل ببيت شعر معقر بن حمار البارقي:

الشعر لب المرء يعرضه ... والقول مثل نوافذ النبل

منه المقصر عن رميته ... ونوافذ يذهبن بالخبل

98- سئل جرير عن نصيب فقال: هو أشعر أهل جلدته. فقال عمر ابن لجأ: ما يقال لمثله أشعر أهل جلدته، ولا أشعر أهل بلدته. يقال:

أشعر الناس وإن كان فيهم من هو أشعر منه.

99- لكل شيء لسان، ولسان الزمان الشعر.

100- أبو بكر رضي الله عنه: مر به رجل معه ثوب، فقال:

أتبيعه؟ قال: لا رحمك الله. فقال أبو بكر: قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون، ألا قلت: لا ورحمك الله.

101- ومنه ما حكي أن المأمون قال ليحيى بن أكثم: هل تغديت؟

قال: لا وأيد الله أمير المؤمنين. فقال المأمون: ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها!.

(5/214)

102- وكان الصاحب يقول هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ.

103- يقال للحشو الحسن، نحو قوله وبلغتها، حشو اللوزينج، وللحشو القبيح حشو الأكر.

104- قال جحظة: أنشدت أبا الصقر فقال: يا أبا الحسن، لا تزال تأتينا بالغرر الدرر إذا جاءنا غيرك بحشو الأكر.

105- محمد بن الحسين بن علي: إني أكره أن يكون مقدار اللسان من الرجل فاضلا على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه زائدا على مقدار عقله.

106- حج مع ابن المنكدر شبان، فكانوا إذا رأوا امرأة جميلة قالوا قد برقنا، وهم يظنون أنه لا يفطن، فرأوا قبة فيها امرأة فقالوا بارقة، وكانت قبيحة، فقال ابن المنكدر صاعقة.

107- وكان أصحاب أبي علي الثقفي إذا رأوا جميلة قالوا: حجة، فعنت لهم قبيحة، فقال لهم داحضة.

108- شر الخطباء من إذا خطب خبط.

109- اللسان سبع صغير الجرم عظيم الجرم.

110- أطال ربيعة الرأي «1» الكلام وعنده أعرابي، فقال له: ما تعدون البلاغة فيكم؟ قال: ضد ما كنت فيه منذ اليوم.

(5/215)

111- عمر رضي الله عنه: أقل أهل المروءات أقدارا من كان الشعر دليل مروءته.

112- وفد عمر بن أبي ربيعة على عبد الملك فرحب به وأجلسه على سريره، فقال له: يا أبا الخطاب، هل أطرافتنا ببعض مديحك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن آل المغيرة كانوا يمدحون ولا يمدحون، ولست أول من أبدع ذلك فيهم. فقال: إذا كان الشاعر من قريش فليكن مثله.

113- عيسى بن فرخانشاه:

سحبان يقصر عن بحور بيانه ... عجزا ويغرق منه تحت عباب

وكذاك قس ناطقا بعكاظه ... يعيي لديه بحجة وجواب

114- استوفد الفضل بن سهل مسلم بن الوليد «1» من البصرة إلى مرو فأمره بمعارضة دالية طرفة «2» ، فكان يغدو ويروح يكتب بين كل سطرين سطرا، فلما فرغ قال المأمون: تمن. قال: قرية القر بجرجان. فاشتريت له، فهي اليوم لعقبه.

115- كان شبيب بن شيبة المنقري أحد الخطباء المصاقع، فأمره المهدي بقتل رجل من أسارى الروم فأبى، فقال أبو الهول الحميري:

فزعت من الرومي وهو مقيد ... فكيف إذا لا قيته وهو مطلق

فنح شبيبا عن قراع كتيبة ... وأدن شبيبا من كلام يلفق

(5/216)

فلم يخطب بعد هذا البيت خطبة إلا وفيها اضطراب.

116- كتب إبراهيم بن المهدي: إياك والتتبع لوحشي الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإن ذلك العناء الأكبر، وعليك بما سهل مع تجنبك ألفاظه السفل.

117- قال شبيب بن شيبة: ما رأيت أبين بيانا، ولا أرق لسانا، ولا أربط جأشا، ولا أبل ريقا، ولا أغمض عروقا، ولا أومض بروقا، في تناثر كلامه، إذا وقف للخطبة على مقامه، من صالح ابن أمير المؤمنين أبي جعفر.

118- قال من سمع ذلك: ما رأيت بعد ذلك صالحا إلا أربدت عيني عنه وعن كنه «1» النظر إليه هيبة وجلالا.

119- قالت جارية ابن السماك له: ما أحسن كلامك لولا أنك تكثر تكراره، وتكرار ترداده! قال: أردده يفهمه من لم يفهمه. قالت: فإلى أن يفهمه من لم يفهمه قد مله من فهمه.

120- بعث إلى الوليد عمه عبد الله بقطيفة، وكتب إليه: بعثت إليك بقطيفة حمراء حمراء حمراء. فكتب إليه: وصلت القطيفة وأنت يا عم أحمق أحمق أحمق.

121- عمر رضي الله عنه: تعلموا محاسن الشعر فإنه يدل على مكارم الأخلاق.

122- مكتوب في التوراة: لا يعاد الحديث مرتين.

123- الشعبي: وجهني عبد الملك إلى أخيه عبد العزيز، فقدمت عليه مصر وهو واليها، فقدمت على رجل سخي صدوق اللسان، فقلت له يوما: أصلح الله الأمير، إنك تبلغ في منطقك وأنت في مجلسك. ولا

(5/217)

تفعل ذلك على منبرك، فقال: يا شعبي، إنني لأستحي من الله أن أقول على منبري خلاف ما يعلم الله من قلبي.

124- القول على حسب همة القائل يقع، والسيف بقدر عضد الضارب يقطع.

125- دارا الأكبر: خير الكلام حمد من خلق ورزق، وأنطق ووفق.

126- ابن عمرو الكندي قال لابنه امرىء القيس: يا بني إن أحسن الشعر أكذبه، ولا يحسن الكذب بالملوك.

127- لما ورد قتيبة بن مسلم خراسان قال: من كان في يده شيء من مال عبد الله بن خازم فلينبذه، ومن كان في فيه فيلفظه، ومن كان في صدره فلينفثه. فتعجبوا من حسن تفصيله.

128- تكلم قوم عند سليمان بن عبد الملك فأساؤوا، ثم تكلم رجل فأحسن، فقال: كان كلامه غب كلامهم مطرة لبدت عجاجه «1» .

129- قال المهتدي بالله الخليفة من بني العباس: عاون على الخير تغنم، ولا تجزه فتندم. فقيل له: هذا بيت شعر. فقال والله ما تعمدته.

130- قال المعتضد لأحمد أبي الطيب: يا سرخسي، إن في لسانك طولا وفي عقلك قصرا.

131- قال معاوية لصحار بن عياش العبدي: ما هذه البلاغة فيكم؟

قال: شيء يعتلج في صدورنا فنقذفه على ألسنتنا كما يقذف البحر الزبد.

132- أوفد زياد ابنه عبيد الله على معاوية، فقال له: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أفرضت الفرائض؟ قال: نعم، قال: أرويت الشعر؟ قال: لا. فكتب إلى زياد: بارك الله لك في إبنك، فقد وجدته

(5/218)

كاملا، فروه الشعر، فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول: ارووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق وينفي مساوئها، وتعلموا الأنساب فرب رحم مجهول قد وصلت بعرفان النسب، وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر ولا تجاوزوا.

ولقد هممت بالهرب يوم صفين فما ثبتني إلا قول عمرو بن الأطنابة «1» :

أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

133- بعضهم: ما كتبت كتابا إلى ابن المقفع فاجتهدت في إيجازه إلا كتب أوجز منه. كتبت إليه نحن صالحون فكيف أنتم؟ فكتب: نحن لكم.

134- قيل للعتابي «2» : ما البلاغة؟ قال: كل من أفهمك حاجته دون إعادة ولا حبسة ولا استعانة فهو بليغ. قيل له: وما الاستعانة؟ قال:

أما تره إذا حدث قال: يا هناه، واسمع إلي، وأفهم، وأ لست تفهم؟ هذا كله عي وفساد.

135- أنشد عبد الرحمن بن حسان أباه شعرا، فقال: يا بني، إن شيطاني جاءني بهذا كله البارحة فرددته عليه.

136- قال معاوية لدغفل «3» النسابة: ابغني رجلا يسامرني أعلم

(5/219)

منك. استريح منك إليه ومنه إليك. فقال يا أمير المؤمنين، أنا أعلم مني. فضحك معاوية وقال: أظن كثرة الكلام قد أغفل عقل دغفل.

137- أبو عمرو بن العلاء: لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يتكلف حوك الشعر.

138- اجتمع الشعراء عند موت المهدي، واندس بينهم اسكاف، فأنكروه فسألوه، فقال: شاعر، فاستنشدوه فقال: مات الخليفة أيها الثقلان «1» ، فأعجبوا بمفتتح شعره، فقالوا: تمر في المصراع الثاني، فقال: فكأنني أفطرت في رمضان. فاستضحكوا منه.

139- ورثى عبد الله بن طاهر رجل فقال:

مات الأمير وكان بازا قارحا ... نعم المجبر للطحال الفاسد «2»

140- دخل على المأمون جماعة من بني العباس، فاستنطقهم فوجدهم لكنا «3» مع يسار وهيئة، فقال: ما أبين الخلة «4» فيهم! لا أقول في أيديهم ولكن في ألسنتهم.

141- خطب المأمون فقال: اتقوا الله عباد الله، وأنتم في مهل، بادروا للأجل، ولا يغرنكم الأمل، فكأني بالموت قد نزل، فشغلت المرء شواغله، وتولت عنه بواطله، وهيئت أكفانه، وبكاه جيرانه، وصار إلى المنزل الخالي، بجسدة البالي، قد فارق الرفاهية، وعاين الكراهية، فوجهه في التراب عفير «5» ، وهو إلى ما قدم فقير.

(5/220)

142- ما رأيت على امرأة أحسن من شحم، ولا على رجل أحسن من فصاحة.

143- الشعبي: ما سمعت أحدا يخطب إلا تمنيت أن يسكت مخافة أن يخطىء ما خلا زيادا فإنه لا يزداد إكثارا إلا إزداد إحسانا.

144- ارتج «1» على خالد بن عبد الله القسري فقال: إن هذا القول يجيء أحيانا ويذهب أحيانا، فيمتد عند مجيئه سببه، ويعز عند غروبه طلبه، وربما كوبر فأبى، وعولج فقسا، وقد يختلج من الجريء جنانه، وقد يرتج على البليغ لسانه.

145- كان أيوب يقول: ما أحد سمع كلام الحسن إلا ثقل عليه كلام الرجال بعده.

146- أعرابي:

إني إذا استنشدت لا أحنبطي ... ولا أزيد كثرة القميطي

147- الأحنف سمعت كلام أبي بكر حتى مضى، وكلام عمر حتى مضى، وكلام عثمان حتى مضى، وكلام علي حتى مضى، ولا والله ما رأيت فيهم أبلغ من عائشة.

148- قال معاوية: ما رأيت أبلغ من عائشة، ما أغلقت بابا فأرادت فتحه إلا فتحته، ولا فتحت بابا فأرادت اغلاقه إلا أغلقته.

149- ابن عون: كنت أشبه لهجة رؤبة «2» بلهجة الحسن.

150- قال المنتجع لرجل: ما علمت ولدك؟ قال: الفرائض.

(5/221)

قال: إنما ذلك علم الموالي لا أبا لك. علمهم الرجز فإنه يهرت أشداقهم.

151- لم ير قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر. وكان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء فلا يميز عن مقولهم، ثم نسك وكان يختم القرآن كل يوم وليلة. وبذل له بعض الملوك مالا خطيرا على أن يتكلم في بيت شعر شكوا فيه فأبى.

152- أنشد أبو مقاتل الضرير الحسن بن زيد بن علي قصيدة أولها:

الله فرد وابن زيد فرد. فزبره «1» وقال: بغيك التراب، هلا قلت: وابن زيد عبد، ونزل عن سريره فسجد لله، وعفر جبينه وكرر: الله فرد وابن زيد عبد.

153- ابن برد الشامي الفقيه:

قد جاءني لك شعر لم يكن حسنا ... ولا صوابا ولا قصدا ولا سددا

وجدت فيه عيوبا غير واحدة ... ولم أزل لعيوب الشعر منتقدا

كأن ذا خبرة بالشعر جمعه ... ثم انتقى لك منه شر ما وجدا

إني نصحتك فيما قد أتيت به ... من الفضائح نصح الوالد الولدا

فعد عن ذاك وادفنه كما دفنت ... هر خراها ولم تعلم به أحدا

154- كان بين سلمة بن عياش القرشي وبين أبي حية النميري صداقة، فقال لأبي حية يوما: أتدري ما يقول الناس؟ قال: ما يقولون؟

قال: يزعمون أني أشعر منك. فقال أبو حية: إنا لله هلك الناس.

155- محمد بن عبد الله بن أسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم: قال لي أبي: يا بني، أنا شاعر، وأبي شاعر، وجدي شاعر، وجد أبي شاعر. لا ينقطع بك الحبل.

(5/222)

156- أتى أمرؤ القيس قتادة بن التوأم اليشكري وإخوته، فقال للحارث أجز: أحار ترى بريقا هب وهنا «1» . فقال: كنار مجوس تستعر استعارا. فقال قتادة:

أرقت له ونام أبو شريح ... إذا ما قلت قد هدأ استطارا

أبو شريح كنية الحارث، فقال الحارث:

كأن هزيزه بوراء غيب ... عشار وله لاقت عشارا «2»

فقال أخوهما الثالث:

قلما أن علا شرجي أضاخ ... وهت أعجاز ريقه فحارا

فلم يترك ببطن السر ظبيا ... ولم يترك بجلهتها حمارا «3»

فقال امرؤ القيس: إني لأعجب من بيتكم هذا كيف لا يحترق عليكم من جودة شعركم. فقيل لهم بنو النار.

157- عبد الله بن المعتز: شعر آل أبي حفصة كماء أسخن وصب في قدح، فكان أيام مروان الأكبر على حرارته، ثم انتهى إلى عبد الله بن السمط، ففتر، ثم إلى إدريس وأبي الجنوب فبرد، ثم إلى مروان الأصغر فاشتد برده، ثم إلى أبي متوج فثخن لبرده، ثم إلى متوج فجمد.

158- أبو أحمد يحيى بن المنجم:

رب شعر نقدته مثل ما ينقد رأس الصيارف الدينارا

لو تأنى لقالة الشعر ما أس ... قط منه حلوا به الأشعارا

(5/223)

159- علي عليه السلام: وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ولم يكن من قبل ذلك كائنا، ولو كان قديما لكان إلها ثانيا.

160- وسئل علي عليه السلام عن أشعر الشعراء، فقال: إن القوم لم يجروا في حلبة تعرف الغاية عند قصبتها، فإن كان ولا بد فالملك الضليل «1» 161- محمد بن أبي عائشة: إذا أراد المتكلم بكلامه غير الله زل عن قلوب جلسائه كما يزل الماء عن الصفا «2» .

162- حسان بن ثابت: إنا إذا نافرتنا «3» العرب فأردنا أن نخرج الحبرات من شعرنا أتينا بشعر قيس بن الخطيم، وكان من النبيت بن مالك بن أوس.

163- الجاحظ: كان واصل بن عطاء ينزع الراء من كلامه المرتجل، ولست أعني خطبه المحفوظة ورسائله المجلدة، لأن ذلك يحتمل الصنعة. وقال فيه أبو الطروق الضبي.

عليم بابدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحق باطله

164- زعم بشار أن المسلمين كفروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له:

وعلي أيضا؟ فأنشد: وما شر الثلاثة أم عمرو. فقال واصل عند ذلك: أما لهذا الملحد أما لهذا الأعمى المشنف المكتني بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه في

(5/224)

جوف منزله في يوم حفله، ثم كان لا يتولى ذلك منه إلا عقيلي أو سدوسي. أبدل الملحد من الكافر، والأعمى من الضرير، والمشنف من المرعث، وأبا معاذ من بشار وابن برد. والغالية من المنصورية والمغيرية، ويبعج من يبقر، وبعث من أرسلت. وذكر بني عقيل وبني سدوس لأنه كان نازلا فيهم.

165- وكان بشار قبل أن يدين بالرجعة يمدح واصلا «1» ، فمن قوله فيه يذكر خطبة ارتجلها ونزع منها الراء:

تكلف القول والأقوام قد حفلوا ... وعبروا خطبا ناهيك من خطب

فقام مرتجلا تغلي بداهته ... كمرجل القين لما حف باللهب «2»

وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراف في الطلب

166- قال معاوية يوما: من أفصح الناس! فقام رجل من جرم فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق، وتيامنوا عن كشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير. قال معاوية: فمن أولئك؟ قال قومي.

167- سئل حماد الراوية عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فقال: ذلك الفستق المقشر لا يشبع منه.

(5/225)

168- الأصمعي: أنشد ابن أبي ربيعة عبد الله بن عباس أو طلحة بن عبيد الله قصيدة، فما زال شانقا ناقته حتى كتبت له.

169- قحطت «1» البادية في أيام هشام بن عبد الملك، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يتكلموا، وفيهم درواس بن حبيب، ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه:

ما يشاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان! فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن للكلام نشرا وطيا وأنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذنت لي أن أنشره نشرته. قال: أنشر لا أبالك! وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنه، فقال: إنه أصابتنا سنون «2» ثلاث: سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة أنفقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله تعالى ففرقوها في عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين. فقال هشام: ما ترك لنا الغلام في واحدة من الثلاثة عذرا. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار وله بمائة ألف درهم.

فقال: أرددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب، فإني أخاف أن تعجز عن بلوغ كفايتهم. فقال: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين. فخرج وهو أنبل القوم.

170- مر الزبير رضي الله عنه بمجلس من الصحابة وحسان ينشدهم من شعره، وهم غير نشاط لما يسمعون، فجلس معهم الزبير وقال: ما لي أراكم غير أذنين لما تسمعون من شعر ابن الفريعة «3» ؟ فلقد كان يعرض به لرسول الله فيحسن استماعه، ويحول عليه أثوابه «4» ، ولا يشتغل عنه بشيء. فقال حسان:

(5/226)

أقام على عهد النبي وهديه ... حواريه والقول بالفعل يعدل «1»

وإن امرأ كانت صفية أمه ... ومن أسد في بيتها لمرفل «2»

فكم كربة ذب الزبير بسيفه ... عن المصطفى والله يعطي ويجزل «3»

ثناؤك خير من فعال معاشر ... وفعلك يا بن الهاشيمة أفضل «4»

171- كان الحسين بن علي يعطي الشعراء، فقيل له، فقال: خير مالك ما وقيت به عرضك.

172- أبو الزناد: ما رأيت أروى للشعر من عروة.

فقلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله! فقال: ما روايتي مع رواية عائشة؟ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت شعرا.

173- تناشدوا عند عمر رضي الله عنه قول طرفة:

ولو ثلاث هن من لذة الفتى ... وجدك لم أحفل متى قام عودي «5»

فمنهن سبقي العاذالات بشربة ... كميت متى تعل بالماء تزبد

وكري إذا نادى المضاف مجنبا ... كسيد الغضا نبهته المتورد «6»

وتقصير يوم الدجن والدجن معجب ... ببهكنة تحت الخباء المعمد «7»

فقال عمر: وأنا والله لولا ثلاث: أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب لله، أو أجالس قوما يتلقطون أطايب الحديث كما يتلقط

(5/227)

أطايب الثمر، لأحببت أن أكون قد لحقت بربي.

174- امتدح أبو أسماء عليا عليه السلام بصفين فقال:

وجدنا عليا إذ بلونا فعاله ... صبورا على اللأواء صلب المكاسر «1»

هو الليث إن جربته وندبته ... مشى حاسرا للموت أو غير حاسر «2»

يجود بنفس للمنايا كريمة ... علي إذا ما جاد كل مغاور

يصول علي حين يشتجر القنا ... ويضرب رأس المستغيث المساور «3»

فقال له عليه السلام: رحمك الله أبا أسماء، وأسمعك خيرا وأراكه، فإنك من قوم نجباء، أهل حسبة ووفاء. ووهب له مملوكا.

ومدحه كعب بن زهير بشعر يقول فيه:

صهر النبي وخير الناس كلهم ... فكل من رامه بالفخر مفخور

فأجازه بجائزة سنية، وكساه، ووهب له فرسا.

175- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل ويقول: كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنما قال الشاعر:

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا، فجعل لا يطيقه، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله. وتلا: وما علمناه الشعر وما ينبغي له

«4» .

176- الفرزدق: ما رأيت أحدا أشعر من ابن حطان «5» . فقال له ابن

(5/228)

شبرمة «1» : كيف ذاك؟ قال: لو أراد أن يقول مثل ما نقول لقال، وإنا لا نحسن ما قاله.

177- عن ابن شبرمة: ليتني كويت بكل بيت قلته كية تبلغ العظم، مع ما أني لم أقذف محصنة، ولم أنف رجلا من أبيه.

178- في الحديث: لما فتحت مكة رن إبليس رنة، فاجتمعت إليه ذريته فقال: أيأسوا من أن تردوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومهم هذا، ولكن أفتنوهم في دينهم، وافشوا فيهم النوح والشعر.

179- بشار بن برد يصف نفسه:

زور ملوك عليه أبهة ... يعرف من شعره ومن خطبه

لله ما راح في جوانحه ... من لؤلؤ لا ينام عن طلبه

يخرج من فيه في الندى كما ... يخرج ضوء السراج من لهبه

ترنو إليه الحداث غادية ... ولا تمل الحديث عن عجبه

تلعابة تعكف الملوك به ... تأخذ من جده ومن لعبه «2»

يزدحم الناس كل شارقة ... ببابه مشرعين في أدبه

180- لما ظهر السفاح وصعد المنبر بالكوفة: وعمه داود دونه بمرقاة، أراد الكلام فلم يؤاته، فقال لداود تكلم، فقال: الحمد لله أحمده واستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

(5/229)

عباد الله، شكرا شكرا، إنا والله ما خرجنا لنحتفر فيكم نهرا، ولا لنبتني قصرا، ولا لنسير سيرة الجبابرة الذين ساموكم الخسف، ومنعوكم النصف. أظن عدو الله مروان أن لن يقدر عليه؟ أرخى له في زمانه حتى عثر في فضل خطامه. فالآن عاد الأمر إلى نصابه، وطلعت الشمس من مطلعها، وأخذ القوس باريها، وثار السهم إلى النزعة، ورجع الحق إلى مستقره، إلى أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة.

181- خرج الربيع من عند المنصور ومعه رقعة فيها بيت شعر:

وهاجرة نصبت لها جبيني ... يقطع حرها ظهر العظاية «1»

وقال أجيزوه، فما أجازه إلا بشار فقال:

وقفت بها القلوص ففاض دمعي ... على خدي وأقصر واعظايه

182- أول شعر قاله الرشيد أنه حج في أول خلافته، فدخل دارا بفيد «2» ، فرأى في صدرها:

ألا يا أمير المؤمنين ألا ترى ... فديتك هجران الحبيب كبيرا

فكتب تحته:

بلى أيها المشعرات وما مشى ... بمكة مرفوع الأطل حسيرا

183- إسحاق الموصلي: أنشد الرشيد قولي فيه:

وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأي أمير المؤمنين جميل

فقال: لا كيف، الله در أبيات تأتينا بها، ما أحكم أصولها أو أحسن فصولها! وأقل فضولها! فقلت هذا الكلام، والله أحسن من شعري.

(5/230)

184- عن محمد بن عباد: قال المأمون: من أحسن المراثي عندي مرثية زياد الأعجم «1» فخذها علي. فأنشدها كلها وترك هذا البيت:

هل ليالي فوقهن بزاته ... يغشى الأسنة فوق نهد قارح «2»

فقال المأمون: هاه هاه، ما أنشدت هذا البيت، وإنه لمن خيرها، يهدد المنايا فيقول: هلا أتيت في تلك الساعة. فعجبت من حسن علمه بالشعر.

واستنشد لأبي نواس فأنشد:

لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد

فقال، هذا هو الشعر، لا قوله: ألا هبي بسلحك «3» فالطخينا.

وكان مشغوفا بشعره، ويتأسف على فقده، ويقول: ذهب ظرف الزمان بموته، وانحطت مرتبه الشعر بذهابه.

185- تكلم المأمون فأحسن، فأقبل سهل بن هارون على الناس فقال: ما لكم تسمعون فلا تعون؟ وتشاهدون فلا تفهمون؟ وتفهمون فلا تتعجبون؟ وتتعجبون فلا تصنعون؟.

(5/231)

والله أن أمير المؤمنين ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل. على أن عربكم كعجمهم، وعجمكم كعبيدهم، ولكن قدر الدواء مجهول عند من لم يبتل بالداء.

وكان المأمون قد تغير له «1» ، فرجع فشكره.

(5/232)

الباب الرابع والثمانون النساء، ونكاحهن، وطلاقهن، وخطبهن ومعاشرتهن والاعراس بهن، وما يحمد ويذم منهن وما اتصل بذلك

1- سعيد بن عامر بن حاتم: عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن امرأة من نساء الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض بريح المسك، ولأهبت ضوء الشمس والقمر. وكان سعيد بن عامر يقول لأمرأته: والله إني لأختارك عليهن، ودفع يده في صدرها.

2- عبد الله رفعه: يسطع نور في الجنة، فإذا هي حوراء ضحكت في وجه زوجها.

3- وعنه صلوات الله عليه وسلامه: أخوف ما أخافه عليكم فتنة النساء. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا لبسن ريط الشام، وحلل العراق، وعصب «1» اليمن، وملن كما تميل أسنمة البخت «2» ، فإذا فعلن

(5/233)

ذلك كلفن المعسر ما ليس عنده.

4- وعنه صلوات الله عليه وسلامه: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر.

5- أبو بكر رضي الله عنه بلغه أن الفرس ملكت عليها بنت أبرويز فقال: ذل من أسند أمره إلى امرأة.

6- مر عمر رضي الله عنه بباب دار فسمع جلبة وزحاما، فقال: ما جمع هؤلاء؟ قالوا: زوج فلان، فقال: أين مناخلكم؟.

7- حكيم: الملك هو المملوك إلا أن ثمنه عليه.

8- آخر: أعص النساء هواك واصنع ما شئت.

9- تزوجت فاطمة المهلبية عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، فقال ابن أبي عيينة «1» :

فإنك قد زوجت من غير خبرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل

فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل

فقد ظفرت كفاه منك بطائل ... وما ظفرت كفاك منه بطائل

10- قيل لفيلسوف: أي السباع أحسن؟ قال: المرأة.

11- خطب قريش إلى الكميت «2» وأخذ يفتخر عليه، فقال: يا

(5/234)

هذا، إن أجبناك لم نبلغ السماء، وإن رددناك لم نبلغ الماء، وقد رددناك.

12- أعرابي: هو أملح من المداري «1» في شعور العذارى.

13- شاور رجل آخر في تزويج امرأة، فقال: إن كنت تريدها خالصة لك من دون المؤمنين فلا تطمع.

14- العرب: شر النساء الحميراء المحياض، والسويداء الممراض.

15- عوتب الكسائي «2» في ترك التزوج فقال: مكابدة العفة عنهن أيسر من الاحتيال لمصلحتهن.

16- قيل لأعرابي يجمع بين ضرائر: كيف تقدر عليهن؟ قال: كان لنا شباب يظأرهن علينا، ومال يصورهن إلينا، ثم قد بقي لنا خلق حسن فنحن نتعايش.

17- عمر رضي الله عنه: البكر كالبرة تطحنها وتعجبها وتخبزها، والثيب «3» عجالة الراكب تمر وأقط «4» .

18- قيل لجارية: أبكر أنت؟ قالت: قد كنت فعافى الله.

19- جاء سلمان رضي الله عنه يخطب قرشية ومعه أبو الدرداء، فدخل

(5/235)

وذكر سابقة سلمان وفضله، فقالوا: لا نزوجه، ولكن إن أردت أنت زوجناك، فتزوجها ثم خرج، فقال: يا أخي قد صنعت شيئا وأنا استحي منك، وأخبره، فقال سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك.

20- خطب بنت دقيانوس غني وفقير، فاختار الفقير، فسأله الإسكندر فقال: كان الغني جاهلا فكان يخاف عليه الفقر، وكان الفقير عاقلا فكان يرجى له الغنى.

21- خطب رجل جارية فرد عنها، وقيل: أما سمعت ما قيل فيها:

يظل خطابها ميلا عمائمهم ... كأن أنضاءهم أنضاء حجاج

لها أب سيد ضخم وأخوتها ... مثل الأهلة يستثنيهم الهاجي «1»

22- قال بعض الخلفاء: الإماء ألذ مجامعة، وأغلب شهوة، وأحسن في التبذل، وآنق في التذلل. فقال جليس له: لتردد دماء الحياء في وجه الحرة أحسن من تبذل الأمة.

23- قالت امرأة الجماز «2» له: أي شيء يطيب في هذا اليوم يا سيدي؟ قال: الطلاق يا سيدتي.

24- كانت عند بعض الملوك ثلاث نسوة، فقال للفارسية: أي وقت هذا؟ قالت: سحر قال: وما يدريك؟ قالت: وجدت ريح الرياحين. وقالت العربية: وجدت برد خلخالي، وقالت النبطية «3» : كزني ما في بطني.

25- أيمن بن خريم:

(5/236)

يميت الخلاط عتاب النساء ... ويحيي اجتناب الخلاط العتابا

26- قيل لشيخ كانت امرأته تشاره «1» : أما أحد يصلح بينكما؟ قال:

لا، مات الذي كان يصلح بيننا.

27- النبي صلى الله عليه وسلم: أعروا النساء يلزمن الحجال «2» .

28- خطب مغمور مغمورة، فقيل لوليها: تعمم لكم فزوجتموه؟

قال: إنا قد تبرقعنا قبل أن يتعمم لنا.

29- الأصمعي: تكلم أعرابي فطمح به لسانه فقال: لا تنكحن واحدة فتحيض إذا حاضت وتمرض إذا مرضت، ولا تنكحن اثنتين فتكون بين شرتين، ولا تنكحن ثلاثا فتكون بين أثاف «3» ، ولا تنكحن أربعا فيفلسنك ويهرمنك ويبخلنك ويحقرنك.

قيل له: حرمت ما أحل لله؟ قال: سبحان الله كوزان وقرصان وعبادة الرحمن.

30- قال مصعب لسكينة «4» : أنت مثل البغلة لا تلدين. قالت لا والله، ولكن أبى كرمي أن يقبل لؤمك.

31- بعضهم: رأيت بطريق مكة أعرابية ما رأيت أحسن منها، فقعدت أنظر إليها متعجبا من جمالها، فجاء شيخ قصير فأخذ بأذنها فسارها ومضى، فقلت من هذا؟ قالت: زوجي، قلت: كيف ترضى مثلك بمثله؟ فقالت:

(5/237)

أيا عجبا للخود يجري وشاحها ... تزف إلى شيخ من القوم تنبال

دعاني إليه أنه ذو قرابة ... فويل الغواني من بني العم والخال

32- قيل لأعرابي: ما خلفت لأهلك؟ قال: الحافظين، قيل: وما هما؟ قال: أعريهن فلا يبرحن، وأجيعهن فلا يمرحن.

33- قيل لرجل: مات عدوك، فقال: وددت أنكم قلتم تزوج.

34- قيل لمالك بن دينار: لو تزوجت. قال: لو استطعت لطلقت نفسي.

35- قال طاووس لإبراهيم بن ميسرة: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد: ما يمنك من التزوج إلا عجز أو فجور.

36- دخل ابن أبي علقمة على بلال بن أبي بردة وحمزة بن بيض «1» ينشد:

ومن لا يرد مدحي فإن مدائحي ... توافق عند الأكرمين تؤامي

نوافق عند المشتري الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام

فقال: يا ابن أخي: وما بلغ من نفاق بنات الحارث؟ فقال: كان يزوجهن ويسوقهن ومهورهن إلى بعولتهن. فقال: والله لو فعل هذا إبليس ببناته لتنافست فيهن الملائكة المقربون.

37- تزوج أعرابي فقيل له: كيف وجدتها؟ فقال: رصوفا رشوفا

(5/238)

أنوفا. أراد ضيقة الفرج طيبة المقبل والأنف.

38- ووصف أعرابي امرأة فقال: ما ثديها بناهد، ولا شعرها بوارد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد.

39- جنى شيخ من غسان على بعض ملوكهم، فهرب إلى بلاد تميم، فحالف زرارة بن عدس «1» ، فخطب إليه ابنته على بعض بنيه وقال:

قد علمت أن بني أشرف قومهم، وهم معبد ولقيط وحاجب وعلقمة فاخترا لهذه الحجر «2» أكرم فحل. فكره الشيخ قوله ودافعه. فلما مات زرارة قال لأهله: إن حكيمهم قد هلك، وهؤلاء شباب ولست آمن أن يحملوني على ما أكره من انكاحهم. فاحتمل في جوف الليل. فلما بلغ المأمن أنشأ يقول:

رغبت بها عن حاجب وابن أمه ... لقيط وعن تلك الرجال الركائك

ولو كنت في غسان أبرزت وجهها ... وأنكحتها من بعض تلك الصعالك

40- قال ابن لهيقة: قلت لزيد بن حبيب: إذا دخل رجل المسجد بأي رجليه يبدأ؟ قال: أما سمعت ما يقول للعروس ضعي رجلك اليمنى على المال والبنين؟.

41- لما وجه إلى عبد الملك رأس ابن الأشعث، بعث به مع خادم له إلى امرأة من كندة كانت ناكحا في قريش، فلما رأته قالت: مرحبا بزائر لا يتكلم، وملك بن ملوك طلب ما يستحقه، فأبى عليه القدر. فأراد

(5/239)

الخادم أن يرد الرأس، فقالت: كلا والله، ثم أمرت به فغسل ورجل وطيب، ثم قالت: شأنك الآن. فرجع الخادم إلى عبد الملك فأخبره.

فلما دخل عليه زوجها قال له: إن قدرت أن تصيب منها سخلة «1» فأفعل.

42- نظر عامر بن حصين إلى رجل شجاع فأعجبه، وتزوج أخته طمعا في أن ينزع ولدها إليه. فابتكرت بجارية فقال: الحمد لله، ثم ثنت بأخرى فقال: الحمد لله، ثم ثلثت فقال: الحمد لله، ثم ربعت فقال:

لا حول ولا قوة إلا بالله.

43- مرت بعمر رضي الله عنه عجوز تبيع اللبن، فقال: لا تشوبي «2» لبنك بالماء ولا تغشي المسلمين. قالت: نعم يا أمير المؤمنين.

ثم مر فقال: يا عجوز، ألم أعهد إليك؟ قالت: والله ما فعلت. فقالت بنت لها من خبائها: أغشا وكذبا جمعت على نفسك؟ فقال عمر لولده:

أيكم يتزوجها لعل الله أن يخرج منها نسمة طيبة؟ فقال عاصم بن عمر: أنا أتزوجها يا أمير المؤمنين. فولدت له أم عاصم، فتزوجها عبد العزيز بن مروان فولدت له عمر بن عبد العزيز «3» .

44- أبو شمر الغساني:

لا تأمنن على النساء أخا أخ ... ما في الرجال على النساء أمين

حر الرجال وان تعفف جهده ... لا بد أن بنظرة سيخون

45- أبو الشعثاء: كانت لي امرأتان، فكنت أعدل بينهما حتى في القبل.

46- زفت معاذة إلى صلة بن أشيم فبات ليلة الزفاف يتهجد «4» ،

(5/240)

فقيل له، فقال: دخلت بيتا فذكرت النار، يعني الحمام، ثم دخلت بيتا فذكرت الجنة، يعني بيت العروس، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.

47- النخعي: إن من اقتراب الساعة طاعة النساء.

48- قال الوليد بن يزيد لابن ميادة «1» : من خلفت عند أهلك؟ قال رقيبين لا يخالفانني طرفة عين: الجوع والعري.

49- الأحنف: ولأفعى حالك في يدي أحب إلي من أيم «2» رددت عنها كفؤا.

50- لقمان: لا تشهد العرسات فإنها ترغبك في الدنيا وتنسيك الآخرة، وأشهد الجنائز فإنها تزهدك في الدنيا وترغبك في الآخرة.

51- علي عليه السلام: إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أفن «3» ، وعزمهن إلى وهن. واكفف أبصارهن بالحجاب، فإن شدة الحجاب خير لهن من الارتياب. وليس خروجهن بأضر من دخول من لا يوثق به عليهن. وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها فيما لغيرها. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة إلى السقم، والبريئة إلى الريب.

52- من أطاع عرسه «4» فقد أضاع نفسه.

53- في البكر: أشهى المطي ما لم يركب، وأحب اللآلىء ما لم يثقب.

(5/241)

54- في الثيب «1» : تزوج امرأة كفى فيها الصحة.

55- فلان في بيته نمرة، إذا كانت امرأته سيئة الخلق.

56- النبي صلى الله عليه وسلم: أوثق إبليس النساء.

57- علي عليه السلام: لا تطيعوا النساء على حال، وتأمنوهن على مال، فانهن إن تركن وما يردن أوردن المهالك، وعصين المالك، وأزلن الممالك، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهافتن في البهتان، ويتمادين في الطغيان.

58- عمر رضي الله عنه: أكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على المسألة.

59- هي ممسكة للفضلين. أي تصون الفرج والمال.

60- عبد السلام بن أبي سليمان في النكاح:

تزوجت ألفا ثم طلقت مثله ... فلم أترك مالا ولم أترك وفرا

فأنت أقلنيها فإن عدت بعدها ... فألفيت لي عذرا فلا تقبل العذرا

61- طلق رجل امرأته فلما أرادت الارتحال قال: اسمعي وليسمع كل من حضر: إني والله اعتمدتك رغبة، وعاشرتك بمحبة، ولم توجد منك زلة، ولم تدخلني عنك ملة، ولكن القضاء كان غالبا.

فقالت المرأة: جزيت خيرا من صاحب ومصحوبة، فما استرثت خيرك، ولا شكوت ضيرك، ولا تمنيت غيرك، ولم أزد إليك إلا شرها، ولم أجد لك في الرجال شبها، وليس لقضاء الله مدفع، ولا من حكمه علينا ممنع.

62- شكا رجل امرأته، فقيل له: هلا طلقتها. فقال: هي حسناء فلا تفرك، وأم عيال فلا تترك.

(5/242)

63- كأنها أم خارجة يقال لها خطب فتقول نكح «1» .

64- وما هي إلا نظرة فتذبل رجلاها وتسقط للجنب.

65- بخر فلان امرأته بمثلته، وأولاها الهقعة «2» ، وتلقاها الأثافي «3» : إذا طلقها ثلاثا.

66- شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب قلة غشيان زوجها فقالت:

إني أجنب عنه في الشهر مرة. فقال عمر: إن في ذلك شقاء للعاشق، وحملا للتائق.

67- خطب الحسن رابعة، فقالت بشرط أن أدع أنا تسعا وأنت واحدة. قال: وما هي؟ قالت يزعمون أن الشهوة تسع منها للنساء وواحدة منها للرجال، فأبى، فنقمت عليه. فسمعت بعد ذلك موعظته فقالت:

وغير تقي يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض

68- الأبكار أشد حبا وأقل خبا «4» .

69- خالد بن صفوان المنقري:

عليك إذا ما كنت لا بد ناكحا ... ذوات الثنايا الغر والأعين النجل «5»

(5/243)

وكل هضيم الكشح خفاقة الحشا ... قطوف الخطا بلهاء وافرة العقل «1»

70- المرأة تشرب النبيذ فيسكر من لبنها الرضيع، وتشرب دواء المشي فتعتريه الخلفة فلذلك اختار الحكماء لأولادهم الظئر «2» البريئة من الأدواء وغيرها.

71- كانت كندة أغلى الناس مهورا، ربما مهرت الواحدة ألف بعير، ولا يمهر بأقل من مائة بعير. فصارت مهور كندة مثلا في الغلاء.

72- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أهذب ملك غسان، وضع مهور كندة.

وقال: أعظم النساء بركة أحسنهن وجوها وأرخصهم مهرا.

73- لما زوج الوليد بن عبد الملك ابنه عبد العزيز أم حكيم بنت يحيى بن الحكم، وأمها بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وكان يقال لها الواصلة، لأنها وصلت الشرف بالجمال، أمهرها أربعين ألف دينار، وأمر عدي بن الرقاع فقال:

قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا «3»

ما وارت الأستار مثلهما ... فيمن رأى منهم ومن سمعا

دام السرور له بهما ولها ... وتهنيا طول الحياة معا

فقال الوليد: لئن أقللت فقد أحسنت، وأجزل له الجائزة.

74- وكانت بنو مخزوم تسمى ريحانة قريش، وكان هشام بن المغيرة المخزومي أعز نفسا على قريش وكنانة. وكانوا يؤرخون بثلاثة أشياء، يقولون: كان ذلك زمن بناء الكعبة، وعام الفيل «4» ، وعام موت هشام.

(5/244)

فكانت الجارية تولد لآل الحارث بن هشام فيتباشرون بها.

75- خرج السيد الحميري فتلقته فرجة بنت الفجاء الخارجية راكبة فرسا، وكانت برزة «1» فصيحة جميلة، فتحاورا أحسن حوار، إلى أن خطب إليها نفسها فقالت: أعلى ظهر الطريق؟ فقال: ألم يكن نكاح أم خارجة أسرع؟ فاستضحكت وقالت: نصبح وننظر ممن. فقال:

إن تسأليني بقومي تسألي رجلا ... في ذروة العز من أحياء ذي يمن

إني امرؤ حميري حين تنسبني ... جدي رعين وأخوالي ذوو يزن «2»

فعرفته وقالت: يمان وتميمية، ورافضي وحرورية، كيف يجتمعان؟

فقال: على أن لا نذكر سلفا ومذهبا. فتزوجته سرا. فأقاما في عيشة راضية «3» .

76- يقال في الاستخبار عن ولادة المرأة: أأحلبت ناقتك أم أجلبت؟ أي أولدت أنثى تحلب أم ذكرا يجلب للبيع؟.

77- قيل لرجل: ما عندك في النكاح؟ قال: ما يقطع حجتها ولا يبلغ حاجتها.

78- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل هم بطلاق امرأته وزعم أنه لا يحبها: أو كل بيت بني على الحب؟ فأين الرعاية والذمم؟.

(5/245)

79- مسلمة: ثلاثة لا أعذرهم: رجل أحفى «1» شعره ثم أعفاه، ورجل قصر ثيابه ثم أطالها، ورجل كان عنده سراري ثم تزوج حرة.

80- داود عليه السلام: امرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير، والمرأة الصالحة له كالتاج المخوص بالذهب، كلما رآها قرت عينه.

81- مر سليمان عليه السلام بعصفور يدور حول عصفورة، فقال:

هل ترون ما يقول؟ يقول: زوجيني نفسك حتى أسكندر غرفة بدمشق، وكذب ما بدمشق غرفة، ولكن كل خاطب كاذب.

82- الجماع يصلع الإنسان، وربما كان أصلع فإذا جامع نبت شعره.

83- قال داود لسليمان عليهما السلام: أمش خلف الأسد ولا تمش خلف امرأة.

84- استشار رجل داود في التزوج، فقال: سل سليمان وأخبرني بجوابه. فصادفه ابن سبع سنين يلعب مع الصبيان يركب قصبة، فقال:

عليك بالذهب الأحمر، والفضة البيضاء، واحذر الفرس لا يضربك. فلم يفهم. فقال له داود: الذهب الأحمر البكر والفضة البيضاء الشيب الشابة، ومن وراءهما كالفرس الرموح.

85- لقي عيسى عليه السلام إبليس، وهو يسوق خمسة أحمرة عليها أحماله، فسأله، فقال: أحمل تجارة وأطلب مشترين، أما أحدهما فالجور، قال: من يشتريه؟ قال السلاطين. قال: فما الثاني؟ قال:

الكبر، قال فمن يشتريه؟ قال: الدهاقين «2» . قال: فما الثالث؟ قال:

(5/246)

الحسد، قال: فمن يشتريه؟ قال العلماء. قال: فما الرابع؟ قال:

الخيانة، قال: فمن يشتريها؟ قال: التجار. قال: فما الخامس، قال:

الكيد، قال: فمن يشتريه؟ قال: النساء.

86- قيل للإسكندر: لو استكثرت من النساء ليكثر ولدك، ويدوم بهم ذكرك. فقال دوام الذكر بتحسين السيرة والسنن، ولا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء.

87- علي بن أبي طالب عليه السلام: النساء شر كلهن، وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن.

88- يحيى بن أكثم: نعم لهو المرأة الغزل.

89- قيل لأعرابي: إن فلانا يخطب فلانة، قال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا: نعم، قال: فزوجوه.

90- قال عبد الملك لابن الرقاع: كيف علمك بالنساء؟ قال: أنا والله أعلم الناس بهن، وأنشأ يقول:

قضاعية العينين كندية الحشا ... خزاعية الأطراف طائية الفم

لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ومنطق داود وعفة مريم

91- عمر بن أبي ربيعة، وكان المنصور كثيرا ما ينشده:

إنها بين عامر بن لؤي ... حين تعزى وبين عبد مناف

ولها في المطيبين حدود ... ثم نالت ذوائب الأحلاف

بنت عم النبي أكرم من يم ... شي بنعل على التراب وحافي

لا تراها على التبذل والزي ... نة إلا كدرة الأصداف

92- سئل المغيرة بن شعبة عن النساء فقال: بنات العم أحسن مؤاساة والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأقران مثل ابن السوداء.

93- قال الحجاج لابن القرية: أي النساء أحب إليك؟ قال: الودود

(5/247)

الولود، التي أعلاها عسيب «1» ، وأسفلها كثيب، آخذهن من الأرض إذا جلست، وأطولهن في السماء إذا قلمت، التي إن تكلمت رودت، وإن صنعت جودت، وإن مشت تأودت «2» ، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الحصان «3» من جارها، الهلوك «4» إلى بعلها.

94- وعن خالد بن صفوان: حصان من جارها، ما جنة على بعلها.

95- النبي صلى الله عليه وسلم: إنما النساء لعب فتخيروا.

96- استعمل عثمان رضي الله عنه الوليد بن عقبة بن أبي معيط على صدقات كلب؟ فتزوج له نائلة بنت الفرافصة «5» بن الأحوص النصراني، فقال: زوجتني نصرانية؟ قال: إن رأتك أسلمت، فقدم بها وقد أسلمت.

فلما خلا بها قال لها: أتأتينا أم نأتيك، قالت: بل نأتيك ونعمة عين، تكلفنا إليك السير من أرض قومي وهي أبعد من ناحية البيت. فقال: إنك ترين شيبا وتعليا في السن، وإن عندي بقية من علالة. فقالت: إن أحب الأزواج إلي من ذهبت عنه متعة الشباب، ووثقت برأيه حلمه. فقيل له:

(5/248)

كيف رأيت؟ فقال: ما دخلت على امرأة أوفى عقلا منها، ولا أحرى أن تغلبني على عقلي «1» .

97- قال أسماء بن خارجة لبنته ليلة هدائها. عليك بأطيب الطيب وهو الماء، وبأحسن الحسن وهو الكحل والحناء. وإياك وكثرة المعاتبة فهي مقطعة للمودة، والغيرة في غير موضعها فهي مفتاح الطلاق.

98- أهدت أعرابية بنتها فقالت لها: أي بنية، إنك قد فارقت الحواء الذي منه خرجت، والعش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تأليفه. ثم أوصتها بوصايا منها: عليك بالتعهد لموضع عينيه وأنفه، لا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم أنفه منك إلا طيب ريح، والتعرف لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة «2» .

99- تزوج الحسن بن علي امرأة، فبعث إليها مائة خادم، مع كل خادم ألف درهم.

100- حكيم: منيتك نفسك، فإن شئت فأخرجه، وإن شئت فلا.

101- آخر: لا تحقر شيئا يخرج منك مثلك، يعني الجماع.

102- أطول الناس أعمارا الخصيان. ولم ير فيما يعاشر الناس أعمر من البغال، ولا أقصر عمرا من العصافير.

(5/249)

103- أراد الحسن تزويج بنته من رجل، فقيل: من حاله ويساره كيت وكيت، وله مائة ألف ما يحركها. فقال: أما والله ما اجتمعت مائة ألف عند رجل إلا من ظلم، وأبي أن يزوجه.

104- علي عليه السلام: سمعت رسول الله يقول لعثمان: لو أن لي أربعين بنتا لزوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن أحد.

105- سهل بن معاذ الجهني رفعه: من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، وأنكح في الله، فقد استكمل الإيمان.

106- وعنه عليه الصلاة والسلام: من ترك لبس ثوب جمال وهو يقدر تواضعا كساه الله حلة الكرامة، ومن زوج لله توجه الله تاج الملك.

107- علي عليه السلام رفعه: لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء، فإن اللبن يعدي.

108- قال موسى بن عبد الله بن الحسن لامرأته أم سلمة، وكانت من ولد أبي بكر الصديق:

فإني زعيم أن أجيء بضرة ... قرابة فرامة للضرائر

فأجابه الربيع بن سليمان مولى الحسنين:

أبنت أبي بكر تريد بضرة ... لعمرك قد حاولت إحدى الكبائر

109- الرحال بن النميري:

فلا بارك الرحمن في عرس أهلها ... عشية زفوها ولا فيك من بكر

فما غرني إلا خضاب بكفها ... وكحل بعينيها وأثوابها الصفر

أتوني بها قبل المحاق بليلة ... فكان محاقا كله ذلك الشهر «1»

(5/250)

ألا ليتهم زفوا إلي مكانها ... شديد القصيري ذا عرام من النمر

إذا شد لم ينكل وإن هم لم يهب ... شديد الوقاع لا ينهنه بالزجر

110- هو معذور في أقوائه لجاهليته، وشغل بما دهي به عن تسوية القوافي.

111- طاهر بن سيار العجلي:

رأيت مواعيد النساء كأنها ... سراب لمرتاد المناهل خاتل

ومنتظر الموعود منهن كالذي ... يؤمل يوما أن تلين الجنادل «1»

112- زوج المهلب قتادة بن مقرب اليشكري امرأة من الأزد فقال فيها:

تجهزي للطلاق وانشمري ... هذا جزاء الجوامح الشمس

لليلتي حين بت طالقة ... ألذ عندي من ليلة العرس

بت لديها بشر منزلة ... لا أنا في نعمة ولا فرسي

هذا على الخسف لا قضيم له ... وبت ما إن يسوغ لي نفسي

فقال يزيد بن المهلب: راجعها، فقال:

بالله جهد اليمين أحلف ما ... قرت بها عين من يضاجعها

ظلت عن الخير لا تطيق له ... فعلا فتا لله لا أراجعها

113- كان غيلان بن سلمة الثقفي أحد حكام قيس في الجاهلية، وكانت له ثلاثة أيام يوم يحكم فيه، ويوم ينشد فيه، ويوم ينظر فيه إلى جماله. وجاء الإسلام وعنده عشر نسوة، فأسلم فخيره رسول الله فاختار أربعا فصارت سنة.

114- علي عليه السلام: لا تهيجوا النساء بأذى وأن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم، فإنهن ضعيفات القوى والأنفس والعقول. إن

(5/251)

كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالقهر والهراوة فيعير بها وعقبه من بعده.

- وعنه: المرأة عقرب حلوة اللسعة.

- وعنه: جهاد المرأة حسن التبعل.

- وعنه: خيار خصال النساء شرار خصال الرجال الزهو والجبن والبخل، فإذا كانت المرأة مزهوة لم تمكن من نفسها، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء يعرض لها.

115- وكان في أصحابه فمرت امرأة جميلة فرمقوها، فقال: إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فيلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأته. فقال بعض الخوارج:

قاتله كافرا ما أفقهه! فوثبوا ليقتلوه، فقال: رويدا إنما هو سبب بسبب، أو عفو عن ذنب.

- وعنه: المرأة الصالحة ليست من الدنيا، إنما هي من الآخرة، لأنها تفرغك لها. ولو كنت تطبخ وتسرح وتفرش لشغلك ذلك.

116- تميم بن خزيمة التميمي:

قالوا نكحت صغيرة فأجبتهم ... أشهى المطي إلي ما لم يركب

كم بين حبة لؤلؤ منظومة ... ثقبت وحبة لؤلؤ لم تثقب

فأجابته امرأة:

إن المطية لا يلذ ركوبها ... ما لم تذلل بالزمام وتركب

والدر ليس بنافع أربابه ... ما لم يؤلف في النظام ويثقب

117- خطب بعض الظرفاء خطبة نكاح فقال: الحمد لله الذي جعل في الطلاق اجتلابا للأرزاق، فقال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من

(5/252)

سعته

. أوصيكم عباد الله بالسلوة والملالة، والتجني والجهالة، واحفظوا قول الشاعر:

اذهبي قد قضيت فيك فضالي ... وإذا شئت أن تبيني فبيني

تعاهدوا نساءكم بالسب، وعاودوهن بالضرب، وكونوا كما قال الله:

واهجروهن في المضاجع

«1» .

ثم إن فلانا في خمول نسبه، ونقصان أدبه، خطب إليكم فازهدوا فيه.

فرق الله بينهما، وعجل لهما حينهما.

118- يقال: أشأم على الأزواج من عاتكة بنت الفرات. رأت في المنام أنها كسرت ثلاثة ألوية، فتزوجها ثلاثة من الرؤساء فماتوا.

119- وأشأم من حبيب بنت قيس، مات عنها عدة أزواج. فقال عمر رضي الله عنه من أراد الشهادة العاجلة الحاضرة فليتزوج بها.

120- كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل «2» عند عبد الله بن أبي بكر الصديق، وكان معجبا بها، فشغلته عن مغازيه، فأمره أبوه بطلاقها، ففعل فقال:

أعاتك لا أنساك ما ذر شارق ... وما لاح نجم في السماء محلق

(5/253)

ولم أر مثلي اليوم طلق مثلها ... ولا مثلها من غير جرم نطلق

لها خلق جزل ورأي ومنصب ... وخلق سوي في حياء ومصدق

فأمره أبو بكر بمراجعتها. ثم أصابه حجر في حصار الطائف، فمات شهيدا. فرثته بقولها:

أقسمت لا تنفك عيني سخينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

ثم خطبها عمر رضي الله عنه، فلما أو لم بها قال عبد الرحمن بن أبي بكر: يا أمير المؤمنين أتأذن أن أدخل رأسي على عاتكة؟ فأدخل رأسه فقال:

آليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا

فنشجت نشيجا عاليا. فقال عمر: ما أردت إلى هذا غفر الله لك!.

ثم خطبها الزبير بعد عمر، فكانت تخرج إلى المسجد بالليل، فقال لها: لا تخرجي، فقالت: لا أزال أخرج أو تمنعني. وكان يكره أن يمنعها، لقوله عليه السلام: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. فقعد لها متنكرا في جوف الليل فقرصها، فتركت الخروج. فقال لها: ما بالك لا تخرجين؟ فقالت: كنت أخرج والناس ناس، ففسد الناس، فبيتي أوسع لي.

121- خرج صخر بن عمرو بن الشريد أخو الخنساء في غزاة، فجرح فمرض، فقال بعض عواده لامرأته: كيف أصبح صخر؟ فقالت: لا حي فيرجى ولا ميت فينسى، لقينا منه الأمرين. وسأل أمه فقالت: أصبح بنعمة الله صالحا، ولا يزال بخير ما رأينا سواده بين أيدينا كأصلح ما يكون عليل. فقال صخر:

أرى أم صخر لا تمل عيادتي ... وملت سليمى مضجعي ومكاني «1»

(5/254)

وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغتر بالحدثان «1»

فأي امرىء ساوى بأم حليلة ... فلا عاش ذلا في شقا وهوان «2»

لعمري لقد أيقظت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان «3»

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنزوان «4»

كان قد خبأ سيفه تحت فراشه، فلما جلست رفع السيف ليضربها به فلم يقدر، فهو معنى قوله: أهم بأمر الحزم.

122- شيخ من بلعنبر كان يقول: النساء ثلاث: معينة لينة عفيفة مسلمة. تعين أهلها على العيش، ولا تعين العيش على أهلها. وأخرى وعاء للولد. وأخرى غل قمل يضعه الله في عنق من يشاء.

123- علي عليه السلام: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها.

124- عروة بن الزبير: ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع أحد نفسه بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن فلانة، ألفت بني فلان بيضا طوالا فقلبتهم سودا قصارا.

125- بغثر الأسدي:

وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث القوم خبث المناكح

126- أبو عمرو بن العلاء عن رجل: لا أتزوج امرأة حتى أنظر إلى ولدي منها، قيل: كيف؟ قال: أنظر إلى أبيها وأمها بأنها تجيء بأحدهما.

(5/255)

127- عمر رضي الله عنه: يا بني السائب قد أضويتم فانكحوا في النزائع.

128- الأصمعي عن بعض العرب: بنات العم أصبر، والغرائب أنجب، وما ضرب رؤوس الأبطال كابن أعجمية.

129- الزبرقان بن بدر: أحب كنائني إلي الذليلة في نفسها، العزيزة في رهطها، البرزة «1» الحيية، التي في بطنها غلام ويتبعها غلام. وأبغض كنائني إلي الطلعة الخبأة، التي تمشي الدفقى «2» ، وتجلس الهبنقعة «3» ، الذليلة في رهطها، العزيزة في نفسها، التي في بطنها جارية وتتبعها جارية.

130- هند: المرأة غل «4» فانظر ما تضع في عنقك.

131- بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سليم تنظر إلى امرأة. فقال: شمي عوارضها وانظري إلى عقبيها.

132- قال الأصمعي إذا أسود عقب المرأة أسود سائرها. وقال النابغة:

ليست من السود أعقابا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما «5»

133- حضر أبو طالب نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها، ومعه بنو هاشم ورؤساء مضر، فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم

(5/256)

وزرع إسماعيل، وضئضىء «1» معد وعنصر مضر، وجعلنا سدنة «2» بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس.

ثم إن محمد بن عبد الله بن أخي، من لا يوزن به فتى من قريش إلا رجح به برا وفضلا وكرما وعقلا، ومحتدا «3» ونبلا، وإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل ورزق حائل، قد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصدقات ما عاجله وآجله في مالي. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم خطر جليل.

134- تزوج عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قطام بنت علقمة من تيم الرباب، وكانت خارجية، فقالت: لا أقنع إلا بصداق أسميه، وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلا عليا، وكيف لي به؟ قالت: تروم ذلك غيلة، فإن سلمت أرحت الناس من شر وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة. فقال:

ثلاثة آلاف وعد وقينة ... وقتل علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

135- النبي صلى الله عليه وسلم في الأشراط: وتركب ذوات الفروج على السروج من أمة لعنة الله عندها.

136- يقال في الخاطب المردود: خطب إليهم فرمل أنفه وغسل من الدرمك «4» فاه. قال:

اغسل من الدرمك عني فاكا

(5/257)

137- تزوج الفضل بن الربيع منصرفه من الحج بدوية من بني كلاب، فقال عثمان بن سالم مولى بني لوذان:

نأت شعثاء عنك فما تزور ... ولطت دونها عنك الستور

فراحت في القباب الحمر خود ... مبتلة لها وجه نظير

وأمست دونها حرس شداد ... وأبواب مظاهرة ودور

فقلت لمنكحي شعثاء مولى ... وفي أحيائها حسب وخير

أمن عوز نزوجها الموالي ... لحاك إلهك العالي القدير

138- سئل عبد الله بن الزبير عن المتعة، فقال: الذئب يكنى أبا جعدة. يريد أنها تسمى متعة وهي زنا.

139- سمع عمر رضي الله عنه ذات ليلة من بيت مغنية تقول «1» :

تطاول هذا الليل وإزداد جانبه ... وأرقني أن لا خليل ألاعبه «2»

فو الله لولا الله لا شيء غيره ... لحرك من هذا السرير جوانبه «3»

فأمر برد زوجها.

140- خطب محمد بن الوليد بن عتبة إلى عمر بن عبد العزيز أخته، فقال: الحمد لله ذي العز والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء. أما بعد فقد أحسن بك ظنا من أودعك حرمته، واختارك ولم يختر

(5/258)

عليك، وقد زوجناك على ما في كتاب الله، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

141- دخل الأشعث على علي عليه السلام صبيحة بنائه على بعض نسائه. فقال: كيف وجد أمير المؤمنين أهله؟ قال كالخير من امرأة قباء «1» جباء «2» . قال: وهل يريد الرجال من النساء غير ذلك؟ قال: كلا، حتى تروي الرضيع، وتدفىء الضجيع.

142- وبعث عبد الملك إلى الحجاج يطلب امرأة من أجمل نساء أشراف العراق، فأرسل في كل ناحية حتى وصفت له كاملة في الجمال غير أنها طرطبة «3» . فقال زوجنيها فإنها أدفأ للضجيع وأسقى للرضيع.

143- جاء صياد إلى أبرويز بسمكة أعجبه سمنها، فأجازه بأربعة آلاف درهم، فخطأته شيرين وقالت: إن جاءك فقل أذكر كانت أم أنثى؟

فإن قال ذكرا أو أنثى فاطلب منه الآخر. فسأله، فقال: كانت أنثى، فقال: جئني بذكرها، فقال: عمر الله الملك، كانت بكرا لم تتزوج.

فقال: زه، وأمر له بثمانية آلاف درهم. وقال: اكتبوا في الحكمة: الغدر ومطاوعة النساء يورثان الغرم الثقيل.

144- خطب أبان بن عثمان بن عفان إلى معاوية بنته، فقال: إنما هما إبنتان، فإحداهما عند أخيك عمرو والأخرى عند ابن عامر، فتولى أبان وهو يقول:

تربص بهذا أن يموت ابن عامر ... ورملة يوما أن يطلقها عمرو

(5/259)

فإن صدقت أمنيي كنت مالكا ... لإحديهما إن طال بي وبها العمر

145- زوج إبراهيم بن النعمان بن بشير الأنصاري ابنته يحيى بن أبي حفصة، فعيره طلبة بن قيس بن عاصم بقوله:

لعمري لقد جللت نفسك خزية ... وخالف فعل الأكبرين الأكابر

ولو كان جداك اللذان توافيا ... ببدر لما راما صنيع الألائم

فقال إبراهيم:

وما تركت عشرون ألفا لقائل ... مقالا فلا تجهر بذكر الآلائم

وإن أك قد زوجت مولى فقد مضت ... به سنة قبلي وحب الدراهم

146- ابن يزداد بن سويد في جارية له:

أيا من بها أرضى من الناس كلهم ... وإن كنت أخشى تيهها وازورارها

لو أن الأماني خيرت فتخيرت ... من الحسن إنسانا لكنت اختيارها

147- كانت قريش تستحب للخاطب أن يطيل، وللمخطوب إليه أن يوجز. فخطب رجل إلى عمر بن عبد العزيز فأطال، فأجابه عمر بن عبد العزيز فقال: الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله على محمد خاتم الأنبياء، إن الرغبة منك دعتك إلينا، والرغبة فيك أجابتك. وقد زوجتك على ما أمر الله به، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

148- أبو دهبل الجمحي في عبد الله بن عثمان من ولد حكيم بن حزام:

تمطت به بيضاء فرع كريمة ... هجان وبعض الوالدات عرام «1»

149- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف حين جهزه إلى دومة

(5/260)

الجندل «1» : إن فتح الله عليك فتزوج بنت ملكهم. فتزوج تماضر بنت الأصبغ بن ثعلبة بن جهضم، وكانت جميلة، وهي التي صولحت عن ربع ثمنها بثمانين ألف دينار.

150- خطب عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي من فاطمة عليهما السلام، وقال: زوجنيها وأنا أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد. فقال:

هي صغيرة، وأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها. فبعثتها ببرد وقالت لها: قولي له هذا البرد الذي قلت له. فقال: قولي لقد رضيت رضي الله عنك. فتناول قناعها فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. وقالت لأبيها: بعثتني إلى شيخ سوء. فقال: مهلا يا بنية فإنه زوجك.

فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين الأولين في الروضة فقال:

رفئوني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري. وصار لي به السبب والنسب فأردت أن أجمع إليه الصهر.

وولد منها لعمر زيد ورقية. وأما زيد الأصغر وعبيد الله بن عمر فقد ولدا من أم كلثوم بنت جرول من خزاعة.

وخرج زيد من عند معاوية فأبصر بسر بن أرطأة «2» على دكان ينال من علي رضي الله عنه، فصعد الدكان واحتمله وضرب به الأرض، وطفر عليه

(5/261)

فدق ضلعين من أضلاعه. فقال معاوية: أبعد الله بسرا، أبعد الله بسرا.

أيشتم هذا الرجل وهو يسمع؟ أما علم أن زيدا بين علي وعمر، وأم زيد ابنة علي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.

وماتت أم كلثوم وزيد في وقت واحد، وصلى على جنازتهما سعيد ابن العاص، وكان والي المدينة. وقال له الحسين بن علي عليهما السلام: تقدم، ولولا أنك أمير ما قدمتك.

151- قال سعيد بن المسيب للمطلب بن السائب: ما يمنعك أن تتخذ أهلا؟ قال: ليس عندي مهر. قال: وكم عندك؟ قال ثلاثة دراهم، قال: زوجتك بها بنت سعيد. ثم قال لأمها زوجته: لو مشطت بنيتي وغيرت يديها، فلما فعلت قال: أخرجي بها إلى المسجد العشاء الآخرة، فلما حاذى بيت المطلب قرع بابه وقال: أهلك بارك الله لك فيهم.

152- قال عبد الله بن عمر لأبيه: أخطب علي بنت نعيم النحام، فخطبها، فرده وقال: لي ابن أخ مضعوف لا يزوجه الرجال، فإذا تركت لحمي تربا فمن يذب عنه؟.

153- زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رقية ثم أم كلثوم، فلما ماتت عنه قال: ألا أبا أيم، ألا أخا أيم يزوج عثمان، فقد زوجته بنتي، ولو أن عندي عشرا لزوجتهن إياه واحدة واحدة.

154- أتى الحسن بن علي في جارية زفت إلى بيت رجل فوثبت عليها ضرتها، وضبطها بنات عم لها فافتضتها بإصبعها. فاستفتى الحسن فقال: إحدى دواهيكم يا أهل الكوفة! ولا علي لها اليوم فما ترون؟

قالوا: أنت أعلم، قال: فإني أرى أن التي افتضتها زانية، عليها صداقها، وجلدها مائة. وأرى اللائي ضبطنها مفتريات عليهن جلد ثمانين.

(5/262)

155- كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي «1» ليخطب له أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان «2» . فبعث إليها امرأة كانت تقوم على نسائه فبشرتها بذلك، فأعطتها سوارين وخواتيم من فضة. واستحضر من بالحبشة من المسلمين، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنه النبي الذي بشر به عيسى بن مريم.

أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة.

وسمع بذلك أبو سفيان فقال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه.

156- محمد بن كعب القرظي: إن المرأة المؤاتية إحدى الحسنيين.

157- رجاء بن حيوة: إذا تزوج العبد صرخ إبليس صرخة يجمع إليه جنوده، فيقولون: ما بك يا سيدنا؟ فيقول: عصم اليوم ابن آدم من فخ كنت أصيده به.

158- عن عمر رضي الله عنه: أنه أتى أهل بيت من الأزد، وفتاتهم في خدرها قريبا منه، فقال: إن مروان بن الحكم يخطب إليكم وهو سيد شباب قريش، وأن جرير بجيلة يخطب إليكم وهو سيد أهل المشرق، وإن أمير المؤمنين يخطب إليكم، يريد نفسه. فقالت الفتاة: أجاد أمير

(5/263)

المؤمنين؟ قال نعم، للجد جئت. قالت زوجوا أمير المؤمنين. فتزوجها، وولدت منه.

159- قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: يا بني، أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا. قالوا: يا أبانا، قد علمنا إحسانك صغارا وكبارا، أفرأيت قبل أن نولد؟ قال: قد طلبت لكم موضعا في النساء لكي لا تعيروا.

في الحديث: تنكح النساء على أربع: الجمال، والنسب، والمال، والدين، فمن نكح للجمال عاقبه الله بالغيرة، ومن نكح للنسب عاقبه الله بالذل، فلا يخرج من الدنيا حتى يكسر جبينه، ويشج وجهه، وتخرق ثيابه وجيبه عليه. ومن نكح للمال لم يخرجه من الدنيا حتى يبتليه بمالها، ثم يقسي قلبها عليه فلا تعطيه قليلا ولا كثيرا. ومن نكح للدين أعطاه المال والجمال والنسب وخير الدنيا والآخرة.

160- دخل بعض المتقدمين داره، وقد أرضعت امرأة لم يرضها ولده، فأخذه وعلقه وضرب قفاه حتى قاء اللبن، وقال: لا أدعه يتفرق في عروقه، وينشأ على خلقها.

161- أراد نوح بن أبي مريم قاضي مرو الروذ «1» أن يزوج ابنته، فاستشار جارا له مجوسيا فقال: سبحان الله! الناس يستفتونك وأنت تستفتيني! قال: لا بد أن تشير علي، قال: إن رئيسنا كسرى كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب كان يختار النسب، ورئيسكم محمد كان يختار الدين، فأنظر أنت لنفسك بمن تقتدي.

(5/264)

162- كان شاذان بن عبد في مجلسه وحوله الناس، فجاءته امرأة فقالت: أأنت شاذان بن عبد؟ ففاضت عيناه وقال: ألا من رآني فلا يتزوجن امرأة ذات مال، لأن امرأتي رفعت اسم أبي عني. وكان عبد رجلا غنيا زوج شاذان بنته فنسب إليه، ونسي اسم أبيه.

(5/265)

الباب الخامس والثمانون النصيحة، والموعظة، والزجر عن القبيح والشفقة، والرحمة، وما يجري مجراها

1- جرير بن عبد الله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم.

2- وعنه صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.

3- عمر بن عبد العزيز: من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن صلته.

4- مطرف «1» : وجدنا أنصح العباد لله الملائكة، ووجدنا أخشى العباد لله الشياطين.

5- أكثم «2» : رأي النصيح دليل لا يجور.

6- النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه.

7- مسعر: ما نصحت أحدا إلا فتش عن عيوبي.

(5/267)

8- من كتم السلطان نصحه، والأطباء مرضه، والأخوان بثه، فقد خان نفسه.

9- قال بعض الخلفاء لجرير بن يزيد: إني قد أعددتك لأمر.

فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله ورسوله قد أعد لك مني قلبا معقودا بنصيحتك، ويدا مبسوطة بطاعتك، وسيفا مشحوذا على عدوك.

10- أنشد الأصمعي:

النصح أرخص ما باع الرجال فلا ... تردد على ناصح نصحا ولا تلم

إن النصائح لا تخفي مناهجها ... على الرجال ذوي الألباب والفهم

11- آخر:

ومن يكن الأشرار شيعة همه ... فليس إلى موحي النصيحة سامعا

12- رأي مخضته ونصح محضته.

13- قال رجل لعمر بن عبد العزيز في وفاة ابنه عبد الملك: آجرك الله يا أمير المؤمنين، وأشار بشماله، فقال عمر: أسر بيمينك، فقال:

سبحان الله! أما في موت عبد الملك ما يشغلك؟ قال: لا، ما في موت عبد الملك ما يشغلني عن نصيحة المسلم.

14- نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.

15- في نوابغ الكلم «1» : وجد قرينا يناصحه فظنه قرنا يناطحه.

16- ما منع قول الناصح أن يروقك، وهو الذي ينصح خروقك.

17- كان معاذ بن مسلم الهراء النحوي- قيل له الهراء لأنه كان يبيع الهروي- صديق الكميت بن زيد، وكانا يتشيعان، فنهاه أن يأتي خالد بن عبد الله القسري، فخالفه، فحبسه وعزم على قتله، فقال معاذ:

(5/268)

نصحتك والنصيحة إن تعدت ... هوى المنصوح عز لها القول

فخالفت الذي لك فيه حظ ... فغالك دون ما أملت غول

18- آخر:

يخبركم أنه ناصح ... وفي نصحه حمة العقرب

19- سليمان الخواص: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنها فضيحة.

20- محمد بن تمام: الموعظة جند من جنود الله، ومثله مثل الطين يضرب به على الحائط فإن استمسك نفع، وإن وقع أثر.

21- أبو جعفر المصري: إنما القلب بمنزلة القمع الذي يصب فيه الزيت أو العسل فيخرج منه وتبقى فيه لطاخته.

22- علي عليه السلام: ولا تكونن ممن لا تنفعه العظة إلا إذا بلغت في إيلامه فإن العاقل متعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب.

23- أنشد الجاحظ:

وليس يزجركم ما توعظون به ... والبهم يزجره الراعي فينزجر

24- آخر:

أهان وأقصى ثم ينصحونني ... ومن ذا الذي يعطي مودته قسرا

25- آخر:

تنخلت آرائي وسقت نصيحتي ... إلى غير طلق للنصيح ولاهش

26- آخر:

ولقلما تجدي نصيحة قائل ... أفعاله أفعال غير مصيب

27- كتب رجل إلى صديق له: أما بعد، فعظ الناس بفعلك، ولا

(5/269)

تعظهم بقولك. واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك، والسلام.

28- الأصمعي: كان يقال: منك من نهاك، وليس منك من أغراك، من كان له من نفسه واعظ، كان له من الله حافظ.

29- خذ نفسك عن هواها بالشكائم، وانهها عن رداها بالخزائم.

30- أنشد المبرد:

أهدت لي اللوم أوفى وهي ظالمة ... واللوم تجزع منه جلة الإبل

وما نصحت لحي ما نصحت لهم ... واحتلت لو أرشدت عمياءهم حيلي

31- أشار فيروز بن حصين على يزيد بن المهلب أن لا يضع يده في يد الحجاج، فلم يقبل منه، وصار إليه، فحبسه وأهله. فقال فيروز:

أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما

أمرتك بالحجاج إذ أنت قادر ... فنفسك ول اللوم إن كنت لائما

فما أنا بالباكي عليك صبابة ... وما أنا بالداعي لترجع سالما

32- أم الدرداء: من وعظ أخاه سرا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.

33- ابن مسعود رفعه: من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على يده نور يوم القيامة.

34- دخل عامل لعمر رضي الله عنه فوجده مستلقيا وصبيانه يلعبون على بطنه، فأنكر ذلك. فقال: كيف أنت مع أهلك؟ قال: إذا دخلت سكت الناطق. قال: اعتزل، فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد.

35- أنس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يعودهم: فإذا امرأة تنسج بردا

(5/270)

وعندها صبي لها، فتارة تضرب بحقها «1» ، وأحيانا تقبل على صبيها، فقال أترون هذه ترحم صبيها؟ قالوا: نعم، قال الله أرحم بعباده من هذه بصبيها.

36- محيسن بن أرطأة الأعرجي:

عرضت نصيحتي مني ليحيى ... فقال غششتني والنصح مر

وما بي أن أكون أعيب يحيى ... ويحيى طاهر الأخلاق بر

ولكن قد أتاني أن يحيى ... يقال عليه في بقعاء شر

فقلت له تجنب كل شيء ... يقال عليك إن الحر حر

37- من اصفر وجهه عند النصيحة اسود لونه من الفضيحة.

38- أعرابي: ما أم واحد بين صفين بأشفق مني عليها.

39- النبي صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

40- أبو موسى رفعه: إذا مر أحدكم في مسجدنا وفي سوقنا، ومعه نبل، فليقبض على نصالها بكفه، أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء. قال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض.

41- أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذي الناس.

42- عبد العزيز بن أبي رواد: كان الرجل إذا رأى من أخيه شيئا أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في نهيه، ويؤجر في ستره.

43- عمر رضي الله عنه: إذا رأيتم أخاكم ذا زلة فقوموه وسددوه، وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه. ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم.

(5/271)

44- لقمان: إن الموعظة تشق على السفيه، كما يشق الصعود الوعر على الشيخ الكبير.

45- أوحى الله إلى داود عليه السلام: إنك إن أتيتني بعد لي آبق «1» كتبتك عندي جهبذا «2» ، ومن كتبته عندي جهبذا لم أعذبه بعدها أبدا.

46- لقمان: يا بني، ارحم الفقراء لقلة صبرهم، وارحم الأغنياء لقلة شكرهم، وارحم الجميع لطول غفلتهم.

47- شاعر:

أدنى الأعاجيب إلى تعسي ... أنصح غيري وأغش نفسي

48- الموصلي:

كأنني حين ألحاها وأزجرها ... في الجهل بالجهل أوصيها وأغريها «3»

49- آخر:

أصبحت في هيئة المرآة يخبرنا ... صفاؤها بالذي فيها من الكدر

50- أنا له كالجفن الواقي لمقلته.

51-[شاعر] :

إني وسعد كالحوار وأمه ... إذ وطئته لم يضره اعتمادها «4»

52- نصح رجل لهشام فقال: لا تعدن يا أمير المؤمنين عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى السهل إذا كان المنحدر وعرا، واعلم أن للأعمال جزاء فاتق العواقب، وأن للأمور بغتات فكن على حذر.

(5/272)

فحدث الهادي بهذا الخبر، وفي يده لقمة، فأمسك حتى سمعه مرات.

53- وفي وصية علي عليه السلام: يا بني، أجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وأرض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.

54- قال الرشيد لمنصور بن عمار: عظني وأوجز، فقال يا أمير المؤمنين، هل أحد أحب إليك من نفسك؟ قال: لا. قال: إن رأيت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل.

55- أبو حازم المدني: ثنتان إذا عملت بهما أصبت خير الدنيا والآخرة لا أطول عليكم. قيل: وما هما يا أبا حازم؟ قال: تتحمل ما تكرهه إذا أحبه الله، وتترك ما تحبه إذا كرهه الله.

56- وعظ ابن السماك الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، إنما هو دبيب من سقم، حتى تزل قدم، ويقع ندم، فلا توبة تنال، ولا عثرة تقال، فاتق الله «1» .

57- علي عليه السلام رفعه: قال الله تعالى: يا ابن آدم، لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك، ولا نعمة الناس عن نعمتك، ولا تقنط الناس من رحمة الله وأنت ترجوها لنفسك.

58- وعظ مجوسي أبا مسلم فقال: قل ما يقبل، وخذ ما يسهل، وافعل ما يجمل.

(5/273)

الباب السادس والثمانون النعمة وشكرها، والإشادة بذكرها، وغمطها وكفرانها، والامتنان بها، وما شابه ذلك

1- معاذ بن جبل: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة؟ فقال: أتدري ما تمام النعمة؟ قال: يا رسول الله دعوة دعوتها أريد بها الخير. قال: فإن تمام النعمة الفوز من النار ودخول الجنة.

2- وعنه صلى الله عليه وسلم: ما عظمت نعمة الله على أحد إلا عظمت مؤونة الناس عليه.

3- قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة حين صفح: فعلوا بك وفعلوا، قال: إني سميت محمدا لأحمد.

ولما بلغه صلى الله عليه وسلم هجاء الأعشى لعلقمة بن علاثة «1» ، نهى أصحابه أن يرووه، وقال: إن أبا سفيان شعث مني عند قيصر فرد عليه علقمة وكذب

(5/275)

أبا سفيان. قال ابن عباس: فشكر له ذلك.

4- قام رجل من الأنصار إلى عمر رضي الله عنه فقال: اذكر بلائي إذا فاجأك ذو سفه يوم السقيفة والصديق مشغول. فقال عمر بأعلى صوته:

ادن مني، فدنا منه، فأخذ بذراعه حتى استشرفه على الناس، وقال: ألا أن هذا رد عني سفيها يوم السقيفة، ثم حمله على نجيب «1» ، وزاد في عطائه، وولاه قومه، وقرأ: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان

«2» .

5- علي عليه السلام: احذروا نفار النعم، فما كل شارد مردود.

- وعنه: إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر.

- وعنه إذا رأيت أخاك يتابع عليك نعمة فاحذره.

6- بعض السلف: إن كفران النعم بوار «3» ، وقلما أقشعت نافرها فرجعت إلى نصابها، فاستدع شاردها بالشكر، واستدم راهنها بكرم الجوار، ولا تحسب أن ستر الله غير مقلص عما قليل إذا أنت لم ترج لله وقارا.

7- أتى عمرو بن معد يكرب مجاشع بن مسعود السلمي بالبصرة، فقال له: اذكر حاجتك، قال: حاجتي صلة مثلي. فأعطاه عشرة آلاف درهم، وفرسا من بنات الغبراء، وسيفا قلعيا ودرعا حصينة وغلاما خبازا.

فلما خرج من عنده قيل له: كيف وجدت صاحبك؟ قال: لله بني سليم! ما أشد في الهيجاء لقاءها! وأكرم في الكرامات عطاءها! وأثبت في المكرمات بناءها! لقد قاتلتها فما أجبنتها، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها.

(5/276)

ولله مسؤولا نوالا ونائلا ... وصاحب هيجا يوم هيجا مجاشع

8- إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.

9- حكيم: الشكر ثلاث منازل: ضمير القلب، ونشر اللسان، ومكافأة اليد.

10- شاعر:

أفادتكم النعماء مني ثلاثة ... يدي ولساني والضمير المحجبا

11- النبي صلى الله عليه وسلم: لا تصلح الصنيعة «1» إلا عند ذي حسب ودين، كما لا تصلح الرياضة إلا في نجيب.

12- مر زياد بن أبيه بأبي العريان المكفوف، فقال: رب أمر قد نقصه الله، وعبد قد رده الله. فكتب به زياد إلى معاوية، فأمر أن يبعث إليه بألف دينار ويمر به، ففعل. فقال: رحم الله أبا سفيان كأنها تسليمته ونعمته، فعرف معاوية ذلك، فكتب إلى أبي العريان:

ما لبثتك الدنانير التي حملت ... أن لونتك أبا العريان ألوانا

فكتب إليه جوابا:

من يسد خيرا يجده حيث يطلبه ... أو يسد شرا يجده حيثما كانا

فأبعث لنا صلة تحيا النفوس بها ... قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا

13- أعرابي: من كان مولى نعمتك فكن عبد شكره عليها.

14- آخر: الكريم يرعى في حق اللفظة وحرمة اللحظة.

15- مسلم بن دارة: ما زلت استجفي عائشة رضي الله عنها في قولها بمنة الله لا بمنتك. حتى سألت أبا زرعة الرازي فقال: ولت الحمد أهله.

(5/277)

16- أعرابي: رب منع ألذ من عطاء، وشوك أنهد من وطاء «1» .

17- بكر بن عبد الله المزني: كن عدادا لنعم الله، فإنك إن أحصيتها كنت قمنا «2» أن تشكرها، وإذا نسيتها كنت قمنا أن تكفرها.

18- ابن عائشة «3» : كان يقال: ما أنعم الله على عبد نعمة فظلم بها إلا كان حقيقا على الله أن يزيلها عنه.

19- علي عليه السلام: أقل ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.

20- أنشد أبو العباس ابن عمارة:

أعارك ماله لتقوم فيه ... بواجبه وتقضي بعض حقه

فلم تقصد لطاعته ولكن ... قويت على معاصيه برزقه

21- علي عليه السلام: وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك. وان اليسير من الله أعظم من الكثير من خلقه.

22- كاتب: آجر لساني فضلك المتظاهر، وملك أعضائي إحسانك المتناصر.

23- شاعر:

ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يطيل الشكر فيك لقصرا

24- آخر من الكتبة: طال إحسانه قمم الأقوال، ونظر إلى الشكر من مكان عال.

(5/278)

25- عيسى عليه السلام: لو لم يعذب الله أحدا على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى شكرا لنعمه.

26- جعفر بن محمد: إني رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث:

تعجيله، وستره، وتصغيره. فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته.

27- خرج قوم إلى الصيد فطردوا ضبعا حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي، فأجارها وجعل يطعمها، فبينا هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه ومرت. وجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقير «1» ، فتبعها حتى قتلها، وقال:

ومن يصنع المعروف في غير أهله ... يلاقي كما لاقى مجير أم عامر «2»

أعد لها لما استجارت ببيته ... أحاليب ألبان اللقاح الدرائر

وأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر «3»

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف على غير شاكر

28- اشكر لمن أنعم عليك، وانعم على من شكرك.

29- الصاحب «4» : وللنعم من الشكر تمائم، تحرسها من عين النمائم.

30- أعرابي: من خاف أن يسأل عن الشكر طاب نفسا عن النعم.

31- محمد بن حبيب الرواية: إذا قل الشكر حسن المن. ويروى إذا جحدت الصنيعة حسن الامتنان.

32- سابور: من لم ترب معروفه فكأنه لم يصنعه.

(5/279)

33- أنو شروان: الإنعام لقاح، والشكر نتاج.

34- قال الحجاج لابن القرية: ما أضيع الأشياء؟ قال: مطر جود في أرض سبخة «1» لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها، وسراج يوقد في الشمس وجارية حسناء تزف إلى عنين «2» أعمى وصنيعة تسدى إلى من لا يشكر.

35- كان يقال: من عجزت مقدرته على المكافأة، ولسانه عن الشكر، فلا يعجز عن معرفة النعمة، ومودة المنعم.

36- مر أبو الديك المعتوه بمن ينشد:

إن الصنيعة لا تكون صنيعة ... حتى تصيب بها طريق المصنع

فقال: كذب شاعركم، بل يصرف المعروف إلى أهله وغير أهله، وإلا كيف ينالني وكنيتي أبو الديك وأنا معتوه؟.

والبيت لقيس بن يزيد بن هلال النخعي، وبعده:

فإذا صنعت صنيعة فاقصد بها ... وجه الإله وما يثيبك أودع

وسمعها جعفر بن محمد عليهما السلام فقال: قاتل الله قائل هذا الشعر يأمر الناس بالبخل، لكني أقول:

يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور

فعند الشاكرين لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور

وقيل إن قائلهما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الملقب بقطب السخاء.

37- جاء رجل إلى أحمد بن دؤاد، فقال: أيها القاضي، مالي إليك

(5/280)

حاجة سوى عموم معرفتك. ثم أنشأ يقول:

مالي إلى ابن دؤاد حاجة ... تدني إليه ولا له عندي يد

إلا يد عمت فكنت كواحد ... ممن يعين على الثناء ويحمد

نال الأباعد نفعه فشكرته ... والحر يشكر أن ينال الأبعد

38- أبو عصمة: شهدت سفيان وفضيلا فما كانا يتذاكران إلى أن يتفرقا إلا النعم، يقولان: أنعم علينا بكذا، وفعل بنا كذا.

39- الحسن: إذا استوى يوماك فأنت ناقص. قيل: كيف ذاك؟

قال: إن الله زادك في يومك هذا نعما فعليك أن تزداد له فيه شكرا.

40- عبد الأعلى بن حماد النرسي: دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى، هممنا أن نصلك بخير فتدافعت الأيام. فقلت: يا أمير المؤمنين، بلغني عن جعفر بن محمد الصادق: من لم يشكر الهمة لم يشكر النعمة، وأنشد:

لأشكرن لك معروفا هممت به ... إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يمضه قدر ... فالشيء بالقدر المحتوم مصروف

41- قال رجل لسعيد بن العاص وهو أمير الكوفة: يدي عندك بيضاء. قال: وما هي؟ قال: كبت بك فرسك، فتقدمت إليك غلمانك فرفعت بضبعك «1» ، وهززتك مرارا، ثم سقيتك ماء، ثم أخذت بركابك حتى ركبت. قال: فأين كنت؟ قال: حجبت عنك، قال: فقد أمرنا لك بمائتي ألف درهم، وبما يملكه الحاجب تأديبا له أن يحجب مثلك وهذه وسيلتك.

42- أعرابي: اللهم إن شكره عظم في نفسي فأعظم في نفسه ثوابك.

(5/281)

43- أبو فراس الحمداني:

وما نعمة مكفورة إن صنعتها ... إلى غير ذي شكر بمانعتي أخرى

سآتي جميلا ما حييت فإنني ... إذا لم أفد شكرا أفدت به أجرا

44- خرج أوس بن حجر حتى إذا كان بأرض بني أسد تقحمت به ناقة ظما فاندقت فخذه وشردت. فلما أصبح غدت إلى جوار يجنين الكمأة «1» فرأينه، فأجلين غير واحدة، فقال لها: من أنت؟ قالت حليمة بنت فضالة بن كلدة، فأعطاها حجرا «2» وقال لها: قولي لأبيك يقول ابن هذا أئتني. فبلغته، فقال: لقد أتيت أباك بمدح كبير أو هجاء طويل.

واحتمل بيته فبناه عليه، وأخدمه حليمة. فقال:

لعمرك ما ملت ثواء ثويها ... حليمة إذ ألقى مراسي مقعد

ولكن تلقت باليدين ضمانتي ... وحل بفلج فالقنافذ عودي «3»

ولم تلهها تلك التكاليف إنها ... كما شئت من أكرومة وتفرد

ساجزيك أو يجزيك عني مثوب ... وقصرك أن يثنى عليك وتحمد

45- قدم عقفان بن قيس بن عاصم المنقري مكة، فنزل على أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان فأكرمته، فقال عند رحيله:

خلف على أروى سلاما فإنما ... جزاء الثوي أن يعف ويحمدا

سلاما أتى من وامق غير عاشق ... أراد رحيلا ما أعف وأمجدا «4»

(5/282)

46- علي عليه السلام: من امتطى الشكر بلغ به المزيد.

47- جعفر بن محمد: النعم وحشية فاشكلوها بالشكر.

48- الحسن: أوطد الناس نعمة أشد في الشكر نهمة.

49- العتابي: استوثقوا من عرى النعم بالشكر.

50- داود: إلهي كيف أشكر لك وأنا لا أطيق الشكر إلا بنعمتك؟

فأوحى إليه: يا داود، ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني اقتصر على ذلك منك شكرا.

51- من جعل الحمد خاتمة للنعمة جعله الله فاتحة للمزيد.

52- كان يقال: أحيوا المعروف بإماتته.

53- بعض الخوارج: ضاع معروف واضع المعروف في غير أهله.

54- النبي صلى الله عليه وسلم: أنا شريك المكفرين. أي الذين تكفر نعمتهم.

55- مر عمرو بن يزيد الأسدي على الحسن، فقام إليه فسأله عن حاله، وألطف في سؤاله. فقال عمرو بن عبيد: أتقوم لهذا؟ فقال: إنه صنع إلي جميلا في أيام الخوف، ونقلني من مكان إلى مكان، فأنا أشكر له ذلك وأرعاه.

56- قال وهب: ترك المكافأة من التطفيف.

57- ابن السماك: النعمة من الله على عبده مجهولة فإذا فقدت عرفت.

58- من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها.

59- فلان يلقح النعمة بشكرها، ويفيحها بدوام ذكرها.

60- الشكر يقي النعمة من الارتجاع، ويجعلها في حمى من الانتزاع.

(5/283)

61- موسى صلوات الله عليه: يا رب، دلني على خفي نعمتك، فقال: النفسان، يدخل أحدهما وهو بارد، ويخرج الآخر وهو حار، ولولاهما لفسد عيشك. وهل تبلغ قيمة نفس منهما؟.

162- كان الصاحب «1» يقول: أنا استحسن قول البحتري: الشكر نسيم النعم.

63- حكيم: لا تصطنعوا «2» ثلاثة: اللئيم فإنه بمنزلة السبخة «3» ، والفاحش فهو يرى أن الذي صنعت إليه إنما هو لمخافة فحشه، والأحمق فهو لا يعرف قدر ما أسديت إليه.

64- وإذا اصطنعت الكريم فاصنع المعروف واحصد الشكر.

65- من مدحك بما ليس فيك فلا تأمنن بهته إياك، ومن أظهر لك شكر ما لم تأت إليه فاحذر أن يكفر بنعمتك.

66- تعليم الأبله إبطال للعلم، واصطناع الكفور إضاعة للنعمة، فعليك بإرتياد الموضع قبل الإقدام على العمل.

67- الشكر أفضل من النعم لأنه يبقى وتلك تفنى.

68- كان المهدي يقول: ما توسل أحد إلي بوسيلة، ولا تذرع بذريعة، هي أقرب من تذكيري يدا سلفت مني إليه، أتبعها بأختها، وأحسن ريها. لأن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل.

69- محمود الوراق:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمر

(5/284)

إذا مس بالسراء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وما منهما إلا له فيه نعمة ... تضيق بها الأوهام والبر والبحر

70- أبو شراعة القيسي:

بني رياح أعاد الله نعمتكم ... حتى المعاد وأسقى ربعكم ديما «1»

لم يلبسوا نعمة الله مذ خلقوا ... إلا تلبسها أخوانهم نعما

71- سلمة بن أبان الكاتب:

ليس يجني الثمار من شجر الشوك وغرس الثناء إلا الكريم.

72- مسعر بن كدام:

العرف من يأته يحمد مغبته ... ما ضاع عرف ولو أوليته حجرا

73- دخل أبو نخيلة على السفاح ينشده، فقال: وما عسيت تقول في بعد قولك لمسلمة:

أمسلم إني يا ابن كل خليفة ... ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض

شكرتك أن الشكر حبل من التقى ... وما كل من أوليته صالحا يقضي

وأحييت لي ذكري وما كان خاملا ... ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

وسمعه الرشيد فقال: هكذا يكون شعر الأشراف! مدح صاحبه ولم يضع من نفسه.

74- البذال بن بذل في علي بن يحيى المنجم:

يا ابن يحيى وما المغالط والجا ... حد مثل المقر بالتقصير

لا أراني بالقول أبلغ من شك ... رك بعض الذي يجن ضميري

أي يوم يمضي ولم تسقني في ... يه بنوء من راحتيك غزير

أنت حصني وحسن رأيك مالي ... وأياديك عزتي ونصيري

(5/285)

75- معاوية بن صخر لقريش:

إذا أنا أعطيت القليل شكوتم ... وإن أنا أعطيت الكثير فلا شكر

فكيف أداوي داءكم ودواؤكم ... يزيدكم داء لقد عظم الأمر

سأحرمكم حتى تذل صعابكم ... وأبلغ شيء في صلاحكم الفقر

76- قطري بن الفجاءة الخارجي أسره الحجاج ثم من عليه وقال:

أتعاود القتال يا عدو الله؟ قال: هيهات! غل يدا مطلقها، وأرق رقبة معتقها، ثم قال:

أأقاتل الحجاج عن سلطانه ... بيد تقر بأنها مولاته

ماذا أقول إذا وقفت إزاءه ... في الصف واحتجت له فعلاته

أأقول جار علي لا إني إذن ... لأحق من جارت عليه ولاته

وتحدث الأقوام أن صنيعة ... غرست لديه فحنظلت ثمراته «1»

إني إذن لأخو الجهالة الذي ... طمت على إحسانه جهلاته

هذا وما ظني بجبن فيكم ... إني لمطرق مشهد وغلاته

77- كتب عدي بن أرطأة «2» إلى عمر بن عبد العزيز: إني احتفرت نهرا لأهل البصرة عذب به ماؤهم، ولم أر عليه شكرا، فليأذن لي أمير المؤمنين أن أسكره. فكتب إليه ثكلتك أمك يا عدي، أفما شرب منه أحد فقال الحمد لله؟ إن الله حين أدخل أهل الجنة الجنة رضي الله عنهم أن قالوا الحمد لله، بها ثوابا من نهرك.

(5/286)

78- عمر بن عبد العزيز: تذاكر النعم شكر.

79- نصر بن سيار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: من أنعم على رجل نعمة فلم يشكره فدعا عليه استجيب له.

ثم قال نصر: اللهم إني قد أنعمت على بني بسام فلم يشكروا، اللهم فاقتلهم. فقتلوا كلهم.

80- محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم: من أنعم عليه نعمة فأنعم على الناس فقد أخذ أمانا من الذم، وخلع ربقة سوء العواقب من عنقه.

81- علي بن الحسين عليهما السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن ليشبع من الطعام فيحمد الله فيعطيه من الأجر ما يعطي الصائم القائم. أن الله يحب الشاكرين.

82- محمد بن علي عليهما السلام: ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من الله ألا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، ولا أذنب عبدا ذنبا فعلم أن الله قد اطلع عليه، وإن شاء غفر له، وإن شاء آخذه به، إلا غفر له قبل أن يستغفره.

83- علي عليه السلام رفعه: ما عظمت نعمة الله على عبد إلا عظمت عليه مؤونة الناس. فمن لم يحتمل تلك المؤونة للناس عرض تلك النعمة للزوال.

84- جعفر بن محمد: أحيوا المعروف بإماتته «1» ، فإن المنة تهدم الصنيعة.

85- شاعر:

ولا عيب في معروفكم غير أنه ... يبين عجز الجاهدين عن الشكر

(5/287)

الباب السابع والثمانون النوم، والاحتلام، والسهر، والرؤيا وما جاء من عجائب التأويلات، وما يتعلق بذلك

1- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد ينام إلا ضرب على صماخه «1» بجرير معقد، فإن هو استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإن هو توضأ حلت عقدة أخرى، فإن قام فصلى حلت العقد كلها. فإن هو لم يستيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العقد كلها كهيأتها، وبال الشيطان في أذنيه.

2- وقالت أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص لمولاة لها عند السحر: حللي عقد الشيطان، ليست بساعة نوم.

3- كان زمعة بن صالح يصلي ليلا طويلا، فإذا أسحر «2» نادى أهله:

يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا «3»

فيتواثبون من بين باك وداع ومستغفر ومتوضىء. فإذا أصبح نادى:

(5/289)

عند الصباح يحمد القوم السرى «1» .

4- ابن عباس: عن النبي صلى الله عليه وسلم: أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل.

5- قالت أم سليمان بن داود عليهما السلام لسليمان: يا بني، لا تكثر النوم، فإن صاحب النوم يجيء يوم القيامة مفلسا.

6- الثوري «2» : كان يعجبهم إذا كان الرجل فارغا أن ينام طلبا للسلامة. وكان يقول: ما أعرف في زماننا أمثل من النوم.

7- ورؤي الثوري يقول للطبيب: دلني على شيء إذا أردت النوم جاءني، فقال أكثر من دهن رأسك.

8- العرب: نومة الضحى في الصيف مبردة، وفي الشتاء مسخنة.

9- قيل للحسن: إن ابن سيرين «3» ما احتلم قط. فقال: إن الاحتلام عرس «4» النساك إذا علم الله منهم العفاف.

10- إن نومة الضحى مخلفة للفم.

11- ابن الجهم: إذا غشيني النعاس في غير وقت نوم تناولت كتابا من كتب الحكم، فأخذ اهتزازي للفوائد، والأريحية «5» التي تعتريني،

(5/290)

أشد من نهيق الحمار، وهدة الهدم.

12- شاعر:

إلا إن نومات الضحى تورث الفتى ... خبالا ونومات العصير جنونا «1»

13- الحارث بن الحارث المكي: إني لأعجب ممن يستلقي على فراشه، ويطبق عينيه يبتغي النوم، كيف لا يقوم يصلي حتى تغلبه عيناه؟

فلا نوم ألذ من ذلك النوم.

14- طاووس «2» : لئن تختلف السياط على ظهري أحب إلي من أن أنام يوم الجمعة والإمام يخطب.

15- محمد بن النضر الحارثي: ترك النوم قبل مدته بسنتين إلا القيلولة «3» .

16- مكحول: من آوى إلى فراشه ثم لم يتفكر فيما صنع في يومه، فإن عمل خيرا حمد الله، وإن أذنب استغفر الله، كان كالتاجر الذي ينفق ولا يحسب حتى يفلس ولا يشعر.

17- كان شداد بن أوس الأنصاري على فراشه كأنه حبة على المقلى، وهو يقول: اللهم إن النار منعتني النوم.

18- شاعر:

غيرت موضع مرقدي ... ليلا ففارقني السكون

قل لي فأول ليلتي ... في حفرتي أني تكون «4»

(5/291)

19- خوات بن جبير: نوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق.

20- وعن العباس بن عبد المطلب أنه مر بابنه وهو نائم نومة الضحى، فركله برجله وقال: قم لا أنام الله عينك، أتنام في ساعة يقسم الله فيها الرزق بين عباده؟ أو ما سمعت ما قالت العرب إنها مكسلة مهزلة، منساة للحاجة؟.

21- والنوم على ثلاثة أنواع: نومة الخرق، ونومة الخلق، ونومة الحمق. فنومة الخرق نومة الضحى، ونومة الخلق هي التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها أمته فقال: قيلوا «1» فإن الشياطين لا تقيل. ونومة الحمق بعد العصر، لا ينامها إلا سكران أو مجنون أو مريض.

22- الصبي إلى أربع سنين لا يحلم حلما يعتد به، ومنهم من لم يحلم إلى أن أسن، ومنهم من لم يحلم البتة.

23- قيل لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك: ما أذهب ملككم؟

قال: نوم الغدوات، وشرب العشوات.

24- هشام بن عبد الملك لولده: ولا تصطبحوا «2» فإنه شؤم ونكد.

أبو دلف العجلي:

أمالكتي ردي علي فؤاديا ... ونومي فقد شردته عن وساديا

ألا تتقين الله في قتل عاشق ... أمت الكرى عنه فأحيا اللياليا

25- علي عليه السلام: ينام الرجل على الثكل ولا ينام على الحرب. يعني أنه يصبر على قتل الولد ولا يصبر على سلب المال.

26- ابن سيرين: لا يحتلم ورع إلا على أهله.

(5/292)

27- سلمان الفارسي: إني لاحتسب نومتي كما احتسب قومتي.

28- عمر بن أبي ربيعة:

فلو كنت ماء كنت صوب غمامة ... ولو كنت ليلا كنت رابعة العشر «1»

ولو كنت لهوا كنت تعليل ساعة ... ولو كنت نوما كنت إغفاءة الفجر

29- يقال بات فلان بليلة أنقد، وهو القنفذ، أي ساهرا.

30- قيل للشعبي: كيف بت البارحة؟ فطول كساءه في الأرض ثم نام عليه وتوسد يده، وقال: هكذا بت.

31- يحيى بن اليمان: رأيت رجلا نام، وهو أسود الرأس واللحية، شاب يملأ العين، فرأى في منامه كأن الناس قد حشروا، وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس، فدعي فدخل الجسر، فإذا هو كحد السيف، يمور به يمينا وشمالا. فأصبح أبيض الرأس واللحية.

32- رأى رجل في منامه كأنه يصب الزيت في الزيتون. فقال ابن سيرين: إن صدقت فإنك تفعل بأمك. فكان كما قال:

33- أتى دومة بنت معتب آت في المنام فقال لها:

ألا أبشرن لولد ... أشبه شيء بالأسد

إذا الرجال في كند ... تغالبوا على بلد

كان له حظ الأشد فولدت المختار بن أبي عبيد. وذلك في سنة الهجرة.

34- رؤي غزوان الصوفي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟

فقال:

حاسبونا فدققوا ... طالبونا فحققوا

ثم منوا ... فأعتقوا

(5/293)

35- لما انصرف أبو مسلم من حرب عبد الله بن علي رأى في المنام كأنه على فيل، والشمس والقمر في حجره. فقصه على عابر سبيل، فقال: الرسم. فقبض عشرة آلاف درهم. ثم قال: اعهد عهدك فإنك هالك. وقرأ: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر.

36- رأى رجل كأنه ينظر في لوح من ذهب. فقيل: يذهب بصرك.

فعمي.

37- قال رجل لسعيد بن المسيب: رأيت كأني بلت خلف المقام.

قال: فهو عبد الملك، قال يلي أربعة من صلبه الخلافة.

وروي أنه قال: رأيت كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول في ذيل عبد الملك أربع مرات. فقال: إن صدقت رؤياك خرج من صلبه أربعة خلفاء.

38- رأى علي بن الحسين مكتوبا على صدره قل هو الله أحد، فاستعبر سعيد فقال: بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيت إليه نفسه.

39- الشافعي رحمه الله: رأيت عليا عليه السلام في المنام، فقال لي: ناولني كتبك، فناولته، فأخذها فبددها. فأصبحت أخا كآبة فأتيت الجعد فأخبرته، فقال: سيرفع الله شأنك، وينشر علمك.

4- ابن مسعود رفعه: من رآني في منامه فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي.

41- بات أبو الهندي بمرو على سطح، وكان إذا نام تقلب تقلبا قبيحا، فشدوا رجله بحبل، فتدحرج وبقي معلقا برجله، واختنق فمات.

42- النبي صلى الله عليه وسلم: الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر، فإذا وقعت فلا تقصها إلا على واد أو ذي رأي.

43- جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت كأن رأسي قد قطع

(5/294)

وكأني أنظر إليه. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بأية عينين كنت تنظر إلى رأسك؟ فلم يلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي. فأولوا رأسه بنبيه، ونظره إلى اتباع سنته.

44- قال رجل لعلي بن الحسين: رأيت كأني أبول في يدي.

فقال: تحتك محرم. فنظروا فإذا بينه وبين امرأته رضاع.

45- كان مع صلة بن أشيم أعرابي، فقال: يا أبا الصهباء، رأيت كأنك أتيت بثلاث شهدات، فأخذت اثنتين وأعطيتني واحدة. فقال:

الشهادة إن شاء الله. فغزوا فاستشهد أبو الصهباء وابنه والأعرابي.

46- أنشد أبو غانم الثقفي:

رقدت رقاد الهيم حتى لو أنني ... يكون رقادي مغنما لفنيت

فقلت: لمن هذا البيت؟ فقال: لرقاد من رقاد العرب.

47- أبو حنيفة رحمه الله: رأيت كأني نبشت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضممت عظامه إلى صدري. فهالني، فسألت ابن سيرين، فقال: ما ينبغي لأحد من أهل هذا الزمان أن يرى هذه الرؤيا. قلت: أنا رأيتها.

قال: إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك.

48- شاعر:

وليلك شطر عمرك فاغتنمه ... ولا تذهب بنصف العمر نوما

49- آخر:

وكيف يكون النوم أم كيف طعمه ... صفا النوم لي إن كنتما تصفان

50- فلان لا يتصالح جفناه.

51- رأى رجل غرابا وقع على أعظم أطم «1» بالمدينة فقال ابن

(5/295)

المسيب: يتزوج أفسق الفاسقين أشرف امرأة بالمدينة.

52- رأى نبطي «1» الحجاج بن يوسف الثقفي في المنام، فقال له:

إلى ما صيرك ربك؟ قال: وماذا عليك يا ابن الفاعلة؟ فقال: ما سلمنا من فعلك حيا ولا من سبك ميتا.

53- نام عبود، وكان عبدا أسود حطابا في محتطبه أسبوعا، فضرب به المثل فقيل: قد نام نومة عبود.

54- قيل تماوت على أهله وقال: اندبوني لأعلم كيف تندبوني إذا مت. فسجي وندب، فإذا به قد مات.

55- وقال عبد الله بن الحجاج:

قوموا فأهل الكهف مع عب ... ود عندكم صراصر

56- يقال إن ملك الرؤيا ينسخ من اللوح المحفوظ ما كتب للعبد فيريه في منامه.

57- رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيد بن أبي العيص في الجنة بعد موته، فأولها لولده عتاب بن أسيد.

- وعنه صلى الله عليه وسلم: الرؤيا الصالحة بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الآخرة.

58- قال أشعب لرجل: رأيتك مطليا بعذرة. فقال: هو عملك الخبيث ألبسكه الله، وعملي الطيب ألبستنيه. قال: في الرؤيا شيء آخر، قال: وما هو؟ رأيتك تلحسني ورأيتني ألحسك «2» .

(5/296)

59- المعلى بن علاء الطائي:

كم ليلة ذدت الرقاد وأنتما ... تتنازعان حواشي الأحلام

وحملتما لوما علي وربما ... كان الملام أحق باللوام

60- رأى نوف البكالي صاحب علي عليه السلام كأنه يسوق جيشا، ومعه رمح طويل في رأسه شمعة تضيء للناس. فتأولها بالشهادة. فخرج إلى الغزو، فلما وضع رجله في الركاب قال: اللهم أرمل المرأة وأيتم الولد وأكرم نوفا بالشهادة. فوجدوه وفرسه مقتولين مختلطا دمه بدم فرسه وقد قتل رجلين.

61- أبو سليمان الداراني: إنما يرى العبد الرؤيا ليثبت فإذا أخلص انقطع عنه كثرة الرؤيا.

62- كان أبو سالم يقول: الرؤيا كلام يكلم الله به عبده.

63- رأى عبد الملك في منامه أن أم هشام شقت رأسه فلطعت من دماغه عشرين لطعة، فطلقها. ثم بعث إلى سعيد بن المسيب فسأله.

فقال: تلد غلاما يملك عشرين سنة. فندم.

64- رأى شرحبيل بن حسنة رؤيا فقصها على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: نامت عينك ورأيت خيرا.

65- جابر بن عبد الله: كنا ننام في المسجد ومعنا علي بن أبي طالب، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قوموا لا تناموا في المسجد، فقمنا لنخرج، فقال: أما أنت يا علي فنم، فإنه قد أذن لك.

66- ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه، فسألته فقال: لولا رحمة الله لهلك أبوك. إنه سألني عن عقال بعير الصدقة، وعن حياض الإبل، فكيف عن الناس؟ فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز، فصاح وضرب بيد على يد

(5/297)

وقال: فعل هذا بالطاهر التقي، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟

67- سئل ابن سيرين عن رجل رأى في منامه كأنه يمضغ شدقه، فقال: هذا رجل يغتاب أقرباءه.

(5/298)

الباب الثامن والثمانون الوفاء، وحسن العهد، ورعاية الذمم، والأمانة والثقة، وكتمان الأسرار، وما أشبه ذلك

1- أبو بكر رضي الله عنه: قال لي رسول صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، عليك بصدق الحديث، ووفاء بالعهد، وحفظ الأمانة، فإنها وصية الأنبياء.

2- نزل ناس من محارب إلى جنب المدينة، فاشترى منهم رسول الله جزورا «1» بوسق «2» من تمر. فلما ذهب بها وتوارى في بيوت المدينة، قالوا: أعطينا رجلا لا نعرفه. فقالت عجوز منهم: لقد رأيت وجه رجل ما كان ليلبسه غدرا. فما كان إلا أن أرسل إليهم فدعاهم، ثم أمر بالتمر فنثر على نطع «3» ، ثم قال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم وفاهم ثمنهم.

فقالوا: ما رأينا كاليوم في الوفاء.

3- أوصت أعرابية أبنا لها فقالت: يا بني، اعلم أنه من اعتقد الوفاء والسخاء فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم فإنها تنبت

(5/299)

السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي»

أهلها الأمرين.

4- ليس شيء أوفى من قمرية «2» ، فإنها إذا مات ذكرها لم تقرب آخر بعده، ولا تزال تنوح عليه إلى أن تموت.

5- شاعر:

أشدد يديك بمن يلف وفاءه ... إن الوفاء من الرجال عزيز

6- علي عليه السلام: الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها. وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين.

7- وفد عدي بن حاتم على عمر رضي الله عنه، وكان قد ثبت إسلامه في الردة، فقال: أتعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، أنت الذي آمن إذ كفروا، ووفى إذ غدروا.

8- وكان مع علي عليه السلام في حروبه، وفقئت عينه يوم الجمل، وهو القائل لمعاوية:

يجادلني معاوية بن حرب ... وليس إلى الذي يبغي سبيل

يذكرني أبا حسن عليا ... وحظي في أبي حسن جليل

9- قال المنصور لاسحاق بن موسى العقيلي، وكان قبله خصيصا عند مروان بن محمد، وقد ضمن غلاما من بني أمية: ما ضمانك له إلا حبا

(5/300)

لبني أمية؟ فقال: هذا وفائي لمن له عندي يد «1» وقد زالت عنه الدولة، فكيف وفائي لمن له عندي يد والدولة عليه باقية؟ فاستحسن قوله وأطلق له الغلام من غير ضمان.

10- الوفاء وفاء لمن لا ترجوه ولا تخافه.

11- إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وإلى بكائه على ما مضى من زمانه.

12- أتى حاجب بن زرارة التميمي في جدب أصاب قومه بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كسرى فسأله أن يأذن لهم في دخول بلاده حتى يمتاروا «2» .

فقال: إنكم معشر العرب قوم غدر. فقال: إني ضامن للملك ألا يفعلوا، قال: فمن لي بأن تفي؟ قال: أرهنك قوسي. فضحك من حوله، فقال كسرى: ما كان ليخالف، فقبلها منه وقال: يا حاجب، إن قوسك لقصيرة معوجة، قال: أيها الملك، إن وفائي طويل مستقيم. فمات حاجب، فطلبها ابنه عطارد فردت عليه، وكساه كسرى حلة. فلما أسلم عطارد أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم.

وبقيت قوس حاجب فخرا لبني تميم، قال أبو تمام:

إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ... فخارا على ما وطدت من مناقب

فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ... عروش الذين استرهنوا قوس حاجب

13- وقد ملح المطراني في قوله:

تزهى علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها

14- وللمصنف «3» في صباه:

(5/301)

أكل وفاء كان في قوس حاجب ... وأنت جمعت الغدر في قوس حاجب

15- أتى عمر رضي الله عنه بتاج كسرى وسيفه ومنطقته وسواريه، فرأى من الدر والياقوت شيئا لم ير مثله، فكره أن يمسه بيده، فأخذ عودا فجعل يقلب ذلك وينظر إليه. فلما أطال النظر قال: إن الذي أدى هذا لأمين. فقال له علي: يا أمير المؤمنين، إنك أديت الأمانة إلى الله، فلما أديتها إلى الله أديت إليك.

16- قال لقمان لأبنه: إذا كان خازنك حفيظا وخزانتك أمينة سدت في دنياك وآخرتك.

17- عروة بن محمد عن أبيه رفعه: ثلاث إذا رأيتهن فعندك عندك:

خراب العامر وعمارة الخراب، وأن يكون الغزو رفدا، وأن يتمرس البعير بالشجرة.

18- ابن عباس: أتى رسول الله التجار فقال: يا معشر التجار، إن الله باعثكم يوم القيامة فجارا إلا من صدق ووصل وأدى الأمانة.

19- ابن عمر رفعه: خلق الله تعالى من الإنسان فرجه وقال: هذه أمانة استودعتكها. الفرج أمانة. والسمع أمانة، والبصر أمانة، واللسان أمانة، ولا إيمان لمن لا أمانة له.

20- أخذ لبنت أبي قحافة طوق يوم الفتح، فقال: أبو بكر فأخذ بيد أخته وقال: أنشدكم الله والإسلام طوق أختي. قالها ثلاثا، فلم يجبه أحد، فقال: يا أخية أحتسبي طوقك فإن الأمانة في الناس قليل.

21- مكتوب في التوراة: الأمين من أهل الأديان كلها عائش بخير.

22- لقمان: يا بني كن أمينا تعش غنيا.

23- النبي صلى الله عليه وسلم: الأمانة غنى.

24- اتقوا النعمة أن تقول كفرت، والأمانة أن تقول أخفرت.

(5/302)

25- شاعر:

سقى الله أطلال الوفاء بكفه ... فقد درست أحلامه ومنازله «1»

26- قال رجل لسلمان رضي الله عنه: يا أبا عبد الله، فلان يقرئك السلام. فقال: أما أنك لو لم تفعل لكانت أمانة في عنقك.

27- قال حارث بن عوف بن أبي حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم: أجرني من لسان حسان فلو مزج به البحر لامتزج. فحدث بذلك ابن عائشة فقال: أوجعه قوله:

وأمانة المري حيث لقيته ... مثل الزجاجة صدعها لا يجبر «2»

28- قدم مكة كهمس بن سعد البارقي ورجل من بني زبيد، فظلم البارقي أبي بن خلف، فقال:

أتظلمني مالي بمكة ظالما ... أبي ولا قومي لدي ولا صحبي

وناديت قومي بارقا لنجيتي ... وكم دون قومي من فياف ومن سهب «3»

سيأبى لكم حلف الفضول ظلامتي ... بني خلف والحق يؤخذ بالغصب «4»

29- وظلم الزبيدي العاص بن وائل السهمي، فصعد الجبل رافعا عقيرته «5» :

يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدر والنفر

ومحرم أشعث لم يقض عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر

(5/303)

هل مخفر من أخي سهم بقدرته ... فعادل أم ضلال نال معتمر «1»

إن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

فتحالف ثلاث نفر الزبير عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل العباس أولهم، والمتحالفون بن وهاشم، وقيل بنو عبد مناف، وزهرة، وتيم بن مرة، وأسد ابن عبد العزى. وزاد بعضهم الحارث بن فهر رهط أبي عبيدة. فقال من عداهم من قريش: لقد دخل هؤلاء في فضول من الأمر فسمي حلف الفضول.

وقيل سمي بذلك تشبيها له بحلف كان بمكة أيام جرهم على التناصف والأخذ من القوي للضعيف، وللغريب من القاطن، قام به رجال من جرهم يقال لهم الفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، والفضل بن فضالة فقيل لهم حلف الفضول جمعا لأسماء هؤلاء كما يقال سعد السعود.

وقيل سمي بذلك لما فيه من الشرف والفضل. وقيل لأنه شيء تفضلوا به.

وشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله اليوم لأجبت. وكانت صورة الحلف: والله القابل، إنا اليد على الظالم حتى نأخذ للمظلوم حقه ما بل بحر صوفة.

30- دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي عليه السلام حين تفرق عنه الناس، فكتب إلى معاوية: يا وثن بن وثن، تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وانثيال الناس عليك، واجفالهم إليك، فو الله الذي لا إله غيره لا سالمتك أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليه، ولا حزب الشيطان على حزبه، والسلام.

31- سأل المنصور بعض بطانة هشام عن تدبيره في بعض حروبه مع

(5/304)

الخوارج، فقال: فعل كذا وصنع كذا رحمه الله. فقال المنصور: قم عليك لعنة الله. تطأ بساطي وتترحم على عدوي! فقام الرجل وهو يقول:

والله إن نعمة عدوك لقلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي. فقال المنصور:

ارجع يا شيخ، فإني أشهد أنك جهيض حرة، وغراس شريف. ودعا له بمال، فأخذه وقال: لولا جلالة أمير المؤمنين وامتطاء طاعته ما لبست لأحد بعده نعمة. فقال له المنصور: مت إذا شئت، لله أنت! فلو لم يكن في قومك غيرك لكنت قد أبقيت لهم مجدا مخلدا.

32- قال عمرو بن العاص: إذا أفشيت سري إلى صديقي فأذاعه فهو في حل. فقيل له: كيف؟ قال أنا كنت أحق بصيانته.

33- المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.

34- فيلسوف: القلوب أوعية السرائر، والشفاه أقفالها، والألسنة مفاتيحها، فليحفظ كل منكم مفتاح وعاء سره.

35- حكيم: ضع سرك عند من لا سر له عندك.

36- لا يصلح للسر إلا لسانان وأربع آذان.

37- رجل من بني سعد:

إذا ما ضاق صدرك عن حديث ... فأفشته الرجال فمن تلوم

إذا عاتبت من أفشى حديثا ... وسري عنده فأنا الظلوم

38- أوس بن حجر:

ليس الحديث بنهبي بينهن ولا ... سر يحدثنه في الحي منشور

39- قيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أفرقه تحت شغاف «1» قلبي ثم لا أجمعه، وأنساه كأني لم أسمعه.

(5/305)

40- فلان كتوم الرغاء، بعيد مقبل السر، حنيت عليه أضالعه، وتلاقت عليه حيازيمه «1» .

41- الجاحظ: تقول العرب: من ارتاد لسره فقد أشاعه، وأرى الأول قد أذن في واحد وهو قوله:

سرك دمك فانظر أين تريقه «2» .

42- أبو الشيص:

ضع السر في صماء ليست بصخرة ... صلود كما عاينت من سائر الصخر

ولكنها قلب امرىء ذي حفيظة ... يرى ضيعة الأسرار قاصمة الظهر

43- كان يقال: أحزم الناس الذي لا يفشي سره إلى صديقه، مخافة أن يقع بينهما شر فيفشيه عليه:

44- حكيم: قلوب الأحرار قبور الأسرار.

45- بزرجمهر: الطمأنينة إلى كل أحد قبل الإختيار حمق.

46- نصيب:

وقد طال كتمانيك حتى كأنني ... برجع جواب السائلي عنك أعجم

لأسلم من قول الوشاة وتسلمي ... سلمت وهل حي على الناس يسلم

47- سلمة اليشكري:

إذا ما غفرت الذنب يوما لصاحب ... فلست معيدا ما حييت له ذكرا

ولست إذا ما صاحب حال عهده ... وعندي له سر مذيعا له سرا

48- مر أبو بكر رضي الله عنه بجارية سوداء تطحن لمولاتها، فقالت مولاتها: يا أبا بكر اشترها فإنها على دينك. فلما علم أنها مسلمة حكم

(5/306)

مولاتها، فاشتراها على المكان ودفع ثمنها، وقال: قومي يا جارية.

فقالت: يا أبا بكر، إن لها علي حقا بقديم ملكها، فأئذن لي أن استتم طحينها. ففعل.

49- عاذ الفرزدق ببكر بن وائل في بعض مخاوفه، ثم ارتحل عنهم ذاما لهم. فقال رجل منهم:

لقد بوأتك الدار بكر بن وائل ... وردت لك الأحشاء إذ أنت مجرم

زمان تمنى أن تكون حمامة ... بمكة واراها الستار المحرم

فإن تنأ عنا لا تضرنا وإن تعد ... فإنا على العهد الذي كنت تعلم

50- كان قيس بن الرقيات مع مصعب، فلما قتل تردد هاربا في البلاد، حتى عاذ بعبد الله بن جعفر ليستشفعه إلى عبد الملك. فقام ابن جعفر بين يديه وقال: حاجة. قال: حاجاتك كلها مقضية إلا دم ابن قيس. قال: فهذه حاجتي، فأطرق هنيهة ثم قال: على أن تضع يده في يدي. فلما دخل عليه وقد أمر قبل بعساس خلنج «1» ، فملئت ألبان البخت «2» يحمل العس جمانة، ثم صفت بين يديه- قال له: أين هذه العساس من عساس مصعب حين تقول:

جلب الخيل من تهامة حتى ... وردت خيله جبال زرنج «3»

يلبس الجيش بالجيوش ويسقي ... لبن البخت في قصاع الخلنج «4»

قال: لا أين أمير المؤمنين لو طرحت كلها في أصغر عس من أعساس مصعب لتقلقلت داخله. قال: قاتلك الله! أبيت إلا كرما. وعفا عنه ووصله.

(5/307)

51- كان أبو العاص بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس، ختن «1» رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنته زينب، تاجرا تضاربه قريش بأموالها فخرج إلى الشام سنة الهجرة فلما قدم عرض له المسلمون فأسروه، وقدموا به المدينة ليلا. فلما صلوا الفجر قامت زينب على باب المسجد فقالت: يا رسول الله، قد أجرت أبا العاص وما معه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت. ودفع إليه جميع ما أخذ منه، وعرض عليه الإسلام، فأبى وخرج إلى مكة. فدعا قريشا وأطعمهم ثم دفع إليهم أموالهم. وقال: هل وفيت؟ قالوا: نعم قد أديت الأمانة ووفيت. قال: اشهدوا جميعا أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وما منعني أن أسلم إلا تقولوا أخذ أموالنا. ثم هاجر فأقره رسول الله على النكاح الأول. وتوفي سنة ثنتي عشرة.

52- قال رجل لراهب: قتلت تسعة وتسعين، فهل لي من توبة؟

قال: لا. قال: لأكملن بك مائة، فقتله. ثم ذهب إلى راهب آخر فقال له: قتلت مائة، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، على أن تطيعني ولا تعصيني، فقال له: قاسمني العمل. قال أنا بين يديك. فأراد أن يخبز فقال: علي العجين والإلزاق وعليك السجر «2» . فاستجر التنور يوما وقال للراهب: قم فالزق، فقال: اذهب واجلس في التنور، فذهب فجلس فيه، فجاء الراهب ينظر، فإذا الرجل قاعد في التنور، ما به إلا أنه يشرح عرقا. فقال له: قم فاخرج فأنت خير مني. فجوزي بوفائه.

(5/308)

الباب التاسع والثمانون الوقاحة، والسفاهة، والجسارة، وقلة المبالاة وذكر الغوغاء والحشوة، ونحو ذلك

1- النبي صلى الله عليه وسلم: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

2- حكيم: الخرس خير من الكذب، والخصاء خير من الزنا.

والمعيشة بالجهد والفاقة خير من المعيشة بالبذاء وقلة الحياء.

وذكر رجلا وقحا: لو دق بوجهه الحجارة لرضها، ولو خلا بأستار الكعبة لسرقها.

3- ابن سلام: العاقل شجاع القلب، والأحمق شجاع الوجه.

هو صفيق الدرقة «1» ، صليب الحدقة «2» .

4- الفاقة خير من الصفاقة.

5- الصخر هش عند وجهك في الوقاحة.

6- يقال: وجوههم وأيديهم حديد. أي وقاح بخلاء.

(5/309)

7- لما حضرت أد بن مر الوفاة عدل بإرثه عن تميم إلى سائر ولده، فعاتبه تميم، فقال: يا بني، إني لم أفعل بك ذلك لذنب استحقيته.

ولكن للثقة بما في يدك من عوض يغنيك عن أخوتك، ويفقرهم إليك، ويكسبك السؤدد. قال: وما هو يا أبه؟ قال: صفاقة وجهك.

8- أنوشروان: أربع قبائح، وهي في أربعة أقبح: البخل في الملوك، والكذب في القضاة، والحدة في العلماء، والوقاحة في النساء.

9- أبو عثمان الناجم:

لك عرض مثلم من قوا ... رير ووجه ململم من حديد

10- صفاقة العينين خير من غلة دارين.

11- في النصائح الصغار «1» : الوجه ذو الوقاحة من وجوه الرقاحة، يفيء على صاحبه الأنفال، ويفتح الأقفال، ويلقطه الأرطاب، ويلقمه ما استطاب، ويجسره على قول المنطيق، وييسر له فعل ما لا يطيق.

وكل ذي وجه حيي ذو لسان عيي، معتقل لا ينشط لمقال، ولا ينشط من عقال. لا يزال ضيق الذرع، بكي الضرع، يشبع غيره وهو طيان، ويعطش وصاحبه ريان.

ولكن لا كان من يتوقح، ولا ما يتربح ويتوقح. فلعمري ما النائل الوقح إلا ما ناله الوقح. وأيم الله إن الرشحة في الجبين أحسن من الشمم في العرنين، ولئن تغر عرضك وما في سقائك جرعة خير أن تملك البحر وما في وجهك مزعة.

12- نافر «2» رجل من جرم رجلا من الأنصار إلى قرشي، فقال للجرمي: أبالجاهلية تفاخره أم بالإسلام؟ قال بل بالإسلام، قال: كيف

(5/310)

وقد أووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه حتى أظهر الله الإسلام؟ قال الجرمي:

وكيف يكون قلة الحياء؟.

13- كان يقال: إثنان لا يتفقان أبدا القناعة والحسد. وإثنان لا يفترقان أبدا الحرص والقحة.

14- هجا أبو الهول الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغبا إليه، فقال له:

بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أكثر.

فضحك ووصله.

15- شاعر:

أكول لأرزاق العباد إلى شتا ... صبور على سوء الثناء وقاح

16- من جسر أيسر، ومن هاب خاب.

17- المسترسل موقى، والمحترس ملقى.

18- شاعر:

لا تكونن في الأمور هيوبا ... فإلى خيبة يصير الهيوب

19- آخر:

إذا رزق الفتى وجها وقاحا ... تقلب في الأمور كما يشاء

20- آخر:

إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا ... وتستح مخلوقا فما شئت فاصنع

21- من سبح في النهر الذي فيه التمساح عرض نفسه للهلكة.

22- علي عليه السلام: إذا هبت أمرا فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه.

23- كان الحسن: إذا ذكر أهل السوق والغوغاء قال: قتلة الأنبياء.

(5/311)

24- وقال علي عليه السلام فيهم: إذا اجتمعوا ضروا، وإن تفرقوا نفعوا. قيل: قد علمنا مضرة إجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم. كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.

وعنه: وأنتم معاشر أخفاء الهام «1» ، سفهاء الأحلام.

25- بعض السلف: لا تسبوا الغوغاء، فإنهم يطفئون الحريق، ويخرجون الغريق، ويسدون البثوق.

26- أبو العبر وهو من عقب علي بن عبد الله بن عباس:

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز باللذة المستهتر النهج

27- الأحنف: ما قل سفهاء قوم إلا ذلوا.

28- حكيم: لا يخرجن أحد من بيته وقد أخذ في حجزته قيراطين من جهل، فإن الجاهل لا يدفعه إلا الجهل. أراد السفه.

29- قال عمرو بن كلثوم:

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

30- الحارث بن حلزة اليشكري: الجاهل من لا جاهل له، أي الجاهل بتدبير أمره لا سفيه له يدفع عنه، قال:

ولا يلبث الجهال أن يتهضموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول

31- صالح بن جناح:

إذا كنت بين الجهل والحلم قاعدا ... وخيرت أيا شئت فالحلم أفضل

ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ... ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل

(5/312)

32- ما جزاء السفيه سب، ولكن إذا عدا الثور تنتزع أنيابه.

33- الأحنف بن قيس:

وذي ضعن أمت القول عنه ... بحلم فاستمر على المقال

ومن يحلم وليس له سفيه ... يلاق المعضلات من الرجال

34- شاعر:

لا بد لسؤدد من أرماح ... ومن عديد تتقي بالراح

ومن سفيه دائم النباح

35- أتى علي عليه السلام بجان ومعه غوغاء، فقال: لا مرحبا بوجوه لا ترى عند سوءة.

36- الفند الزماني «1» :

وبعض الحلم عند الجه ... ل للذلة اذعان

وفي الشر نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان

(5/313)

الباب التسعون الهدية، والرشوة، وما جاء في الاهداء والاستهداء، وذكر من ارتشى في الحكم وغيره

1- أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر هدية فردها، فقال: يا عمر، لم رددت هديتي؟ قال: لأني سمعتك تقول: خيركم من لم يقبل شيئا من الناس. فقال: يا عمر، إنما ذاك ما كان عن ظهر مسألة، فأما ما أتاك من غير مسألة فإنما هو رزق ساقه الله إليك.

2- قالت أم حكيم الخزاعية: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أتكره رد اللطف؟

قال: ما أقبحه؟ لو أهدي إلى ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت.

قالت: وسمعته يقول: تهادوا فإنه يورث الحب، ويذهب بغوائل الصدر.

3- ابن عباس رفعه: ما أهدى المسلم لأخيه أفضل من كلمة حكمة، يزيده الله بها هدى، ويرده بها عن الردى.

- وعنه رفعه: نعمت العطية، ونعمت الهدية كلمة حكيمة تسمعها فتنطوي عليها، ثم تحملها إلى أخ لك مسلم تعلمه إياها.

4- الحسن: تهاديتم الأطباق ولم تتهادوا النصائح.

5- الجاحظ: ما استعطف السلطان، ولا استرضى الغضبان، ولا

(5/315)

استلت السخائم، ولا استدفعت المغارم بمثل هذه الهدايا.

6- في نشر المهاداة طي المعاداة.

7- التهادي سنة متقبلة، ومكرمة متقيلة.

8- عائشة: اللطفة «1» عطفة تزرع في القلوب المحبة.

- وعنها: كان رسول الله يقبل الهدية، ويثيب عليها ما هو خير منها.

9- وعنه عليه السلام: الهدية رزق من الله، فمن أهدي إليه شيء فليقبله.

- وعنه: نعم الشيء الهدية أمام الحاجة.

- وعنه: تهادوا تحابوا.

10- قدم غلام لعلي رضي الله عنه، فأهدى للحسن والحسين دون ابن الحنفية. فتمثل علي بقول عمرو بن كلثوم:

وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا

فأهدى إليه.

11- الجاحظ:

لو كنت لا أهدي إلى أن أرى ... شيئا على قدرك أو قدري

لكنت أهدي سدرة المنتهى ... ترفل في أنوابها الخضر «2»

12- كتب المؤيد إلى المتوكل مع قارورة دهن: إن الهدية متى كانت من الصغير إلى الكبير فكلما لصقت ودقت كانت أبهى وأحسن. وإذا كانت من الكبير إلى الصغير فكلما عظمت وجلت كانت أوقع وأنفع.

(5/316)

13- كتب إبراهيم بن إسماعيل إلى المأمون يوم النيروز «1» : وجهت إلى أمير المؤمنين جام «2» فضة مذهبة، فيها سبع تفاحات من مسك وعنبر ومسك وصندل «3» وكافور وزعفران وعود، وتفاءلت لأمير المؤمنين باجتماعها وفيوح رائحتها أن يملك الأقاليم السبعة، وإن يفوح عدله وحسن سيرته مع رعيته كفيوحها إن شاء الله.

14- أهدى مرة أبو الهذيل إلى مويس بن عمران دجاجة وصفها له بصفات، ثم لم يزل يذكرها كلما ذكر شيء ما بجمال أو سمن قال أحسن وأسمن من الدجاجة التي أهديتها لكم، وإن ذكروا حادثا قال: كان ذلك قبل أن أهدي لكم الدجاجة بشهر، وما كان بين هذا وبين إهداء الدجاجة إلا أيام قلائل. فسارت مثلا لمن يستعظم شيئا يهديه أو يذكره.

15- لبعضهم:

وإن امرأ أسدى إلي صنيعة ... وذكر فيها مرة للئيم

16- أهدى رجل إلى امرأة الحارث بن يحامر الأشعري قاضي دمشق هدية، فكلمته حتى قضى له، فقال عبد الملك بن مروان:

إذا رشوة من باب بيت تقحمت ... لتسكن فيه والأمانة فيه

سعت هربا منها وولت كأنها ... حليم تنحى عن جوار سفيه

17- سفيان الثوري: إذا أردت أن تتزوج فأهد للأم.

18- ميمون بن مهران: إذا كانت حاجتك إلى كاتب فليكن رسولك إليه الطمع.

19- النبي صلى الله عليه وسلم: الهدية تجلب السمع والبصر والقلب.

(5/317)

20- أبو العالية: إذا دخلت الهدية صر الباب وضحكت الأسكفة «1» .

21- كان ابن عباس يروي: من أهديت إليه هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها. فأهدى إليه صديق ثيابا من ثياب مصر، وعنده قوم، فذكر الخبر فقال: إنما ذلك فيما يؤكل ويشرب، أما في ثياب مصر فلا.

22- كعب الأحبار: قرأت فيما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكيم.

23- وفي نوابغ الكلم «2» : إن البراطيل «3» تنصر الأباطيل.

24- شفع مسروق لرجل شفاعة، فأهدى له جارية، فغضب وقال:

لو علمت أن في نفسك هذا ما تكلمت فيها، ولا أتكلم فيما بقي منها أبدا، سمعت ابن مسعود يقول: من شفع شفاعة ليرد بها حقا، أو يدفع بها ظلما فأهدي له فقبل بذلك السحت «4» ، قالوا: ما كنا نرضى السحت إلا الأخذ على الحكم. قال: الأخذ على الحكم كفر.

25- كان شقيق يقول لجاريته: يا بركة، إن جاءك أصحابي بشيء فخذيه وإن جاءك يحيى بشيء فرديه. وكان يحيى ابنه قاضيا على الكناسة «5» .

26- كتب الحمدوني إلى جارية اسمها برهان وقد حج مواليها.

حجوا مواليك يا برهان واعتمروا ... وقد أتتك الهدايا من مواليك

(5/318)

فأطرفيني مما أطرفوك به ... ولا تكن طرفتي غير المساويك «1»

ولست أقبل إلا ما جلوت به ... ثنيتيك وما رددت في فيك

27- كان إبراهيم بن أدهم إذا أهدي إليه شيء لم يرده، وكأفأ بمثليه، فإذا لم يجد إلا ثوبه خلعه.

28- شربت الزريقاء جارية ابن رامين الدواء، فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة على جمل قراسية.

29- عمر رضي الله عنه: لا تولوا اليهود والنصارى، فإنهم يقبلون الرشى، ولا تحل في دين الله الرشى، قال الرشيدي: فأصحابنا اليوم أقبل للرشى منهم.

30- أبو إدريس الخولاني: قال موسى عليه السلام: يا رب، من يسكن حضيرة القدس؟ قال: الذين لا ينظرون بأعينهم في الزنا، ولا يضعون أموالهم في الربا، ولا يأخذون في حكم الله الرشى.

31- شاعر:

إذا أتت الهدية دار قوم ... تطايرت الأمانة من كواها

32- الهدية أجلها أقلها، وأشفها أخفها.

33- لقلة الهدية معنيان يوحيان القبول، وإن كان لك عند المهدي يد فلا تستنقصها لمزيد، وإن كان مبتدئا فالتفضل لا يستقل.

34- شاعر:

تفضل بالقبول علي إني ... بعثت بما يقل لعبد عبدك

(5/319)

35- كاتب: هذا يوم جرت فيه العادة بإلطاف «1» العبيد السادة، وقدر الأمير يجل عما تحيط به المقدرة، وفي سؤدده ما يوجب التفضل ببسط المعذرة، وقد وجهت ما حضر علما بأنه لا يستكثر ما جل، ولا يستقل لعبده ما قل، فإن رأى أن يتطول بقبول القليل تطوله بإهداء الجزيل فعل.

36- شاعر:

رأيت كثير ما يهدي قليلا ... لعبدك فاقتصرت على الدعاء

37- بعث إبراهيم بن المهدي بجراب ملح وجراب أشنان «2» إلى المأمون وكتب: قصرت البضاعة عن بلوغ الهمة، وكرهت أن تطوى صحيفة البر خالية من الذكر، فبعثت بالمبدوء لبركته، وبالمختوم به لنظافته.

38- كان كل واحد من أبي صالح كاتب الرشيد، وسعدان بن يحيى كاتب زبيدة صاحب مصانعات. فدخل الرشيد يوما عليها فقال: أما سمعت ما قيل في كاتبك:

صب في قنديل سعدا ... ن مع التسليم زيتا

وقناديل بنيه ... قبل أن يخفي الكميتا «3»

إن سعدان بن يحيى ... قد بنى للقمط بيتا

قالت: ما قيل في كاتبك أشنع، فأنشدته:

(5/320)

قنديل سعدان على ضوئه ... فرخ لقنديل أبي صالح

تراه في مجلسه أحولا ... من لمحه للدرهم اللائح

فاستحي الرشيد: ومن ثم قيل: صب في قنديله زيتا إذا رشاه.

وسموا المصانعة قندلة، كما تسمى البرطلة. قال:

إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت القضية للمقندل

فبرطل إن أردت الأمر يمشي ... فما يمشي إذا ما تبرطل

39- وقال ابن لنكك:

أراكم تقلبون الحكم قلبا ... إذا ما صب زيت في القنادل

40- متابعة الأرطال تبطل سورة الأبطال، مثل فيمن ارتشى فسكن.

41- في بعض الحديث: استدروا الهدايا برد الظروف، إن حبس الظرف ليس من الظرف.

42- كتب إبراهيم بن المهدي إلى أخ له: لو كانت التحفة على حسب ما يوجبه حقك لأجحف بنا أداء حق من حقوقك، ولكنها على حسب من يخرج من الوحشة، ويوجب الأنس. والسلام.

43- قدم علي بن عيسى بن ماهان على الرشيد من خراسان، فسأله أن يركب مع خواصه إلى الميدان لينظر إلى هداياه. وقد أمر علي بكنس الميدان وفرشه بالآس والرياحين، وأقام في أحد جانبيه أربعة آلاف غلام تركي، وعليهم اللباس المرتفع والمناطق المعرقة بالفضة، وبيد كل واحد شهري «1» من فره «2» الدواب، كلها مجللة مبرقعة بالديباج، وعلى رأس كل

(5/321)

غلام عمامة من جنس لباسه. وفي الجانب الآخر أربعة آلاف وصيفة تركية، عليهن الديباج والمناطق المعرقة بالذهب، مسبلات الشعور، على كل واحدة تخت «1» ثياب من الملحم «2» الفاخر وغيره. وقد بسط في صدر الميدان بسط عليها الأنطاع «3» صبت عليها الأموال حتى صارت جبلا عظيما، وبحذائها نوافج «4» المسك مثلها.

فلما رجع (الرشيد) فنزل قال: يا جعفر أين كنا عن هذه الأموال قال: يا أمير المؤمنين، أسرك أن أخذ علي بن عيسى أموال الفقراء والأرامل وجاءك بها نارا يتقرب بها إليك؟ والله لتعلمن إذا وضحت الأمور أنك تستوخم فائدتها، ولتنفقن بدل كل درهم دينارا. ثم لا تنجو.

فقال موسى الهادي: عادلت الرشيد حين خرج إلى خراسان، فتنفس تنفسة كادت نفسه تخرج، ثم قال: لله جعفر بن يحيى! وذكر كلمته، وقال: كانت أقوى الأسباب في تغيري للبرامكة. وقد والله أنفقت بدل كل درهم دينارا، وأراني لا أنجو.

44- أهدى معاوية إلى الدؤلي «5» هدية فيها حلوى، فقالت ابنته:

ممن هذا يا أبه؟ فقال: هذا من معاوية، بعث بها يخدعنا عن ديننا.

فقالت:

أبا لشهد المزعفر يا ابن حرب ... نبيع عليك أحسابا ودينا

معاذ الله كيف يكون هذا ... ومولانا أمير المؤمنينا

45- بلغ الحسن بن عمارة أن الأعشى يقع فيه ويقول: ظالم ولي

(5/322)

الظالم. فأهدى إليه. فمدحه الأعشى بعد ذلك وقال: الحمد لله الذي ولى علينا من يعرف حقوقنا. فقيل له: كنت تذمه ثم مدحته. فقال: إن خيثمة حدثني عن عبد الله أن رسول الله قال: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.

46- أهديت لقتادة نعل رقيقة، فقال: تعرف عقل الرجل بسخف هديته.

47- عبد الملك بن مروان: ثلاثة أشياء تدل على مقدار عقول أربابها: الكتاب يدل على مقدار عقل كاتبه، والرسول يدل على مقدار عقل مرسله، والهدية تدل على مقدار عقل مهديها.

كان يقول: أهدوا إلى الولاة فأنهم إن يقبلوا أحبوا.

48- لم يرتش حكم في الجاهلية غير ضمرة بن ضمرة النهشلي، تنافر إليه عبادة بن أنف الكلب الصيداوي ومعبد بن نضلة الفقعسي، فرشاه عبادة مائة بعير، فنفره على معبد.

49- الأصمعي: وقفت في البدو على شيخ محتب «1» بعقل يقضي بين أهل الحلة بالحق، فقلت: يا أعرابي، هل نظرت في الفقه؟ فقال:

وما الفقه؟ قلت: فما هذه الإصابة؟ قال: تنوي الخير وتقول ويوفق الله.

فقلت: فهل تميل مع أحد الخصمين لجعل؟ فضحك وقال: إذا لا ينزل التوفيق.

50- الحسن: كان القاضي في بني إسرائيل إذا اختصم إليه الخصمان رفه أحدهما الرشوة في كمه فأراها إياه، فلا يسمع إلا قوله:

فأنزل الله قوله: سماعون للكذب أكالون للسحت «2» .

(5/323)

51- أهدى عمر بن جوي وكان على الري إلى إسحاق بن سعيد بن عمارة الكلاعي وهو على مصر فقال:

وإن امرأ أهدى إلي ودونه ... لكل بريد مسرع ألف فرسخ

لمستوجب نصحي ومحض مودتي ... وإنزاله في القلب منزلة الأخ

52- أهدى عمرو بن مسعدة الكاتب إلى المأمون فرسا. وكتب إليه:

يا إماما لا يدا ... نيه إذا عد إمام

فضل الناس كما يف ... ضل نقصانا تمام

قد بعثنا بجواد ... مثله ليس يرام

فرس يزهى به لل ... حسن سرج ولجام

دونه الخيل كما دو ... نك في الفضل الأنام

وجهه صبح ولكن ... سائر الخلق ظلام

والذي يصلح لل ... مولى على العبد حرام

53- عبد الوهاب بن رؤبة بن العجاج تعذرت عليه حاجة فرشا دراهم فقضيت له، فقال:

لما رأيت الشفعاء بلدوا ... وسألوا أميرهم فأنكدوا

نافستهم برشوة فأقردوا ... وسهل الله بها ما شددوا

54- أنشد المبرد:

وكنت إذا خاصمت خصما كببته ... على الوجه حتى خاصمتني الدراهم

فلما تنازعنا الخصومة غلبت ... علي وقالت قم فإنك ظالم

55- غيره:

إذا توسلت إلى حاجة ... فبالرشى فهي رشاء النجاح

ولا تؤمل غيرها شافعا ... فكل ما دون الرشى كالرياح

56- قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، فأهدى له خارجة بن زيد

(5/324)

بن ثابت ألف عذق موز، وألف قرعة عسل أبيض، وألف شاة، وألف دجاجة، ومائة أوزة، ومائة جزور. فقال سليمان: أجحفت بنفسك يا خارجة، قال: يا أمير المؤمنين قدمت بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت في أهل بيتي مالك بن النجار، وأنت ضيف، وإنما هو قرى. فقال: هذا وأبيكم السؤدد. ثم سأل عن دينه فقيل خمسة وعشرون ألف دينار، فقضاها عنه وأعطاه عشرة آلاف دينار.

57- لما خرج الأحنف مع مصعب أرسل إليه مائة ألف درهم، فجلست زبراء جاريته بين يديه وأرسلت عينها. فقال: ما يبكيك؟ قالت:

مالي لا أبكي عليك إذا لم تبك على نفسك؟ أبعد نهاوند «1» ومرو الروذ «2» صرت تجمع بين غارين من المسلمين؟ قال: نصحتني والله في ديني إذ لم أنتبه لذلك، وأمر بفساطيطه «3» أن تقوض.

فبلغ ذلك مصعبا فقال: من دهاني في الأخنف؟ قيل: زبراء.

فبعث إليها بثلاثين ألفا، فجلست بين يديه وأرخت عينها. قال: مالك يا زبراء؟ قالت: جئت باخوانك من البصرة تزفهم زف العروس، حتى إذا صيرتهم في نحور أعدائهم أردت أن تفت في أعضادهم وتشمت بهم! قال: صدقت. يا غلام رد المضارب مكانها.

58- أهدى عثمان لعائشة هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابعثي منها إلى النسوة. قالت: ما من واحدة إلا وقد أتاها مثلها، فقال: اللهم لا تنساها لعثمان.

59- أهدى معاوية إلى سعيد بن العاص يوم النيروز كسى كثيرة،

(5/325)

وآنية ذهب وفضة. فقال للرسول: ما قدرت لنفسك في طريقك فخذه، ثم فرق سائرها على أصحابه، ولم يأخذ إلا ثوبا واحدا.

60- عن نافع عن ابن عمر كانت تأتيه جوائز المختار فيأخذها.

61- أهدى ملك الروم إلى المأمون، فقال: اهدوا له ما يكون مائة ضعف، ليعلم عز الإسلام ونعمة الله علينا به. ثم قال: ما أعز الأشياء عندهم؟ قالوا: المسك والسمور «1» . قال: وكم في الهدية منهما؟ قالوا:

مائتا رطل «2» ، ومائتا جلد، قال زيدوهم مثل ذلك.

(5/326)

الباب الحادي والتسعون اليأس، والقناعة، والرضا بما رزق الله، والتوكل على الله، والتفويض إليه، والنزاهة عن المطمع

1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحبة وسواء ابني خالد: لا تيأسا من روح الله ما تهزهزت رؤوسكما، فإن أحدكم يولد أحمر لا قشر عليه ثم يكسوه الله ويرزقه.

2- وعنه عليه الصلاة والسلام: القناعة مال لا ينفذ.

3- حدث الأعمش عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي، فجلسنا عنده فقال: لولا أن رسول الله نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطرته فرهنها على الصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي أقنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة.

4- لقمان الحيكم: كفى بالقناعة عزا، وبطيب النفس نعيما.

5- عيسى عليه السلام: اتخذوا البيوت منازل، والمساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واشربوا من الماء القراح «1» ، واخرجوا من الدنيا بسلام.

(5/327)

6- عباد بن منصور: كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد وأفصح، ولكنه أصبر عن الدرهم والدينار، فساد أهل البصرة.

7- قال له خالد بن صفوان: لم تأخذ مني؟ قال: لا يأخذ أحد من أحد إلا ذل له، وأنا أكره أن أذل لغير الله. وكان معاشه من دار غلتها كل شهر دينار.

8- كان الناس يكسبون الرغائب بعلم الخليل، وهو فيما بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا ولا يطلبها.

9- سأل ابن سيرين عن أرخص ما يباع في السوق، فقيل: السمك الصغار. فقال: اجعلوا أدمي منه.

10- وهب: أرملت مرة حتى كدت أقنط، فأتاني آت في المنام ومعه شبه لوزة، فقال: افضض، ففضضتها فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر:

لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره، وعرف لله عدله، أن يستبطىء الله في رزقه.

ثم أعطاني فأكثر.

11- قيل للحسن: إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة. فقال الحسن: رحم الله أباذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.

12- العمري: انقطعتم إلى غير الله فما ضيعكم، فإن انقطعتم إلى الله خفتم الضيعة.

13- في بعض الكتب: يقول الله: يا ابن آدم، أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلا وأنت تتفتق بمعصيتي سمنا؟.

14- قيل لأبي حازم: ما مالك؟ قال: لي مالان لا أخشى معهما

(5/328)

الفقر: الثقة بالله، واليأس مما في أيدي الناس. وروى شيئان لا عيلة علي معهما: الرضا عن الله والغنى عن الناس.

15- العمري: يا ابن آدم: الطير لا يأكل رغدا، ولا يخبىء لغد، وأنت تأكل رغدا، وتخبىء لغد، فأحسنت الطير الظن بالله، وأسأت ظنك بالله.

16- حبس عمر بن عبد العزيز الغداء على مسلمة حتى برح به الجوع ثم دعا بشربة سويق فسقاه، حتى إذا انتفخ بطنه دعا بالغداء، فلم يقدر على الأكل. فقال: يا مسلمة، أما يكفيك من الدنيا ما ترى؟ قال:

بلى، قال: فعلام التهافت في النار؟ وروي: التقحم.

17- أنشد المبرد:

إن ضن يحيى بما في بطن راحته ... فالأرض واسعة والرزق مبسوط

إن الذي قدر الأرزاق حكمته ... لم ينسني قاعدا والرحل محطوط «1»

18- عبد الواحد بن زيد: ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة.

19- قال ابن شبرمة «2» في محمد بن طارق: لو أن أحدا اكتفى بالتراب لاكتفى به.

20- أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام: قل لعبادي المستخطين لرزقي: إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.

(5/329)

21- قالت رابعة لسفيان: أترى الله عليك غضبان؟ قال: لا أدري، قالت: ومن أعلم بذلك منك؟ أنظر إن كنت عنه راضيا فهو عنك راض.

قيل: متى يكون العبد راضيا عن ربه؟ قالت: إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة.

22- كان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوما ففاتته الصلوات فجاءت جارية بجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعورا، فقالت: له: لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة؟ فقام فصلى الصلوات، وتصدق بما معه، وذهب يبيع البقل.

ثم دخل عليه فضيل وابن عيينة، فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء، فقالا: إنه لم يدع أحد شيئا إلا عوضه الله منه بدلا، فما عوضك مما تركت له؟ قال: الرضا بما أنا فيه.

23- إبراهيم التيمي: اشترى أبي عبيدا بأربعة آلاف درهم من البصرة فبنوا له داره، ثم باعهم بربح أربعة آلاف درهم. فقلت له: لو عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت. فقال يا بني، ما فرحت بذلك حين أصبته، ولا حدثتني نفسي بإصابة مثله.

24- أصابت داود الطائي ضيقة شديدة، فجاءه حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركه أبيه، فقال: هي من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه، ولو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت وإيجابا للحي، ولكن أحب أن أعيش في عز القناعة.

25- الثوري: ما وضع أحد يده في قصعة «1» غيره إلا ذل له.

- وعنه: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.

26- مسعر بن كدام: من صر على الخل والبقل لم يستعبد.

(5/330)

27- فضيل: أصل الزهد الرضا عن الله، ألا تراه كيف يصنع بعبده كما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها؟ تطعمه مرة صبرا، ومرة خبيصا، تريد بذلك ما هو أصلح له.

- وعنه: من رضي بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له فيه ولم يوسعه.

28- في التوراة: يا ابن آدم، أطعني فيما أمرتك، ولا تعلمني ما يصلحك.

29- إبراهيم بن أدهم كان من أهل النعم بخراسان، وأصله من بني عجل، فبينما هو مشرف من أعلى قصره إذ نظر إلى رجل في فيء قصره، أكل رغيفا وشرب عليه ماء ثم نام. فقال: ما أصنع بالدنيا والنفس تقنع بما رأيت؟ فخرج سائحا إلى الله تعالى.

30- أقبل عليه رجل أثر السفر فقال: أنا غلامك بعثني أخوتك ومعي عشرة آلاف دينار وفرش وبغلة، فقال له: إن كنت صادقا فأنت حر، وما معك لك، اذهب ولا تخبر به أحدا.

31- من باع الحرص بالقناعة فقد ظفر بالغنى.

32- رويم البغدادي: الصبر ترك الشكوى، والرضا استلذاذ البلوى.

33- المحاسبي: من استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله تعالى.

34- عيسى عليه السلام: الشمس في الشتاء صلائي، ونور القمر سراجي، وبقل البرية فاكهتي، وشعر الغنم لباسي، أبيت حيث يدركني الليل، ليس لي ولد يموت، ولا بيت يخرب، أنا الذي كببت الدنيا على وجهها.

35- شاعر:

إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يلق في ظلها هما يؤرقه

(5/331)

36- علي عليه السلام: أكل من تمر دقل «1» ، ثم شرب عليه الماء وضرب على بطنه فقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله، ثم تمثل:

وإنك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

37- الحسن: الحريص الراغب والقانع الزاهد كلاهما مستوف أكله، غير مزداد ولا منتقص مما قدر له، فعلام التهافت في النار.

38- جابر رفعه: لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغه آخر رزق هو له، فاجملوا في الطلب، أخذ الحلال وترك الحرام.

39- ابن عمر رفعه: أجملوا في الطلب، فو الذي بعثني بالحق إن الرزق ليطلب أحدكم كما يطلبه الموت.

40- ابن مسعود رفعه: ليس أحد بأكيس من أحد، فقد كتب له النصيب والأجل، وقسم المعيشة والعمل، فالناس يجرون فيهما إلى منتهى.

41- عيسى عليه السلام: أنظروا إلى طير السماء، تغدو وتروح، وليس معها شيء من أرزاقها، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطونا من الطير، فهذه الوحوش من البقر والحمر لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.

42- سويد بن غفلة كان إذا قيل: قد ولي فلان، قال: حسبي كسرتي وملحي.

43- وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك. فقال: ألست القائل:

لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

(5/332)

أسعى إليه فيعييني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني «1»

كأن حظ أمرىء غيري سأبلغه ... لا بد لا بد أن يجتازه دوني

وقد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق؟ يا أمير المؤمنين وعظت فأبلغت، فخرج فركب ناقته ونصها «2» إلى الحجاز راجعا.

فلما كان من الليل تعار هشام على فراشه، فذكر عروة فقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد علي فجبهته ورددته. ووجه إليه ألفين؟ فقرع عليه الرسول باب داره بالمدينة وأعطاه المال. فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فأكديت، فرجعت فأتاني رزقي في منزلي.

44- عمر رضي الله عنه: تعلموا أن الطمع فقر، وأن اليأس غنى، وأن المرء إذا يئس من شيء استغنى عنه.

45- أنس: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة طيور فأطعم خادمه طائرا فلما كان من الغد أتته به، فقال لها: ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد؟ فإن الله تعالى يأتي برزق كل غد.

46- عبد الله بن عمر رفعه: لقد أفلح من أسلم، ورزقه الله كفافا، وقنعه الله تعالى بما آتاه.

47- مالك بن دينار: لما بعث الله عيسى بن مريم كب الدنيا على وجهها، ثم رفعها الناس حتى بعث الله تعالى محمدا فكب الدنيا على وجهها، ثم رفعناها بعد، فما لقينا منها؟.

48- سليمان عليه السلام: كل العيش قد جربنا لينه وشدته، فوجدنا يكفي منه أدناه.

(5/333)

49- اشترى عمر بن عبد العزيز عنبا بدانقين «1» فأكله هو وامرأته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، فقال: يا فاطمة، كان يأتي أهلك منه أوقار»

البغال، فلم يكن ينالنا إلا بقدر ما أكلنا من هذين الدانقين.

50- لقمان: يا بني، اجعل همك فيما خلقت له، ولا تجعل همك فيما كفيته.

51- في وصية علي عليه السلام: وألجىء أمورك كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى جهف حريز ومانع عزيز.

- وفيها: وأعلم علما يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدوا أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك. فأحسن في الطلب، وأجمل في المكتسب، فإنه رب طلب جر إلى حرب، وليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم.

- وفيها: وقد يكون اليأس إدراكا، إذا كان الطمع هلاكا.

52- ولي عبد الله بن عامر العراق، فقصده صديقان له أنصاري وثقفي، فلما سارا تخلف الأنصاري وقال: الذي أعطى ابن عامر العراق قادر أن يعطيني. ووفد الثقفي وقال: أحرز الحظين. فلما دخل قال له:

ما فعل زميلك الأنصاري؟ ووصله بأربعة آلاف دينار، ووصل الأنصاري بضعفها. فخرج الثقفي وهو يقول:

أمامة ما حرص الحريص بنافع ... فعفتي ولا زهد القنوع بضائر

خرجنا جميعا من مساقط روسنا ... على ثقة منا بجود ابن عامر

فلما أنخنا الناعجات ببابه ... تخلف عنا اليثربي ابن جابر

وقال ستكفيني عطية قادر ... على ما يشاء اليوم للخلق قاهر

(5/334)

فإن الذي أعطى العراق ابن عامر ... لربي الذي أرجو لسد مفاقري «1»

فقلت خلا لي وجهه ولعله ... سيجعل لي حفظ الفتى المتزاور

فلما رآني سال عنه صبابة ... إليه كما حنت ظؤور الأباعر «2»

فأبت وقد أيقنت أن ليس نافعا ... ولا ظائرا شيء خلاف المقادر «3»

53- حين حج الرشيد ماشيا أعياه المشي يوما، فاستلقى على قفاه في ظل ميل، فوقف عليه من قال له:

وما تصنع بالدنيا ... وظل الميل يجزيك

54- عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا كزاد الراكب. ولا تستخلعي ثوبا حتى ترقعيه. وإياك ومجالسة الأغنياء.

55- الحسن: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده.

56- جاء جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخزائن الدنيا كلها على بغلة شهباء، فقال له: هذه الدنيا خذها، ولا ينقصك حظك عند الله بها شيئا، فقال: يا جبرائيل، لا حاجة لي فيها، يا جبرائيل، جوعتين وشبعة.

57- وجد مكتوبا على حائط: يا ابن آدم، ما أنت ببالغ أملك، ولا بسابق أجلك، ولا بمغلوب على رزقك، ولا بمرزوق ما ليس لك، فعلام تقتل نفسك؟.

58- قال زاهد لصبيانه يرزقكم الله الذي يرزق العصافير في الدو «4» .

(5/335)

59- صالح المري: تغدو الطير خماصا «1» ، وتروح بطانا، واثقة بأن لها في كل غدوة رزقا لا يفوتها والذي نفسي بيده إنكم لو غدوتم إلى أسواقكم على مثل إخلاصها رجعتم وأنتم أبطن من بطون الحوامل.

60- أنشد الجاحظ للحسين بن الضحاك:

يا روح من حسمت قناعته ... سبب المطامع في غد وغد

من لم يكن لله متهما ... لم يمس محتاجا إلى أحد

61- أوحي إلى موسى عليه السلام: أتدري لم رزقت الأحمق؟ قال: لا يا رب، قال ليعلم أن الرزق ليس بالاحتيال.

62- وهب بن منبه في قوله تعالى: فلنحيينه حياة طيبة

«2» ، قال: القناعة. أنشد حماد لبعض العرب:

ولا تجزع إذا أعسرت يوما ... فقد أيسرت في زمن طويل

ولا تظنن بربك سوء ظن ... فإن الله أولى بالجميل

وإن العسر يتبعه يسار ... وقول الله أصدق كل قيل

فلو أن العقول تسوق رزقا ... لكان المال عند ذوي العقول

63- قال الله تعالى ليوسف عليه السلام: أنظر إلى الأرض، فانفرجت فرأى ذرة «3» على ضخرة معها الطعام، فقال: أتراني لم أغفل عنها وأغفل عنك وأنت نبي بن نبي بن نبي.

64- قال عيسى عليه السلام للحواريين: أنتم أغنى من الملوك. قالوا:

كيف؟ قال: لأنكم لا تطلبون وهم في الطلب.

65- دخل علي عليه السلام المسجد، وقال لرجل: أمسك على بغلتي.

فخلع لجامعها وذهب به. وخرج علي وفي يده درهمان ليكافئه فوجدها

(5/336)

عطلا، فركبها ومضى، فأعطى غلامه الدرهمين ليشتري بها لجاما، فوجد الغلام اللجام في السوق وقد باعه السارق بدرهمين. فأخذه بالدرهمين.

فقال علي: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدر له.

66- قيل لراهب: من أين تأكل؟ فأشار إلى فمه وقال: من خلق هذه الرحى «1» أتاها بالطحين «2» .

67- عاتب الفضل بن الربيع علي بن الهيثم كاتبه يوما على تأخره فقال:

أظن والظنون قد تعدى ... أني لا أصيب منه بدا

أعد منه ألف يد عدا

وانصرف ولم يعمل للسلطان بعد ذلك.

68- أبو شراعة القيسي:

إن الغنى عن لئام الناس مكرمة ... وعن كرامهم أدنى إلى الكرم

68- ذو الحرق الطهوي:

ولما أتاني تغلب قد نبت به ... لقاح بني أرطاة قلت لتغلب «3»

إذا حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوت أيدي الرجال فجرب

69- سليمان بن المهاجر البجلي:

كسوت جميل الصبر وجهي فصانه ... به الله عن غشيان كل بخيل

فلم يبتذل وجهي بخيل ولم أقم ... على بابه يوما مقام ذليل

وإن قليلا يستر الوجه أن يرى ... إلى الناس مبذولا لغير قليل

(5/337)

70- عميرة بن طارق التميمي:

ولا تعدليني إن رأيت معاشرا ... لهم نعم دثر وأن كنت مصرما

متى ما نكن في الناس نحن وهم معا ... نكن منهم أكسى جنوبا وأطعما

71- قال العلاء بن زياد لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك أخي عاصما، لبس العباءة وتخلى عن الدنيا، قال علي به، فقال له: يا عدو نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك.

قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك! قال: ويحك! إني لست كأنت؟ إن الله فرض على أئمة العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يبيع بالفقير فقره.

- وعنه: إن إستطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك، وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من غيره. ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس.

- وعنه: يا ابن آدم، لا تحمل يومك الذي لم يأتك على يومك الذي قد أتاك، فإنه إن يكن من عمرك يأت الله فيه برزقك.

72- قال رجل لإبراهيم بن أدهم: بقيت في عظم المؤونة، احتاج في غدائي إلى شاة، وفي عشائي إلى شاة، تلبس امرأتي في حيضها القوهي «1» ، وفي طهرها الشطوي. فقال إبراهيم: ما أتي أهلك إلا من قبلك، لو اقتصرت لاقتصروا فأصبح الرجل صائما وأفطر على فول بدانق «2» . فأخبر إبراهيم أن امرأته تلبس في طهرها الزطي.

73- ورث داود الطائي من أبيه دارا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها.

(5/338)

74- وقف الملك على سقراط وهو في المشرقة «1» قد أسند ظهره إلى حب «2» كان يأوي إليه، فقال: سل حاجتك. قال: حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعني المرفق في الشمس. فدعا له بذهب وبكسى فاخرة من الديباج والقصب، فقال: ليس بسقراط حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبت ولعاب الدود. إن حاجته إلى شيء يكون معه أني توجه «3» .

75- إبراهيم بن متمم بن نويرة:

ولا تهلكن النفس لوما وحسرة ... على الشيء سداه لغيرك قادره

ولا تيأسن من صالح أن تناله ... وإن كان شيئا بين أيد تبادره

وأنك لا تعطي أمرأ حظ غيره ... ولا تمنع الشق الذي الغيث ناصره

76- صلى معروف خلف إمام، فلما انفتل قال له: من أين تأكل؟

قال: أصبر حتى أعيد ما صليت خلفك، قال: ولم؟ قال: لأن من شك في رزقه شك في خالقه.

77- أبو حازم: ما لم يكتب لي لو ركبت ذنب الريح ما أدركته.

78- التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة «4» ، وقال لغلامه:

إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: إقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبوذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده.

79- وجد مكتوبا على حائط مدني:

نعم الصديق صديق لا يكلفنا ... ذبح الفراخ ولا شي الفراريج

(5/339)

يرضى بلونين من كشك ومن عدس ... فإن تشهى فزيتون بطسوج «1»

80- قال علي لعمر رضي الله عنهما: إن سرك أن تلحق بصاحبك فأقصر الأمل، وكل دون الشبع، وانكس الإزار، وارفع القميص، واخصف النعل، تلحق بهما.

81- أبو صالح: حدثت أبا زيد النحوي بقول ابن عباس: ما رضي الله الناس بشيء من أقسامهم كما رضاهم بأوطانهم. فقال: بلى والله، وبأحسابهم، قلت: كيف؟ قال: تراه من عكل أو سلول أو محارب وهو يفاخر، وهو قوله تعالى: كل حزب بما لديهم فرحون

«2» . وقد افتخر الحائك بحياكته فقال:

وما أنا خياط أخرق إصبعي ... ويشغلني التغضين عبد الطبائب

ولكنني ضراب حقة حائك ... ورام لسهم أسود الرأس صائب

وقال الأول:

كل امرىء في نفسه ... أعلى وأشرف من قرينه

82- وقال الجاحظ: إن الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفق بينهم في مصالحهم، ولولا ذلك لاختاروا كلهم الملك والسياسة أو التجارة والفلاحة، وفي ذلك ذهاب المعاش وبطلان المصلحة. فكل صنف من الناس مزين لهم ما هم فيه، فالحائك إذا رأى من صاحبه تقصيرا أو خرقا قال: يا حجام، والحجام إذا رأى مثل ذلك من صاحبه قال: يا حائك:

فأراد الله تعالى أن يجعل الاختلاف سببا للائتلاف، فسبحانه من مدبر.

وترى البدوي في بيت من قطعة كساء معمد بعظام الجيف مع كلبه،

(5/340)

لباسه شملة من وبر أو شعر، ودواؤه بول الإبل، وطيبه القطران وبعر الظبي، وحلي امرأته الودع «1» ، وثماره المقل «2» ، وصيده اليربوع «3» ، في مفازة «4» لا يسمع فيها إلا تنئيم بومة وزقاء هامة «5» وعواء ذئب، وهو راض بذلك مفتخر به.

83- عمر بن أبي عمر النوفاني:

غلا السعر في بغداد من بعد رخصه ... وإني في الحالين بالله واثق

فلست أخاف الضيق والله واسع ... غناه ولا الحرمان والله رازق

84- التهستاني:

غني بلا دنيا عن الناس كلهم ... وإ الغنى إلا عن الشيء لا به

85- العمركي:

نظرت فلما لم أر الناس كالناس ... أمت رجائي واسترحت إلى الياس

86- الحارث النجراني:

صبرت النفس لا أه ... لع من حادثة الدهر

رأيت الرزق لا يك ... سب بالعرف ولا النكر

ولا بالعقل والدين ... ولا بالجاه والقدر

ولا بالسلف الأم ... ثل أهل الفضل والذكر

ولا بالسمر اللو ... ن ولا بالقضب البشر

(5/341)

ولا يدرك بالطيش ... ولا الجهل ولا الهذر

ولكن قسم تجري ... بما ندري ولا ندري

87- قيل لعلي عليه السلام: لو سد على رجل باب بيت وترك فيه من أين يأتيه رزقه؟ قال: من حيث يأتيه أجله.

- وعنه عليه السلام: ولقد كان في رسول الله كاف لك في الأسوة، ودليل على ذم الدنيا وكثرة مساوئها، إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها.

وإن شئت ثنيت بموسى كليم الله إذ يقول: إني لما أنزلت إلي من خير فقير. والله ما سأله إلا خبزا يأكله، لأنه كان يأكل بقلة الأرض. ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه.

وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارىء أهل الجنة، فقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها؟ ويأكل قرص الشعير من ثمنها.

وإن شئت قلت في عيسى بن مريم، فلقد كان يتوسد الحجر، ويلبس الخشن، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم. ولم تكن له زوج تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه، وخادمه يداه.

فتأس بنبيك، عرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله أبغض شيئا فأبغضه، وصغر شيئا فصغره. ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله، وتعظيمنا ما صغر الله لكفى به شقاقا لله ومحادة عن أمره.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العري، ويردف خلفه.

ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه،

(5/342)

وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه. ولقد كان لك في رسول الله ما يدلك على مساوئها وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه. خرج من الدنيا خميصا «1» ، وورد الآخرة سليما. ثم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه! والله لقد رقعت مدرعتي «2» هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل:

ألا تنبذها؟ فقلت: أغرب عني، فعند الصباح يحمد القوم السرى.

88- جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة فلم يجد عندهم شيئا للعشاء وهم بغير سراج، فجلس ليله يبكي من الفرح، يقول: بأي يد كانت مني؟ بأي شيء يترك مثلي على هذه الحال؟.

89- لما لقى هرم أويسا قال: السلام عليك يا أويس بن عامر، قال: وعليك السلام يا هرم بن حيان. قال هرم: أما أني عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: أرواح المؤمنين تشام كما تشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني السواحل، قال: فمن أين المعاش؟ قال: أف، خالط الشك الموعظة، أتفر إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟.

90- اليأس واقع والرجاء بلاقع.

91- منصور الفقيه:

الموت أسهل عندي ... بين القنا والأسنة

والخيل تجري سراعا ... مقطعات الأعنة

(5/343)

من أن يكون لنذل ... علي فضل ومنه

92- طلبت الرزق في مظانه «1» فأعياني رزقي إلا يوما بيوم.

93- عمر بن عبد العزيز في خطبته: أيها الناس، إنه من يقدر له رزق برأس جبل أو بخضيض أرض يأته، فاجملوا في الطلب.

94- وقع ذو الرياستين «2» : أجمل في الطلب تكفك المقادير، ما هو كائن لك أتاك على ضعفك وما هو عليك لم تدفعه بقوتك.

95- أنشد ابن الأعرابي:

أبا مالك لا تسأل الناس والتمس ... بكفيك رزق الله فالله أوسع

فلو تسأل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

96- أعرابي:

أتيأس أن يقارنك النجاح ... فأين الله والقدر المتاح

97- قال رجل لرسول الله صلوات الله عليه وسلامه: أوصني، فقال: عليك باليأس مما في أيدي الناس، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر.

98- إذا وجدت الشيء في السوق فلا تطلبه من صديق.

99- عبد الأعلى القاص: المؤمن ثوبه علقة، ومرقته سلقة، وسمكته شلقة، وخبزته فلقة.

100- قيل لأعرابية: من أين معاشكم؟ فقالت: لو لم نعش إلا من حيث نعلم لم نعش.

101- أعرابي: أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك، ولا يحقرك بها من فوقك.

(5/344)

102- المعري:

إذا كنت تبغي العيش فابغ توسطا ... فعند التناهي يقصر المتطاول

توفى البدور النقص وهي أهلة ... ويدركها النقصان وهي كوامل

103- أعرابي: استظهر على الدهر بخفة الظهر.

104- أصيب أعرابي ببعير لم يكن له غيره، فقال: يا رب اصنع ما شئت فإن رزقي عليك.

105- قيل لرابعة: ألا نكلم السلطان يصلح منزلك؟ فقالت: والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟.

106- حجت أعرابية على ناقة لها، فقيل لها: أين زادك؟ فقالت:

ما معي إلا ما في ضرعها.

107- قال رجل لابن سيرين: ما فعلت بغلتك؟ قال: بعتها، قال: ولم؟ قال: لمؤونتها، قال: أفتراها خلقت ورزقها عندك؟.

108- النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا «1» .

109- خالد بن صفوان: كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا، فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته، والليئم من لؤمت عند الفاقة طعمته.

110- دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري، فقال: أيها الأمير، أكلمك بجرأة اليأس أم بهيبة الأمل؟ فقال: بل بهيبة الأمل، فأكرمه وقضى حاجته.

111- هشام بن إبراهيم البصري:

(5/345)

وكم ملك جانبته عن كراهة ... لإغلاق باب أو لتشديد حاجب

ولي في غنى نفسي مراد ومذهب ... إذا انصرفت عني وجوه المذاهب

112- ليس ينبغي للمرء أن يكون في دنياه إلا كالمدعو إلى وليمة، إن أتته صحفة تناولها، وإن فاتته لم يرصدها ولم يطلبها.

113- محمد بن وهيب:

أجارتنا إن القداح كواذب ... وأكثر أسباب النجاح مع اليأس

114- آخر:

رخي البال ليس له عيال ... خلي من حربت ومن دهيت

وأكبر همه مما عليه ... تذابح من ترى خلق وقوت

115- آخر:

قطعي يدي بيدي أخف علي من ... مدي إلى نكد لأخذ يد يدا

غضب الإله علي إن أك راضيا ... ليدي بأن تمتاح من يده يدا «1»

116- عثمان بن عفان رضي الله عنه:

غنى النفس يغني النفس حتى يكفها ... وإن مسها حتى يضر بها الفقر

وما عسرة فاصبر لها إن لقيتها ... بكائنة إلا سيتبعها يسر

117- قال أبو نيزر وهو من أبناء ملوك العجم، رغب في الإسلام وهو صغير، فأتى رسول الله فأسلم، وكان معه، فلما توفي رسول الله صار مع فاطمة وولدها: جاءني علي عليه السلام، وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة «2» ، فقال: هل عندك من طعام؟ قلت: طعام لا أرضاه لك،

(5/346)

قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال علي به. فقام إلى الربيع فغسل يده ثم أصاب منه شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يده بالرمل، ثم ضم يديه فشرب بهما حسى من الماء وقال: يا نيزر: إن الأكف أنظف من الآنية، ثم مسح ندى الماء على بطنه، ثم قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.

ثم أخذ المعول فجعل يضرب بالمعول في العين، فأبطأ عليه الماء، فخرج وجبينه ينضح عرقا وهو ينشفه بيده. ثم عاد فأقبل يضرب فيها وهو يهمهم، فانثالت كأنها عنق جزور. فخرج مسرعا وقال: أشهد أنها صدقة. علي بدواة وصحيفة، فكتب: هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباعان ولا ترهنان حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين. إلا أن يحتاج الحسن والحسين فهما طلق لهما، وليسا لأحد غيرهما.

فركب الحسن دين فحمل إليه معاوية بعين نيزر مائتي ألف دينار، فقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار، ولست بائعها بشيء.

118- قارف الزهري ذنبا فساح، فلقيه علي بن الحسين، فقال: يا زهري لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعظم من ذنبك، فقال الزهري: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

(5/347)

الباب الثاني والتسعون الخيل، والبغال، والحمير، وذكر الفروسية، وما اتصل بذلك

1- النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بإناث الخيل، فإن ظهورها حرز، وبطونها كنز.

2- قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المال خير؟ قال: سكة مأبورة، ومهرة مأمورة.

- وعنه عليه الصلاة والسلام: لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن معارفها أدفاؤها، وأذنابها مذابها، والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.

3- جرير بن عبد الله البجلي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرس بإصبعه وهو يقول: الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.

- وعنه: الخيل ثلاثة أجر وستر ووزر، فأما الذي له الأجر فرجل حبس خيلا في سبيل الله فما سنت له شرفا إلا كان له أجر. ورجل استعف بها وركبها ولم ينس حق الله فيها فذلك الذي له ستر. ورجل حبس خيلا فخرا ونواء على أهل الإسلام فذلك الذي عليه الوزر.

- وعنه في صفة البراق «1» : يضع حافره منتهى طرفه.

(5/349)

4- أعرابي في وصف فرسه: ما طلبت عليها إلا لحقت، وما طلبت إلا فت.

5- أرسل بعض الأمراء ابن عم له، وكان صاحب قنص، إلى الشام يشتري له خيلا، فقال: لا علم لي بها. فقال: كل شيء تستحسنه في الكلب فاشترطه في الفرس. فقدم بخيل لم يكن في العرب مثلها.

6- إذا بلغ الفارس المنزل لم يكن له هم إلا التمدد، وقود الفرس، والاستراحة من اللغوب «1» . وترى التركي إذا عاين في ذلك الوقت بعض الصيد ابتدأ الركض بمثل نشاطه الأول قبل السير.

7- ورث سليمان عليه السلام عن أبيه ألف فرس، فاستعرض تسعمائة منها فشغلته عن ذكر الله تعالى، فمسح بالسوق والأعناق، وبقيت مائة. ثم أن وفدا من أهل مصر قدموا عليه، فلما رجعوا طلبوا زادا يبلغهم بلادهم، فأعطاهم فرسا، وقال هذا زادكم، وهو مصيب لكم من الصيد في كل منزل ما يكفيكم، فكانوا لا ينزلون منزلا إلا حملوا عليه واحدا، فيصيد لهم كل صيد أرادوه، فسموه زاد الركب. ومنه أصل كل فرس عربي.

8- لم يكن فرس مثل شبذير كسرى أبرويز في زمانه عظم خلق، وكرم خلق، وجمعا لشرائط العنق. ولما نفق «2» لم يركب إلا الفيل، وكان هذا الفرس من خصائص أبرويز. وما قدروا أن ينعوه إليه، فسألوا فلهبذ المغني أن يعرض به، فغنى بشيء معناه: شبذير لا يسعى ولا يرعى ولا ينام، فقال: قد مات إذن. فقال فلهبذ: من الملك سمعت.

وكان أشقر مروان يشبه به، واشتراه مروان بثلاثمائة ألف درهم، وصار

(5/350)

إلى السفاح بعده. وهرم وتحطم، فكان لكرامته عليهم يحمل في محفة «1» عاج وينقل من مرج إلى مرج.

9- ساير عبد الحميد مروان، فقال له: طالت صحبة هذه الدابة لك. فقال: من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علتها، قال: كيف سيرها؟ قال: همها أمامها، وسوطها عنانها، وما ضربت قط إلا ظلما.

10- أراد علي بن هشام مسايرة شبيب بن شيبة، فقال: كيف لي بها وأنا على برذون إن تركته وقف، وإن ضربته قطف «2» ، وأنت على فرس إن تركته سار وإن ضربته طار؟ فحمله على فرس عتيق.

11- أسامة بن سفيان البجلي:

أمست بأكناف ذي قار مخيمة ... وأنت في جحفل يهدى إلى الشام

يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأن آذانها أطراف أقلام

12- كتب الأخفش سعيد بن مسعدة النحوي إلى المعذل بن غيلان:

أردت الركوب إلى حاجة ... فمر لي بفاعلة من دببت

فأجابه:

بريذننا يا أخي غامز ... فأنعم وكن فاعلا من عذرت «3»

13- لما غلب المختار بن عبيد الله على الكوفة وقع بينه وبين عدي ابن حاتم، فهم عدي بالخروج عليه، ثم عجز لكبر سنه، وقد بلغ مائة وعشرين سنة، فقال:

(5/351)

أصبحت لا أنفع الصديق ولا ... أملك ضرا للشانىء الشرس «1»

وإن جرى بي الجواد منطلقا ... لم تلمك الكف رجعة الفرس

14- عمرو بن الأسلع:

أتتك كأنها عقبان دجن ... تجاذب في جناجرها اليراع «2»

15- عمرو بن معاوية بن المنتفق فارس مشهور من بني عامر قلده معاوية أرمينية وأذربيجان والأهواز «3» :

إني امرؤ للخيل عندي مزية ... على فارس البرذون أو فارس البغل

وإني على هول الجنان لنازل ... منازل لم ينزل بها نازل قبلي

16- عن بعض الراضة: إنما يجمح البرذون ليصرع راكبه فقط، ألا ترى أنه إذا رمى به وقف؟ إلا برذونا واحدا فإني رأيته شد عليه بعد أن ألقاه يكدمه ويرمحه «4» . وكان الناس يشدون عليه فيتنحى عنه ويشد عليهم، فإذا جفلوا من بين يديه رجع إليه يكدمه ويرمحه.

17- شك عمر رضي الله عنه في العتاق «5» والهجن «6» ، فدعا سليمان ابن ربيعة الباهلي بطست فيه ماء، ثم قدمت الخيل فما ثنى سنبكه فشرب هجنه. وما شرب ولم يثن سنبكه عربه، وذلك أن العتاق قود دون الهجن.

18- النبي صلى الله عليه وسلم: ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها، وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار.

(5/352)

19- أبو هريرة رفعه: إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله سخرها لكم لتبلغكم بلدا لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنقس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم.

20- وقف الهيثم بن المطهر على باب الخيزران «1» على دابته، فبعث إليه الكاتب في دارها: إنزل عن ظهر دابتك، فقد جاء في الأثر: لا تجعلوا ظهور دوابكم مجالس، فبعث إليه: إني رجل أعرج وإن خرج صاحبي خفت أن لا أدركه. فبعث إليه: إن لم تنزل أنزلناك. قال: هو حبيس أن أنزلتني عنه أقضمه شهرا، فانظر أيهما خير له تعب ساعة أو جوع شهر؟ قال: هذا شيطان فاتركوه.

21- نظر ابن سيابة إلى مبارك التركي على دابة، فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا رب، هذا حمار وله دابة، وأنا إنسان وليس لي حمار!.

22- وأنشد أبو محلم لنفسه:

ما يصنع الليل والنهار ... ما للفتى منهما انتصار

من لم يؤدبه والداه ... أدبه الليل والنهار

كم من حمار له جواد ... وسيد ما له حمار

23- الفرس لا يحب الماء الصافي فلا يضرب بيديه كما يضرب بهما

(5/353)

عند الكدر فرحا به، لأنه يرى فيه شخصه فيفزعه ولا يراه في الكدر، كما أن الإبل لا يعجبها إلا الماء الغليظ. وأما الثور فيجب الماء الصافي.

24- كان يقال لعبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب رواض البغال، لأنه كان ركابا لها. قال له صفوان بن عمرو بن الأهتم: مالك ولهذا المركب الذي لا يدرك عليه الثأر، ولا ينجيك يوم الفرار؟ فقال: إنه نزل عن خيلاء الخيل، وارتفع عن ذلة العير، «1» وخير الأمور أوساطها. فقال صفوان: إنا نعلمكم فإذا علمتم تعلمنا منكم.

25- بعضهم: إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق ثجدة في نجابها، مشرفة الهادي تجده في طاعتها، مجفرة الجوف تجده في صبرها.

26- رأيتك على عير لئيم، ثم رأيتك قد أدمت ركوب هذه البغلة.

فقال: البغال أعدل، وسيرها أقصد.

27- كانت لابن سيرين بغلتان، بغلة لخاصة نفسه وبغلة للعارية.

28- الهدايا النفسية والطرف العجيبة التي أهدتها بلقيس إلى سليمان عليه السلام إنما كانت على البغال الشهب.

29- نظر أعرابي إلى بغل قد تفاج «2» ليبول فاستحثه صاحبه، فقال:

إنها إحدى الغوائل قطع الله منك الوتين «3» .

30- ابن خازم الباهلي:

مالي رأيتك لا تدو ... م على المودة للرجال

خلق جديد كل يو ... م مثل أخلاق البغال

(5/354)

- وله:

ومتى اختبرت أبا العلاء وجدته ... متلونا كتلون البغل

31- كان خالد بن عثمان بن عفان بالسقيا، فقال: هذا يوم الجمعة، لم لا أجمع «1» مع أمير المؤمنين؟ إنها للسوءة السوآء. فركب بغلة له لا تساير فسار تسعين ميلا، فأتى المدينة وقت الصلاة فخر ميتا، ونفقت البغلة.

32- حمل زيد الضبي البردخت الشاعر على بغل فصرعه فقال:

أقول للبغل لما كاد يقتلني ... لا بارك الله في زيد وما وهبا

أعطاني الحتف لما جئت أسأله ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا

33- الجاحظ: كان بعض الراضة يكوم «2» بغلة، فأدغم عليها ذات يوم فتأخرت حتى أسندته إلى زواية وضغطته حتى مات.

34- وجه المأمون ثمامة ليتعرف على أخبار البريد فقال: رأيت بغلا على معلف وهو يقرأ. وما دابة في الأرض إلى على الله رزقها، وآخر قد عدا على رجل عليه طيلسان أخضر ظن أنه حزمه من علف فطرحه فوقف يشمه، وآخر يغني بقوله:

ولقد أبيت على الطوى وأظله ... كيما أنال به كريم المأكل «3»

35- بعض أهل العراق: كنت عند قاضي مصر فسمعته يقول لبعض جلسائه: أريد بغلة أصيب منها، فقلت: هو أمجن الناس! يتكلم بنحو هذا وهو قاضي المسلمين! فقيل لي: عافاك الله! ما منا أحد إلا وعنده بغلات يصيب منهن. فزدت إنكارا حتى فسر لي أن البغلات جوار من رقيق

(5/355)

مصر، نتاج ما بين الصقالبة «1» وجنس آخر، لهن أبدان ودثارة وجدارة.

36- كان لعكرمة بن ربعي الفياض بغل يؤثره على كل مركوب، وله فيه:

لم أر شيئا بين شيئين مثله ... أشد انتزاعا للتشابه في الأصل

تقسمه أطرافه فاستوى له ... بقسمة عدل من يدي حكم عدل

37- قال أهل التجربة: ليس في جميع الحيوان الذي يعايش الناس أطول عمرا من البغل، ولا أقصر عمرا من العصفور، لكثرة سفاد «2» العصفور وقلة ذلك من البغل.

قالوا: ولذلك وجدنا طول الأعمار في الرهبان وأصحاب الصوامع وفي الخصيان.

38- ابن عباس: نهى رسول الله أن ننزي حمارا على فرس، ونهانا أن نأكل الصدقة، وأمرنا أن نسبغ الوضوء.

39- أبو هريرة: إن رسول الله كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا.

40- قيل لوهرز الفارسي حين أراد رمي مسروق بن أبرهة الأشرم:

وقد نزل عن الفيل وركب الفرس، فقال: دعوه فإنه على مركب من مراكب الفرسان، فأطال الوقوف حتى مل ظهر دابته فأتوه ببغل فركبه، فقيل لوهرز:

نزل عن الفرس وركب البغل، فقال: نزل عن مراكب الملوك ومعاقل الفرسان ثم ركب البغل ابن الحمار.

41- شاعر:

وإني إذا ما المرء آثر بغله ... على نفسه آثرت نفسي على بغلي

وأبذله للمستعيرين ظهره ... بلا علة ما دام ينقاد في الحبل

(5/356)

42- الفرس يشم رائحة الحجر «1» من مسافة ميل فيقلق في مكانه ويحمحم، ويقف عن القضم وقد خبط بيده آنفا وحمحم إلى ناسفه.

43- بغلة أبي دلامة مثل في كثرة العيوب، وفيها يقول:

وتفزع من صقاع الديك شهرا ... وتنفر للصفير وللخيال

إذا استعجلتها عثرت وبالت ... وقامت ساعة عند المبال

شفار تقدم كل سرج ... تصير دفتيه على القذال

وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال

فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين حديثهم مما توالي

وألف عصا وسوط أصبحي ... ألذ لها من الماء الزلال

وكانت قارحا أيام كسرى ... وتذكر تبعا عند الفصال «2»

وتذكر إذ نشا بهرام جور ... وذو الأكتاف في الحقب الأوالي «3»

44- أبو قموص كنية البغل. وقدم بغل إلى أعرابية لتركبه فقالت:

أبو قموص لعله شحدود أو حبوص، أو كما يكنى به قموص.

45- الشحدود: السيء الخلق بالدال غير المعجمة، والحبوص الشديد العدو.

46- تساير مروان بن أبي حفصة وعباد بن شبل الصنعاني على بغليتهما وكانت بينهما صداقة، فقال ابن شبل في بغلة مروان:

أرى الشهباء تخبز إذ غدونا ... برجليها وتعجن باليدين

فقال مروان:

(5/357)

أرى خلق القطاة فازدريها ... ويملأ منظر الشهباء عيني

وقال أيضا:

لعمر أبيك لو غير ابن شبل ... هجا الشهباء قطعه الهجاء

ولكن عرضه عندي وعرضي ... إذا ميلت بينهما سواء

47- في رسالة عبيد الله بن سليمان بن وهب: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان مقبلا على حمار ومعه ابنه (معاوية) يقوده ويزيد يسوقه: لعن الله الراكب والقائد والسائق.

48- عبد الحميد الكاتب: لا تركب الحمار، فإنه إن كان فارها «1» أتعب يدك، وإن كان بليدا أتعب رجلك.

49- فضل الرقاشي: نظر يوما إلى حمار فاره تحت ابن قتيبة، فقال: قعدة نبي وبذلة جبار.

50- كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، فقيل له: لو اتخذت حمارا. فقال: أنا أكرم على الله من أن يبتليني بحمار.

51- العير عار لا يركبه إلا عيار.

52- ما ينبغي لمركب الدجال أن يكون مركب الرجال. يقولون إن الحمار مطية الدجال.

53- المصنف:

فإن الحمار ومن فوقه ... حماران شرهما الراكب

54- حمار عثرة نخرة، تبوع للحجرة، أي كثير العثار والتحير.

55- قال ابن مكرم لنخاس: أريد أن تبتاع لي عيرا ليس بالصغير المحتقر، ولا بالكبير المشتهر. إن خلا الطريق تدفق، وإن كثر الزحام

(5/358)

ترفق، يصر إذا ركبته بأذنيه، ويلعب بيديه، ويمرح برجليه إن استنهضته هام، وإن استوقفته قام، وإن أقللت علفه صبر وإن أكثرته شكر. فقال اصبر قليلا فإن مسخ القاضي حمارا اشتريته.

56- قال موسى للخضر: أي الدواب أحب إليك؟ قال الفرس والحمار والبعير، لأن الفرس مركب أولي العزم من الرسل، والبعير مركب هود وصالح وشعيب ومحمد، والحمار مركب عيسى وعزير. وكيف لا أحب شيئا أحياه الله بعد موته قبل الحشر.

57- تمنع الحمار لعسره ونكده أن يدخل السفينة، وإبليس لعنه الله آخذ بذنبه، فقال نوح عليه السلام: أدخل يا ملعون، فدخل ودخل معه إبليس، فقال نوح: ما أدخلك؟ قال أمرتني، قال: ومتى أمرتك؟ قال: حين قلت أدخل يا ملعون، ولم يكن ثم ملعون غيري.

58- عير أبي سيارة مثل في القوة والصحة، وهو حمار أسود أجاز عليه الناس من منى إلى المزدلفة أربعين سنة.

وكان خالد بن صفوان والفضل بن عيسى الرقاشي يختاران ركوب الحمار، ويجعلان أبا سيارة قدوة لهما وحجة.

وقيل للفضل: لم تركبه؟ فقال: لأنه أقل الدواب مؤونة، وأكثرها معونة، وأسلمها جماحا، وأخفضها مهوى، وأقربها مرتقى، يزهى راكبه وقد تواضع، ويدعى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء أبو سيار لركب جملا مهريا «1» ، أو فرسا عربيا، ولكنه امتطى عيرا أربعين سنة.

59- وقال خالد: عير من نسل الكداد، أصحر السربال، محملج القوائم، مفتول الأجلاد، يحمل الرجلة، ويبلغ العقبة، يقل داؤه،

(5/359)

ويمنعني أن أكون جبارا، ولولا ما في الحمار من المنافع لما امتطاه أبو سيارة أربعين سنة.

فعارضهما أعرابي فقال: الحمار إن أوقفته أدلى «1» ، وإن تركته ولى، كثير الروث، قليل الغوث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا ترقأ به الدماء، ولا تمهر به النساء، ولا يحلب في الأناء.

60- وحمار طياب مثل في الضعف والهزال، وكان طياب سقاء، قد استقى عليه زمانا طويلا، وكان في جوار أبي علالة المخزومي، فتولع به في شعره، وله فيه:

يا سائلي عن حمار طياب ... ذاك حمار حليف أوصاب

كأنه والذباب تأخذه ... من وجه تيغار دوشاب

61- وحمار القصار مثل في سوء الحال، يقال: كان يوم فلان كيوم حمار القصار، إن جاع شرب وإن عطش شرب.

62- حمير مصر لا تخرج البلاد أمثالها، وكان الخلفاء لا يركبون غيرها في دورهم وبساتينهم. وكان المتوكل يصعد في منارة سر من رأى «2» على حمار مريسي، ومريس قرية من قرى مصر، وطول المنارة تسع وتسعون ذراعا.

63- حكيم: خذ من الحمار شكره وصبره، ومن الكلب نصحه لأهله، ومن الغراب كتمانه للسفاد.

64- رأى عبادة تحت مخارق «3» برذونا يقرمط، فقال: برذونك هذا يمشي على استحياء.

(5/360)

65- الأقيشر في حماره:

إذا ما انتحي في لجة الماء لم ترم ... قوائمه حتى يؤخر بالحمل

وإن بلغ الضحضاح فحج بائلا ... صبورا على ضرب الهراوة والركل «1»

66- وآخر:

أيا منزلي مالي عليك كرامة ... إذا أنت لم تكرم علي جوادي

67- أبو المهوش الأسدي:

نجى إيادا ولخما كل سلهبة ... واستلحم الموت أصحاب البراذين «2»

68- عداوة الحمار للغراب مثل، قال:

عاديتنا لا زلت في قباب ... عداوة الحمار للغراب

69- يزيد بن مسلمة بن عبد الملك:

عودته فيما أزور حبائبي ... إهماله وكذاك كل مخاطر

فإذا احتبى قربوسه بعنانه ... علك الشكيم إلى انصراف الزائر «3»

(5/361)

70- شاعر:

جرى والجياد فلما جرى ... حثا في وجوه الجياد الثرى

71- روث الحمار إذا عصر وهو حار وشرب ماؤه نفع من الحصاة، وهو دواء للضرس المأكول.

72- وقيل لميسرة الفراس وهو أحد الأكلة: كيف تصنع إذا جهدتك الكظة والعرب تقول: إذا كنت بطنا فعدك زمنا؟ قال: آخذ روثا حارا وأعصره وأشرب ماؤه، فأختلف عليه مرارا، فلا ألبث أن يلصق بطني بصلبي، وأشتهي الطعام.

73- زياد بن وهب في صفة الفرس:

شديد الفقار طويل العذار ... أمين الشظا لا يخاف العثارا

بعيد مداه كما أمرت قواه ... إذا السوط أفزعه قلت طارا

مبين له السبق عند الرهان ... في الحرب ترزق منه الوقارا

74- كان لغني فرس مشهور يعرف بالضاري. قال أبو عبيدة: هو الضاري بن الأوج بن الدينار بن هجنس بن زاد الراكب. فلما نفق «1» نعته عجوز من بني عامر إلى نسائهم، وقالت: أربعن يا نساء بني عامر فقد رزئتن غرة من غرر المجد، ألا إن الضاري قد نفق. فما بقيت امرأة من نساء بني عامر إلا كسرت رباعتها «2» عليه. وفيه قيل:

غداة صبحنا بطرف أعوجي ... من نسب الضاري ضاري غني

75- كان لعمر بن عبد العزيز برذون يحتطب عليه ويستقي، وكان يركبه.

76- جاءت فرس لهشام سابقة فسأل الشعراء أن يقولوا فيها

(5/362)

فاستمهلوا، فقال أبو النجم: هل لك فيمن ينقذك إذ استنسؤوك، قال:

هات، فقال:

أشاع للطراد فيه ذكرها ... قوائم عوج أطعن أمرها

مليونة شد المليك أسرها ... أسفلها وبطنها وظهرها

يكاد هاديها ... يكون شطرها

فأمر له بجائزة سنية.

77- كان يزيد بن عبد الملك وهو يزيد الناقص «1» مغرما بالخيل، فبلغه عن فرس لرجل من عبد القيس فراهة واستيلاء في الحلب على القصب، فوجه إليه من يشتريه له، فقال: لا أبيعه إلا بحكمي، فبذلوا له عشرة آلاف دينار. فقال: لو أعطيتموني بوزن الفرس مائة مرة دنانير ما بعته إلا بحكمي. قالوا: فما حكمك؟ قال: ترك لعن علي بن أبي طالب.

فكتب يزيد إلى الآفاق بذلك وأخذ الفرس. فترك لعنه إلى اليوم.

78- عبد الله بن عمران بن أبي فروة: كنت أسير مع الغمر بن يزيد، فاستنشدني فأنشدته لعمر ابن أبي ربيعة: ودع لبابة قبل أن تترحلا «2» . فأمر غلامه فحملني على بغلة فلما أراد غلامه أن يأخذها قلت: هو

(5/363)

أشرف من أن يحملني على بغلة ثم يأخذها. فقال له: دعها، ذهبت لبابة والله ببغلة مولاك.

79- سوبق بين الخيل فجاء فرس من بني جعدة متقدما، فارتجز الجعدي يقول:

غاية مجد رفعت فمن لها ... نحن حويناها فكنا أهلها

لو ترسل الطير ... لجئنا قبلها

فلم ينشب «1» أن سبقه فرس ابن طلحة فقال عمر بن عبد العزيز للجعدي: سبقك والله ابن السباق إلى الخيرات.

80- عثر بالعباس بن محمد بن علي فرسه فمات، فقيل: قتل الجواد الجواد «2» .

81- قال محمد بن سليمان بن علي لبشار: ما حسبك عنا؟ قال:

ركبت حماري فسقط ميتا في الطريق، فلم أعرف سبب موته حتى رأيته البارحة في المنام فسألته، فقال لي:

سيدي خذ بي أتانا ... عند باب الأصبهاني

سحرتني برقاها ... وثناياها الحسان

وبخدين أسيلي ... ن وجيد الشيفران

ولها إذن ذراع ... بذراع الشاهمان

فبها مت ولو عش ... ت بها طال هواني

(5/364)

فضحك محمد وقال: وما الشيفران يا أبا معاذ؟ قال: ومن يدري غريب الحمار؟ فأمر له بحمار فاره «1» .

82- أنس: ركب عمر رضي الله عنه برذونا فهزه، فنزل عنه وقال:

ما يصلح هذا إلا أن يذهب عليه صاحبه إلى الغائط.

83- شاعر:

............... ......... ... إيجاف كل منير الوجه بسام «2»

يخرجن من مستطير النقع دامية ... كأن آذانها أطراف أقلام «3»

(5/365)

الباب الثالث والتسعون الابل، والبقر، والغنم، وما يتصل بها وينسب إليها

1- عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما رأى رسول الله جن وذرفت عيناه، فأتاه فمسح ذفريه فسكت، فقال: لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه.

2- سهل بن الحنظلية: مر رسول الله ببعير قد لصق ظهره ببطنه «1» ، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة.

3- أبو هريرة رفعه: تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين، فأما إبل الشياطين فقد رأيتها يخرج أحدكم بنجيبات «2» معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله. وأما بيوت الشياطين فلم أرها.

كان سعيد بن هند يقول: ما أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر بالديباج.

(5/367)

4- ما خلق الله خيرا من الإبل، إن حملت أثقلت، وإن سارت أبعدت، وإن حلبت أروت، وإن نحرت أشبعت.

5- قيل لأعرابي: ما الناقة القرداح؟ قال: التي كأنها تمشي على أرماح. يريد طول القوائم.

6- أهدى الرعيل بن الكلب ناقة لهشام بن عبد الملك فلم يقبلها.

فقال: يا أمير المؤمنين، أرددت ناقتي وهي هلواع، مرياع، مرباع، مقراع، مسياع، ميساع، حلبانة ركبانة. فضحك وقبلها وأمر له بألف درهم.

7- المرياع: التي تقدم الإبل ثم تعود. والمرباع التي تعجل اللقاح، والمقراع: التي تلقح أول ما يقرعها الفحل. والمسياع: السمينة من السياع، قال القطامي:

فلما أن جرى سمن عليها ... كما بطنت بالفدن السباعا

والهلواع: الخفيفة. والمسياع: الواسعة الخطو.

8- دجاجة بن ذروة الضبي جاهلي:

إبلي بحمد الله ضامنة القرى ... إذا طرقتها بالعشي الطوارق «1»

محبسة لابن السبيل تنوبها ... حقوق وتبريها السنون العوارق

9- الجمل يجب في المجهدة سنامة، والكبش تقطع إليته، وهما يصبران.

10- الغنوي: إذا تصوب المرزم «2» أرسلت الفحول في النعم، فضربت في خيار الإبل ومتعطراتها، وهي التي تتحسن للفحل بنقيها وحسن حالها.

(5/368)

11- عطاء رفعه: الغنم بركة موضوعة: والإبل جمال لأهلها.

12- قيل لبنت الخس «1» : ما تقولين في مائة من المعز؟ قالت:

قنى. قيل: ففي مائة من الضأن؟ قالت: غنى. قيل: ففي مائة من الإبل؟ قالت: منى.

13- بعض القصاص: مما أكرم الله به الكبش أن خلقه مستور العورة من قبل ومن دبر، ومما أهان به التيس أن جعله مهتوك الستر مكشوف القبل والدبر.

14- النبي صلى الله عليه وسلم: إمسحوا رغام الشاء، ونقوا مرابضها من الشوك والحجارة، فإنه ما من مسلم له شاة إلا قدس كل يوم مرة، فإن كانت له شاتان قدس كل يوم مرتين.

15- أكل أبو الدرداء طعاما دعاه إليه رجل من أصحابه، ثم قال:

الحمد لله الذي أطعمنا الخمير وألبسنا الحبير بعد الأسودين الماء والتمر.

ورأى عنده ضانية فقال: أطب مراحها، واغسل رغامها، فإنها من دواب الجنة، وهي صفوة الله من البهائم.

16- يقال: أقفط «2» من تيس بني حمان. ومن تكذبهم أنه قفط

(5/369)

سبعين عنزا بعد ما فريت «1» أوداجه «2» . قال الفرزدق:

لعمرك ما تدري فوارس منقر ... أفي الأست أم في الرأس تلقي الشكائم «3»

وألهى بني حمان عسب عتودهم ... عن المجد حتى أحرزته الأكارم «4»

17- وفي ديوان المنثور «5» : هم أفخر به من بني تميم بقوسها، ومن بني حمان بتيسها.

18- تقول العرب: قالت الضانية: أولا رخالا، وأجز جفالا، واحلب كثبا عجالا، ولم تر مثلي مالا.

19- أبو سعيد الخدري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبش أملح أقرن فحيل. ينظر في سواد ويأكل في سواد ويمشي في سواد.

20- الضأن تلد في السنة مرة، وتفرد ولا تتئم. والمعز تلد مرتين، وتضع الثلاث وأكثر. والنماء والبركة في الضأن. والخنزيرة ربما ولدت عشرين خنوصا ولا نساء فيها.

21- يقال في المدح هو كبش من الكباش، وفي الذم هو تيس من التيوس.

(5/370)

22- إسحاق بن حسان في الثور:

وأغلب فضفاض جلد اللبان ... يدافع غبغبه بالوظيف «1»

23- شاة سعيد مثل في الهزال، وهي شاة أهداها سعيد بن أحمد إلى الحمدوني، فنثر فيها كنانته «2» ، منها قوله:

يقول لي الأخوان حين طبختها ... أتطبخ شطرنجا عظاما باللحم

وكذلك شاة منيع، وهي شاة جار لمحمد بن بشير عبثت ببستان له في منزله، فوصفها بجميع أوصاف الرداءة.

24- أبو أيوب كنية الجمل، كني بذلك لصبره على البلاء. قال ابن الرومي في أبي أيوب سليمان بن عبد الله بن طاهر وكان قد مدحه فلم يجزه:

يا أبا أيوب هذي كنية ... من كنى الأنعام قدما لم تزل

ولقد وفق من كناكها ... وأصاب الحق فيها وعدل

أنت شبه للذي تكنى به ... ولبعض الخلق من بعض مثل

قد قضى قول لبيد بيننا ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل

25- عمر بن نصر القصافي التميمي:

خوص نواج إذا صاح الحداة بها ... رأيت أرجلها قدام أيديها

26- قال دعبل: قال القصافي الشعر ستين سنة فلم يعرف له إلا هذا البيت.

27- الجاموس أجزع خلق الله من عض جرجسة وبعوضة، وأشده

(5/371)

هربا منها إلى الماء، وهو يمشي إلى الأسد رضي البال، رابط الجأش، ثابت الجنان «1» .

28- علي عليه السلام: إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار كن في غيضة «2» ، أسود وأحمر وأبيض ومعهن أسد، فكان إذا أراد واحدا منهن اجتمعن عليه فلم يطقهن. فقال للأسود والأحمر: إن هذا الأبيض يفضحنا في غيضتنا بياضه فخليا عني آكله، ففعلا، فلم يلبث أن قال للأسود: إن هذا الأحمر يفضحنا فلو خليتني آكله، فخلاه. ثم قال للأسود: إني آكلك، قال: خلني أصوت ثلاثة أصوات، فصاح ثلاثا: ألا إنما أكلت يوم أكل الأبيض. ألا إنما دهيت يوم قتل عثمان.

29- كان لأبي الدرداء جمل اسمه دمون، فكان إذا أعاره لأحد قال:

لا تحملوا على جملي إلا كذا فإنما يطيق ذلك، فلما حان قال: لا تحملوا على جملي إلا كذا فإنما يطيق ذلك. فلما حان ما تطيق.

(5/372)

الباب الرابع والتسعون الوحوش من السباع وغيرها، وذكر أحوالها، وما يصطاد منها ويتألف، وما أشبه ذلك

1- لما تلا رسول الله والنجم إذا هوى

«1» قال عتبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم. فقال صلى الله عليه وسلم: سلط الله عليك كلبا من كلابه.

فخرج مع أصحابه في عير إلى الشام، حتى إذا كانوا بمكان يقال له الزرقاء زأر الأسد، فجعلت فرائصه ترعد، فقالوا: من أي شيء ترعد فرائصك؟

فو الله ما نحن وأنت إلا سواء، فقال لهم: إن محمدا دعا علي، ولا والله ما أظلت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد. ثم وضعوا العشاء فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم فحاطوا أنفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم وناموا. فجاء الأسد يهمس يستنشي رؤوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فضغمه ضغمة كانت إياها. فسمع وهو بآخر رمق يقول: ألم أقل لكم أن محمدا أصدق الناس.

2- دخل أبو زبيد الطائي على عثمان رضي الله عنه، فقال: من أين؟ فقال: خرجت في صبابة من أفناء قريش وقبائل العرب ذوي شارة حسنة، ترتمي بنا المهاري بأكسائها القيروانات، على فتو البغال عليها العبدان تقود جياد الخيل، نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام.

(5/373)

فاخروط بنا السير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وسالت المياه، وأذكت الجوزاء العزاء، وذات الصيهد «1» ، وصر الجندب، وضاف العصفور الضب في وجاره «2» ، قال قائلنا: أيها الركب غوروا بنا في صنوج هذا الوادي، فإذا واد قد بدا عن يميننا، كثير الدغل، دائم الغلل، أشجاره مغنة، وأطياره مرنة «3» ، فحططنا رحالنا في أصول دوحات كنهيلات متهدلات، فأصبنا من فضلات المزاود وأتبعناها بالماء البارد. فإنا لنصف حر يومنا ومصاولته ومطاولته إذ صر أقصى الخيل بأذنيه، وفحص الأرض بيديه، ثم ما لبث أن جال فال، وفعل فعله الذي يليه واحدا إثر واحد، فارتدت الخيل وتقهقرت البغال، وتكعكعت «4» الإبل، فمن نافض لشكاله، وناهض بعقاله، فعلمنا أن قد أتينا، وأنه السبع، ففزع «5» كل منا إلى سيفه فاستله من جربانه، ثم وقفنا له رزدقا، فأقبل يتطالع في مشيته كأنه مجنوب في هجار، لبلاعيمه غطيط، ولصدره نحيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض، كأنه يحبط هشيما، أو يطأ صريما. وإذا هامة كالمجن، وخذ كالمسن، وعينان سجروان «6» ، كأنهما سراجان يتقدان، وكتد مغبط، وزور مفرط وقصرة ربلة «7» ، ولهزمة «8» رهلة، وعضد مفتول، وساعد مجدول، وكف خشنة البراثن، إلى مخالب كأنها المحاجن «9» . ثم كشر فأفرج، وزأر فأرهج، ونهم فبربر، ونحط

(5/374)

فجرجو، فاستقدم تخال البرق تتطاير من خلال جفونه، من عن شماله ويمينه، فلا وذي بيته في السماء، ما اتقيناه إلا بأخ لنا من فزارة، ضخم الجزارة، فوقصه وقصة مفظعة، فتفضفض متنه، وبقر بطنه، وجعل يلغ في دمه.

فذمرت أصحابي، فبعد لأي ما أجابوا، فهجهجنا به، فكر مقشعرا زئيره، كأن به شيهما حوليا، فاختلج من دوني رجلا أعجز ذا حوايا، فنفضه نفضة تزايلت منها الأوصال، فأرعشت الأيدي، واصطكت الأرجل، وانخزلت المتون، ولصقت البطون وساءت الظنون، هناك ابتلى المؤمنون، ثم قال:

عبوس شموس مصلخد مكابر ... جريء على الأقران للقرن قاهر «1»

براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضا في وجهه الشر ظاهر «2»

يدل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر

فقال عثمان: أسكت، أسكت الله نأمتك، فقد خشيت أن يثب علي.

3- عارض أسد رفقة، فخرج إليه رجل فاختطفه وبرك عليه، فهاجوه ثم قالوا للرجل: ما حالك؟ قال: لا بأس علي، ولكن سلح الأسد في سراويلي.

4- قد يجيء الأسد إلى قلس «3» السفينة بالليل فيتشبث به، فيحسب الملاحون أنه التف على شجرة أو صخرة، فيذهب المداد ليخلصه، فيتمدد الأسد ويلتصق بالأرض ويغمض عينيه ليخفي وميضهما. فإذا دنا وثب عليه

(5/375)

فحطمه، فلا يكون للملاحين هم إلا العبور والفرار.

5- بنو أسد حراص على أكل الكلاب، وقد أكل أسدي جرو كلب، فقيل له: أتأكل الكلب وقد قيل فيكم:

إذا أسدي جاع يوما ببلدة ... وكان سمينا كلبه فهو آكله

فقال:

رضينا بحظ الليث طعما وشهوة ... فسائل أخا الحلفاء إن كنت لا تدري «1»

وذلك أن الأسد أحرص شيء على لحم الكلاب، وقيل لا يحرص على أكل الكلاب حبا للحمه، ولكنه يقصد القرية أو الصرم ليتطرف من النعم، فتنبح الكلاب فتهيج الناس، فيحرص عليها حنقا وغيظا.

6- الأسد لا يدنو من النار، ولا يأكل الحار ولا الحامض وكذلك أكثر السباع.

7- وتقول الروم: إن الأسد يذعر من صوت الذئب، ولا يدنو من المرأة الطامث، وهو قليل الشرب للماء. وثلاثة من الحيوان ترجع في فيئها، الأسد والكلب والسنور، وأربع أعين تضيء بالليل. عين الأسد والنمر والسنور والأفعى.

8- السباع العادية تصاد بالمغويات وهي آبار تحفر في أنشاز من الأرض، ولذلك يقال: قد بلغ السيل الزبى.

9- الأسد والنمر متعاديان، وأما الببر فلا يعادي واحدا منهما لسلامة ناحيته وقلة شره، وهما لا يعرضان له لما يعرفان من عجزهما عنه.

10- الهند أصحاب الببور والفيل، كما أن النوبة أصحاب الزرافات دون غيرهم من الأمم. وأهل غانة تكثر النمور في بلادهم، ولذلك كان

(5/376)

لباسهم جلود النمور.

11- أشراف السباع ثلاثة الببر والأسد والنمر، وأشراف البهائم ثلاثة الكركدن والفيل والجاموس.

12- الأسد يأكل الملح على سبيل التملح والتحمض كالفرس. لا شيء أشد حضرا من الأسد يمشي ثلاثين فرسخا في ليلة لطلب الملح.

13- شاعر:

الليث ليث وإن جزت براثنه ... والكلب كلب وإن طوقته ذهبا

14- الذئب يأتي الجمل فيقبض بفقميه «1» على حجامي عينه فيلحس عينه بلسانه حاسيا فكأنما قورت عينه تقويرا لما أعطي من قوة النفس، ولسانه أشد بريا للحم والعصب من لسان البقر للخلي. وليس في الأرض يعض على عظم إلا ولتكسر العظم صوت بين لحييه إلا الذئب، فإن لسانه يبري العظم بري السيف ولا يسمع له صوت. كما قال الزبير بن عبد المطلب:

وينهي نخوة الجهال عني ... غموض الحد ضربته صموت

وفي أمثالهم: ضربه ضربة كأنما أخطأه، يريدون سرعة المر.

15- إذا دمي الذئب وثب عليه صاحبه فأكله. وربما رأيت الذئبين متساندين على من يتعرضان له، فإذا أصاب أحدهما خدشة أنحى عليه صاحبه وترك التعرض له.

16- وإذا دمي الإنسان فشم الذئب منه رائحة الدم، لم ينج منه، وإن كان أشد الناس قلبا وأتمهم سلاحا.

17- والببر إذا دمي استكلب حتى خافه السباع.

(5/377)

18- والحية إذا خدشت طلبها الذر «1» فلا تكاد تنجو منه.

19- وإذا عض الإنسان الكلب طلبه الفأر فبال عليه، وفيه هلكته، فيحتال له بكل حيلة وإذا أغد «2» البعير طلبته القردان.

20- في صفة الذئب:

هو الخبيث عينه فزاره ... أطلس يخفي شره غباره

في رأسه شفرته وناره ... بهما بنو محارب مزداره

21- حميد بن ثور:

ترى طرفيه يعملان كلاهما ... كما اهتز عود الساسم المتتابع «3»

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

22- يزعمون أن النمرة لا تضع ولدها إلا وهو متطوق بأفعى، وأنها تعيش وتنهش إلا أنها لا تقتل.

23- خلا معاوية بجارية له خراسانية، فلما هم بها نظر إلى وصيفة له مقبلة، فتركها وخلا بالوصيفة. ثم قال للخراسانية: ما اسم الأسد بالفارسية؟ قالت: كفتار. فخرج وهو يقول: أنا الكفتار. فقيل له: يا أمير المؤمنين، الكفتار الضبع، فقال: قاتلها الله! أدركت ثأرها. والفرس إذا استقبحت صورة قالت: روى كفتار.

24- كتب عمر بن يزيد بن عمير الأسدي إلى قتيبة بن مسلم حين

(5/378)

عزل وكيع بن أبي سود عن رئاسة بني تميم وولاها ضرار بن حصين الأسدي: عزلت السباع ووليت الضباع.

25- سئل أبو هريرة عن الضبع، فقال: الفرغل؟ تلك نعجة من الغنم. يعني أنها حلال الأكل، وهو مذهب الشافعي رحمه الله. وعند أبي حنيفة لا تحل لأنها سبع كالذئب.

26- زعموا أن الطبع تكون عاما ذكرا وعاما أنثى.

27- لا يعرف الإلتحام عند السفاد إلا في الكلاب والذئاب. وإذا هجم الصائد على الذئب والذئبة متسافدين قتلهما كيف شاء.

28- وحدث الجاحظ عن أحمد بن المثنى قال: كنت في بعض صحاري جوخى «1» إذ عرض لي ذئب فلم يزل يراوغني حتى ديرني وأيقنت بالهلكة، إذا ذئبة مستسفدة «2» ، فما تلعثم أن ركبها وتركني. فلما تلاحما مشيت إليهما بسيفي حتى قتلتهما، وكان ذلك من صنع الله تعالى وتأخر الأجل.

29- قال المنتجب محمد بن أرسلان في صفة أهل الزمان:

هم ما هم سباع ضاريات ... وتأبى أن تشاكلها السباع

فأجابه عبد الله الفقير إليه «3» :

هم شر السباع فلا ذئاب ... مكلحة الوجوه ولا ضباع

هم ضرر أناخ بغير نفع ... عليك وربما نفع السباع

معلمها يحوش عليك صيدا ... ونفسك بينهم صيد شعاع

(5/379)

فيا نهشا بأنياب وفرسا ... تحلم عنده العبس الجياع

30- الأسد لا يثب على الإنسان للعداوة ولكن للطعم، ولو مر به وهو شبعان لم يعرض له.

31- الفهد أنوم الخلق، وأما الكلب فنومه نعاس، ونومة الفهد مصمت، قال حميد بن ثور.

ونمت كنوم الفهد عن ذي حفيظة ... أكلت طعاما دونه وهو جائع

32- ويقال إن السباع تشتهي ريحه تستدل بريحه على مكانه، وتعجب بصوته فتصغي إليه إصغاء شديدا. وقد علم شهوة الأسد والنمر السباع لريحه فلا يكون على علاوة الريح. وإذا اصطيد مسنا كان أنفع في الصيد لأهله من الجرو الذي يربونه. لأن الجرو يخرج خبا، ويخرج المسن على التأديب صيودا غير خب ولا مواكل.

33- وتعتقد العامة أن الفهود مسخ اليهود، والصبيان يصيحون بالفهد يا يهودي. والصائد يشد وراءه شدا حتى ينبهر ويحفى فيأخذه. فإذا أخذه غطى عينيه وأدخله في وعاء، ثم أدخله بيتا مظلما ووضع عنده مصباحا، ولازمه الليل والنهار، ولم يدعه يرى الدنيا، وهيأ شيئا كظهر الدابة وأخذه بركبوبه. وأطعمه بيده حتى يستأنس. وإناث الفهود أصيد، وكذلك إناث عامة الجوارح.

34- الثعلب يعلم أن تماوته يجوز على الصائد ولا يجوز على الكلاب فإذا أحس بصائد استلقى ونفخ خواصره حتى لا يشك أنه ميت فيجوزه، فإذا أحس بالكلب وثب كأنه البرق، لأن الكلب لا يخفى عليه الميت من المغشي عليه من المتماوت، ولذلك لا يحمل من مات من المجوس إلى الناووس حتى يدني منه كلب فيعمل ما يستدل به على حاله.

35- وقد يتماوت الكلب، قال بعضهم: رأيت جروا مهزولا ضربه الصبيان وعقروه، فتمدد لهم كالميت، فضربوه بأرجلهم فلم يتحرك حتى

(5/380)

أيقنوا بالموت فخلوه. فنظرت فإذا هو قد فتح عينيه وتأمل، ثم وثب وهرب.

36- وسلاح الثعلب سلاحه «1» ، وهو أنتن من سلاح الحبارى «2» ، فإذا تعرض للقنفذ، ولقيه شوكه واستدار كالكرة سلح عليه، فانسدخ مما يغشى عليه من نتن سلاحه، فعندها يقبض على مراق بطنه.

37- وإذا كثرت البراغيث في فروة الثعلب تناول بفيه صوفة، ثم يدخل في الماء قليلا قليلا. والبراغيث ترتفع إلى أن يغمس خطمه، فتجتمع في الصوفة، ثم يرميها في الماء ويثب إلى الشط.

38- ربما كانت الأرض ملبسة بالجليد، مغطاة بالثلج، والكلاب العاقل المجرب لا يدري أين مكان الوحش، فلا يزال يتبصر ويتشمم حتى يقف على أفواه الحجرة ويثير الذي فيها.

39- أبو عبيدة: خرج رجل إلى جبانة بلده مع أخيه وجار له ينتظر الرفاق وتبعه كلب له. فضربه ورماه بحجر فلم ينته، فلما قعد ربض بين يديه، وجاء عدو له يطلب بطائلة، فجرح جراحات، وطرح في بئر قريبة القعر، وحثي عليه التراب، وقد فر أخوه وجاره، والكلب ينبح حوله. ثم أتاه عند انصراف العدو وكشف التراب عن رأسه حتى تنفس، ومر ناس فاستشالوه وأدوه إلى أهله، وسمي الموضع ببئر الكلب، وقيل في ذلك:

يعود عنه جاره وشقيقه ... وينبش عنه كلبه وهو ضاربه

40- اقتنى رجل جروا ثم غاب عنه سنة ورجع وهو كلب شاغر، فعرفه وتبصبص حوله، وصاح صيحة السرور بقدومه، وكان يثب على كل أحد ويتوعده، وقد زجره صاحبه عن صديق له ثلاث مرات، فاستثناه بعد

(5/381)

ذلك عن الناس فلم يهر عليه.

41- الكلبة تحيض في كل سبعة أيام، وأكثر ما تضع اثنا عشر جروا وذلك في القرط، والغالب خمسة أو ستة، وربما وضعت واحدا.

42- ويعيش الكلب في الأكثر أربع عشرة سنة، وربما بلغ عشرين سنة. وللكلب ثلاثة أصناف من المرض: الكلب، والذبحة، والنقرس.

ويكنى أبا خالد، قال ابن الرومي:

أخالد لا تكذب فلست بخالد ... بزعمك بل أنت المكنى بخالد

وللكلب خير منك لؤمك شاهدي ... عليه وما دهري بإبعاد شاهدي

43- آخر:

هو الكلب إلا أن فيه ملالة ... وسوء مراعاة وما ذاك في الكلب

44- كان يقال لمالك بن مسمع ابن قتيل الكلاب لأن أباه مسمع بن سنان لجأ في الردة إلى قوم من عبد القيس، فكان كلبهم ينبح، فخاف أن يدل على مكانه فقتله، فقتل به.

45- قال بعضهم «1» :

تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتقي مربض المستأسد الحامي

46- وعن عمر بن أبي ربيعة أنه عرض لبعض الحواج، فلما أرادت الطواف استصحبت أخا لها فتمثلت به.

(5/382)

47- يقال: عليه واقية كواقية الكلاب للئيم تطول سلامته، قال دريد ابن الصمة حين ضرب امرأته بالسيف فسلمت:

وأبقاهن أن لهن لؤما ... ووافية كواقية الكلاب

48- محمد بن الجهم: دعاني المأمون يوما فقال: قد نبغ لك أخ بقول الشعر فأنشدني له، فلم أذكر ألا قوله في الكلب:

أوصيك خيرا به فإن له ... سجية لا أزال أحمدها

يدل ضيفي علي في غسق اللي ... ل إذا النار نام موقدها

فقال: أحسن الموصي بالكلب، وأمر لي بمال.

49- وكانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير، وهادي الضمير، وداعي الكرم، ومتمم النعم، ومشيد الذكر، لما يجلب من الأضياف بنباحه. والضمير الضيف الغريب، من أضمرته البلاد إذا غيبته. وكانوا إذا اشتد البرد وهبت الرياح ولم تثبت النيران فرقوا الكلاب حوالي الحي، وجعلوا لها مظال وربطوها إلى العمد لستوحش فتنبح فتهدي الضلال.

50- وصف للمتوكل كلب بأرمينية يفترس الأسد، فأرسل من جاء به. فقال له الطريحي. يا أمير المؤمنين، هنأك الله بما خصك به من نيل مباغيك، وإدراك محابيك، فما شيء يصغر مع طلب أمير المؤمنين عن أن يهنأ به، أو يرغب إلى الله في زيادته.

فقال المتوكل: هو لك جزاء عن هذه التهنئة، فبعه مني بحكمك.

فباعه منه بألفي دينار. فألقاه على أسد فتواثبا وتناهشا حتى وقعا ميتين.

51- كلب القصاب يشبه به الفقير يجاور الغني، فيرى من نعيمه وبؤس نفسه ما يفت كبده، ويقال: كلاب القصابين أسرع عمى من غيرها بعشر سنين.

52- خرج المهدي يوما يتصيد فصاد ظبيا، ورمى علي بن سليمان

(5/383)

فأصاب كلبا، فضحك المهدي، وقال لأبي دلامة: قل. فقال:

قد رمى المهدي ظبيا ... رمية شك فؤاده

وعلي بن سليما ... ن رمى كلبا فصاده

فهنيئا لهما كل ام ... رىء يأكل زاده

فأمر له بعشرة آلاف.

53- شاعر:

تخيرت من الأخلا ... ق ما ينفي عن الكلب

فإن الكلب مجبو ... ل على النصرة والذب

وفي يحفظ الدا ... ر وينجيك من الكرب

فلو أشبهته لم ت ... ك طاعونا على القلب

54- كان لأعرابي بنيان، أحدهما مستهتر بالكلاب والثاني بالحملان، فقال:

مالي أراك مع الكلاب جنيبة ... وأرى أخاك جنيبة الحملان

فأجابه:

لولا الكلاب وهرشها من دوننا ... كان الوقير فريسة الذؤبان

55- قيل لرجل: ما با الكلب يشغر «1» إذا بال؟ قال: يخاف تتلوث دراعته «2» . قيل: أو للكلب دراعة؟ قال: هو يتوهم أنه بدراعة.

56- الخنزير يحتمل من السهم النافذ والطعن الجائف ما لا يحتمله غيره. والخنفساء في ذلك أعجب. وكذلك الضب.

57- رأى أحدهم أثر ست أرجل في مواضع كثيرة، فقال: ما أعرف

(5/384)

دابة لها ست أرجل، فسأل عن ذلك، فقيل له: إن الخنزير يركب الخنزيرة وهي ترتع، فربما قطعت أميالا ويداه على ظهرها ورجلاه خلف رجليها.

58- المهاجر بن حبيب يكره الضحك في موطنين: عند اطلاعك في القبر فإنه مدخل عظيم، وعند رؤية القردة لأنهم كانوا عبادا لله فمسخوا.

59- التفت ابن الرومي يوما إلى أبي الحسن الأخفش وهو يحكي مشيته، فقال:

هنيئا يا أبا حسن هنيئا ... بلغت من الفضائل كل غاية

شركت القرد في قبح وسخف ... وما قصرت عنه في الحكاية

- وله:

ليتهم كانوا قرودا فحكوا ... شيم الناس كما تحكي القرود

60- الدب يقيم أولاده تحت شجرة الجوز فيصعد ويرمي بالجوز إليها إلى أن تشبع، وربما قطع من الشجرة الغصن العبل الضخم الذي لا يقطع إلا بالفأس والجهد، ثم يشد به على الفارس فلا يصيب منه شيئا إلا هتكه.

61- الدبة تضع ولدها كندرة لحم غير متميزة الجوارح. فهي تخاف عليه الذر، فلا تزال رافعة له في الهواء أياما حتى يشتد وتفرج أعضاؤه.

62- الوعل يأكل الحيات والأفاعي أكلا ذريعا، وقد يجد القناص رؤوسها ناشبة الأسنان في عنقه وجلد وجهه، لأنه إذا هم بأكلها بدرته فعضته وهو يأكلها، فتبقى الرؤوس معلقة به. ويصيبه العطاش العظيم عند أكلها.

63- وعن داود عليه السلام: شوقي إلى المسيح مثل الأيل الذي أكل الحيات فاعتراه العطش الشديد، تراه كيف يدور حول الماء.

(5/385)

64- وليس من الدواب شيء ينصل قرنه كل عام إلا الوعل، فإذا علم أنه غير ذي قرن عديم السلاح لم يظهر مخافة السباع. فإذا نجم قرنه لم يجد بدا من أن يمضغه ويعرضه للشمس والريح. فإذا اشتد ظهر.

ويبقى في مكان واحد إلى أن يشتد قرنه يركبه الشحم ويسمن فيكثر من الجولان والتردد حتى يذهب شحمه ويشتد لحمه، ويحتال في التحفظ من السباع عند ذلك. فإذا كان صدعا برز وأمن. قال عصام بن زفر:

ترجو الثواب من صبيح يا جمل ... قد مصه الدهر فما فيه بلل

إن صبيحا ظاعن محتمل ... فلائذ منك بشعب من جبل «1»

كما يلوذ من أعاديه الوعل

65- أحضر جعفر بن سليمان على مائدته بالبصرة يوم زاره الرشيد ألبان الظباء وزبدها وسلاها «2» ولبأها «3» ، فاستطاب الرشيد طعومها، فسأل عنها، فأمر جعفر غلمانه فأطلقوا عن سرب من الظباء ومعها الخشفان «4» حتى مرت تجاه الرشيد، فاستخفه الفرح والتعجب، فقال جعفر: هي من حلب هذه الظباء. وكان جعفر قد أخذها وهي صغار فرباها حتى تناتجت عنده.

66- والظبي يخضم «5» الحنظل خضما ويمضغه وماؤه يسيل من شدقيه، وأنت تتبين فيه الاستلذاذ والاستحلاء لطعمه، ويرد البحر فيشرب الماء الإجاج، كما تغمس الشاة لحيها «6» في الماء العذب. فأي شيء أعجب من حيوان يستعذب ملوحة البحر ويستحلي مرارة الحنظل؟.

(5/386)

67- أنشد الجاحظ:

إذا ابتدر الناس المعالي رأيتهم ... قياما بأيديهم مسوك الأرانب

أي لا كسب لهم إلا صيد الأرنب وبيع جلدها.

68- يقال للأرنب مفزعة الجن. أي أنها تحيض فلا يقربها. ومن شأنها إذا طلبت أن تقلب أكفها فتطأ على مآخيرها لئلا يقتص أثرها. وهو توبيرها، يقال: وبرت الأرنب، وهو من الوبر، لأنها تمشي على وبر أكفها.

69- يقال للسنور أبو سعد، وعطسة الأسد. لأنهم يزعمون أن أصحاب السفينة تأذوا بالفأرة، فأخرج الله من عطسة الأسد السنور فأفناه.

70- الهر يجمع العض بالناب والخمش بالمخالب، لأنه يجمع الأنياب والمخالب. وليس كل سبع كذلك. وهو يناسب الإنسان فيعطس، ويتمطى، ويغسل وجهه بلعابه، ويلطع وبر ولده حتى يصير كأن الدهن يجري في جلده.

71- السنانير يترددن صارخات في طلب السفاد، فكم من حرة خجلت، وذي غيرة هاجت حميته، وعزب حرك منه شبقه. والسنور يألف الدار. والكلب يألف أهل الدار. وهو ضعيف الهامة وهي من مقاتله، وفوه كفم الكلب، وهو طيب النكهة. والفتيات يقبلن السنانير ويخبرن عن طيب أفواهها.

72- قال السندي بن شاهك: ما أعياني أحد من التجار إلا باعة السنانير يأخذون السنور الأكال للفراخ، العباث في الطيور، الوثاب على الأقفاص، فيدخلونه في دن ويشدون رأسه، ثم يدحرجونه حتى يغلبه الدوار، ثم يدخلونه في قفص فيه الطير، فإذا رآه المشتري رأى شيئا عجبا، وظن أنه ظفر بحاجته. فإذا مضى به إلى البيت تبين أنه اشترى شيطانا يأكل طيره وطير جيرانه، ولا يبقى ولا يذر.

(5/387)

83- وزعموا أن كل من أكل هرا أسود لم يعمل فيه سحر. وزعموا أن السكينة التي في تابوت موسى رأس هر.

والهرة تحمل خمسين يوما.

74- سنور عبد الله مثل في مرجو في صغره فإذا شب تراجع. ومن أمثال العامة: السنور في صغره يباع بدرهم فإذا كبر بيع بثلث درهم.

75- قال بشار:

كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيرا فلما شب بيع بقيراط

76- أبو بكر العلاف في مرثية الهر:

يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد

أطعمك الغي لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرشد

ولم تزل للحمام مرتصدا ... حتى سقيت الحمام بالرصد

ما كان أغناك عن تسورك ... البرج ولو كان جنة الخلد

لم يرحموا صوتك الضعيف ... كما لم ترث منها لصوتها الغرد

أذاقك الموت من أذاق كما ... أذقت أطياره يدا بيد

لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد

عاقبة البغي لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد

كم أكلة أدخت حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد

إن الزمان استفاد منك ومن ... يظلم بعين الزمان يستفد

77- قد جعل الله في طبع الفيل الهرب من السنور والوحشة منه.

وحكي عن هارون مولى الأزد، الذي كان يرد على الكميت «1» ويخفر بقحطان وكان شاعر أهل المولتان «2» ، أنه خبأ معه هرا تحت حضنه،

(5/388)

ومشى بسيفه إلى الفيل والسيف في خرطومه، والفيالون يذمرونه، فلما دنا منه رمى بالهر في وجهه، ففر هربا وتساقط الذين على ظهره، وكبر المسلمون، وكان سبب الهزيمة.

78- الفيلة تضع لسبع سنين ولدا مستوي الأسنان، فيحتالون لأخذ ذلك الولد، فيعيش عندهم ثمانين سنة إلى المائة، وعمر الوحشية أطول.

79- وإذا احتمت المرأة من نجوها مع العسل لم تحبل أبدا، وإذا علق على شجرة لم تحمل في تلك السنة.

80- ويزعمون أن الغوغاء إذا صاحوا بها: يا حجام بابك! غضبت وركلت الصائح، ولا غرو أن تفهم ذلك كما يفهم كثير من الحيوان اسمه وما يخاطب به.

81- ويعملون من جلد الفيل ترسا، فيكون أصلب من كل ترس.

82- طرف لسان الفيل إلى داخل، وأصله إلى خارج، بخلاف جميع الحيوان. وتقول الهند لولا أن لسان الفيل مقلوب لتكلم إذا لقن.

83- لا ثدي لحيوان في صدره إلا الإنسان والفيل.

84- والفيل أضخم الحيوان وأعظمه جرما، وما ظنك بخلق ربما كان في نابيه أكثر من ثلاثمائة من «1» وهو مع ذلك أملح وأظرف وأطرب من كل خفيف الجسم رشيق، حتى فضل في رشاقته على الببغاء، وهو من أعجب العجب. وربما مر الفيل مع عظم بدنه خلف القاعد فلا يشعر بوطئه، ولا يحس بممره، لخفة همسه، واحتمال بعض بدنه لبعض.

85- أركب أبو الجلال الهدادي الفيل أيام الحجاج، فصاح:

الأرض. وأراد أن يرمي بنفسه فرقا «2» حتى أنزلوه، فقال:

(5/389)

وما كنت يوم الفيل فوق مطية ... ولكن على وطفاء جون ربابها

86- أنشد ابن الأعرابي:

هو البعوضة إن كلفته كرما ... والفيل في كل أمر خالط اللوما

87- أنشد الجاحظ:

ولو أبصرت الستر ... لوجيهه تهاويل

وفيه الفيل منقوشا ... وفي مشفره طول

لقالت ابعدوا الستر ... فلا يأكلني الفيل

88- زعم هارون مولى الأزد أنه مشى إلى الفيل، فلما دنا منه وثب عليه وثبة فتعلق بنابيه، والهند يزعمون أنهما قرناه يخرجان مستبطنين حتى يخرقا الحنك ويخرجا أعقفين، فجال به جولة كاد يحطمه، وكان رجلا أيدا «1» رابط الجأش، فاعتمد على أصول النابين فانقلعا من أصلهما، وأدبر الفيل، وبقي القرنان في يده، وكانت الهزيمة. وأنشأ يقول:

ولما رأيت السيف في رأس هضبة ... كما لاح برق من خلال غمام

تغامسته حتى لزقت بصدره ... فلما هوت لازمت أي لزام

وعذت بقرنيه أريد لبانة ... وذلك من عادات كل محامي

فجال وهجيراه صوت مخضرم ... وأبت بقرني يذبل وشمام «2»

89- خرطوم الفيل أنفه، وبه يوصل الطعام إلى جوفه، وبه يقاتل،

(5/390)

ومنه يصيح، وصياحه ليس في مقدار جرمه، ويضرب به الأرض، ويرفع به إلى السماء، وهو مقتل من مقاتله، وهو جيد السباحة، وإذا سبح رفعه صعدا، كما يغيب الجاموس جميع بدنه إلا منخريه. ويقوم خرطومه أيضا مقام عنقه. والخرق الذي فيه لا ينفذ، وإنما هو وعاء إذا ملأه من طعام أو ماء أو لجه فيه، لأنه قصير العنق لا ينال ماء ولا مرعى.

90- وللبعوضة خرطوم إلا أنه أجوف، فإذا طعنت به في جلد فاسقت الدم قذفت به إلى جوفها، فهو لها كالبلعوم.

91- أبو الشمقمق:

يا قوم أني رأيت الفيل بعدكم ... فبارك الله لي في رؤية الفيل

رأيت بيتا له شيء يحركه ... فكدت أصنع شيئا في السراويل «1»

92- الزندبيل «2» مختلف فيه، بعضهم يجعله نوعا فيقول: الفيلة نوعان، فيل وزندبيل، كالبختي «3» والعربي، والجاموس والبقر، ويجعله بعضهم الذكر منها، ويعضهم الأنثى، وبعضهم العظيم منها.

93- إذا اغتلم الفيل لم يكن لسواسه هم إلا الهرب بأنفسهم، وربما رجع وحشيا. وقد اغتلم فيل لكسرى فلم يقم له شيء، حتى دنا من مجلس كسرى فأمتنع عنه كل من معه إلا رجل من خواصه شد عليه بطبرزين في يده، فضربه في جبهته ضربة غاب فيها، فصدف عنه. فقال له كسرى: ما أنا بما وهب الله لي من الحياة على يدك بأسر مني بالذي رأيت من الجلد والوفاء، وحين لم تخطىء فراستي فيك، ولم يزل رأيي فيك إذا اختصصتك.

(5/391)

94- الجاحظ: وقد رأيت أنا في عين الفيل صحة الفهم والتأمل، وما شبهت نظره إلا بنظر ملك عظيم الكبر راجح الحلم.

95- وقال سهل بن هارون:

إذا ما رأيت الفيل ينظر قاصدا ... ظننت بأن الفيل يلزمه الفرض

96- الفيل ضئيل الصوت ليس صوته على قدر جرمه.

97- وعن جابر الجعفي: رأيت الشعبي خارجا، فقلت: إلى أين؟

قال: أنظر الفيل. فأتى الحيرة فنظر إليه.

98- كما يبصبص الكلب بذنبه إذا ألقيت إليه الكسرة كذلك الفيل إذا قدم إليه علفه تمسح وتملق.

99- ومن أعاجيب الفيل أن سوطه الذي يحث به ويضرب محجن «1» حديد، أحد طرفيه في جبهته والآخر في يد راكبه، فإذا أراد منه شيئا غمزه في لحمه.

100- أول شيء يؤدبون به الفيل ويعلمونه السجود للملك. خرج كسرى أبرويز لبعض الأعياد، وقد صفوا له ألف فيل، وقد أحدقت به وبها ثلاثون ألف فراس، فلما بصرت به الفيلة سجدت له، فما رفعت رؤوسها حتى جذبت بالمحاجن وراطنها الفيالون.

101- الفيل يعرق عرقا غليظا غير سائل، أطيب رائحة من المسك، وربما وجد الناس في بيوتهم جرذا أسود يجدون منه ريح المسك. وقيل هو الذي يخبىء الدراهم. ولا تعرض لعرق الفيل تلك الريح إلا في بلاد خاصة.

(5/392)

102- عظام الفيل كلها عاج، إلا أن جوهر نابه أكرم وأثمن. ولولا شرف العاج وقدره لما فخر الأحنف بن قيس على أهل الكوفة في قوله:

نحن أكثر منكم عاجا وساجا وديباجا وخراجا.

103- كنية الفيل أبو الحجاج، وكانت كنية محمود فيل الحبشة أبا العباس.

104- لسان الفيل صغير بالقياس إليه وقليلا ما يدلعه.

105- قال أبو علي بن سيناء: رأيت الفيل نزا «1» على الفيل بجرجانية خوارزم، فألصق نابه بكفلها «2» واستعان به حتى علاها فضربها.

ولا عادة للفيل في السفاد في غير بلاده. ومن غريب ما رأيت هناك أن الأسد المجلوبة إليها كانت تتسافد وتلد، وكذلك الفهود.

106- عنبسة الفيل النحوي سمي بذلك لأن معدان أباه كان يروض فيلا للحجاج. فلما أنشد عنبسة هجاء جرير للفرزدق قال الفرزدق:

لقد كان في معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوي علي القصائدا

جرى عليه النبز «3» .

107- وقيل لغيلان الراجز راكب الفيل، ولسعدوية الطيوري عين الفيل لأن الحجاج كان يحسبهما عليه. فإذا سمي أهل البصرة إنسانا بفيل فصغروه قالوا: فيلويه، كما يجعلون عمرا عمروية وحمدا حمدوية.

108- الطرماح في صفة ثور وحش:

يبدو وتضمره البلاد كأنه ... سيف على شرف يسل ويغمد

(5/393)

109- ابن عرس «1» صعب وحشي لا يكاد يتدرب، وهو مع ذلك يصيد لصاحبه العصافير، يقابل به بيت العصفور فيلج عليه فيأخذه وفراخه ولا يقتله حتى يأخذه منه، ولا يزال كذلك ولو طاف به على ألف جحر.

110- القنفذ وابن عرس إذا ناهشا الأفاعي والحيات تعالجا بأكل السعتر البري.

111- الكركدنة تكون نزورا «2» ، وأيام حملها كأيام حمل الفيلة، ولذلك قل هذا الجنس. وما من حيوان إلا وهو ناقص عند غايته النقص الفاحش.

112- وتزعم الهند أنه إذا كان ببلاد لم يدع فيها شيئا من الحيوان حتى يكون بينه وبينه مائة فرسخ من جميع جهات الأرض هيبة له وهربا منه. ويسمى الحمار الهندي. وله قرن واحد في وسط جبهته. ويزعمون أنه يخرج رأسه من بطن أمه فيأكل من أطراف الشجر، فإذا شبع أدخل رأسه. ويزعمون أنه ربما نطح الفيل فرفعه بقرنه، فلا يشعر بمكانه حتى يتقطع على الأيام.

113- قالوا في قرن الكركدن إن غلظه يبلغ شبرين، وليس بطويل جدا، وهو محدد الرأس شديد الملاسة في مدمج صلب لا يمتنع عليه شيء. وإذا قطعوه ظهرت في مقاطعه صور عجيبة.

114- إذا اجتمع في الفيل أن يكون وحشيا ومغتلما لم يقم له شيء إلا الكركدن، وإنه ليهجم عليه فيحجم عنه حتى تذهب عنه سكرة الغلمة فلا يطور طواره ولا يحل بأداني أرضه.

115- في أعلى بلاد النوبة تجتمع السباع والوحوش والدواب

(5/394)

الكثيرة، وذلك في حمارة القيظ «1» إلى شرائع المياه فيتسافدن «2» ، فمن ذلك الزرافة «3» وفلفل وقيل هي ولد النمر من الجمل.

116- ابن عرس أشد عداوة للفأر من السنور، والشاة أشد فرقا «4» من الذئب منها من الأسد والنمر والببر، مع كون هؤلاء أقوى عليها.

والحمام أفرق من الشاهين منه من الصقر والبازي.

117- وإذا نبح كلب على رجل بالليل وألح عليه، ولا حارس ولا سبيل إلى الفوت، فدواؤه أن يقعد بين يديه مستخذيا مستسلما، فإنه إذا رآه كذلك شغر «5» عليه ولم يهجه، كأنه حين رآه تحت قدرته أراد أن يسمه بميسم ذل، كما يجز الآسر ناصية الأسير «6» .

118- يرى الكلب العظم المدملج فيعلم أنه إن عضه رضه وإن ابتلعه استمرأه.

(5/395)

119- كان في بني ضبة كلب زبني يوضع السراج على رأسه، وهو منتصب على عجب «1» ذنبه معلق يديه، فيدعى باسمه ويلقى له اللحم فلا يتحرك، فإذ أخذ عنه السراج وثب على اللحم، ويعلق في عنقه المكتل «2» وتوضع فيه الرقعة فيمضي إلى البقال ويأتي بالحاجة. ويطحنون عليه، فإذا فرغ من طحنه مضى إلى المتمعك فتمعك فيه كحمار الطحان.

120- تلقح الكلبة من كلاب مختلفة الألوان، وتأتى بالجراء على شيات مختلفة، وتلقح أيضا من غير الكلب، وليس ذلك إلا لأرحام الكلاب.

121- أبو السري المحبي في دليل بن إسماعيل:

أيها المبتلي بحب كلاب ... لا يحب الكلاب غير الكلاب

لو تعريت بينها كنت منها ... إنما فقتها بلبس الثياب

122- رفع إلى الحسن بن سهل أن الدواب وبئت، فوقع: تقتل الكلاب، فقال أبو العواذل.

له يومان من خير وشر ... يسل السيف فيه من القراب

فأما الجود منه فللنصارى ... وأما شره فعلى الكلاب

وفرط الناس في قتلها فأكلت لحوم الدواب فكلبت على الناس، واضطروا إلى قتلها، وعلموا الصواب في توقيع الحسن.

123- تكون بالبادية دابة من جنس السباع، دقيقة الخطم، على قدر ابن عرس، تدنو من الناقة وهي باركة ثم تثب فتدخل حياءها فتندمس فيه حتى تصل إلى الرحم فتجذبها، وتسقط الناقة ميتة. ويزعمون أنه شيطان، وقل ما ترى، واسمها العنزة.

(5/396)

الباب الخامس والتسعون دواب البحر من السمك وسائر الحيوان المختلف فيه وما وضع الله فيها العجائب

1- جابر بن عبد الله: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء، فيكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط «1» ثم نبلله بالماء فنأكله. فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر، فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، ولقد رأيتنا نغترف من وقب «2» عينيه بالقلال الدهن، ونقتطع منه الفدرة «3» كالثور. ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعا من أضلاعه فأقامها، ثم رجل أعظم بعير منا فمر من تحتها. وتزودنا من لحمه وسائق. فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا رزق أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكله.

2- القرش دابة عظيمة من دواب البحر تمنع السفن من السير، وتدع

(5/397)

السفينة فتقلبها، وتضربها فتكسرها.

وسمعت أنا من بعض البحارين بمكة: ونحن قعود عند باب بني شيبة، يصف لي القرش فيقول: هو مدور الخلقة، وعظمه كما بين مقامنا هذا إلى الكعبة، ومن شأنه أن يتعرض للجلاب، وهي السفن الكبار، فلا يرده شيء إلا أن يأخذ أهلها المشاعل، فثم الحذر والمرور على وجهه كالبرق، كل شيء عنده جلل إلا النار.

وقال: رأيت ملاحا يصعد في المردي فلما نصفه خر مقطوعا نصفين فنظرنا فإذا القرش قد ضربه بذنبه.

وبه سميت قريش، قال المشمرج بن عمرو الحميري:

وقريش هي التي تسكن البح ... ربها سميت قريش قريشا

تأكل ألغث والسمين ولا تت ... رك فيه لذي جناحين ريشا

3- وللشريف الرضي ذي المناقب في قطعة له مليحة:

يبرهن العدلي وال ... مجبر في وعاوعه

والقرش لا يروعه ال ... نقيق من ضفادعه

4- حكي أن تمساحا وأسدا اعتلجا على شريعة «1» ، فضربه التسماح بذنبه، وضغم الأسد رأسه، فماتا جميعا.

5- ذل التمساح على وجه الأرض شبيه بذل الأسد في الماء الغمر، يذل حتى يركب الصبي ظهره، ويقبض على أذنيه كيف شاء، ويفعل ذلك غلمان السواد بشاطىء الفرات إذا احتملت الأسود المدود.

6- ويكون في النيل وخلجانه خيل في صور خيل البر، وهي تأكل التماسيح، وربما خرجت فرعت الزروع، وإذا رأى أهل مصر حوافراها علموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان. وإذا أصابوا منها

(5/398)

صغيرا ربوه في البيوت.

7- وفي سن من أسنان فرس الماء شفاء من وجع المعدة، وأعفاجه «1» تبرىء من الجنون والصرع كما تبرىء لحوم بنات عرس.

8- كل ماضغ يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.

9- سمك البحر كله ليس له لسان ولا دماغ.

10- الكوسج سمكة غليظة الجلد تشبه الجري، إن اصطادوها ليلا وجدوا في جوفها شحمة طيبة، وإن اصطادوها نهارا لم يجدوها.

11- الشبوطة تنتهي في النهر إلى الشبكة فلا تستطيع النفوذ، فتتأخر قاب «2» رمح ثم تجمع جراميزها حتى تطفر «3» الشبكة، وربما كان ارتفاع وثبتها أكثر من عشرة أذرع.

12- أكثر البياضة بيضا السمك، ثم الجراد، ثم العقارب، ثم الضباب، لأن السمكة لا تزن ولا تلقم ولا تحضن ولا ترضع فكثر الله ذرها. وما زق وحضن- والزق ضرب من القيء وفيه عليه وهن وشدة- قلل الله نسله، كالحمامة لا تبيض إلا بيضتين. والدجاجة تحضن ولا تزق فزاد الله في بيضها وفراخها. والحية تضع ثلاثين بيضة، ولها ثلاثون ضلعا ولذلك قويت أصلابها. فسبحان من دبر هذا التدبير اللطيف، وأحكم هذه الحكمة البالغة.

13- من السمك قواطع كما في الطير، منها الأسبور والنرسوج يقطع

(5/399)

من بحر الزنج إلى دجلة البصرة تستعذب الماء، تتملح بعذوبة الماء كما تتحمض الإبل. تقطع في السنة مرتين. فتقيم في دجلة شهرين، وهي في إحدى المرتين أسمن منها في الثانية. ويزعمون أن بين بحر الزنج والبصرة أبعد مما بين الصين ومنها.

14- الدخس دابة في البحر تنجي الغريق، تدنو منه حتى يضع يده على ظهرها، يستعين بالإتكاء عليها والتعلق بها وهي تسبح.

15- قالوا إن ببحر طبرستان سرطانا على جلده من الوشي والنقوش الدقيقة العجيبة ما يتحير فيها الناظر.

16- زعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن ويقر قرار المستمع، فإذا قطع نفر، وإذا أعيد عاد. وإذا سمع الدلفين وأنواع السمك صوت الرعد هرب إلى القعر وسدر «1» .

17- والضفدع لا يمكنه الصياح حتى يدخل حنكه الأسفل في الماء، فإذا صار في حنكه الأسفل بعض الماء صاح، ولذلك لا تسمع له نقيقا خارج الماء. وهو يعيش في الماء، ويبيض في الشط كالسلحفاة والرق «2» .

18- الميخ بخراسان «3» يكبس في الأزاج «4» . ويحال بينه وبين الريح والهواء بأحكم ما يقدر عليه ومتى انخرق من تلك الخزانة في مقدار منخر الثور حتى يدخله استحال الميخ كله ضفادع.

(5/400)

19- ويرى في غب المطر ما لا يحصى من الضفادع، إذا كان المطر ديمة في مواضع لا يقربها بحر ولا نهر ولا شيء من معادن الماء، تجدها في الضحاضح «1» وعلى ظهور المساجد، وتذهب العامة إلى أنها كانت في السحاب، وإنما تخلق عقب المطر في الأرض بعد وقوعه.

20- وزعم بعضهم أن أهل إيذج «2» مطروا مرة أكبر شبابيط في الأرض وأسمنها وأعذبها.

21- والضفادع من الخلق المائي الذي يصبر عن الماء أياما صالحة، وتعظم ولا تسمن كالدراج «3» والأرنب، فإن سمنهما أن يحملا اللحم.

22- وفي سواحل فارس ناس يأكلونها، وهي أجحظ الخلق عينا.

والأسد ينتابها في مظانها «4» فيأكلها أكلا شديدا. والحية تطلبها في الشرائع. قال الأخطل:

ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر

23- عبد الرحمن بن عثمان الليثي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع.

24- ابن عمر: لا تسبوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.

25- في خرافات مسيلمة «5» : يا ضفدع نقي ما تنقين، نصفك في

(5/401)

الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، وكان يدعيها تنزيلا من لدن حكيم عليم، فسمع بها أبو بكر فقال: ما خرجت من إله.

26- شاعر:

قالت الضفدع قولا ... فهمته الحكماء

في فمي ماء وهل ين ... طق من في فيه ماء

27- الماء الراكد إذا صار رقراقا وضحضاحا استحال دعاميص «1» ، وانسلخت الدعاميص فصارت فراشا وبعوضا.

28- من شأن الدلفين أن يقتل السمكة الكبيرة، فإذا طفت استجن بها مندسا تحتها، فعل الصائد بالذريعة، فيقع عليها الطير يأكلها، فيثب عليها من تحت فيأخذها. وفي المحرضات:

لعمرك ما عبد العزيز بكافل ... تقي ولا عبد العزيز رضا كافي

وإنك واستكفاء مثلك مثله ... كما استظهر الدلفين بالسمك الطافي

(5/402)

الباب السادس والتسعون الطيور وما أوتيت من أعاجيب الإلهام في حضنها ورزقها ورفرفتها على فراخها وتدبير أمرها

1- النبي صلى الله عليه وسلم: الديك الأبيض صديقي، وعدو عدو الله، يحرس دار صاحبه ويسمع أدؤر «1» حواليه، وكان يبيته معه في البيت.

2- زعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق «2» لم يزل ينكب في أهله وماله.

3- قال لقيم الدجاج في رسول الله عند افتتاح خيبر:

رميت نطاة «3» من الرسول بفيلق ... شهباء ذات مناكب وفقار

فوهب له دجاج خيبر عن آخرها. ولذلك قيل له لقيم الدجاج.

(5/403)

4- كل ديك يقبض على الحبة فيحذف بها قدام الدجاجة، ومن ذلك قيل أسمح من لاقطة، إلا ديك مرو فإنه يطرد الدجاج عن الحب وينزع الحب من أفواه الدجاج، لبخل المراوزة.

5- ساوم مدني دجاجة بعشرة دراهم، فقال والله لو كانت في الحسن كيوسف وفي العظم ككبش إبراهيم، وكانت كل يوم تبيض ولي عهد للمسلمين ما ساورت أكثر من درهمين.

6- يوضع تحت الدجاجة بيضتان من بيض الطاووس، لا تقوى على تسخين أكثر منهما، ويتفقدونها حتى لا تقوم فيفسدها الهواء. وربما باضت الدجاجة بيضتين في يوم واحد، وهو من أسباب موتها.

7- الحمامة تحضن بيضة الدجاجة فيخرج الفروج أكيس.

8- أبو عثمان الخالدي:

وأنكر من بوم يصرصر غدوة ... وأشأم من ديك يصيح عشاء

9- إذا هرمت الدجاجة لم يكن لأواخر ما تبيض صفرة، وإذا لم يكن للبيضة مح لم يخلق منها فروج، لأنه غذاؤه المح ما دام في البيضة. وقد يكون للبيضة محان فتفقس عن فروجتين يخلقهما الله من البياض، ويتغذيان بالمحين، لأن الفراريج تخلق من البياض والصفرة غذاؤها.

10- الطرماح:

فيا ليل كمش غبر الليل مصعدا ... ببم ونبه ذا العفاء الموشح

إذا صاح لم يخذل وجاوب صوته ... حماش الشوى يصدحن من كل مصدح

11- جران العود «1» :

(5/404)

ماذا يؤرقني والنوم يعجبني ... من صوت ذي رعثات ساكن الدار

كأن حماضة في رأسه نبتت ... من آخر الصيف قد همت بإثمار

12- كان لمزيد ديك قديم كان يكرم عليه، فحضر العيد وليس معه شيء، فخرج إلى المصلى وأمر امرأته بذبحه واتخاذه طعاما. فأرادت أخذه فذهب يخرق السطوح وهي تتبعه، فسألها جيرانه وهم قوم هاشميون عن موجب ذبحه، فوصفت لهم الحال، فقالوا: ما نرضى بأن يبلغ الاضطرار بأبي إسحاق ما نرى. فأرسل إليه هذا شاة، وهذا شاتين، وهذا بقرة، حتى امتلأت داره. فجاء وسمع الثغاء والخوار، فقال: ما هذا؟ فقصت القصة؟ فقال: كان هذا الديك أكرم على الله من نبيه إسماعيل، فدي بذبح واحد وفدي هذا بما أرى.

13- أهدى هلال بن الحريش إلى عبد الرحمن بن الأشعث دجاجة فائقة قد أعجب بسمنها، فأخرج إليه كتابا من الحجاج أن أبعث إلي برأس هلال، فتغير وأرعد. فقال: لا عليك يا هلال، لا نأكل دجاجتك ونبعث إليه برأسك، والله لا يصل إليك حتى يصل إلي. فأنشأ يقول:

وابنفسي دجاجة لم تخني ... وضعت لي نفسي مكان الأنوق

فرجت كربة المنية عني ... بعد ما كدت أن أغص بريقي

يا ابن قيس ويا ابن خير بني كن ... دة بين الأشج والصديق

إن شكري شكر الطليق من القت ... ل ووجدي عليك وجد الشفيق

14- أبو المنذر، وأبو اليقظان، وأبو برايل، وأبو عقبة، كنى

(5/405)

الديك. الموصلي: سمعتني أعرابية وأنا أنشد:

وكأس مدام يحلف الديك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأنور

فقالت يا أبا محمد، إن الديك من صالح طيوركم ما كان ليحلف بالله كاذبا.

15- إسماعيل بن أبير الواقدي:

نبهتها سحرا والليل معتكر ... والديك يمزج تصفيقا بتصويت

16- ابن الأعرابي: قلت لشيخ من قريش: من علمك هذا؟ قال:

علمني من علم الحمامة على بلهها تقليب بيضها كي تعطي الوجهين جميعا نصيبهما من الحضن.

17- كان الصحابة يقولون: كونوا بلها كالحمام، عنوا أنها مع بلهها مصلحة أمر نفسها وفراخها.

18- خرؤ الحمام «1» نافع من الرمل والحصا، يقتمح منه وزن درهمين مع مثله دار صيني.

19- الهداية في الحمام لا تكون إلا في الخضر والثمر منها، وأما الشديد السواد فكالزنجي القليل المعرفة. والأبيض ضعيف القوة. وإذا خرج الجوزل «2» عن بيضته علم أبواه أن حلقه لا يتسع للغذاء، فلا يكون لهما هم إلا أن ينفخا في حلقه الريح لتتسع حوصلته بعد التحامها، ثم يعلمان أنه لا يحتمل في أول غذائه أن يزق بالطعم فيزقانه باللعاب المختلط بقواهما وقوى الطعم ويسمى اللبأ. ثم يعلمان أن حوصلته تحتاج إلى دبغ

(5/406)

فيأكلان من شورج أصل الحيطان. وهي شيء بين الملح الخالص والتراب، فيزقانه به فإذا علما أنه قد دبغ زقاه الحب الذي قد غب في حواصلهما ثم بالذي هو أطرأ فأطرأ حتى يتعود، فإذا علما أنه قد أطاق اللقط منعاه بعض المنع ليحتاج ويتشوف فتطلبه نفسه وتحرص عليه. فإذا فطماه وبلغا منتهى حاجته إليهما نزع الله تلك الرحمة منهما، وأقيل بهما على طلب نسل آخر. فسبحان من عرف الخلائق وأتقنها وسواها، وجعلها دلالة لمن استدل بها عليه، ومخبرا صادقا لمن استخبرها عنه. ذلك الله رب العالمين.

20- بعضهم: رأيت حمامة ذكرا له أنثيان، وقد باضتا منه، فهو يحتضن مع هذه وهذه، ويزق معهما.

21- الجاحظ: وللحمام من الفضيلة والمفخر أن الواحدة تباع بخمسمائة دينار، ولم يبلغ ذلك شيء من الطير غيره، وهو الهادي الذي جاء من الغابة. قال: ولو دخلت بغداد والبصرة وجدت ذلك بلا معاناة.

ولو حدث أن برذونا أو فرسا بلغ خمسمائة دينار لكان سحرا.

وتباع البيضة الواحدة منه بخمسة دنانير، والفرخ بعشرين. فمن كان له زوجان منه قاما في الغلة مقام ضيعة. وأصحابه يبنون من أثمانه الدور الجياد والحوانيت المغلة، هو مع ذلك ملهى عجيب، ومنظر أنيق، ومعتبر لمن فكر.

22- جهم بن خلف:

وقد هاج شوقي أن تغنت حمامة ... مطوقة ورقاء تصدح في الفجر

هتوف تبكي ساق حر ولن ترى ... لها دمعة يوما على نحرها تجري «1»

(5/407)

تغنت بصوت فاستجاب لصوتها ... نوائح بالأصناف في فنن السدر «1»

إذا فترت كرت بلحن شج لها ... يهيج للصب الحزين جوى الصدر

دعتهن مطراب العشيات والضحى ... بصوت يهيج المستهام على الذكر

فلم أر ذا وجد يزيد صبابة ... عليها ولا ثكلى تبكي على بكر

فأسعدتها بالنوح حتى كأنها ... نوائح هبت يلتدمن على قبر «2»

بسرة واد من تبالة مونق ... كسا جانبيه الطلح واعتم بالزهر «3»

فقلت لقد هجتن صبا متيما ... حزينا وما منكن واحدة تدري

23- أكلت حية بيض مكاء «4» ، فجعل المكاء يشرشر على رأسها ويدنو منها، حتى إذا فتحت الحية فاها تريده وهمت به ألقى فيه حسكة، فأخذت بحلقها حتى ماتت.

24- كان من دعاء مكحول: يا رازق الغراب في عشه. وذلك أن الغراب إذا فقس عن فراخه فقس عنها بيضا فينفر عنها، فتفتح أفواهها فيرسل ذبابا تدخل في أفواهها فتكون غذاء لها، حتى إذا اسودت انقطع الذباب وعاد الغراب يغذيها.

(5/408)

25- أنشد ثعلب:

وصاح ببينهم من بطن قو ... من الغربان شحاج حجول «1»

من اللائي لعن بكل أرض ... فليس لهن في أرض قبول

يناصرن النوى فإذا اتلأبت ... ركاب القوم واقلولى الحمول

يبادرن الديار يجلن فيها ... وبئس من المليحات البديل

26- الحارثي:

أقول وقد صاح ابن دأية غدوة ... بين النوى لا أخطأتك الشبائك

أفي كل يوم رائعي أنت روعة ... ببيونة الأحباب عرسك فارك «2»

ولا بضت في خضراء ما عشت بيضة ... وضاقت برحباها عليك المسالك

27- تعلم الحبارى «3» أن سلاحها يدبق ريش الصقر، فترميه به، ثم تجتمع عليه الحباريات فينتفن ريشه طاقة طاقة حتى يموت. وكذلك الحبارى تموت كمدا إذا انحسر عنها ريشها ورأت صويحباتها تطير.

28- وفي ديوان المنظوم «4» :

(5/409)

وهل للحبارى بعد عشرين ريشة ... تساقطها حمقا فتتلف بالكمد

مطايرة الشهم الأثيث جناحه ... إذا ساق كدري السماوة فاطرد

وهل يستطيع القرد والقرد ما به ... لضابثه طرف مصاولة الأسد

29- الطركلة «1» تتسافد بالأستاه. والحجلة تكون في سفالة الريح، واليعقوب في علاوتها، فتلقح كما تلقح النخلة من الفحال «2» بالريح.

30- الجاحظ: أي شيء أعجب من العقعق، وصدق حسه، وشدة حذره، وحسن معرفته، ثم ليس في الأرض طائر أشد تضييعا لبيضه وفراخه منه.

31- والحبارى مع أنها أحمق تحوط بيضها وفراخها أشد الحياطة.

32- استلب عقعق مرة سخابا «3» كريما لقوم، فاتهموا به أعرابية، فبينا هي تضرب إذ مر العقعق والسخاب في منقاره، فصاحوا به فرمى به.

فقالت الأعرابية:

ويوم السخاب من تعاجيب ربنا ... كما أنه من بلدة السوء نجاني

33- شاعر:

إذا بارك الله في طائر ... فلا بارك الله في العقعق

طويل الذنابي قصير الجناح ... متى ما يجد غفلة يسرق

يقلب عينين في رأسه ... كأنهما قطرتا زئبق

(5/410)

34- القطاة لا تبيض إلا أفرادا. قال أبو وجزة:

وهن ينسبن وهنا كل صادقة ... باتت تباشر عرما غير أزواج

35- آخر:

ويصاد القطا فينجو سليما ... بعد يأس ويهلك الصياد

36- ومن الطير ما يؤثر التفرد كالعقاب، ومنه ما يتعايش معا كالكراكي، ومنه ما يتعايش أزواجا كالقطا.

37- كان الرشيد في متصيد له، فأتاه البازيار بدراج أبيض وقال: ما رأيت مثله قط، فقال: أطلقه من يدك، فإن الشيء إذا جاوز حده سمج.

38- تغدى مع الحكم بن أيوب بعض عماله، فتناول من بين يديه درلجة، فاحتقدها عليه فعزله عن عمله، وفيه يقول الفرزدق:

قد كان بالعرض صيد لو قنعت به ... فيه غنى لك عن دراجة الحكم

39- وصف علي بن عبيدة الريحاني الطاووس، ثم قال في آخره:

وما يروق العين منه أكثر مما يحكي اللسان.

40- الصاحب في خط قابوس: هذا جناح الطاووس أم خط قابوس.

41- سأل أعرابي جعفر الصادق عن التوحيد، فتناول بيضة بين يديه فوضعها على راحته وقال: هذا حصن مملق لا صدع فيه، ثم من ورائه عرقيء مستشف، ثم من ورائه دمعة سائلة، ثم من ورائها ذهب مائع، ثم لا تنفك الأيام والليالي حتى تنفلق عن طاووس ملمع. فأي شيء في العالم إلا وهو دليل على أنه ليس كمثله شيء.

42- الظليم «1» يبتلع الحديد المحمى، ثم يميعه بحر قانصته، ثم

(5/411)

يحيله كالماء الجاري. وفي ذلك أعجوبتان: الغذي بما لا يغذو، واستقراؤه لشيء لو طبخ في قدر أبدا لما انحل.

والذي سخر الحديد لجوف الظليم هو الذي سخر الصم الصلاب لأذناب الجراد، إذا أرادت الجرادة أن تلقي بيضها غمزت ذنبها في ضاحي الصخرة فانصدعت لها، وليس ذلك من جهة القوة، ولكن من جهة التسخير. وعود الحلفاء «1» يتلقاه مع رخاوته ودقته في منابته الآجر والخزف الغليظ فيثقبه. وهو الذي سخر القمقم والطنجير والطست لإبرة العقرب حتى نفذت فيها.

وهو كالبعير من جهة المنسم والوظيف والخزامة التي في أنفسه، وكالطائر من جهة الريش والجناحين والذنب والمنقار، ثم ما فيه من شكل الطائر جذبه إلى البيض، وما فيه من شكل البعير لم يجذبه إلى الولادة.

43- ويضربون المثل بالنعامة في التعلق بالعلل، إذا قيل لها إحملي؟ قالت: أنا طائر، وإذا قيل لها طيري، قالت: أنا بعير.

44- قال يحيى بن نوفل:

ومثل نعامة تدعى بعيرا ... تعاظمها إذا ما قيل طيري

وإن قيل إحملي قالت فإني ... من الطير المربة بالوكور

45- ومن أعاجيب النعامة أنها مع عظم عظامها وشدة عدوها لا مخ فيها ومن أعاجيبها أنها مع عظم بيضها تلزه ثم تضعه طولا، حتى لو مددت عليه خيط المطمر مع وجدت لشيء منه خروجا عن الإستواء ثم تعطي كل واحدة نصيبها من الحضن، قال ذو الرمة:

ذاك أم خاضب بالسي مرتعه ... أبو ثلاثين أمسى وهو منفرد

(5/412)

46- وقال ابن أحمر:

وضعن وكلهن على غرار ... حصان الجيب قد وسقت جنينا

ومنها: أن أشد ما يكون لعدوها أن تستقبل الريح، وكلما كان أشعر لعصوفها كان أشد لحضرها، تضع عنقها على ظهرها ثم تخترق الريح.

ومنها: أن الصيف إذا دخل وابتدأ البسر في الحمرة ابتدأ لون وظيفيها في الحمرة، فلا يزالان يزدادان حتى تنتهي حمرة البسر. ولذلك قيل لها خاضب.

ومنها: أنها لا تأنس بالطير ولا بالإبل، وهي مشاكلة للقبيلين.

47- الذئب لا يعرض لبيض النعام وفراخه ما دام الأبوان حاضرين فانهما متى ثقفاه ركبه الذكر فطحره، وأعجلته الأنثى فتركضته، وتسلمه الذكر، فلا يزالان كذلك حتى يقتلاه أو يعجزهما هربا.

48- والنعام يتخذ في الدور، وضرره شديد، لأن النعامة ربما رأت في الجارية قرطا فيه حجر أو حبة لؤلؤ فخطفته فأكلته، وخرمت الأذن. أو رأت ذلك في ليتها فضربت بمنقارها فخرقته.

49- وتقول العرب: ضربان من الحيوان أصمان لا يسمعان: النعام والأفاعي. وعن ابن الأعرابي: كلم أعرابي صاحبه فرآه لا يسمع كلامه ولا يفهم، فقال: أصلخ كصلخ «1»

النعامة.

50- وسأل أبو عمرو الشيباني بعض العرب عن الظليم هل يسمع؟

فقال: يعرف بعينيه وأنفه، لا يحتاج معهما إلى سمع.

51- كل ذي رجلين إذا انكسرت إحداهما استعان في حركته ونهوضه

(5/413)

بالباقية إلا النعامة، فإنها تبقى جاثمة لا تمشي. ولبعض الأعراب وكان له أخ اسمه دحية وكانت امرأته تطرده:

أدحية عني تطردين تبددت ... بلحمك طير طرن كل مطير

فأني وإياه كرجلي نعامة ... على كل حال من غنى وفقير

52- الطرماح في وصف الظليم:

مجتاب شملة برجد لسراته ... قدرا وأسلم ما سواه البرجد

53- الكراكي يجمعها أمير لها كيعسوب «1» النحل، ولا يجمعها إلا أزواجا.

54- العقاب إذا اشتكت كبدها من رفع الأرانب والثعالب في الهواء أكلت من الأكباد حتى تبرأ.

55- قال بشر أخو بشار بن برد له، وكانوا ثلاثة لأم حنفي وسدوسي وعقيلي: لو خيرك الله أن تكون شيئا من الحيوان أي شيء كنت تحب أن تكون؟ قال: عقاب، لأنها تبيت حيث لا ينالها سبع ولا ذو جناحين، وهي معمرة، إن شاءت كانت فوق كل شيء، وإن شاءت كانت بقرب كل شيء، تغدى باليمن. وتعشى بالعراق، ريشها فروها في الشتاء، وخيشها في الصيف. وهي أبصر خلق الله تعالى.

56- العرب: قيل للخفاش: لماذا ليس لك جناح؟ قال: لأني تصوير مخلوق، قيل: فلماذا لا تخرج نهارا؟ قال: حياء من الطيور.

57- العصافير أوالف للناس أوانس: لا تسكن دارا حتى يسكنها إنسان، ومتى سكنتها لم تقم فيها إذا خرج الإنسان فبفراقه تفارق.

وإذا كان زمن الخروج إلى البساتين لم يبق في البصرة عصفور إلا

(5/414)

خرج إليها، إلا ما أقام على بيضه وفراخه، ولذلك قال أبو يعقوب الخريمي:

فتلك بغداد ما تبيت من الوح ... شة في دورها عصافرها

ويدرب العصفور فيستجيب من المكان البعيدة ويرخن. قال الجاحظ: بلغني أن عصفورا درب من ميل.

وليس في الأرض رأس أشبه برأس الحية من رأس العصفور.

وليس في الحيوان الذي يعايش الناس أقصر عمرا منه لكثرة السفاد.

58- أبو منصور الثعالبي:

سقيا لأيام الصبا إذ أنا ... في طلب اللذات عفريت

أصيد كالبازي ولكنني ... أسفد كالعصفور ما شيت «1»

59- ويتميز الذكر من العصافير من أنثاها تميز الديك من الدجاجة، لأن له لحية سوداء، ولا شيء آخر أحنى على ولده من العصفور، وإذا عرض له شيء صاح، فأقبلت العصافير تساعده، وليس لشيء في مثل جسم العصفور مرارا ماله من شدة الوطء «2» ، إذا كنت تحت السطح حسبت وقعه على حجر. والكلب منعوت بشدة الوطء أيضا، والخصيان من كل شيء. وذكورتها لا تعيش إلا سنة. وتجلب الحيات إلى المنازل لحرص الحيات على ابتلاع بيضها وفراخها.

60- كلثوم بن عمرو العتابي:

يا ليلة لي بحوارين ساهرة ... حتى تكلم في الصبح العصافير

61- ويضرب المثل به في سخافة الحلم، قال حسان:

(5/415)

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم ... جسم البغال وأحلام العصافير «1»

62- جنس من العصافير الصغار فرخ طائر يقال له كيول في وزن الحمامة يزقه ويربيه.

63- يعقوب بن الربيع أخو الفضل:

يقطع قلبي بالصدود تجنيا ... ويزعم أني مذنب وهو مذنب

كعصفورة في كف طفل يسومها ... ورود حياض الموت والطفل يلعب

64- نعت إلى أشرف الأشراف أبو الحسن ببغاء في دار الإمارة بمكة مجلوبة من اليمن، وقال: ربما دخلنا وهي تنطق فيحسبه نطق إنسان، وهي تعقد القاف كما يعقدها خلص العرب. وقد وعدني أن تحمل إلي لأشاهدها فما اتفق.

65- قال الجاحظ: وقد يتهيأ لبعض الغربان من الحروف ما لا تفسره الببغاء.

66- جنيد الكاتب الملقب باذنجانة في غلبة وصيف وبغا على المستعين وصدوره عن رأيهما:

مقتسم معتبد ... بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا

67- كان لسعيد بن خالد القرشي طائر اسمه كسرى وفرخ اسمه ساسان، فأكل الفرخ سنور جار يعرف بأنس، فكتب إلى العلاء بن منظور صاحب شرطة الكوفة وهو الذي وهب له كسرى:

يا ابن منظور بن قيس دعوة ... ضوؤها أنور من ضوء القبس

إن ساسان بن كسرى غاله ... في سواد الليل سنور أنس

(5/416)

فأقدنا منه أو أخلفه أو ... خل بين الناس من عز افترس

68- أكثر الحضن في الطيور على الأنثى منها، والذكر لا يحضن إلا في صدر النهار يسيرا، وأما الزق فأكثره على الذكر.

69- وفي الطير جنس لا يقع على الأرض إلا ريثما يضع بيضه في تراب ويغطيه، ثم هو طيار في الهواء أبدا. وبيضه يفقس من نفسه عند انتهاء مدته، فإذا بلغ فرخه الطيران كان كأبويه.

70- الجاحظ: وأي شيء أعجب من طائرين يأتيان من ناحية السند، أحدهما كبير الجثة، يرتفع في الهواء صعدا، والآخر صغير لا يزال يرفرف حوله، ويربق على رأسه، ويطير عند ذناباه، ويدخل تحت جناحه وبين رجليه، فلا يزال حتى يتقيه بذرقه «1» ، فإذا ذرق شحا له فاه، والصغير يعلم أن رزقه وما يعيش في بطنه، فإذا وعاه رجع آخذا فلا يخطىء حلقه. فالكبير يعلم أنه لا يخلصه منه إلا اتقاؤه بذرقه، والصغير يعلم أن رزقه وما يعيش به في بطنه فإذا دعاه رجع آخذا قوت يومه.

71- قيل لجيش ابن الأشعث جيش الطواويس. لكثرة ما كان فيه من الفتيان المنعوتين بالجمال.

72- شاعر:

تظل به الطير صداحة ... تطارح فيه صنوف الغناء

73- النخعي: كانوا يكرهون أن يدفع الطير إلى الصبي يلعب به.

74- زعم الأطباء أنهم استفادوا معرفة الحقنة من الطائر الذي أصابه الحصر، أتى إلى البحر فأخذ بمنقاره من الماء الزعاف ثم مجه في جوفه من قبل ذنبه، وأمكنه ذلك لطول عنقه ومنقاره، ذم ذرق فاستراح.

(5/417)

75- عن ابن عباس: إن الله خلق من زمان موسى عليه السلام طائرا اسمها العنقاء «1» ، لها أربعة أجنحة من كل جانب، وجهها كوجه الإنسان، وأعطاها من كل شيء حسن قسطا، وخلق لها ذكرا مثلها، وأوحى إليه أني خلقت طائرين عجيبين، وجعلت رزقهما في الوحوش التي حول بيت المقدس، وآنستك بهما وجعلتهما زيادة فيما فضلت به بني إسرائيل.

فتناسلا وكثر نسلهما.

فلما توفي موسى عليه السلام انتقلت فوقعت بنجد والحجاز، فلم تزل تأكل الوحوش وتخطف الصبيان إلى أن تنبأ خالد بن سنان العيسى بين عيسى ومحمد. فشكوها إليه. فدعا الله تعالى فقطع نسلها وانقرضت.

76- الجاحظ: الظن يسرع إلى أن البيضة تخرج من جهة التحديد والتلطيف، وإنما تخرج من الجانب الغليظ.

77- ثلاثة أشياء تخبىء الدراهم والدنانير وتفرح بها: العقعق، وابن مقرض «2» ، والفأرة.

78- يدرب العقعق فيتجسيب إذا دعي، وينزجر إذا زجر، ويخبىء الحلى فيصيح به صاحبه فيمضي به حتى يقفه على المكان الذي خبأه فيه، ولكنه لا يتولى البحث عنه.

79- جرف الطاعون أهل بيت فسدوا بابه، وثم طفل لم يشعروا به.

ففتح بعد شهر فإذا الطفل، وثم كلبة مجر قد عطفها الله عليه فكانت ترضعه مع جرائها.

80- وسجن رجل شهرا وقد أغلق بيته على زوجي حمام طيارين وزوجين

(5/418)

مقصوصين، وهو لا يشك في هلاك المقصوصين، فإذا بهما سالمين، قد هدى الله الطيارين إلى رزقهما حتى عاشا.

81- ومن شأن طائر يقال له كاسر العظام أن يزق «1» كل فرخ ضائع بعد التوفر على فراخه.

82- والعقاب تبيض في الغالب ثلاث بيضات، فإذا أفرخت خرجت من عشها واحدا لا تزقه، وتقتصر على الاثنين فيعطف عليه كاسر العظام ويزقه مع شرهه وعظم بطنه.

83- اليراعة: طائر صغير إن طار بالنهار كان كبعض الطير، وإن طار بالليل فكأنه شهاب ثاقب قد قذف به، أو مصباح انفصل عن ذبالة «2» .

84- جاءت عبد الله بن جعفر أعرابية بدجاجة، فقالت: أصلحك الله، إن هذه دجيجة «3» دجنت في حجري، كنت أطعمها من فتوتي، وأنومها على فراشي، والمسها في آناء الليل فكأنما ألمس بنتا على كبدي، وإني نذرت لله عز وجل أن أدفنها في أكرم بقعة، فلم أجد تلك البقعة إلا بطنك، فضحك من قولها، وأمر لها بعشرة أوقار «4» من زبيب وبر.

فقالت: أصلحك الله أن الله لا يحب المسرفين.

(5/419)

الباب السابع والتسعون البعوض، والهمج، والذبان، والفراش والزنابير، والجراد، والجنادب، وما أشبه ذلك

1- النبي صلى الله عليه وسلم: خلق الله ألف أمة، منها ستمائة في البر، وأربعمائة في البحر. فأول ما يهلك الجراد، فإذا هلك تتابعت الأمم.

2- في الجراد نفع للعباد، لأنه يؤكل ويعاش به، ولأنه إذا أصاب زرعا كان لصحابه الثواب إذا صبر والعوض.

3- علي عليه السلام: وإن شئت قلت في الجرادة، إذا خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها «1» ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي شهواتها، وخلقها لا تكون إصبعا مستدقة.

4- أبو زهير الكلبي:

قل لأبي الجودي عند الفجر ... أتاك حصاد بغير أجر

مسربلين في ملاء صفر ... لا يتشكين انقلاب الدهر

(5/421)

5- لعاب الجراد سم لا يقع على شيء إلا أحرقه.

6- المأمون: قالوا أن الذباب إذا دلك على موضع لسعة الزنبور سكن. فلسعني زنبور فحككت على موضع لسعة عشرين ذبابة فما سكن، فقالوا: هذا الزنبور كان حتفا قاضيا، ولولا هذا العلاج لقتلك.

7- زعموا أن رجلا من ولد حليمة «1» ظئر «2» رسول الله كان أصيد خلق الله كلهم، وأحذقهم بالتدريب، وبلغ من حذقه أنه ضرى «3» ذئبا يصطاد به الظباء والثعالب، وسرق منه فرجع إليه من ثلاثين فرسخا.

وضرى أسدا حتى صار أهليا واصطاد به الحمر والبقر وعظام الوحش.

وضرى الزنابير حتى اصطاد بها الذبان.

8- قالوا: إن الزنبور يأخذ الشيء الذي يتخذ منه بيته من زبد المدود، ولا يدري أمن نفس الزبد أم شيء يكون في الزبد. فسبحان من علمه ذلك البناء العجيب، ودله على ذلك الجوهر الغريب.

9- عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

(5/422)

بخصور تحكي خصور الزنا ... بير رقاق هممن بالانقصاف

10- النحل لا يقع على شيء منتن ولا ينزل على العطر.

11- خطب المأمون فوقع ذباب على عينه فطرده، ثم عاد مرارا حتى قطع عليه الخطبة، فلما صلى أحضر أبا الهذيل فقال له: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبابرة. قال: صدقت، وأجازه بمال.

12- قالوا من الله على الناس بالذباب، لأنها تأتي على البخارات التي في الهواء بأجنحتها، ولولاها لتكدر عيشهم من الروائح العفنة التي تتحلل في الحر، وأما في الشتاء فالبرد مانع من تحلل الروائح.

13- الجاحظ: من منافع الذبان أنها تحرق وتخلط بالكحل، فإذا اكتحلت بها المرأة كانت عينها أحسن. ونرى المواشط «1» يستعلمنه ويأمرن به العرائس.

14- من لم يرض بالكفاف وطمحت عيناه إلى ما فوقه، ولم ينظر إلى ما يتخوف أمامه كان مثل الذباب الذي لم يرض بالشجر والرياحين حتى طلب الماء الذي يسيل من أذن الفيل المغتلم «2» ، فيضربه بأذنه فيهلك.

15- ذبان الأسد لا يقوم له شيء، أشد من الزنابير وأضرب من العقارب الطيارة، وهي تعض الأسد كما يعض الكلب ذباب الكلب. ومتى رأت بالأسد أدنى خدش اجتمعن عليه، فلا يقلعن حتى يقتلنه.

16- تأذى الصاحب «3» بالذباب فقال: هذا ذباب «4» السيف لا ذباب الصيف.

17- عنترة:

(5/423)

وخلا الذباب به فليس ببارح ... هزجا كفعل الشارب المترنم

غردا يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم

18- النحل تجتمع فتقسم الأعمال بينها، فبعضها يعمل العسل، وبعضها يعمل الشمع، وبعضها يبني البيوت، وبعضها يستقي الماء.

19- الجاحظ: من علم البعوضة أن وراء جلد الجاموس دما، وأن ذلك الدم غذاء لها، وأنها متى طعنت في ذلك الجلد الغليظ المتين الصلب نفذ فيه خرطومها مع ضعفه على غير معاناة. ولو أنك طعنت فيه بسلاءة «1» شديدة المتن، رهيفة الحد لانكسرت.

20- الجاحظ: غضب صاحب المسلحة على ملاح في أجمة البصرة، فجرده للبعوض مقموطا، فصاح: اقتلني أي قتلة شئت وأرحني، فأبى، فصاح ساعة، ثم عاد صياحه إلى الأنين ثم خفت. فنظرت فإذا هو ميت، وهو أشد سوادا من الزنجي، وأشد انتفاخا من الزق المنفوخ وذلك كله بين العشاءين.

وحكيت أنا الحكاية لعربي، فذكر أن البعوض يقتل البرذون في ساعة.

21- شاعر:

لنعم البيت بيت أبي دثار ... إذا ما خاف بعض القوم بعضا

22- البعض عض البعوض، أو دثار كنية البيت الرقيق الذي يقال له الكلة «2» .

(5/424)

23- بق البطاح مثل، كجرارات الأهواز «1» ، وعقارب شهرزور «2» ، وربما ظفرت بالسكران النائم فلا يبقى منه إلا عظام عارية.

24- أبو إسحاق الصابي:

وليلة لم أذق من حرها وسنا ... كأن في جوها النيران تشتعل

أحاط بي عسكر للبق ذو لجب ... ما فيه إلا شجاع قاتل بطل «3»

من كل شائلة الخرطوم طاعنة ... لا تمنع الحجب مسراها ولا الكلل «4»

طافوا علينا وحر الصيف يطبخنا ... حتى إذا نضجت أجسادنا أكلوا

25- يقال للبعوض الأحدب الطنان، والمغنى المعنى.

26- راجز:

إذا تغنين غناء الزط ... وهن مني بمكان القرط

فثق بوقع مثل وقع الشرط.

27- آخر:

يلدغ جلدي شرر النيران ... من طائر يزمر في الآذان

28- في ديوان المنظوم «5» :

أقول لنازل البستان طوبى ... لعيشك ثم يسكتني البعوض

يململه فليس به قرار ... ويثخنه فليس به نهوض

عماه قرصه وطنينه أنى ... يبيت وعينه فيها غموض

(5/425)

كأنك حين يهذي بالأغاني ... تكرر في مسامعك العروض

29- حدث شيخ من أهل اليمامة قال: رأيت بعيرا قد نهشته أفعى فقتلته، وكل شيء حواليه من الطير والسباع التي أكلت منه ميت، وإذا عليه بعوض كثير. فقلت في نفسي:

ما الذي مجته في هذا الجسم العظيم وما هي إلا في وزن عرق من عروقه حتى قتلته وفسخته؟ وحتى ذاقت هذه السباع منه فهلكت. وأعجب من ذلك أن هذا الخلق الضعيف المهين يأكل منه فلا يضره. فطارت واحدة فوقعت على وجهي، فتورم رأسي، وحملت إلى منزلي في محمل، وتناثر شعر وجهي ورأسي، وعولجت بأنواع العلاج فبقيت أقرع أمرط «1» .

30- لرجل من بني حمان وقع في جند الثغور. «2»

أأنصر جند الشام ممن يكيدهم ... وأهلي بنجد ذلك حرص على النصر

براغيث تؤذيني إذا الناس نوموا ... وبق أقاسيه على ساحل البحر

فإن يك فرض بعدها لا أعدله ... وإن بذلوا حمر الدنانير كالجمر

31- ضرب من الفراش إذا طار بالليل حسبت أن شرارا يطير.

32- إذا نهق الحمار صعق الذباب. قال ابن مقبل:

ترى النعرات الحمر حني لبانه ... أحاد ومثنى أصعقتها صواهله

(5/426)

الباب الثامن والتسعون الحشرات والهوام ونحوها من دواب الأرض، وما اتصل بها وذكر منها

1- خالد بن الوليد سيف الله: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة «1» زوج النبي فوجدت عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قلما يقدم إليه الطعام حتى يحدث به أو يسمي له. فأهوى بيده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله بما قدمتن له، قلن: هو الضب يا رسول الله. فرفع يده، قلت: أحرام الضب يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه، فاجتررته فأكلته ورسول الله ينظر فلم ينهني.

2- جابر: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب، فأبي أن يأكل منه، وقال: لا أدري لعله من القرود التي مسخت.

3- وروى الخدري أن أعرابيا قال له: إني في غائط مضبة وأنه عامة

(5/427)

طعام أهلي، فلم يجبه، فعادوه حتى قال في الثالثة: يا أعرابي، إن الله غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا منها، فلا آكله ولا أنهى عنه.

4- وعن عمر رضي الله عنه: إن الله لينفع به غير واحد، وأنه لطعام عامة الرعاع «1» ، ولو كان عندي لطعمته، وإنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

5- وقال أبو الهندام ولد شبث بن ربعي:

أكلت الظباء فما عفتها ... وإني لأشهى قديد الغنم «2»

وركبت زبدا على تمرة ... فنعم الطعام ونعم الأدم

فأما البسط وحياتكم ... فما زلت منها كثير السقم

وما نلت منها كما نسلتم ... فلم أر فيها كضب هرم

وما في البيوض كبيض الدجا ... ج وبيض الجراد شفاء القرم «3»

ومكن الضباب طعام العريب ... ولا تشتهيه نفوس العجم

6- أطعم جران «4» العود ضيفه ضبا، فهجاه ابن عم له فقال:

وتطعم ضيفك الجوعان ضبا ... كأن الضب عندهم غريب

فأجابه:

ولولا أن أصلك فارسي ... لما عبت الضباب ومن قراها «5»

7- آخر:

قربت للضيف من أضب كشاها ... وأي لوية إلا كشاها «6»

(5/428)

اللوية ما يرفع للشيخ أو الصبي من الطعم الطيب.

8- وأنشد الجاحظ:

إنك لو ذقت الكشي بالأكباد ... لما تركت الضب يمشي بالواد

9- حضر بدوي من بني هلال مائدة الفضل البرمكي، فذم الفضل أكله وأفرط، وتابعه القوم فأفرطوا، فغاظ ذلك الهلالي، فلم يلبث الفضل أن أتى بصحفة من فراخ الزنابير ليتخذ منها زماورد، وقد رأى ذلك بخراسان فاستظرفه. فخرج الهلالي وهو يقول:

وعلج يعاف الضب لؤما وخسة ... وبعض أدام العلج هام ذئاب «1»

ولو أن ملكا كابر الحق معلنا ... لقالوا لقد أوتيت فصل خطاب

10- آخر:

لعمري لضب بالعنيزة صائعة ... تضحى عرار فهو ينفخ كالقرم

أحب إلينا أن يجاور أرضنا ... من السمك النهري والسلجم الوخم «2»

11- الأصمعي: يبلغ الحسل «3» مائة سنة ثم تسقط سنة فحينئذ يسمى ضبا.

12- لا يحفر الضب إلا في كدية «4» ويطيل الحفر حتى تفنى براثنه، ويتوخى الارتفاع عن مجاري الماء ومداق الحوافر. وقد علم أنه قليل الهداية فلا يحفر إلا عند أكمة أو صخرة أو شجرة، ويمعن في حجره، ويجعل عند ذنبه عقربا يتقي بها يد الحارض «5» .

(5/429)

13- أنشد يحيى بن منصور الذهلي:

وبعض الناس أنقض رأي حزم ... من اليربوع والضب المكون

يرى مرداته من رأس ميل ... ويأمن سيل بارقة هتون

ويحفر في الكدى خوف انهيار ... ويحمل مكره رأس الوجين «1»

ويخدع أن رأيت له احتيالا ... رواغ الفهد من أسد كمين

ويدخل عقربا تحت الذنابي ... ويعمل كيد ذي خدع ضنين

14- رأى بعض الفقهاء رجلا يأكل الضب، فقال: اعلم أنك أكلت شيخا من مشيخة بني إسرائيل.

15- أخذ لبدوية ضب تشق في حبالتها، فاسعدت الوالي، فعرض عليها عشرة أضب، فأبت أن ترضى، وقالت، إن ضبي ليس كالضباب، ضبي سبحل «2» حائل أعور عنين «3» ، ضب بكلدة، لم ير ضبة ولم تره، فلم تزل حتى افتدوا منها ببكر من الإبل.

16- أعرابي:

فلو كان هذا الضب لا ذنب له ... ولا كشية ما مسه الدهر لامس

ولكنه من أجل طيب ذنيبه ... وكشيته دبت إليه الدهارس «4»

17- الضبة ترمي بمكنها «5» ثمانين وتدعه أربعين يوما، ثم تجيء بعد الأربعين فتبحث عن مكنها فإذا حسلة يتعادين، فتأكل منه ما قدرت عليه.

18- وذنب الضب أخشن من السفن، وهو سلاحه وقد أعطي فيه من

(5/430)

القوة نحو ما أعطيت العقاب في كفها، فربما ضرب الحية فقطعها أو قدها.

19- وخرء «1» الضب صالح للكوكب «2» في العين، وقد يتداوى به الأعراب من وجع الظهر.

20- أبو حية العكلي: كانت الضبة دجاجة، وكانت الأرنب دراجة «3» ، يعني أن الطعمين متشابهان.

21- شاعر:

شديد اصفرار الكشيين كأنما ... تطلى بورس بطنه وشمائله «4»

فذلك أشهى عندنا من نتاجكم ... لحى الله شاريه وقبح آكله «5»

21- إعرابي:

سقى الله أرضا يعلم الضب أنها ... بعيد من الآفات طيبة البقل

بنى بيته فيها على رأس كدية ... وكان أمرا في حرفة العيش ذا عقل

22- وأنشد الأصمعي:

ذكرتك ذكرة فاصطدت ضبا ... وكنت إذا ذكرتك لا أحيب

منحتكم المودة من فؤادي ... ومالي من مودتكم نصيب

23- ومن خصائص الضب طول الذماء بعد الذبح، وهشم الرأس، والطعن الجائف، وطول العمر. ومنه المثل: لا آتيك سن الحسل وإن له نزكين ولأنثاه قرنان. قال:

(5/431)

سبحل له نزكان كانا فضيلة ... على كل حاف في الأنام وناعل «1»

ويشركه في هذا الحرذون والسنقور «2» . ومن الضباب ما له لسانان، ويأكل أولاده كالهرة.

24- الورل «3» يقتل الضب، وهو أشد منه سلاحا. وقد يزيف إلى الإنسان وينفخ ويتوعد.

25- وعن بعض العرب: نجعت ورلا بطرره فنظرت فإذا هو قد عض إبهامي حتى اختفت فيها أسنانه، فلم يخلها حتى عضضت على رأسه، وشققته فإذا في قانصته حيتان عظيمتان، يشدخ رأس الحية ثم يبتلعها، وليس في الحيوان أقوى على أكل الحيات منه، ولا أكثر سفادا حتى لقد طم «4» على العصفور والخنزير والذباب في ذلك. ويغتصب الحية بيتها كما تغتصب الحية بيوت سائر الأحناش والطير.

26- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب بلالا ويمازحه، فرآه يوما وقد خرج بطنه فقال: أم حبين، وهي عظاية لها بطن بارز، وذكرها الحرباء، ويقال لها أم عويف، ويقول لها صبيان العرب:

أم عويف شمري برديك ... إن الأمير غاضب عليك

وضارب بالسوط صفحتيك

فتنشر برديتها وتقوم على رجليها.

وهذا كما تقول للطحن، وهو يشبه أم حبين: أطحن لنا جرابنا، فيطحن بنفسه الأرض حتى يغيب فيها.

27- خطب ابن الأشعث فقال: أيها الناس، أنه ما بقي من عدوكم إلا كما بقي من ذنب الوزغة «5» تضرب بها يمينا وشمالا ثم لا تلبث حتى

(5/432)

تموت. فمر به رجل من بني قشير فقال: قبح الله هذا ورأيه، يأمر أصحابه بقلة الاحتراس وترك الاستعداد.

28- ابن عباس: الوزغ بريد الشيطان لأنه يرسله ليفسد على الناس ملحهم. ورأيت أهل مكة أحرص شيء على قتل الوزغ، وعلى تحصين الملح وحفظه منه. ويقولون: إذا تمرغ فيه تمرغ الدابة في التراب أفسده على صاحبه وحوله إلى مادة لتولد البرص.

29- دخل أعرابي البصرة فاشترى خبزا فأكله الفار، فقال:

عجل رب الناس بالعقاب ... لعامرات البيت بالخراب

كحل العيون وقص الرقاب ... مجررات أجبل الأذناب

كيف لنا بأنمر الإهاب ... منهرت الشدق حديد الناب «1»

كأنما برثن بالحراب ... تفرسها كالأسد الوثاب

30- تزعم العامة أن الفأرة كانت طحانة، والأرضة «2» كانت يهودية، ولذلك يلطخون الأجداع بمرقة لحم الجزور.

31- يجمع بين الفأرة والعقرب في زجاجة، فتقرض إبرتها أولا حتى تتعجل السلامة من لدغتها، ثم تأكلها بعد ذلك.

32- الجرذ إذا خصي أكل الجرذان أكلا لا يقوم له شيء منها. قالوا: الخصي من كل جنس أضعف من الفحل إلا الجرذ، فإن الخصاء يحدث فيه شجاعة وجرأة لا يدع الجرذان الكبار التي غلبت الهررة وبنات عرس «3» إلا قتلها.

(5/433)

33- خرء «1» الفأره نافع من داء الثعلب «2» .

34- من الناس من يمشي إلى الأسد، ويقبض على الثعبان، ولا يقدر أن ينظر إلى الجرذ، ويعتريه عند رؤيته من النفضة «3» والاصفرار ما لا يعتري الصبور على السيف وهو يلاحظ بريقه عند قفاه.

35- بينا عبد الله بن خازم السلمي عند عبيد الله بن زياد إذا هو بجرذ أبيض دخلوا به للتعجب فتجمع ابن خازم حتى كأنه فرخ، واصفر وجهه فقال عبيد الله: أبو صالح يعصى الرحمن، ويتهاون بالشيطان، ويقبض على الثعبان، ويمشي إلى الأسد، ويلقى الرماح بوجهه، وقد اعتراه من جرذ ما ترون. أشهد أن الله على كل شيء قدير.

36- جرذان الأنابير «4» تخرج أرسالا إلى الماء، والجري «5» قد كمن لها وهو فاتح فاه، فإذا عب الجرذ في الماء التهمه.

37- ربما قطعت الفأرة أذن النائم، وفي الفأر ما إذا عض قتل. قال الجاحظ: وأنا رأيت عند ذلك من العظاظ والعفاس «6» ما لا يكون بين شيئين. ويزعمون أنهم لم يروا بين سبعين أو بهيمتين أشد من قتال بين جرذين. ويأتي الجرذ إلى القارورة الضيقة الرأس فيها الدهن، فيضرب بذنبه، فكلما ابتل أخرجه فلطعه، حتى لا يبقى فيها شيئا.

38- الهرة إنما تحتاط في دفن رجيعها «7» وإخفاء رائحته لئلا تشمها

(5/434)

الفأرة فتهرب. وأحسن من هذا أن يلهمها الله ذلك لأنها من الطوافين عليهم والطوافات، لينظروا إلى فعلها فيتعلموا منها إخفاء عذرتهم، ولا يتركوها بارزة مكشوفة، كما هي عادة أكثرهم الذين هم شر من البهائم.

39- ربما كان السنور في الأرض، والفأرة في السقف، فلا يومىء لها ثلاث مرات إلا دير بها فزعا وطاحت فأكلها.

40- أبو زيد الأنصاري: دخلت على رؤبة «1» وإذا هو يمل جرذانا ويأكلها، وقال: إنها خير من اليرابيع والضباب إنها تأكل التمر والخبز.

41- سمع قاص يقول: اللهم أكثر جرذاننا وأقلل صبياننا.

42- الحيات تبتلع الجرذان، وزعموا أنها منتنة الجلود والجروم لذلك، بخلاف الأفاعي فإنها تأكل الفار. وربما كانت الحية في غلظ الإبهام وقد ابتلعت جرذا أغلظ من الذراع.

43- يسقى صاحب الأسر خرء الفار فيطلق، ويحتمله الصبي فيشفيه من الحصر.

44- اطلع رجل من أهل الشام على جرذ أخرج من جحره دنانير كثيرة فركمها وأخذ يلعب بها. ثم أخذ يدخلها في جحره فقام وأخذ الدنانير.

فأقبل الجرذ يثب ويضرب بنفسه الأرض حتى مات.

45- يزعم أهل القاطول «2» أن الفأر يخلق من طينة، وأنهم ربما رأوا الفأرة لم يتم خلقها بعد، فلا يريمون «3» حتى يتم وتتحرك.

46- قال عمرو بن كركرة لأعرابي: أتأكلون القرنبي «4» ؟ قال: طال

(5/435)

والله ما سال ماؤه على شدقيه.

47- الخلد أعمى أصم، يخرج من جحره فيقف على بابه ويفتح فاه، فيجيء الذباب فيسقط على شدقيه أو يمر بين لحييه، فيستدخلها بجذبه النفس، يعلم أنه رزقه وقسمته. ويخرج من جحره ترابا فيضعه حوله، وهو صالح للنقرس «1» يبل بالماء ويطلى به موضعه.

48- من اليربوع واحتياله بما يسوي من محافره التي إذا طلب من هذا خرج من هذا، ومن هذا أخذت الزباء «2» عمل الأنفاق. ومن شأنه أن يمشي على زمعاته في السهولة لئلا يتقصى أثره، كما تؤبر الأرنب.

49- القنفذ إذا نزعت فروه فما هو إلا شحمة قاعدة، والأعراب تستطيبه، وهو صالح للرياح. يشبه به كل دخاس «3» ونمام وناموس لأنه لا يظهر إلا بالليل. قال عبدة بن الطبيب:

قوم إذا دمس الظلام عليهم ... خرجوا قنافذ بالنميمة تمزع

50- ومن القنافذ جنس أعظم من هذه القنافذ، له شوك كصياصي «4» الحاكمة والمداري «5» ، وقد سخر له وذلل وهيئت له، لأنه متى شاء أن يعمل منها شيئا يرمي به الشخص الذي يخافه فعل، وخرج كالسهم الذي

(5/436)

يحفزه الوتر. ونحو شجر الخروع إذا جف حبه في أكمامه تصدعت عنه بعض التصدع حذف به، فربما وقع على أكثر من قاب مح طويل.

51- والبرذون يسقط عليه الذباب فيحرك ذلك الموضع من جسده أي موضع كان، سخره الله له كما مكنه من تحريك ذنبه.

52- ومن الناس من يحرك أذنيه، وربما حرك إحديهما، ومنهم من يبكي بإحدى عينيه، وبالتي يقترحها عليه المعنت. ويحكى عن جوار باليمن أن إحداهن تشخص قرنا من قرون رأسها أي قرن شاءت حتى ينتصب.

53- شاعر:

حمحم بعد حلقه ونورته ... كقنفذ القف اختبى في فروته «1»

54- اعترض رجل عبد الله بن الزبير في خطبته بكلمة، ثم طأطأ رأسه، فقال: ما له قاتله الله ضبح «2» ضبحة الثعلب وقبع قبعة القنفذ.

55- بعضهم: رأيت حية ابتلعت كبشا عظيم القرنين، فلم تقدر على ابتلاع القرنين، فجعلت تضرب به يمنة ويسرة حتى كسرت القرنين وابتلعتهما.

56- يقطع ذنب الحية فتعيش إن أفلت من الذر «3» .

57- قيل إن بالحبشة حيات تطير بها. ويزعمون أن الكمأة تعفن فيخلق منها أفاعي. ومن العجب أن الأفعى لا ترد الماء، ولا تريده، وهي مع ذلك إذا وجدت الخمر شربت منها حتى تسكر.

58- الثعبان عجيب الشأن في إهلاك بني آدم، يلوي على ساق

(5/437)

الإنسان فيكسرها. وليس له إلا النمس، وهي دويبة تدنو منه فينطوي عليها يريد أكلها، فتحتشي ريحا وتزفر زفرة، فينقد الثعبان قطعا. ولولا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر.

59- أبو حيان وأبو يحيى كنية الأفعوان لأنه يعيش ألف سنة.

60- ابن الحجاج وقد وهبت له دابة:

فديت من صيرني راكبا ... ولم أزل أرجل من حية

فديته إن فدائي له ... في قلب من يحده كية

61- رجلة الحية مشيها على بطنها.

62- جلود الحيات لا تفارقها، وإنما الذي يسلخ قشر فوق الجلد، وغلاف يخلق كل عام، كما يسلخ الجنين المشيمة. والطير سلخها تحسيرها. والحوافر سلخها عقائقها. وسلخ الإبل طرحها أوبارها. وسلخ الأيائل نصول قرونها. وسلخ الأشجار إلقاء ورقها.

63- النابغة:

صل صفا لا ينطوي من القصر ... جارية قد صغرت من الكبر

مهروقة الشدقين حولاء النظر ... يفتر عن عوج حداد كالأبر

64- الحرباء ربما رآه الإنسان فتوعده ونفخ وتطاول له حتى يفزع منه من لا يعرفه. وما عنه خير ولا شر.

65- السنقور «1» إنما ينفع أكله إذ صيد في أيام سفاده، لأن لحم الهائج أهيج لآكله.

66- مر ماجن بالمدينة على ملسوع، فقال: أتريد أن أصف لك دواؤك؟ قال: نعم، قال: عليك بالصياح إلى الصباح.

(5/438)

67- سمع عالم رجلا يقول: أنا مثل العقرب أضر ولا أنفع. فقال:

ما أقل علمك! بل لعمري إنها تنفع، إذا شق بطنها ثم شدت على موضع اللسعة، وتجعل في جوف فخار ويشد رأسه وتطين جوانبه ثم توضع في التنور، فإذا صارت رمادا سقي منه من به الحصاة مقدار نصف دانق «1» فتتت الحصاة. وقد تلسع أصحاب ضروب من الحيات فيشفون. وتلقى في الدهن فيجتذب الدهن قواها فيكون مفرقا للأورام الغلاظ. وتلسع الأفاعي فتموت.

68- بعضهم: رأيت بالبادية ناقة قد نهشت الأفعى مشفرها والفصيل يرضعها، فبقيت الناقة سادرة «2» واقفة، وخر الفصيل ميتا قبلها، فتعجبت من سرعة ما سرى السم في لبن ضرعها حتى قتل الفصيل قبل أمه.

69- عقارب القاطول «3» يموت بعضها عن لسع بعض، ولا يموت عن لسعها غير العقارب.

70- لسع أعرابي فخيف عليه، فقيل: ليس شيء خير له من أن تغسل خصية زنجي عرق ويسقى غسالتها، فلما سقوه قطب، فقيل له:

طعم ماذا تجد؟ فقال: طعم قربة جديدة.

71- أرض حمص لا تعيش فيها العقارب، يزعم أهلها أن ذلك لطلسم. وإن طرحت فيها عقرب ماتت من ساعتها.

72- النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله العقرب ما أخبثها! تلسع المؤمن والمشرك، والنبي والذمي.

(5/439)

73- الصاحب: كتبت من قاشان «1» وقد قاسيت من خوف عقاربها ما يقاسيه شيخنا أبو عبد الله من عقارب الأصداغ.

74- ذكروا أن أقتل العقارب عقارب عسكر مكرم «2» ، وأهله يرون أن أصلح ما يعالج به موضع اللسعة مص الحجام «3» ، وربما فصلت ثنايا الحجام من مصه.

75- لسعت عقرب مفلوجا فذهب عنه الفالج. وولد الحامل التي لسعت وربما ماتت ولم تضره. وأشد اللسع أن تلسع أول ما تخرج من جحرها بعد أن أقامت فيه فتوتها.

76- مشايخ الأعراب لا يقتلون ورلا «4» ولا قنفذا، ولا يدعون أحدا يصطادهما، لأنهما يقتلان الأفاعي ويريحان منها.

77- شتم رجل الأرضة. فقال له بكر بن عبد الله المزني: «مه «5» ، فهي التي أكلت الصحيفة التي تعاقد المشركون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

78- الجاحظ: وإن الذي يعجز عن صنعة السرفة «6» وعن تدبير

(5/440)

العنكبوت في قلتها ومهانتها وصغر جرمها، ما ينبغي أن يتكبر في الأرض، ويمشي الخيلاء، ويتهكم في القول، ويتعالى ولا يستثني. وليعلم أن عقله منحة من ربه. وأن استطاعته عارية عنده.

79- إذا قدم القوم ليلة القرب من يصلح لهم أدوات السقي، عرفوا بانتعاش القردان دنوهم، من غير أن يحسوا حسا، فائتزروا وتهيأوا للعمل.

قال ذو الرمة:

إذا سمعت وقع المطي تنعشت ... غشاشها من غير لحم ولا دم

80- احفظ بالأعجام في الغين فقد قل في زماننا المحتفظون به وبأمثاله.

81- الحرقوص دويبة أكبر من البرغوث، وعضها أشد من عضه، وهي متولعة بفروج النساء تولع النملة بالمذاكير. وينبت لها جناحان فتصير فراشة، كما ينبتان للنحلة والجعل «1» .

وقيل الحرقوص البرغوث بعينه، واحتج يقول الطرماح:

ولو أن حرقوصا على ظهر قملة ... يكسر على صفي تميم لولت

ويقال له النهيك، قال أعرابي وقد عض بهن امرأته:

وإني من الحرقوص أن عض عضة ... لما بين رجليها لجد غيور

تطيب نفسي عندما يستفزني ... مقالتها إن النهيك صغير

82- أعرابية:

يا أيها الحرقوص مهلا مهلا ... أإبلا أعطيتني أم نخلا

أم أنت شيء لا- يبالي الجهلا

83- كان أبو هريرة يفلي ثوبه فيلتقط البراغيث ويدع القمل، فقال له أنس، فقال: أبدأ بالفرسان ثم أعكر على الرجالة.

(5/441)

84- الجاحظ: البرغوث أسود أحدب نزاء، قال بعضهم: دبيبها من تحتي أشد علي من عضها. وليس ذلك بدبيب، والكن البرغوث خبيث، يستلقي على ظهره ويرفع قوائمه فيدغدغ بها، فيظن من لا علم له أنه يمشي تحت جنبه.

85- أعرابي:

ليل البراغيث عناني وأنصبني ... لا بارك الله في ليل البراغيث

كأنهن وجلدي إذ خلون له ... أيتام سوء أغاروا في المواريث

86- محبوب بن أبي العشنط النهشلي:

الليل نصفان نصف للهموم فما ... أقضي الرقاد ونصف للبراغيث

أبيت حتى تساميني أوائلها ... أنزو وأخلط تسبيحا بتغريث «1»

سود مداليج في الظلماء مؤذية ... قال المليك لها في جلده عيثي

87- أعرابي:

ألا يا عباد الله من لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض شد مغيرها

فلا الدين ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذي سلاح من معد يضيرها

88- لقي قوم الجهد من براغيث دمشق وأنطاكية، فما خلصهم منها إلا قمص الحرير الصيني، جعلوها طويلة الأردان والأبدان، فناموا مستريحين.

89- أبو الرماح الأسدي:

تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن ... بحنو الغضا ليلي علي يطول

يؤرقني حدب قصار أذلة ... وإن الذي يؤذينه لذليل

إذا جلت بعض الليل منهن جولة ... تعلقن بي أو جلن حيث أجول

إذا ما قتلناهن أضعفن كثرة ... علينا ولا ينعى لهن قتيل

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وليس لبرغوث علي سبيل

(5/442)

90- آخر:

هنيئا لأهل الري طيب بلادهم ... وأن أمير الري يحيى بن خالد

بلاد إذا جن الظلام تظافرت ... براغيثها من بين مثنى وواحد

ديازجة سود الوجوه كأنها ... بغال بريد أرسلت من مذاود «1»

91- القمل لا يحدث من الوسخ أو العرق إذا علاهما ثوب أو ريش أو شعر حتى يكون لذلك المكان عفن وخموم.

92- وعن يحيى بن خالد البرمكي: شيئان يورثان القمل، الإكثار من أكل التين اليابس، وبخار اللبان. وثياب أكثر الناس تقمل إلا ثياب المخدمين المترفين، وربما كان الإنسان قمل الطبع وإن تنظف وتعطر وبدل الثياب.

93- كساء عرض لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام حتى استأذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبس الحرير، فأذن لهما.

94- ويسرع القمل إلى الدجاج والحمام إذا لم يغسل ولم ينظف بيته. ويعرض للقرد، فإذا أصاب قملة رمى بها في فيه.

95- وخرج محمد بن زبيدة في أيام محاربته المأمون متنزها، فرأى دعارا قد تطافروا من الحانات، فأراد أن يدخل عليهم في مساكنهم ويسمع من حديثهم، فقعد ساعة فدبت قملة على ثوبه فتناولها بعض خدمه، فقال: أي شيء تناولت؟ فأخبره، فقال: أرنيها فقد والله سمعت بها وما رأيتها. قال الخادم: فتعجبت من المقادير كيف ترفع رجلا في السماء وتحط آخر في الثرى.

96- وألوان القمل على حسب مقاره، فهو في رأس الأسود أسود، وفي رأس الأبيض أبيض، وفي رأس المختضب أحمر، وفي رأس الأشمط

(5/443)

أبرق، وفي وقت فصول الخضاب يكون أشكل، فإذا أبيض عاد أبيض.

وهكذا تخضر دود البقل وجراده وذبابه.

97- وليس ذلك بأعجب من حرة بني سليم «1» حيث اسود كل شيء فيها من إنسان وبهيمة وطائر وهامة. وبلاد الترك جميع حيواناتها على صور الترك.

98- علي عليه السلام: ألا تنظرون إلى صغير ما خلق الله كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه؟ وفلق له السمع والبصر، وسوى له العظم والبشر، أنظروا إلى النملة كيف في صغر جثتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا يستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها «2» ، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديدان، ولو في الصفا «3» اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراشيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها عجبا، ولقيت من وصفها تعبا، فتعالى الذي أقامها على قوائمها، وبناها على دعائمها. لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه على خلقها قادر.

99- إذا خافت الذرة على الحب أن يفعن أخرجته إلى ظهر الأرض ليجف.

وربما اختارت لذلك الليل، لأن الليل أخفى، وفي القمر لأنها فيه أبصر، وإذا خافت أن ينبت في مكان ند نقرت موضع القطمير «4» من وسط الحبة، وهي تعلم أنها من ذلك الموضع تبتدىء في البنات.

(5/444)

100- وعن لقمان: يا بني لا تكونن الذرة أكيس منك تجمع في صيفها لشتائها.

101- وعن عمر بن عبد العزيز: قاتل الله زيادا، جمع لهم كما تجمع الذرة وحاطهم كما تحوط الأم البرة.

102- الذرة تفلق الحب أنصافا لئلا ينبت فيفسد، وأما الكزبرة فتفلقها أرباعا، لأنها من بين الحب ينبت نصفها. قال الجاحظ: وهذا علم غامض إذا عرفه الفلاح المجرب والأكار «1» الحاذق فقد بلغ الغاية.

103- وتجد من بعيد رائحة شيء لو وضعته على أنفك لم تجد له رائحة، كرجل دجاجة يابسة، تجد رائتحها من جوف جحرها، فإذا تكلفت حملها وأعجزتها استدعت إليها سائر الذر واستعانت بها.

104- إذا نضح باب قرية النمل بماء فيه زرنيخ أو كبريت هجرتها وهربت منها. وتهرب من دخان الميعة «2» ودخان قرن الأيل.

105- الظربان «3» أنتن خلق الله فسوة، تصيب الثوب فلا تذهب حتى يبلى، ويفسو في الهجمة «4» وهي باركة فتتفرق، فلا تجمع إلا بجهد.

ويقال: هما يتسمان ظربانا، إذا تهاجرا. ويدخل جحر الضب فيسد خصاصه وفروجه ببدنه، وهو مستدير لأسفل الجحر حيث أمعن فيه، فما يرسل ثلاثا إلا خرج الضب وأعطى بيده، وكان الموت أهون عليه.

106- ليث عفرين ضرب من العناكب له ست أعين، يصيد الذباب صيد الفهود. إذا رأى الذباب لطى بالأرض وسكن أطرافه، فمتى وثب لم يخطىء.

(5/445)

107- شحمة الأرض: دويبة منقطة بحمرة، كأنها سمكة بيضاء، أعرض من الغطاية «1» ، تشبه كف المرأة بها.

108- قملة النسر إذا سقطت استحالت منها دويبة خبيثة أكبر من القملة تكون بمهرجان «2» تفسخ الإنسان بأوحى من الإشارة باليد.

109- إذا أقربت «3» العقرب أكل أولادها جلد بطنها وخرقته حتى تخرج، وقد ماتت الأم وقيل في ذلك:

وحاملة لا تكمل الدهر حملها ... تموت وينمى حملها حين تعطب

110- العقارب القتالة تكون بشهزور «4» ، وقرى الأهواز، وعقارب نصيبين «5» من شهرزور، لأنهم حوصروا ورموا في المجانيق بكيزان محشوة من عقارب حتى توالدت هناك.

111- صيد العقرب أن تشك جرادة في طرف عود، وتدخل في جحرها، فتعلق بها. وتدخل فيه خوط كراث فلا تبقى فيه عقرب إلا تبعته.

وهذا آخر الكتاب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقد أبطل الله كل طلاق سبق علي تنزيل طلاق سورة الطلاق 5هـ

  المقدمة الأولي /التفصيل القريب و الصواب في التفصيل الاتي 1= نزلت أحكام الطلاق في ثلاث سور قرانية أساسية تُشرِّع قواعده علي المُدرَّج ال...