سورة الطلاق مشاري

**

 المصحف المرتل ختمة كاليفورنيا

** ///

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الخميس، 6 أكتوبر 2022

ج7.الكتاب سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

 

ج7.الكتاب سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر

ويكون على مثال فعاليلٍن وهو قليل، قالوا: كنابيلٌ، وهو اسم ولا نعلم في الكلام فنعليل ولا فعاليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على مثال فعلليلٍ مضعفاً، قالوا: عرطليل، وهو صفة، وعفشليل وهو صفة. ومثله: جلفريزٌ، وغلفقيقٌ، وقفشليل، وقمطريرٌ، ولا نعلمه جاء اسماً.
وأما الألف فتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعالل في الاسم والصفة. فالاسم: برائل، والخجادب، وعتائد. والصفة: الفرافص، والعذافر. وما لحقه من الثلاثة نحو دواسرٍ. وقد بين لحاقها ثالثة نحو كنابيل.
ويكون على مثال فعاللى، وهو قليل: قالوا: جخادبى، وهو اسم. وقد مد بعضهم وهو قليل فقالوا: جخادباء.
ويكون على مثال فعالل وفعاليل فيهما؛ نحو: قراشب، وحبارج، وقناديد، وقناديل، وغرانيق.
وتلحق رابعة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعلال في الاسم والصفة. فالاسم نحو: حملاق؛ وقنطار، وشنعاف. والصفة نحو: سرداحٍ، وشنعافٍ، وهلباج. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلال إلا المضاعف من بنات الأربعة الذي يكون الحرفان الآخران منه بمنزلة الأولين، وليس في حروفه زوائد، كما أنه ليس في مضاعف بنات الثلاثة نحو: رددت، زيادةٌ. ويكون في الاسم والصفة؛ فالاسم نحو الزلزال، والجثجاث، والجرجار، والرمرام، والدهداه. والصفة نح: الحثحاث، والحقحاق، والصلصال، والقسقاس.
ولم يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ ولكن ألحق بقنطارٍ، نحو: جلبابٍ، وجريال وجلواخٍ. ولا نعلم المضاعف جاء مكسور الأول إلا في المصدر نحو: الزلزال، والقلقال.
ويكون على فعلالاء وهو قليل، قالوا: برناساء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلالٍ نحو: قرطاسٍ، وقرناسٍ. ولا نعلمه جاء صفة. وما ألحق به من بنات الثلاثة الحبنطي ونحوه.
ويكون على مثال فعنلال، وهو قليل في الكلام نحو: الجحنبار وهو صفة، والجعنبار وهو صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة الفرنداد.
ويكون على مثال فعلالٍ في الاسم والصفة. فالاسم الجنبار والسنمار. والصفة: الطرماح والشقراق، والشنفار. وما زيد فيه الألف من بنات الثلاثة فألحق بهذا البناء نحو: جلبابٍ، لأن التضعيف قبل الألف وآخر الحروف، كما أن التضعيف في طرماحٍ كذلك، فألحقوا هذا بطرماحٍ إذ كان أصله الثلاثة وكان مضعفاً، كما ألحقوا الفرنداد. لأنك لو لم تلحق الألف كان مثالهما واحداً، وكان أصلهما من الثلاثة، كأنك قلت: جلببٌ وفرنددٌ. ويكون على مثال فعللاء في الأسماء نحو: برنساء، وعقرباء، وحرملاء. ولا نعلمه جاء وصفاً.
ويكون على مثال فعللاء، وهو قليل، قالوا: القرفصاء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللاء وهو قليل، قالوا: طرمساء وجلحطاء وهما صفتان.
وما لحقه من الثلاثة: جربياء. ولا نعلم مثال فعللاء ولا فعللالٍ ولا فعليلال ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره، ولكنه قد جاء على مثال فعللاء، هندباء، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللانٍ في الاسم والصفة، نحو: عقربانٍ، وقردمانٍ، وعرقصانٍ. والصفة نحو: العردمان، والدحسمان، ورقرقان.
ويكون على مثال فعللانٍ، وهو قليل في الكلام، قالوا: الحنذمان وهو اسم، وحدرجانٌ، وهو صفة.
ويكون على مثال فعللانٍ وهو قليل، قالوا: شعشعانٌ وهو صفة. والاسم: زعفرانٌ.
وتلحق خامسة للتأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى في الأسماء، وذلك نحو: جحجبى، وقرقرى، والقهقهرى، وفرتنى. ولا نعلمه جاء صفة. وما لحقه من بنات الثلاثة: الخيزلى ونحوه.
ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهندىب، وهو اسم.
ويكون على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: الهربذى، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلى وهو قليل. قالوا: السبطرى وهو اسم، والضبغطى، وهو اسم.
ويكون على فعلى وهو قليل، قالوا: الصنفى، وهو اسم.
ويكون على مثال فعلى وهو قليل، قالوا: الصفقى وهو اسم، والدفقى وهو صفة.
وقد بينا ما لحقته الألف سادسة للتأنيث نحو: برنساء فيما مضى بتمثيل بنائه، وسابعة نحو برناساء. ولا نعلم في الكلام فعللاء ولافعللاء والألف للتأنيث أو لغير التأنيث، أو شيئاً من هذا النحو لم نذكره فيما لحقته الألف خامسة.
وأما النون فتلحق ثانيةً فيكون الحرف على مثال فنعلٍّ في الاسم والصفة وهو قليل. فاصفة: كنتألٌ، وقنفخرٌ. والاسم: خنثعبةٌ.
ويكون على مثال فنعللٍ وهو قليل، قالوا: كنهبلٌ، وهو اسم.

وتلحق ثالثة فيكون الحرف على مثال فعنللٍ في الصفة نحو: حزنبلٍ، وعبنقسٍ، وفلنقسٍ. وقد جاء في جحنفلٍ اسماً، ولا نعلمه جاء إلا وصفاً.
ويكون على مثال فعنللٍ في الاسم وهو قليل، قالوا: عرنتنٌ، وقرنفلٌ. وقد بينا ما لحقته ثالثة فيما مضى بتمثيل بنائه. ولا نعلم في الكلام فعنلل ولا فعنلل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
وما لحق من بنات الثلاثة بحزنبلٍ فنحو: عفنججٍ، وضفنددٍ. وحزنبلٌ هو الذي لحق من الأربعة ببنات الخمسة. وما لحق ببنات الخمسة مما فيه النون ثانية: قنفخرٌ، ألحق بجردحل.
بابٌ لحاق التضعيف فيه لازم
كما ذركت لك في بنات الثلاثة فإذا ألحقت من موضع الحرف الثاني كان على مثال فعلٍّ في الصفة؛ وذلك العلكد، والهلقس، والشنغم. ولا نعلمه جاء إلا صفة.
ويكون على مثال فعللٍ في الاسم والصفة وهو قليل. قالوا: الهمقع وهو اسم، والزملق وهو صفة، ودملصٌ وهو صفة.
ويكون على مثال فعلٍّ في الصفة نحو: الشمخر، والضمخر، والدبخس. ولا نعلمه جاء اسماً. ولا نعلم في الكلام على مثال فعلٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الهمرش.
وتلحق من موضع الثالث فيكون الحرف على مثال فعللٍ في الاسم والصفة. فالاسم: الشفلح، والهمرجة، والغطمش. والصفة: العدبس، والعملس، والعجنس.
ويكون على مثال فعللٍ وهو قليل. قالوا: الصفرق والزمرد وهما اسمان.
وقد بينا ما لحقه التضعيف من موضع الثالث فيما مضى بتمثيل بنائه نحو طرماح. وما لحقه من الثلاثة من نحو عدبسٍ: زونكٌ، وعطودٌ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
ويلحق من موضع الرابع فيكون الحرف على مثال فعللٍ وذلك: سبهللٌ، وقفعدد. ولا نعلمه إلا وصفاً.
ويكون على مثال فعلل في الاسم والصفة فالاسم نحو: عربد. والصفة نحو: قرشب، والهرشف، والقهقب.
ويكون على مثال فعللٍّ في الصفة نحو، قسعبٍّ وقسحبٍّ، وطرطبٍّ. ولا نعلمه جاء اسماً.
ولا يلحق به من بنات الثلاثة شيءٌ؛ ولكنهم قد ألحقوا بهرشفٍّ نحو علودٍّ. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍّ ولا فعللٍّ ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره.
باب تمثيل الفعل من بنات الأربعةمزيداً أو غير مزيد
فإذا كان غير مزيدٍ فإنه لا يكون إلا على مثال فعلل؛ ويكون يفعل منه على مثال يفعلل، ويفعل على مثال يفعلل؛ والاسم منه على مثال يفعلل ويفعلل إلا أن موضع الياء ميمٌ. وذلك نحو: دحرج يدحرج ومدحرجٌ ومدحرجٌ.
وتدخل التاء على دحرج وما كان مثله من بنات الأربعة فيجري مجرى تفاعل وتفعل، فألحق هذا ببنات الثلاثة كما لحق فعل ببنات الأربعة. وذلك نحو: تدحرج لأنه في معنى الانفعال فأجري مجراه، ففتحت زوائده الهمزة والياء والتاء والنون.
وتلحق النون ثالثة ويسكن أول الحرف فيلزمه ألف الوصل في الابتداء، ويجري مجرى استفعل، وعلى مثاله في جميع ما صرف فيه، وذلك نحو: احرنجم. فهذه النون بمنزلة النون في انطلق. واحرنجم في الأربعة نظير انطلق في الثلاثة فيجري مجراه، كما جرى تدحرج مجرى تفعل.
وتلحق آخره الزيادة من موضع غير حروف الزوائد، فيلزم التضعيف، ويسكن أول حرف منه فيلزم ألف الوصل في الابتداء، ويكون على استفعل في جميع ما صرف فيه، وذلك نحو: اقشعررت، واطمأننت. فأجروه واحرنجم على هذا، كما أجروا فعل وفاعل وأفعل على دحرج.
ونظيره من الثلاثة: احمررت، فجرى عليه كما جرى فاعل وفعل على دحرج. واحمررت بمنزلة الانفعال. ألا ترى أنه لا يعمل في مفعول.
فهذا جميع أفعال بنات الأربعة مزيدة وغير مزيدة. وقد بينا المصدر مع مصادر بنات الثلاثة.
ولا نعلم أنه جاء شيءٌ من الأسماء والوصف مزيداً وغير مزيد إلا وقد ذكرناه، وبين شركة الزوائد وغير الشركة في الفصل، كما بين في بنات الثلاثة.
باب تمثيل ما بنت العربمن الأسماء والصفات من بنات الخمسة

وليس لبنات الخمسة فعلٌ، كما أنها لا تكسر للجمع، لأنها بلغت أكثر الغاية مما ليس فيه زيادةٌ، فاستثقلوا أن تلزمهم الزوائد فيها، لأنها إذا كانت فعلاً فلابد من لزوم الزيادات، فاستثقلوا ذلك أن يكون لازماً لهم، إذ كان عدده أكثر عدد ما لا زيادة فيه، ودعاهم ذلك إلى أن لم يكثر في كلامهم مزيداً ولا غير مزيد، كثرة ما قبله، لأنه أقصى العدد.
وقد ألحق به من الثلاثة كما ألحقوا بالأربعة وهو قليل؛ لأن الخمسة أقل من الأربعة.
والحرف من بنات الخمسة غير ميد يكون على مثال فعلل في الاسم والصفة. فالاسم: سفرجلٌ، وفرزدقٌ، وزبرجدٌ. وبنات الخمسة قليلة. والصفة نحو: شمردلٍ، وهمرجلٍ، وجنعدلٍ. وما لحق بهذا من بنات الثلاثة: عثوثلٌ. ولم يكن ملحقاً ببنات الأربعة لأنك لو حذفت الواو خالف الفعل فعل بنات الأربعة. وكذلك حبربرٌ وصمحمحٌ؛ لأنك لو حذفت الزيادة الأخيرة، وهي الراء لم يكن فعل ما بقي على مثال فعل الأربعة، لأنه ليس في الكلام مثل حبرب، ولو حذفت الباء لصار إلى حبر، فلم يصر على مثال الأربعة فإنما ألحقوا هذا ببنات الخمسة كما ألحقوا جدولاً ونحوه ببنات الأربعة. وقد بينت ما ألحق ببنات الأربعة، من بنات الثلاثة.
ثم ألحق ببنات الخمسة كما ألحق ببنات الأربعة، وذلك نحو: جحنفل، ألحق ببنات الخمسة، ثم ألحق به عفنججٌ كما ألحق جحنفل. فكل شيء من بنات الأربعة كان على مثال الخمسة فهو ملحق به.
وما كان من بنات الثلاثة إذا لم يكن فيه إلا زيادة واحدة يكون على مثال الأربعة؛ فإنه إذا كان بزيادة أخرى على مثال جحنفل ملحق بالخمسة كما ألحق بالخمسة الذي هو ملحق به؛ وذلك إذا طرحت إحدى الزيادتين اللتين بلغ بهما مثال جحنفل، فكان ما يبقى يكون بمنزلة بنات الأربعة في الاسم والفعل. وعقنقل بمنزلة عثوثل، النون فيه بمنزلة الواو في عثوثل. وصمحمحٌ ملحق بالخمسة مع الثلاثة؛ وألنددٌ.
ويكون على مثال فعللل في الصفة، قالوا: قهبلسٌ، وجحمرشٌ، وصهصلقٌ. ولا نعلمه جاء اسماً. وما لحقه من الأربعة: همرشٌ.
ويكون على فعللٍ في الاسم والصفة، وذلك نحو، قذ عملٍ وخبعثن. والاسم نحو: قذ عملةٍ.
ويكون على فعللٍّ. فالاسم نحو: قرطعبٍ وحنبتر. والصفة نحو: جردحلٍ، وحنزقر، وما لحقه من الثلاثة: إزمولٌ، لأن الواو قبلها فتحة وليست بمد فإنما هي هنا بمنزلة النون في ألندد. وكذلك إرزب، الرائد الباء كنون ألنددٍ.
وما لحق به من بنات الأربعة: فردوسٌ وقرشبٌ، كما لحق قفعددٌ بسفرجلٍ. وكذلك ما لحقته زيادةٌ وكان على مثال الخمسة، ولم تكن الزيادة حرف مد كألف بجادٍ. كما فعلت ذلك بعقنقلٍ وعثوثل.
باب ما لحقته الزيادة من بنات الخمسةفالياء تلحق خامسةً فيكون الحرف على مثال فعلليلٍ في الصفة والاسم. فالاسم: سلسبيلٌ، وخندريسٌ، وعندليبٌ. والصفة: دردبيسٌ، وعلطميسٌ، وحنبريت، وعرطبيسٌ.
ويكون على مثال فعليلٍ في الاسم والصفة. فالاسم نحو: خزعبيلٍ. والصفة نحو: قذعميل، وخبعبيل وبلعبيس، ودرخميلٍ.
وتلحق الواو خامسة فيكون الحرف على مثال فعللولٍ نحو: عضرفوطٍ وهو اسم، وقرطبوسٍ وهو اسم، ويستعور وهو اسم.
وتلحق الألف سادسة لغير التأنيث فيكون الحرف على مثال فعللى وهو قليل. قالوا: قبعثرى وهو صفة، وضبغطرى وهو صفة.
ويكون على مثال فعللول وهو قليل، وهو صفة، قالوا: قرطبوس. ولا نعلم في الكلام على مثال فعللٍ ولا فعللٍ ولا فعللٍ، ولا فعليل ولا شيئاً من هذا النحو لم نذكره. ولم نعلم أنه جاء في الاسم والصفة شيءٌ لم نذكره من الخمسة.
باب ما أعرب من الأعجميةاعلم أنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة، فربما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه.
فأما ما ألحقوه ببناء كلامهم فدرهمٌ، ألحقوه ببناء هجرع. وبهرجٌ ألحقوه بسلهبٍ. ودينارٌ ألحقوه بديماسٍ. وديباجٌ ألحقوه كذلك. وقالوا: إسحاق فألحقوه بإعصار، ويعقوب فألحقوه بيربوع، وجوربٌ فألحقوه بفوعلٍ.
وقالوا: آجورٌ فألحقوه بعاقول. وقالوا: شبارق فألحقوه بعذافرٍ. ورستاقٌ فألحقوه بقرطاس. لما أرادوا أن يعربوه ألحقوه ببناء كلامهم كما يلحقون الحروف بالحروف العربية.

وربما غيروا حاله عن حاله في الأعجمية مع إلحاقهم بالعربية غير الحروف العربية، فأبدلوا مكان الحرف الذي هو للعرب عربياً غيره، وغيروا الحركة وأبدلوا مكان الزيادة، ولا يبلغون به بناء كلامهم، لأنه أعجمي الأصل، فلا تبلغ قوته عندهم إلى أن يبلغ بناءهم. وإنما دعاهم إلى ذلك أن الأعجمية يغيرها دخولها العربية بإبدالها حروفها، فحملهم هذا التغيير على أن أبدلوا. وغيروا الحركة كما يغيرون في الإضافة إذا قالوا هنيٌّ نحو زبانيٍ وثقفيٍ. وربما حذفوا كما يحذفون في الإضافة، ويزيدون كما يزيدون فيما يبلغون به البناء وما لا يبلغون به بناءهم، وذلك نحو: آجرٍِّ، وإبريسم، وإسماعيل، وسراويل، وفيروز، والقهرمان.
قد فعلوا ذا بما ألحق ببنائهم وما لم يلحق من التغيير والإبدال، والزيادة والحذف، لما يلزمه من التغيير.
وربما تركوا الاسم على حاله إذا كانت حروفه من حروفهم، كان على بنائهم أو لم يكن، نحو: خراسان، وخرمٍ، والكركم.
وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ولم يغيروه عن بنائه في الفارسية نحو: فرند، وبقمٍ، وآجرٍ، وجربزٍ.
باب اطراد الإبدال في الفارسيةيبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم: الجيم، لقربها منها. ولم يكن من إبدالها بدٌّ؛ لأنها ليست من حروفهم. وذلك نحو: الجربز، والآجر، والجورب.
وربما أبدلوا القاف لأنها قريبةٌ أيضاً، قال بعضهم: قربزٌ، وقالوا: كربقٌ، وقربقٌ.
ويبدلون مكان آخر الحرف الذي لا يثبت في كلامهم، إذا وصلوا، الجيم وذلك نحو: كوسه، وموزه؛ لأن هذه الحروف تبدل وتحذف في كلام الفرس، همزةً مرةً وياءً مرةً أخرى. فلما كان هذا الآخر لا يشبه أواخر كلامهم صار بمنزلة حرفٍ ليس من حروفهم. وأبدلوا الجيم، لأن الجيم قريبة من الياء، وهي من حروف البدل. والهاء قد تشبه الياء، ولأن الياء أيضاً قد تقع آخرةً. فلما كان كذلك أبدلوها منها كما أبدلوها من الكاف. وجعلوا الجيم أولى لأنها قد أبدلت من الحرف الأعجمي الذي بين الكاف والجيم، فكانوا عليها أمضى.
وربما أدخلت القاف عليها كما أدخلت عليها في الأول، فأشرك بينهما، وقال بعضهم: كوسقٌ، وقالوا: كربقٌ، وقالوا: قربقٌ.
وقال الراجز:
يا ابن رقيعٍ هل لها من مغبق ... ما شربت بعد طوى القربق
من قطرةٍ غير النجاء الأدفق
وقالوا: كيلقةٌ.
ويبدلون من الحرف الذي بين الباء والفاء: الفاء نحو: الفرند، والفندق. وربما أبدلوا الباء لأنهما قريبتان جميعاً، قال بعضهم: البرند.
فالبلد مطردٌ في كل حرف ليس من حروفهم، يبدل منه ما قرب منه من حروف الأعجمية.
ومثل ذلك تغييرهم الحركة التي في زور، وآشوب: فيقولون: زورٌ وأشوبٌ، وهو التخليط؛ لأن هذا ليس من كلامهم.
وأما ما لا يطرد فيه البدل فالحرف الذي هو من حروف العرب، نحو: سين سراويل، وعين إسماعيل، أبدلوا للتغيير الذي قد لزم، فغيروه لما ذكرت من التشبيه بالإضافة، فأبدلوا من الشين نحوها في الهمس، والانسلال من بين الثنايا، وأبدلوا من الهمزة العين، لأنها أشبه الحروف بالهمزة.
وقالوا: قفشليلٌ فأتبعوا الآخر الأول لقربه في العدد لا في المخرج.
فهذه حال الأعجمية فعلى هذا فوجهها. إن شاء الله.
باب علل ما تجعله زائداً
من حروف الزوائد وما تجعله عن نفس الحرففمن حروف الزوائد ما تجعله إذا لحق رابعاً فصاعداً زائداً إبداوإن لم يشتق منه ما تذهب فيه الزيادة، لا تجعله من نفس الحرف إلا بثبتٍ، ومنها ما تجعله من نفس الحرف ولا تجعله زيادةً إلا بثبتٍ.
فالهمزة إذا لحقت أولاً رابعة فصاعداً فهي مزيدة أبداً عندهم. ألا ترى أنك لو سميت رجلاً بأفكلٍ وأيدعٍ لم تصرفه. وأنت لا تشتق منهما ما تذهب فيه الألف. وإنما صارت هذه الألف عندهم بهذه المنزلة وإن لم يجدوا ما تذهب فيه مشتقاً، لكثرة تبينها زائدة في الأسماء والأفعال، والصفة التي يشتقون منها ما تذهب فيه الألف؛ فلما كثر ذلك في كلامهم أجروه على هذا.
ومما يقوى على أنها زائدة أنها لم تجىء أولاً في فعلٍ فيكون عندهم بمنزلة دحرج. فترك صرف العرب لها وكثرتها أولاً زائدة، والحال التي وصفت في الفعل يقوى أنها زائدة. فإن لم تقل ذلك دخل عليك أن تزعم أن ألحقت بمنزلة دحرجت.

فإن قيل: تذهب الألف في يفعل فلا تجعلها بمنزلة أفكلٍ قيل: ذهبت الهمزة كما ذهبت واو وعد في يفعل، فهذه أجدر أن تذهب إذ كانت زائدة، وصار المصدر كالزلزال، ولم يجدوا فيه كالزلزلة، للحذف الذي في يفعل، فأرادوا أن يعوضوا حرفاً يكون في نفسه بمنزلة الذي ذهب: فإذا صير إلى ذا صير إلى ما لم يقله أحد.
وأما أولقٌ فالألف من نفس الحرف، يدلك على ذلك قولهم: ألق الرجل وإنما أولق فوعلٌ، ولولا هذا الثبت لحمل على الأكثر.
وكذلك الأرطى؛ لأنك تقول: أديمٌ مأروطٌ. فلو كانت الألف زائدةً لقلت مرطيٌّ.
والإمر فعلٌ لأنه صفةٌ، فيه من الثبت مثل ما قبله.
والإمرة والإمعة، لأنه لا يكون إفعلٌ وصفا.
وأولقٌ من التألق، وهو كذنبٍ مثل هيخ.
ومنبج الميم بمنزلة الألف، لأنها إنما كثرت مزيدةً أولاً، فموضع زيادتها كموضع الألف، وكثرتها ككثرتها إذا كانت أولاً في الاسم والصفة. فلما كانت تلحق كما تلحق، وتكثر ككثرتها ألحقت بها.
فأما المعزى فالميم من نفس الحرف، لأنك تقول معزٌ، ولو كانت زائدةً لقلت عزاءٌ، فهذا ثبتٌ كثبت أولقٍ.
ومعد مثله للتمعدد، لقلة تمفعلٍ.
وأما مسكينٌ فمن تسكن. وقالوا: تمسكن مثل تمدرع في المدرعة.
وأما منجنيقٌ فالميم منه من نفس الحرف؛ لأنك إن جعلت النون فيه من نفس الحرف فالزيادة لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الأسماء من أفعالها نحو مدحرج وإن كانت النون زائدة فلا تزاد الميم معها، لأنه لا يلتقي في الأسماء ولا في الصفات التي ليست على الأفعال المزيدة في أولها حرفان زائدان متواليان. ولو لم يكن في هذا إلا أن الهمزة التي هي نظيرتها لم تقع بعدها الزيادة لكانت حجة. فإنما منجنيقٌ بمنزلة عنتريسٍ، ومنجنونٌ بمنزلة عرطليل. فهذا ثبتٌ. ويقوي ذلك مجانيق ومناجين.
وكذلك ميم مأججٍ وميم مهدد، لأنهما لو كانتا زائدتين لأدغمت كمردٍ ومفرٍّ، فإنما هما بمنزلة قردد.
وأما مرعزاء فهي مفعلاء، وكسرة الميم ككسرة ميم منخرٍ ومنتنٍ. وليست كطرمساء. يدلك على ذلك قولهم: مرعزى كما قالوا: مكورى للعظيم الروثة، لأنها مكورةً. وقالوا: يهترى.
فليس شيء من الأربعة على هذا المثال لحقته ألف التأنيث، وإنما كان هذا فيما كان أوله حرف الزوائد. فهذا دليل على أنها من بنات الثلاثة، وعلى أن الياء الأولى زائدة.
ولا نعلم في الأربعة على هذا المثال بغير ألف.
وقالوا: يهيرٌّ فحذفوا كما حذفوا مرعزى. وقال بعضهم مكورٌّ ومكورى: العظيم الروثة. وسمعت مكورى: المملوء فحشاً.
وأما الألف فلا تلحق رابعة فصاعداً إلا مزيدة، لأنها كثرت مزيدة كما كثرت الهمزة أولاً، فهي بمنزلتها أولاً: ثانيةٌ وثالثةٌ ورابعةٌ فصاعداً، إلا أن يجيء ثبتٌ. وهي أجدر أن تكون كذلك من الهمزة، لأنها تكثر ككثرتها أولاً، وأنه ليس في الكلام حرف إلا وبعضها فيه أو بعض الياء والواو. فأما الثبت الذي يجعلها بدلاً من حرف هو من نفس الحرف فكل شيء تبين لك أنه من الثلاثة من بنات الياء والواو.
وتكون رابعةً وأول الحرف الهمزة أو الميم، إلا أن يكون ثبتٌ أنهما من نفس الحرف. وذلك نحو: أفعى وموسى، فالألف فيهما بمنزلتها في مرمىً، فإذا لم يكن ثبتٌ فهي زائدةٌ أبداً، وإن لم نشتق من الحروف شيئاً تذهب فيه الألف، وإلا زعمت أن مثل ألف الزامج والعالم إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كجعفر، وأن السرداح بمنزلة الجردحل. وإنما فعل هذا لكثرة تبينها لك زائدةً في الكلام كتبين الهمزة أولاً وأكثر.
ويدخل عليك أن تزعم أن كنابيلا بمنزلة قذعميل، وأن مثل اللهاب إن لم يشتق منه ما تذهب فيه الألف كهدملةٍ. فإن قلت ذا قلت ما لا يقوله أحد. ألا ترى أنهم لا يصرفون: حنبطىً ولا نحوه في المعرفة أبداً وإن لم يشتقوا منه شيئاً تذهب فيه الألف، لأنها عندهم بمنزلة الهمزة.
فإن قلت في نحو حبنطىً: ألفه من نفس الحرف، لأنه لم يشتق منه شيء تذهب فيه الألف. قيل: وكذلك سرداحٌ بمنزلة جردحل، والباصر والزامج والرامك، كجعفر.

فأما ما جاء مشتقاً من نحو حبنطىً ليست فيه ألف حبنطىً فنحو معزىً ونحو ذفرى ولا تنوين فيها، وعلقىً وتترىً، وحلباةٍ، وسعلاةٍ، لأنك تقول: حلبت واستسعلت. وسائر موقعها زائدةً أكثر من ذا، فهي كالهمزة أولاً في أحمر وأربع ونحوهما. وكإصليتٍ وأرونانٍ، وإنما هو من الصلت والرون. وإمخاض وإحلاب. وألنددٍ وإنما هو من اللدد. وأسكوبٍ من السكب. فأشباه هذا ونحوه كأحمر وأربعٍ.
وأما قطوطىً فمبنية أنها فعوعلٌ، لأنك تقول: قطوانٌ فتشتق منه ما يذهب الواو ويثبت ما الألف بدلٌ منه.
وكذلك: ذلولىً؛ لأنك تقول: اذلوليت، وإنما هي افعوعلت.
وكذلك شجوجىً وإن لم يشتق منه؛ لأنه ليس في الكلام فعولىً، وفيه فعوعلٌ، فتحمله على القياس. فهذا ثبتٌ.
فعلى هذا الوجه تجعل الألف من نفس الحرف كما جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف، حيث قال، العجاج:
بشيةٍ كشية الممرجل
الممرجل: ضربٌ من ثياب الوشي.
فإن قيل: لا يدخل الزامج ونحو اللهابة؛ لأن الفعل منهما لا يكون فيهما إلا بذهاب الحرف الذي يزاد. فالألف عنده مما لم يشتق فتذهب منه بدل من ياء أو واوٍ،كألف حاحيت، وألف حاحى ونحوه.
وكذلك الياء وإن ألحق بها الحرف ببناء الأربعة، لأنها أخت الألف في كثرة اللحاق زائدةً. فكما جعلت ما لحق ببنات الأربعة وآخره ألفٌ زائد الآخر نحو علقىً وإن لم تشتق منه شيئاً تذهب فيه الألف، كذلك تفعل بالياء لأنها أختها.
فمما اشتق مما فيه الياء وألحق ببنات الأربعة فذهبت منه فنحو: ضيغمٍ، تقول: ضغمت. ونحو هينغٍ، تقول: هانغت. وميلعٍ إنما هي من ملعت. وحذيم إنما هي من حذمت. فكما اشتقوا حذام للمرأة اشتقوا حذيماً للرجل. والعثير إنما هو من عثرت.
ومن ذلك قولهم: تجعبيت، وجعبيته، وإنما هي من تجعب وجعبته. وسلقيته لأنك تقول سلقته. وقلسيته وتقلسى؛ لأنهم يقولون تقلس وتقلنس.
ومن ذلك قولهم في عيضموزٍ: عضاميز، وفي عيطموسٍ: عطاميس فلو كانت من نفس الحرف كضاد عضرفوطٍ لم تكسر على هذا الجمع.
ومن ذلك ياء عفريةٍ وزبنيةٍ، لأنك تقول: عفرٌ، وتقول: عفره وزبنه.
وأما ما لا يجيء على مثال الأربعة ولا الخمسة، فهو بمنزلة الذي يشتق منه ما ليس فيه زيادة، لأنك إذا قلت: حماطةٌ ويربوعٌ كان هذا المثال بمنزلة قولك: ربعت وحمطت، لأنه ليس في الكلام مثل سبطرٍ ولا مثل دملوجٍ. وهذا النحو أكثر في الكلام من أن أجمعه لك في هذا الموضع، ولكنه قد مضى في الأبنية.
فالياء كالألف في كثرة دخولها زائدة، وفي أن إحدى الحركات منها، فلما كانت كذلك ألحقت بها.
ومثل العيطموس في الحذف: سميدعٌ، قالوا: سمادع.
فأما يهيرٌّ فالزيادة فيه أولاً، لأنه ليس في الكلام فعيلٌّ. وقد ثقل في الكلام ما أوله زيادة. ولو كانت يهيرٌ مخففة الراء كانت الأولى هي الزيادة، لأن الياء إذا كانت أولاً فهي بمنزلة الهمزة. ألا ترى أن يرمعاً بمنزلة أفكلٍ لأنها تلحق أولاً كثيراً، فلما كان الحد لو قلت أهيرٌ كانت الألف هي الزائدة فكذلك الياء، كما كانت تكون زائدة لو قلت: إهيرٌ، لأن أصبعاً لو لم يشتق منها ما تذهب منه الألف كانت كأفكلٍ، فجعلت الياء بمنزلتها، لأنها كأنها همزة، واستوى إهبرٌ وأهيرٌ من قبل أن الهمزة إذا كانت أولاً فالمكسورة كالمفتوحة، وكذلك المضمومة. ألا ترى أنك تسوي بين أبلم وإثمدٍ وأفكلٍ.
وأما يأجج فالياء فيها من نفس الحرف، لولا ذلك لأدغموا كما يدغمون في مفعل ويفعل من رددت. فإنما الياء ههنا كميم مهدد.
وأما يستعور فالياء فيه بمنزلة عين عضرفوطٍ، لأن الحروف الزوائد لا تلحق بنات الأربعة أولاً إلا الميم التي في الاسم الذي يكون على فعله، فصار كفعل بنات الثلاثة المزيد.
وكذلك ياء ضوضيت من الأصل؛ لأن هذا موضع تضعيف بمنزلة صلصلت، كما أن الذين قالوا غوغاءٌ فصرفوا جعلوها بمنزلة صلصالٍ.
وكذلك ياء دهديت فيما زعم الخليل؛ لأن الياء شبيهةٌ بالهاء في خفتها وخفائها. والدليل على ذلك قولهم: دهدهت، فصارت الياء كالهاء.
ومثله: عاعيت، وحاحيت، وهاهيت؛ لأنك تقول: الهاهاة والحاحاة والحيحاء، كالزلزلة والزلزال. وقد قالوا: معاعاة كقولهم: معترسةٌ.

وقوقيت بمنزلة ضوضيت وحاحيت، لأن الألف بمنزلة الواو في ضوضيت، وبمنزلة الياء في صيصية، فإذا ضوعف الحرفان في الأربعة فهو كالحرفين في الثلاثة، ولا تزيد إلا بثبت، فهما كياءي حييت.
وكذلك الواو إن ألحقت الحرف ببنات الأربعة والأربعة بالخمسة، كما كانت الألف كذلك والياء.
فما ألحق ببنات الخمسة بالألف فنحو حبركي؛ وبالياء فنحو سلحفيةٍ على مثال قذعملةٍ. وحبركي على مثال سفرجلٍ. وكذلك الواو كثرتها ككثرتهما، ولأن إحدى الحركات منها. فكثرة تبين هذه الحروف زائدةً في الأسماء والأفعال التي يشتقون منها ما تذهب فيه بمنزلة الهمزة أولاً، إلا أن يجيء ثبتٌ.
وصارت هذه الحروف أولى أن تكون زائدة من الهمزة؛ لأن مواضعها زائدةً أكثر في الكلام، ولأنه ليس في الدنيا حرفٌ يخلو من أن يكون إحداها فيه زائدةً أو بعضها.
فما اشتق مما فيه الواو وهو ملحق ببنات الأربعة فذهبت فيه الواو فنحو قولك في الشوحط: شحطت، وفي الصومعة: صمعت، والصومعة إنما هي من الأصمع. وقالوا: صومعت كما قالوا: قلسيت وبيطرت.
ومثل ذلك: جهورٌ وجهورت، وإنما هي من الجهارة. والجراول إنما هي من الجرل. والقسور إنما هي من الاقتسار. والصوقعة إنما هي من الأصقع وعنفوانٌ إنما هي من الاعتناف.
ومثل ذلك: القرواح، إنما هي من القراح. والدواسر، إنما هي من الدسر. فأما ورنتلٌ فالواو من نفس الحرف لأن الواو لا تزاد أولاً أبداً والوكواك كذلك، ولا تجعل الواو زائدة لأنها بمنزلة القلقال. والتاء كذلك، ولا تجعل الرابعة زائدة لأنها بمنزلة العقنقل.
وأما قرنوةٌ فهي بمنزلة ما اشتققت مما ذهبت فيه الواو نحو: خروعٍ فعولٍ، لأنه من التخرع والضعف؛ لأنه ليس في الكلام على مثال قحطبةٍ. فالواو والياء بمنزلة أختهما. فمن قال قرواحٌ لا تدخل؛ لأنها أكثر من مثل جردحل فما جاء على مثال الأربعة فيه الواو والياء والألف أكثر مما ألحق به من بنات الأربعة. ومن أدخل عليه سرداحاً قيل له اجعل عذافرةً كقذعملةٍ.
فما خلا هذه الحروف الثلاثة من الزوائد والهمزة والميم أولاً فإنه لا يزاد إلا بثبت.
فمما يبين لك أن التاء فيه زائدة التنضب؛ لأنه ليس في الكلام على مثال جعفرٍ، وكذلك التتفل والتتفل، لأنهم قد قالوا التتفل. وليس في الكلام على مثال جعفرٍ، فهذا بمنزلة ما اشتق منه ما لا تاء فيه.
وكذلك ترتبٌ وتدرأ لأنهن من رتب ودرأ. وكذلك: جبروتٌ وملكوتٌ، لأنهما من الملك والجبرية. وكذلك عفريتٌ لأنها من العفر، وكذلك: عزويتٌ؛ لأنه ليس في الكلام فعويلٌ. وكذلك الرغبوت والرهبوت، لأنه من الرغبة والرهبة. وكذلك التحلىء، والتحلئة، لأنهما من حلأت وحلئت. وكذلك التتفلة لأنها سميت بذلك لسرعتها، كما قيل ذلك للثعلب. قال الراجز:
يهوى بها مراً هوىً التتفله
وكذلك السنبتة من الدهر، لأنه يقال سنبةٌ من الدهر. وكذلك: التقدمية لأنها من التقدم. وكذلك التربوت لأنه من الذلول، يقال للذلول مدربٌ فأبدلوا التاء مكان الدال، كما قالوا الدولج في التولج فأبدلوا الدال مكان التاء، وكما قالوا ستةٌ فأبدلوا التاء مكان الدال ومكان السين، وكما قالوا: سنبنتىً وسبندىً، واتغروا وادغر، وأصله ائتغر، فاشتركا في هذا الموضع.
والعنكبوت والتخربوت، لأنهم قالوا عناكب. وقالوا العنكباء فاشتقوا منه ما ذهبت فيه التاء. ولو كانت التاء من نفس الحرف لم تحذفها في الجميع، كما لا يحذفون طاء عضرفوطٍ. وكذلك تاء تخربوت لأنهم قالوا: تخارب.
وكذلك تاء أختٍ وبنتٍن وثنتين وكلتا، لأنهن لحقن للتأنيث وبنين بناء ما لا زيادة فيه من الثلاثة. كما بنيت سنبتةٌ بناء جندلة. واشتقاقهم منها ما لا زيادة فيه دليلٌ على الزيادة.
وكذلك تاءٌ هنتٍ في الوصل ومنتٍ، تريد: هنه ومنه. وكذلك التجفاف، والتمثال، والتلقاء؛ لأنك تشتق منهن ما تذهب فيه التاء.
وكذلك التنبيت والتمتين؛ لأنهما من المتن والنبات. ولو لم تجد ما تذهب فيه التاء لعلمت أنها زائدة، لأنه ليس في الكلام مثل قنديل.

ومثل ذلك: التنوط، لأنه ليس في الكلام في الاسم والصفة على مثال فعللٍ، وهو من ناط ينوط. وكذلك التهبط، لأنه من هبط. ولو لم تجد ناط وهبط لعرفت ذلك، لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك التبشر لأنه من بشرت. ولو لم تجد ذلك لعرفت أنه زائد، لأنه ليس في الكلام على مثال فعللٍ. وكذلك: ترنموتٌ من الترنم. وإنما دعاهم إلى أن لا يجعلوا التاء زائدةً فيما جاءت فيه إلا بثبت، لأنها لم تكثر في الأسماء والصفة ككثرة الأحرف الثلاثة والهمزة والميم أولاً. وتعرف ذلك بأنك قد أحصيت كل ما جاءت فيه إلا القليل إن كان شذ. فلما قلت هذه الأشياء في هذه المواضع صارت بمنزلة الميم والهمزة رابعة. وإنما كثرتها في الأسماء للتأنيث إذا جمعت، أو الواحدة التي الهاء فيها بدل من التاء إذا وقفت.
ولا تكون في الفعل ملحقة ببنات الأربعة. فكثرتها في الأسماء فيما ذكرت لك، وفي الأفعال في افتعل واستفعل وتفاعل وتفوعل وتفعل وتفعول وتفعيل. وكثرت في تفعلٍ مصدراً، وفي تفعالٍ وفي التفعيل ولا تكون إلا مصدراً.
وليس كثرتها في الأفعال والمصدر أولاً نحو تردادٍ وثانية نحو استردادٍ، وفي الأسماء للتأنيث - تجعل سوى ما ذكرت لك من الأسماء والصفة زائدةً بغير ثبت، لأنها لم تكثر فيهما في هذه المواضع، فلو جعلت زائدة لجعلت تاء تبع وتنبالةٍ وسبروتٍ وبلتع ونحو ذلك زائدةً لكثرتها في هذه المواضع، ولجعلت السين زائدة إذا كانت في مثل سلجمٍ لأنها قد كثرت في استفعلت، ولجعلت الهمزة زائدةً في كل موضع إذ كثرت أولاً. ألا ترى أنك لم تجعل الواو في ورنتلٍ زائدة لأنها لا تزاد أولاً، ولا الياء في يستعورٍ لأنها لا تزاد أولاً في الأربعة. فإنما تنظر إلى الحرف كيف يزاد وفي أي المواضع يكثر.
فأما الأحرف الثلاثة فإنهن يكثرن في كل موضع، ولا يخلو منهن حرف أو من بعضهن، إلا أن الواو لا تلحق أولاً ولا الياء أولاً فيما ذكرت لك. ثم ليس شيءٌ من الزوائد يعدل كثرتهن في الكلام، هن لكل مدٍّ، ومنهن كل حركة، وهن في كل جميعٍ. وبالياء الإضافة والتصغير، وبالألف التأنيث. وكثرتهن في الكلام وتمكنهن فيه زوائد أفشى من أن يحصى ويدرك، فلما كن أخواتٍ وتقاربن هذا التقارب أجرين مجرىً واحداً.
وكذلك النون وكثرتها في الانصراف، وفي الفعل إذا أكدت بالخفيفة والثقيلة، وفي الجمع والتثنية. فهذه النونات لا يلزمن الحرف، إنما هن كتاء التأنيث وهاء التأنيث في الوقف. وتكثر في فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فذا ههنا بمنزلة ما جمع بالتاء. فهذه في الكثرة نظائر ما ذكرت لك من التاء. فالنون نحو التاء، ولها خاصتها في الفعل. ثم لا يكثر لزومها للواحد اسماً وصفة كلزوم ألف أحمر والميم أولاً. ويكثر فعلانٌ مصدراً، فإنما هي كالتاء في تفعيلٍ وتفعالٍ مصدراً.
وأما فعلان فعلى فالنون فيه بدلٌ كهمزة حمراء، وليست بأصلٍ نحو هاء التأنيث في الوقف، ولا تجعلها زائدة فيما خلا ذا إلا بثبت كما فعلت ذلك بالتاء. ولم تكثر في الاسم والصفة ككثرة الهمزة في أفعل وفي سائر الأبنية أولاً وفي الفعل. فهي والتاء لا تعدلان الهمزة أولاً ولا الميم أولاً، لأن الميم زائدة أولاً لازمة لكل اسم من الفعل المزيد، وأنها لازمة لكل فعل في مفعولٍ ومفعل ونحوهما، فهي كالهمزة في الكثرة أولاً.
ومما يقوى أن النون كالتاء فيما ذكرت لك أنك سميت رجلاً نهشلاً أو نهضلاً أو نهسراً صرفته، ولم تجعله زائداً كالألف في أفكلٍ، ولا كالياء يرمعٍ، لأنها لم تمكن في الأبنية والأفعال كالهمزة أولاً، ولا كالياء وأختيها في الكلام، لأنهن أمهات الزوائد. ولو جعلت نون نهشلٍ زائدة لجعلت نون جعثنٍ زائدة، ونون عنترٍ زائدة، وزرنبٍ. فهؤلاء من نفس الحرف كما أن تاء حبترٍ من نفس الحرف. فليس للتاء والنون تمكن الهمزة في الاسم والصفة والفعل أولاً، ولا تمكن الميم أولاً.

ومما جعلته زائداً بثبت: العنسل، لأنهم يريدون العسول. والعنبس، لأنهم يريدون العبوس. ونون عفرنى، لأنها من العفر، يقال للأسد عفرتي. ونون بلهنيةٍ، لأن الحرف من الثلاثة كما تقول عيشٌ أبله. ونون فرسنٍ لأنها من فرست. ونون خنققيقٍ، لأن الخنققيق الخفيفة من النساء الجريئة. وإنما جعلتها من خفق يخفق كما تخفق الريح، يقال داهيةٌ خنققيقٌ. فإما أن تكون من خفق إليهم أي أسرع إليهم، وإما أن تكون من الخفق، أي يعلوهم ويهلكهم.
ومن ذلك: البلنصي، لأنك تقول للواحد البلصوص.
ومثل ذلك نون عقنقلٍ وعصنصرٍ، لأنك تقول عقاقيل، وتقول للعصنصر: عصيصير. ولو لم يوجد هذان لكان زائداً، لأن النون إذا كانت في هذا الموضع كانت زائدة. وسنبين ذلك ووجهه إن شاء الله.
والنون من جندب وعنصلٍ وعنظبٍ زائدة لأنه لا يجيء على مثال فعللٍ شيءٌ إلا وحرف الزيادة لازم له، وأكثر ذلك النون ثابتة فيه.
وأما العرضنة والخلفنة فقد تبينتا لأنهما من الاعتراض والخلاف. وكذلك الرعشن، لأنه من الارتعاش. والضيفن، لأنه من الضيف.
والعلجن، لأنه من الغلط. والسرحان والضبعان، لأنك تقول السراح والضباع. وكذلك الإنسان.
فأما الدهقان والشيطان فلا تجعلها زائدتين فيهما، لأنهما ليس عليهما ثبت. ألا ترى أنك تقول: تشيطن وتدهقن، وتصرفهما.
فإنما كثرتها فيما ذكرت لك وفي فعلانٍ وفعلانٍ للجمع. فأما ما خلا ذلك في الأسماء والصفة فإنه قليل. وفي فعلانٍ، وأكثر ذلك في المصادر، فهي في المصدر والجمع كالتاء في الجمع والتفعيل. وفعلانٌ بمنزلة التفعال ثم تحتاج إلى الثبت كما تحتاج التاء.
وإذا جاءك نحو أثعبانٍ وقيقبانٍ فإنك لا تحتاج في هذا إلى الاشتقاق لأنه لم يجىء شيءٌ آخره من نفس الحرف على هذا المثال. فإذا رأيت الشيء فيه من حروف الزوائد شيء، ولم يكن على مثال ما آخره من نفس الحرف فاجعله زائداً، لأن ذلك بمنزلة اشتقاقك منه ما ليس فيه زائدة. فالنون فيما ذكرت لك نحو التاء. ولو شئت لجمع ما هي فيه زائدةٌ سوى ما استثنينا كما استثنيت في التاء، إلا القليل إن شذ.
وأما جندبٌ فالنون فيه زائدة، لأنك تقول جدب، فكان هذا بمنزلة اشتقاقك منه ما لا نون فيه وإنما جعلت جندباً وعنصلاً وخنفساً نوناتهن زوائد لأن هذا المثال يلزمه حرف الزيادة، فكما جعلت النونات فيما كان على مثال احرنجم زائدة لأنه لا يكون إلا بحرف الزيادة، كذلك جعلت النون في هذا زائدة.
ومما اشتق من هذا النحو مما ذهبت فيه النون: قنبرٌ، قالوا: قبرٌ. ولو لم يشتق منه ولا من ترتبٍ لكان علمك بلزوم حرف الزيادة هذا المثال بمنزلة الاشتقاق. وكذلك: سندأوٌ، وحنطأوٌ، للزوم النون هذا المثال والواو.
وإنما صارت الواو هنا بعد الهمزة لأنها تخفى في الوقف، فاختصت بها ليكون لزوم البيان عوضاً في هذا لما يدخلها من الخفاء. وكانت النون أولى بأن تزاد لمن الهمزة لأنها زائدة في وسط الكلام أكثر منها، وإنما لزمت الواو الهمزة لما ذكرت لك.
ونون عرندٍ زائدة، لأنهم يقولون عرد؛ ولأنه ليس في بنات الأربعة على هذا المثال.
وكذلك خنفساء وعنصلاء وحنظباء، وتفسيره كتفسير عنصلٍ.
وأما العنتريس فمن العترسة، وهي الشدة والغلبة. والذرنوح من ذراح، وهو فعنولٌ.
واعلم أن النون إذا كانت ثالثة ساكنة وكان الحرف على خمسة أحرف، كانت النون زائدة. وذلك نحو: جحنفلٍ، وشرنبث، وحبنطىً، وجلنظىً ودلنظىً، وسرندىً، وقلنسوةٍ، لأن هذه النون في موضع الزوائد، وذلك نحو: ألف عذافرٍ، وواو فدوكسٍ، وياء سميدع. ألا ترى أن بنات الخمسة قليلة، وما كان على خمسة أحرف وفيه النون الساكنة ثالثة يكثر ككثرة عذافرٍ وسرومطٍ وسميدع. فهذ يقوي أنه من بنات الأربعة.
وقد بين تعاورها والألف في الاسم في معنى واحد، وذلك: قولهم رجلٌ شرنبثٌ وشرابثٌ، وجرنفسٌ وجرافسٌ، وقالوا: عرنين وعرتن، فحذفوا النون كما حذفوا ألف علبطٍ. فهذا دليل، وهو قول الخليل.

فلما كانت هذه النون ساكنة في موضع الزوائد التي ذكرت وتكثر الأسماء بها ككثرتها بألف عذافر، جعلوها بمنزلتها. ألا ترى أنك لو حركتها لم تكثر الأسماء بها، لأنها ليست كالألف والياء الساكنة. وإنما جعلناها بمنزلتها حيث سكنت. ألا تراها متحركة تقل بها الأسماء، كما قلت بالواو في موضعها، ولا تجد الياء متحركةً في موضعها. فهذه الحال لا تجعل النون فيها زائدة إلاباشتقاقٍ من الحرف ما ليس فيه نون.
فما اشتق مما هي فيه فذهبت: القلنسوة، وقالوا تقلسيت، وقالوا: الجعنظار، وقالوا: الجعظرى والجعيظير. والسرندى وهو الجريء، وإنما هو من السرد، لأنه يمضي قدماً. والدلنظي، وهو الغليظ، كما قالوا: دلظة بمنكبه، وإنما هو غلظ الجانب: والجحنفل: العظيم، ويقال: جمعٌ جحفلٌ.
فأما إذا كانت ثانية ساكنة فإنها لاتزاد إلا بثبت. وذلك: حنزقرٌ، وحنبترٌ لقلة الأسماء من هذا النحو؛ لأنك لا تجد أمهات الزوائد في هذا الموضع.
وكذلك عندليبٌ؛ لأنه لم يكثر في الأسماء هذا المثال، ولأن أمهات الزوائد لا تقع ثانية في هذا المثال.
وإذا كان الحرف ثانياً متحركاً أو ثالثاً فلا يزاد إلا بثبت، كما لم يزد وهو ثانٍ ساكناً إلا بثبت. وذلك: جنعدلٌ، وشنافرٌ، وخدرنقٌ لقلتها في الكلام، ولقلة مواقع الزوائد في مواضعها.
واعلم أن ما ألحق ببنات الأربعة من لثلاثة فهو بمنزلة الأربعة في النون الساكنة الثالثة. وقد قالوا قلنسوة؛ فهذه النون بمنزلة ألف عفاريةٍ وهباريةٍ فكذلك كل شيءٍ كانت هذه النون فيه ثالثة مما ألحق من بنات الثلاثة بالأربعة. وعفاريةٌ تلحق بعذافرةٍ.
وأما كنهبل فالنون فيه زائدة؛ لأنه ليس في الكلام على مثال سفرجل. فهذا بمنزلة ما يشتق مما ليس فيه نون، فكنهبل بمنزلة عرنتن، بنوه بناءه حين زادوا والنون، ولو كانت من نفس الحرف لم يفعلوا ذلك والعرنتن قد تبينت بعرتنٍ والبناء. وقرنفلٌ مثله، لأنه ليس في الاكم مثل سفرجلٍ.
وأما عقنقلٌ فإن كان من الأربعة فهو كجحنفلٍ، وإن كان من الثلاثة فهو أبين في أن النون زائدة. وإنما عقنقلٌ من التعقيل.
وأما القنفخر فالنون فيه زائدة، لأنك تقول قفاخريٌّ في هذا المعنى.
فإن لم تستدل بهذا النحو من الاشتقاق إذا تقاربت المعاني دخل عليك أن تقول: أولق من لفظ آخر، وأن تقول: عفرنىً وبلهنيةٌ من لفظ آخر، وإن العرضنى من لفظ آخر.
وأما ضفنددٌ فبمنزلة دلنظىً، لأنه قد بلغ مثال سفرجلٍ والنون ثالثة ساكنة فكما صارت نون عقنقلٍ كياء خفيدد صارت هذه بمنزلة ياء خفيددٍ، وواو حبوتنٍ. فهذا سبيل بنات الأربعة وما لحق بها من الثلاثة. وليست بمنزلة قفعدد كما أن جحنفلاً ليس كهمرجلٍ، لأن الثالث من حروف الزيادة. فالواو المزيدة كألف سبندىً، والنون كنونها.
وأما كنتألٌ وخنثعبةٌ فبمنزلة كنهبل، لأنه ليس في الكلام على مثال جردحلٍ، وإنما جاء هذا المثال بحرف الزيادة، فهو بمنزلة كنهبلٍ وعنصلٍ.
فأما الميم فإذا جاءت ليست في أول الكلام فإنها لا تزاد إلا بثبت لقلتها، وهي غير أولى زائدةٌ.
وأما ما هي ثبتٌ فيه فدلامصٌ، لأنه من التدليص. وهذا كجرائضٍ. وقالوا: سئتهمٌ وزرقمٌ، يريدون الأزرق والأسته.
وكذلك الهمزة لا تزاد غير أولى إلا بثبت. فمما ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ، لأنك تقول ضهياء كما تقول عمياء. وجرائضٌ، لأنك تقول جرواضٌ. وحطائط هو الصغير لأن الصغير محطوط. والضهيأ: شجرٌ، وهي أيضاً: التي لا تحيض. وقالوا أيضاً: ضهياء مثل عمياء.
وكل حرفٍ من حروف الزوائد كان في حرفٍ فذهب في اشتقاقٍ في ذلك المعنى من ذاك اللفظ فاجعلها زائدة. وكذلك ما هو بمنزلة الاشتقاق. فإن لم تفعل هذا لم تجعل نون سرحان وهمزة جرايضٍ وميم ستهمٍ زائدة. فعلى هذا النحو ما تزيده بثبت. فإن لم تفعل ذلك صرت لا تزيد شيئاً منهن.
ومثل ذلك: شمألٌ وشأملٌ، تقول: شملت وشمالٌ.
باب ما الزيادة فيه من حروف الزيادة

ولزمه التضعيف

اعلم أن كل كلمة ضوعف فيها حرف مما كانت عدته أربعةً فصاعداً فإن أحدهما زائد، إلا أن يتبين لك أنها عين أو لام فيكون من باب مددت. وذلك نحو: قرددٍ، ومهدد، وقعددٍ، وسوددٍ، ورمددٍ، وجبنٍّ وخدبٍّ وسلمٍ، وخمرٍن ودنبٍ. وكذلك جميع ما كان من هذا النحو.

فإن قلت: لا أجعل إحداهما زائدة إلا باشتقاق منه ما لا تضعيف فيه، أو أن يكون على مثالٍ لا يكون عليه بنات الأربعة والخمسة - دخل عليك أن تقول: القلف بمنزلة الهجرع، وإن اللام بمنزلة الراء والجيم، وإن اللام في جلوزٍ بمنزلة الدال والراء في فردوسٍ، وإن الباء في الجباء بمنزلة الراء والطاء في قرطاس. فإذا قلت هذا فقد قلت ما لا يقوله أحد. فهذا المضاعف الزيادة منه فيما ذكرت لك كالألف رابعةً فيما مضى.
وقد تدخل بين الحرفين الزيادة وذلك نحو: شملالاٍ، وزحليلٍ، وبهلولٍ، وعثوثلٍ، وفرندادٍ، وعقنقل، وخفيفدٍ. فكما جعلت إحداهما زائدة وليس بينهما شيء، كذلك جعلت إحداهما زائدة وبينهما حرف.
وقد تبين لك أنهم يفعلون ذلك في شملال، لأنهم يقولون: طملٌّ وشملةٌ وفي شمليل وعقنقلٍ وعثوثل، لأنك تقول: عثولٌّ. فقد تبين لك بهذا أن التضعيف ههنا بمنزلته إذا لم يكن بينهما شيء كما صار ما لم يفصل بينه بكثرة ما اشتق منه مما ليس فيه تضعيف، بمنزلة ما فيه ألف رابعة. وكذلك المضاعف في عدبس وقفعددٍ، وجميع هذا النحو في التضعيف.
باب ما ضوعفت فيه العين واللام

كما ضوعفت العين وحدها واللام وحدها

وذلك نحو: ذرحرح، وحلبلابٍ، وصمحمحٍ، وبرهرهةٍ، وسرطراط. يدلك على ذلك قولهم: ذراحٌ، فكما ضاعفوا الراء كذلك ضاعفوا الراء والحاء. وقالوا الحلب، وإنما يعنون الحلبلاب. وكذلك على ذلك قولهم: صمامح وبراره. فلو كانت بمنزلة سفرجلٍ لم يكسروها للجمع، ولم يحذفوا منها، لأنهم يكرهون أن يحذفوا ما هو من نفس الحرف. ألا تراهم لم يفعلوا ذلك ببنات الخمسة وفروا إلى غير ذلك حين أرادوا أن يجمعوا. وقولهم سرطراطٌ دليلٌ، لأنه ليس في الكلام سفرجالٌ. وأدخلوا الألف ههنا كما أدخلوها في حلبلابٍ.
وكذلك: مرمريسٌ، ضاعفوا الفاء والعين كما ضاعفوا العين واللام، ألا ترى أن معناه معنى المراسة.
فإذا رأيت الحرفين ضوعفا فاجعل اثنين منهما زائدين كما تجعل أحد الاثنين فيما ذكرت لك زائداً. ولا تكلفن أن تطلب ما اشتق منه بلا تضعيف فيه كما لا تكلفه في الأول الذي ضوعف فيه الحرف.
باب تمييز بنات الأربعة والخمسة

من الثلاثة

فأما جعفرٌ فمن بنات الأربعة، لا زيادة فيه، لأنه ليس شيء من أمهات الزوائد فيه، ولا حروف الزوائد التي تجعلها زوائد بثبت، وإنما بنات الأربعة صنفٌ لا زيادة فيه، كما أن بنات الثلاثة صنفٌ لا زيادة فيه.
وأما سفرجلٌ فمن بنات الخمسة، وهو صنفٌ من الكلام، وهو الثالث، وقصته كقصة جعفرٍ. فالكلام لا زيادة فيه ولا حذف على هذه الأصناف الثلاثة.
فمن زعم أن الراء في جعفرٍ زائدة أو الفاء، فهو ينبغي له أن يقول: إنه فعلرٌ وفعفلٌن وينبغي له إن جعل الأولى زائدة أن يقول جفعلٌ، وإن جعل الثاني أو الثالث أن يقول فععلٌ وفعفلٌ. وينبغي له أن يقول في غلفقٍ فعلقٌ، وإن جعل الأولى زائدة أن يقول غفعل، لأنه يجعلهن كحروف الزوائد. فكما تقول أفعل وفوعل وفعولٌ وفعلنٌ، كذلك تقول هذا، لأنه لابد لك من أن تجعل إحداهما بمنزلة الألف والياء والواو. وينبغي له أن يجعل الأخيرين في فرزدقٍ زائدين، فيقول فعلدق. فإذا قال هذا النحو جعل الحروف غير الزوائد زوائد، وقال ما لا يقوله أحد. وينبغي له إن جعل الأولين زائدين أن يكون عنده فرفعل. وإن جعل الحرفين الزائدين الزاي والدال قال فعزدل. فهذا قبيح لا يقوله أحد.
ولا تقول فعللٌ ولا فعللٌ لأنك لم تضعف شيئاً، وإنما يجوز هذا أن تجعله مثالاً.
باب علم مواضع الزوائد

من مواضع الحروف غير الزوائد

سألت الخليل فقلت: سلمٌ أيتهما الزائدة؟ فقال: الأولى هي الزائدة، لأن الواو والياء والألف يقعن ثواني في فوعل وفاعل وفيعل.
وقال في فعلل وفعلٍّ ونحوهما: الأولى هي الزائدة؛ لأن الواو والياء والألف يقعن ثوالث نحو: جدولٍ، وعثيرٍ، وشمال.
وكذلك: عدبسٌ ونحوه، جعل الأولى بمنزلة واو فدوكسٍ وياء عميثلٍ. وكذلك: قفعددٌ، جعل الأولى بمنزلة واو كنهورٍ.

وأما غيره فجعل الزوائد هي الأواخر، وجعل الثالثة في سلم وأخواتها هي الزائدة، لأن الواو تقع ثالثة في جدولٍ والياء في عثيرٍ. وجعل الآخرة في مهدد ونحوه بمنزلة الألف في معزىً وتترىً، وجعل الآخرة في خدبٍّ بمنزلة النون في خلفنةٍ، وجعل الآخرة في عدبسٍ بمنزلة الواو في كنهور وبلهور.
وجعل الآخرة في قرشبٍ بمنزلة الواو في قندأوٍ، وجعل الخليل الأولى بمنزلة الواو في فردوسٍ. وكلا الوجهين صوابٌ ومذهب.
وجعل الأولى في علكدٍ بمنزلة النون في قنفخرٍ. وغيره جعل الآخرة بمنزلة واو علود.
وأما الهمقع والزملق فبمنزلة العدبس، إحدى الميمين زائدة في قول الخليل وغيره سواءٌ.
وأما الهمرش فإنما هي بمنزلة القهبلس، فالأولى نون، يعني إحدى الميمين، نون ملحقة بقهبلس، لأنك لا تجد في بنات الأربعة على مثال فعللٍ.
وأما الهمقع فلا تجعل الأولى نوناً لأنا لم نجد في بنات الخمسة على سفرجلٍ، فتقول: الأولى نون؛ لأنه ليس في بنات الخمسة على مثال فعلللٍ. فلما لم يكن ذلك في الخمسة جعلنا الأولى ميماً على حالها حتى يجيء ما يخرجها من ذلك ويبين أنها غير ميم. كما أنك لا تجعل الأولى في غطمشٍ نوناً غلا بثبت، فكذلك هذه، فهي عندنا بمنزلة دبخسٍ في بنات الأربعة.
يقول: لما لم يكن في بنات الخمسة على مثال سفرجلٍ لم تكن الأولى من الميمين اللتين في همقع نوناً فتكون ملحقة بهذا البناء، لأنه ليس في الكلام، ولكنا نقول: هي ميم مضعفة، لأن العين وحدها لا تلحق بناء ببناء. ولا ينكر تضعيف العين في بنات الثلاثة والأربعة والخمسة.
باب نظائر ما مضى من المعتلوما اختص به من البناء دون ما مضى والهمزة والتضعيف
هذا بابما كانت الواو فيه أولاً وكانت فاء
وذلك نحو: وعد يعد، ووجل يوجل. وقد تبين وجه يفعل فيهما فيما مضى، وتركنا أشياء ههنا لأنه قد تبين اعتلاله فيما مضى وإعرابه.
اعلم أن هذه الواو إذا كانت مضمومة فأنت بالخيار إن شئت تركتها على حالها، وإن شئت أبدلت الهمزة مكانها، وذلك نحو قولهم في ولد: ألد، وفي وجوهٍ: أجوهٌ.
وإنما كرهوا الواو حيث صارت فيها ضمةٌ كما يكرهون الواوين فيهمزون نحو قؤولٍ ومؤونة. وأما الذين لم يهمزوا فإنهم تركوا الحرف على أصله، كما يقولن قوولٌ فلا يهمزون، ومع ذلك أن هذه الواو ضعيفة تحذف وتبدل، فأرادوا أن يضعوا مكانها حرفاً أجلد منها. ولما كانوا يبدلونها وهي مفتوحة في مثل وناةٍ وأناةٍ، كانوا في هذا أجدر أن يبدلوا حيث دخله ما يستثقلون، فصار الإبدال فيه مطرداً حيث كان البدل يدخل فيما هو أخف منه.
وقالوا: وجم وأجم، ووناةٌ وأناةٌ. وقالوا أحدٌ وأصله وحدٌ، لأنه واحد، فأبدلوا الهمزة لضعف الواو عوضاً لما يدخلها من الحذف والبدل. وليس ذلك مطرداً في المفتوحة، ولكن ناساً كثيراً يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة، فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولاً، كرهوا الكسرة فيها، كما استثقل في ييجل وسيدٍ وأشباه ذلك.
فمن ذلك قولهم: إسادةٌ وإعاءٌ. وسمعناهم ينشدون، البيت لابن مقبل:
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا ... عند الجبابير بالبأساء والنعم
وربما أبدلوا التاء مكان الواو في نحو ما ذكرت لك إذا كانت أولاً مضمومة، لأن التاء من حروف الزيادة والبدل، كما أن الهمزة كذلك.
وليس إبدال التاء في هذا بمطرد. فمن ذلك قولهم: تراثٌ، وإنما هي من ورث، كما أن أناةً من ونيت لأن المرأة تعل كسولاً. كما أن أحداًُ من واحدٍ، وأجم من وجم حيث قالوا: أجم كذلك، لأنهم قد أبدلوا الهمزة مكان الواو المفتوحة والمكسورة أولاً.
ومن ذلك التخمة لأنها من الوخامة. والتكأة لأنها من توكأت. والتكلان لأنها من توكلت. والتجاه لأنها من واجهت.
وقد دخلت على المفتوحة كما دخلت الهمزة عليها، وذلك قولهم: تيقورٌ. وزعم الخليل أنها من الوقار، كأنه حيث قال، العجاج:
فإن يكن أمسى البلى تيقوري
أراد: فإن يكن أمسى البلى وقاري. وهو فيعولٌ.
وإذا التقت الواوان أولاً أبدلت الأولى همزة، ولا يكون فيها إلا ذلك، لأنهم لما استثقلوا التي فيها الضمة فأبدلوا، وكان ذلك مطرداً إن شئت أبدلت وإن شئت لم تبدل، لم يجعلوا في الواوين إلا البدل، لأنهما أثقل من الواو والضمة. فكما اطرد البدل في المضوم كذلك لزم البدل في هذا.

وربما أبدلوا التاء إذا التقت الواوان، كما أبدلوا التاء فيما مضى. وليس ذلك بمطرد، ولم يكثر في هذا كما كثر في المضموم، لأن الواو مفتوحة، فشبهت بواو وحدٍ. فكما قلت في هذه الواو وكانت قد تبدل منها، كذلك قلت في هذه الواو. وذلك قولهم: تولجٌ. زعم الخليل أنها فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو، وجعل فوعلاً أولى بها من تفعلٍ، لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلاً اسماًن وفوعلٌ كثير.
ومنهم من يقول: دولج، يريد تولجٌ، وهو المكان الذي تلج فيه.
وسألت الخليل عن فعلٍ من وأيت فقال: وؤىٌ كما ترى. فسأته عنها فيمن خفف الهمز فقال: أويٌ كما ترى، فأبدل من الواو همزة فقال: لابد من الهمزة، لأنه لا يلتقي واوان في أول الحرف.
فأما قصة الياء والواو فستبين في موضعها إن شاء الله. وكذلك هي من وألت.
باب ما يلزمه بدل التاءمن هذه الواوات التي تكون في موضع الفاء وذلك في الافتعال وذلك قولك: متقدٌ، ومتعدٌ، واتعد، واتقد واتهموا، في الاتعاد والاتقاد، من قبل أن هذه الواو تضعف ههنا، فتبدل إذا كان قبلها كسرة، وتقع بعد مضموم وتقع بعد الياء. فلما كانت هذه الأشياء تكنفها مع الضعف الذي ذكرت لك، صارت بمنزلة الواو في أول الكلمة وبعدها واوٌ، في لزوم البدل لما اجتمع فيها، فأبدلوا حرفاً أجلد منها لا يزول. وهذا كان أخف عليهم.
وأما ناسٌ من العرب فإنهم جعلوها بمنزلة واو قال، فجعلوها تابعة حيث كانت ساكنة كسكونها وكانت معتلةً، فقالوا: إيتعد كما قالوا قيل، وقالوا: ياتعد كما قالوا قال. وقالوا: موتعدٌ كما قالوا قول.
وقد أبدلت في أفعلت، وذلك قليل غير مطرد، من قبل أن الواو فيها ليس يكون قبلها كسرة تحولها في جميع تصرفها، فهي أقوى من افتعل. فمن ذلك قولهم: أتخمه، وضربه حتى أتكأه، وأتلجه يريد أولجه، وأتهم لأنه من التوهم؛ ودعاهم إلى ذلك ما دعاهم إليه في تيقور، لأنها تلك الواو التي تضعف، فأبدلوا أجلد منها؛ ومع هذا أنها تقع في يفعل ويفعل بعد ضمة.
فأما التقية فبمنزلة التيقور؛ وهو أتقاهما في كذلك، والتقى كذلك.
باب ما تقلب فيه الواو ياءوذلك إذا سكنت وقبلها كسرة فمن ذلك قولهم: الميزان، والميعاد؛ وإنما كرهوا ذلك كما كرهوا الواو مع الياء في ليةٍ وسيدٍ ونحوهما، وكما يكرهون الضمة بعد الكسرة حتى إنه ليس في الكلام أن يكسرا أول حرف ويضموا الثاني نحو فعل؛ ولا يكون ذلك لازماً في غير الأول أيضاً إلا أن يدركه الإعراب، نحو قولك: فخذٌ كما ترى وأشباهه.
وترك الواو في موزانٍ أثقل، من قبل أنه ساكن فليس يحجزه عن الكسر شيءٌ. ألا ترى أنك إذا قلت وتدٌ قوي البيان للحركة؛ فإذا أسكنت التاء لم يكن إلا الإدغام، لأنه ليس بينهما حاجزٌ؛ فالواو والياء بمنزلة الحروف التي تداني في المخارج، لكثرة استعمالهم إياهما، وأنهما لا تخلو الحروف منهما ومن الألف، أو بعضهن، فكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم، كما أن رفع اللسان من موضع واحد أخف عليهم في الإدغام؛ وكما أنهم إذا أدنوا الحرف من الحرف كان أخف عليهم، نحو قولهم: ازدان؛ واصطبر؛ فهذه قصة الواو والياء.
فإذا كانتا ساكنتين وقبلهما فتحةٌ مثل موعدٍ وموقفٍ، لم تقلب ألفاً لخفة الفتحة والألف عليهم. ألا تراهم يفرون إليها.
وقد بين من ذلك أشياءٌ فيما مضى، وستبين فيما يستقبل إن شاء الله.
وتحذفان في مواضع وتثبت الألف. وإنما خفت الألف هذه الخفة لأنه ليس منها علاج على اللسان والشفة، ولا تحرك أبداً، فإنما هي بمنزلة النفس، فمن ثم لم تثقل ثقل الواو عليهم ولا الياء، لما ذكرت لك من خفة مؤنها.
وإذا قلت مودٌّ ثبتت الواو، لأنها تحركت فقويت، ولم تقو الكسرة قوة الياء في ميت ونحوها.
وتقول في فوعلٍ من وعدت: أوعدٌ، لأنهما واوان التقتا في أول الكلمة.
وتقول في فيعولٍ: ويعودٌ، لأنه لم يلتق واوان، ولم تغيرها الياء لأنها متحركة وإنما هي بمنزلة واو ويح وويل.
وتقول في أفعولٍ: أوعود، ويفعولٍ: يوعودٌ، ولا تغير الواو كما لا تغي يومٌ. وسنبين لم كان ذلك فيما يلتقي من الواوات والياءات إن شاء الله.

وتقول في تفعلةٍ من وعدت، ويفعلٍ إذا كانا اسمين ولم يكونا من الفعل: توعدةٌ ويوعدٌ، كما تقول في الموضع والموركة. فإنما الياء والتاء بمنزلة هذه الميم، ولم تذهب الواو كما ذهبت من الفعل، ولم تحذف من موعدٍ لأنه ليس فيه من العلة ما في يعد، ولأنها اسم. ويدلك على أن الواو تثبت قولهم: توديةٌ، وتوسعةٌ، وتوصيةٌ.
فأما فعلةٌ إذا كانت مصدراً فإنهم يحذفون الواو منها كما يحذفونها من فعلها، لأن الكسرة يستثقل في الواو، فاطرد ذلك في المصدر، وشبه بالفعل، إذ كان الفعل تذهب الواو منه، وإذ كانت المصادر تضارع الفعل كثيراً في قيلك: سقياً، وأشباه ذلك.
فإذا لم تكن الهاء فلا حذف، لأنه ليس عوض. وقد أتموا فقالوا: وجهةٌ، في جهة. وإنما فعلوا ذلك بها مكسورة كما يفعل بها في الفعل وبعدها الكسرة، فبذلك شبهت.
فأما في الأسماء فتثبت،قالوا: ولدةٌ، وقالوا: لدةٌ كما حذفوا عدةً.
وإنما جاز فيما كان من المصادر مكسور الواو إذا كان فعلةً لأنه بعدد يفعل ووزنه، فيلقون حركة الفاء على العين كما يفعلون ذلك في الهمزة إذا حذفت بعد ساكن.
فإن بنيت اسماً من وعد على فعلةٍ: قلت وعدةٌن وإن بنيت مصدراً قلت عدةٌ.
باب ما كانت الياء فيه أولاً وكانت فاءً
وذلك نحو قولهم: يسر ييسير، ويئس ييئس، ويعر ييعر، ويل ييل من الأيل في الأسنان وهو انثناء الأسنان إلى داخل الفم. وقد بينا يفعل منه وأشياء فيما مضى، فنترك ذكرها ههنا لأنها قد بينت.
واعلم أن هذه الياء إذا ضمت لم يفعل بها ما يفعل بالواو، لأنها كياء بعدها واوٌ، نحو: حيودٍ ويومٍ وأشباه ذلك، وذاك لأن الياء أخف من الواو عندهم. ألا تراها أغلب على الواو من الواو عليها، وهي أشبه بالألف، فكأنها واو قبلها ألف، نحو: عاود، وطاول، وذلك قولهم: يئس ويبس.
يدلك على أن الياء أخف عليهم من الواو أنهم يقولون: ييئس وييبس، فلا يحذفون موضع الفاء كما حذفوا يعد. وكذلك فواعل تقول: يوابس.
فإن أسكنتها وقبلها ضمةٌ قلبتها واواً كما قلبت الواو ياء في ميزان، وذلك نحو: موقنٍ وموسرٍ وموئسٍ وموبسٍن ويا زيد وإس، وقد قال بعضهم: يا زيد يئس، شبهها بقيل.
وزعموا أن أبا عمرٍو قرأ: يا صالحيتنا جعل الهمزة ياءً ثم لم يقلبها واواً.
ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً. وهذه لغة ضعيفة، لأن قياس هذا أن تقول: يا غلا موجل.
والياء توافق الواو في افتعل في أنك تقلب الياء تاء في افتعل من اليبس، تقول: اتبس ومتبسٌ ويتبس، لأنها قد تقلب تاء، ولأنها قد تضعف ههنا فتقلب واواً لو جاءوا بها على الأصل في مفتعلٍ وافتعل وهي في موضع الواو، وهي أختها في الاعتلال، فأبدلوا مكانها حرفاً هو أجلد منها، حيث كانت فاء وكانت أختها فيما ذكرت لك، فشبهوها بها.
فأما أفعل فإنها تسلم، لأن الاو تسلم في أفعل وأشباهه، إلا أن يشد الحرف.
وقد قالوا: يا تئس ويا تبس، فجعلوها بمنزلتها إذ صارت بمنزلتها في التاء؛ فليست تطرد العلة إلا فيما ذكرت لك، إلا أن يشذ حرف، قالوا: يبس يابس، كما قالوا يئس يئس، فشبهوها بيعد.
باب ما الياء والواو فيه ثانيةوهما في موضع العين منه اعلم أن فعلت وفعلت وفعلت منهما معتلة كما تعتل ياء يرمي وواو يغزو. وإنما كان هذا الاعتلال في الياء والواو لكثرة ما ذكرت لك من استعمالهم إياهما وكثرة دخولهما في الكلام، وأنه ليس يعرى منهما ومن الألف أو من بعضهن. فلما اعتلت هذه الأحرف جعلت الحركة التي في العين مخولة على الفاء، وكرهوا أن يقروا حركة الأصل حيث اعتلت العين، كما أن يفعل من غزوت لا تكون حركة عينه إلا من الواو، وكما أن يفعل من رميت لا تكون حركة عينه إلا من الياء حيث اعتلت؛ فكذلك هذه الحروف حيث اعتلت جعلت حركتهن على ما قبلهن، كما جعلت من الواو والياء حركة ما قبلها، لئلا تكون في الاعتلال على حالها إذا لم تعتل. ألا ترى أنك تقول: خفت وهبت فعلت فألقوا حركتها على الياء وأذهبوا حركة الفاء، فجعلوا حركتها الحركة التي كانت في المعتل الذي بعدها، كما لزم ما ذكرت لك الحركة مما بعده لئلا يجري المعتل على حال الصحيح.

وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت، وإنما حولت إلى فعلت ليغيروا حركة الفاء عن حالها لو لم تعتل؛ فلو لم يحولوها وجعلوها تعتل من قولت لكانت الفاء إذا هي ألقي عليها حركة العين غير متغيرة عن حالها لو لم تعتل، فلذلك حولوها إلى فعلت فجعلت معتلة منها. وكانت فعلت أولى بفعلت من الواو من فعلت لأنهم حيث جعلوها معتلة محولة الحركة جعلوا ما حركته منه أولى به، كما أن يغزو حيث اعتل لزمه يفعل، وجعل حركة ما قبل الواو من الواو، فكذلك جعلت حركة هذا الحرف منه.
ويدلك على أن أصله فعلت إنه ليس في الكلام فعلته. ونظيره في الاعتلال من محول إليه: يعد ويزن. وقد بين ذلك.
فأما طلت فإنها فعلت، لأنك تقول طويل وطوال، كما قلت قبح وقبيح، ولا يكون طلته كما لا يكون فعلته في شيء، واعتلت كما اعتلت خفت وهبت.
وأما بعت فإنها معتلة من فعلت تفعل، ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال الفاء كحال قلت، وجعلوا فعلث أولى بها كما أن يفعل من رميت حيث كانت حركة العين محولة من يفعل ويفعل إلى أحدهما، كان الذي من الياء أولى بها.
وكذلك زدت كانت الكسرة أولى بها، كما كانت الضمة أولى بالواو في قلت.
وليس في بنات الياء فعلت كما أنه ليس في باب رميت فعلت، وذلك لأن الياء أخف عليهم من الواو وأكثر تحويلاً للواو من الواو لها، وكرهوا أن ينقلوا الخفيف إلى ما يستثقلون.
ودخلت فعلت على بنات الواو كما دخلت في باب غزوت في قوله شقيت وغبيت لأنها نقلت من الأثقل إلى الأخف، ولو قلت فعلت في الياء لكنت مخرجاً الأخف إلى الأثقل، ولو قلت في باب زدت فعلت فقلت: زدت تزود، كما أنك لو قلتها من رميت لكانت رمو يرمو، فتضم الزاي كما كسرت الخاء في خفت. وتقول: تزوج كما تقول: موقن لأنها ساكنة قبلها ضمة.
وقالوا: وجد يجد، ولم يقولوا في يفعل يوجد، وهو القياس، ليعلموا أن أصله يجد.
وقال بعضهم: طلته، مثل قلته، وهو فعلت منقولة إلى فعلت، فعدى علت، ولو كانت فعلت لم تتعد.
وإذا قلت يفعل من قلت قلت يقول، لأنه إذا قال فعل فقد لزمه يفعل.
وإذا قلت يفعل من بعت قلت يبيع، ألزموه يفعل حيث كان محولاً من فعلت، ليجري مجرى ما حول إلى فعلت، وصار يفعل لهذا لازماً، إذ كان في كلامهم فعل يفعل في غير المعتل، فكما وافقه في تغيير الفاء كذلك وافقه في يفعل.
وأما يفعل من خفت وهبت. فإنه يخاف ويهاب، لأن فعل يلزمه يفعل، وإنما خالفتا يزيد ويبيع لأنهما لم تعتلا محولتين، وإنما اعتلتا من بنائهما الذي هو لهما في الأصل، فكما اعتلتا في فعلت من البناء الذي هو لهما في الأصل كذلك اعتلتا في يفعل منه.
وإذا قلت فعل من هذه الأشياء كسرت الفاء وحولت عليها حركة العين كما فعلت ذلك في فعلت لتغير حركة الأصل لو لم تعتل، كما كسرت الفاء حيث كانت العين منكسرة للاعتلال. وذلك قولك: خيف، وبيع، وهب، وقيل. وبعض العرب يقول: خيف وبيع وقيل، فيشم إرادة أن يبين أنها فعل. وبعض من يضم يقول: بوع وقول وخوف وهوب، يتبع الياء ما قبلها كما قال موقن.
وهذه اللغات دواخل على قيل وبيع وخيف وهيب، والأصل الكسر كما يكسر في فعلت.
فإذا قلت فعل صارت العين تابعة، وذلك قولك: باع، وخاف، وهاب، وقال. ولو لم تجعل تابعةً لالتبس فعل من باع وخاف وهاب بفعل، فأتبعوهن قال، حيث أتبعوا العين الفاء في أخواتهن ليستوين، وكرهوا أن يساوي فعل في حالٍ، إذ كان بعضهم يقول: قد قول ذاك. فاجتمع فيها هذا وأنهم شبهوها بأخواتها حيث أتبعوا العين فيهن ما قبلهن. فكما اتفقن في التغيير كذلك اتفقن في الإلحاق.
وحدثنا أبو الخطاب أن ناساً من العرب يقولون: كيد زيد يفعل، وما زيل زيد يفعل ذاك، يريدون: زال وكاد، لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت حيث أسكنوا العين وحولوا الحركة على ما قبلها، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل كما قالوا: خاف، وقال، وباع، وهاب.
فهؤلاء الحركات مردودةٌ إلى الأصل وما بعدهن توابع لهن كما يتبعن إذا أسكن الكسرة والضمة في قولهم: قد قيل وقد قول.
فإذا قلت فعلت أو فعلن أو فعلنا من هذه الأشياء، ففيها لغات: أما من قال قد بيع وزين وهيب وخيف فإنه يقول: خفنا وبعنا، وخفن وبعن، وهبت، يدع الكسرة على حالها ويحذف الياء، لأنه التقى ساكنان.

وأما من ضم بإشمامٍ إذا قال فعل فإنه يقول: قد بعنا وقد رعن وقد زدت. وكذلك جميع هذا يميل الفاء ليعلم أن الياء قد حذفت فيضم، وأمال كما ضموا وبعدها الياء، لأنه أبين لفعل.
وأما الذين يقولون بوع وقول وخوف وهوب فإنهم يقولون بعنا وخفنا وهبنا وزدنا، لا يزيدون على الضم والحذف، كما لم يزد الذين قالوا رعن وبعن على الكسر والحذف.
وأما مت تموت فإنما اعتلت من فعل يفعل، ولم تحول كما يحول قلت وزدت. ونظيرها من الصحيح فضل يفضل.
وكذلك كدت تكاد اعتلت من فعل يفعل، وهي نظيرة مت في أنها شاذة. ولم يجيئا على ما كثر واطرد من فعل وفعل.
وأما ليس فإنها مسكنة من نحو قوله: صيد، كما قالوا علم ذاك في علم ذاك، فلم يجعلوا اعتلالها إلا لزوم الإسكان، إذ كثرت في كلامهم ولم يغيروا حركة الفاء، وإنما فعلوا ذلك بها حيث لم تكن فيها يفعل وفيما مضى من الفعل، نحو قولك: قد كان ثم ذهب، ولا يكون منها فاعلٌ ولا مصدر ولا اشتقاق، فلما لم تصرف تصرف إخواتها جعلت بمنزلة ما ليس من الفعل نحو ليت، لأنها ضارعتها، ففعل بها ما فعل بما هو بمنزلة الفعل وليس منه.
وأما قولهم: عور يعور، وحول يحول، وصيد يصيد فإنما جاءوا بهن على الأصل لأنه في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل نحو: اعوررت، واحوللت، وابيضضت، واسوددت، فلما كن في معنى ما لا بد له من أن يخرج على الأصل لكون ما قبله تحركن. فلو لم تكن في هذا المعنى اعتلت، ولكنها بنيت على الأصل إذ كان الأمر على هذا.
ومثل ذلك قولهم: اجتوروا، واعتونوا، حيث كان معناه معنى ما الواو فيه متحركة ولا تعتل فيه، وذلك قولهم: تعاونوا، وتجاوروا.
وأما طاح يطيح وتاه يتيه، فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب. وهي من الواو، ويدلك على ذلك، طوحت وتوهت، وهو أطوح منه وأتوه منه، فإنما هي فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل. ومن فعل يفعل اعتلتا ومن قال طيحت وتيهت فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمةً. وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين الحرفين، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل أدخلت الضمة على الياء والواو والكسرة عليهما في فعلت وفعلت ويفعل ويفعل، ففرا من أن يكثر هذا في كلامهم مع كثرة الياء والواو، فكان الحذف والإسكان أخف عليهم.
ومن العرب من يقول: ما أتيهه، وتيهت، وطيحت. وقال: آن يئين، فهو فعل يفعل من الأوان، وهو الحين.
باب ما لحقته الزوائد

من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة

فإذا كان الحرف الذي قبل الحرف المعتل ساكناً في الأصل ولم يكن ألفاً ولا واواً ولا ياءً فإنك تسكن المعتل وتحول حركته على الساكن. وذلك مطرد في كلامهم.
وإنما دعاهم إلى ذلك أنهم أرادوا أن تعتل وما قبلها إذا لحق لحرف الزيادة، كما اعتل ولا زيادة فيه. ولم يجعلوه معتلاً من محول إليه كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. ولو كان يخرج إلى ما هو من كلامهم لاستغنى بذا لأن ما قبل المعتل قد تغير عن حله في الأصل كتغير قلت ونحوه، وذلك: أجاد، وأقال، وأبان، وأخاف، واستراث، واستعاذ.
ولا يعتل في فاعلت لأنهم لو أسكنوا حذفوا الألف والواو والياء في فاعلت، وصار الحرف على لفظ ما لا زيادة فيه من باب قلت وبعت، فكرهوا هذا الإجحاف بالحرف والالتباس.
وكذلك تفاعلت لأنك لو أسكنت الواو والياء حذفت الحرفين.
وكذلك فعلت وتفعلت، وذلك قولهم: قاولت وتقاولنا، وعوذت وتعوذت، وزيلت وزايلت، وبايعت وتبايعنا، وزينت وتزينت.
وفي تفاعلت وتفعلت مع ما ذكرت أنه لم يكن ليعتل كما لم يعتل فاعلت وقعلت لأن التاء زيدت عليهما.
وقد جاءت حروفٌ على الأصل غير معتلة مما أسكن ما قبله فيما ذكرت لك قبل هذا، شبهوه بفاعلت إذ كان ما قبله ساكناً، كما يسكن ما قبل واو فاعلت. وليس هذا بمطرد، كما أن بدل التاء في باب أولجت ليس بمطرد، وذلك نحو قولهم: أجودت، وأطولت، واستحوذ، واستروح، وأطيب، وأخيلت، وأغيلت، وأغيمت، واستغيل، فكل هذا فيه اللغة المطردة، إلا أنا لم نسمعهم قالوا إلا استروح إليه، وأغيلت، واستحوذ، بينوا في هذه الأحرف كما بينوا في فاعلت، فجعلوها بمنزلتها في أنها لا تتغير، كما جعلوها بمنزلتها حيث أحيوها فيما تعتل فيه نحو: اجتوروا، إذ توهموا تفاعلوا.

ولو قال لك قائل: ابن لي من الجوار افتعلوا لقلت فيها اجتاروا، إلا أن يقول ابنه على معنى تفاعلوا فتقول: اجتوروا، وكذلك اجتوزوا، ولا ينكر أن يجعلوها معتلة في هذا الذي استثنينا؛ لأن الاعتلال هو الكثير المطرد.
وإذا كان الحرف قبل المعتل متحر كما في الأصل لم يغير، ولم يعتل الحرف من محول إليه، كراهية أن يحول إلى ما ليس من كلامهم. وذلك نحو: اختار، واعتاد، وانقاس. جعلوها تابعة حيث اعتلت وأسكنت كما جعلوها في قال وباع، لأنهم لم يغيروا حركة الأصل كما لم يغيروها في قال وباع، وجعلوا هذه الأحرف معتلة كما اعتلت ولا زيادة فيها.
وإذا قلت أفتعل وأنفعل قلت: أختيروا وأنقيد، فتعتل من أفتعل، فتحول الكسرة على التاء كما قلت ذلك في قيل، فتجري تيروقيد مجرى قيل وبيع في كل شيء.
وأما قولهم: اجتوروا، واعتونوا، وازدوجوا، واعتوروا، فزعم الخليل أنها إنما تثبت لأن هذه الأحرف في معنى تفاعلوا. ألا ترى أنك تقول: تعاونوا، وتجاوروا، وتزاوجوا. فالمعنى في هذا وتفاعلوا سواء. فلما كان معناها معنى ما تلزمه الواو على الأصل أثبتوا الواو، كما قالوا عور إذ كان في معنى فعلٍ يصح على الأصل. وكذلك: احتوشوا واهتوشوا، وإن لم يقولوا تفاعلوا فيستعملوه، لأنه قد يشرك في هذا المعنى ما يصح، كما قالوا صيد لأنه قد يشركه ما يصح، والمعنى واحد. فهما يعتوران باب افعل في هذا النحو كسود واسوددت، وثولت واثوللت، وابيضضت.
فإذا لم تعتل الواو في هذا ولا الياء نحو عورت وصيدت فإن الواو والياء لا تعتلان إذا لحق الأفعال الزيادة وتصرفت، لأن الواو بمنزلة واو شويت، والياء بمنزلة ياء حييت، ألا ترى أنك تقول: ألا أعور الله عينه: إذا أردت أفعلت من عورت، وأصيد الله بعيره.
باب ما اعتل من أسماء الأفعال

المعتلة على اعتلالها

اعلم أن فاعلاً منها مهموز العين. وذلك أنهم يكرهون أن يجيء على الأصل مجيء ما لا يعتل فعل منه، ولم يصلوا إلى الإسكان مع الألف، وكرهوا الإسكان والحذف فيه فيلتبس بغيره، فهمزوا هذه الواو والياء إذ كانتا معتلتين وكانتا بعد الألفات، كما أبدلوا الهمزة من ياء قضاءٍ وسقاء حيث كانتا معتلتين وكانتا بعد الألف. وذلك قولهم: خائفٌ وبائعٌ.
ويعتل مفعولٌ منهما كما اعتل فعل، لأن الاسم على فعل مفعولٌ، كما أن الاسم على فعل فاعلٌ. فتقول: مزورٌ ومصوغٌ، وإنما كان الأصل مزوورٌ، فأسكنوا الواو الأولى كما أسكنوا في يفعل وفعل، وحذفت واو مفعولٍ لأنه لا يلتقي ساكنان.
وتقول في الياء: مبيعٌ ومهيبٌ، أسكنت العين وأذهبت واو مفعولٍ، لأنه لا يلتقي ساكنان وجعلت الفاء تابعةً للياء حين أسكنتها كما جعلتها تابعة في بيضٍن وكان ذلك أخف عليهم من الواو والضمة فلم يجعلوها تابعةً للضمة، فصار هذا الوجه عندهم، إذ كان من كلامهم أن يقلبوا الواو ياء ولا يتبعوها الضمة فراراً من الضمة، والواو إلى الياء لشبهها بالألف، وذلك قولهم: مشوبٌ ومشيبٌ، وغارٌ منول ومنيل، وملومٌ مليمٌ، وفي حور: حير.
وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوعٌ، فشبهوها بصيودٍ وغيوريٍ، حيث كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الألف فهمز.
ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لأن الواوات أثقل عليهن من الياءات، ومنها يقرون إلى الياء؛ فكرهوا اجتماعهما مع الضمة.
ويجري مفعلٌ مجرى يفعل فيهما، فتعتل كما اعتل فعلهما الذي على مثالهما وزيادته في موضع زيادتها، فيجري مجرى يفعل في الاعتلال، كما قالوا: مخافةٌ، فأجروها مجرى يخاف ويهاب، فكذلك اعتل هذا، لأنهم لم يجاوزوا ذلك المثال المعتل، إلا أنهم وضعوا ميماً مكان ياء، وذلك قولهم: مقامٌ ومقالٌ، ومثابةٌ ومنارةٌ، فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل، وكذلك المغاث والمعاش.
وكذلك مفعل تجري مجرى يفعل، وذلك قولك: المبيض والميسر.
وكذلك مفعلةٌ تجري مجرى يفعل، وذلك: المعونة والمشورة والمثوبة، يدلك على أنها ليست بمفعولة أن المصدر لا يكون مفعولة.

وأما مفعلة من بنات الياء فإنما تجيء على مثال مفعلةٍ، لأنك إذا أسكنت الياء جعلت الفاء تابعةً كما فعلت ذلك في مفعول، ولا تجعلها بمنزلة فعلت في الفعل، وإنما جعلناها في فعلت يفعل تابعةً لما قبلها في القياس، غير متبعتها الضمة كما أن فعلت تفعل في الواو، وإذا سكنت لم تتبعها الكسرة، وإنما هذا كقولهم: رمو الرجل في الفعل، فيتبعون الواو ما قبلها ولا يفعلون ذلك في فعل لو كان اسماً، فمعيشةٌ يصلح أن تكون مفعلةً ومفعلةً.
وأما مفعل منهما فهو على يفعل، وذلك قولهم: مقامٌ ومباعٌ، إذا أردت منهما مثل مخدع، وكمسعط يجري من الواو كأفعل من الأمر قبل أن يدركه الحذف، وهو قولك: مزورٌ ومقولٌ، يجري مجرى مفعلةٍ منها، إلا أنك تضم الأول، وذلك قولك: مبيعةٌ.
وقد قال قوم في مفعلةٍ فجاءوا بها على الأصل؛ وذلك قول بعضهم: إن الفكاهة لمقودةٌ إلى الأذى. وهذا ليس بمطرد، كما أن أجودت ليس بمطرد.
وقد جاء في الاسم مشتقاً للعلامة، لا لمعنى سوى ذا، على الأصل، وذلك نحو: مكوزةً ومزيد. وإنا جاء هذا كما جاء تهلل حيث كان اسماً، وكما قالوا حيوة وشبهوا هذا بمورقٍ وموهبٍ، حيث أجروه على الأصل إذ كان مشتقاً للعلامة. وليس هذا بمطرد في مزيد ومكوزة، كما أن تهلل وحيوة ليس بمطرد. وليس مزيدٌ ومكوزة بأشد من لزومهم استحوذ وأغيلت.
وقالوا: محببٌ، حيث كان اسماً ألزموه الأصل كمورق.
ويتم أفعل اسماً، وذلك قولك: هو أقول الناس وأبيع الناس، وأقول منك وأبيع منك. وإنما أتموا ليفصلوا بينه وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام، ويتم في قولك: ما أقوله وأبيعه لأن معناه معنى أفعل منك وأفعل الناس، لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائلٌ وبائع، كما فضلت الأول على غيره وعلى الناس. وهو بعد نحو الاسم لا يتصرف تصرفه ولا يقوى قوته. فأرادوا أن يفرقوا بين هذا وبين الفعل المتصرف نحو أقال وأقام، وكذلك أفعل به، لأن معناه معنى ما أفعله، وذلك قولك: أقول به وأبيع به.
ويتم في أفعلٍ، لأنهما اسمان، فرقوا بينهما وبين أفعل من الفعل، ولو أردت مثل أصبعٍ، من قلت وبعت لأتممت لتفرق بين الاسم والفعل.
فأما أفعلٌ فنحو: أدروٍ، وأسوقٍ، وأثوبٍ، وبعض العرب يهمز لوقوع الضمة في الواو، لأنها إذا انضمت خفيت الضمة فيها كما تخفى الكسرة في الياء.
وأما أفعلةٌ فنحو: أخونةٍ، وأسورةٍ وأجوزةٍ، وأحورةٍ، وأعينةٍ.
ولا تهمز أفعلٌ من بنات الياء، لأن الضمة فيها أخف عليهم، كما أن الياء وبعدها الواو أخف عليهم من الواو. وقد بين ذلك، وسيبين إن شاء الله، وذلك نحو: أعينٍ وأنيبٍ.
وأما نظير إصبعٍ منها فإقولٌ وإبيعٌ وإن أردت مثال إثمدٍ قلت إبيعٌ وإقولٌ، لئلا يكون كأفعلٍ منهما فعلاً وإفعل قبل أن يدركهما الحذف والسكون للجزم.
وإن أردت منهما مثال أبلم قلت أبيعٌ وأقولٌ، لئلا يكونا كأفعل منهما في الفعل قبل أن يحذف ساكناً عن الأصل. غير أنك إن شئت همزة أفعلاً من قلت كما همرت أدؤراً.
ولم نذكر أفعل لأنه ليس في الكلام أفعل اسماً ولا صفة، وكان الإتمام لازماً لهذا مع ما ذكرنا، إذ كان يتم في أجود ونحوه.
ويتم تفعلٌ اسماً وتفعلٌ منهما، ليفرق بينهما وبين تفعل وتفعل في الفعل، كما فعلت ذلك في أفعل وذلك قولك تقول وتبيع وتقول وتبيع.
وكذلك إذا أردت مثال تنضب تقول تقول وتبيع لتفرق بينهما وبين تفعل فعلاً، كما أنك إذا أردت مثال تتفلٍ وترتبٍ أتممت، وإذا أردت مثل تنهية، وتوصيةٍ تتم ذلك، كما أتممت أفعلةً، ليفرق بينه اسماً وفعلاً، وذلك قولك: تقولةٌ وتبيعةٌ، وإن شئت همزت تفعلٌ من قلت وأفعلٌ، كما همزة أفعلٌ وإنما قلت تقولةٌ وتبيعةٌ لتفرق بين هذا وبين تفعل، يدلك على أن هذا يجري مجرى ما أوله الهمزة مما ذكرنا قول العرب في تفعلةٍ من دار يدور: تدورةٌ، قال الشاعر:
بتنا بتدورةٍ يضيء وجوهنا ... دسم السليط على فتيل ذبال
والتتوبة تريد التوبة.
وإنما منعنا أن نذكر هذه الأمثلة فيما أوله ياء، أنها ليست في الأسماء والصفة إلا في يفعل، ولم تجر هذه الأسماء مجرى ما جاء على مثال الفعل وأوله ميم، لأن الأفعال لا تكون زيادتها التي في أوائلها ميماًن فمن ثم لم يحتاجوا إلى التفرقة.

وأما تفعلٌ مثل التتفل فإنه لا يكون فعلاًن فهو بمنزلة ما جاء على مثال الفعل، ولا يكون فعلاً مما أوله الميم. فإذا أردت تفعل منهما فإنك تقول تقولٌ وتبيعٌ كما فعلت ذلك في مفعل، لأنه على مثال الفعل ولا يكون فعلاً. وكذلك تفعل نحو التحلىء، يجري مجرى افعل كما أجري تفعل مجرى افعل، فأجري هذا مجرى ما أوله الميم. فالتفعل مثل التحلىء، ومثاله منهما تقيلٌ وتبيعٌ.
وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل ليس بينهما إلا إسكان متحرك وتحريك مسكن، ويفرق بينه وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما الحذف، لا على ما استعمل في الكلام، ولا على الأصل قبل الإسكان، ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام واقال، ليس فيهما إلا إسكان متحرك وتحريك ساكن.
بابٌ أتم فيه الاسم
لأنه ليس على مثال الفعل فيمثل به، ولكنه أتم لسكون ما قبله وما بعده كما يتم التضعيف إذا أسكن ما بعده نحو اردد وسترى ذلك في أشياء فيما بعد إن شاء الله وذلك فعلٌ وفعالٌ، نحو: حولٍ وعوارٍ. وكذلك فعالٌ، نحو قوالٍ، ومفعالٌ، نحو: مشوارٍ ومقوالٍ. وكذلك التفعال، نحو التقوال. وكذلك التفعال، نحو التقوال. وكذلك ففعولٌ، نحو قوولٍ وبيوعٍ. وفعولٌ، نحو شيوخٍ وحوولٍ وسووقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو نوارٍ وجوابٍ وهيامٍ. وكذلك فعيلٌ، نحو طويلٍ وقويمٍ وسويقٍ. وكذلك فعالٌ، نحو: طوالٍ وهيامٍ، وفعالٌ نحو: خوانٍ وخيارٍ وعيانٍن ومفاعل نحو: مقاول ومعايش.
وبنات الياء في جميع هذا في الإتمام كبنات الواو، في ترك الهمز وفي الهمز.
وطاووسٌ نحو ما ذكرت لك، وناووسٌ، وسابورٌ، وكذلك أهوناء وأبنياء وأعيياء، وقد قالوا أعياء، وقد قال بعض العرب أبنياء فأسكن الياء وحرك الباء، كره الكسرة في الياء كما كرهوا الضمة في الواو في فعل من الواو فأسكنوا نحو نورٍ وقولٍ؛ فليس هذا بالمطرد فأما الإقامة والاستقامة فإنما اعتلتا كما اعتلت أفعالهما، لأن لزوم الاستفعال والإفعال لاستفعل وأفعل، كلزوم يستفعل ويفعل لهما، ولو كانتا تفارقان كما تفارق بنات الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها لتمت كما تتم فعولٌ منهما ونحوه.
وأما مفعولٌ فإنهم حذفوه فيهما وأسكنوه لأنه الاسم من فعل، وهو لازمٌ له كلزوم الإفعال والاستفعال لأفعالهما، فمن ثم أجري في الاعتلال مجرى فعله، لأنه الاسم من فعل ويفعل، كما أن الاسم من فعل ويفعل اعتل كما اعتل فعله.
فأما ما ذكرنا مما أتممناه للسكون فليس بالاسم من فعل ويفعل، ولا من فعل ويفعل، إنما الاسم من هذه الأشياء فاعلٌ ومفعولٌ. فإن قلت: قالوا طويلٌ؟ فإن طويلاً لم يجىء على يطول ولا على الفعل. ألا ترى أنك لو أردت الاسم على يفعل لقلت طائلٌ غداً، ولو كان جاء عليه لاعتل فإنما هو كفعيلٍ يعنى به مفعولٌ، وقد جاء مفعولٌ على الأصل، فهذا أجدر أن يلزمه الأصل، قالوا: مخيوطٌ.
ولا يستنكر أن تجيء الواو على الأصل. ولو جاءوا بالاسم على الفعل لقالوا طائلٌ كما قالوا قائمٌ. ولم يهمزوا مقاول ومعايش، لأنهما ليستا بالاسم على الفعل فتعتلا عليه، وإنما هو جمع مقالةٍ ومعيشةٍ، وأصلهما التحريك، فجمعتهما على الأصل كأنك جمعت معيشةً ومقولةً، ولم تجعله بمنزلة ما اعتل على فعله، ولكنه أجري مجرى مفعالٍ.
وسألته عن مفعلٍ لأي شيءٍ أتم ولم يجر مجرى افعل؟ فقال: لأن مفعلاً إنما هو من مفعال. ألا ترى أنهما في الصفة سواء، تقول: مطعنٌ ومفسادٌ، فتريد في المفساد من المعنى ما أردت في المطعن. وتقول: المخصف والمفتاح، فتريد في المخصف من المعنى ما أردت في المفتاح.
وقد يعتوران الشيء الواحد نحو مفتحٍ ومفتاح، ومسجٍ ومنساجٍ، ومقولٍ ومقوالٍ. فإنما أتممت فيما زعم الخليل أنها مقصورة من مفعالٍ أبداً، فمن ثم قالوا مقولٌ ومكيلٌ. فأما قولهم مصائب فإنه غلطٌ منهم، وذلك أنهم توهموا أن مصيبةً فعيلةٌ وإنما هي مفعلةٌ. وقد قالوا: مصاوب.

وسألته عن واو عجوزٍ وألف رسالةٍ وياء صحيفةٍ، لأي شيء همزن في الجمع، ولم يكن بمنزلة معاون ومعايش إذا قلت صحائف ورسائل وعجائز؟ فقال: لأني إذا جمعت معاون ونحوها، فإنما أجمع ما أصله الحركة، فهو بمنزلة ما حركت كجدول. وهذه الحروف لما لم يكن أصلها التحريك وكانت ميتةٍ لا تدخلها الحركة على حالٍ، وقد وقعت بعد ألف، لم تكن أقوى حالاً مما أصله متحرك. وقد تدخله الحركة في مواضع كثيرة وذلك نحو قولك: قال وباع، ويغزو ويرمي، فهمزت بعد الألف كما يهمز سقاءٌ وقضاءٌ، وكما يهمز قائلٌ وأصله التحريك، فهذه الأحرف الميتة التي ليس أصلها الحركة أجدر أن تغير إذا همزت ما أصله الحركة، فمن ثم خالفت ما حرك وما أصله الحركة في الجمع كجدولٍ ومقامٍ. فهذه الأسماء بمنزلة ما اعتل على فعله نحو يقول ويبيع، ويغزو ويرمي، إذا وقعت هذه السواكن بعد ألف.
وقالوا: مصيبةٌ ومصائب، فهمزوها وشبهوها حيث سكنت بصحيفةٍ وصحائف.
وأما فاعلٌ من عورت، فإذا قالوا فاعلٌ غداً قالوا: عاورٌ غداً. وكذلك صيدت؛ لأنها لما حيت في عورت أجريت مجرى واو شويت، وأجريت ياء صيدت مجرى ياء حييت، إلا أنه لا يدركها الإدغام. وذلك مثل قولك: صايدٌ غداً.
ولو كانت تقول اسماًن ثم أردت أن تكسر للجمع لقلت: تقاول، وكذلك تبيعٌ وتبايع، فلا تهمز، لأنك إذا جمعت حرفاً والمعتل فيه أصله التحريك فإنما هو كمعونةٍ ومعيشةٍ، ولم ترد اسماً على الفعل فتجريه مجرى الفعل، ولكنك جمعت اسماً.
ويتم فاعلٌ كما أتممت ما ليس باسم فعلٍ مما ذكرت لك، تقول قاولٌ وبايعٌ.
فإذا قلت فواعل من عورت وصيدت همزت، لأنك تقول في شويت شواياً، ولو قلت: شواوٍ كما ترى قلت عواور ولم تغير. فلما صارت منه على هذا المثال همزت نظيرها كما تهمز نظير مطايا من غير بنات الياء والواو، نحو صحائف. فلم تكن الواو لتترك في فواعل من عورت وقد فعل بنظيرها ما فعل بمطايا، فهمزت كما همزت صحائف. وفيها من الاستثقال نحو ما في شواوٍ، لالتقاء الواوين وليس بينهما حاجزٌ حصينٌ، فصارت بمنزلة الواوين يلتقيان، فقد اجتمع فيها الأمران.
وتجري فواعل من صيدت مجراها كما اتفقا في الهمز في حال الاعتلال، لأنها تهمز هنا كما تهمز معتلةً، ولأن نظيرها من حييت يجري مجرى شويت، فيوافقها كما اتفقا في الاعتلال في قلت وبعت.
هذا باب

ما جاء في أسماء هذا المعتل على ثلاثة

أحرف لا زيادة فيه

اعلم أن كل اسم منها كان على ما ذكرت لك، إن كان يكون مثاله وبناؤه فعلاً فهو بمنزلة فعله، يعتل كاعتلاله. فإذا أردت فعلٌ قلت: دارٌ ونابٌ وساقٌ، فيعتل كما يعتل في الفعل، لأنه ذلك البناء وذلك المثال، فوافقت الفعل كما توافق الفعل في باب يغزو ويرمي.
وربما جاء على الأصل كما يجيء فعلٌ من المضاعف على الأصل إذا كان اسماً، وذلك قولهم: القود، والحوكة، والخونة، والجورة. فأما الأكثر فالإسكان والاعتلال. وإنما هذا في هذا بمنزلة أجودت واستحوذت.
وكذلك فعلٌ وذلك: خفت ورجلٌ خافٌ، وملت ورجلٌ مالٌ، ويومٌ راحٌ. فزعم الخليل أن هذا فعلٌ حيث قلت فعلت كقولهم: فرق وهو رجلٌ فرقٌ، ونزق وهو رجلٌ نزقٌ. وقد جاء على الأصل كما جاء فعلٌ، قالوا: رجلٌ روعٌ ورجلٌ حولٌ.
وأما فعلٌ فلم يجيئوا به على الأصل كراهيةً للضمة في الواو، ولما عرفوا أنهم يصيرون إليه من الاعتلال من الإسكان أو الهمز، كما فعلوا ذلك يأدؤرٍ وخونٍ.
وأما فعلٌ منها فعلى الأصل ليس فيه إلا ذلك، لأنه لا يكون فعلاً معتلاً فيجري مجرى فعله وكان هذا اللازم له إذ كان البناء الذي يكون فيه معتلاً قد يجيء على الأصل على فعله، نحو قودٍ وروعٍ. فإنما شبه ما اعتل من الأسماء هنا به إذ كان فعلاً. فأما ما لم يكن معتلاً مثاله فهو على الأصل. وذلك قولهم: رجلٌ نومٌ، ورجلٌ سولةٌ، ولومةٌ، وعيبةٌ.
وكذلك فعلٌ، قالوا: حولٌ، وصيرٌ، وبيعٌ، وديمٌ.
وكذلك إن أردت نحو إبل قلت قولٌ، وبيعٌ.

فأما فعلٌ فإن الواو فيه تسكن لاجتماع الضمتين والواو، فجعلوا الإسكان فيها نظيراً للهمزة في الواو في أدؤر وقؤول، وذلك قولهم: عوانٌ وعونٌ؛ ونوارٌ ونورٌ، وقوولٌ وقومٌ قولٌ. وألزموا هذا الإسكان إذ كانوا يسكنون غير المعتل نحو رسلٍ وعضدٍ وأشباه ذلك. ولذلك آثروا الإسكان فيها على الهمزة حيث كان مثالها يسكن للاستثقال. ولم يكن لأدؤرٍ وقؤولٍ مثالٌ من غير المعتل يسكن فيشبه به. ويجوز تثقيله في الشعر كما يضعفون فيه ما لا يضعف في الكلام. قال الشاعر، وهو عدي بن زيد:
وفي الأكف اللامعات سور
وأما فعلٌ من بنات الياء فبمنزلة غير المعتل، لأن الياء وبعدها الواو أخف عليهم، كما كانت الضمة أخف عليهم فيها، وذلك نحو غيورٍ وغيرٍ. فإذا قلت فعلٌ قلت غيرٌ ودجاجٌ بيضٌ. ومن قال رسلٌ فخفف قالبيضٌ وغيرٌ كما يقولها في فعلٍ من أبيض، لأنها تصير فعلاً.
باب تقلب الواو فيه ياءً
لا لياءٍ قبلها ساكنة، ولا لسكونها وبعدها ياء
وذلك قولك: حالت حيالاً. وإنما قلبوها حيث كانت معتلةً في الفعل، فأرادوا أن تعتل إذا كانت قبلها كسرة وبعدها حرف يشبه الياء، فلما كان ذلك فيها مع الاعتلال لم يقروها؛ وكان العمل من وجهٍ واحد أخف عليهم، وجسروا على ذلك للاعتلال.
ومثل ذلك: سوطٌ وسياطٌ، وثوبٌ وثيابٌ، وروضةٌ ورياضٌ. لما كانت الواو ميتةً ساكنة شبهوها بواو يقول؛ لأنها ساكنة مثلها، ولأنها حرف الاعتلال. ألا ترى أن ذلك دعاهم إلى أنهم لا يستثقلونها في فعلاتٍ، إذ كان ما أصله التحريك يسكن، وصارت الكسرة بمنزلة ياء قبلها، وعملت فيه الألف لشبهها بالياء كما عملت ياء يوجل في ييجل.
وأما ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله الكسر، لأنهم قد يكرهون الواو بعد الكسرة حتى يقلبوها فيما قد ثبتت في واحده، فلما كان ذلك من كلامهم ألزموا البدل ما قلب في الواحد، وذلك قولهم: ديمةٌ وديمٌ، وقامةٌ وقيم، وتارةٌ وتير، ودارٌ وديارٌ. وهذا أجدر أن يكون إذ كانت بعدها ألف. فلما كانت الياء أخف عليهم والعمل من وجه واحد، جسروا عليه في الجمع إذ كان في الواحد محولاً، واستثقلت الواو بعد الكسرة كما تستثقل بعد الياء.
وإذا قلت فعلة فجمعت ما في واحده الواو أثبت الواو، كما قلت فعلٌ فأثبت ذلك، وذلك قولك: حولٌ وعوضٌ، لأن الواحد قد ثبت فيه، وليس بعدها ألف فتكون كالسياط. وذلك قولك: كوزٌ وكوزةٌ، وعودٌ وعودةٌ، وزوجٌ وزوجةٌ. فهذا قبيلٌ آخر.
وقد قالوا ثورةٌ وثيرةٌ، قلبوها حيث كانت بعد كسرة، واستثقلوا كما استثقلوا أن تئبت في ديمٍ. وهذا ليس بمطرد. يعني ثيرةٌ.
وإذا جمعت قيلٌ قلت أقوالٌ، لأنه ليس قبلها ما يستثقل معه من كسرة أو ياء.
ولو جمعت الخيانة والحياكة كما قلت رسالةٌ ورسائل، لقلت حوائك وخوائن؛ لأن الواو إذا كانت بعد فتحة أخف عليهم وبعد ألف، فكأنك قلت عاود، فتقلبها واواً كما قلبت ميزاناً وموازين، ولا يكون أسوأ حالاً في الرد إلى الأصل من رد الساكن إلى الأصل حيث قلب.
ومما أجري مجرى حالت حيالاً ونام نياماً: اجتزت اجتيازاً، وانقدت انقياداً، قلبت الواو ياء حيث كانت بين كسرة وألف، ولم يحذفوا كما حذفوا في الإقالة والاستعاذة، لأن ما قبل هذا المعتل لم يكن ساكناً في الأصل حرك بحركة ما بعده فيفعل ذلك بمصدره. ولكن ما قبله بمنزلة قاف قام ونون نام، فنام وقاد يجري مجراهما. والحرف قبل المعتل فيما ذكرت لك ساكن الأصل، ومصدره كذلك، فأجري مجراه.
فأما اسم اختار واختير فمعتلٌّ كما اعتل اسم قال وقيل، وكذلك اسم انقاد وانقيد ونحوه.
فأما الفعال من جاورت فتقول فيه بالأصل، وذلك الجوار والحوار. ومثل ذلك عاونته عواناً. وإنما أجريتها على الأصل حيث صحت في الفعل ولم تعتل كما قلت تجاور ثم قلت التجاور، وكما صح فعلت وتفعلت حيث قلت سوغته تسويغاً وتقول تقولاً.

وأما الفعول من نحو قلت مصدراً، ومن نحو سوط جمعاً، فليس قبل الواو فيه كسرة فتقلبها كما تقلبها ساكنة، فهم يدعونها على الأصل كما يدعون أدوراً، ويهمزون كما يهمزونه. والوجهان مطردان، وكذلك فعولٌ. ولم يسكنوا فيحذفوا ويصيرا بمنزلة ما لا زيادة فيه نحو فعلٍ، وذلك نحو غارت غووراً، وسارت سووراً، وحولٌ وحوولٌ، وخورٌ وخوورٌ، وساقٌ وسووقٌ. وكذلك قالوا: القوول، والموونة، والنووم، والنوور. وقد همزوا كما همزوا أدؤر، لاجتماع الواو والضم، ولأن الضم فيها أخفى.
ولا يفعلون ذلك بالياء في هذه الأبنية، لأنها بعدها أخف عليهم، لخفة الياء وشبهها بالألف، فكأنها بعد ألف، ولكنها تقلب ياء في فعل؛ وذلك قولهم: صيمٌ في صومٍ، وقيمٌ في قوم، وقيلٌ في قول، ونيمٌ في نومٍ. لما كانت الياء أخف عليهم وكانت بعد ضمة، شبهوها بقولهم عتيٌّ في عتوٍ، وجثيٌّ في جثوٍ، وعصيٌّ في عصوٍ. وقد قالوا أيضاً: صيمٌ ونيمٌ، كما قالوا عتيٌّ وعصيٌّ. ولم يقلبوا في زوارٍ وصوامٍ لأنهم شبهوا الواو في صيمٍ بها في عتوٍ إذا كانت لاماً وقبل اللام واو زائدة. وكلما تباعدت من آخر الحرف بعد شبهها وقويت وترك ذلك فيها إذ لم يكن القلب الوجه في فعلٍ. ولغة القلب مطردة في فعلٍ.
وقالوا: مشوبٌ ومشيبٌ، وحورٌ وحيرٌ، وهذا النحو، فشبهوه بفعلٍ وأجروه مجراه.
وأما طويلٌ وطوالٌ فهو بمنزلة جاور وجوارٌ، لأنها حية في الواحد على الأصل.
وأما فعلانٌ فيجري على الأصل وفعلى، نحو جولانٍ وحيدانٍن وصورى وحيدى. جعلوه بالزيادة حتى لحقته بمنزلة ما لا زيادة فيه مما لم يجىء على مثال الفعل، نحوا لحول والغير واللومة. ومع هذا أنهم لم يكونوا ليجيئوا بهما في المعتل الأضعف على الأصل نحو: غزوانٍ، ونزوانٍ، ونفيانٍ. ويتركان في يالمعتل الأقوى.
وكذلك فعلاء، نحو السيراء. وفعلاء بمنزلة ذلك. قالوا: قوباء وخيلاء، فتمت كما قالوا: عرواءٌ.
وقد قالبعضهم في فعلان وفعلى كما قالوا في فعلٍ ولا زيادة فيه، جعلوا الزيادة في آخره بمنزلة الهاء، وجعلوه معتلاً كاعتلاله ولا زيادة فيه. وذلك قولهم: دارانٌ من دار يدور، وحادانٌ من حاد يحيد، وهامانٌ ودالانٌ. وهذا ليس بالمطرد كما لا تطرد أشياء كثيرة ذكرناها.
وأما فعلى وفعلى وهذا النحو فلا تدخله العلة كما لا تدخل فعلٌ وفعل.
باب ما تقلب فيه الياء واواً
وذلك فعلى إذا كانت اسماً. وذلك: الطوبى، والكوسى، لأنها لا تكون وصفاً بغير ألف ولام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً.
وأما إذا كانت وصفاً بغير ألف ولام فإنها بمنزلة فعلٍ منها، يعني بيضٌ. وذلك قولهم: امرأةٌ حيكى. ويدلك على أنها فعلى أنه لا يكون فعلى صفةً.
ومثل ذلك: " قسمةٌ ضيزى " فإنما فرقوا بين الاسم والصفة في هذا كما فرقوا بين فعلى اسماً وبين فعلى صفة في بنات الياء التي الياء فيهن لام. وذلك قولهم: شروى وتقوى في الأسماء.
وتقول في الصفات: صديا وخزيا، فلا تقلب. فكذلك فرقوا بين فعلى صفة وفعلى اسماً فيما الياء فيه عين، وصارت فعلى ههنا نظيرة فعلى هناك، ولم يجعلوها نظيرة فعلى حيث كانت الياء ثانية، ولكنهم جعلوا فعلى اسماً بمنزلتها، لأنها إذا ثبتت الضمة في أول حرف قلبت الياء واواً، والفتحة لا تقلب الياء، فكرهوا أن يقلبوا الثانية إذا كانت ساكنةً إلا كما قلبوا ياء موقنٍ، وإلا كما قلبوا واو ميزانٍ وقيل. وليس شيءٌ من هذا يقلب وقبله الفتحة. وكما قلبوا ياء يوقن في الفعل.
فأما فعلى فعلى الأصل في الواو والياء، وذلك قولهم: فوضى، وعيثى. وفعلى من قلت على الأصل كما كانت فعلى من غزوت على الأصل، فإنما أرادوا أن تحول إذا كانت ثانيةً من علة، فكان ذلك تعويضاً للواو من كثرة دخول الياء عليها.
باب ما تقلب الواو فيه ياءً
إذا كانت متحركة والياء قبلها ساكنة، أو كانت ساكنة والياء بعدها متحركةوذلك لأن الياء والواو بمنزلة التي تدانت مخارجها لكثرة استعمالهم إياهما وممرهما على ألسنتهم، فلما كانت الواو ليس بينها وبين الياء حاجزٌ بعد الياء ولا قبلها، كان العمل من وجهٍ واحد ورفع اللسان من موضع واحد، أخف عليهم. وكانت الياء الغالبة في القلب لا الواو؛ لأنها أخف عليهم، لشبهها بالألف. وذلك قولك في فيعلٍ: سيدٌ وصيبٌ، وإنما أصلهما سيودٌ وصيوبٌ.

وكان الخليل يقول: سيدٌ فيعلٌ وإن لم يكن فيعلٌ في غير المعتل، لأنهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا كينونةٌ والقيدود، لأنه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود. ألا ترى أنك تقول جملٌ منقاد وأقود، فأصلهما فيعلولةٌ. وليس في غير المعتل فيعلولٌ مصدراً. وقالوا: قضاةٌ فجاءوا به على فعلةٍ في الجمع، ولا يكون في غير المعتل للجمع. ولو أرادوا فيعلٌ لتركوه مفتوحاً كما قالوا تيحانٌ وهيبانٌ.
وقد قال غيره: هو فيعلٌ، لأنه ليس في غير المعتل فيعلٌ. وقالوا: غيرت الحركة لأن الحركة قد تقلب إذا غير الاسم. ألا تراهم قالوا بصريٌّ، وقالو أمويٌّ، وقالوا أختٌ، وأصله الفتح. وقالوا دهريٌّ. فكذلك غيروا حركة فيعلٍ.
وقول الخليل أعجب إلي؛ لأنه قد جاء في المعتل بناءٌ لم يجىء في غيره، ولأنهم قالوا هيبانٌ وتيحانٌ فلم يكسروا. وقد قال بعض العرب:
ما بال عيني كالشعب العين
فإنما يحمل هذا على الاطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك؛ ووجدت بناء في المعتل لم يكن في غيره. ولا تحمله على الشاذ الذي لا يطرد، فقد وجدت سبيلاً إلى أن يكون فيعلاً.
وأما قولهم: ميتٌ وهينٌ ولينٌ، فإنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائرٍ، لاستثقالهم الياءات، كذلك حذفوها في كينونةٍ وقيدودةٍ وصيرورةٍ، لما كانوا يحذفونها في العدد الأقل، ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية في العدد، إلا حرفاً واحداً. وإنما أرادوا بهن مثال عيضموزٍ.
وإذا أردت فيعل من قلت قلت قيلٌ. فلو كان يغير شيء من الحركة باطراد لغيروا الحركة ههنا. فهذه تقوية لأن يحمل سيدٌ على فيعلٍ، إذ كانت الكسرة مطردة كثيرة. وبنات الياء فيما ذكرت لك وبنات الواو سواء.
ومما قلبوا الواو فيه ياء ديارٌ وقيامٌ، وإنما كان الحد قيوامٌ وديوار.
وقالوا قيومٌ وديورٌ، وإنما الأصل قيوومٌ وديوورٌ، لأنهما بنيا على فيعالٍ وفيعولٍ.
وأما فعيلٌ مثل حذيمٍ فبمنزلة فيعلٍ، إلا أنك تكسر أول حرف فيه.
وأما زيلت ففعلت من زايلت. وإنا زايلت بارحت، لأن مازلت أفعل ما برحت أفعل، فإنما هي من زلت، وزلت من الياء. ولو كانت زيلت فيعلت لقلت في المصدر زيلةً ولم تقل تزييلاً.
وأما تحيزت فتفيعلت من حزت، والتحيز تفيعلٌ.
وأما صيودٌ وطويلٌ وأشباه ذلك فإنما منعهم أن يقلبوا الواو فيهن ياءً أن الحرف الأول متحرك، فلم يكن ليكون إدغامٌ إلا بسكون الأول. ألا ترى أن الحرفين إذا تقارب موضعهما فتحركا أو تحرك الأول وسكن الآخر لم يدغموا نحو قولهم: وتدٌ ووتدٌ فعلٌ، ولم يجيزوا وده على هذا فيجعلوه بمنزلة مد لأن الحرفين ليسا من موضع تضعيف، فهم في الواو والياء أجدر أن لا يفعلوا ذلك.
وإنما أجروا الواو والياء مجرى الحرفين المتقاربين، وإنما السكون والتحرك في المتقاربين، فإذا لم يكن الأول ساكناً لم تصل إلى الإدغام، لأنه لا يسكن حرفان. فكانت الواو والياء أجدر أن لا يفعل بهما ما يفعل بمد ومد، لبعد ما بين الحرفين. فلما لم يصلوا إلى أن يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة لم يقلبوا وتركوها على الأصل كما ترك المشبه به.
وفوعلٌ من بعت بيعٌن تقلب الواو كما قلبها وهي عين في فيعلٍ وفيعلٍ من قلت. وكذلك فعيل من بعت وفعولٌ، تقول بيعٌ وبيعٌ. وعلى هذه الطريقة فأجر هذا النحو.
وسألت الخليل عن سوير وبويع ما منعهم من أن يقلبوا الواو ياءً؟ فقال: لأن هذه الواو ليست بلازمة ولا بأصل، وإنما صارت للضمة حين قلت فوعل. ألا ترى أنك تقول: سير ويساير، فلا تكون فيهما الواو. وكذلك تفوعل نحو: تبويع، لأن الواو ليست بلازمة، وإنما الأصل الألف.
ومثل ذلك قولهم: رويةٌ ورويا ونوىٌ، لم يقلبوها ياءً حيث تركوا الهمزة، لأن الأصل ليس بالواو، فهي في سوير أجدر أن يدعوها، لأن الواو تفارقها إذا تركت فوعل، وهي في هذه الأشياء لا تفارق إذا تركت الهمزة.

وقال بعضهم: ريا وريةٌ، فجعلها بمنزلة الواو التي ليست ببدل من شيءٍ. ولا يكون في سوير وتبويع، لأن الواو بدل من الألف، فأرادوا أن يمدوا كما مدوا الألف، وأن لا يكون فوعل وتفوعل بمنزلة فعل وتفعل. ألا تراهم قالوا: قوول وتقوول، فمدوا ولم يرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدةً، لئلا يكون كفعل وتفعل، وليكون على حال الألف في المد. ولا تدغمها فتصير بمنزلة حرفين يلتقيان في غير حروف المد من موضع واحد الأول منهما ساكن، فكما ترك الإدغام في الواوين كذلك ترك في سوير وتبويع.
ونحو هذه الواو والياء في سوير وتبويع واو ديوانٍ، وذلك لأن هذه الياء ليست بلازمة للاسم كلزوم ياء فيعلٍ وفيعالٍ وفعيلٍ ونحو ذلك، وإنما هي بدلٌ من الواو وكما أبدلت ياء قيراطٍ مكان الراء، ألا تراهم يقولون دوبوينٌ في التحقير، ودواوين في الجمع، فتذهب الياء. فلما كانت كذلك شبهت هذه الياء بواو رويةٍ وواو بوطر؛ فلم يغيروا الواو كما لم يغيروا تلك الواو للياء. ولو بنيتها، يعني ديوان؛ على فيعالٍ لأدغمت، ولكنك جعلتها فعالٌ ثم أبدلت كما قلت تظنيت. وكذلك قلت قراريط فرددت وحذفت الياء. وهي من بعت على القياس لو قيل بياعٌ بإدغام، لأنك لا تنجو من ياءين.
باب ما يكسر عليه الواحد

مما ذكرنا في الباب الذي قبله ونحوه

اعلم أنك إذا جمعت فوعلاً من قلت همزة كما همزة فواعل من عورت وصيدت.
فإذا جمعت سيداًن وهو فيعلٌ، وفيعلاً نحو عينٍ همزت، وذلك: عيلٌ وعيائل، وخيرٌ وخيائر، لما اعتلت ههنا، فقلبت بعد حرف مزيد في موضع ألف فاعلٍ، همزت حيث وقعت بعد ألف، وصار انقلابها ياء نظير الهمزة في قائلٍ. ولم يصلوا إلى الهمزة في الواحد إذ كانت قبلها ياء، فكأنهم جمعوا شيئاً مهموزاً. ولم يكن ليعتل بعد ياء زائدة في موضع ألف ولا يعتل بعد الألف. ولو لم يعتل لم يهمز، كما قالوا: ضيونٌ وضياون، وقالوا: عينٌ وعيائن.
وإذا جمعت فعلٌ من قلت قلت قوائل، همزت.
وإذا جمعت فعولاً فبناؤه بناء فوعلٍ في اللفظ سواء. ألا ترى أن الواوين يقدمان ويؤخران. وذلك قولك إذا أردت فوعلاً قولٌ، وإذا أردت فعولاً قولٌ. وتهمز فعاول فتقول قوائل كما همزت فعاعل. وإنما فعلوا ذلك لالتقاء الواوين، وأنه ليس بينهما حاجز حصين، وإنما هو الألف تخفى حتى تصير كأنك قلت قوول، وقربت من آخر الحرف فهمزت وشبهت بواو سماء، كما قالوا صيمٌ، فأجروها مجرى عتيٍ. وذلك الذي دعاهم إلى أن غيروا شوايا.
وإذا التقت الواوان على هذا المثال فلا تلتفتن إلى الزائد وإلى غير الزائد. ألا تراهم قالوا أول وأوائل، فهمزوا ما جاء من نفس الحرف وأما قول الشاعر:
وكحل العينين بالعواور
فإنما اضطر فحذف الياء من عواوير ولم يكن ترك الواو لازماً له في الكلام فيهمز.
وكذلك فواعل من قلت قوائل، لأنها لا تكون أمثل حالاً من فواعل من عورت ومن أوائل.
واعلم أن بنات الياء نحو بعت تبيع في جميع هذا كبنات الواو، يهمزن كما همزت فواعل من صيدت، فجعلتها بمنزلة عورت، فوافقتها كما وافقت حييت شويت، لأن الياء قد تستثقل مع الواو كما تستثقل الواوان، فوافقت هذه الواو وصارت يجري عليها ما يجري على الواو في الهمز وتركه، كما اتفقتا في حال الاعتلال وترك الأصل. فلما كثرت موافقتها لها في الاعتلال والخروج عن الأصل، وكانت الياءان تستثقلان وتستثقل الياء مع الواو، أجريت مجراها في الهمز، لأنهم قد يكرهون من الياء مثل ما يكرهون من الواو.
ويهمز فعيلٌ من قلت وبعت. وذلك قوائل وبيائع، فهمزت الياء كما همزت الواو في فعاول، فاتفقا في هذا الباب كما اتفقت الياء والواو فيما ذكرت لك، إذ كان اجتماع الياءات يكره، والياء مع الواو مكروهتان.
باب ما يجري فيه بعض ما ذكرنا

إذا كسر للجمع على الأصل

فمن ذلك: فيعالٌ، نحو ديارٍ وقيام، وديورٍ، وقيومٍ، تقول دياوير وقياويم.
ومثل ذلك عوارٌ تقول عواويرً، ولا تهمز هذا كما تهمز فعاعل من قلت.

وخالفت فعالٌ فعلاً كما يخالف فاعولٌ نحو طاووسٍ عاوراً إذا جمعت فقلت طواويس. وإنما خالفت الحروف الأول هذه الحروف لأن كل شيء من الأول همز على اعتلال فعله أو واحده فإنما شبه حيث قرب من آخر الحروف بالياء والواو اللتين تكونان لامين، إذا وقعتا بعد الألف ولا شيء بعدهما، نحو سقاءٍ وقضاءٍ، فجعلت الياءات والواوات هنا كأنهن أواخر الحروف، كما جعلت الواوان في صيمٍ كأنهما أواخر الحروف. فإذا فصلت بينهن وبين أواخ الحروف بحرفٍ جرين على الأصل، تقول: الشقاوة والغواية، فتخرجهما على الأصل، إذا كان آخر الكلمة ما بعدهما وحرف الإعراب. فإذا كان هذا النحو هكذا فالمعتل الذي هو أقوى وقد منعه أن يكون آخر الحرف حرفان، أقرب من البيان، والأصل له ألزم. ومثل هذا قولهم: زوارٌ وصوامٌ، لما بعدت من آخر الكلمة قويت كما قويت الواو في أخوةٍ وأبوةٍ، حيث لم يكونا أواخر الحرفين. فالبيان والأصل في الصوام ينبغي أن يكون ألزم وأثبت، لأنه أقوى المعتلين.
باب فعل من فوعلت

من قلت وفيعلت من بعت

وذلك قولك: قد قوول وقد بويع في فوعلت وفيعلت، فمددت كما مددت في فاعلت. وإنما وافق فوعلت وفيعلت فاعلت ههنا كما اتفقن في غير المعتل. ألا ترى أنك تقول: بيطرت فتقول بوطر، فتمد كما كنت ماداً لو قلت باطرت. وتقول صومعت فتجريها مجرى صامعت لو تكلمت بها. وكذلك فيعلت من بعت إذا قلت فيها فعل، وكذلك تفيعلت منها إذا قلت قد تفوعل، توافق تفاعلت كما وافق الآخر فاعلت. وذلك قولك: تقوول وتبويع، وافق تفاعلت كما يوافق تفيعلت من غير المعتل، وذلك قولك: تفوهق من تفيهقت. كما وافق فاعلت من هذا الباب غير المعتل ولم يكن فيه إدغام، كذلك وافقه فوعلت وفيعلت.
ولم تجعل هذا بمنزله العينين في حولت وزيلت، لأن هذه الواو والياء تزدان كما تزاد الألف. ألا ترى أنهما قد يجيئان وليس بعدهما حرفٌ من موضعهما، ولا يلزمهما تضعيف. وذلك قولك: حوقلت وبيطرت. فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى الألف، وفرق بين هاتين وبين الأخرى المدغمة. وكذلك فعولت تمد منهما ولا تدغم، ولا تجعلها بمنزلة العينين، إذ كانتا حرفين مفترقين. ألا ترى أن الزيادة التي فيها تلحق ولا يلزمها التضعيف في جهورت. فلما كانت الزيادة كذلك جرت ههنا مجراها لو لم تكن بعدها واوٌ زائدة. فكذلك إذا كان الحرف فعولت وفعيلت تجري كما جرت الواو والياء في فوعلت وفيعلت مجراهما وليس بعدهما واو ولا ياء، لأنهما كانا حرفين مفترقين. وذلك قولك: قد بووع وقوول، قلبت ياء بويع واواً للضمة كما فعلت ذلك في فعللت. وسيبين ذلك إن شاء الله.
ولا تقلب الواو ياءً في فوعل من بعت إذا كانت من فيعلت لأن أمرها كأمر سويرت.
وتقول في افعوعلت من سرت: اسييرت، تقلب الواو ياءً لأنها ساكنة بعدها ياء. فإذا قلت فعلت قلت: اسيويرت، لأن هذه الواو قد تقع وليست بعدها ياء، كقولك اغدودن، فهي بمنزلة واو فوعلت وألف افعاللت، وكذلك هي من قلت؛ لأن هذه الواو قد تقع وليس بعدها واو، فيجريان في فعل مجرى غير المعتل كما أجريت الأول مجرى غير المعتل فأجريت اسيوير على مثال اغدودن في هذا المكان، واشهوب في هذا المكان، ولم تقلب الواو ياءً، لأن قصتها قصة سوير.
وسألته عن اليوم فقال: كأنه من يمت وإن لم يستعملوا هذا في كلامهم، كراهية أن يجمعوا بين هذا المعتل وياء تدخلها الضمة في يفعل كراهية أن يجتمع في يفعل ياءان في إحداهما ضمةٌ مع المعتل. فلما كانوا يستثقلون الواو وحدها في الفعل رفضوها في هذا لما يلزمهم من الاستثقال في تصرف الفعل. ومما جاء على فعل لا يتكلم به كراهية نحو ما ذكرت لك: أول، والواو، وآءة وويحٌ، وويسٌ، وويلٌ، بمنزله اليوم، كأنها من: ولت ووحت، وأؤت، وإن لم يتكلم بها؛ تقديرها ععت من قولك: آءةٌ؛ لما يجتمع فيه مما يستثقلون.
وسألته: كيف ينبغي له أن يقول أفعلت في القياس من اليوم على من قال أطولت وأجودت، فقال: أيمت، فتقلب الواو ههنا كما قلبها في أيام. وكذلك تقلبها في كل موضع تصح فيه ياء أيقنت. فإذا فعلت أفعل ومفعلٌ ويفعل قلت: أووم ويووم وموومٌ؛ لأن الياء لا يلزمها أن تكون بعدها ياء كفعلت من بعت، وقد تقع وحدها. فكما أجريت فيعلت وفوعلت مجرى بيطرت وصومعت، كذلك جرى هذا مجرى أيقنت.

وإذا قلت أفعل من اليوم قلت أيم كما قلت أيام. فإذا كسرت على الجمع همزت فقلت أيائم، لأنها اعتلت ههنا كما اعتلت في سيدٍ. والياء قد تستثقل مع الواو فكما أجريت سيداً مجرى فوعلٍ من قلت، كذلك تجري هذا مجرى أول.
وأما افعوعلت من قلت فبمنزلة افعوعلت من سرت في فعل، وأتمت افعوعلت منها كما يتم فاعلت وتفاعلت، لأنهم لو أسكنوا كان فيه حذف الألف والواو، لئلا يلتقي ساكنان.
وكذلك افعاللت وافعللت. وذلك قولك في افعوعلث اقوولت وفي افعاللت من الياء والواو: اسواددت وابياضضت. فإذا أردت فعل قلت: ابيوض كما قلت اشهوب وضورب، فقلبت الألف.
وأما افعللت فقولك: ازوررت وابيضضت.
باب تقلب فيه الياء واواً
وذلك قولك في فعللٍ من كلت كولل، وفعلل إذا أردت الفعل كولل، ولم تجعل هذه الأشياء بمنزلة بيضٍ وقد بيع، حيث خرجت إلى مثالها لبعدها من هذا، وصارت على أربعة أحرف، وكان الاسم منها لا تحرك ياؤه ما دام على هذه العدة، وكان الفعل ليس أصل يائه التحريك. فلما كان هذا هكذا جرى فعله في فعل مجرى بوطر من البيطرة، وأيقن يوقن وأوقن، والاسم يجري مجرى موقنٍ. سمعنا من العرب من يقول: تعيطت الناقة. وقال:
مظاهرةً نياً عتيقاً وعوططاً ... فقد أحكما خلقاً لها متباينا
العوطط فعللٌ.
باب ما الهمزة فيه في موضع اللام

من بنات الياء والواو

وذلك نحو: ساء يسوؤ، وناء ينوء؛ وداء يداء، وجاء يجيء، وفاء يفيء، وشاء يشاء.
اعلم أن الواو والياء لا تعلان واللام ياء أو واوٌ، لأنهم إذا فعلوا ذلك صاروا إلى ما يستثقلون، وإلى الالتباس والإجحاف. وإنما اعتلتا للتخفيف. فلما كان ذلك يصيرهم إلى ما ذكرت لك رفض.
فهذه الحروف تجري مجرى قال يقول، وباع يبيع، وخاف يخاف، وهاب يهاب. إلا أنك تحول اللام ياءً إذا همزت العين، وذلك قولك: جاءٍ كما ترى، همزت العين التي همزت في بائعٍ واللام مهموزةٌ، فالتقت همزتان، ولم تكن لتجعل اللام بين بين من قبل أنهما في كلمة واحدة، وأنهما لا يفترقان، فصار بمنزلة ما يلزمه الإدغام لأنه في كلمة واحدة، وأن التضعيف لا يفارقه. وسترى ذلك في باب الإدغام إن شاء الله.
فلما لزمت الهمزتان ازدادتا ثقلاً، فحولوا اللام وأخرجوها من شبه الهمزة.
وجميع ما ذكرت لك في فاعلٍ بمنزلة جاء. ولم يجعلوا هذا بمنزلة خطايا لأن الهمز لم يعرض في الجمع، فأجري هذا مجرى شاءٍ وناءٍ من شأوت ونأيت.
وأما خطايا فحيث كانت همزتها تعرض في الجمع أجريت مجرى مطايا.
واعلم أن ياء فعائل أبداً مهموزة، لا تكون إلا كذلك، ولم تزد إلا كذلك، وشبهت بفعاعل.
وإذا قلت فواعل من جئت قلت جواءٍ، كما تقول من شأوت شواءٍ، فتجريها في الجمع على حد ما كانت عليه في الواحد، لأنك أجريت واحدها مجرى الواحد من شأوت.
وأما فعائل من جئت وسؤت فكخطايا، تقول: جبايا وسوايا.
وأما الخليل فكان يزعم أن قولك جاءٍ وشاءٍ ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة. وذلك نحو قولهم، للعجاج:
لاثٍ بها الأشاء والعبرى
وقال، لطريف بن تميم العنبري:
فتعرفوني أنني أناذاكم ... شاكٍ سلاحي في الحوادث معلم
وأكثر العرب يقول: لاثٌ وشاكٌ سلاحه. فهؤلاء حذفوا الهمزة، وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت حين قالوا فاعلٌ، لأن من شأنهم الحذف لا القلب ولم يصلوا إلى حذفها كراهية أن تلتقي الألف والياء وهما ساكنتان. فهذا تقويةٌ لمن زعم أن الهمزة في جاء هي الهمزة التي تبدل من العين. وكلا القولين حسنٌ جميل.
وأما فعائلٌ من جئت فجياءٍ، ومن سوت سواءٍ، لأنها ليست همزةً تعرض في جمعٍ، فهي كمفاعلٍ من شأوت.
وأما فعللٌ من جئت وقرأت فإنك تقول فيه: جيأى وقرأى، وفعللٌ منهما: قرئىٍ وجوئىٍ، وفعللٌ: قرئىٍ وجيءٍ. وإنما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين ولزومهما. وليس يكون ههنا قلبٌ كما كان في جاءٍ، لأنه ليس ههنا شيء أصله الواو ولا الياء فإذا جعلته طرفاً جعلته كياء قاضٍ، وإنما الأصل ههنا الهمز. فإنما أجري جاءٍ في قول من زعم أنه مقلوب مجرى لاثٍ حيث قلبوا قراءٍ وجياءٍ، لأن الهمزة ثابتة في الواحد، وليست تعرض في الجمع، فأجريت مجرى مشأى ومشاءٍ ونحو هذا.

وأما فعاعل من جئت وسؤت فتقول فيه سوايا وجبايا، لأن فعاعل من بعت وقلت مهموزان، فلما وافقت اللام مهموزةً لم يكن من قلب اللام ياءً بدٌّ، كما قلبتها في جاء وخطايا. فلما كانت تقلب ياء وكانت الهمزة إنما تكون في حال الجمع أجريت مجرى فواعل من شويت وحويت حين قلت: شوايا، لأنها همزة عرضت في الجمع وبعدها ياءٌ فأجريت مجرى مطايا. ومن جعلها مقلوبة فشبهها بقوله شواعٍ وإنما يريد شوائع، فهو ينبغي له أن يقول جياءٍ وشواءٍ، لأنهما همزتا الأصل التي تكون في الواحد. وإنما جعلت العين التي أصلها الياء والواو طرفاً، فأجريت مجرى واو شأوت وياء نأيت في فاعل.
وأما افعللت من صدئت فاصدأيت، تقلبها ياء كما تقلبها في مفعللٍ، وذلك قولك: مصدىءٍ كما ترى، ويفعلل يصدئى، لم تكن لتكون ههنا بمنزلة بنات الياء وتكون في فعلت ألفاً. ومن ثم لم يجعلوها ألفاً ساكنة. كما أنك لم تقل أغزوت إذ كنت تقول يغزى، فلم تكن لتجعل فعلت منه بمنزلة الهمزة وسائره كبنات الياء، فأجري هذا مجرى رمى يرمي.
وهذا قول الخليل.
وفياعل من سؤت وجئت بمنزلة فعاعل، تقول: جبايا وسيايا، لأنها همزة عرضت في الجمع.
وسألته عن قوله: سؤته سوائيةً فقال: هي فعاليةٌ بمنزلة علانيةٍ. والذين قالوا سوايةٌ حذفوا الهمزة كما حذفوا همزة هارٍ ولاثٍ، كما اجتمع أكثرهم على ترك الهمزة في ملكٍ وأصله الهمزة. قال الشاعر:
فلست لانسىٍ ولكن لملأكٍ ... تنزل من جو السماء يصوب
وقالوا: مألكةٌ وملأكةٌ، وإنما يزيد رسالةٌ.
وسألته عن مسائية فقال: هي مقلوبة. وكذلك أشياء وأشاوى. ونظير ذلك من المقلوب قسيٌّ، وإنما أصلها قووسٌ، كرهوا الواوين والضمتين. ومثل ذلك قول الشاعر:
مروان مروان أخو اليوم اليمى
وإنما أراد اليوم، فاضطر إلى هذا ومع ذلك أن هذه الواو تعتل في فعلٍ وتكره، فهي في الياء أجدر أن تكره، فصار اليوم بمنزلة القووس. فمسائيةٌ إنما كان حدها مساوئةٌ، فكرهوا الواو مع الهمزة لأنهما حرفان مستثقلان.
وكان أصل أشياء شيئاء، فكرهوا منها مع الهمزة مثل ما كره من الواو وكذلك أشاوى أصلها أشايا كأنك جمعت عليها إشاوة، وكأن أصل إشاوة شيئاء، ولكنهم قلبوا الهمزة قبل الشين وأبدلوا مكان الياء الواو، كما قالوا: أتيته أتوةً، وجبيته جباوةً، والعليا والعلياء.
ومثل هذا في القلب طأمن واطمأن. فإنما حمل هذه الأشياء على القلب حيث كان معناها معنى ما لا يطرد ذلك فيه، كان اللفظ فيه إذا أنت قلبته ذلك اللفظ، فصار هذا بمنزلة ما يكون فيه الحرف من حروف الزوائد ثم يشتق في معناه ما يذهب فيه الحرف الزائد.
وأما جذبت وجبذت ونحوه فليس فيه قلب، وكل واحدٍ منهما على حدته، لأن ذلك يطرد فيهما في كل معنىً، ويتصرف الفعل فيه. وليس هذا بمنزلة ما لا يطرد مما إذا قلبت حروفه عما تكلموا به وجدت لفظه لفظ ما هو في معناه من فعلٍ أو واحدٍ هو الأصل الذي ينبغي أن يكون ذلك داخلاً عليه كدخول الزوائد.
وجميع هذا قول الخليل.
وأما كلا وكلٌّ فمن لفظين؛ لأنه ليس ههنا قلب ولا حرفٌ من حروف الزوائد يعرف هذا له موضعاً.
باب ما كانت الواو والياء فيه لاماتاعلم أنهن لاماتٍ أشد اعتلالاً وأضعف، لأنهن حروف إعراب، وعليهن يقع التنوين، والإضافة إلى نفسك بالياء، والتثنية، والإضافة، نحو هنيٍ، فإنما ضعفت لأنها اعتمد عليها بهذه الأشياء. وكلما بعدتا من آخر الحرف كان أقوى لهما. فهما عيناتٍ أقوى، وهما فاءاتٍ أقوى منهما عيناتٍ ولاماتٍ. وذلك نحو غزوت ورميت.
واعلم أن يفعل من الواو تكون حركة عينه من المعتل الذي بعده، ويفعل من الياء تكون حركة عينه من الحرف الذي بعده، فيكون في غزوت أبداً يفعل، وفي رميت يفعل أبداًز ولم يلزمهما يفعل ويفعل حيث اعتلتاء لأنهم جعلوا ما قبلهما معتلين كاعتلالهما.
واعلم أن فعلت قد تدخل عليهما كما دخلت عليهما وهما عيناتٌ، وذلك شقيت وغبيت.
وأما فعل فيكون في الواو نحو سرو يسرو، ولا يكون في الياء، لأنهم يقرون من الواو إليها، فلم يكونوا لينقلوا الأخف إلى الأثقل فيلزمها ذلك في تصرف الفعل.

واعلم أن الواو في يفعل تعتل إذا كان قبلها ضمة ولا تقلب ياءً ولا يدخلها الرفع، كما كرهوا الضمة في فعل، وذلك نحو البون والعون. فالأضعف أجدر أن يكرهوا ذلك فيه. ولكنهم ينصبون لأن الفتحة فيها أخف عليهم، كما أن الألف أخف عليهم من الواو. ألا تراهم إذا قالوا فعلٌ من باب قلت لم تعتل، وذلك نحو: النومة، واللومة. والضمة فيها كواو بعدها، والفتحة فيها كألف بعدها، وذلك قولك: هو يغزوك، ويريد أن يغزوك.
وإذا كان قبل الياء كسرةٌ لم يدخلها جرٌّ كما لم يدخل الواو ضم، لأن الياءات قد يكره منها ما يكره من الواوات، فصارت وقبلها كسرة كالواو والضمة قبلها، ولا يدخلها الرفع إذ كره الجر فيها، لأن الواو قد تكره بعد الياء حتى تقلب ياءً، والضمة تكره معها حتى تكسر في بيضٍ ونحوها. فلما تركوا الجر كانوا لما هو أثقل مع الياء وما هو منها أترك.
وأما النصب فإنه يدخل عليها؛ لأن الألف والفتحة معها أخف كما كانتا كذلك في الواو. وذلك قولك: هذا راميك وهو يرميك، ورأيت راميك ويريد أن يرميك.
وإذا كانت الياء والواو قبلها فتحةٌ اعتلت وقلبت ألفاً كما اعتلت وقبلها الضم والكسر، ولم يجعلوها وقبلها الفتحة على الأصل إذ لم تكن على الأصل وقبلها الضمة والكسرة، فإذا اعتلت قلبت ألفاً، فتصير الحركة من الحرف الذي بعدها كما كانت الحركة قبل الياء والواو حيث اعتلت مما بعدها. وذلك قولك: رمى ويرمى، وغزا ويغزى، ومرمى ومغزىً.
وأما قولهم: غزوت ورميت، وغزون ورمين، فإنما جئن على الأصل لأنه موضعٌ لا تحرك فيه اللام، وإنما أصلها في هذا الموضع السكون، وإنما تقلب ألفاً إذا كانت متحركةً في الأصل، كما اعتلت الياء وقبلها الكسرة، والواو وقبلها الضمة، وأصلها التحرك.
واعلم أن الواو إذا كان قبلها حرف مضموم في الاسم وكانت حرف الإعراب قلبت ياءً وكسر المضموم، كما كسرت الباء في مبيع. وذلك قولك: دلوٌ وأدلٍ، وأحقٍ كما ترى، فصارت الواو ههنا أضعف منها في الفعل حين قلت يغزو ويسرو، لأن التنوين يقع عليها والإضافة بالياء نحو قولك: هنيٌّ، والتثنية، والإضافة إلى نفسك بالياء؛ فلا تجد بداً من أن تقلبها، فلما كثرت هذه الأشياء عليها وكانت الياء قد تغلب عليها لو ثبتت، أبدلوها مكانها، لأنها أخف عليهم والكسرة من الواو والضمة. وهي أغلب على الواو من الواو عليها. فإن كان قبل الواو ضمة ولم تكن حرف إعراب ثبتت، وذلك نحو: عنفوانٍ، وقمحدوةٍ، وأفعوانٍ، لأن هذه الأشياء التي وقعت على الواو في أدلٍ ونحوها وقعت ههنا على الهاء والنون. وقالوا: قلنسوةٌ فأثبتوا، ثم قالوا قلنسٍ فأبدلوا مكانها الياء لما صارت حرف الإعراب.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ ساكنٌ جرتا مجرى غير المعتل، وذلك نحو: ظبيٍ ودلوٍ، لأنه لم يجتمع ياءٌ وكسرة، ولا واوٌ وضمة، ولم يكن ما قبلهما مفتوحاً فتجري مرى ما قبله الكسرة أو ما قبله الضمة في الاعتلال، وقويتا حيث ضعف ما قبلهما. ومن ثم قالوا: مغزوٌّ كما ترى وعتوٌّ فاعلم.
وقالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ، شبهوها حيث كان قبلها حرف مضموم ولم يكن بينهما إلا حرف ساكن بأدلٍ. فالوجه في هذا النحو الواو. والأخرى عربية كثيرة.
والوجه في الجمع الياء، وذلك قولك: ثديٌّ وعصيٌّ، لأن هذا جمعٌ كما أن أدلياً جمعٌ. وقد قال بعضهم: إنكم لتنتظرون في نحوٍ كثيرة، فشبهوها بعتوٍ. وهذا قليل، وإنما أراد جمع النحو. فإنما لزمتها الياء حيث كانت الياء تدخل فيما هو أبعد شبهاً، يعني صيمٌ.
وقد يكسرون أول الحروف لما بعده من الكسرة والياء، وهي لغة جيدة. وذلك قول بعضهم: ثديٌّ، وحقيٌّ، وعصي، وجثيٌّ. وقال فيما قلبت الواو فيه ياءً من غير الجمع. البيت لعبد غيوث بن وقاصٍ الحارثي:
وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معدياً عليه وعاديا
وقالوا: يسنوها المطر، وهي أرضٌ مسنيةٌ. وقالوا: مرضيٌّ وإنما أصله الواو. وقالوا مرضوٌّ فجاءوا به على الأصل والقياس.

فإن كان الساكن الذي قبل الياء والواو ألفاً زائدةً همزت، وذلك نحو: القضاء، والنماء، والشقاء. وأنما دعاهم إلى ذلك أنهم قالوا: عتيٌّ ومغزيٌّ وعصيٌّ، فجعلوا اللام كأنها ليس بينها وبين العين شيء، فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، فكذلك جعلوها في قضاء ونحوها، كأنه ليس بينها وبين فتحة العين شيء، وألزموها الاعتلال في الألف لأنها بعد الفتحة أشد اعتلالاً. ألا ترى أن الواو بعد الضمة تثبت في الفعل وفي قمحدوةٍ، وتدخلها الفتحة، والياء بعد الكسرة تدخلها الفتحة ولا تغير فتحول من موضعها. وهما بعد الفتحة لا تكونان إلا مقلوبتين لازماً لهما السكون.
ولا يكون هذا في دلوٍ وظبيٍ ونحوهما، لأن المتحرك ليس بالعين، ولأنك لو أردت ذلك لغيرت البناء وحركت الساكن.
واعلم أن هذه الواو لا تقع قبلها أبداً كسرةٌ إلا قلبت ياء. وذلك نحو: غاز، وغزى، ونحوهما.
وسألته عن قوله غزى وشقى إذا خففت في لغة من قال عصر وعلم فقال: إذا فعلت ذلك تركتها ياءً على حالها، لأني إنما خففت ما قد لزمته الياء، وإنما أصلها التحريك وقلب الواو، وليس أصل هذا بفعل ولا فعل. ألا تراهم قالوا: لقضوً الرجل، فلما كانت مخففة مما أصله التحريك وقلب الواو، لم يغيروا الواو. ولو قالوا غزو وشقو لقالوا: لقضى.
وسألته عن قول بعض العرب: رضيوا، فقال: هي بمنزلة غزى، لأنه أسكن العين، ولو كسرها لحذف لأنه لا يلتقي ساكنان حيث كانت لا تدخلها الضمة وقبلها الكسرة.
وتقول سرووا على الإسكان، وسروا على إثبات الحركة.
وتقول في فعلٍ من جئت: جيءٌ. فإن خففت الهمزة قلت جيٌ فضممت للتحريك.
وتقول في فعللٍ من جئت: جوىءٍ. فإن خففت قلت جيٍ، تقلبها ياءً للحركة كما تقول في موقنٍ مييقنٌ في التحرك للتحقير، وكما تقول في ليةٍ لويةٌ. وليس ذا بمنزلة غزى، لأن الواو إنما قلبتها للكسرة، فصارت كأنها من الياء. ألا ترى أنك تفعل ذلك في أفعلت واستفعلت ونحوهما إذا قلت أغزيت واستغزيت.
وإذا قلت فعلت من سقت فيمن قال سيقً قلت سقت؛ لأن هذه كسرة كما كسرت خاء خفت.
باب ما يخرج على الأصل

إذا لم يكن حرف إعراب

وذلك قولك: الشقاوة، والإداوة، والإتاوة، والنقاوة، والنقاية، والنهاية.
قويت حيث لم تكن حرف إعراب كما قويت الواو في قمحدوةٍ. وذلك قولهم : أبوةٌ وأخوةٌ، لا يغيران ولا تحولهما فيمن قال مسنيٌّ وعتيٌّ، لأنه قد لزم الإعراب غيرهما.
وسألته عن قولهم: صلاءةٌ، وعباءةٌ، وعظاءةٌ؟ فقال: إنما جاءوا بالواحد على قولهم: صلاءٌ وعظاءٌ وعباءٌ، كما قالوا: مسنيةٌ ومرضيةٌ حيث جاءتا على مرضيٍ ومسنيٍ.
وإنما ألحقت الهاء آخراً حرفاً يعرى منها ويلزمه الإعراب، فلم تقو قوة ما الهاء فيه على أن لا تفارقه. وأما من قال صلايةٌ وعبايةٌ فإنه لم يجىء بالواحد على الصلاء والعباء، كما أنه إذا قال خصيان لم يثنه على الواحد المستعمل في الكلام. ولو أراد ذلك لقال خصيتان.
وسألته عن الثنايين فقال: هو بمنزلة النهاية، لأن الزيادة في آخره لا تفارقه، فأشبهت الهاء. ومن ثم قالوا مذروان، فجاءوا به على الأصل، لأن ما بعده من الزيادة لا يفارقه.
وإذا كان قبل الياء والواو حرفٌ مفتوح وكانت الهاء لازمة لم تكن إلا بمنزلتها لو لم تكن هاءٌ، وذلك نحو: العلاة، وهناةٍ، وقناةٍ. وليس هذا بمنزلة قمحدوة لأنها حيث فتحت وقبلها الضمة كانت بمنزلتها منصوبةً في الفعل. وذلك نحو: سرو، ويريد أن يغزوك.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحة قلبت ألفاً، ثم لم يدخلها تغيرٌ في موضع من المواضع. فإنما قمحدوةٌ بمنزلة ما ذكرت لك من الفعل.
وإذا كان قبلها أو قبل الياء فتحةٌ في الفعل أو غيره لزمها الألف وأن لا تغير.
وأما النفيان والغثيان فإنما دعاهم إلى التحريك أن بعدها ساكناًن فحركوا كما حركوا رميا وغزوا، وكرهوا الحذف مخافة الالتباس، فيصير كأنه فعالٌ من غير بنات الياء والواو. ومثل الغثيان والنفيان: النزوان والكروان.

وإذا كانت الكسرة قبل الواو ثم كان بعدها ما يقع عليه الإعراب لازماً أو غير لازم فهي مبدلةٌ مكانها الياء، لأنهم قد قلبوا الواو في المعتل الأقوىل ياءً وهي متحركة، لما قبلها من الكسر، وذلك نحو: القيام، والثيرة، والسياط. فلما كان هذا في هذا ال نحو ألزموا الأضعف الذي يكون ثالثاً الياء.
وكينونتها ثانيةً أخف، لأنك إذا وصلت إليها بعد حرفٍ كان أخف من أن تصل إليها بعد حرفين. وذلك قولك: محنيةٌ، فإنما هي من حنوت وهي الشيء المحني من الأرض - وغازيةٌ. وقالوا: قنيةٌ للكسرة وبينهما حرف، والأصل قنوةٌ فكيف إذا لم يكن بينهما شيء.
باب ما تقلب فيه الياء واواً
ليفصل بين الصفة والاسموذلك فعلى. إذا كانت اسماً، أبدلوا مكانها الواو، نحو: الشروى، والتقوى، والفتوى.
وإذا كانت صفةً تركوها على الأصل، وذلك نحو: صدياً وخزياورياً. ولو كانت ريا اسماً لقلت روىً، لأنك كنت تبدل واواً موضع اللام وتثبت الواو التي هي عين.
وأما فعلى من الواو فعلى الأصل؛ لأنها إن كانت صفة لم تغير كما لم تغير الياء. وإن كانت اسماً ثبتت لأنها تغلب على الياء فيما هي فيه أثبت. وذلك قولك: شهوى، ودعوى. فشهوى صفة، ودعوى اسم، وعدوى كدعوى.
وأما فعلى من بنات الواو فإذا كانت اسماً فإن الياء مبدلة مكان الواو، كما أبدلت الواو مكان الياء في فعلى، فأدخلوها عليها في فعلى كما دخلت عليها الواو في فعلى لتتكافئا. وذلك قولك: الدنيا، والعليا، والقصيا. وقد قالوا القصوى فأجروها على الأصل لأنها قد تكون صفةً بالألف واللام.
فإذا قلت فعلى من ذا الباب جاء على الأصل إذا كان صفةً وهو أجدر أن يجيء على الأصل، إذ قالوا القصوى فأجروه على الأصل وهو اسم، كما أخرجت فعلى من بنات الياء صفةً على الأصل.
وتجري فعلى من بنات الياء على الأصل اسماً وصفة، كما جرت الواو في فعلى صفة واسماً على الأصل.
وأما فعلى منهما فعلى الأصل صفة واسماً، تجريهما على القياس لأنه أوثق، ما لم تتبين تغييراً منهم.
باب ما إذا التقت فيه الهمزة والياء

قلبت الهمزة ياء والياء ألفا

ً
وذلك قولك: مطيةٌ ومطايا، وركيةٌ وركايا، وهديةٌ وهدايا، فإنما هذه فعائل، كصحيفةٍ وصحائف.
وإنما دعاهم إلى ذلك أن الياء قد تقلب إذا كانت وحدها في مثل مفاعل فتبدل ألفاً. وذلك نحو: مدارى وصحارى.
والهمزة قد تقلب وحدها ويلزمها الاعتلال، فلما التقى حرفان معتلان في أثقل أبنية الأسماء ألزموا الياء بدل الألف، إذ كانت تبدل ولا معتل قبلها، وأردوا أن لا تكون الهمزة على الأصل في مطايا إذ كان ما بعدها معتلاً وكانت من حروف الاعتلال، كما اعتلت الفاء في قلت وبعت إذا اعتل ما بعدها. فالهمزة أجدر؛ لأنها من حروف الاعتلال. وإن شئت قلت صارت الهمزة مع الألفين حيث اكتتنفتاها بمنزلة همزتين، لقرب الألف منهما، فأبدلت. يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاء فيحققون، يقولون رأيت سلا فلا يحققون، كأنها همزة جاءت بعدها، وأبدلوا مكان الهمزة الياء التي كانت ثابتةً في الواحد، كما أبدلوا مكان حركة قلت التي في القاف وحركة ياء بعت اللتين كانتا في العينين، ليعلم أن الياء في الواحد، كما علم أن ما بعد الباء والقاف مضمومٌ ومكسور.
وقد قال بعضهم: هداوى، فأبدلوا الواو، لأن الواو قد تبدل من الهمزة.
وأما ما كانت الواو فيه ثابتة نحو: إداوةٍ، وعلاوةٍ، وعراوةٍ، فإنهم يقولون فيه: هراوى، وعلاوى، وأداوى، ألزموا الواو ههنا كما ألزموا الياء في ذلك، وكما قال حبالى ليكون آخره كآخر واحده. وليست بألف تأنيث كما أن هذه الواو غير تلك الواو.
ولم يفعلوا هذا في جاءٍ، لأنه شيءٌ على مثال قاضٍ تبدل فيه الياء ألفاً. وقد فعل ذلك فيما كان على مثال مفاعل لأنه ليس يلتبس بغيره، لعلمهم أنه ليس في الكلام على مثال مفاعل. وذلك يلتبس لأن في الكلام فاعلاً.
وفواعل من شويت كذلك، لأنها همزة تعرض في الجمع وبعدها الياء، فهمزتها كما همزت فواعل من عورت، فهي نظيرها في غير العنل، كما أن صحائف ورسائل نظيرة مطايا وأداوى.

وكذلك فواعل من حييت هن حوايا، تجري الياء مجرى الواو كما أجريتهما مجرى واحداً في قلت وبعت وعورت وصيدت ولا تدرك الهمزة في قلت وبعت وعورت وصيدت في موضعٍ إلا أدركهما ثم اعتلتا اعتلال مطايا. وذلك قولك شوايا في فواعل وحوايا.
وفواعلٌ منهما بمنزلة فواعل، في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياءً، كما فعلت ذلك في عورت. وذلك قولك عوائرٌ. ولا يكون أمثل حالاً من فواعل وأوائل. وذلك قولك شواءٍ.
وأما فعائلٌ من بنات الياء والواو فمطاءٍ ورماءٍ، لأنها ليست همزة لحقت في جمعٍ، وإنما هي بمنزلة مفاعلٍ من شأوت وفاعلٍ من جئت، لأنها تخرج على مثال مفاعل. وهي في هذا المثال بمنزلة فاعلٍ من جئت، فهمزتها بمنزلة همزة فعالٍ من حييت. وإن جمعت قلت مطاءٍ، لأنها لم تعرض في الجمع.
وفياعل من شويت وحييت بمنزلة فواعل، تقول: حيايا وشيايا، وذلك لأنك تهمز سيداً وبيعاً إذا جمعت.
فكل شيء من باب قلت وبعت همز في الجمع فإن نظيره من حييت وشويت يجيء على هذا المثال، لأنها همزةٌ تعرض في جمع وبعدها ياءٌ، ولا يخافون التباساً.
وقالوا: فلوةٌ وفلاوى، لأن الواحد فيه واو فأبدلوه في الجمع واواً.
وأما فعائلٌ وفواعلٌ ففيه مع شبهه بمفاعلٍ من شأوت وجاءٍ فيما ذكرت لك - يعني أنه واحد - أن له مثالاً مفتوحاً يلتبس به لو جعلته بمنزلة فعائل، نحو حبارى، فكرهوا أن يلتبس به ويشبهه. وليس للجمع مثال أصلٍ ما بعد ألفه الفتح.
باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاءوذلك: سريٌّ وأسرياء، وأغنياء وأشقياء. وإنما صرفوها عن سرواء وغنياء لأنهم يكرهون تحريك الياء والواو وقبلهما الفتحة؛ إلا أن يخافوا التباساً في رميا وغزوا ونحوهما.
والياء إذا كانت قبلها الكسرة فهي في النصب والفتح بمنزلة غير المعتل، فلما كانت الحركة تكره وقبلها الفتحة، وكانت أفعلاء قد يجمع بها فعيلٌ؛ فروا إليها كما فروا إليها في التضعيف في أشداء، كراهية التضعيف.
باب ما يلزم الواو فيه بدل الياءوذلك إذا كانت فعلت على خمسة أحرف فصاعداً. وذلك قولك: أغزيت وغازيت، واسترشيت.
وسألت الخليل عن ذلك فقال: إنما قلبت ياءً لأنك إذا قلت يفعل لم تثبت الواو للكسرة، فلم يكن ليكون فعلت على الأصل وقد أخرجت يفعل إلى الياء. وأفعل وتفعل ونفعل.
قلت: فما بال تغازينا وترجينا وأنت إذا قلت يفعل منهما كان بمنزلة يفعل من غزوت.
قال: الألف بدلٌ من الياء ههنا التي أبدلت مكان الواو، وإنا أدخلت التاء على غازيت ورجيت.
وقال: ضوضيت وقوقيت بمنزلة ضعضعت، ولكنهم أبدلوا الياء إذ كانت رابعة. وإذا كررت الحرفين فهما بمنزلة تكريرك الحرف الواحد، فإنما الواوانن ههنا بمنزلة ياءي حييت وواوي قوةٍ، لأنك ضاعفت. وكذلك: حاحيت، وعاعيت، وهاهيت. ولكنهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء؛ فصارت كأنها هي. يدلك على أنها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء، كما قالوا: السرهاف والفرشاط؛ والحاحاة والهاهاة، فأجري مجرى دعدعت إذ كن للتصويت، كما أن دهديت هي فيما زعم الخليل دهدهت بمنزلة دحرجت، ولكنه أبدل الياء من الهاء لشبهها بها، وأنها في الخفاء والخفة نحوها، فأبدلت كما أبدلت من الياء في هذه.
وقالوا: دهدوة الجعل، وقالوا: دهدية الجعل، كماقالوا دحروجةٌ. يدلك على أنها مبدلة قولهم: دهدهت.
فأما الغوغاء ففيها قولان: أما من قال غوغاءٌ فأنث ولم يصرف فهي عنده مثل عوراء.
وأما من قال غوغاء فذكر وصرف فإنما هي عنده بمنزلة القمقام، وضاعفت الغين والواو كما ضاعفت القاف والميم. وكذلك الصيصية والدوداة، والشوشاة؛ فإنما يضاعف حرفٌ وياء أو واو، كما ضاعفت القمقام، فجعلت هؤلاء بمنزلتها، كما تجعل الحياء وحييت بمنزلة الغصص وغصصت، وكما تجعل القوة بمنزلة الغصة. فهؤلاء في الأربعة بمنزلة هؤلاء في الثلاثة.
والموماة بمنزلة الدوداة والمرمر، ولا تجعلها بمنزلة تمسكن؛ لأن ما جاء هكذا والأول من نفس الحرف هو الكلام الكثير ولا تكاد تجد في هذا الضرب الميم زائدةً إلا قليلاً.
وأما قولهم: الفيفاة فالألف زائدة، لأنهم يقولون الفيف في هذا المعنى.
وأما القيقاء والزيزاء فبمنزلة العلباء، لأنه لا يكون في الكلام مثل القلقال إلا مصدراً.

وإذا كانت الياء زائدة رابعة فهي تجري مجرى ما هو من نفس الحرف. وذلك نحو: سلقيت، وجعبيت، تجريهما وأشباههما مجرى ضوضيت وقوقيت.
وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة، وهما بمنزلة صمحمحٍ، ولا تجعلهما على عثوثلٍ لأن مثل صمحمحٍ أكثر. وكذلك قطوطى.
وقالوا: القيقاء والزيزاءة، فإنما أرادوا الواحد على القيقاء، والزيزاء. وقد قال بعضهم: قيقاءةٌ وقواقٍ، فجعل الياء مبدلةً كما أبدلها في قيلٍ.
وسألته عن أثفية فقال: هي فعليةٌ فيمن قال أثفت، وأفعولةٌ فيمن قال ثفيت.
هذا باب التضعيف في بنات الياءوذلك نحو: عييت وحييت وأحييت واعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف من بنات الياء، ولا تجعل بمنزلة المضاعف من غير الياء، لأنها إذا كانت وحدها لاماً لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء، فكذلك إذا كانت مضاعفةً. وذلك نحو: يعيا ويحيا، ويعيى ويحيى، أجريت ذلك مجرى يخشى ويخشى.
ومن ذلك محياً، قالوه كما قالوا مخشىً.
فإذا وقع شيءٌ من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي لا تفارقهما، فإن الإدغام جائزٌ فيه، لأن اللام من يرمي ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل، فلما ضاعفت صرت كأنك ضاعفت في غير بنات الياء حيث صحت اللام على الأصل وحدها. وذلك قولك: قد حي في هذا المكان، وقد عي بأمره. وإن شئت قلت: قد حيى في هذا المكان وقد عيى بأمره. والإدغام أكثر، والأخرى عربيةٌ كثيرة. وسنبين هذا النحو إن شاء الله.
ومثل ذلك قد أحي البلد، فإنما وقع التضعيف لأنك إذا قلت خشي أو رمي كانت الفتحة لا تفارق، وصارت هذه الأحرف على الأصل بمنزلة طرد واطرد وحمد، فلما ضاعفت صارت بمنزلة مد وأمد وود. قال الله عز وجل: " ويحيى من حي عن بينةٍ " .
وكذلك قولهم: حياءٌ وأحيةٌ، ورجلٌ عييٌّ وقومٌ أعياء؛ لأن اللام إذا كانت وحدها كانت بمنزلة غير المعتل فلزمتها الحركة، فأجري مجرى حي.
فإذا قلت فعلوا وأفعلوا قلت: حيا وأحيوا، لأنك قد تحذفها في خشوا وأخشوا. قال الشاعر:
وكنا حسبناهم فوارس كهمسٍ ... حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
وقد قال بعضهم: حيوا وعيوا. لما رأوها في الواحد والاثنين والمؤنث إذا قالوا حييت المرأة، بمنزلة المضاعف من غير الياء، أجروا الجمع على ذلك.
قال الشاعر:
عيوا بأمرهم كما ... عيت ببيضتها الحمامه
وقال ناسٌ كثير من العرب: قد حيى الرجل وحييت المرأة، فبين. ولم يجعلوها بمنزلة المضاعف من غير الياء. وأخبرنا بهذه اللغة يونس.
وسمعنا بعض العرب يقول، أعييتاء وأحييةٌ؛ فيبين. وأحسن ذلك أن تخفيها وتكون بمنزلتها متحركة. وإذا قلت يحيى أو معىٍ ثم أدركه النصب فقلت: رأيت معيباً ويريد أن يحييه، لم تدغم لأن الحركة غير لازمة، ولكنك تخفي وتجعلها بمنزلة المتحركة، فهو أحسن وأكثر. وإن شئت بينت كما بينت حيى.
والدليل على أن هذا لا يدغم قوله عز وجل: " أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى " .
ومثل ذلك معييةٌ؛ لأنك قد تخرج الهاء فتذهب الحركة وليست بلازمة لهذا الحرف. وكذلك محييان ومعييان وحييان، إلا أنك إن شئت أخفيت. والتبيين فيه أحسن مما في يائه كسرة، لأن الكسرة من الياء، فكأنهن ثلاث ياءات.
فأما تحيةٌ فبمنزلة أحييةٍ، وهي تفعلةٌ.
والمضاعف من الياء قليل، لأن الياء قد تثقل وحدها لاماً، فإذا كان قبلها ياءٌ كان أثقل لها.
باب ما جاء على أن فعلت منه

مثل بعت وإن كان لم يستعمل في الكلام

لأنهم لو فعلوا ذلك صاروا بعد الاعتلال إلى الاعتلال والالتباس. فلو قلت يفعل من حي ولم تحذف لقلت يحى، فرفعت ما لا يدخله الرفع في كلامهم، فكرهوا ذلك كما كرهوه في التضعيف.
وإن حذفت فقلت يحيى أدركته علة لا نقع في كلامهم، وصار ملتبساً بغيره، يعني يعي ويقي ونحوه. فلو كانت علةٌ بعد علة كرهوا هذا الاعتماد على الحرف.
فمما جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت: آيٌ، وغايةٌ، وآيةٌ. وهذا ليس بمطرد، لأن فعله يكون بمنزلة خشيت ورميت، وتجري عينه على الأصل. فهذا شاذٌّ كما شذ قودٌ وروعٌ وحولٌ، في باب قلت. ولم يشذ هذا في فعلت لكثرة تصرف الفعل وتقلب ما يكرهون فيه فعل ويفعل. وهذا قول الخليل.

وقال غيره: إنما هي آيةٌ وأيٌّ فعل، ولكنهم قلبوا الياء وأبدلوا مكانها الألف لاجتماعهما، لأنهما تكرهان كما تركه الواوان، فأبدلوا الألف كما قالوا الحيوان، وكما قالوا ذوائب، فأبدلوا الواو كراهية الهمزة وهذا قولٌ.
وأما الخليل فكان يقول: جاء على أن فعله معتلٌّ وإن لم يكن يتكلم به، كما قالوا قودٌ، فجاء كأن فعله على الأصل.
وجاء استحيت على حاي مثل باع، وفاعله حاءٍ مثل بائعٍ مهموز، وإن لم يستعمل، كما أنه يقال يذر ويدع، ولا يستعمل فعل. وهذا النحو كثير.
والمستعمل حايٍ غير مهموز، مثل عاورٍ إذا أردت فاعلاً، ولا تعل لأنها تصح في فعل نحو عور. وكذلك استحيت أسكنوا الياء الأولى منها كما سكنت في بعت، وسكنت الثانية لأنها لام الفعل، فحذفت الأولى لئلا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا هذا حيث كثر في كلامهم.
وقال غيره: لما كثرت في كلامهم وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على الحاء، كما ألزموا يرى الحذف، وكما قالوا: لم يك ولا أدر.
وأما الخليل فقال: جاءت على حيت، كما أنك حيث قلت استحوذت واستطيبت كان الفعل كأنه طيبت وحوذت. فهذا شذ على الأصل كما شذ هذا على الأصل، ولا يكون الاعتلال في فعلت منه كما لم يجىء فعلت من باب جئت وقلت على الأصل.
وقول الخليل يقويه أول، وآءةٌ، ويوم، ونحو هذا، لأنها قد جاءت على أشياء لم تستعمل. والآخر قولٌ.
وقالوا: حيوة كأنه من حيوة وإن لم يقل؛ لأنهم قد كرهوا الواو ساكنة وقبلها الياء فيما لا لا تكون الياء فيه لازمة في تصرف الفعل، نحو يوجل، حتى قالوا ييجل. فلما كان هذا لازماً رفضوه كما رفضوا من يومٍ يمت كراهيةً لاجتماع ما يستثقلون. ولكن مثل لويت كثير لأن الواو تحيا ولم تعتل في يلوى كييجل فيكون هذا مرفوضاً، فشبهت واو ييجل بالواو الساكنة وبعدها الياء فقلبت ياءً كما قلبت أولاً. وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها، أخف عليهم من الضمة في الياء والواو بعدها، لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف. وهذا إذا صرت إلى يفعل.
باب التضعيف في بنات الواواعلم أنهما لا تثبتان كما تثبت الياءان في الفعل. وإنما كرهتا كما كرهت الهمزتان حتى تركوا فعلت كما تركوه في الهمز في كلامهم، فإنما يجيء ابداً على فعلت على شيء يقلب الواو ياءً. ولا يكون فعلت ولا فعلت، كراهية أن تثبت الواوان. فإنما يصرفون المضاعف إلى ما يقلب الواو ياءً. فإذا قلبت ياءً جرت في الفعل وغيره والعين متحركةٌ مجرى لويت ورويت، كما أجريت أغزيت مجرى بنات الياء حين قلبت ياءً، وذلك نحو: قويت وحويت وقوي.
ولم يقولوا قد قو، لأن العين وهي على الأصل قالبةٌ الواو الآخرة إلى الياء، ولا يلتقي حرفان من موضع واحد، فكسرت العين ثم أتبعتها الواو وإذا كان أصل العين الإسكان ثبتت، وذلك قولك: قوةٌ وصوةٌ وجو وحوةٌ وبوٌّ، لما كانت لا تثبت مع حركة العين اسماً كما لا تثبت واو غزوت في الاسم والعين متحركة، بنوها كما بنيت والعين ساكنة في مثل غزوٍ وغزوةٍ ونحو ذلك.
قلت: فهلا قالوا قووت تقوو، كما قالوا: غزوت تغزو؟ قال: إنما ذلك لأنه مضاعف، فيرفع لسانه ثم يعيده، وهو هنا يرفع لسانه رفعةً واحدة فجاز هذا، كما قالوا: سآلٌ ورآسٌ، لأنه حيث رفع لسانه رفعةً واحدة كانت بمنزلة همزة واحدة. فلم يكن قووت كما لم يكن اصدأأت وأأت، وكانت قوةٌ كما كانت سآلٌ. واحتمل هذا في سآلٍ لأنه أخف، كما كان أصم أخف عليهم من أصمم.
واعلم أن الفاء لا تكون واواً واللام واواً في حرف واحد. ألا ترى أنه ليس مثل وعوت في الكلام. كرهوا ذلك كما كرهوا أن تكون العين واواً واللام واوٌ ثانية. فلما كان ذلك مكروهاً في موضع يكثر فيه التضعيف نحو رددت وصممت، طرحوا هذا من الكلام مبدلاً وعلى الأصل، حيث كان مثل قلق وسلس أقل من مثل رددت وصممت. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.

وقد جاء في الياء كما جاءت العين واللام ياءين. وأن تكون فاءً ولاماً أقل، كما كان سلس أقل. وذلك قولهم: يديت إليه يداً. ولا يكون في الهمزة إذ لم يكن في الواو، ولكنه يكون في الواو في بنات الأربعة، نحو الوزوزة والوحوحة، لأنه يكثر فيها مثل قلقل وسلسل ولم تغير؛ لأن بينهما حاجزاً، وما قبلها ساكن فلم تغير: وتكون الهمزة مثل الدأدأة: ضرب من السير ثانية ورابعة، لأن مثل نفنفٍ كثير. وتكون في الواو نحو ضوضيت، وهي في الواو أوجد لأنها أخف من الهمزة. فإذا كان شيءٌ من هذا النحو في الهمزة فهو للواو ألزم، لأنها أخف وهم لها أشد احتمالاً.
واعلم أن افعاللت من رميت بمنزلة أحييت في الإدغام والبيان والخفاء، وهي متحركة، وكذلك افعللت. وذلك قولك في افعاللت: ارماييت، وهو يرمايي، وأحب أن يرمايى بمنزلة " أن يحيي الموتى " . وتقول ارماييا، فتجربها مجرى أحييا ويحييان. وتقول قد ارموى في هذا المكان كما قلت: قد حي فيه، وأحي فيه، لأن الفتحة لازمة، ولا تقلب الواو ياءً لأنها كواو سوير لا تلزم وهي في موضع مد. وتقول: قد ارمايوا، كما تقول: قد أحيوا. وتقول: ارمييت في الفعللت يرميى، كما تقول يحيي. وتقول: ارمييا، كما تقول: قد أحييا. ومن قال يحييان فأخفى قال ارمييا فأخفى. وتقول: قد ارمى في هذا المكان، لأن الفتحة لازمة. ومن قال أحيي فيها قال ارمويى فيها إذا أرادها من ارماييت، ولا يقلب الواو، لأنها مدة. وتقول: مرماييةٌ ومرميية فتخفى، كما تقول معييةٌ. وإن شئت بينت على بيان معييةٍ والمصدر ارمياءً وارمياءً، واحيياءً واحيياءً.
وأما افعللت وافعاللت من غزوت فاغزويت واغزاويت، ولا يقع فيها الإدغام ولا الإخفاء، لأنه لا يلتقي حرفان من موضعٍ واحد.
ومثل ذلك من الكلام: ارعويت، وأثبت الواو الأولى لأنه لا يعرض لها في يفعل ما يقلبها. ولم تكن لتحولها ألفاً وبعدها ساكن وإنما هي بمنزلة نزوانٍ.
وأما افعاللت من حييت فبمنزلتها من رميت.
وأما افعللت فبمنزلة ارمييت، إلا أنه يدركها من الإدغام مثل ما يدرك اقتتلت، وتبين كما تبين، لأنهما ياءان في وسط الكلمة كالتاء في وسطها. وذلك قولك: احييت واحييينا، كما قلت اقتتلت واقتتلنا، واحيييا كما قلت اقتتلت، واقتتلا. ومن قال يقتل فكسر القاف وأدغم قال يحيى. ومن قال يقتل قال يحيى. ومن قال يقتتل فأخفى وتركها على حركتها فإنه يقول يحييى.
وتقول فيمن قال قتلوا: حيوا. ومن قال اقتتلوا فأخفى قال احييوا. ومن قال قتلوا قال حيوا. ومن قال في مفتعلٍ مقثتلٌ قال محيياً. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن قال مقتلٌ قال محيٌّ. ومن أخفى فقال مقتتلٌ قال محيياً. فقسه في الإدغام على افعللت.
وإنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت فيلزمه الإدغام أنه في وسط الحرف، ولم يكن طرفاً فيضعف كما تضعف الواو، ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة. وسنبين ذلك في الإدغام إن شاء الله.
وأما افعاللت من الواوين فبمنزلة غزوت، وذلك قول العرب: قد احواوت الشاة واحواويت. فالواو بمنزلة واو غزوت، والعين بمنزلتها في افعاللت من عورت.
وإذا قلت احواويت فالمصدر احوياءً، لأن الياء تقلبها كما قلبت واو أيامٍ.
وإذا قلت افعللت قلت: احوويت تثبتان حيث صارتا وسطاً، كما أن التضعيف وسطاً أقوى نحو: اقتتلنا، فيكون على الأصل، وإن كان طرفاً اعتل. فلما اعتل المضاعف من غير المعتل في الطرف كانوا للواوين تاركين، إذ كانت تعتل وحدها. ولما قوي التضعيف من غير المعتل وسطاً جعلوا الواوين وسطاً بمنزلته، فأجرى احوويت على اقتتلت والمصدر احوواءً. ومن قال قتالاً قال حواءً.
وتقول في فعلٍ من شويتٌ شيءٌ، قلبت الواو ياء حيث كانت ساكنة بعدها ياءٌ، وكسرت الشين كما كسرت تاء عتىٍّ وصاد عصيٍ، كراهية الضمة مع الياء، كما تكره الواو الساكنة وبعدها الياء.
وكذلك فعلٌ من أحييت.
وقد ضم بعض العرب ولم يجعلها كبيضٍ، لأنه حين أدغم ذهب المد وصار كأنه بعد حرف متحرك نحو صيدٍ. ألا ترى أنها لو كانت في قافية مع عمىٍ جاز. فهذا دليلٌ على أنه ليس بمنزلة بيضٍ. ولم يجعلوها كتاء عتيٍّ وصاد عصيٍ ونون مسنية لأنهن عينات، فإنما شبهن بلام أدلٍ وراء أجرٍ. وقالوا قرنٌ ألوى وقرونٌ ليٌّ، سمعنا ذلك منهم.

ومثل ذلك قولهم: ريا وريةٌ حيث قلبوا الواو المبدلة من الهمزة فجعلوها كواو شويت. وقد قال بعضهم رياً وريةٌ كما قالوا ليٌّ. ومن قال ريةٌ قال في فعلٍ من وأيت فيمن ترك الهمز: ويٌّ، ويدع الواو على حالها، لأنه لم يلتق الواوان إلا في قول من قال أعد.
ومن قال ريا فكسر الراء قال ويٌّ فكسر الواو إلا في قول من قال إسادةٌ وسألته عن قوله معايا فقال: الوجه معايٍ، وهو المطرد. وكذلك قول يونس. وإنما قالوا معايا كما قالوا مدارى وصحارى، وكانت مع الياء أثقل إذ كانت تستثقل وحدها.
وسألته عن قولهم: لم أبل فقال: هي من باليت، ولكنهم لما أسكنوا اللام حذفوا الألف لأنه لا يلتقي ساكنان. وإنما فعلوا ذلك في الجزم لأنه موضع حذفٍ، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم كنون يكن حين أسكنت. فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن.
وإنما فعلوا هذا بهذين حيث كثرا في كلامهم، إذ كان من كلامهم حذف النون والحركات. وذلك نحو: مذ، ولد، وقد علم. وإنما الأصل لدن ومنذ وقد علم. وهذا من الشواذ، وليس مما يقاس عليه ويطرد.
وزعم الخليل أن ناساً من العرب يقولون: لم أبله، لا يزيدون على حذف الألف حيث كثر الحذف في كلامهم، كما حذفوا ألف احمر وألف علبطٍ، وواو غدٍ.
وكذك فعلوا بقولهم: ما أباليه بالةً، كأنها باليةٌ بمنزلة العافية.
ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى ههنا ولا يلزمه حذفٌ، كما أنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحركٍ لم تحذف؛ لأنه بعد شبهها من التنوين كنون منذ ولدن.
وإنما جعلوا الألف تثبت مع الحركة. ألا ترى أنها لا تحذف في أبالي في غير موضع الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة.
باب ما قيس من المعتل

من بنات الياء والواو ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غير المعتل

تقول في مثل حمصيصةٍ من رميت رمويةٌ، وإنما أصلها رمييةٌ، ولكنهم كرهوا ههنا ما كرهوا في رحيىٍ حيث نسبوا إلى رحى فقالوا رحويٌّ لأن الياء التي بعد الميم لو لم يكن بعدها شيءٌ كانت كياء رحىً في الاعتلال فلما كانت كذلك تعتل، ويكون البدل أخف عليهم، وكرهوها وهي واحدة، كانوا لها في توالي الياءات والكسرة فيها أكره، فرفضوها. فإنما أمرها كأمر رحىً في الإضافة.
وكذلك مثل الصمكيك، تقول: رمويٌّ.
وكذلك مثل الحلكوك تقول رمويٌّ، لأنك تقلب الواو ياءً فتصير إلى مثل حال فعليل.
وأما فعلولٌ منها نحو بهلولٍ فتقول: رمييٌّ، وكان أصلها رميويٌ، ولكنك قلبت الواو التي قبل الياء لأنها ساكنة وبعدها ياء. وتثبت الياء الأولى، لأنك لو أضفت إلى ظبيٍ قلت ظبيٌّ، وإلى رمىٍ قلت رميىٌّ فلم تغيره، فكأنك أضفت إلى رمى.
وكذلك فعليل، إلا أنك تكسر أول الحرف تقول: رميىٌّ. ومن غزوت: غزويٌّ، تقلب الواو ياءً لأن قبلها ياء ساكنة. كما أنك تقول في فعيل: غزى تقلب للياء التي قبل الواو.
وأما فعلولٌ منها، فغزويٌّ، وأصلها غزووٍّ، فلما كانوا يستثقلون الواوين في عتيٍ ومعديٍ ألزم هذا بدل الياء، حيث اجتمعت ثلاث واوات مع الضمتين في فعلولٍ، فألزم هذا التغيير كما ألزم مثل محنيةٍ البدل إذ غيرت في ثيرةٍ والسياط ونحوهما.
وتقول في مفعولٍ من قويت: هذا مكان مقويٌّ فيه، لأنهن ثلاث واوات بمنزلة ما ذكرت لك من فعلولٍ من غزوت، وإنما حدها مقووٌّ، كما أنه إذا قال مفعولٌ من شقيت قال مكانٌ مشقوٌّ فيه، لأنها من الواو من شقوةٍ وشقاوة، ولم يدرك الواو ما يغيرها إلا أن تقول مشقيٌّ فيما قال أرضٌ مسنيةٌ.
وتقول في فعلولٍ من قويت: قويٌّ، تغير منها ما غيرت من فعلولٍ من غزوت.
وتقول في أفعولةٍ من غزوت أغزوةٌ. وقد جاءت في الكلام أدعوةٌ. وقد تكون أدعيةٌ، على أرضٍ مسنية.
وتقول في أفعولٍ من قويت أقويٌّ لأن فيها ما في مفعولٍ من الواوات فغير منها ما غيرت في مفعولٍ منها.
وتقول في فعلولٍ من غزوت غزوىٌّ لاجتماع واوات مع الضمة التي في اللام.
وتقول في فعلولٍ من شويت وطويت: شووى وطووىٌّ، وإنما حدها وقد قلبوا الواوين: طيىٌّ وشيىٌّ، ولكنك كرهت الياءات كما كرهتها في حيىٍ حين أضفت إلى حيةٍ فقلت: حيوىٌّ.

وكذلك فيعولٌ من طويت، لأن حدها وقد قلبت الواوين طيىٌّ فقد اجتمع فيها مثل ما اجتمع في فعلولٍ، وذلك قولك طيوىٌّ. ومن قال في النسب إلى أمي: أميىٌّ، وإلى حيةٍ: حيىٌّ، تركها على حالها فقال في فعلول طيىٌّ فيمن قال لىٌّ، وطيىٌّ فيمن قال لىٌّ.
وأما فيعلولٌ من غزوت فغيزوٌّ بمنزلة مغزوٍ، وهي من قويت قيوٌّ قلبت الواو التي هي عين وأثبت واو فيعولٍ الزائدة، لأن التي قبلها متحركة، فلما سلمت صارت وما بعجها كواوي غيزوٍ.
وتقول في فيعلٍ من حويت وقويت: حياً وقياً؛ قلبت التي هي عين ياء للياء التي قبلها الساكنة، وقلبت التي هي لامٌ ألفاً للفتحة قبلها، لأنها تجري مجرى لام شقيت، كما أجريت حييت مجرى خشيت.
وتقول منها فيعلٌ حيٍ وقيٍ، لأن العين منها واوٌ كما هي في قلت. وإنما منعهم من أن تعتل الواو وتسكن في مثل قويت ما وصفت لك في حييت. وينبغي أن يكون فيعلٌ هو وجه الكلام فيه، لأن فيعلاً عاقبت فيعلاً فيما الواو والياء فيه عين. ولا ينبغي أن يكون في قول الكوفيين إلا فيعلاً مكسور العين، لأنهم يزعمون أنه فيعلٌ، وأنه محمدود عن أصله.
وأما الخليل فكان يقول: عاقبت فيعلٌ فيعلاً فيما الياء والواو فيه عينٌ واختصت به، كما عاقبت فعلةٌ للجمع فعلةٌ فيما الياء والواو فيه لامٌ.
وكذلك شويت وحييت بهذه المنزلة. فإذا قلت فيعلٌ قلت حيٌّ وشيٌّ وقيٌّ، تحذف منها ما تحذف من تصغير أحوى، لأنه إذا كان آخره كآخره فهو مثله في قولك أحي، إلا أنك لا تصرف أحي.
وتقول في فعلانٍ من قويت: قووانٌ. وكذلك حييت. فالواو الأولى كواو عور، وقويت الواو الآخرة كقوتها في نزوانٍ، وصارت بمنزلة غير المعتل، ولم يستثقلوها مفتوحتين كما قالوا: لوويٌّ وأحوويٌّ. ولا تدغم لأن هذا الضرب لا يدغم في رددت.
وتقول في فعلانٍ من قويت قوانٌ. وكذلك فعلانٌ من حييت حيانٌ، تدغم لأنك تدغم فعلانٍ من رددت. وقد قويت الواو الآخرة كقوتها في نزوان، فصارت بمنزلة غير المعتل. ومن قال حيى عن بينةٍ قال قووانٌ.
وأما قولهم: حيوانٌ فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة ولم يكونوا ليلزموها الحركة ههنا والأخرى غير معتلة من موضعها، فأبدلوا الواو ليختلف الحرفان كما أبدلوها في رحوى حيث كرهوا الياءات، فصارت الأولى على الأصل، كما صارت اللام الأولى في ممل ونحوه على الأصل، حين أبدلت الياء من آخره.
وكذلك فعلانٌ من حييت تدغم، إلا في اللغة الأخرى. وذلك قولك: حيانٌ. ولا تدغم في قويت، تقول قويانٌ لأنك تقلب اللام ياء. ومن قال عميةٌ فأسكن قال قويانٌ. وإنما خففوا في عميةٍ وكان ذلك أحسن لأنهم يقولون فخذٌ في فخذٍ. فإذا كانت مع الياء فهو أثقل. ولا تقلب الواو ياءً لأنك لا تلزم الإسكان، وليس الأصل الإسكان. ومن قال ريةٌ في رؤيةٍ قلبها فقال قيانٌ.
وتقول في فيعلانٍ من حييت وقويت وشويت: حيانٌ وشيانٌ وقيانٌ، لأنك تحذف ياءً هنا كما حذفتها في فيعلٍ، وكما كنت حاذفها في أفيعلانٍ، نحو التصغير في أشيويانٍ، تقول أشيانٌ لو كانت اسماً. فهم يكرهون ههنا ما يكرهون في تصغير شاويةٍ وراوية في قولهم: رأيت شويةً لأنها لم تعد أن كانت كألف النصب والهاء، لأنهما يخرجان الياء في فاعلٍ ونحوه على الحركة في الأصل؛ كما يخرجونه في فيعلانٍ لو جاءت في رميت. فأجر أويت مجرى شويت وغويت.
وتقول في مفعلةٍ من رميت مرموةٌ، لأنك تقول في الفعل رمو الرجل، فيصير بمنزلة سرو الرجل، ولغزو الرجل. فإذا كانت قبلها ضمة وكانت بعدها فتحة لا تفارقها صارت كالواو في قمحدوةٍ وترقوةٍ، فجعلتها في الاسم بمنزلتها في الفعل كما جعلت الواو ههنا بمنزلتها في سرو.
وكذلك فعلوةٌ من رميت تقول فيها رميوةٌ.
وتقول في فعلةٍ من رميت وغزوت إذا لم تكن مؤنثةً على فعلٍ: رموةٌ وغزوةٌ. فإن بنيتها على فعلٍ قلت رميةٌ وغزيةٌ، لأن مذكرهما رمٍ وغزٍ، فهذا نظير عظاءة حيث كانت على عظاءٍ، وعبايةٍ حيث لم تكن على عباءٍ. ألا تراهم قالوا خطواتٌ فلم يقلبوا الواو، لأنهم لم يجمعوا فعلاً ولا فعلةً جاءت على فعلٍ. وإنما يدخل التثقيل في فعلاتٍ. ألا ترى أن الواحدة خطوةٌ؟! فهذا بمنزلة فعلةً وليس لها مذكر.

ومن قال خطواتٌ بالتثقيل فإن قياس ذلك في كليةٍ كلواتٌ، ولكنهم لم يتكلموا إلا بكليات مخففةً، فراراً من أن يصيروا إلى ما يستثقلون، فألزموها التخفيف إذ كانوا يخففون في غير المعتل كما خففوا فعلاً من باب بونٍ ولكنه لابأس بأن تقول في مديةٍ مدياتٌ، كما قلت في خطوةٍ خطواتٌ لأن الياء مع الكسرة كالواو مع الضمة، ومن ثقل في مدياتٍ فإن قياسه أن يقول في جروةٍ جرياتٌ، لأن قبلها كسرة وهي لام ولكنهم لا يتكلمون بذلك إلا مخففاً، فراراً من الاستثقال والتغيير. فإذا كانت الياء مع الكسرة والواو مع الضمة فكأنك رفعت لسانك بحرفين من موضع واحد رفعةً، لأن العمل من موضع واحد، فإذا خالفت الحركة فكأنهما حرفان من موضعين متقاربين الأول منهما ساكن نحو وتدٍ.
وفعللةٌ من رميت بمنزلة فعلوةٍ، رميوةٌ، وتفسيرها تفسيرها.
وتقول في مثل ملكوتٍ من رميت: رموتٌ، ومن غزوت غزوتٌ، تجعل هذا مثل فعلوا ويفعلون. كما جعلت فعلانٌ منزلة فعلاً لللاثنين، وفعليلٌ بمنزلةٍ فعلىٍ. وذلك قولك رميا، جاءوا بها على الأصل كراهية التباس الواحد بالاثنين. وقالوا: رحوىٌّ ولم يحذفوا، لأنهم لو حذفوا لالتبس ما العين فيه مكسورةٌ بما العين فيه مفتوحةٌ.
وتقول في فوعلةٍ من غزوت: غوزوةٌ، وأفعلةٍ: أغزوةٌ، وفي فعل: غزوٌّ. ولا يقال في فوعلٍ غوزىٌّ، لأنك تقول في فوعلت: غوزيت، من قبل أنك لم تبن فوعلاً ولا أفعلةً على فوعلت، وإنما بنيت هذا الاسم من غزوت من الأصل. ولو كان الأمر كذلك لم تقل في أفعولةٍ أدعوةٌ، لأنك لو قلت أفعل وأفعلت لم تكن إلا ياءً، ولدخل عليك أن تقول في مفعولٍ مغزىٌّ، لأنك حركت ما لو لم يكن ما قبله الحرف الساكن ثم كان فعلاً لكان على بنات الياء، ولو ثنيته أخرجته إلى الياء. فأنت لم تحرك الآخر بعد ما كان مفعلاً، ولكنك إنما بنيته على مفعولٍ، ولم تلحقه واو مفعولٍ بعد ما كان مفعلٌ.
وكذلك فوعلةٌ لم تلحقها التثقيل بعد ما كانت فوعل، ولكنه بني وهذا له لازمٌ كمفعولٍ.
وتقول في فوعلةٍ من رميت: روميةٌ، وأفعلة: أرميةٌ، تكسر العين كما تكسرها في فعولٍ إذا قلت ثديٌّ. ومن قال عتىٌّ في عتوٍ قال في أفعلةٍ من غزوت: أغزيةٌ. ولا تقول رومياةٌ كما قال في افعل ارميا، لأن أصل هذا افعلل والتحريك له لازم. ألا ترى أنك تقول ارمييت وتقول احمررت، فأصل الأول التحريك كما كان أصل الدال الأولى من رددت التحريك. وأفعلة وفوعلةٌ إنما بنيتا على هذا، وليس الأصل التحريك. ولو كان كذلك لقلت في فعلٍ رمياً، لأن أصله الحركة.
وحدثنا أبو الخطاب أنه سمعهم يقولون: هبىٌّ وهبيةٌ للصبي والصبية. فلو كان الأصل متحركاً لقالوا هبياً وهبياةٌ.
وتقول في فعلالةٍ من غزوت: غزواوةٌ، إذ لم تكن على فعلالٍ كما كانت صلاءةٌ على صلاءٍ. فإن كانت كذلك قلت غزواءةٌ ولا تقول: غزوايةٌ، لأنك تقول: غزويت كما لم تقل في فوعلةٍ غوزيةٌ، لأن التثقيلة حين جاءت كان الحرف المزيد بمنزلة واو مغزوٍ المزيدة وأدعوةٍ. ولو كنت إنما تأخذ الأسماء التي ذكرت لك من الأفعال التي تكون عليها لقلت: غزوايةٌ وغوزيةٌ؛ ولكنك إنا تجيء بهذه الأشياء التي ليست على الأفعال المزيدة على الأصل، لا على الأفعال التي تكون فيها الزيادة. كما أن فيها الزيادة ولكنها على الأصل، كما كان مغزوٌّ ونحوه على الأصل.
وتقول في مثل كوألل من رميت: رومياً، ومن غزوت غوزواً. وتقولها من قويت: قوواً؛ ومن حييت حوياً، ومن شويت: وشياً، وحدها شووياً، ولكنك قلبت الواو إذ كانت ساكنة.
وتقول في فعولٍ من غزوت غزووٌّ، لا تجعلها ياء والتي قبلها مفتوحة ألا تراهم لم يقولوا في فعلٍ غزيٌّ للفتحة كما قالوا عتيٌّ. ولو قالوا فعلٌ من صمت لم يقولوا صيمٌ كما قالوا صيمٌ.
وكعثولٍ من قويت قيوٌّ؛ وكان الأصل قيووٌّ، ولكنك قلبت الواو ياء كما قلبتها في سيدٍ، وهي من شويت شيىٌّ والأصل شيوىٌّ، ولكن قلبت الواو.
وتقول في مثل خلفنةٍ من رميت وغزوت: رمينةٌ وغزونةٌ، لا تغير، لأن أصلها السكون، فصارتا بمنزلة غزون ورمين.
وتقول في مثل صمحمحٍ من رميت: رميماً. وفي مثل حلبلابٍ من غزوت ورميت رميماءٌ وغزيزاءٌ، كسرت الزاي والواو ساكنة فقلبتها ياء.

وتقول في فوعلةٍ من أعطيت: عوطوةٌ على الأصل، لأنها من عطوت، فأجر أولً وعيت على أول وعدت وآخره على آخر رميت؛ وأول وجيت على أول وجلت وآخره على آخر خشيت في جميع الأشياء. ووأيت بمنزلة وعيت كما أن أويت كغويت وشويت.
وتقول في فعليةٍ من غزوت: غزويةٌ، ومن رميت: رمييةٌ، تخفى وتحقق، وتجري ذلك مجرى فعليةٍ من غير المعتل، ولا تجعلها وإن كانت على غير تذكير كأحييةٍ، ولكن كقعددٍ.
وتقول في فعلٍ من غزوت: غزٍ، ألزمتها البدل إذ كانت تبدل وقبلها الضمة، فهي ههنا بمنزلة محنيةٍ.
وتقول في فعلوةٍ من غزوت: غزويةٍ، ولا تقول: غزووةٌ، لأنك إذا قلت: عرقوةٌ فإنما تجعلها كالواو في سرو ولغزو. فإذا كانت قبلها واو مضمومة لم تثبت، كما لا يكون فعلت مضاعفاً من الواو في الفعل نحو قووت. وأما غزوٌّ فلما انفتحت الزاي صارت الواو الأولى بمنزلة غير المعتل، وصارت الزاي مفتوحة، فلم يغيروا ما بعدها لأنها مفتوحة، كما أنه لا يكون في فعلٍ تغييرٌ البتة لا يغير مثل الواو المشددة. فلما لم يكن قبل الواو المشددة ما كانت تعتل به من الضمة صارت بمنزلة واو قوٍ.
وأما فعلول فلما اجتمعت فيه ثلاث واوات مع الضم صارت بمنزلة محنيةٌ، إذ كانوا يغيرون الثنتين كما ألزموا محنيةً البدل؛ إذ كانوا يغيرون الأقوى.
وتقول في مثل فيعلى من غزوت غيزوى، لأنك لم تلحق الألف فيعلاًن ولكنك بنيت الاسم على هذا. ألا تراهم قالوا مذروان، إذ كانوا لا يقيدون الواحد، فهو في فيعلى أجدر أن يكون، لأن هذا يجيء كأنه لحق شيئاً قد تكلم به بغير علامة التثنية، كما أن الهاء تلحق بعد بناء الاسم، ولا يبنى لها. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء الجمعالذي هو على مثال مفاعل ومفاعيل فإذا جمعت فعلٌّ نح رمىٍ وهبىٍ قلت: هباى ورماى، لأنها بمنزلة غير المعتل نحو معدٍ وجبنٍ. ولا تغير الألف في الجمع الذي يليها، لأن بعدها حرفاً لازماً. ويجري الآخر على الأصل لأن ما قبلها ساكن وليس بألف. وكذلك غزاو.
وأما فعللٌ من رميت فرمياً؛ ومن غزوت غزوىً؛ والجمع غزاوٍ ورماىٍ لا يهمز؛ لأن الذي يلي الألف ليس بحرف الإعراب، واعتلت الآخرة لأن ما قبلها مكسور.
وأما فعاليل من رميت فرمائى، والأصل رمايى، ولكنك همزت كما همزوا في رايةٍ وآيةٍ حين قالوا رائى وآئى، فأجريته مجرى هذا حيث كثرت الياءات بعد الألف، كما أجريت فعليلةٍ مجرى فعليةٍ.
ومن قال راوىٌّ فجعلها واواً قال: رماوى. ومن قال: أميىٌّ وقال آيىٌّ قال: رمايىٌّ، فلم يغير.
وكذلك فعاليل من حييت ومفاعيل. وقد كرهوا الياءين وليستا تليان الألف حتى حذفوا إحداهما فقالوا أثافٍ؛ ومعطاءٌ ومعاطٍ. فهم لهذا أكره وأشد استثقالاً، إذ كن ثلاثاً بعد ألف قد تكره بعدها الياءات.
ولو قال إنسان أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو أثافٍ وأواقٍ، ومعطاءٍ ومعاطٍ، حيث كرهوا الياءين - قال قولاً قوياً، إلا أنه يلزم الحذف هذا، لأنه أثقل للياءات بعد الألف، والكسرة التي في الياء الأولى، كما ألزم التغيير مطايا.
ومن قال: أغير لأنهم قد يستثقلون فيغيرون ولا يحذفون، فهو قويٌ. وذلك: راوىٌّ في رايةٍ، لم يحذفوها فتجريه عليها كما أجروا فعليلةً مجرى فعليةٍ.
وما يغير للاستثقال ولم يحذف أكثر من أن يحصى. فمن ذلك في الجمع: معايا ومدارى ومكاكى. وفي غير ذلك: جاءٍ، وأدؤرٌ. وهذا النحو أكثر من أن يحصى.
وأما فعاليل من غزوت فعلى الأصل لا يهمز ولا يحذف، وذلك قولك: غزاوى، لأن الواو بمنزلة الحاء في أضاحي، ولم يكونوا ليغيروها وهم قد يدعون الهمزة إليها في مثل غزاوى. فالياءات قد يكرهن إذا ضوعفن واجتمعن، كما يكره التضعيف من غير المعتل نحو تظنيت، فذلك أدخلت الواو عليها وإن كانت أخف منها.
ولم تعر الواو من أن تدخل على الياء؛ إذ كانت أختها، كما دخلت الياء عليها. ألا تراهم قالوا موقنٌ وعوططٌ. وقالوا في أشد من هذا: جباوةٌ وهي من جبيت، وأتوة، وأدخلوها عليها لكثرة دخول الياء على الواو، فلم يريدون أن يعروها من أن تدخل عليها.
ولها أيضاً خاصةٌ ليست للياء كما أن للياء خاصةً ليست لها. وقد بينا ذلك فيما مضى.
باب التضعيف

اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم، وأن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن يكون من موضع واحد. ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيءٍ من الثلاثة على مثال الخمسة نحو ضرببٍن ولم يجىء فعللٌ ولا فعللٌ إلا قليلاً، ولم يبنوهن على فعالل كراهية التضعيف، وذلك لأنه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من موضع واحد ثم يعودوا له، فلما صار ذلك تعباً عليهم أن يداركوا في موضع واحد ولا تكون مهلةٌ، كرهوه وأدغموا، لتكون رفعةً واحدة، وكان أخف على ألسنتهم مما ذكرت لك.
أما ما كانت عينه ولامه من موضعٍ واحد فإذا تحركت اللام منه وهو فعلٌ ألزموه الإدغام، وأسكنوا العين. فهذا متلئبٌّ في لغة تميم وأهل الحجاز. فإن أسكنت اللام فإن أهل الحجاز يجرونه على الأصل، لأنه لا يسكن حرفان.
وأما بنو تميم فيسكنون الأول ويحركون الآخر ليرفعوا ألسنتهم رفعةً واحدة وصار تحريك الآخر على الأصل، لئلا يسكن حرفان، بمنزلة إخراج الآخرين على الأصل لئلا يسكنا، وقد بينا اختلاف لغات أهل الحجاز وبني تميم في ذلك واتفاقهم، واختلاف بني تميم في تحريك الآخر ومن قال بقولهم، فيما مضى في الأفعال ببيانه. وإنما أكتب لك ههنا ما لم أذكره فيما مضى ببيانه.
فإن قيل: ما بالهم قالوا في فعل ردد فأجروه على الأصل؟ فلأنهم لو أسكنوا صاروا إلى مثل ذلك إذ قالوا ردد، فلما كان يلزمهم ذلك التضعيف كان الترك على الأصل أولى، ومع هذا أن العين الأولى تكون أبداً ساكنة في الاسم والفعل، فكرهوا تحريكها. وليست بمنزلة أفعل واستفعل ونحو ذلك، لأن الفاء تحرك وبعدها العين، ولا تحرك العين وبعدها العين أبداً.
واعلم أن كل شيء من الأسماء جاوز ثلاثة أحرف فإنه يجري مجرى الفعل الذي يكون على أربعة أحرف إن كان يكون ذلك اللفظ فعلاً، أو كان على مثال الفعل ولا يكون فعلاً، أو كان على غير واحدٍ من هذين، لأن فيه من الاستثقال مثل ما في الفعل. فإن كان الذي قبل ما سكن ساكناً حركته وألقيت عليه حركة المسكن. وذلك قولك: مستردٌّ ومستعدٌّ وممدٌّ وممدٌّ ومستعدٌّ، وإنما الأصل مستعددٌ وممددٌ ومستعددٌ.
وكذلك مدقٌّ والأصل مدققٌ، ومردٌّ وأصله مرددٌ.
وإن كان الذي قبل المسكن متحركاً تركته على حركته. وذلك قولك مرتدٌّ، وأصله مرتددٌ، كانت حركته أولى فتركته على حركته إذ لم تضطر إلى تحريكه.
وإن كانت قبل المسكنة ألفٌ لم تغير الألف، واحتملت ذلك الألف لأنها حرف مدٍّ، وذلك قولك: رادوا ومادوا، والجادة، فصارت بمنزلة متحرك.
وأما ما يكون أفعل فنحو ألد وأشد، وإنما الأصل ألدد وأشدد، ولكنهم ألقوا عليها حركة المسكن وأجريت هذه الأسماء مجرى الأفعال في تحريك الساكن وإلزام الإدغام وترك المتحرك الذي قبل المدغم، وترك الألف التي قبل المدغم.
ولا تجري ما بعد الألف مجرى ما بعد الألف في يضربانني إذا ثنيت، لأن هذه النون الأولى قد تفارقها الآخرة، وهذه الدال الأولى التي في رادٍ لا تفارقها الآخرة، فما يستثقلون لازمٌ للحرف.
ولا يكون اعتلالٌ إذا فصل بين الحرفين، وذلك نحو الإمداد والمقداد وأشباههما.
فأما ما جاء على ثلاثة أحرف لا يزادة فيه فإن كان يكون فعلاً فهو بمنزلته وهو فعلٌ، وذلك قولك في فعلٍ صبٌّ زعم الخليل أنها فعلٌ لأنك تقول صببت صبابةً كما تقول: قنعت قناعةً وقنعٌ.
ومثله رجلٌ طبٌّ وطبيبٌ، كما تقول قرحٌ وقريح، ومذلٌ ومذيلٌ. ويدلك على أن فعلاً مدغم أنك لم تجد في الكلام مثل طببٍ على أصله.

وكذلك رجل خافٌ. وكذلك فعلٌ أجري هذا مجرى الثلاثة من باب قلت على الفعل، حيث قالوا في فعل وفعل قال وخاف، ولم يفرقوا بين هذا والفعل كما فرقوا بينهما في أفعل، لأنهما على الأصل فجعلوا أمرهما واحداً حيث لم يجاوزوا الأصل. فكما لم يحدث عددٌ غير ذلك كذلك لم يحدث خلافٌ. ألا ترى أنهم أجروا فعلاً اسماً من التضعيف على الأصل، وألزموه ذلك؛ إذ كانوا يجرونه على الأصل فيما لا يصح فعله في فعلت من بنات الواو ولا في موضع جزمٍ كما لا يصح المضاعف. وذلك نحو: الخونة؛ والحوكة؛ والقود. وذلك نحو شررٍ ومددٍ. ولم يفعلوا ذلك في فعلٍ لأنه لا يخرج على الأصل في باب قلت، لأن الضمة في المعتل أثقل عليهم. ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلاً في التضعيف ولا فعلاً؛ لأنها ليست تكثر كثرة فعلٍ في باب قلت، ولأن الكسرة أثقل من الفتحة، فكرهوها في المعتل. ألا تراهم يقولون فخذٌ ساكنةً وعضدٌ، ولا يقولون جملٌ. فهم لها في التضعيف أكره.
وقد قال قوم في فعلٍ فأجروه على الأصل، إذ كان قد يصح في باب قلت وكانت الكسرة نحو الألف. وذلك قولهم: رجلٌ ضففٌ وقومٌ ضففو الحال. فأما الوجه فرجلٌ ضفٌّ وقومٌ ضفو الحال.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف وليس يكون فعلاً فعلى الأصل كما يكون ذلك في باب قلت، ليفرق بينهما كما فرق بين أفعل اسماً وفعلاً من باب قلت. فمن ذلك قولك في فعلٍ: دررٌ، وقددٌ، وكللٌ، وشددٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وخززٌ، وقذذ السهم، وسددٌ، وظللٌ، وقللٌ. وفي فعلٍ: سررٌ، وحضضٌ، ومددٌ، وبللةٌ، وشددٌ، وسننٌ.
وقد قالوا عميمةٌ وعمٌّ، فألزموها التخفيف، إذ كانوا يخففون غير المعتل كما قالوا بونٌ في جمع بوان.
ومن ذلك ثنىٌ فألزموها التخفيف.
ومن قال في صيد صيدٌ قال في سررٍ سرٌّ فخفف.
ولا يستنكر في عميمةٍ عممٌ. فأما الثنى ونحوه فالتخفيف، لم يستعملوا في كلامهم الياء والواو لامات في باب فعلٍ، واحتمل هذا في الثلاثة أيضاً لخفتها، وأنها أقل الأصول عدداً.
باب ما شذ من المضاعف

فشبه بباب أقمت، وليس بمتلئب

ٍ
وذلك قولهم: أحست، يريدون أحسست، وأحسن، يريدون أحسسن. وكذلك تفعل به في كل بناء تبنى اللام من الفعل فيه على السكون ولا تصل إليها الحركة ولا تصل إليها الحركة، شبهوها بأقمت، لأنهم أسكنوا الأولى، فلم تكن لتثبت والآخرة ساكنةٌ. فإذا قلت لم أحس لم تحذف، لأن اللام في موضع قد تدخله الحركة، ولم يبن على سكون لا تناله الحركة، فهم لا يكرهون تحريكها. ألا ترى أن الذين يقولون لا ترد يقولون رددت كراهيةً للتحريك في فعلت، فلما صار في موضعٍ قد يحركون فيه اللام من رددت أثبتوا الأولى، لأنه قد صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا أدرك نحو يقول ويبيع.
وإذا كان في موضعٍ يحتملون فيه التضعيف لكراهية التحريك، حذفوا لأنه لا يلتقي ساكنان.
ومثل ذلك قولهم: ظلت ومست، حذفوا وألقوا الحركة على الفاء، كما قالوا خفت. وليس هذا النحو إلا شاذاً. والأصل في هذا عربيٌّ كثير. وذلك قولك: أحسست، ومسست، وظللت.
وأما الذين قالوا: ظلت ومست فشبهوها بلست، فأجروها في فعلت مجراها في فعل، وكرهوا تحريك اللام فحذفوا. ولم يقولوا في فعلت لست البتة، لأنه لم يتمكن تمكن الفعل. فكما خالف الأفعال المعتلة وغير المعتلة في فعل كذلك يخالفها في فعلت.
ولا نعلم شيئاً من المضاعف شذ عما وصفت لك إلا هذه الأحرف وقالوا: " وإذا الأرض مدت " " وحقت " .
واعلم أن لغةً للعرب مطردةً يجري فيها فعل من رددت مجرى فعل من قلت، وذلك قولهم: قد رد وهد، ورحبت بلادك وظلت، لما أسكنوا العين ألقوا حركتها على الفاء، كما فعل ذلك في جئت وبعت. ولم يفعلوا ذلك في فعل نحو عض وصب، كراهية الالتباس، كما كره الالتباس في فعل وفعل من باب بعت. وقد قال قوم: قد رد، فأمالوا الفاء ليعلموا أن بعد الراء كسرة قد ذهبت، كما قالوا للمرأة أغزى، فأشموا الزاي ليعلموا أن هذه الزاي أصلها الضم. وكذلك لم تدعى. ولم يضموا فتقلب الياء واواً فيلتبس بجمع القوم. ولم تكن لتضم والياء بعدها لكراهية الضمة وبعدها الياء، إذ قدروا على أن يشموا الضم. فالياء تقلب الضمة كسرةً كما تقلب الواو في لية ونحوها. وإنما قالوا قيل من قبل أن القاف ليس قبلها كلام فيشموا.

واعلم أن رد هو الأجود الأكثر، لا يغير الإدغام المتحرك؛ كما لا يغيره في فعل وفعل ونحوهما. وقيل وبيع وخيف أقيس وأكثر وأعرف، لأنك لا تفعل بالفاء ما تفعل بها في فعلت وفعلت.
وأما تغزين ونحوها فالإشمام لازمٌ لها ولنحوها، لأنه ليس في كلامهم أن تقلب الواو في يفعل ياءً في تفعل وأخواتها. وإنما صيرت فيها الكسرة للياء، وليس يلزمها ذلك في كلامهم كما لزم رد وقيل، فكرهوا ترك الإشمام مع الضمة والواو إذ ذهبا، وهما يثبتان في الكلام فكرهوا هذا الإجحاف. وأصل كلامهم تغيير فعل من رددت وقلت.
باب ما شذ فأبدل مكان اللام والياء

لكراهية التضعيف، وليس بمطرد

وذلك قولك: تسريت، وتظنيت، وتقصيت من القصة، وأمليت، كما أن التاء في أسنتوا مبدلة من الياء، أرادوا حرفاً أخف عليهم منها وأجلد، كما فعلوا ذلك في أتلج، وبدلها شاذ هنا بمنزلتها في ستٍّ. وكل هذا التضعيف فيه عربيٌّ كثير جيد.
وأما كل وكلا فكل واحدةٍ من لفظ. ألا تراه يقول رأيت كلا أخويك، فيكون مثل معي ولا يكون فيه تضعيف.
وزعم أبو الخطاب أنهم يقولون: هنانان، يريدون هنين. فهذا نظيره.
هذا باب تضعيف اللامفي غير ما عينه ولامه من موضع واحد فإذا ضاعفت اللام وأردت بناء الأربعة لم تسكن الأولى فتدغم وذلك قولك: قرددٌ، لأنك أردت أن تلحقه بجعفرٍ وسلهبٍ؛ وليس بمنزلة بناء معدٍ، لأن معداً بني على السكون، وليس أصله الحركة. وليس هذا بمنزلة مردٍ، ولو كان هذا بمنزلة مردٍ لما جاز قرددٌ في الكلام، لأن ما يدغم وأصله الحركة لا يخرج على أصله، فإنما كل واحدٍ منهما بناءٌ على حدة؛ وإنما معدٌّ بمنزلة خدبٍ، تقول فعللٌ لأنه ليس في الكلام فعللٌ، يعني فيما اللام فيه مضاعفة نحو قرددٍ. وكذلك معدٌّ ليس من فعللٍ في شيء.
وقالوا: قعددٌ وسرددٌ، أرادوا أن يلحقوا هذا البناء بالتضعيف بجعشمٍ. ومنزلة جبنٍ منها منزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: رمددٌ، ألحقوه بالتضعيف بزهلقٍ. وطمر منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا قعددٌ فألحقوه بندندبٍ وعنصلٍ بالتضعيف، كما ألحقوا ما ذكرت لك ببنات الأربعة.
ودرجةٌ منه بمنزلة فعلٍ من فعللٍ.
وقالوا: عفنججٌ، فلم يغير عن زنة جحنفلٍ؛ كأنه لم يكن ليغير عفججٌ عن زنة جحفلٍ.
ولا تلحق هذه النون فعلاً لأنها إنما تلحق ما تلحقه ببنات الخمسة.
وإذا ضاعفت اللام وكان فعلاً ملحقاً ببنات الأربعة لم تدغم؛ لأنك إنما أردت أن تضاعف لتلحقه بما زدت بدحرجت وجحدلت. وذلك قولك: جلببته فهو مجلببٌ، وتجلبب ويتجلبب، أجريته مجرى تدحرج ويتدحرج في الزنة، كما أجريت فعللت على زنة دحرجت.
وأما اقعنسس فأجروه على مثال احرنجم.
فكل زيادة دخلت على ما يكون ملحقاً ببنات الأربعة بالتضعيف فإن تلك الزيادة إن كانت تلحق ببنات لأربعة فإن هذا ملحق بتلك الزمة من بنات الأربعة كما كان ملحقاً بها وليس زيادةٌ سوى ما ألحقها بالأربعة.
وأما احمررت واشهاببت فليس لهما نظيرٌ في باب الأربعة. ألا ترى أنه ليس في الكلام احرجمت ولا احراجمت فيكون ملحقاً بهذه الزيادة، فلما كانتا كذلك أجريتا مجرى ما لم يلحق بناءً ببناء غيره، مما عينه ولامه من موضع واحد، لأنه تضعيفٌ وفيه من الاستثقال مثل ما في ذلك، ولم يكن له نظيرٌ في الأربعة على ما ذكرت لك فيحتمل التضعيف ليسلموا زنة ما ألحقوه به.
فإن قلت: فهلا قالوا استعدد على زنة استخرج؟ فإن هذه الزيادة لم تلحق بناءً يكون ملحقاً ببناء، وإنما لحقت شيئاً يعتل وهو على أصله، كما أن أخرجت على الأصل، ولو كان بخرج من شيء إلى شيء لفعل ذلك به، ولما أدغموا في أعددت كما لم يدغموا في جلبيت.
وأما سبهللٌ وقفعددٌ فملحقٌ بالتضعيف بهمرجلٍ، كما ألحقوا قردداً بجعفرٍ.
وإذا ضوعف آخر بنات الأربعة في الفعل صار على مثال افعللت وأجري في الإدغام مجرى احمررت. وكذلك اطمأننت واطمأن، واقشعررت واقشعر، لأنه ليس في بنات الخمسة مثل اسفرجل ولا فعلٌ البتة، فيكون هذا ملحقاً بتلك الزنة كما كان اقعنسس ملحقاً باحرنجم، وتجلبب ملحقاً بتدحرج. فكما لم يكن لأحمر واشهاب نظير في الأربعة فأدغم، كذلك أدغم هذا إذ لم يكن له نظير في الخمسة.
باب ما قيس من المضاعف

الذي عينه ولامه من موضع واحد، ولم يجىء في الكلام إلا نظيره من غيره

تقول في فعلٍ من رددت رددٌ، كما أخرجت فعلاً على الأصل، لأنه لا يكون فعلاً.
وتقول في فعلانٍ: رددانٌ، وفعلانٍ: رددانٌ، يجري المصدر في هذا مجراه لو لم تكن بعده زيادة. ألا تراهم قالوا: خششاء.
وتقول في فعلانٍ: ردانٌ، وقعلانٍ: ردانٌ، أجريتهما على مجراهما وهما على ثلاثة أحرف ليس بعدها شيء، كما فعلت ذلك بفعلٍ وفعلٍ.
وتقول في فعلولٍ من رددت: رددودٌ، وفعليلٍ: ردديدٌ كما فعلت ذلك بفعلانٍ.
وأما فعلانٌ من قلت فقولانٌ، كما فعلت ذلك: بفعلانٍ. لأنها من غزوت لا تسكن. ولكنك إن شئت همزة فيمن همز فعولاً من قلت وأدؤراً.
وكذلك فعلانٌ تقول: قولانٌ، ولا تجعل ذلك بمنزلة المضاعف، ولكنك تجريه مجرى فعلانٍ من بابه، يعني جولانٌ ونفيانٌ، لأنه يوافقه وهو على ثلاثة أحرف ثم يصير على الأصل بالزيادة، فكذلك هذا. وإنما جعلوا هذا يتحرك مع تحرك واو غزوت.
وتقول في افعللت من رددت: اردددت، وتجرى الدالين الآخرين مجرى راء احمررت، وتكون الأولى بمنزلة الميم. والمصدر اردداداً. ومن قال في الاقتتال قتالاً فأدغم أدغم هذا فقال: الرداد.
وتقول في افعللت ارداددت، وتجريه مجرى اشهاببت، وتكون الأولى بمنزلة الهاء.
وتقول في مثل عثوثلٍ: ردوددٌ، لأنه ملحق بسفرجلٍ.
فإذا قلت افعوعلت وافعوعل كما قلت اغدودن قلت اردود يردود مثل يسبطر، واردوددت تجريه في الإدغام مجرى احمررت لأنه لا نظير له في الأربعة نحو احروجمت واحروجم.
وتقول مثل اقعنسس: اردندد، الأولى كالعين والأخريان كالسينين.
وتقول في مثل قرددٍ: رددٌ؛ لأن الأولى ساكنة كعين جعفرٍ وبعدها متحركة، فمن ثم شددت، والأخريان بمنزلة دالى قرددٍ.
ومثال دخللٍ: رددٌ. ومثل رمددٌ رددٌ. وفي مثل صمحمح: ردددٌ لأنه مثل سفرجلٍ، ولم تحرك الثانية لأنها بمنزلة حاء صمحمحٍ.
وتقول مثل جلعلع: ردددٌ، ولم تدغم في الآخرة كما لم تفعل ذلك في ردد، فتركوا الحرف على أصله لأنهم يرجعون إلى مثل ما يفرون منه فيدعون الحرف على الأصل.
وتقول في مثل خلفنةٍ: رددنةٌ، لا تدغم، لأن الحرف ليس مما يصل إليه التحريك، فإنما هو بمنزلة رددت.
وتقول في فوعلٍ من رددت: روددٌ اسماً. وإن كان فعلاً قلت: روددت ورودد يرودد. وكذلك فيعلٌ اسماً: ريددٌ. وإن كان فعلاً قلت ريدد لأنه ملحق بالأربعة، فأردت أن تسلم تلك الزنة كما سلمتها في جلبب. فكما لم تغير الزنة حين ألحقت بالتضعيف كذلك لا تغيرها إذا ألحقت بالواو والياء.
وإنما دعاهم إلى التسليم أن يفرقوا بين ما هو ملحقٌ بأبنية الأربعة وما لم يلحق بها، وما ألحق بالخمسة وما لم يلحق بها.
ويقوي رودداً ونحوه قولهم: ألنددٌ، لأنها ملحقة بالخمسة كعقنقلٍ وعثوثلٍ. والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثةً بناء ببناءٍ والعدة على خمسة أحرف إلا والحرف على مثال سفرجلٍ. ولا تكاد تلحق وليست آخراً بعد ألف إلا وهي تخرج بناءً إلى بناء.
فإن قلت: أقول جلب ورود، لأن إحدى اللامين زائدة، فإنهم قد يدغمون وإحداهما زائدة، كما يدغمون وهما من نفس الحرف. وذلك نحو احمر واطمأن. وكرهوا في عفنج مثل ما كرهوا في ألندٍ.
فإن قلت: إنما ألحقتها بالواو؟ فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة جعفرٍ وكعسبٍ، كما لم يمنع ذلك في جلبب، إذ كانت اللامان قد تكرهان كما يكره التضعيف وليس فيه زيادة إذا لم يكن على مثال ذكرت لك. فكما كان يوافقه وأحد حرفيه زائد، كذلك يوافق في هذا ما أحد حرفيه على الزيادة.
ويقوي هذا ألنددٌ، لأن الدالين من نفس الحرف إحداهما موضع العين والأخرى موضع اللام.
وأما فعولٌ فردودٌ، وليس فيه اعتلال ولا تشديد، لأنك قد فصلت بينهما.
باب ما شذ من المعتل على الأصلوذلك نحو ضيونٍ. وقولهم:
قد علمت ذاك بنات ألببه
وحيوة وتهلل، ويومٌ أيوم للشديد.
فأبنية كلام العرب صحيحه ومعتله، وما قيس من معتله ولم يجىء إلا نظيره في غيره، على ما ذكرت لك.
واعلم أن الشيء قد يقل في كلامهم، وقد يتكلمون بمثله من المعتل كراهية أن يكثر في كلامهم ما يستثقلون.
فمما قل فعللٌ وفعللٌ. وهم يقولون: ردد يردد الرجل. وقد يطرحونه وذلك نحو فعاللٍ، كراهية كثرة ما يستثقلون.

وقد يقل ما هو أخف مما يستعملون كراهية ذلك أيضاً. وذلك نحو: سلس وقلق، ولم يكثر كثرة رددت في الثلاثة كراهية كثرة التضعيف في كلامهم. فكأن هذه الأشياء تعاقب.
وقد يطرحون الشيء وغيره أثقل منه في كلامهم، كراهية ذلك. وهو وعوت وحيوت. وتقول حييت وحيى قبل، فتضاعف. وتقول: احووى؛ فهذا أثقل. وإن كانوا يكرهون المعتلين بينهما حرف، والمعتلين وإن اختلفا.
ومما قل مما ذكرت لك: ددنٌ ويديت.
وقد يدعون البناء من الشيء قد يتكلمون بمثله لما ذكرت لك؛ وذلك نحو رشاءٍ، لا يكسر على فعلٍ. ومن ثم تركوا من المعتل ما جاء نظيره في غيره.
وقد يجيء الاسم على ما قد اطرح من الفعل وقد بينا ذلك، وما يجيء من المعتل على غير أصله وما يجيء على أصله بعلله.
فهذه حال كلام العرب في الصحيح والمعتل.
هذا باب الإدغامهذا باب عدد الحروف العربية، ومخارجها، ومهموسها ومجهورها، وأحوال مجهورها ومهموسها، واختلافها.
فأصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً: الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والكاف، والقاف، والضاد، والجيم، والشين، والياء، واللام، والراء، والنون، والطاء والدال، والتاء، والصاد، والزاي، والسين، والطاء، والذال، والثاء، والفاء، والباء، والميم، والواو.
وتكون خمسةً وثلاثين حرفاً بحروف هن فروعٌ، وأصلها من التسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يؤخذ بها وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار، وهي: النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين، والألف التي تمال إمالة شديدة، والشين التي كالجيم، والصاد التي تكون كالزاي، وألف التفخيم، يعنى بلغة أهل الحجاز، في قولهم: الصلاة والزكاة والحياة.
وتكون اثنين وأربعين حرفاً بحروف غير مستحسنةٍ ولا كثيرةٍ في لغة من ترتضى عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر؛ وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء.
وهذه الحروف التي تمتتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة، إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وإن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف، لأنها من حافة اللسان مطبقةٌ، لأنك جمعت في الضاد تكلف الإطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين. وهي أخف لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كانت في الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان، كما كانت كذلك في الأيمن.
ولحروف العربية ستة عشر مخرجاً.
فللحلق منها ثلاثةٌ. فأقصاها مخرجاً: الهمزة والهاء والألف. ومن أوسط الحلق مخرج العين والحاء. وأدناها مخرجاً من الفم: الغين والخاء.
ومن أقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف.
ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلاً ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف.
ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء.
ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد.
ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى وما فويق الثنايا مخرج النون.
ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام مخرج الراء.
ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا مخرج الطاء، والدال، والتاء.
ومما بين طرف اللسان وفويق الثنايا مخرج الزاي، والسين، والصاد.
ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا مخرج الظاء والذال، والثاء.
ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى مخرج الفاء.
ومما بين الشفتين مخرج الباء، والميم، والواو.
ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة.
فأما المجهورة فالهمزة، والألف، العين، والغين، والقاف، والجيم، والياء، والضاد، واللام، والنون، والراء، والطاء، والدال، والزاي، والظاء، والذال، والباء، والميم، والواو. فذلك تسعة عشر حرفاً.

وأما المهموسة فالهاء، والحاء، والخاء، والكاف، والشين، والسين، والتاء، والصاد، والثاء، والفاء. فذلك عشرة أحرف.
فالمجهورة: حرفٌ أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت. فهذه حال المجهورة في الحلق والفم؛ إلا أن النون والميم قد يعتمد لها في الفم والخياشيم فتصير فيهما غنةٌ. والدليل على ذلك أنك لو أمسكت بأنفك ثم تكلمت بهما لرأيت ذلك قد أخل بهما.
وأما المهموس فحرفٌ أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فرددت الحرف مع جري النفس. ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. فإذا أردت إجراء الحروف فأنت ترفع صوتك إن شئت بحروف اللين والمد، أو بما فيها منها. وإن شئت أخفيت.
ومن الحروف الشديد، وهو الذي يمنع الصوت أن يجرى فيه وهو الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء، والدال، والباء. وذلك أنك لو قلت ألحج ثم مددت صوتك لم يجر ذلك.
ومنها الرخوة وهي: الهاء، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والضاد، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء. وذلك إذا قلت الطس وانقض، وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت.
وأما العين فبين الرخوة والشديدة، تصل إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء.
ومنها المنحرف، وهو حرفٌ شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت، ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة، وهو اللام. وإن شئت مددت فيها الصوت. وليس كالرخوة؛ لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه. وليس يخرج الصوت من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدق اللسان فويق ذلك.
ومنها حرفٌ شديد يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنةٌ من الأنف، فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف، لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه الصوت. وهو النون، وكذلك الميم.
ومنها المكرر وهو حرفٌ شديد يجري فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام، فتجافى للصوت كالرخوة، ولو لم يكرر لم يجر الصوت فيه. وهو الراء.
ومنها اللينة، وهي الواو والياء، لأن مخرجهما يتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرهما كقولك: وأىٌ، والواو وإن شئت أجريت الصوت ومددت.
ومنها الهاوى وهو حرفٌ اتسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو، لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك، وهي الألف.
وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخرجها. وأخفاهن وأوسعهن مخرجاً: الألف، ثم الياء، ثم الواو.
ومنها المطبقة والمنفتحة. فأما المطبقة فالصاد، والضاد، والطاء، والظاء.
والمنفتحة: كل ما سوى ذلك من الحروف؛ لأنك لا تطبق لشيءٍ منهن لسانك، ترفعه إلى الحنك الأعلى.
وهذه الحروف الأربعة إذا وضعت لسانك في مواضعهن انطبق لسانك من مواضعهن إلى ما حاذى الحنك الأعلى من اللسان ترفعه إلى الحنك، فإذا وضعت لسانك فالصوت محصورٌ فيما بين اللسان والحنك إلى موضع الحروف.
وأما الدال والزاي ونحوهما فإنما ينحصر الصوت إذا وضعت لسانك في مواضعهن.
فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان، وقد بين ذلك بحصر الصوت. ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً، والصاد سيناً، والظاء ذالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس شيءٌ من موضعها غيرها.
وإنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الإدغام وما يجوز فيه، وما لا يحسن فيه ذلك ولا يجوز فيه، وما تبدله استثقالاً كما تدغم، وما تخفيه وهو بزنة المتحرك.
باب الإدغام في الحرفيناللذين تضع لسانك لهما موضعاً واحداً لا يزول عنه وقد بينا أمرهما إذا كانا من كلمة لا يفترقان. وإنما نبينهما في الانفصال.
فأحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواءٌ إذا كانا منفصلين، أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعداً. ألا ترى أن بنات الخمسة وما كانت عدته خمسةً لا تتوالى حروفها متحركةً، استثقالاً للمتحركات مع هذه العدة، ولابد من ساكن. وقد تتوالى الأربعة متحركةً في مثل علبطٍ؛ ولا يكون ذلك في غير المحذوف.
ومما يدلك على أن الإدغام فيما ذكرت لك أحسن أنه لا يتوالى في تأليف الشعر خمسة أحرف متحركة، وذلك نحو قولك: جعل لك وفعل لبيدٌ. والبيان في كل هذا عربيٌّ جيد حجازيٌّ.

ولم يكن هذا بمنزلة قد واحمر ونحو ذلك، لأن الحرف المنفصل لا يلزمه أن يكون بعده الذي هو مثله سواءً. فإن كان قبل الحرف المتحرك الذي وقع بعده حرفٌ مثله حرفٌ متحرك ليس إلا، وكان بعد الذي هو مثله حرفٌ ساكنٌ حسن الإدغام. وذلك نحو قولك: يدداود، لأنه قصدٌ أن يقع المتحرك بين ساكنين واعتدالٌ منه.
وكلما توالت الحركات أكثر كان الإدغام أحسن. وإن شئت بينت.
وإذا التقى الحرفان المثلاثن اللذان هما سواءٌ متحركين، وقبل الأول حرف مدٍ، فإن الإدغام حسنٌ، لأن حرف المد بمنزلة متحركٍ في الإدغام. ألا تراهم في غير الانفصال قالوا: راد، وتمود الثوب. وذلك قولك: إن المال لك، وهم يظلموني، وهما يظلماني، وأنت تظلميني. والبيان ههنا يزداد حسناً لسكون ما قبله.
ومما يدلك على أن حرف المد بمنزلة متحرك أنهم إذا حذفوا في بعض القوافي لم يجز أن يكون ما قبل المحذوف إذا حذف الآخر إلا حرف مدٍ ولين، كأنه يعوض ذلك، لأنه حرفٌ ممطولٌ.
وإذا كان قبل الحرف المتحرك الذيبعده حرفٌ مثله سواءٌ، حرفٌ ساكن، لم يجز أن يسكن، ولكنك إن شئت أخفيت، وكان بزنته متحركاً من قبل أن التضعيف لا يلزم في المنفصل كما يلزم في مدقٍ ونحوه مما التضعيف فيه غير منفصل. ألا ترى أنه قد جاز ذلك وحسن أن تبين فيما ذكرنا من نحو جعل لك. فلما كان التضعيف لا يلزم لم يقو عندهم أن يغير له البناء. وذلك قولك: ابن نوحٍ، واسم موسى، لا تدغم هذا. فلو أنهم كانوا يحركون لحذفوا الألف، لأنهم قد استغوا عنها، كما قالوا قتلوا وخطف فلم يقو هذا على تغيير البناء كما لم يقو على أن لا يجوز البيان فيما ذكرت لك.
ومما يدلك على أنه يخفى ويكون بزنة المتحرك قول الشاعر:
وإني بما قد كلفتني عشيرتي ... من الذب عن أعراضها لحقيق
وقال غيلان بن حريثٍ:
وامتاج مني حلبات الهاجم ... شأو مدلٍ سابق اللهامم
وقال أيضاً:
وغير سفعٍ مثلٍ يحامم
فلو أسكن في هذه الأشياء لانكسر الشعر، ولكنا سمعناهم يخفون. ولو قال إني ما قد كلفتني فأسكن الياء وأدغمها في الميم في الكلام لجاز، لحرف المد. فأما اللهامم فإنه لا يجوز فيها الإسكان، ولا في القرادد، لأن قردداً فعللٌ، ولهمماً فعللٌ ولا يدغم، فيكره أن يجيء جمعه على جمع ما هو مدغمٌ واحده، وليس ذلك في إني بما. ولكنك إن شئت قلت قرادد فأخفيت، كما قالوا متعففٌ فيخفى. ولا يكون في هذا إدغام، وقد ذكرنا العلة.
وأما قول بعضهم في القراءة: " إن الله نعما يعظكم به " فحرك العين فليس على لغة من قال نعم فأسكن العين، ولكنه على لغة من قال نعم فحرك العين. وحدثنا أبو الخطاب أنها لغة هذيلٍ، وكسروا كما قالوا لعبٌ. وقال طرفة:
ما أقلت قدمٌ ناغلها ... نعم الساعون في الحي الشطر
وأما قوله عز وجل: " فلا تتناجوا " فإن شئت أسكنت الأول للمد، وإن شئت أخفيت وكان بزنته متحركاً. وزعموا أن أهل مكة لا يبينون التاءين.
وتقول: هذا ثوب بكرٍ، البيان في هذا أحسن منه في الألف، لأن حركة ما قبله ليس منه فيكون بمنزلة الألف.
وكذلك: هذا جيب بكرٍ. ألا ترى أنك تقول: اخشو واقداً فتدغم، واخشى ياسراً، وتجريه مجرى غير الواو والياء.
ولا يجوز في القوافي المحذوفة. وذلك أن كل شعرٍ حذفت من أتم بنائه حرفاً متحركاً أوزنة حرفٍ متحرك فلابد فيه من حرف لينٍ للردف، نحو:
وما كل ذي لبٍ بمؤتيك نصحه ... وما كل مؤتٍ نصحه بلبيب
فالياء التي بين الياءين ردفٌ. وإن شئت أخفيت في ثوب بكرٍ وكان بزنته متحركاً. وإن أسكنت جاز، لأن فيهما مداً وليناً، وإن لم يبلغا الألف. كما قالوا ذلك في غير المنفصل نحو قولهم: أصيم. فياء التحقير لا تحرك لأنها نظيرة الألف في مفاعل ومفاعيل، لأن التحقير عليهما يجري إذا جاوز الثلاثة. فلما كانوا يصلون إلى إسكان الحرفين في الوقف من سواهما، احتمل هذا في الكلام لما فيهما مما ذكرت لك.
وتقول: هذا دلو واقدٍ، وظبي ياسرٍ، فتجري الواوين والياءين ههنا مجرى الميمين في قولك اسم موسى، فلا تدغم.

وإذ قلت مررت بولي يزيد وعدو وليدٍ، فإن شئت أخفيت وإن شئت بينت، ولا تسكن، لأنك حيث أدغمت الواو في عدوٍ والياء في وليٍ فرفعت لسانك رفعةً واحدة ذهب المد، وصارتا بمنزلة ما يدغم من غير المعتل. فالواو الأولى في عدوٍ بمنزلة اللام في دلوٍ، والياء الأولى في وليٍ بمنزلة الياء في ظبيٍ. والدليل على ذلك أنه يجوز في القوافي ليا مع قولك ظبييا، ودوا مع قولك غزوا.
وإذا كانت الواو قبلها ضمةٌ والياء قبلها كسرة، فإن واحدةً منهما لا تدغم إذا كان مثلها بعدها. وذلك قولك: ظلموا واقداً، واظلمى ياسراً، ويغزو واقدٌ، وهذا قاضي ياسرٍ، لا تدغم. وإنما تركوا المد على حاله في الانفصال كما قالوا قد قوول، حيث لم تلزم الواو، وأرادوا أن تكون على زنة قاول، فكذلك هذه، إذ لم تكن الواو لازمةً لها، أرادوا أن يكون ظلموا على زنة ظلما واقداً، وقضى ياسراً، ولم تقو هذه الواو عليها كما لم يقو المنفصلان على أن تحرك السين في اسم موسى.
وإذا قلت وأنت تأمر: اخشى ياسراً واخشو واقداً أدغمت، لأنهما ليسا بحرفي مد كالألف، وإنما هما بمنزلة قولك: احمد داود، واذهب بنا. فهذا لا تصل فيه إلا إلى الإدغام، لأنك إنما ترفع لسانك من موضع هما فيه سواءٌ، وليس بينهما حاجز.
وأما الهمزتان فليس فيهما إدغام في مثل قولك، قرأ أبوك، وأقرىء أباك، لأنك لا يجوز لك أن تقول قرأ أبوك فتحققهما فتصير كأنك إنما أدغمت ما يجوز فيه البيان، لأن المنفصلين يجوز فيهما البيان أبداً، فلا يجريان مجرى ذلك. وكذلك قالته العرب وهو قول الخليل ويونس.
وزعموا أن ابن أبي إسحاق كان يحقق الهمزتين وأناسٌ معه. وقد تكلم ببعضه العرب وهو رديءٌ، فيجوز الإدغام في قول هؤلاء. وهو رديء.
ومما يجري مجرى المنفصلين قولك: اقتتلوا ويقتتلون، إن شئت أظهرت وبينت، وإن شئت أخفيت وكانت الزنة على حالها، كما تفعل بالمنفصلين في قولك: اسم موسى وقوم مالك، لا تدغم. وليس هذا بمنزلة احمررت وافعاللت، لأن التضعيف لهذه الزيادة لازمٌ، فصارت بمنزلة العين واللام اللتين هما من موضعٍ واحد في مثل يرد ويستعد، والتاء الأولى التي في يقتتل لا يلزمها ذلك، لأنها قد تقع بعد تاء يفتعل العين وجميع حروف المعجم.
وقد أدغم بعض العرب فأسكن لما كان الحرفان في كلمة واحد، ولم يكونا منفصلين، وذلك قولك: يقتلون وقد قتلوا، وكسروا القاف لأنهما التقيا، فشهت بقولهم رد يا فتى. وقد قال آخرون: قتلوا، ألقوا حركة المتحرك على الساكن. وجاز في قاف اقتتلوا الوجهان ولم يكن بمنزلة عض وفر يلزمه شيءٌ واحد، لأنه يجوز في الكلام فيه الإظهار والإخفاء، والإدغام. فكما جاز فيه هذا في الكلام وتصرف دخله شيئان يعرضان في التقاء الساكنين.
وتحذف ألف الوصل حيث حركت القاف كما حذفت الألف في رد حيث حركت الراء، والألف في قل لأنهما حرفان في كلمة واحدة، لحقهما الإدغام فحذفت الألف كما حذفت في رد، لأنه قد أدغم كما أدغم.
وتصديق ذلك قول الحسن: " إلا من خطف الخطفة " . ومن قال يقتل قال مقتلٌ ومن قال يقتل قال مقتلٌ.
وحدثني الخليل وهارون أن ناساً يقولون: " مردفين " فمن قال هذا فإنه يريد مرتدفين. وإنما أتبعوا الضمة الضمة حيث حركوا، وهي قراءةٌ لأهل مكة كما قالوا رد يا فتى فضموا لضمة الراء. فهذه الراء أقرب. ومن قال هذا قال مقتلين، وهذا أقل اللغات. ومن قال قتل قال ردف في ارتدف، يجري مجرى اقتتل ونحوه.
ومثل ذهاب الألف في هذا ذهابها في قولك: سل، حيث حركت السين.
فإن قيل: فما بالهم قالوا ألحمر فيمن حذف همزة أحمر، فلم يحذفوا الألف لما حركوا اللام. فلأن هذه الألف قد ضارعت الألف المقطوعة نحو أحمر. ألا ترى أنك إذا ابتدأت فتحت وإذا استفهمت ثبتت. فلما كانت كذلك قويت كما قلت الجوار حين قلت جاورت، وتقول: ياألله اغفر لي، وأفألله لتفعلن. فتقوى أيضاً في مواضع سوى الاستفهام. ومنها: إي ها ألله ذا.
وحسن الإدغام في اقتتلوا كحسنه في جعل لك. إلا أنه ضارع، حيث كان الحرفان غير منفصلين، احمررت.
وأما اردد فليس فيه إخفاء، لأنه بين ساكنين، كما لا تخفى الهمزة مبتدأة ولا بعد ساكن، فكذلك ضعف هذا إذ كان بين ساكنين.
وأما رد داود فبمنزلة اسم موسى لأنهما منفصلان، وإنما التقيا في الإسكان، وإنما يدغمان إذا تحرك ما قبلهما.

باب الإدغام في الحروف المتقاربة

التي هي من مخرج واحد

والحروف المتقاربة مخارجها إذا أدغمت فإن حالها حال الحرفين اللذين هما سواءٌ في حسن الإدغام، وفيما يزداد البيان فيه حسناً، وفيما لا يجوز فيه إلا الإخفاء وحده، وفيما يجوز فيه الإخفاء والإسكان.
فالإظهار في الحروف التي من مخرج واحد وليست بأمثالٍ سواءٍ أحسن، لأنها قد اختلفت. وهو في المختلفة المخارج أحسن، لأنها أشد تباعداً وكذلك الإظهار كلما تباعدت المخارج ازداد حسناً.
ومن الحروف ما لا يدغم فيمقاربه ولا يدغم فيه مقاربه كما لم يدغم في مثله، وذلك الحرف الهمزة، لأنها إنما أمرها في الاستثقال التغيير والحذف، وذلك لازمٌ لها وحدها كما يلزمها التحقيق، لأنها تستثقل وحدها، فإذا جاءت مع مثلها أو مع ما قرب منها أجريت عليه وحدها، لأن ذلك موضع استثقال كما أن هذا موضع استثقال.
وكذلك الألف لا تدغم في الهاء ولا فيما تقاربه، لأن الألف لا تدغم في الألف، لأنهما لو فعل ذلك بهما فأجريتا مجرى الدالين والتاءين تغيرتا فكانتا غير ألفين، فلما لم يكن ذلك في الألفين لم يكن فيهما مع المتقاربة، فهي نحوٌ من الهمزة في هذا، فلم يكن فيهما الإدغام كما لم يكن في الهمزتين.
ولا تدغم الياء وإن كان قبلها فتحة، ولا الواو وإن كان قبلها فتحة مع شيءٍ من المتقاربة، لأن فيهما ليناً ومداً، فلم تقو عليهما الجيم والباء، ولا ما لا يكون فيه مدٌّ ولا لينٌ من الحروف، أن تجعلهما مدغمتين، لأنهما يخرجان ما فيه لينٌ ومدٌّ إلى ما ليس فيه مدٌّ ولا لينٌ، وسائر الحروف لا تزيد فيها على أن تذهب الحركة، فلم يقو الإدغام في هذا كما لم يقو على أن تحرك الراء في قرم موسى. ولو كانت مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح والواو التي ما قبلها مفتوح ما هو مثلهما سواءٌ، لأدغمتهما ولم تستطع إلا ذلك، لأن الحرفين استويا في الموضع وفي اللين، فصارت هذه الياء والواو مع الميم والجيم نحواً من الألف مع المقاربة، لأن فيهما ليناً وإن لم يبلغا الألف، ولكن فيهما شبهٌ منها. ألا ترى أنه إذا كانت واحدةٌ منهما في القوافي لم يجز في ذلك الموضع غيرها، إذا كانت قبل حرف الروي، فلم تقو المقاربة عليها لما ذكرت لك. وذلك قولك: رأيت قاضي جابرٍ، ورأيت دلو مالكٍ، ورأيت غلامي جابرٍ، ولا تدغم في هذه الياء الجيم وإن كانت لا تحرك، لأنك تدخل اللين في غير ما يكون فيه اللين وذلك قولك: أخرج ياسراً، فلا تدخل ما لا يكون فيه اللين على ما يكون فيه اللين كما لم تفعل ذلك بالألف.
وإذا كانت الواو قبلها ضمة والياء قبلها كسرة فهو أبعد للإدغام، لأنهما حينئذ أشبه بالألف.
وهذا ما يقوي ترك الإدغام فيهما وما قبلهما مفتوح؛ لأنهما يكونان كالألف في المد والمطل، وذلك قولك: ظلموا مالكاً، واظلمي جابراً.
ومن الحروف حروفٌ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها. وتلك الحروف: الميم، والراء، والفاء، ولشين. فالميم لا تدغم في الباء، وذلك قولك: أكرم به، لأنهم يقلبون النون ميماً في قولهم: العنبر؛ ومن بدا لك. فلما وقع مع الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون لم يغيروه؛ وجعلوه بمنزلة النون، إذ كانا حرفي غنةٍ. وأما الإدغام في الميم فنحو قولهم: اصحمطراً، تريد: اصحب مطراً، مدغم.
والفاء لا تدغم في الباء لأنها من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى وانحدرت إلى الفم، وقد قاربت من الثنايا مخرج الثاء؛ وإنما أصل الإدغام في حروف الفم واللسان لأنها أكثر الحروف، فلما صارت مضارعة للثاء لم تدغم في حرف من حروف الطرفين، كما أن الثاء لا تدغم فيه، وذلك قولك: اعرف بدراً. والباء قد تدغم في الفاء للتقارب، ولأنها قد ضارعت الفاء فقويت على ذلك لكثرة الإدغام في حروف الفم؛ وذلك قولك: اذهب في ذلك؛ فقلبت الباء فاءً كما قلبت الباء ميماً في قولك: اصحمطراً.

والراء لا تدغم في اللام ولا في النون، لأنها مكررة، وهي تفشى إذا كان معها غيرها، فكرهوا أن يجحفوا بها فتدغم مع ما ليس يتفشى في الفم مثلها ولا يكرر. ويقوي هذا أن الطاء وهي مطبقةٌ لا تجعل مع التاء تاءً خالصةً لأنها أفضل منها بالإطباق، فهذه أجدر أن لا تدغم إذ كانت مكررة. وذلك قولك: اجبر لبطة، واختر نقلاً. وقد تدغم هذه اللام والنون مع الراء، لأنك لا تخل بهما كما كنت مخلاً بها لو أدغمتها فيهما، ولتقاربهن، وذلك: هرأيت، ومرأيت.
والشين لا تدغم في الجيم، لأن الشين استطال مخرجها لرخاوتها حتى اتصل بمخرج الطاء، فصارت منزلتها منها نحواً من منزلة الفاء مع الباء، فاجتمع هذا فيها والتفشى، فكرهوا أن يدغموها في الجيم كما كرهوا أن يدغموا الراء، فيما ذكرت لك. وذلك قولك: افرش جبلة. وقد تدغم الجيم فيها كما أدغمت ما ذكرت لك في الراء، وذلك: أخرشبثاً.
فهذا تلخيصٌ لحروفٍ لاتدغم في شيء، ولحرفوٍ لا تدغم في المقاربة وتدغم المقاربة فيها.
ثم نعود إلى الإدغام في المقاربة التي يدغم بعضها في بعض إن شاء الله.
الهاء مع الحاء: كقولك: اجبه حملاً، البيان أحسن لاختلاف المخرجين، ولأن حروف الحلق ليست بأصلٍ للإدغام لقلتها. والإدغام فيها عربيٌّ حسن لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، فقد اجتمع فيها قرب المخرجين والهمس. ولا تدغم الحاء في الهاء كا لم تدغم الفاء في الباء لأن ما كان أقرب إلى حروف الفم كان أقوى على الإدغام. ومثل ذلك: امدح هلالاً، فلا تدغم.
العين مع الهاء: كقولك اقطع هلالاً، البيان أحسن. فإن أدغمت لقرب المخرجين حولت الهاء حاءً والعين حاءً، ثم أدغمت الحاء في الحاء، لأن الأقرب إلى الفم لا يدغم في الذي قبله، فأبدلت مكانها أشبه الحرفين بها ثم أدغمته فيه كي لا يكون الإدغام في الذي فوقه ولكن ليكون في الذي هو من مخرجه. ولم يدغموها في العين إذ كانتا من حروف الحلق، لأنها خالفتها في الهمس والرخاوة، فوقع الإدغام لقرب المخرجين، ولم تقو عليها العين إذ خالفتها فيما ذكرت لك. ولم تكن حروف الحلق أصلاً للإدغام. ومع هذا فإن التقاء الحاءين أخف في الكلام من التقاء العينين. ألا ترى أن التقاءهما في باب رددت أكثر. والمهموس أخف من المجهور. فكل هذا يباعد العين من الإدغام، إذ كانت هي والهاء من حروف الحلق. ومثل ذلك: اجبه عنبه في الإدغام والبيان، وإذا أردت الإدغام حولت العين حاء ثم أدغمت الهاء فيها فصارتا حاءين. والبيان أحسن.
ومما قالت العرب تصديقاً لهذا في الإدغام قول بني تميم: محم، يريدون: معهم، ومحاولاء، يريدون: مع هؤلاء.
ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله:
كأنها بعد كلال الزاجر ... ومسحى مر عقابٍ كاسر
يريدون: ومسحه.
العين مع الحاء كقولك: اقطع حملاً، الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ، لأنهما من مخرج واحد.
ولم تدغم الحاء في العين في قولك: امدح عرفة، لأن الحاء قد يفرون إليها إذا وقعت الهاء مع العين، وهي مثلها في الهمس والرخاوة مع قرب المخرجين، فأجريت مجرى الميم مع الباء، فجعلتها بمنزلة الهاء، كما جعلت الميم بمنزلة النون مع الباء. ولم تقو العين على الحاء إذ كانت هذه قصتها، وهما من المخرج الثاني من الحلق، وليست حروف الحلق بأصلٍ للإدغام. ولكنك لو قلبت العين حاءً فقلت في: امدح عرفة: امدحرفة، جاز كما قلت: اجبحنبه تريد: اجبه عنبه، حيث أدغمت وحولت العين حاءً ثم أدغمت الهاء فيها.
الغين مع الخاء. البيان أحسن والإدغام حسن، وذلك قولك: ادمخلفاً، كما فعلت ذلك في العين مع الحاء والخاء مع الغين. البيان فيهما أحسن لأن الغين مجهورة وهما من حروف الحلق، وقد خالفت الخاء في الهمس والرخاوة، فشبهت بالحاء مع العين. وقد جاز الإدغام فيها لأنه المخرج الثالث، وهو أدنى المخارج من مخارج الحلق إلى اللسان. ألا ترى أنه يقول بعض العرب: منخلٌ ومنغلٌ فيخفى النون كما يخفيها مع حروف اللسان والفم، لقرب هذا المخرج من اللسان، وذلك قولك في اسلخ غنعك: اسلغنمك. ويدلك على حسن البيان عزتها في باب رددت.

القاف مع الكاف، كقولك: الحق كلدة. الإدغام حسنٌ والبيان حسنٌ. وإنما أدغمت لقرب المخرجين، وأنهما من حروف اللسان، وهما متفقان في الشدة. والكاف مع القاف: انهك قطناً، البيان أحسن والإدغام حسنٌ. وإنما كان البيان أحسن لأن مخرجهما أقرب مخارج اللسان إلى الحلق، فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام.
الجيم مع الشين، كقولك: ابعج شبثاً، الإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وهما من حروف وسط اللسان.
اللام مع الراء نحو: اشغل رحبة لقرب المخرجين؛ ولأن فيهما انحرافاً نحو اللام قليلاً، وقاربتها في طرف اللسان. وهما في الشدة وجري الصوت سواءٌ، وليس بين مخرجيهما مخرجٌ. والإدغام أحسن.
النون تدغم مع الراء لقرب المخرجين على طرف اللسان، وهي مثلها في الشدة، وذلك قولك: من راشدٍ ومن رأيت. وتدغم بغنةٍ وبلا غنةٍ. وتدغم في اللام لأنها قريبةٌ منها على طرف اللسان، وذلك قولك: من لك. فإن شئت كان إدغاماً بلا غنة فتكون بمنزلة حروف اللسان، وإن شئت أدغمت بغنة لأن لها صوتاً من الخياشيم فترك على حاله؛ لأن الصوت الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيبٌ فيغلب عليه الاتفاق. وتدغم النون مع الميم لأن صوتهما واحد، وهما مجهوران قد خالفا سائر الحروف التي في الصوت، حتى إنك تسمع النون كالميم، والميم كالنون، حتى تتبين، فصارتا بمنزلة اللام والراء في القرب، وإن كان المخرجان متباعدين، إلا أنهما اشتبها لخروجهما جميعاً في الخياشيم.
وتقلب النون مع الباء ميماً لأنها من موضع تعتل فيه النون، فأرادوا أن تدغم هنا إذ كانت الباء من موضع الميم، كما أدغموها فيما قرب من الراء في الموضع، فجعلوا ما هو من موضع ما وافقها في الصوت بمنزلة ما قرب من أقرب الحروف منها في الموضع، ولم يجعلوا النون باءً لبعدها في المخرج، وأنها ليست فيها غنةٌ. ولكنهم أبدلوا من مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم، وذلك قولهم: ممبك، يريدون: من بك. وشمباء وعمبرٌ، يريدون شنباء وعنبراً.
وتدغم النون مع الواو بغنة وبلا غنة لأنها من مخرج ما أدغمت فيه النون، وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميماً أن الواو حرف لين تتجافى عنه الشفتان، والميم كالياء في الشدة وإلزام الشفتين، فكرهوا أن يكون مكانها أشبه الحروف من موضع الواو بالنون، وليس مثلها في اللين والتجافي والمد، فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام، وكرهوا البدل لما ذكرت لك.
وتدغم النون مع الياء بغنة وبلا غنة لأن الياء أخت الواو، وقد تدغم فيها الواو فكأنهما من مخرج واحد، ولأنه ليس مخرجٌ من طرف اللسان أقرب إلى مخرج الراء من الياء. ألا ترى أن الألثغ بالراء يجعلها ياء، وكذلك الألثغ باللام؛ لأن الياء أقرب الحروف من حيث ذكرت لك إليهما.
وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفاً خفياً مخرجه من الخياشيم؛ وذلك أنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم، لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرجٌ من غير الفم كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، وكان العلم بها أنها نون من ذلك الموضع كالعلم بها وهي من الفم، لأنه ليس حرفٌ يخرج من ذلك الموضع غيرها، فاختاروا الخفة إذ لم يكن لبسٌ، وكان أصل الإدغام وكثرة الحروف للفم. وذلك قولك: من كان، ومن قال، ومن جاء.
وهي مع الراء واللام والياء والواو إذا أدغمت بغنة فليس مخرجها من الخياشيم، ولكن صوت الفم أشرب غنةً. ولو كان مخرجها من الخياشيم لما جاز أن تدغمها في الواو والياء والراء واللام، حتى تصير مثلهن في كل شيء.
وتكون مع الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء بينةً، موضعها من الفم. وذلك أن هذه الستة تباعدت عن مخرج النون وليست من قبيلها، فلم تخف ههنا كما لم تدغم في هذا الموضع، وكما أن حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق. وإنما أخفيت النون في حروف الفم كما أدغمت في اللام وأخواتها.
وهو قولك: من أجل زيدٍ، ومن هنا، ومن خلفٍ، ومن حاتمٍ، ومن عليك، ومن غلبك، ومنخلٌ. بينةٌ، هذا الأجود الأكثر.
وبعض العرب يجري الغين والخاء مجرى القاف. وقد بينا لم ذلك.

ولم نسمعهم قالوا في التحرك: حين سليمان فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها معها من الخياشيم، لأنها لا تحول حتى تصير من مخرج موضع الذي بعدها. وإن قيل لم يستنكر ذلك، لأنهم قد يطلبون ههنا من الاستخفاف كما يطلبون إذا حولوها.
ولا تدغم في حروف الحلق البتة، ولم تقو هذه الحروف على أن تقلبها، لأنها تراخت عنها ولم تقرب قرب هذه الستة، فلم يحتمل عندهم حرفٌ ليس مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة.
وتكون ساكنةً مع الميم إذا كانت من نفس الحرف بينةً. والواو والياء بمنزلتها مع حروف الحلق. وذلك قولك: شاةٌ زنماء وغنمٌ زنمٌ، وقنواء وقنيةٌ، وكنيةٌ ومنيةٌ. وإنما حملهم على البيان كراهية الالتباس فيصير كأنه من المضاعف، لأن هذا المثال قد يكون في كلامهم مضاعفاً. ألا تراهم قالوا امحى حيث لم يخافوا التباساً؛ لأن هذا المثال لا تضاعف فيه الميم.
وسمعت الخليل يقول في انفعل من وجلت: اؤجل كما قالوا امحى، لأنها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو، فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك: من مثلك، ومن مات. فهذا يتبين فيه أنها نون بالمعنى والمثال. وكذلك انفعل من يئس على هذا القياس.
وإذا كانت مع الياء لم تتبين، وذلك قولك: شمباء، والعمبر، لأنك لا تدغم النون وإنما تحولها ميماً. والميم لا تقع ساكنةً قبل الباء في كلمةٍ، فليس في هذا التباسٌ بغيره.
ولا نعلم النون وقعت ساكنةً في الكلام قبل راء ولا لام، لأنهم إن بينوا ثقل عليهم لقرب المخرجين، كما ثقلت التاء مع الدال في ودٍ وعدانٍ. وإن أدغموا التبس بالمضاعف ولم يجز فيه ما جاز في ودٍ فيدغم، لأن هذين حرفان كل واحدٍ منهما يدغم في صاحبه، وصوتهما من الفم، والنون ليست كذلك لأن فيها غنةً فتلتبس بما ليس فيه الغنة، إذ كان ذلك الموضع قد تضاعف فيه الراء. وذلك أنه ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنلٍ. وإنما احتمل ذلك في الواو والياء والميم لبعد المخارج.
وليس حرفٌ من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم يدغم في النون، لأن النون لم تدغم فيهن حتى يكون صوتها من الفم وتقلب حرفاً بمنزلة الذي بعدها، وإنما هي معهن حرفٌ بائنٌ مخرجه من الخياشيم، فلا يدغمن فيها كما لا تدغم هي فيهن؛ وفعل ذلك بها معهن لبعدهن منها وقلة شبههن بها، فلم يحتمل لهن أن تصير من مخارجهن.
وأما اللام فقد تدغم فيها، وذلك قولك: هنرى، فتدغم في النون. والبيان أحسن، لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام، فكأنهم يستوحشون من الإدغام فيها.
ولم يدغموا الميم في النون لأنها لا تدغم في الباء التي هي من مخرجها ومثلها في الشدة ولزوم الشفتين، فكذلك لم يدغموها فيما تفاوت مخرجه عنها ولم يوافقها إلا في الغنة.
ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفاً لا يجوز فيها معهن إلا الإدغام؛ لكثرة لام المعرفة في الكلام؛ وكثرة موافقتها لهذه الحروف؛ واللام من طرف اللسان. وهذه الحروف أحد عشر حرفاً، منها حروف طرف اللسان، وحرفان يخالطان طرف اللسان. فلما اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام، كما لم يجز في يرى إذ كثر في الكلام، وكانت الهمزة تستثقل، إلا الحذف. ولو كانت ينأى وينأل لكنت بالخيار.
والأحد عشر حرفاً: النون، والراء، والدال، والتاء، والصاد، الطاء، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال.
واللذان خالطاها: الضاد والشين، لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام. والشين كذلك حتى اتصلت بمخرج الطاء.
وذلك قولك: النعمان، والرجل؛ وكذلك سائر هذه الحروف.
فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام هل وبل، فإن الإدغام في بعضها أحسن، وذلك قولك: هرأيت لأنها أقرب الرحوف إلى اللام وأشبهها بها، فضارعتا الحرفين اللذين يكونان من مخرج واحد، إذ كانت اللام ليس حرفٌ أشبه بها منها ولا أقرب، كما أن الطاء ليس حرف أقرب إليها ولا أشبه بها من الدال. وإن لم تدغم فقلت: هل رأيت فهي لغةٌ لأهل الحجاز؛ وهي عربية جائزة.
وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة، وليس ككثرتها مع الراء، لأنهن قد تراخين عنها، وهن من الثنايا وليس منهن انحراف.
وجواز الإدغام على أن آخر مخرج اللام قريبٌ من مخرجها، وهي حروف طرف اللسان.

وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة، وليس كحسنه مع هؤلاء، لأن هؤلاء من أطراف الثنايا وقد قاربن مخرج الفاء.
ويجوز الإدغام لأنهن من الثنايا كما أن الطاء وأخواتها من الثنايا، وهن من حروف طرف اللسان كما أنهن منه.
وإنما جعل الإدغام فيهن أضعف وفي الطاء وأخواتها أقوى لأن اللام لم تسفل إلى أطراف اللسان كما لم تفعل ذلك الطاء وأخواتها. وهي مع الضاد والشين أضعف، لأن الضاد مخرجها من أول حافة اللسان والشين من وسطه. ولكنه يجوز إدغام اللام فيهما لما ذكرت لك من اتصال مخرجهما. قال طريق بن تميم العنبري:
تقول إذا استهلكت مالاً للذةٍ ... فكيهة هشىءٌ بكفيك لائق
يريد: هل شيء؟ فأدغم اللام في الشين.
وقرأ ابو عمرو: هثوب الكفار، يريد هل ثوب الكفار فأدغم في الثاء.
وأما التاء فهي على ما ذكرت لك، وكذلك أخواتها. وقد قرىء بها: بتؤثرون الحياة الدنيا، فأدغم اللام في التاء.
وقال مزاحمٌ العقيلي:
فدع ذا ولكن هتعين متيماً ... على ضوء برقٍ آخر الليل ناصب
يريد: هل تعين؟ والنون إدغامها فيها أقبح من جميع هذه الحروف، لأنها تدغم في اللام كما تدغم في الياء والواو والراء والميم، فلم يجسروا على أن يخرجوها من هذه الحروف التي شاركتها في إدغام النون وصارت كأحدها في ذلك.
باب الإدغام في حروف طرف اللسانوالثنايا الطاء مع الدال كقولك: اضبد لماً، لأنهما مع موضعٍ واحد، وهي مثلها في الشدة إلا أنك قد تدع الإطباق على حاله فلا تذهبه، لأن الدال ليس فيها إطباق، فإنم تغلب على الطاء لأنها من موضعها، ولأنها حصرت الصوت من موضعها كما حصرته الدال. فأما الإطباق فليست منه في شيء، والمطبق أفشى في السمع، ورأوا إجحافاً أن تغلب الدال على الإطباق وليست كالطاء في السمع. ومثل ذلك إدغامهم النون فيما تدغم فيه بغنة. وبعض العرب يذهب الإطباق حتى يجعلها كالدال سواءً، أرادوا أن لا تخالفها إذ آثروا أن يقلبوها دالاً، كما أنهم أدغموا النون بلا غنة.
وكذلك الطاء مع التاء، إلا أن إذهاب الإطباق مع الدال أمثل قليلاً، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة. وكلٌّ عربيٌّ. وذلك: أنقتوأما، تدغم.
وتصير الدال مع الطاء طاء، وذلك: انقطالباً. وكذلك التاء، وهو قولك: انعطالباً، لأنك لا تجحف بهما في الإطباق ولا في غيره.
وكذلك التاء مع الدال، والدال مع التاء، لأنه ليس بينهما إلا الهمس والجهر، ليس في واحدٍ منهما إطباقٌ ولا استطالةٌ ولا تكرير.
ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب قولهم: حتهم، يريدون: حطتهم.
والتاء والدال سواءٌ، كل واحدةٍ منهما تدغم في صاحبتها حتى تصير التاء دالاً والدال تاء، لأنهما من موضع واحد، وهما شديدتان ليس بينهما شيء إلا الجهر والهمس، وذلك قولك: انعدلاماً، وانقتلك فتدغم.
ولو بينت فقلت: اضبط دلاما، واضبط تلك، وانقد تلك، وانعت دلاماً لجاز. وهو يثقل التكلم به لشدتهن، وللزوم اللسان موضعهن لا يتجافى عنه.
فإن قلت: أقول اصحب مطراً، وهما شديدتان، والبيان فيهما أحسن؟ فإنما ذلك لاستعانة الميم بصوت الخياشيم، فضارعت النون. ولو أمسكت بأنفك لرأيتها بمنزلة ما قبلها.
وقصة الصاد مع الزاي والسين، كقصة الطاء والدال والتاء. وهي من السين كالطاء من الدال، لأنها مهموسةٌ مثلها، وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الزاي كالطاء من التاء، لأن الزاي غير مهموسة، وذلك قولك افحسالماً فتصير سيناً وتدع الإطباق على حاله. وإن شئت أذهبته. وتقول: افحزردة. وإن شئت أذهبت الإطباق. وإذهابه مع السين أمثل قليلاً لأنها مهموسة مثلها. وكله عربي.
ويصيران مع الضاد صاداً كما صارت الدال والتاء مع الطاء طاءً. يدلك التفسير. والبيان فيها أحسن لرخاوتهن وتجافي اللسان عنهن، وذلك قولك: احبصابراً، وأوجصابرا. والزاي والسين بمنزلة التاء والدال تقول: احبزردة، ورسملة فتدغم.
وقصة الظاء والذال والثاء كذلك أيضاً، وهي مع الذال كالطاء مع الدال لأنها مجهورة مثلها وليس يفرق بينهما إلا الإطباق وهي من الثاء بمنزلة الطاء من التاء، وذلك قولك: احفذلك فتدغم، وتدع الإطباق. وإن شئت أذهبته. وتقول: احفثابتاً. وإن شئت أذهبت الإطباق، وإذهابه مع الثاء كإذهابه من الطاء مع التاء.

وإن أدغمت الذال والثاء فيهما أنزلتهما منزلة الدال والتاء إذا أدغمتهما إلى الطاء، وذلك قولك: خظالماً وابعظالماً.
والذال والثاء كل واحدة منهما من صاحبتها منزلة الدال والتاء، وذلك قولك: خثابتاً وابعذلك. والبيان فيهن أمثل منه منه في الصاد والسين والزاي لأن رخاوتهن أشد من رخاوتهن، لانحراف طرف اللسان إلى طرف الثنايا ولم يكن له ردٌّ. والإدغام فيهن أكثر وأجود؛ لأن أصل الإدغام لحروف اللسان والفم، وأكثر حروف اللسان من طرف اللسان وما يخالط طرف اللسان، وهي أكثر من حروف الثنايا.
والطاء والدال والتاء يدغمن كلهن في الصاد والزاي والسين، لقرب المخرجين لأنهن من الثنايا وطرف اللسان، وليس بينهن في الموضع إلا أن الطاء وأختيها من أصل الثنايا، وهن من أسفله قليلاً مما بين الثنايا. وذلك قولك: ذهبسلمى وقسمعت فتدغم. واضبزردة، فتدغمن. وانعصابراً فتدغم. وسمعناهم ينشدون هذا البيت، لابن مقبل:
فكأنما اغتبقصبير غمامة بعرا ... تصفقه الرياح زلالا
فأدغم التاء في الصاد. وقرأ بعضهم: لا يسمعون يريد: لا يتسمعون. والبيان عربيٌّ حسنٌ لاختلاف المخرجين.
وكذلك الظاء والثاء والذال، لأنهن من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وهن أخواتٌ، وهن من حيزٍ واحد، والذي بينهما من الثنيتين يسيرٌ. وذلك قولك: ابعسلمة، واحفسلمة، وخصابراً، واحفزردة.
وسمعناهم يقولون؛ مزمانٌٍ، فيدغمون الذال في الزاي. ومساعةٌٍ، فيدغمونها في السين. والبيان فيها أمثلٌ لأنها أبعد من الصاد وأختيها، وهي رخوةٌ، فهو فيهن أمثل منه في الطاء وأختيها.
والطاء والثاء والذال أخوات الطاء والدال والتاء، لا يمتنع بعضهن من بعض في الإدغام، لأنهن من حيز واحد، وليس بينهن إلا ما بين طرف الثنايا وأصولها، وذلك قولك: اهبظالما وأبعذلك. وانعثابتاً، واحفطالباً، وخداد، وابعتلك. وحجته قولهم: ثلاث دراهم، تدغم الثاء من ثلاثة في الهاء إذا صارت تاءً، وثلاث أفلس، فأدغموها. وقالوا: حدتهم، يريدون حدثتهم، فجعلوها تاءً. والبيان فيه جيد.
وأما الصاد والسين والزاي فلا تدغمهن في هذه الحروف التي أدغمت فيهن، لأنهن حروف الصفير. وهن أندى في السمع. وهؤلاء الحروف إنما هي شديدٌ ورخوٌ، لسن في السمع كهذه الحروف لخفائها. ولو اعتبرت ذلك وجدته هكذا. فامتنعت كما امتنعت الراء أن تدغم في اللام والنون للتكرير.
وقد تدغم الطاء والتاء والدال في الضاد، لأنها اتصلت بمخرج اللام وتطأطأت عن اللام حتى خالطت أصول ما اللام فوقه من الأسنان، ولم تقع من الثنية موضع الطاء لانحرافها، لأنك تضع للطاء لسانك بين الثنيتين، وهي مع ذا مطبقة، فلما قاربت الطاء فيما ذكرت لك أدغموها فيها كما أدغموها في الصاد وأختيها، فلما صارت بتلك المنزلة أدغموا فيها التاء والدال، كما أدغموها في الصاد لأنهما من موضعها، وذلك قولك: اضبضرمه، وانعضرمة.
وسمعنا من يوثق بعربيته قال:
ثار فضجضجةً ركائبه
فأدغم التاء في الضاد.
وكذلك الظاء والذال والثاء، لأنهن من حروف طرف اللسان والثنايا، يدغمن في الطاء وأخواتها، ويدغمن أيضاً جميعاً في الصاد والسين والزاي، وهن من حيزٍ واحد، وهن بعد في الإطباق والرخاوة كالضاد، فصارت بمنزلة حروف الثنايا. وذلك: احفضرمة، وخضرمة، وابعضرمة.
ولا تدغم في الصاد والسين والزاي لاستطالتها، يعني الضاد؛ كما امتنعت الشين. ولا تدغم الصاد وأختاها فيها لما ذكرت لك. فكل واحدةٍ منهما لها حاجز. ويكرهون أن يدغموها، يعني الضاد، فيما أدغم فيها من هذه الحروف، كما كرهوا الشين. والبيان عربيٌ جيد؛ لبعد الموضعين، فهو فيه أقوى منه فيما مضى من حروف الثنايا.
وتدغم الطاء والدال والتاء في الشين لاستطالتها حين اتصلت بمخرجها، وذلك قولك: اضبشبثاً، وانعشبثاً، وانقشبثاً.
والإدغام في الضاد أقوى لأنها قد خالطت باستطالتها الثنية، وهي مع ذا مطبقة، ولم تجاف عن الموضع الذي قربت فيه من الطاء تجافيها. وما يحتج به في هذا قولهم: عاوشنباء فأدغموها.
وتدغم الظاء والذال والثاء فيها، لأنهم قد أنزلوها منزلة الضاد، وذلك قولك: احفشنباء، وابعثنباء، وخشنباء. والبيان عربي جيد. وهو أجود منه في الضاد لبعد المخرجين، وأنه ليس فيها إطباقٌ ولا ما ذكرت لك في الضاد.

واعلم أن جميع ما أدغمته وهو ساكنٌ يجوز لك فيه الإدغام إذا كان متحركاً، كما تفعل ذلك في المثلين. وحاله فيما يحسن ويقبح فيه الإدغام وما يكون فيه أحسن وما يكون خفياً، وهو بزنته متحركاً قبل أن يخفى كحال المثلين.
وإذا كانت هذه الحروف المتقاربة في حرفٍ واحد ولم يكن الحرفان منفصلين ازداد ثقلاً واعتلالاً، كما كان المثلان إذ لم يكونا منفصلين أثقل، لأن الحرف لا يفارقه ما يستثقلون. فمن ذلك قولهم في مثتردٍ: مثردٌ لأنهما متقاربان مهموسان. والبيان حسنٌ. وبعضهم يقول: متثردٌ؛ وهي عربية جيدة. والقياس متردٌ؛ لأن أصل الإدغام أن يدغم الأول في الآخر.
وقالوا في مفتعلٍ من صبرت: مصطبرٌ، أرادوا التخفيف حين تقاربا ولم يكن بينهما إلا ما ذكرت لك، يعني قرب الحرف، وصارا في حرفٍ واحد. ولم يجز إدخال الصاد فيها لما ذكرنا من المنفصلين، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالصاد وهي الطاء؛ ليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد من الحروف، وليكون عملهم من وجهٍ واحد إذ لم يصلوا إلى الإدغام.
وأراد بعضهم الإدغام حيث اجتمعت الصاد والطاء، فلما امتنعت الصاد أن تدخل في الطاء قلبوا الطاء صادا فقالوا: مصبرٌ.
وحدثنا هارون أن بعضهم قرأ: " فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً " .
والزاي تبدل لها مكان التاء دالاً، وذلك قولهم: مزدانٌ في مزتان، لأنه ليس شيء أشبه بالزاي من موضعها من الدال، وهي مجهورة مثلها وليست مطبقة كما أنها ليست مطبقة. ومن قال مصبرٌ قال مزانٌ.
وتقول في مستمعٍ: مسمعٌ فتدغم؛ لأنهما مهموسان ولا سبيل إلى أن تدغم السين في التاء، فإن أدغمت قلت مسمعٌ كما قلت مصبرٌ، حيث لم يجز إدخال الصاد في الطاء.
وقال ناسٌ كثير: مثردٌ في مثتردٍ، إذ كانا من حيزٍ واحد، وفي حرف واحد. وقالوا في اضطجر: اضجر، كقولهم: مصبرٌ.
وكذلك الظاء. لأنهما إذا كانا منفصلين، يعني الظاء وبعدها التاء، جاز البيان، ويترك الإطباق على حاله إن أدغمت، فلما صارا في حرفٍ واحد ازدادا ثقلاً، إذ كانا يستثقلان منفصلين، فألزموها ما ألزموا الصاد والتاء، فأبدلوا مكانها أشبه الحروف بالظاء وهي لطاء ليكون العمل من وجه واحد، كما قالوا: قاعدٌ ومغالق فلم يميلوا الألف، وكان ذلك أخف عليهم، وليكون الإدغام في حرفٍ مثله إذ لم يجز البيان والإطباق حيث كانا في حرف واحد، فكأنهم كرهوا أن يجحفوا به حيث منع هذا. وذلك قولهم: مظطعنٌ ومضطلم، وإن شئت قلت مطعنٌ ومطلمٌ، كما قال زهير:
هذا الجواد الذي يعطيك نائله ... عفواً ويظلم أحياناً فيطلم
وكما قالوا: يطن ويظطن من الظنة. ومن قال متردٌ ومصبرٌ قال مطعنٌ ومطلمٌ، وأقيسهما مطعنٌ ومطلمٌ، لأن الأصل في الإدغام أن يتبع الأول الآخر. ألا ترى أنك لو قلت من المنفصلين بالإدغام نحو ذهب به وبين له فأسكنت الآخر لم يكن إدغامٌ حتى تسكن الأول. فلما كان كذلك جعلوا الآخر يتبعه الأول، ولم يجعلوا الأصل إن ينقلب الآخر فتجعله من موضع الأول.
وكذلك تبدل للذال من مكان التاء أشبه الحروف بها لأنهما إذا كانتا في حرف واحد لزم أن لا يبينا إذ كانا يدغمان منفصلين، فكرهوا هذا الإجحاف، وليكون الإدغام في حرف مثله في الجهر. وذلك قولك مدكرٌ، كقولك مطلمٌ، ومن قال مظعن قال مذكر. وقد سمعناهم يقولون ذلك. والأخرى في القرآن، في قوله: " فهل من مدكرٍ " . وإنما منعهم من أن يقولوا مذدكرٌ كما قالوا مزدانٌ أن كل واحد منهما يدغم في صاحبه في الانفصال، فلم يجز في الحرف الوادح إلا الإدغام. والزاي لا تدغم فيها على حالٍ فلم يشبهوها بها.
والضاد في ذلك بمنزلة الصاد لما ذكرت لك من استطالتها. كالشين، وذلك قولك مضطجع، وإن شئت قلت مضجعٌ. وقد قال بعضهم: مطجعٌ حيث كانت مطبقة ولم تكن في السمع كالضاد، وقربت منها وصارت في كلمة واحدة. فلما اجتمعت هذه الأشياء وكان وقوعها معها في الكلمة الواحدة أكثر من وقوعها معها في الانفصال، اعتقدوا ذلك وأدغموها، وصارت كلام المعرفة، حيث ألزموها الإدغام فيما لا تدغم فيه في الانفصال إلا ضعيفاً. ولا يدغمونها في الطاء لأنها لم تكثر معها في الكلمة الواحدة ككثرة لام المعرفة مع تلك الحروف.

وإذا كانت الطاء معها، يعنى مع التاء، فهو أجدر أن تقلب التاء طاء، ولا ندغم الطاء في التاء فتخل بالحرف لأنهما في الانفصالن أثقل من جميع ما ذكرناه. ولم يدغموها في التاء لأنهم لم يريدوا إلا أن يبقى الإطباق. إذ كان يذهب في الانفصال، فكرهوا أن يلزموه ذلك في حرف ليس من حروف الإطباق. وذلك قولك: اطعنوا.
وكذلك الدال، وذلك قولك ادانوا من الدين، لأنه قد يجوز فيه البيان في الانفصال على ما ذكرنا من الثقل وهو بعد حرفٌ مجهورٌ، فلما صار ههنا لم يكن له سبيل إلى أن يفرد من التاء كما يفرد في الانفصال، فيكون بعد الدال غيرها، كما كرهوا أن يكون بعد الطاء غير الطاء من الحروف، فكرهوا أن يذهب جهر الدال كما كرهوا ذلك في الذال.
وقد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته هذه الحروف الأربعة الصاد والضاد، والطاء والظاء، في فعلت، بهن في افتعل، لأنه يبنى الفعل على التاء، وبغير الفعل فتسكن اللام كما أسكن الفاء في افتعل، ولم تترك الفعل على حاله في الإظهار فضارعت عندهم افتعل. وذلك قولهم: فحصط برجلي، وحصط عنه وخبطه، وحفطه، يريدون: حصت عنه، وخبطته، وحفظته.
وسمعناهم ينشدون هذا البيت، لعلقمة بن عبدة:
وفي كل حي قد خبط بنعمةٍ ... فحق لشأسٍ من نداك ذنوب
وأعرب اللغتين وأجودهما أن لا تقلبها طاء، لأن هذه التاء علامة الإضمار، وإنما تجيء لمعنىً.
وليست تلزم هذه التاء الفعل. ألا ترى أنك إذا أضمرت غائباً قلت فعل فلم تكن فيه تاءٌ، وليست في الإظهار. فإنما تصرف فعل على هذه المعاني وليست تثبت على حالٍ واحد. وهي في افتعل لم تدخل على أنها تخرج منه لمعنىً ثم تعود لآخر، ولكنه بناءٌ دخلته زيادةٌ لا تفارقه. وتاء الإضمار بمنزلة المنفصل.
وقال بعضهم: عده، يريد: عدته، شبهها بها في ادان، كما شبه الصاد وأخواتها بهن في افتعل. وقالوا: نقده، يريدون: نقدته.
واعلم أن ترك البيان هنا أقوى منه في المنفصلين، لأنه مضارع، يعني ما يبنى مع الكلمة في نحو افتعل. فأن تقول: احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، فتبين - أحسن من حفظت وأخذت وبعثت، وإن كان هذا حسناً عربياً.
وحدثنا من لا نتهم أنه سمعهم يقولون: أخذت، فيبينون.
فإذا كانت التاء متحركة وهذه الحروف ساكنةً بعدها لم يكن إدغام، لأن أصل الإدغام أن يكون الأول ساكناً، لما ذكرت لك من المنفصلين، نحو: بين لهم وذهب به.
فإن قلت: ألا قالوا بينهم فجعلوا الآخر نوناً؟ فإنهم لو فعلوا ذلك صار الآخر هو الساكن، فلما كان الأول هو الساكن على كل حال كان الآخر أقوى عليه. وذلك قولك: استطعم واستضعف، واستدرك واستثبت. ولا ينبغي أن يكون إلا كذا، إذ كان المثلان لا إدغام فيهما في فعلت وفعلن نحو رددت ورددن، لأن اللام لا يصل إليها التحريك هنا، فهذا يتحرك في فعل ويفعل ونحوه، وهو تضعيف لا يفارق هذا اللفظ، والتاء هنا بين ساكنين في بناء لا يتحرك واحد منهما فيه، في فعل ولا اسم، ولا يفارق هذا اللفظ.
ودعاهم سكون الآخر في المثلين أن بين أهل الحجاز في الجزم فقالوا اردد ولا تردد. وهي اللغة العربية القديمة الجيدة. ولكن بني تميم أدغموا ولم يشبهوها برددت، لأنه يدركها التثنية، والنون الخفيفة والثقيلة، والألف واللام وألف الوصل، فتحرك لهن.
فإذا كان هذا في المثلين لم يجز في المتقاربين إلا البيان نحو: تد، ولا تتد إذا نهيت. فلهذا الذي ذكرت لك لم يجز في استفعل الإدغام.
ولا يدغمونها في استدار واستطار واستضاء، كراهيةً لتحريك هذه السين التي لا تقع إلا ساكنة أبداًن ولا نعلم لها موضعاً تحرك فيه. ومع ذلك أن بعدها حرفاً أصله السكون فحرك لعلةٍ أدركته، فكانوا خلقاء أن لو لم يكن إلا هذا ألا يحملوا على الحرف في أصله أكثر من هذا، فقد اجتمع فيه الأمران.
فأما اختصموا واقتتلوا فليستا كذلك، لأنهما حرفان وقعا متحركين والتحرك أصلهما، كما أن التحرك الأصل في ممد. والساكن الذي قبله قد يتحرك في هذا اللفظ كما تحرك فاء فعلت نحو مددت، لأنك قد تقول: مد، وقل ونحو ذلك.

وقالوا: وتد يتد، ووطد يطد، فلا يدغمون كراهية أن يلتبس باب مددت لأن هذه التاء والطاء قد يكون في موضعهما الحرف الذي هو مثل ما بعده، وذلك نحو وددت وبللت. ومع هذا أنك لو قلت ود لكان ينبغي أن تقول يد في يتد فيخفف به، فيجتمع الحذف والإدغام مع الالتباس. ولم يكونوا ليظهروا الواو فتكون فيها كسرة وقبلها ياءٌ، وقد حذفوها والكسرة بعدها، ومن ثم عز في الكلام أن يجيء مثل رددت وموضع الفاء واو.
وأما اصبروا واظلموا ويخصمون ومضجعٌ وأشباه هذا فقد علموا أن هذا البناء لا تضاعف فيه الصاد والضاد والطاء والدال. فهذه الأشياء ليس فيها التباسٌ.
وقالوا: محتدٌ، فلم يدغموا، لأنه قد يكون في موضع التاء دالٌ.
وأما المصدر فإنهم يقولون التدة والطدة، وكرهوا وطدوا ووتداً، لما فيه من الاستثقال. فإن قيل بين كراهية الالتباس. وإن شئت أبقيت في الطاء الإطباق وأدغمت، لأنه إذا بقي الإطباق لم يكن التباسٌ من الأول ومما يدغم إذا كان الحرفان من مخرج واحد، وإذا تقارب المخرجان قولهم: يطوعون في يتطوعون، ويذكرون في يتذكرون، ويسمعون في يتسمعون. الإدغام في هذا أقوى، إذ كان يكون في الانفصال. والبيان فيهما عربي حسن لأنهما متحركان، كما حسن ذلك في يختصمون ويهتدون. وتصديق الإدغام قوله تعالى: " يطيروا بموسى " ، و " يذكرون " .
فإن وقع حرفٌ مع ما هو من مخرجه أو قريبٌ من مخرجه مبتدأ أدغم وألحقوا الألف الخفيفة، لأنهم لا يستطيعون أن يبتدئوا بساكن. وذلك قولهم في فعل من تطوع اطوع، ومن تذكر اذكر، دعاهم إلى إدغامه أنهما في حرفٍ وقد كان يقع الإدغام فيهما في الانفصال.
ودعاهم إلى إلحاق الألف في اذكروا واطوعوا ما دعاهم إلى إسقاطها حين حركوا الخاء في خطف، والقاف في قتلوا. فالألف هنا، يعني في اختطف لازمةٌ ما لم يعتل الحرف كما تدخل ثمة إذا اعتل الحرف.
وتصديق ذلك قوله عز وجل: " فادارأتم فيها " يريد: فتدارأتم " وازينت " إنما هي تزينت. وتقول في المصدر: ازينا ودارأ. ومن ذلك قوله عز وجل: " اطيرنا بك " .
وينبغي على هذا أن تقول في تترس: اترس. فإن بينت فحسن البيان كحسنه فيما قبله.
فإن التقت التاءان في تتكلمون وتتترسون، فأنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما: وتصديق ذلك قوله عز وجل: " تتنزل عليهم الملائكة " ، و " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " .
وإن شئت حذفت التاء الثانية. وتصديق ذلك قوله تبارك وتعالى: " تنزل الملائكة والروح فيها " ، وقوله: " ولقد كنتم تمنون الموت " . وكانت الثانية أولى بالحذف لأنها هي التي تسكن وتدغم في قوله تعالى: " فادارأتم " و " ازينت " وهي التي يفعل بها ذلك في يذكرون. فكما اعتلت هنا كذلك تحذف هناك.
وهذه التاء لا تعتل في تدأل إذا حذفت الهمزة فقلت تدل، ولا في تدع؛ لأنه يفسد الحرف ويلتبس لو حذفت واحدةٌ منهما.
ولا يسكنون هذه التاء في تتكلمون ونحوها ويلحقون ألف الوصل، لأن الألف إنما لحقت فاختص بها ما كان في معنى فعل وافعل في الأمر. فأما الأفعال المضارعة لأسماء الفاعلين فإنها لا تلحقها كما لا تلحق أسماء الفاعلين، فأرادوا أن يخلصوه من فعل وافعل.
وإن شئت قلت في تتذكرون ونحوها: تذكرون، كما قلت: تكلمون، وهي قراءة أهل الكوفة فيما بلغنا. ولا يجوز حذف واحدةٍ منهما، يعني من التاء والذال في تذكرون، لأنه حذف منها حرفٌ قبل ذلك وهو التاء، وكرهوا أن يحذفوا آخر، لأنه كره الالتباس وحذف حرفٍ جاء لمعنى المخاطبة والتأنيث. ولم تكن لتحذف الذال وهي من نفس الحرف فتفسد الحرف وتخل به، ولم يروا ذلك محتملاً إذا كان البيان عربياً.
وكذلك أنزلت التاء التي جاءت للإخبار عن مؤنث، والمخاطبة.
وأما الدكر فإنهم كانوا يقلبونها في مدكرٍ وشبهه، فقلبوها هنا، وقلبها شاذٌّ شبيهٌ بالغلط.
باب الحرف الذي يضارع به حرفٌ
من موضعه والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه

فأما الذي يضارع به الحرف الذي من مخرجه فالصاد الساكنة إذا كانت بعدها الذال. وذلك نحو: مصدرٍ، وأصدر، والتصدير؛ لأنهما قد صارتا في كلمة واحدة، كما صارت مع التاء في كلمة واحدة في افتعل فلم تدغم الصاد في التاء لحالها التي ذكرت لك. ولم تدغم الذال فيها ولم تبدل لأنها ليست بمنزلة اصطبر وهي من نفس الحرف. فلما كانتا من نفس الحرف أجريتا مجرى المضاعف الذي هو من نفس الحرف من باب مددت، فجعلوا الأول تابعاً للآخر، فضارعوا به أشبه الحروف بالذال من موضعه وهي الزاي، لأنها مجهورة غير مطبقة. ولم يبدلوها زاياً خالصةً كراهية الإجحاف بها للإطباق، كما كرهوا ذلك فيما ذكرت لك من قبل هذا.
وسمعنا العرب الفصحاء يجعلونها زاياً خالصة، كما جعلوا الإطباق ذاهباً في الإدغام. وذلك قولك في التصدير: التزدير، وفي الفصد: الفزد، وفي أصدرت: أزدرت.
وإنما دعاهم إلى أن يقربوها ويبدلوها أن يكون عملهم من وجهٍ واحد، وليستعملوا ألسنتهم في ضربٍ واحد، إذ لم يصلوا إلى الإدغام ولم يجسروا على إبدال الذال صاداً، لأنها ليست بزيادة كالتاء في افتعل. والبيان عربيٌّ.
فإن تحركت الصاد لم تبدل، لأنه قد وقع بينهما شيء فامتنع من الإبدال، إذ كان يترك الإبدال وهي ساكنة، ولكنهم قد يضارعون بها نحو صاد صدقت. والبيان فيها أحسن. وربما ضارعوا بها وهي بعيدة، نحو مصادر، والصراط؛ لأن الطاء كالدال، والمضارعة هنا وإن بعدت الدال بمنزلة قولهم: صويقٌ ومصاليق، فأبدلوا السين صاداً كما أبدلوها حين لم يكن بينهما شيء في: صقت ونحوه.
ولم تكن المضارعة هنا الوجه، لأنك تخل بالصاد، لأنها مطبقة، وأنت في صقت تضع في موضع السين حرفاً أفشى في الفم منها للإطبقاق، فلما كان البيان ههنا أحسن لم يجز البدل.
فإن كانت سينٌ في موضع الصاد وكانت ساكنةً لم يجز إلا الإبدال إذا أردت التقريب، وذلك قولك في التسدير: التزدير، وفي يسدل ثوبه: يزدل ثوبه، لأنها من موضع الزاي وليست بمطبقة فيبقى لها الإطباق. والبيان فيها أحسن؛ لأن المضارعة في الصاد أكثر وأعرف منها في السين، والبيان فيهما أكثر أيضاً.
وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين، لأنها استطالت حتى خالطت أعلى الثنيتين، وهي في الهمس والرخاوة كالصاد والسين، وإذا أجريت فيها الصوت وجدت ذلك بين طرف لسانك وانفراج أعلى الثنيتين، وذلك قولك: أشدق، فتضارع بها الزاي. والبيان أكثر وأعرف، وهذا عربيٌّ كثير.
والجيم أيضاً قد قربت منها فجعلت بمنزلة الشين. من ذلك قولهم في الأجدر: أشدر. وإنما حملهم على ذلك أنها من موضع حرفٍ قد قرب من الزاي، كما قلبوا النون ميماً مع الياء إذ كانت الياء في موضع حرف تقلب النون معه ميماً، وذلك الحرف الميم. يعني إذا أدغمت النون في الميم وقد قربوها منها في افتعلوا، حين قالوا اجدمعوا أي اجتمعوا، واجدرءوا، يريد اجترءوا، لما قربها منها في الدال وكان حرفاً مجهوراً، قربها منها في افتعل لتبدل الدال مكان التاء، وليكون العمل من وجه واحد. ولا يجوز أن يجعلها زاياً خالصة ولا الشين، لأنهما ليسا من مخرجها.
باب ما تقلب فيه السين صاداً
في بعض اللغاتتقلبها القاف إذا كانت بعدها في كلمة واحدة، وذلك نحو: صقت، وصبقت. وذلك أنها من أقصى اللسان، فلم تنحدر انحدار الكاف إلى الفم، وتصعدت إلى ما فوقها من الحنك الأعلى.
والدليل على ذلك أنك لو جافيت بين حنكيك فبالغت ثم قلت: قق قق، لم تر ذلك مخلاً بالقاف. ولو فعلته بالكاف وما بعدها من حروف اللسان أخل ذلك بهن. فهذا يدلك على أن معتمدها على الحنك الأعلى. فلما كانت كذلك أبدلوا من موضع السين أشبه الحروف بالقاف، ليكون العمل من وجهٍ واحد، وهي الصاد، لأن الصاد تصعد إلى الحنك الأعلى للإطباق، فشبهوا هذا بإبدالهم الطاء في مصطبرٍ الدال في مزدجرٍ، ولم يبالوا ما بين السين والقاف من الحواجز؛ وذلك لأنها قلبتها على بعد المخرجين. فكما لم يبالوا بعد المخرجين لم يبالوا ما بينهما من الحروف، إذا كانت تقوى عليها والمخرجان متفاوتان.
ومثل ذلك قولهم: هذه حلبلابٌ. فلم يبالوا ما بينهما، وجعلوه بمنزلة عالم. وإنما فعلوا هذا لأن الألف قد تمال في غير الكسر نحو: صار وطار وغزا وأشباه ذلك. فكذلك القاف لما قويت على البعد لم يبالوا الحاجز.

والخاء والغين بمنزلة القاف، وهما من حروف الحلق بمنزلة القاف من حروف الفم، وقربهما من الفم كقرب القاف من الحلق، وذلك نحو: صالغ في سالغ، وصلخ في سلخ. فإذا قلت زقاً أو زلق لم تغيرها، لأنها حرف مجهور، ولا تتصعد كما تصعدت الصاد من السين، وهي مهموسة مثلها، فلم يبلغوا هذا إذ كان الأعرب الأكثر الأجود في كلامهم ترك السين على حالها. وإنما يقولها من العرب بنو العنبر. وقالوا صاطعٌ في ساطعٍ، لأنها في التصعد مثل القاف، وهي أولى بذا من القاف، لقرب المخرجين والإطباق.
ولا يكون هذا في التاء إذا قلت نتق، ولا في الثاء إذا قلت ثقب فتخرجها إلى الظاء، لأنها ليست كالظاء في الجهر والفشو في الفم. والسين كالصاد في الهمس والصفير والرخاوة، فإنما يخرج الصوت إلى مثله في كل شيء إلا الإطباق.
فإن قيل: هل يجوز في ذقطها أن تجعل الذال ظاء لأنهما مجهورتان ومثلان في الرخاوة؟ فإنه لا يكون، لأنها لا تقرب من القاف وأخواتها قرب الصاد، ولأن القلب أيضاً في السين ليس بالأكثر، لأن السين قد ضارعوا بها حرفاً من مخرجها، وهو غير مقاربٍ لمخرجها ولا حيزها، وإنما بينها وبين القاف مخرجٌ واحد، فلذلك قربوا من هذا المخرج ما يتصعد إلى القاف. وأما التاء والثاء فليس يكون في موضعهما هذا، ولا يكون فيهما مع هذا ما يكون في السين من البدل قبل الدال في التسدير إذا قلت: التزدير. ألا ترى أنك لو قلت التثدير لم تجعل الثاء ذالاً، لأن الظاء لا تقع هنا.
باب ما كان شاذاً
مما خففوا على ألسنتهم وليس بمطردفمن ذلك ستٌّ، وإنما أصلها سدسٌ. وإنما دعاهم إلى ذلك حيث كانت مما كثر استعماله في كلامهم، أن السين مضاعفة، وليس بينهما حاجزٌقويٌّ، والحاجز أيضاً مخرجه أقرب المخارج إلى مخرج السين، فكرهوا إدغام الدال فيزداد الحرف سيناً، فتلتقي السينات. ولم تكن السين لتدغم في الدال لما ذكرت لك، فأبدلوا مكان السين أشبه الحروف بها من موضع الدال، لئلا يصيروا إلى أثفل مما فروا منه إذا أدغموا. وذلك الحرف التاء، كأنه قال سدتٌ، ثم أدغم الدال في التاء. ولم يبدلوا الصاد لأنه ليس بينهما إلا الإطباق.
ومثل مجيئهم بالتاء قولهم: ييجل، كسروا ليقلبوا الواو ياءً. وقولهم أدلٍ، لأنهم لو لم يكسروا لم تصر ياءً. كما أنهم لو لم يجيئوا بالتاء لم يكن إدغامٌ.
ومن ذلك قولهم: ودٌّ، وإنما أصله وتدٌ، وهي الحجازية الجيدة. ولكن بني تميم أسكنوا التاء كما قالوا في فخذ: فخذٌ فأدغموا. ولم يكن هذا مطرداً لما ذكرت لك من الالتباس، حتى تجشموا وطداً ووتداً، وكان الأجود عندهم تدةً وطدةً، إذ كانوا يتجشمون البيان.
ومما بينوا فيه قولهم: عتدانٌ، وقال بعضهم. عتدانٌ فراراً من هذا. وقد قالوا: عدانٌ شبهوه بودٍ. وقلما تقع في كلامهم ساكنة، يعني التاء في كلمةٍ قبل الدال، لما فيه من الثقل، فإنما يفرون بها إلى موضع تتحرك فيه. فهذا شاذ مشبه بما ليس مثله نحو يهتدي ويقتدي.
ومن الشاذ قولهم: أحست، ومست، وظلت، لما كثر في كلامهم كرهو التضعيف، وكرهوا تحريك هذا الحرف الذي لا تصل إليه الحركة في فعلت وفعلن، الذي هو غير مضاعف، فحذفوا كما حذفوا التاء من قولهم: يستطيع فقالوا: يسطيع؛ حيث كثرت، كراهية تحريك السين، وكان هذا أحرى إذ كان زائداًن استثقلوا في يسطيع التاء مع الطاء، وكرهوا أن يدغموا التاء في الطاء فتحرك السين، وهي لا تحرك أبداً، فحذفوا التاء. ومن قال يسطيع فإنما زاد السين على أطاع يطيع، وجعلها عوضاً من سكون موضع العين.
ومن الشاذ قولهم: تقيت وهو يتقي، ويتسع، لما كانتا مما كثر في كلامهم وكانتا تاءين، حذفوا كما حذفوا العين من المضاعف نحو أحست ومست. وكانوا على هذا أجرأ لأنه موضع حذفٍ وبدلٍ.
والمحذوفة: التي هي مكان الفاء. ألا ترى أن التي تبقى متحركةٌ.
وقال بعضهم: استخذ فلانٌ أرضاً، يريد اتخذ أرضاً، كأنهم بدلوا السين مكان التاء في اتخذ، كما أبدلوا حيث كثرت في كلامهم وكانتا تاءين، فأبدلوا السين مكانها كما أبدلت التاء مكانها في ستٍ. وإنما فعل هذا كراهية التضعيف.
ومثل ذلك قول بعض العرب: الطجع في اضطجع، أبدل اللام مكان الضاد كراهية التقاء المطبقين، فأبدل مكانها أقرب الحروف منها في المخرج والانحراف. وقد بين ذلك.

وكذلك السين لم تجد حرفاً أقرب إلى التاء في المخرج والهمس حيث أرادوا التخفيف، منها.
وإنما فعلوا هذا لأن التضعيف مستثقل في كلامهم.
وفيها قولٌ آخر أن يكون استفعل، فحذف التاء للتضعيف من استتخذ كما حذفوا لام ظلت.
وقال بعضهم في يستطيع: يستيع. فإن شئت قلت: حذف الطاء كما حذف لام ظلت، وتركوا الزيادة كما تركوها في تقيت. وإن شئت قلت: أبدلوا التاء مكان الطاء، ليكون ما بعد السين مهموساً مثلها، كما قالوا: ازدان، ليكن ما بعده مجهوراً، فأبدلوا من موضعها أشبه الحروف بالسين، فأبدلوها مكانها كما تبدل هي مكانها في الإطباق.
ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث: بلعنبر وبلحارث، بحذف النون.
وكذلك يفعلون بكل قبيلةٍ تظهر فيها لام المعرفة.
فأما إذا لم تظهر اللام فيها فلا يكون ذلك، لأنها لما كانت مما كثر في كلامهم، وكانت اللام والنون قريبتي المخارج، حذفوها وشبهوها بمست، لأنهما حرفان متقاربان، ولم يصلوا إلى الإدغام كما لم يصلوا في مسست لسكون اللام. وهذا أبعد، لأنه اجتمع فيه أنه منفصل وأنه ساكن لا يتصرف تصرف الفعل حين تدركه الحركة.
ومثل هذا قول بعضهم: علماء بنو فلانٍ، فحذف اللام، يريد: على الماء بنو فلانٍ. وهي عربية.=

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت

 سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً  من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك  وأن ترحم وتغفر والدَيَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين

اللهم تقبل واستجب


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقد أبطل الله كل طلاق سبق علي تنزيل طلاق سورة الطلاق 5هـ

  المقدمة الأولي /التفصيل القريب و الصواب في التفصيل الاتي 1= نزلت أحكام الطلاق في ثلاث سور قرانية أساسية تُشرِّع قواعده علي المُدرَّج ال...