سورة الطلاق مشاري

**

 المصحف المرتل ختمة كاليفورنيا

** ///

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الأربعاء، 5 أبريل 2023

ج1,وج2. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح)

ج1 التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح)
المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل
الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)
تحقيق: المكتب العلمي بدار الكمال المتحدة
[
تنبيه]
ترقيم الكتاب داخل الصفحات موافق لمخطوطة الكتاب
[
المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي أيقظَ مِنْ خلْقِه مَنِ اصطفاه، وجَعَلَ هَمَّهُ فيما [1] يتعلَّقُ بآخرتِه لا دُنياه، وشغلَهُ بأمورِ مآلهِ واجتباه، وعظَّمَ قدرَهُ في الحالِ وفي المآل، وجعلَهُ من أبناءِ الآخرةِ ونِعْمَ الرجال، فهُمُ الأَعلونَ أَقدارًا، المشغولونَ بعبادتهِ ليلًا ونهارًا، أسْبغَ اللهُ عليهم في الدنيا نعمتَه، وبلَّغَهم في الآخرةِ جنَّتَه، أحمدُه أبلغَ الحمدِ وأكملَه، وأتمَّهُ وأزكاهُ وأشملَه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ المتوحِّدُ في ملكوته، المتفرِّدُ [2] بعظمتهِ وجَبَروتِه.
وأَشهدُ أنَّ سيِّدنا محمَّدًا عبدُه المصطفى، ورسولُهُ ذُو الشرْعِ المقتفى صلَّى الله وسلَّم عليه، وزادَه فضْلًا وشرفًا لديه.
أمَّا بعدُ:

(1/2)


فلمَّا كان [3] «صحيحُ البخاريِّ» يُقرأُ ببلدتنا كثيرًا، ويتطاولُ إليه مَن كان صَغيرًا أو كبيرًا، من غيرِ أن يكون من أهلِه، ولا عارفٍ بفضلِه ونُبْلِه، ولا يَعرفُ العربيَّةَ إلَّا باللِّجام والسَّرْج، ولا المؤنَّثَ مِنَ المُذَكَّرِ إلَّا بالفَرْج، ولا الفاعِلَ مِنَ المفعول، ولا مِنَ الرجالِ الفاضلَ مِنَ المفضول، ولا يعرفُ اللُّغةَ ولا غَريبَ الحديث، ولا تصريفَ الفِعل ولا هو إليه بحثيث، ولا مراتبَ التعديلِ والتجريح، ولا يميِّزُ بين أهل التجريح والترجيح، ولا مَنْ تُرَدُّ روايتُه مِنَ المبتدعة، وإذا ذُكر له الفتوحُ؛ تُرى نفسُه إليه متطلِّعة، ولا المؤتلِف والمختلِف، والمتَّفِقَ والمفترِق، وما أشبههما من الأنواع، ولا معاني الحديث، ولكنَّه يمُدُّ عليه مِن قيلِه [4] أيَّ باع، ولا المعلَّقَ من الموصَّل، ولا العلَّةَ القادحة من غيرِ المعلَّل، ولا العاليَ والنازل إلَّا السماء والأرض، مع جهلِه بالفَرْق بين العَرَض والعَرْض، ولا يُفرِّق بين التدليس والإرسال الخفيِّ، ولا يَفهمُ استدلالَ البخاريِّ [5] إلَّا بالظاهر الجليِّ، ويجهلُ المشهورَ والعزيز والغريب، وليس لأحدٍ من أهل الحديث بقعيد [6] ولا شَرِّيب، ولا هو عارفٌ بالشاذِّ من المتواتر، وإذا ذاكرتَه فيه؛ رأيتَه أعظمَ مُكابر، ولا البَدَلَ من الموافقة والمساواة، ومَن سأله عن شيءٍ من ذلك ناواه، ولا الاعتبارَ والمتابعاتِ والشواهد، وليس لأحدٍ من أهل الفنِّ بمصاحبٍ ولا مقاعد، ولا هو عارفٌ بأنواع المدرج، ولا المخرِّجَ من الجهابذة ولا ما أَخرج، ولا يَفهم ما المسانيد، ولا بمَن هو متكلَّمٌ فيه في الأسانيد، ولا المستدرَك من المستخرَج من المعجَم، وإذا ذاكرتَه في ذلك؛ رأيتَه أبكم، ولا هو عارفٌ ببقيَّةِ الأنواع، ويودُّ أنَّ ذِكرَه بالعلم ظهر وشاع، وليس له بشيءٍ [7] من الكتب السِّتَّة ولا غيرِها سماع، ولا يَعرفُ يَكتبُ أسماءَ السامعين، ولا يَستخرجُ سندَ جزء حديثٍ بلا نِزاع، وليس عنده في هذا العلم ولا ورقة، والشاطرُ منهم مَن يأخذُ بعضَ ذلك سرِقة، ويتكبَّرُ أن يسألَ أهلَ العِلم وأربابَه، فرُبَّما سلَّط بعضَ الطلبةِ ليسألَ له عمَّا نزلَ به ونابَه، ولم يبقَ أحدٌ ببلدتنا ممَّن يقرؤه إلَّا ويتكلَّم عليه، وقد يزعُم أنَّ مرجعَ الناس في ذلك إليه، ويحكي الحكاياتِ؛ ليجمعَ بها النساءَ والعوامَّ، الذين هم في معنى البهائم السَّوامِّ؛ ليعظُمَ في نفوسهم بذلك،

(1/3)


واللهُ يعلمُ أنَّه ليس بعارفٍ ولا سالك، وغرضُه بذلك الفتوح، فشخصُه يغدو إليه ويَروح، وهو عارٍ مِنَ الفنِّ وأدواتِه، ولم يأخذْهُ عن أهله في جهْرِه ولا في خَلَواتِه، وهذا البلاءُ قد عَمَّ غالبَ البلاد، فيقرؤه، وغيره من ليس له فيه طارفٌ ولا تِلاد، ولا شدَّ [8] فيه إلى الأمصار رَحْلَه، ولا حصَّل فيه فوائدَ سهلةً ولا جَزْلَة، ولا مدَّ فيه باعَ الاستحضار، ولا دَأَبَ فيه بالليل ولا بالنهار، فرحم اللهُ الأئمَّةَ الأعلام، الذين هم حُفَّاظُ الدين وأركان الإسلام، فإنَّ رَبْعَهم قد عفا، لكن ذِكرُهم ما هفا، وحسبنا الله وكفى.
وقد كنتُ قديمًا سنة ثلاث وتسعين وسبع مئة كتبتُ عليه تعليقًا سمَّيته بـ «التلويح» لأهل ذلك الزمان، وما كنتُ وقفتُ من شرح شيخنا الآتي ذِكْرُه إلَّا مِن أوَّله إلى أوَّل (كتاب الجهاد)، ثمَّ وقفتُ على الباقي بعد سِنينَ متطاولة، وأعصارٍ متوالية.
والآنَ قد زِدْتُهُ تراجمَ، وفوائدَ، وإيضاحًا، وإعرابًا لقُرَّاء هذا الأوان، لا لأبناء ذلك الزمان، ولم أضعْه للحَبْرِ الكامل، ولا للعالِم الفاضل؛ وذلك لأنَّ كُتُبَ هذا العِلْم ببلدتنا قليلة، وأنفُسَ أهله عنِ التطويل كَلِيلة، ولا يُعانونَ الفَتْشَ عن مكان الوقفِ والإرسال، ولا عدمَ اللُّقِيِّ وذلك عندَهم في «البخاريِّ» و «مسلمٍ» كالمُحال، ولا يعرفونَ زياداتِ الثقات، وقد يظنُّونَ أنَّ زيادَتَها أو تركَها كالهفوات [9]، وإنَّما يُعانونَ كلامَ بعضِ الأعاجم، على «المصابيح» و «المشارق» ولا يعتنون بالتراجم، مع أنَّ بضاعتَنا في العِلم والكُتُبِ مُزجاة، والاعترافَ بالتقصيرِ لصاحبه نِعمةٌ [10] مُهداة، وفي المَثَل: (تسمع بالمعيديِّ خيرٌ من أنْ تَراه)، وإنَّما وضعتُه للمتوسِّط الناقِل، أو [11] لمَن لزمَه العِيُّ؛ كباقِل.
وقد سمَّيتُ هذا الثاني بـ:
«
التَّلْقيح لِفَهْمِ قارِئِ الصحيح»
ليكونَ له عندَ قراءتِه عُمدة، ويَفزَعَ إليه عندَ الهَيْعَة كالعُدَّة.
واعلم أنِّي إذا قلت: (قال شيخنا الشَّارح)؛ فمرادي العلَّامةُ الحافظ سِراج [12] الدين أبو حفص عمر بن الإمام أبي الحسن عليٍّ الأنصاريُّ الوادي آشي الشهير بابن المُلَقِّن، برَّد الله ثراه، وجعل الجنَّةَ مرتَعَه ومثواه.

(1/4)


وقد قرأتُ عليه من أوَّل شرحه لهذا الكتاب إلى أوَّل (كتاب الجهاد)، ثمَّ ما في الكتاب قد كتبتُه، وإذا نقلتُ فيه شيئًا عن غيره من مشايخي [13]؛ ميَّزتُه وعيَّنتُه، وما نقلتُ فيه عنِ ابنِ المُنَيِّرِ؛ فمن «تراجمِه» على هذا الكتاب [14]، وفيها فوائدُ،
[
ج 1 ص 3]
وقد دقَّقَ فيها تَبَعًا للبخاريِّ، ونحا فيها الصواب.
وما نقلتُه عنِ الدِّمياطيِّ؛ فمِن حواشيه على «البخاريِّ»؛ وهو الحافظ شرف الدين أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلفٍ، وهو [15] شيخُ بعضِ مَن أخذتُ عنه مِنَ الشيوخ، وكان في القراءات والمغازي والأنساب وفنونِ هذا العلم مِن أهل الرُّسوخ [16].
وما قلتُه في تراجم الرجال؛ فمِن «تذهيب الحافظ الذَّهَبِيِّ» المختصَرِ من «تهذيب الكمال» للحافظ المِزِّيِّ، ولم أذكر فيه مِنِ اعتراضات الحافظ مُغلطاي على المِزِّيِّ إلَّا نادرًا، وفيما ذكرتُه كفايةٌ لمن لم يكن على كتب هذا النوع قادرًا.
ومن قلتُ فيه: (له ترجمة في «الميزان»)؛ فإنَّه متكلَّم فيه فيما ذَكره مؤرِّخُ الزمان الحافظ الذَّهَبيُّ في «ميزان الاعتدال في نقد الرجال»، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكون ذَكَره تمييزًا، فأنِّي أنصُّ عليه، فإذا قلتُ: (وصحَّح عليه)؛ فإنَّه يكونُ العملُ على توثيقه؛ كما شرطه هو في حاشية «الميزان»، وهو كتابٌ مرقصٌ مُطرب، تجاهَ ترجمةِ الشيعيِّ الجَلْدِ أبان بنِ تَغْلِب.
ومَن قلتُ فيه: (قال بعضُهم)؛ فمُرادي [17] صاحبُنا الإمام بدر الدين القاهريُّ الزَّرْكشيُّ في كتابه «التنقيح»، وهو كتابٌ حسنٌ مَليح، غيرَ أنَّ فيه أشياءَ غيرَ صحيحةٍ، وقد وقفتُ منه على نسخةٍ سَقيمةٍ غيرِ مُريحة.
وما نقلتُه فيه عنِ ابن شيخنا البلقينيِّ؛ فمِن كتابه «المبهمات» [18]، وهو قاضي المسلمين الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سِراج الدين أبي حفص عُمر بن رِسلان بن نُصير رحمهما [19] الله، فقد كان للخيراتِ داعيًا، ولعلوم الشريعة واعيًا.
ثمَّ اعلم أنَّ ما فيه عن حافظِ عصري، أو عن بعض حفَّاظ العصر، أو نحو هاتين العبارتين؛ فهو مِن [20] قولِ حافظ هذا العصر العلَّامةِ قاضي المسلمين حافظِ الإسلام شهابِ الدين ابنِ حَجَرٍ، من كتابه الذي هو كالمدخلِ إلى «شرح البخاريِّ» له، أعانَه الله على إكمال الشرح [21].

(1/5)


واعلم أنَّ شيخَنا الشَّارح عزا غالبَ الآثار والمتابعات [22] والتعاليق التي فيه [23]، ولم يَبْقَ في هذا العصر _ والله أعلم _ مَن يماثِلُه، بل ولا مَن يدانيه، ولم يقف عليه منها إلَّا [24] اليسير؛ كالفتيل والنقير والقطمير، ولم أتعرَّض أنا بالنسبة إلى ما ذَكره إلَّا قليلًا لذلك؛ لفائدةٍ قد تعرفُها فيما هنالك، فقد كفانا ذلك ومؤنتَه، جلَّله اللهُ رحمتَه ومغفرتَه، غيرَ أنِّي قد عزوتُ غالبَ ما فيه من المتابعات [25] إلى ما هي فيه من الكتب السِّتَّة المشهورات، ولم أذكرْ ما فيه [26] (من غيرها إلَّا نادرًا في بعض الأوقات، وقد عزا [27] جُلَّ ذلك شيخنا) [28] كما تقدَّم [29] إلى ما هي فيه من المُصنَّفات، ولم أذكر في هذا إلَّا نزرًا من الأحكام، وقد ذكر منها [30] شيخنا شيئًا، وجُملتَها مِن قبلِه الأئمَّةُ الأعلام.
ثمَّ اعلم أنَّ التراجم التي يترجمُ بها البخاريُّ رحمه الله معظمُها هو مذهبٌ يختارُه لنفْسِه يرُدُّ به على بعضِ العلماء، وإمَّا ردٌّ لحديثٍ ضعيفٍ قد ضعَّفه هو أو بعضُ الجهابذة النبلاء، أو ردٌّ لحديثٍ ليس على شرطه بحديثٍ يذكرُه في الترجمة على شرطه وضبطه، وتارةً يرُدُّ [31] فِعلًا شائعًا من الناس لا أصلَ له بترجمةٍ مع حديثٍ قد ساقه وأصلَه، وقد يكون لغير ذلك من المعاني التي يعرفُها مَن لكلامِه يُعاني، ولولا خوفُ الإطالة؛ لذكرتُ ما وقع لي من ذلك، وغالبُه يُستخرجُ من كلام شيخنا الشَّارح؛ فإنَّه سهَّلَ فيه المسالك.
ولم أقصد في هذا التعليق جمْعَ الأقوال والروايات، وما يُقال فيه من الإعراب؛ لأنَّ به يطولُ الكتاب، ويَخرجُ عنِ الاستحضار إذا لم يدأب فيه باللَّيل والنهار.
وهاأنا أذكر قريبًا تنبيهًا يتعلَّق بتراجم المصنِّفينَ في الحديث ينفعُك في تراجم «البخاريِّ»؛ فإنَّها كالشيءِ العُجاب؛ فإنَّ فِقْهَهُ في تراجمه كما عَمِلَ العلَّامةُ سيبويه في «الكتاب»، ومَن أراد الإمعانَ؛ فعليه بالمطوَّلات، لا العُجالات والمختصرات.

(1/6)


ثمَّ اعلم أنِّي لا أذكر الأوهام الواقعة قبل الوصول إلى «البخاريِّ»، وذلك فيما يخُصُّ الأسانيدَ وأسماءَ الرواة؛ فإنَّ الحملَ في ذلك على نَقَلَةِ الكتاب، وقد وقعَ مثله في «مسلم»، وقد ينْدُرُ مواضعُ يسيرةٌ من هذه الأوهام لهما، أو لمَن فوقَهُما من الرواة، فأذكُرُ من ذلك ما يسَّرَه اللهُ تعالى [32] فيما يتعلَّق بالبخاريِّ، وقد استدرك ذلك الحافظ أبو الحسن عليُّ بنُ عُمرَ الدَّارَقُطنيُّ عليه، وكذا على الحافظِ مسلمٍ، ونبَّهَ على بعضِ هذه المواضعِ الحافظ أبو مسعودٍ الدمشقيُّ، وغيرُه من الأئمَّة، وقد ذكرَها الحافظ أبو عليٍّ الغسَّانيُّ ببابٍ مفردٍ في كتابه [33] «تقييد المُهمَل»؛ فسارِعْ إليه ولا تكُنْ ممَّن أهمَل؛ فقد كفاني ذلك رحمه الله.
ومَن أراد ذلك، أو شيئًا منه؛ فعليه بالكتاب المشار إليه.
واللهَ أسألُ أن يجعلَ ذلك لوجهه الكريم خالصًا، وأنْ يجعلَني في ظِلِّ عَرْشِه إذا [34] الظِّلُّ أضحى في القيامة قالصًا، إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وبالإجابةِ جديرٌ، وبجزاءِ كلِّ خيرٍ كفيلٌ، وهو حسبُنا ونِعْمَ الوكيل.
تنبيهٌ قد سبقت الإشارة إليه قريبًا:
اعلم أنَّ التراجمَ التي يُترجِمُ بها أصحابُ التصانيف على الأحاديث إشارةٌ إلى المعاني المستنبطة منها على ثلاثِ مراتب:
منها: ما هو ظاهرٌ في الدلالة على المعنى المراد، مفيدٌ لفائدةٍ مطلوبة.
ومنها: ما هو خفيُّ الدلالة على المعنى المراد، بعيدٌ مستكرَهٌ لا يتمشَّى إلَّا بتعسُّف.
ومنها: ما هو ظاهرُ الدلالة على المراد إلَّا أنَّ فائدتَه قليلةٌ لا تكاد تُستحسن، مثل ما ترجم الإمام البخاريُّ: (باب السؤال عند الجمار)، وهذا القِسم _أعني: ما يظهر منه قلةُ الفائدة_ يحسنُ إذا وُجد معنًى في ذلك المراد [35] يقتضي تخصيصَه بالذِّكر، ويكونُ عدمُ استحسانه في بادئ الرأي لعدم الاطِّلاع على ذلك المعنى.
فتارةً يكونُ سببُهُ الردَّ على مخالفٍ في المسألة لم تَشتَهِر [36] مقالتُه؛ مثل ما ترجم البخاريُّ على أنَّه يُقال: ما صلَّينا؛ فإنَّه نُقل عن بعضِهم أنَّه كَرِهَ ذلك.
قال شيخُنا الشَّارح:
[
ج 1 ص 4]
(
إن قيل: أيُّ كبيرِ أمرٍ تحت هذه الترجمة؟

(1/7)


فالجواب: نعم؛ تحتَها عظيمٌ؛ وهو أنَّه ردَّ بها على مَن يقولُ إذا سُئل [37]: هل صلَّيتَ؟ وهو منتظرٌ الصلاةَ؛ فيُكره أن يقولَ: لم أُصَلِّ، وهو قولُ إبراهيمَ النَّخَعيِّ، رواه عنه ابن أبي شيبةَ بإسنادِه إليه، والسُّنَّةُ ترُدُّ عليه، والله أعلم) انتهى [38].
وتارةً يكونُ سببُهُ الردَّ على فِعْلٍ شائعٍ مِنَ الناس لا أصلَ له؛ فيذكرُ الحديثَ؛ للردِّ على فِعْلِ ذلك الفعل، كما اشتهرَ بين الناس في هذا المكانِ التحرُّزُ عن قولهم: (ما صلَّينا) إن لم يصحَّ أنَّ أحدًا كرِهَه، وقد تقدَّم أنَّه كرِهَهُ إبراهيمُ النَّخَعيُّ.
وتارةً يكونُ لمعنًى يخُصُّ الواقعةَ لا يظهرُ لكثيرٍ من الناس في بادئ الرأي؛ مثلَ ما ترجم البخاريُّ على حديث أبي موسى الأشعريِّ قال: (أتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَستاكُ بسِواكٍ، وطرفُ السِّواكِ على لسانِه ... )؛ الحديثَ: (بابُ استياكِ الإمامِ بحضرةِ رعيَّتِه)؛ فإنَّ الاستياكَ مِنْ أفعالِ البِذْلة والمِهْنة، ويلازمُه أيضًا مِن إخراجِ البُصاق وغيرِه ما لعلَّ بعضَ الناسِ يتوهَّمُ أنَّ ذلك يقتضي إخفاءَه وترْكَه بحضرةِ الرعيَّةِ، وقدِ اعتبرَ الفقهاءُ في مواضعَ كثيرةٍ هذا المعنى، ويسمُّونَه: تحفظ المروءة، وقد أورد البخاريُّ هذا الحديث؛ لبيان أنَّ الاستياك ليس من قَبيل ما يُطلب إخفاؤُه ويتركُه الإمام بحضرةِ الرعايا؛ إدخالًا له في العباداتِ والقُرباتِ، والله أعلم.
فينبغي لقارئِ هذا الكتابِ أو مُطالِعِه أن يغوصَ في فَهْمِ تراجمه، فإنَّ بحرَ مؤلِّفِه عميق، ونظرَه في الشريعةِ دقيق.
ثمَّ اعلم أيضًا أنَّه وقع في هذا الكتابِ أحاديثُ يسيرةٌ ذكرَها مكرَّرةً متنًا وإسنادًا، وقلَّما يتَّفِقُ له ذلك، وقد ذكرتُ ما تنبَّهْتُ [39] له في (كتاب الحجِّ)، وكان ينبغي لي أن أذكرَها في أوَّل مكانٍ وقعَ فيه حديثٌ مكرَّرٌ، ولكن كذا اتفقَ، وما ذكرتُه من ذلك الظاهرُ أنِّي لم أستوعِبْه، ولكن ينبغي لمَن عَثَرَ على شيءٍ من ذلك؛ فليُلحقه في (الحجِّ) حيثُ ذكرتُه.

(1/8)


تنبيه: اعلم أنَّ النُّسَخَ من هذا «الصحيحِ» تختلفُ، وسببُهُ ما رأيتُه عن أبي الوليد الباجيِّ في مقدِّمةِ كتابه في أسماء رجال «البخاريِّ» قال: (أخبرني الحافظُ أبو ذرٍّ عبدُ بنُ أحمد [40] الهَرَويُّ، حدَّثنا الحافظُ إبراهيمُ المُسْتملي قال: انتسختُ «كتاب البخاريِّ» من أصلِه الذي كان عند صاحبِه الفِرَبْرِيِّ، فرأيتُ فيه أشياءَ لم تتمَّ [41]، وأشياءَ مبيَّضةً؛ منها: تراجم لم يُثبِت فيها شيئًا، ومنها: أحاديث لم يترجِم لها، فأضفنا بعضَ ذلك إلى بعضٍ).
قال الباجيُّ: (وممَّا يدُلُّ على صِحَّةِ هذا القول روايةُ المُسْتَمْلِي، وروايةُ السَّرَخْسِيِّ، وروايةُ أبي الهيثم الكُشْمِيهَنِيِّ، وروايةُ أبي زيدٍ المِروَزِيِّ مختلفةٌ بالتقديم والتأخير، معَ أنَّهم انتسَخُوا مِن أصلٍ واحدٍ، وإنَّما ذلك بحسَب ما قَدَّرَ كلُّ واحدٍ منهم في ما كانَ في طُرَّةٍ أو رَقْعَةٍ مُضافةٍ أنَّه مِن موضعِ ما أضافه إليه، ويُبيِّنُ ذلك أنَّك تجدُ ترجمتينِ فأكثرَ مِن ذلِكَ متَّصلةً ليس [42] بينهُما أحاديثُ).
قال الباجيُّ: (وإنَّما أوردتُ هذا؛ لِمَا عُني به أهلُ بلدِنا مِن طلبِ معنًى يَجمَعُ [43] بين الترجمةِ والحديثِ الذي يليها، ويكلِّفُهم في ذلك تعسُّفُ التأويل ممَّا [44] لا يَسوغ) انتهى.
وقد تقدَّم أنَّ ابن المُنَيِّر تكلَّم في تراجمه على الجمع في ذلك، واللهُ الموفِّقُ للصواب، وإليه المرجع والمآب [45].
وهذا حينُ الشروعِ في الكلامِ على «الصحيح»، فأقولُ [46]:
قال الإمامُ البخاريُّ (رحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه) [47]:
==========
[1]
في (ب): (مما).
[2]
في غير (أ): (المنفرد).
[3]
التقدير: فإني ألفت هذا الكتاب لما كان ...
[4] (
من قيله): ليست في (ب).
[5]
البخاري: ليست في (ب)، وهي في (أ) رمز.
[6]
في هامش (أ): (نسخة: بأَكِيلٍ).
[7]
في (ب): (شيء).
[8]
في (ب): (شذ).
[9]
في (ب): (الهفوات).
[10] (
نعمة): ليست في (ب).
[11]
في (ب): (و).
[12]
زيد في (ب): (الملة و).
[13]
في (ب): (مشايخ).

(1/9)


[14]
هو الإمام العلَّامة ناصر الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي القاسم منصور بن مختار بن أبي بكر بن أبي العباس علي بن أبي المعالي بن أبي المظفر بن المُنَيِّر الجذامي الجروي الإسكندراني، قاضي الإسكندرية وعالمها وخطيبُها، أخو زين الدين علي، ولد سنة (620 هـ)، سمع من أبيه وآخرين، حدث بها، وكان فقيهًا عالمًا، وكان مع علومه له اليد الطولى في الأدب وفنونه، وكان لا يُناظَر تعظيمًا لفضيلته، بل تُورد الأسئلة بين يديه ثم يُسمع ما يجيب فيها، له مصنفات مفيدة غيره وتفسير نفيس، والمراد بـ «تراجمه على البخاري»: كتابه «المتواري على أبواب البخاري» في مقابسات تراجم «صحيح البخاري»، وله «الانتصاف من الكشاف»،و «الاقتفا في فضائل المصطفى»، وغيرها، وقيل: إنَّ الشيخ عز الدين ابن عبد السلام كان يقول: ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابنُ المنيِّر بالإسكندريَّة وابن دقيق العيد بقوص، توفِّيَ سنةَ (683 هـ) بالثغر، انظر «الوافي بالوفيات» (8/ 84).
[15] (
وهو): ليست في (ب).
[16]
هو الإمام العلَّامة شرف الدين أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلف.
[17]
زيد في (ب): (منه).
[18]
في (ب): (المهمات).
[19]
في (ب): (رحمه).
[20] (
من): ليست في (ب).
[21]
يريد به: شرح «البخاري» المسمى: «فتح الباري» للحافظ ابن حجر رحمه الله، ولم يكن قد أتمَّه حينها.
[22]
في (ب): (والمبايعات).
[23]
في (ب): (فيها).
[24]
زيد في (ب): (هنالك).
[25] (
من المتابعات): ليست في (ب).
[26] (
ما فيه): ليست في (ب).
[27]
في (ب): (عززنا).
[28]
ما بين قوسين جاء في (ب) قبل هذا الموضع بعد قوله: (غالب ما فيه).
[29] (
كما تقدم): ليست في (ب).
[30]
في (ب): (فيه).
[31]
في (ب): (ترد).
[32]
زيد في (ب): (وقد وقع).
[33] (
كتابه): ليست في (ب).
[34]
في (ب): (و).
[35] (
المراد): ليست في (ب).
[36]
في (ب): (يشتهر).
[37] (
إذا سئل): ليست في (ب).
[38] «
التوضيح» (6/ 411).
[39]
في (ب): (نبهت).
[40]
في (ب): (آدم).
[41]
في (ب): (يتم).
[42]
في (ب): (وليس).
[43]
في (ب): (بجمع).
[44]
في (ب): (فيما).

(1/10)


[45]
في هامش (أ): (بلغ فيه المحدِّث الفاضل الرَّحال نجم الدين محمَّد المدعوُّ عمر بن الشيخ الإمام الفاضل تقي الدين محمَّد ابن فهد الهاشميُّ المكِّيُّ قراءةً عليَّ [مِن أوَّله] إلى باب «كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، وذلك يوم الأحد سابع صفر المبارك من سنة [خمس] وثلاثين وثماني مئة بالمدرسة الشرقية بحلب، وناولتُه هذا المجلد، وآخرُه: أول مناقب الصحابة رضي الله عنهم، وأذنتُ للمشار إليه في روايةِ جميع الكتاب عني؛ قاله مؤلِّفُه إبراهيمُ المحدِّث، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلمَّ، ثم ناولتُه الجزءَ الثاني في التاريخِ والمكانِ، فكَمُلَ له روايةُ جميعِ الكتابِ، كتبه مؤلِّفُه إبراهيم).
[46]
في (ب): (وأقول).
[47]
ما بين قوسين مثبت من (ب).

(1/11)


[
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]
(
بَابُ كَيْفَ كَانَ بُدُوُّ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1]
قوله: (بَابُ كَيْفَ كَانَ بُدُوُّ الْوَحْيِ): يجوزُ [2] رفعُ (باب) [3] بلا تنوينٍ وما بعدَه مضافٌ، وهو خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: هذا بابُ، ويجوزُ تنوينُه، وهما جاريانِ في نظائِرِه.
ووقع في بعضِ النُّسَخِ بغيرِ ذِكْرِ (باب)؛ فاعلمْهُ.
قوله: (كَيْفَ كَانَ بُدُوُّ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (بُدُوُّ): قال ابن قُرقُول _وهو الإمامُ الحافظُ العلَّامةُ أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ يوسفَ بنِ إبراهيمَ الحَمْزيُّ؛ بالحاء المهملة وبالزاي، نسبةً إلى بلدٍ بالمغربِ [4]_ في «مطالعه» _ وكلُّ ما أنقلُه عنه؛ فمِن كتابه المذكور، وهو كتابٌ نفيسٌ ذُو فوائدَ، والظاهرُ أنَّه اختصَرَه مِن كتاب «المشارق» للقاضي الإمام الحافظ المحقِّق أبي الفضل عِياض بن موسى اليَحْصُبيِّ [5]_: (رَوَيناه بالهمز، مِنَ الابتداء، ورواهُ بعضُهم غيرَ مهموزٍ، مِنَ الظهور).
قال أبو مروانَ: (والهمزُ أحسنُ؛ لأنَّه يَجمعُ المعنيين، وأحاديثُ الباب تدُلُّ عليه؛ لأنَّه بيَّن فيه كيفَ يأتيه الملَكُ ويظهرُ له، وفيه كيفَ كانَ ابتداءُ أمرِه، وأوَّلُ ما ابتُدِئ به).
وكان غيرُه يقول: (إنَّ الظهورَ أحسنُ؛ لأنَّه أعمُّ) انتهى.
فقولُه: (ورواه بعضُهم غيرَ مهموزٍ)؛ يعني: بُدُوُّ؛ مثل: قعود، مصدرًا.
وأمَّا على رواية الهمز؛ فـ (بَدْءُ) مفتوحُ الباءِ، ساكنُ الدال، مهموزُ الآخر، وتصريفُه كتصريفِ (منع)، والله أعلم.
قوله: (بُدُوُّ الْوَحْيِ): سيأتي الكلامُ على (الوحيِ) قريبًا إن شاء الله تعالى.
قوله: (وقول اللهِ [6]): (قول): مجرورٌ ومرفوعٌ معطوفٌ على (كيفَ)، قاله شيخُنا الشَّارح رحمه الله تعالى [7]، وقال أيضًا: (وعبارةُ القاضي _يعني: عِياضًا_: يجوزُ الرفعُ على الابتداءِ، والكسرُ عطفًا على «كيف»، وهي في موضعِ خفضٍ؛ كأنَّه قال: بابُ كيفَ كذا وبابُ معنى قولِ الله،
[
ج 1 ص 5]
أو الحجَّة [بقول الله]، ولا يصحُّ أن يُحملَ على الكيفيَّة لقولِ الله؛ إذْ لا يُكيَّفُ كلامُ الله) انتهى [8]
سؤال [9]: إن قلت: ما موقعُ حديثِ عمرَ رضي الله عنه مِنَ الترجمة، وأين هو مِن ابتداء الوحي؟

(1/12)


فالجوابُ: أنَّ هذا ذكره ابنُ المُنَيِّر _ الإمام العالم العلَّامة [10] الذي سمعت عنه [11] العلَّامة البلقينيَّ يقول: (عالمان بمكَّة [12]؛ لم [13] يرحل أحدهما، ولم يتنقَّح علمه، ورحل الآخر، [ونقِّح] علمه: ابنُ دقيق العيد؛ يعني: العلامة زين الدين، والآخرُ ابنُ المُنَيِّر) انتهى [14]، (والذي رحل هو ابن دقيق العيد) [15]، وكلُّ ما أنقلُه [16] في هذا المؤلَّف عنه؛ فمِن تراجمه على «البخاريِّ» كما تقدَّم، (وإنْ نقلتُ عنه مِن غيرِها؛ عزوتُه) [17]_ ولفظُه: (قلتُ: أشكلَ هذا قديمًا على الناس، فحملَه بعضُهم على قصْدِ الخُطبة والمقدِّمة للكتاب، لا على مطابقةِ الترجمة، وقيل فيه غيرُ هذا، والذي وقع لي فيه: أنَّه قصدَ _والله أعلم_ أنَّ الحديثَ اشتملَ على أنَّ مَنْ هاجر إلى الله؛ وَجدَهُ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مقدِّمةُ النبوَّة في حقِّه هجرتَه إلى الله، وإلى الخلوة بمناجاتِه، «والتقرُّب إليه بعباداته» [18] في غار حِراء، فلمَّا ألهمَه اللهُ صِدْقَ الهجرةِ إليه وطلب وجدَّ؛ وَجَدَ، فهجرتُه إليه كانت [بدءَ] فضلِه عليه باصطفائه، وإنزال الوحي عليه، مضافًا إلى التأييدِ الإلهيِّ، والتوفيقِ الرَّبَّانيِّ، الذي هو الأصلُ والمرجِعُ والمبدَأُ [19]، وليس على معنى ما ردَّه أهلُ السُّنَّةِ [على] مَن اعتقدَ أنَّ النبوَّةَ مكتسبةٌ، بل على معنى أنَّ النبوَّةَ ومقدِّماتِها ومنحاتِها [20] كلٌّ فضلٌ مِن عند الله، فهو الذي ألهَمَ السُّؤَالَ وأعطى السُّؤْلَ، وعلَّقَ الأملَ وبلَّغَ المأمولَ، فله الفضلُ أوَّلًا وآخرًا، وباطنًا وظاهرًا، سبحانه وتعالى.
ولم يذكُرِ البخاريُّ في هذا الحديث: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ» وهو أمسُّ بالمقصود الذي [21] نبَّهنا عليه، وقد ذَكَرَ هذه الزيادةَ في (كتاب الإيمان) [خ¦54]، وكأنَّه استغنى عنها بقوله: «فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، فأفهم ذلك: أنَّ كلَّ مَن هاجر إلى شيءٍ؛ فهجرتُه إليه، فدخل في عُمُومِهِ الهجرةُ إلى الله، ومِن عادتِهِ أن يترُكَ الاستدلال بالظاهرِ الجليِّ، ويعدِلَ إلى الرمزِ الخفيِّ، وسيأتي له أمثالُ ذلك) انتهى [22]
(
سؤالٌ ثانٍ) [23]: إنْ قلتَ: ما وجهُ تعلُّقِ حديثِ عمرَ رضي الله عنه بالآية المذكورة أوَّلَ الباب؟

(1/13)


فالجوابُ: أنَّ هذا ذَكَرَه الحافظُ الدِّمياطيُّ في حاشية نُسختِه لـ «صحيح البخاريِّ»؛ كِلاهُما بخَطِّه [24]_ وقد رأيتُ «البخاريَّ» بخَطِّه [25]، وحواشيَه عليه، وكذا رأيتُ «صحيحَ مسلمٍ» بخَطِّه، وحواشيه عليه رحمه الله، وأخبرني شيخُنا العلَّامةُ ابنُ المُلقِّن: (أنَّ في خزانةِ الشافعيَّةِ بالقاهرة الكُتبَ السِّتَّةَ بخَطِّه، وهي وقفٌ على الشافعيَّة)، [وكلُّ ما أنقلُه في هذا المؤلَّفِ عنه [26] كما تقدَّم وأُطلقه؛ فهو مِن حواشيه بخطِّه على «البخاريِّ»، وإن نقلتُ مِن غيرِها؛ عزوتُه لمكانه، قال الحافظُ جمالُ الدينِ المِزِّيُّ [27]: (ما رأيتُ في الحديثِ أحفظَ مِنَ الدِّمياطيِّ) انتهى، وهو الحافظُ شرفُ الدينِ أبو محمَّدٍ عبدُ المؤمنِ بنُ خلفٍ شيخُ بعضِ مَن أخذتُ عنه مِنَ الشيوخِ [28] كما تقدَّم في الدِّيباجة] [29]_ ولفظُه: (وجهُ تعلُّق هذا الحديث بهذِه الآيةِ: أنَّ اللهَ أوحى إلى جميعِ الأنبياءِ أنَّ الأعمالَ بالنِّيَّاتِ، والحُجَّةُ لذلِكَ قولُه تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وقال: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ ... }؛ الآية [الشورى: 13]، قال أبو العالية: وصَّاهم بالإخلاصِ لله في عبادتِه لا شريك له) انتهى.
قوله: ({كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163]): اعلم أنَّ نُوحًا اسمٌ أعجميٌّ، والمشهورُ صَرْفُه، (وقيل: يجوزُ صرفُه) [30]، وتَرْكُ صرْفِه.
قال السُّهيليُّ: (واسمه عبد الغفَّار، وقال غيرُه: اسمه يَسْكَن [31]، وقيل: يشكر، واسمُ أُمِّه: شمخى بنت أنوش) انتهى [32]
واسمُ والدِه: لمك، وقيل: لامك _بفتح الميم وكسرها_ ابن مَتُّوشَلَخ _وهو [33] بميمٍ مفتوحة، ثمَّ مثنَّاةٍ فوقُ مشدَّدةٍ، ثمَّ واوٍ ساكنةٍ، ثمَّ شينٍ معجمةٍ، ثمَّ لامٍ مفتوحتين، ثمَّ خاءٍ معجمة_ ويُقال: مُتَوشْلخ، وتفسيرُه: ماتَ الرَّسول؛ لأنَّ أباهُ كان رسولًا؛ وهو خَنُوخ.
وقال ابنُ إسحاقَ وغيرُه: هو إدريسُ.
وأخْنُوخ: بالخاء المعجمة، وقيل: مهملة، ثمَّ نون مضمومة، ثمَّ واو، ثمَّ خاء معجمة.
قال شيخُنا مجدُ الدين في «قاموسه»: (خَنُوخ _يعني: بخاءين معجمتين_ أو أخنوخ؛ يعني: بالخاءين أيضًا بزيادة همزة في أوَّله).
وقال شيخُنا الشَّارح: (حنوح؛ بالحاء المهملة، وقيل: معجمة).

(1/14)


وسيأتي الكلامُ على هذا الاسم، وكذا مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى آدمَ في أوَّلِ المَبْعث إن شاء الله تعالى.
ثمَّ اعلم أنَّ ابنَ إسحاقَ والأكثرينَ قالوا: إنَّ أخنوخَ هو إدريسُ، وأنكرَ آخرونَ ذلك، وقالوا: إنَّه ليس في عَمود النسبِ، وإنَّما إدريسُ هو إلياسُ.
وفي «البخاريِّ» في (الأنبياء) [قبل ح 3342] في قوله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ} [34] [الصافات: 123]: يُذكَر عنِ ابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ: (أنَّ إلياسَ هو إدريسُ) انتهى، واختارَه _ (أنَّه ليس في العمود) [35]_ ابنُ العربيِّ، وتلميذُه السُّهيليُّ [36]؛ لحديث الإسراء حيث قال: «مرحبًا بالأخ الصالح»، ولم يقل: بالابن الصالح، كما قال إبراهيمُ.
وأجاب عن ذلك النوويُّ رحمه الله: (بأنَّه [37] يَحتمل أنَّه قاله [38] تلطُّفًا وتأدُّبًا، وهو أخٌ وإنْ كان ابنًا، والأبناءُ إخوةٌ، والمؤمنونَ إخوةٌ).
وقال شيخُنا الشَّارِحُ عنِ ابنِ المُنَيِّر: (أكثرُ الطرق على أنَّه خاطبه بالأخ الصالح، قال: وقال لي [39] ابنُ أبي الفضل: صحَّت لي طريق: أنَّه خاطبه فيها بالابن الصالح).
وقال شيخُنا الشَّارح: (وقال المازِرِيُّ: ذكر المؤرِّخون: أنَّ إدريسَ جَدُّ نوحٍ، فإنْ قامَ دليلٌ على أنَّ إدريسَ أُرسلَ؛ لم يصحَّ قولُ النسَّابين: إنَّه قبلَ نوحٍ؛ لما في «الصحيح»: «ائتوا نوحًا؛ فإنَّه أوَّلُ رسولٍ بعثه الله إلى أهل الأرض»، وإن لم يقم دليلٌ؛ جاز ما قالوا، وصحَّ أنَّ إدريسَ [40] كان نبيًّا، ولم يُرسَل).
وقال السُّهيليُّ: (وحديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه [41] يدُلُّ على أنَّ آدمَ وإدريسَ رسولان).
قال شيخنا الشَّارح: (قلتُ: أخرجه بطوله ابنُ حِبَّانَ) انتهى.
==========
[1]
في (ب) بدل مما في قوسين: (كتاب).
[2]
زيد في (ب): (فيه).
[3] (
باب): ليست في (ب).

(1/15)


[4]
هو الإمام العلَّامة أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ يوسفَ بنِ إبراهيمَ بنِ عبدِ الله بنِ باديسَ الحَمْزيُّ الوَهْرانيُّ، صاحب كتاب «مطالع الأنوار» الذي وضعه على كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض، ولد بالمرية سنة (505 هـ)،وكان فاضلًا من أوعية العِلم، رحَّالًا في طلبه فقيهًا نظَّارًا أديبًا حافظًا بصيرًا بالحديث، صنَّف وكتب الخطَّ الأنيق، وصَحِبَ جماعةً مِن العلماء بالأندلس، وكان رفيقًا للسُّهيليِّ، ولمَّا حضرته الوفاةُ بفاس تلا سورة الإخلاص وجعل يكرِّرُها بسرعة ثم إنَّه تشهَّد ثلاث مرَّاتٍ وسقط على وجهه ساجدًا ومات سنة (569 هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (20/ 520)، «الوافي بالوفيات» (6/ 109).
[5]
هو الإمام العلَّامة، وتوفي سنة (هـ)
[6]
زيد في النسخ: (تعالى)، وليست في «اليونينيَّة» و (ق).
[7] «
التوضيح» (2/ 116).
[8] «
التوضيح» (2/ 116 - 117).
[9]
في (ب): (قوله).
[10]
زيد في (ب): (ابن).
[11]
في (ب): (من).
[12]
في (ب): (مليًا).
[13] (
لم): ليست في (ب).
[14] (
انتهى): ليست في (ب).
[15]
ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (تراجمه على البخاري كما تقدم)، وهي في (أ) بالهامش.
[16]
في (أ): (أنقل).
[17]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[18]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[19]
عبارة ابن المُنيِّر: (الأصل والمبدأ والمرجع والموئل).
[20]
في «المتواري»: (ومتمِّماتِها).
[21]
في النسخ: (والذي)، والمثبت من مصدره.
[22] «
المتواري على أبواب البخاري» لابن المُنَيِّر (ص 48 - 49).
[23]
في (ب) بدل مما في قوسين: (قوله).
[24]
وهي ضمن مصادرنا، والحمد لله.
[25] (
بخطه): ليست في (ب).
[26] (
عنه): ليست في (ب).
[27]
في (ب): (والمزي).
[28]
قوله: (بعض من أخذت عنه من الشيوخ) غير واضح في الأصل.
[29]
ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (لـ «صحيح البخاري» كلاهما بخَطِّه).
[30]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[31]
في (ب): (يشكن).
[32] «
الروض الأنف» (1/).
[33]
في (ب): (فهو).
[34]
قوله: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ}: مثبت من (ب).
[35]
ما بين قوسين ليس في (ب)، وهو في (أ) بالهامش.
[36] «
الروض الأنف» (1/).
[37]
في (ب): (فإنَّه).
[38]
في (ب): (قال).
[39] (
لي): ليست في (ب).
[40]
في (ب): (إدريسًا).
[41]
الترضية ليست في (ب).

(1/16)


[
حديث: إنما الأعمال بالنيات]
1#
قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): هو عبد الله بن الزُّبير [1]، وقد ورد مُسمًّى في بعض الطرق في هذا المكان، ترجمتُه معروفةٌ؛ فلا نُطَوِّل بها، وهو الفقيه، أحدُ الأعلام، صاحبُ ابن عُيينةَ، وسمع مِنَ الزِّنجيِّ، وإبراهيمَ بنِ سَعْدٍ [2]، وغيرِهما، وعنه: البخاريُّ، وأبو زُرعةَ، وأبو حاتمٍ، وخلقٌ، قال الفَسويُّ: (ما لقيتُ أنصحَ للإسلامِ منه) [3]، ماتَ سنةَ (219 هـ) [4]، أخرج له البخاريُّ، وأبو داودَ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.
وهو نسبةٌ إلى حُميد _بضمِّ الحاء المهملة_ بطنٌ مِن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيٍّ.
وقال النوويُّ في «إملائه»: (هو نسبةٌ إلى جدِّه حُميد).
وقال السَّمعانيُّ: (سمعتُ شيخَنا أبا القاسم إسماعيلَ بنَ محمَّدٍ الحافظ يقول: هو منسوبٌ إلى الحُميدات، وهي قبيلةٌ) انتهى [5].
وسيجيءُ في تفسيرِ (براءةَ) أنَّ الحُميدات: بطنٌ مِنْ قُريشٍ.
قولُه: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هو ابنُ عُيينةَ [6]؛ وهو بضمِّ السين، وحُكِي كسرُها، وفتحُها أيضًا.
و (عُيَينة) [7]: بضمِّ العين وكسرها أيضًا، ترجمته معروفةٌ؛ فلا نُطوِّلُ بها، وقد صرَّح بالتحديث هنا، وهو مُدَلِّسٌ، ولكن لا يُدَلِّسُ إلَّا عن ثقةٍ، وقد ذكرتُ المُدلِّسينَ في جزء مفردٍ مرتَّبٍ على حروف [المعجم]، وذكرتُ طبقاتِهِم في التدليس، فمَن أراده؛ فلينظرْه.
هذا الخلاف في عنعنة المدلِّس إنَّما يكون في غير ابن عيينة، وذلك أنَّ ابن عبد البرِّ قد [8] حكى عن أئمَّة الحديث أنَّهم قالوا: يُقبَلُ تدليسُ ابنِ عُيينةَ؛ لأنَّه إذا وقف؛ أحال على ابنِ جُريجٍ ومَعْمَرٍ ونظرائِهما [9]، وهذا ما رجَّحَه ابنُ حِبَّان، وقال: هذا شيءٌ ليس في الدنيا إلَّا لسُفيان بن عُيينةَ؛ فإنَّه كان لا يُدلِّسُ إلَّا عن ثقةٍ متقنٍ، ولا يكاد يوجد لابن عُيينةَ خبرٌ دلَّس فيه إلَّا وقد بيَّن سماعه عن ثقةٍ [10] مثل ثقته، ثمَّ مثَّل ذلك بمراسيلِ كبار الصحابة؛ فإنَّهم لا يُرسلونَ إلَّا عن صحابيٍّ، وقد سبقَ ابنَ عبد البرِّ إلى ذلك الحافظُ أبو بكرٍ البزَّار _بالراء في آخره_ وأبو الفتح الأزديُّ؛ قال البزَّارُ: مَن كان يُدلِّسُ عنِ الثقات؛ كان تدليسُه عند أهل العلم مقبولًا، وعن أبي بكرٍ الصيرفيِّ من الشافعيَّة في كتاب «الدلائل» مثلَه، ولفظُه: (كلُّ مَن ظهر تدليسُه عن غير الثقات؛ لم يقبلْ خبرُه حتى يقول: حدَّثني أو سمعتُ) انتهى.

(1/17)


وقد نَظَمَ ذلك في بيتين بعضُ أصحابنا، فقال:
~…
أمَّا الإمامُ ابنُ عُيينة فقدْ…اغتفروا تدليسَه مِن غيرِ رَدّْ
[
ج 1 ص 6]
قوله: (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيمِيُّ [11]): سيأتي بعضُ ترجمته في آخر (كتاب الصوم) قُبيل (الاعتكاف) إن شاء الله تعالى وقدَّره [خ¦2018].
قوله: (بِالنِّيَّاتِ): هي جمعُ (نِيَّة)، و (النِّيَّة) بالتشديد والتخفيف.
قوله: (إِلَى دُنْيَا): هي بضمِّ الدال على المشهور، وحُكي كسرُها، وجمعُها: دُنًا، وسُمِّيت بذلك؛ لدنوِّها، والنسبةُ إليها: دُنيويٌّ، ودُنييٌّ، ودُنياويٌّ، وهي مقصورةٌ غيرُ منوَّنةٍ على المشهور، وهو الذي جاءت به الرواية، ويجوزُ في لغةٍ غريبةٍ تنوينُها.
قال شيخنا الشَّارح: (وفي حقيقتِها قولان للمتكلِّمين؛ أحدُهما: ما على الأرض مِنَ الجوِّ والهواء، وأظهرُهما: كلُّ المخلوقات مِنَ الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة) [12].
قوله: (أَوْ إِلَى امْرَأَة يَنْكِحُهَا): قال شيخنا الشَّارح: (هذا الحديث ورد على سببٍ؛ وهو أنَّه لمَّا أُمر بالهجرة إلى المدينة؛ تخلَّف جماعةٌ عنها، فذمَّهُمُ الله تعالى بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ}؛ الآية [النساء: 97]، ولم يُهاجر جماعةٌ؛ لفقدان استطاعتِهِم، فعَذَرَهُمُ اللهُ واستثناهم بقوله: {إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ}؛ الآية [النساء: 98]، وهاجر المخلصون إليه، فمدحَهُم في غير موضعٍ مِنْ كتابه، وكان في المهاجرين جماعةٌ خالفتْ نِيَّتُهم نِيَّةَ المخلصين، منهم مَن كانت نِيَّتُه تزوُّجَ امرأةٍ كانت بالمدينة يُقال لها: أمُّ قيسٍ _وعن ابن دحيةَ: أنَّ اسمها قَيلة_ فسُمِّي: مهاجرَ أمِّ قيسٍ، ولا يُعرف اسمُه) انتهى [13].
و (أُمُّ قيسٍ) هذِه: معدودةٌ في الصحابيَّات، قال الذهبيُّ في «تجريده» ما لفظُه: (قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: كان فينا رجلٌ خطب امرأة يُقال لها: أُمُّ قيسٍ، فأبتْ [14] أن تَزوَّجه حتى يُهاجِر [15]، فهاجَرَ فتزوَّجَها، فكُنَّا نُسمِّيه: مهاجرَ أُمِّ قيسٍ) [16].
قال شيخُنا الحافظ العراقيُّ: (رواه الطبرانيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ من حديث ابن مسعود) انتهى.
وهذا يدُلُّ على أنَّهما صحابيَّان، والله أعلم.
==========
[1] «
تهذيب الكمال» (14/ 512) (3270).
[2]
في (ب): (سعد).
[3] «
المعرفة والتاريخ» للفسوي (3/ 239).

(1/18)


[4]
في (ب): (214 هـ)، وهو خطأ.
[5] «
الأنساب» للسمعاني (2/ 268).
[6] «
تهذيب الكمال» (11/ 177) (2413).
[7]
زيد في (ب): (هو).
[8] (
قد): ليست في (ب).
[9] «
التمهيد» (1/ 31).
[10]
في (ب): (ثقته).
[11] (
التيمي): سقطت من (ب).
[12] «
التوضيح» (2/ 191).
[13] «
التوضيح» (2/ 192 - 193).
[14]
في (ب): (وأبت).
[15]
زيد في (ب): (بها).
[16] «
تجريد أسماء الصحابة» (2/ 332) (4034).

(1/19)


[
حديث: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي]
2#
قوله: (أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ): هو أخو أبي جهلٍ عمرِو بنِ هشامٍ لأبويه.
و (هِشام): هو ابنُ المغيرة بن عبد الله بن عمرِو بن مخزومِ بن يقظة بن مُرَّةَ بن كعب بن لُؤيِّ بن غالبٍ القُرشيُّ.
وإِخوةُ أبي جهلٍ: الحارثُ، وسلمةُ، وخالدٌ، والعاصي، والكلُّ أسلموا وصحِبوا، غيرَ أبي جهلٍ، غيرَ أنَّ [1] العاصي قال ابنُ عبد البَرِّ: (إنَّه قُتِلَ ببدرٍ كافرًا)، وكذا قاله ابنُ إسحاقَ، (وكذا تابعه ابنُ سيِّد الناس في «سيرته الكبرى» في قتلى بدرٍ من المشركين) [2]، والصحيحُ: أنَّه أسلمَ، وصَحِبَ.
وأُمُّ أبي جهلٍ أسلمت وصحِبَتْ، واسمُها سلمى، وقيل غير ذلك، (وسيأتي الكلام عليها مُطوَّلًا في «الصلاة» قبيل «باب فضل السجود») [3].
وعياشُ بنُ أبي ربيعةَ أخوهم لأُمِّهِم صحابيٌّ مشهورٌ.
شَهِدَ الحارثُ بدرًا كافرًا وانهزمَ، وله [4] يقول حسانُ رضي الله عنه في جملةِ أبياتٍ:
~…
إنْ كنتِ كاذبةَ الذي حدَّثتني…فنجوت منجى الحارثِ بنِ هشامِ
~…
تركَ الأحبَّةَ أن يُقاتِلَ دونَهم…ونجا برأسِ طِمِرَّةٍ ولِجامِ
و (الطِّمِرَّة)؛ بكسر الطاء المهملة والميم، وتشديد الراء: الفرسُ المستنفِر للوثب والعَدْوِ.
وقال أبو عُبيدٍ: (هو المشمَّرُ الخلق).
وقد اعتذرَ الحارثُ عن فِرارِه بأبياتٍ، وهي:
~…
اللهُ يعلمُ ما تركتُ قِتالَهم…حتَّى رَمَوا فرسي بأشقرَ مُزبِدِ [5]
~…
وعلمتُ أني إنْ أُقاتِلْ واحدًا…أُقْتَلْ ولا يَضْرُرْ عدوِّي مشهدي
~…
ووجدتُ رِيحَ الموتِ مِنْ تِلقائِهِم…في مأزقٍ والخيلُ لم تتبدَّد
~…
فصددتُ عنهم والأحبَّةُ فيهمُ…طمعًا لهم بلِقاء [6] يومٍ مفسد
كان [7] الأصمعيُّ يقولُ: (هذا أحسنُ ما قيل في الاعتذار عنِ الفِرار).
وكان خلفٌ الأحمرُ يقول: (أحسنُ ما قيل في ذلك أبياتُ هُبيرةَ بنِ أبي وهبٍ المخزوميِّ:
~…
لَعمرُك ما ولَّيتُ ظهري محمَّدًا…وأصحابَه جُبنًا ولا خِيفةَ القَتْلِ
~…
ولكنَّني قلَّبتُ أمري فلم أجدْ…لسيفي مجالًا إنْ ضربتُ ولا نَبْلِي
~…
وقفتُ فلمَّا خِفتُ ضَيعةَ موقفي…رجعتُ لعَودٍ كالهِزبرِ أبي الشِّبْلِ
وهذان وإن تقاربا [8] لفظًا؛ فليس ببعيدٍ من أن يكون الثاني أجودَ مِنَ الأوَّل، وهبيرةُ هذا هو [9] زوجُ أُمِّ هانئٍ بنت أبي طالب، وأبو أولادِها، هَلَكَ على كُفْرِه بنجران.

(1/20)


وأسلمَ الحارثُ صاحبُ الترجمةِ في «الفتح»، وحَسُن إسلامُه، وأعطاه عليه الصَّلاة والسَّلام [10] يومَ حُنينٍ مئةً مِنَ الإبلِ، وكان مِنْ فُضلاء الصحابة، خرجَ هو وسهيلُ بنُ عمرٍو إلى الشام؛ ليستدركا ما فاتَهُما مِنْ سابقةِ الإسلامِ بالجهاد [11]، فقاتَلَ الكُفَّارَ حتى قُتل باليرموك سنة خمسَ عشرةَ، أو مات بعَمواس في طاعونِها سنةَ ثمان عشرةَ.
و (عَمواس): قريةٌ بقُربِ الرَّمْلة، يجوزُ فتحُ ميمِها وسكونِه.
قوله: (مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ): الصَّلصَلةُ؛ بفتح الصادين المهملتين: الصوتُ المتدارك الذي لا يُفهم أوَّلَ وَهْلةٍ؛ يريدُ: أنَّه صوتٌ متداركٌ يَسمعُه ولا يثبتُه أوَّلَ ما يَقرَعُ سمعَه حتَّى يفهَمَه مِن بعدُ.
قال ابن قُرقُول: («صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ»؛ يعني: صوتَ الحديد إذا اضطربَ في داخل تلك الآلةِ التي تُسمَّى الجرس؛ وهو شِبْهُ النَّاقوسِ صغيرٌ) انتهى [12]
قيل: الحكمةُ في ذلك أنْ يتفرَّغَ سمعُه، ولا يبقى فيه مكانٌ لغيرِ صوتِ الملَك، ولا في قلبِه.
قوله: (فَيفْصمُ عَنِّي): قال ابن قُرقُول: (بفتح الياء وضمِّها على ما لم يُسَمَّ فاعلُه، ومُسمًّى أيضًا؛ أي: يُقلع ويَنفصِل، قال الشيخ أبو الحسين: فيه سِرٌّ لطيفٌ، وإشارةٌ خفيَّةٌ إلى أنَّها بينونة مِن غير انقطاع، وأنَّ الملَك يُفارقه ليعود إليه، والفصم: القطعُ
[
ج 1 ص 7]
من غير بينونةٍ، بخلافِ القَصْمِ _يعني: بالقاف_: الذي هو كسرٌ وبينونةٌ) انتهى [13]
قوله: (أَحْيَانًا): الأحيانُ: الأوقاتُ، جمع: حِينٍ، تقعُ [14] على الكثيرِ والقليلِ [15].
قوله: (يَتَمَثَّلَ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا): هو جبريلُ عليه السلام، وسيأتي قريبًا الكلامُ على تمثيل الملَك رجلًا، وما قيل فيه [16].
قوله: (وَإِنَّ جَبِينَهُ): الجبينُ غيرُ الجبهة، وهو فوقَ الصُّدْغِ، والصُّدْغُ: ما بينَ العينِ إلى الأُذُن، وللإنسانِ جبينانِ يكتنفانِ الجبهةَ.
قوله: (لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا): هو بالفاء، والصاد المهملة؛ أي: يسيلُ وينصبُّ، ومنه: الفَصْدُ.
وعن ابن طاهرٍ: أنَّه صحَّفَه بالقاف، وحكاهُ العسكريُّ في كتاب «التصحيف» عن بعض شيوخه، وقال: (إنْ صحَّ؛ فهو مِنْ قولهم: تقصَّدَ الشيءُ؛ إذا تكسَّر وتقطَّع).
قوله: (عَرَقًا): هو منصوبٌ على التمييزِ.
فائدةٌ: الوحيُ أصلُه: الإعلامُ في خفاءٍ وسُرعةٍ.
ثمَّ الوحيُ في حقِّ الأنبياءِ على ثلاثةِ أَضرُبٍ:

(1/21)


أحدُها: سماعُ الكلامِ القديم؛ كسماعِ موسى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [17] بنصِّ القرآن، ونبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام بصحيحِ الآثار.
ثانيها: وحيُ رسالةٍ بواسطةِ الملَك.
ثالثها: وحيٌ يُلقى بالقلب، وقيل: كان هذا حال داود عليه السلام، وجاء عن نبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مثلُه؛ كقولِه [18]: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي»، وسيأتي ضبطُه؛ أي: في نفسي، وسيأتي عزوُ هذا الحديث قريبًا.
والوحيُ إلى غيرِ الأنبياء:
بمعنى: الإلهام؛ كالوحيِ إلى النَّحل.
وبمعنى: الإشارة {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} [مريم: 11]، وقيل في هذا: كَتَبَ.
وبمعنى: الأمر؛ كقولِه: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحَوَارِيِّينَ} [المائدة: 111]؛ قيل [19]: أمرتُهم، وقيل: ألهمتُهُم.
ويُقال: (أوحى ووحى)، وقال الجوهريُّ: (والوحيُ: الكتابُ، والوحيُ: الإشارةُ، والكتابةُ، والرسالةُ، والإلهامُ، والكلامُ الخَفِيُّ، وكلُّ ما ألقيتَه إلى غيرِك ... ) إلى أن قال: (ووحى أيضًا وأوحى: كَتَبَ).
ثمَّ اعلم: أنَّ في كيفيَّة نزول الوحيِ على رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبعَ صورٍ، ذَكَرَها السُّهيليُّ في أوَّل (كتاب المبعث) من «روضه» [20]:
الأُولى: المنامُ؛ كما جاء في الحديث الآتي.
ثانيها: أن ينفُثَ في رُوعه الكلامَ؛ كما [21] جاء: «إنَّ رُوح القُدُس نَفَثَ في رُوعي»؛ وهو بضمِّ الراء: القلبُ والخَلَد؛ أي: في نفسِي وخَلَدي، و «رُوح القُدُس»: هو جبريلُ عليه السلام، وهذا الحديثُ رواه ابن أبي الدنيا في «القناعة»، والحاكم من حديث ابن مسعودٍ، ولفظُهُما مختلفٌ.
ثالثُها: أنْ يأتيَه الوحيُ في مثلِ صَلْصَلةِ الجَرَس؛ كما في هذا الحديث الذي نحن فيه.
رابعُها: أنْ يتمثَّلَ له الملَك رَجُلًا؛ كما جاء في الحديث الذي نحن فيه، وقد كان يأتيه في صورة دحيةَ غالبًا [22].
خامسُها: أن يتراءَى له جبريلُ في صورتِه التي خلقَه اللهُ عليها له سِتُّ مئةِ جناحٍ، ينتثر منها اللُّؤْلُؤُ والياقوت، وقد رآه في صورتِه مرَّتين.

(1/22)


سادسُها: أن يكلِّمَه اللهُ مِن وراء حِجاب، إمَّا في اليقظةِ؛ كليلةِ الإسراء، (والصحيحُ في الإسراء: أنَّه يقظةٌ، وسيأتي الاختلافُ فيه) [23]، وإمَّا في النوم؛ كما في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أتاني ربِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ فقلت: لا أدري، فوضعَ يدَهُ بين كتفيَّ ... »، أخرجه الترمذيُّ في تفسير (سورة ص) من طريقين، وقال: حسنٌ، قال: وقد روي هذا الحديثُ عن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بطوله [24]، وسيأتي الكلامُ على رؤيةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ربَّه ليلةَ الإسراءِ إن شاء الله تعالى في أوَّل (الصلاة).
سابعُها: وحيُ إسرافيلَ؛ كما [25] ثبت عن عامر بن شراحيل الشَّعبيِّ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وُكِّلَ به إسرافيلُ، فكان يتراءى له ثلاثَ سنينَ، ويأتيه بالكلمة والشيء، ثم وُكِّل به جبريلُ.
قال ابنُ عبد البَرِّ في أوَّل «الاستيعاب» وساق سندًا إلى الشَّعبيِّ، قال: (أُنزلتْ عليه النُّبوَّةُ وهو ابنُ أربعينَ سنةً، فقُرِنَ بنبوَّتِه إسرافيلُ عليه السلام ثلاثَ سنينَ، فكان يعلِّمُه الكلمةَ والشيءَ، ولم يَنزلْ عليه القرآنُ على لسانِه، فلمَّا مضتْ ثلاثُ سنين؛ قُرِنَ بنبوَّتِه جبريلُ عليه السلام، فنزلَ القرآنُ على لسانِه عشرَ سنينَ).
قال شيخُنا الشَّارح في أوَّلِ (فضائل القرآن) بعدَ أنْ ذكر [26] الكلامَ بوكالةِ إسرافيلَ ثلاثَ سنينَ: (يأتيه بالكلمة ونحوِها، ووقعَ في «ابن التين»: «ميكائيل» بدله، والمشهورُ: أنَّ جبريلَ ابتدأَهُ بالوحيِ) انتهى.
وذَكَرَ أيضًا شيخُنا: أنَّ الواقديَّ وغيرَه أنكر كونَه وُكِّل به غيرُ جبريلَ، وقال شيخُنا أيضًا: (قالَ أحمدُ بنُ محمَّدٍ البغداديُّ: أكثرُ ما في الشريعة ممَّا أُوحي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على لسانِ جبريلَ) [27].
وعن الحَليميِّ_ (وهو أحد أئمَّة الدهر، وشيخ الشافعيَّة بما وراء النهر، وآدبُهُم، وأنظرُهم؛ وهو أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمَّد بن حَليم؛ باللام، مولدُه سنةَ ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئة، وتوفِّي سنةَ ثلاثٍ وأربع مئة) [28]_: (أنَّ الوحيَ كان يأتي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على سِتَّةٍ وأربعينَ نوعًا)، وقد حاولَ تعدادَها.

(1/23)


تنبيه: إذا تمثَّل له الملَك رجُلًا، يَحتملُ تمثيلُ جبريلَ له رَجُلًا أنَّ اللهَ أفنى الزائد مِن خلقِه، ثمَّ أعادَه إليه، ويَحتملُ أنَّه يُزيلُه عنه، ثمَّ يعيدُه إليه بعدَ التبليغ، نبَّه على ذلك إمامُ الحرمين، قاله شيخُنا الشَّارح، قال: (وأمَّا التداخلُ؛ فلا يصحُّ على مذهبِ أهلِ الحقِّ).
قال: (وأبدى الشيخُ عِزُّ الدين ابنُ عبد السلام سؤالًا، فقال: إن قيل: إذا لقي جبريلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صورة دِحْية؛ فأين تكون [29] روحه؟
فإن كان في الجسد الذي له سِتُّ مئة جناح؛ فالذي أتى لا روح جبريل ولا جسده.
وإن كانت في هذا الذي هو في صورة دحية؛ فهل يموت الجسد العظيم أم يبقى خاليًا من الروح المنتقلة عنه إلى الجسد المشبَّه بجسد دِحْية؟).
ثمَّ أجاب: (بأنَّه لا يبعُد ألَّا يكون انتقالُها موجِبَ موتِه، فيبقى الجسد حيًّا لا ينقص من معارِفِه [30] شيءٌ، ويكونُ انتقالُ روحِه إلى الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خُضْرٍ).
قال: (وموتُ الأجساد بمفارقةِ الأرواح ليس بواجبٍ عقلًا، بل بعادةٍ أجراها اللهُ تعالى في بني آدمَ، فلا يلزم في غيرِهم) انتهى [31]
ورأيتُ في كلامِ غيرِه ما لفظُه: (قال أهلُ الحقيقةِ: وتمثيلُ الملَك رَجُلًا، وتمثيلُ جبريلَ في صورةِ دحيةَ ليس معناه: أنَّه انقلبتْ ذاتُ الملَك في صورةِ الرُجلِ، بل بمعنى أنَّه ظهرَ بتلك الصورةِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) انتهى.
==========
[1]
في (ب): (وغير أبي).
[2]
ما بين قوسين سقط من (ب).
[3]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[4]
في (ب): (وفيه).
[5]
في (ب): (مزبدي).
[6]
في (ب): (تلقاء).
[7]
في (ب): (وكان).
[8]
في (ب): (يقاربان).
[9] (
هو): ليست في (ب).
[10]
في (أ): (عليه السلام)، وكذا في كثير من المواضع.
[11]
في (ب): (في الجهاد).
[12] «
مطالع الأنوار».
[13] «
مطالع الأنوار».
[14]
في (ب): (يقع).
[15]
في (ب): (القليل والكثير).
[16]
قوله: (وأحيانًا: الأحيان ... ) إلى هنا جاء في النسختين قبل قوله: (مثل صلصلة الجرس).
[17]
في (ب): (عليه السلام).
[18]
في (ب): (لقوله).
[19]
في (ب): (أي).
[20] «
الروض الأنف» (1/ 269 - 270).
[21]
في (ب): (لما).
[22] (
غالبًا): ليست في (ب).
[23]
ما بين قوسين سقط من (ب).
[24] «
سنن الترمذي»، وانظر رسالة ابن رجب ....
[25]
في (ب): (لما).
[26]
في (ب): (دل).

(1/24)


[27] «
التوضيح» (2/ 223).
[28]
ما بين قوسين سقط من (ب)، وهو في (أ) بالهامش.
[29]
في (ب): (يكون).
[30]
في (ب): (مفارقه).
[31] «
التوضيح» (2/ 228 - 229).

(1/25)


[
حديث: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة]
3# 4#
قوله: (عَنْ عُقَيْلٍ): هو بضمِّ العين وفتح القاف: ابن خالد بن عَقِيل؛ بفتح العين وكسر القاف، وليس في «صحيح البخاريِّ» بضمِّ العين غيرُه، وله في «مسلمٍ» أيضًا [1]، ومثلُه: (بنو عُقَيل) القبيلةُ المعروفةُ، لهم ذكرٌ في حديث عِمرانَ بنِ حُصينٍ عند مسلمٍ، فذكر حديث العَضْباء، وأنَّها كانت لرجلٍ منْ بني عُقَيل [م (1641)]، وفي «مسلمٍ» أيضًا: (يحيى بنُ عُقَيلٍ الخزاعيُّ البصريُّ) [م (553) و (720) و (1006) و (2650)] [2]، والباقي في «الصحيحين»، و «الموطَّأ»: (عَقِيل)؛ بفتح العين وكسر القاف، والله أعلم.
[
ج 1 ص 8]
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هو العَلَمُ الفَرْدُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ عُبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ الزُّهريُّ، ترجمتُه معروفةٌ فلا نطوِّلُ بها، و [هو] مِن ساداتِ التابعين وصغارهم، وسأذكر في (كتاب الجنائز) مَنْ لقي مِنَ الصحابةِ [خ¦1347]، وبهذا يُعرف أنَّ روايتَه عن غير [3] مَنْ ذكرت هناك من الصحابة مرسلةٌ؛ فإنَّه كثيرُ الإرسال [4].
قوله: (عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ): هي بالهمز، وعوامُّ المحدِّثين يقرؤونه بالياء.
وقد حُكي: (عيشة) في لغةٍ فصيحةٍ ذَكَرَها أبو عُمر الزاهد في «شرح الفصيح» عن ثعلب، عنِ ابنِ الأعرابيِّ [5]، وحكاها أيضًا عليُّ بن حمزة [6].
ثمَّ اعلم أنَّ هذا الحديثَ في ابتداء الوحي مرسلُ صحابيٍّ؛ لأنَّها لم تُدرك ذلك الوقتَ، فتكونُ سمعتْه منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو مِن صحابيٍّ آخر، ومرسلُ الصحابيِّ حجَّةٌ عند الجمهور، خلافًا لأبي إسحاقَ الإسفراينيِّ [7]، وطائفةٍ يسيرة.
قوله: (مِنَ الْوَحْيِ): في (مِن) قولان:
أحدهما: أنَّها لبيان الجنس.
ثانيهما: للتبعيض.
قال القزَّاز [8] بالأوَّل [9]؛ كأنَّها قالت: من جنس الوحي، وليست الرؤيا من الوحي حتى تكون (من) للتبعيض، وردَّه القاضي عياض، وقال: (بل يجوز أن تكون للتبعيض؛ لأنَّها من الوحي؛ كما جاء في الحديث: «أنَّها جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ» [10]) [11].

(1/26)


قوله: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي الْنَّوْمِ): وفي «مسلمٍ»: «الصادقةُ» [م (160)]، وفي روايةِ مسلمٍ للمؤيَّد الطوسيِّ: «الصالحةُ»، وكذا رواه البخاريُّ في (كتاب التعبير): «الصادقةُ» [خ¦6982]، وكذا في (سورة اقرأ) في (التفسير) [خ¦4953] [خ¦4956]، و (الصادقة) و (الصالحة) [12] بمعنًى؛ وهي تباشير النُّبوَّة؛ لأنَّه لم يقع فيها ضِغْث.
قوله: (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا): هي بغير تنوينٍ، على وزن (فُعْلى)، وجمعُها: (رُؤًى) على وزنِ (رُعًى)، قاله الجوهريُّ [13].
قوله: (مِثْلَ فَلَقِ [14]): (مثلَ): منصوبٌ على الحال؛ أي: جاءتِ الرؤيا مُشْبِهَةً فَلَق الصُّبح؛ أي: ضياءَه؛ إذا انفلقَ وانمازَ عن ظلام الليل، وذلك حين يتَّضحُ فلا يُشَكُّ فيه، و (فَلَق الصبح) و (فَرَقه)؛ بفتح أوَّلهما وثانيهما: ضياؤُه، وإنَّما يُقال هذا في الواضح البيِّن.
تنبيهٌ: قال القاضي عياض، وغيرُه من العلماء: (إنَّما ابتُدِئَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرؤيا؛ لئلَّا يَفْجَأَه الملَكُ، ويأتيه صريحُ النُّبُوَّة بغتةً، فلا تحتمله قُوى البشريَّة، فبُدِئَ بأوائلِ خِصال النُّبُوَّة وتباشيرِ الكرامة من صدق الرؤيا، وما جاء في الحديث الآخر من رؤية الضوء، وسماع الصوت، وسلام الحَجَر والشجر [15] عليه بالنُّبُوَّة) انتهى [16]
قوله: (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ): هو بالمدِّ؛ أي: الخلوة، وهي شأن الصالحين.
قوله: (بِغَارِ): هو الكهف في الجبل.
قوله: (حِرَاءٍ): هو يُمدُّ ويُقْصَر، ويؤنَّث ويُذَكَّر، ويُصْرَف ولا يُصْرَف؛ وهو جبلٌ على ثلاثة أميالٍ من مكَّة، قال الخطَّابيُّ: (أهلُ الحديث يُخطئون فيه في ثلاثة مواضع: يفتحون حاءَه [وهي مكسورةٌ]، ويكسرون الراء [17] وهي مفتوحةٌ، ويقصرونه وهو ممدودٌ) [18]، وقوله: (على ثلاثة أميالٍ من مكَّة) يعني: عن يسار الذاهب إلى مِنًى.
قوله: (فَيَتَحَنَّثُ فيه _وَهو التَّعَبُّدُ_): هذا تفسير (التحنُّث)، قال شيخنا الشَّارح: (يَحتمل أن يكون هذا التفسير من عائشة، وأن يكون ممَّن دونها) انتهى [19]

(1/27)


والذي ظهر لي: أنَّ الذي ينبغي أن يقال: إنَّه يَحتمل أن يكون هذا التفسير من عائشة، أو من عروة الراوي عنها، أو من ابن شهاب وهو الزُّهريُّ، ولا يكون ممَّن دون هؤلاء؛ وذلك لأنَّ مداره على الزُّهريِّ فيما أعلم، وأصحابُ الزُّهريِّ غالبُهم رواه عنه كذلك، وبعضهم اختصر الحديث، فلم يقل منه إلَّا قطعةً يسيرة، والله أعلم.
معناه: يطرح الإثم عن نفسه بفعلِ ما يُخرِجُه عنه مِنَ البِرِّ.
وهو بحاءٍ مهملة، ثمَّ نونٍ مشدَّدة، ثمَّ مثلَّثة.
وعنِ ابن هشام: (التحنُّث: التحنُّف، يُبدلون الفاء من الثاء، يريدون الحنيفيَّة) [20].
وقال أبو أحمدَ العسكريُّ: (رواه بعضهم: «تتحنَّف» [21]؛ بالفاء، ثمَّ نقل عن بعض أهل العلم [22] أنَّه قال: سألت أبا عَمرو الشيبانيَّ عن ذلك، فقال: لا أعرف «تتحنَّث»، إنَّما هو «تتحنَّف» من «الحنيفيَّة»؛ أي: تتبع دين إبراهيم عليه السلام) [23].
قال الدِّمياطيُّ ما لفظه: (ثلاثةُ أفعالٍ مخالفةٌ لسائر الأفعال: «تحنَّث»، و «تحوَّب»، و «تأثَّم»؛ ألقى الحِنْثَ والحُوبةَ والإثمَ [24] عن نفسه، وغيرها يكون بمعنى: تكسَّب، قاله ابن بطَّال [25]، وزاد غيرُه: «تحرَّج») انتهى.
قال شيخنا الشَّارح: (والحاصل من ذلك ثمانيةُ ألفاظ: تحنَّث، وتأثَّم، وتحرَّج، وتحوَّب، وتهجَّد [26]، وتنجَّس، وتقذَّر، وتحنَّف) انتهى [27]، قاله شيخنا الشَّارح، ورأيتُ أنا في كتاب «الأضداد» للإمام الصَّغانيِّ [28]: (تحنَّث؛ إذا أتى الحِنْثَ، وإذا تجنَّبَه) انتهى [29]
قوله: (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ): هو متعلِّقٌ بـ (يتحنَّث)؛ أي: يتحنَّث الليالي، لا بالتعبُّد؛ لأنَّه يَفسُدُ المعنى حينئذٍ؛ فإنَّ التحنُّث لا يُشترَط فيه الليالي، بل يُطلق على القليل والكثير.
وأوضح من هذه العبارة: أنَّ التحنُّثَ هو التعبُّدُ مطلقًا، فإذا جعلتَه [30] متعلِّقًا بالليالي؛ بقي [31] أنَّ التحنُّثَ التعبُّدُ بالليالي [32]، وليس كذلك، بلِ التحنُّثُ التعبُّدُ المطلق لا المقيَّد، والله أعلم [33].
و (الليالي): منصوبٌ على الظرف، و (ذواتِ)؛ بكسر التاء علامةُ النصب.
[
وهذا التفسيرُ [34] اعتراضٌ بين كلام عائشة رضي الله عنها، وإنَّما كلامها: «فيتحنَّث فيه اللياليَ ذواتِ العدد»] [35].

(1/28)


قوله: (قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إلى أَهْلِهِ): هو بكسر الزاي، وبالعين المهملة؛ أي: يَرْجِعَ، يقال: (نزع إلى أهله)؛ إذا حنَّ إليهم، فرجع [إليهم، و «نزعوا إليه»؛ حنُّوا إليه] [36].
[
ج 1 ص 9]
قوله: (فَجَاءَهُ الْمَلَكُ): هو جبريل عليه السلام، وهذا معروف.
قوله: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ): قال ابن قُرقُول: (أي: لستُ بقارئ؛ لأنَّه أُمِّيٌّ لا يَقرأ الكتب ولا يكتب، وقيل: «ما» استفهاميَّة، والأوَّلُ أصوبُ؛ لأنَّ الباء تمنع من كونها استفهامًا) [37]، وكذا قاله القاضي عياض [38].
قوله: (فَغَطَّنِي): هو بغينٍ معجمة مفتوحة، ثمَّ طاء مشدَّدة مفتوحة مهملة؛ أي: عصرني، وضمَّني.
قال ابن قُرقُول: (أي: غمَّني، ونحوه: «غتَّني»؛ وهو حبس النَفَس مرَّة، وإمساك اليد أو الثوب على الفم والأنف والحلق، يقال في ذلك: غتَّه يغُتُّه، ويقال بالطاء في الخنق وتغييب الرأس في الماء) انتهى.
وقال الدِّمياطيُّ: («غمَّني وخنقني»، وإنَّما فعل ذلك؛ ليبلوَ صبره، ويُحسِن تأديبَهُ، فيرتاض، ويَحتمل ما كُلِّفه من أعباء النُّبُوَّة) انتهى.
وكأنَّ في [39] ذلك إظهارًا للشدَّة والجِدِّ في الأمر، وأن يأخذ الكتاب بقوَّة، ويترك الأناة؛ فإنَّه [40] أمر ليس بالهُوينى.
والحكمة في فعل ذلك ثلاثًا: إشارة إلى أنَّك تُبتلى بثلاثِ شدائدَ، ثمَّ يأتي الفرج والرَّوح، وكذلك كان؛ لقي عليه الصَّلاة والسَّلام هو وأصحابُه شِدَّةً من الجوع في الشِّعْب حين تعاقدت قريش عليهم، وشِدَّةً أُخرى من الخوف والإيعادِ بالقتل، وشِدَّةً أُخرى من الإجلاء عن أحبِّ الأوطان إليهم، ثمَّ [41] كانت العاقبة للمتَّقين، قاله السُّهيليُّ بمعناه [42].
قوله: (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجهْد): يجوزُ في الجيم ضمُّها وفتحُها، ونصبُ الدال وضمُّها.
ذَكَرَ فتحَ الدال وضمَّها النوويُّ عن صاحب «التحرير» وغيرِه [43]؛ ومعناه: الغاية والمشقَّة، فعلى الرفع معناه: بلغ منِّي الجهدُ مبلغَهُ، فحذف (مبلغه)، وهو المفعول، وعلى النصب معناه: بلغ الملَك منِّي الجهدَ.
قوله: ({اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1]): قال الدِّمياطيُّ: (فيه دليلٌ على ترك التسمية، وأنَّها ليست من كلِّ سورة، وهذه أوَّلُ سورةٍ نزلت، وليس ذلك فيها) انتهى.

(1/29)


وقال النوويُّ: (استدلَّ بهذا الحديث بعضُ من يقول: إنَّ «بسم الله الرحمن الرحيم» ليست بقرآن في أوائل السور؛ لكونها لم تُذكَر هنا، وجواب المثبتين لها: أنَّها [44] لم تنزل أوَّلًا، بل نزلت البسملة في وقت آخر؛ كما نزل باقي السورة في وقت آخر) [45].
فائدة: في قوله: ({اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}) دليلٌ للجمهور سلفًا وخلفًا _وهو الصواب_ أنَّه أوَّل ما نزل من القرآن.
وقول مَن قال: إنَّ أوَّل ما نزل: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]؛ فيما يتعلَّق بالإنذار، [أو بعد قوله: {اقْرأْ} إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]؛ عملًا بالرواية الآتية: «فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]» [46]، أو على أنَّ أوَّل ما نزل بعد فترة الوحي، كما هو ظاهر إيراده] [47].
قال النوويُّ في أنَّ (المدَّثِّر) أوَّلُ ما نزل: (ليس بشيءٍ) انتهى [48]
وأبعدَ مَن قال: إنَّ أوَّل ما نزل الفاتحةُ، بل هو شاذٌّ، قال النوويُّ: (وبُطلانه أظهرُ من أن يُذكَر) [49].
غريبة: نقل شيخنا الشَّارح في (تفسير المدَّثِّر) عن عطاء بن أبي مسلم: (أنَّ {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] نزلت قبل {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]) انتهى [50]
وفي كلام أبي القاسم الحسن بن محمَّد بن حبيب في كتاب «التنزيل»: (قال قتادة: «سورة المزمل» مدنيَّة، وقال الباقون: مكِّيَّة) [51]، وهذا الرجل قيل: إنَّ الحاكم تكلَّم فيه [52].
وذكر أيضًا شيخنا في أوَّل (فضائل القرآن): (أنَّ مجاهدًا زاد {ن وَالْقَلَمِ} [القلم: 1]) [53].
فبقي في المسألة خمسة أقوال: {اِقْرَأْ ... } إلى: {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]، أو (المدَّثِّر)، أو (المزَّمِّل)، أو (ن)، أو (الفاتحة).
فائدة ثانية: أوَّلُ سورة نزلت بالمدينة: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]، كما نقله [54] شيخنا في (تفسيرها) [55].
ثالثة: آخر ما نزل من السُّور (براءة)، وسيأتي في ذلك تعقُّبٌ للداوديِّ في (سورة براءة) إن شاء الله تعالى [خ¦4654].
ونقل النَّحَّاس عنِ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1].
ونقل شيخنا: (أنَّها آخر سورة نزلت، فيما حكاه ابن النقيب عنِ ابن عبَّاس) انتهى [56]
وهذا في «صحيح مسلم» عنِ ابن عبَّاس [م (3024)].

(1/30)


رابعة: آخر ما نزل من الآيات: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281].
نقل شيخنا الشَّارح في رواية أبي صالح عنِ ابن عبَّاس: (أنَّها نزلت بمكَّة، وتوفِّيَ بعدَها بأَحَدٍ وثمانين يومًا، زاد ابن المُنْكَدِر [57]: هذا مستبعدٌ؛ لما فيه من انقطاع الوحي هذه المدَّةَ.
وقيل: نزلت يوم النَّحْر بمِنًى في حجَّة الوداع.
ورَوى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جُبير، عنِ ابن عبَّاس: عاش بعدَها تسع ليالٍ [58]، وعند مقاتل: سبع [59]، وحَكى غيرُه: ثلاث ليال، وقيل: ثلاث ساعات، ذكرهما القرطبيُّ [60]، وقيل: إنَّه عاش بعدَها أحدًا وعشرين يومًا) انتهى [61]
وقال ابن عبد السلام: (نزلت آية «الكلالة»، فعاش بعدَها خمسين يومًا، ثمَّ نزل: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ} [البقرة: 281]، فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا، وقيل: سبعة) انتهى [62]
وقيل: آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ} إلى آخر الآية [النساء: 176].
وقيل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} إلى آخر الآيتين [التوبة: 128 - 129].
وقيل: آية الرِّبا، وسيأتي ذلك عنِ ابن عبَّاس في آخر (سورة البقرة) في (التفسير) [خ¦4544].
ونقل شيخنا الشَّارح في (كتاب الإيمان) عن أنس: (أنَّ آخرَ آية نزلت: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]) [63].
ونقل أيضًا في أوَّل (فضائل القرآن): (أنَّ آية الدين) [64].
فتَحرَّر في آخر آية نزلت ستَّةُ أقوال، والله أعلم.
قوله: (زَمِّلُونِي): أي: غطُّوني بالثياب، وائتوني بها.
قوله: (الرَّوْعُ)؛ هو بفتح الراء، وإسكان الواو، وبالعين المهملتين: الفزعُ.
قوله: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي): ليس معناه الشَّكَّ في أنَّ ما أتاه من الله تعالى، لكنَّه خشيَ ألَّا يَقْوَى على مقاومة هذا الأمر، ولا يُطيق حَمْلَ أعباء الوحي، فتزهقَ نفسُه، وينخلعَ قلبُه؛ لشدَّة ما لَقِيَه أوَّلًا عند لقاء الملَك، وقيل غير ذلك، وقد ذكر القاضي عياض فيه احتمالين _هذا أوَّلهما_ في «الشفا»، وفي «شرح مسلم» [65]، قال الشيخ النوويُّ: (والاحتمال الثاني ضعيف) انتهى [66]، فلهذا حذفتُه أنا، والله أعلم.
[
ج 1 ص 10]

(1/31)


قوله: (مَا يُخْزِيكَ اللهُ)؛ هو بضمِّ الياء، وبالخاء المعجمة [67]؛ من (الخِزْي)؛ وهو الفضيحة والهَوان، ورواه مسلم كما رواه البخاريُّ [م (160) (252)، و (160) (254)]، ورواه أيضًا: (يحزنك)؛ بالحاء المهملة وبالنون؛ من (الحزن) [م (160) (253)]، ويجوز على هذا فتحُ الياء وضمُّها، يقال: (حَزنه) و (أحزنه) لغتان فصيحتان، قُرئ بهما في السبع [68].
قال ابن قُرقُول _في الحاء والزاي: (لا يحزنك الله أبدًا) _: (كذا رواه مَعْمر عنِ الزُّهريِّ، ورواه عنه عُقيل، ويونس: «يخزيك» من «الخِزْي»، وهو أصوب) انتهى [69]
وهذا هنا من [70] رواية عُقَيل عنِ الزُّهريِّ.
قوله: (وَتَحْمِلُ الْكَلَّ): هو بفتح الكاف، وتشديد اللَّام؛ أصله: الشيء الثقيل، ويدخل فيه الإنفاق على الضعيف، واليتيم، والعيال، وغير ذلك، من (الكلال)؛ وهو الإعياء، وعنِ الداوديِّ: (الكَلَّ): المنقطع.
قوله: (وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ): قال ابن قُرقُول: بفتح التاء أكثرُ الرواية فيه وأصحُّها؛ ومعناه: تَكْسِبُه لنفسك، وقيل: تَكْسِبُه غيرَك وتعطيه إيَّاه، يقال: (كَسَبْتُ مالًا، وكَسَبْتُه غيري) لازمٌ ومتعدٍّ.
وأنكر الفرَّاء [71]، وغيرُه: (أكسب) في المتعدِّي، وصَوَّبَه ابنُ الأعرابيِّ [72]، وأنشد: [من الطويل]
(
فَأَكْسَبَنِي مَالًا وَأَكْسَبْتُهُ حَمْدًا) [73]
وقد ذكر فيه القاضي والنوويُّ كلامًا طويلًا [74]، وما قاله ابن قُرقُول ملخَّصٌ، والله أعلم.
قوله: (وَتَقْرِي الضَّيْفَ): هو بفتح أوَّله، تقول: (قَريتُ الضيفَ أَقْرِيهِ قِرًى)؛ بكسر القاف، والقصر، و (قَراء)؛ بالفتح والمدِّ: أحسنت إليه.
قوله: (وَتُعِينُ على نَوَائِبِ الْحَقِّ): أي: تُعين بما تقدر عليه، مَنْ أصابته نوائب حقٍّ؛ أعنته فيها، و (النوائب): جمع (نائبة)؛ وهي الحادثة والنازلة.
قوله: (وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى): وزاد في (التعبير): (ابْنِ قُصَيٍّ) [75]، يجتمع ورقةُ معه عليه الصَّلاة والسَّلام في قُصَيِّ بنِ كِلاب، وكذا خديجةُ رضي الله عنها، وباقي نسبهما معروف.
ثمَّ اعلم أنَّ ترجمةَ ورقةَ طويلةٌ، منها:
أنَّه لا عقب له.
وقد روى الحاكم في «مستدركه» من حديث عائشة رضي الله عنها: «لا تسبُّوا ورقةَ؛ فإنِّي رأيتُ له جنَّةً أوجنَّتين» [76]، وكذا أخرجه البزَّار [77].

(1/32)


وفي كتاب الزُّبير من حديث عبد الله بن معاذ، عنِ الزُّهريِّ، عن عروة قال: سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ورقةَ _كما [78] بلغنا_ فقال: «لقد رأيتُه في المنام وعليه ثيابٌ بيضٌ، فقد أظنُّ أنَّه لو كان من أهل النار؛ لم أَرَ عليه البياض» [79].
ورواه الترمذيُّ في (كتاب الرؤيا) من «جامعه» من حديث عثمان بن عبد الرحمن، عنِ الزُّهريِّ، عن عروة، عن عائشةَ رضي الله عنها مرفوعًا بنحوه، ثمَّ قال: (حديث غريب، وعثمان بن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقويِّ) [80]، قال السُّهيليُّ: (في إسناده ضعفٌ؛ لأنَّه يدور على عثمان) انتهى [81]
وذكره الحاكم في «المستدرك» في (الرؤيا)، وقال: صحيح، وتعقَّبه الذهبيُّ بالوقَّاصيِّ؛ وهو عثمان المذكور، انتهى [82]، لكن يقوِّيه [83] قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «رأيتُ القَسَّ _يعني: ورقةَ_ وعليه ثيابُ حريرٍ؛ لأنَّه أوَّلُ مَنْ آمن بي، وصدَّقَني»، وذكره ابن إسحاق عن أبي ميسرة عَمرو بن شُرحبيل [84].
وقال المَرْزُبانيُّ [85]: كان ورقةُ من علماء قريش وشعرائهم، وكان يُدعى: القَسَّ، وقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «رأيتُه وعليه حُلَّةٌ خضراءُ يَرفُلُ في الجَنَّة»، وكان يذكر الله في شِعره، ويسبِّحه.
وقد ذكر شيخنا حافظ العصر العراقيُّ فيما قرأتُه عليه ما [86] لفظه: (وينبغي أن يقال: إنَّ أوَّل مَنْ آمن من الرجال ورقةُ بن نوفل؛ لما ثبت في «الصحيحين» من حديث عائشةَ رضي الله عنها في قِصَّة بَدْء الوحي ... إلى أن قال: ففي هذا: أنَّ [87] الوحي تتابع في حياة ورقةَ، وأنَّه آمن به وصدَّقه.
وقد روى أبو يَعْلى المَوصليُّ، وأبو بكرٍ البزَّار في «مسنديهما» من رواية مُجالِد، عنِ الشَّعْبيِّ، عن جابر بن عبد الله: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام سُئِلَ عن ورقةَ بن نوفل، فقال: «أبصرتُه في بطنان الجَنَّة عليه سُنْدُسٌ» لفظ أبي يعلى [88]، قال البزَّار: «عليه حُلَّةٌ مِن سُنْدُسٍ» [89]، وروى البزَّار أيضًا ... ؛ فذكر حديث عائشةَ رضي الله عنها الذي ذكرتُه [90]، ثمَّ قال: صحيحٌ، رجالُه كلُّهم ثِقات، وقد ذَكَرَ ورقةَ في الصحابة أبو عبد الله بنُ مَنْدَه، وقد اختُلف في إسلامه) انتهى [91]
وقال شيخُنا المشار إليه في «سيرته» النظم [92]:
~…
فَهْوَ الَّذي آمَنَ بَعْدُ ثَانِيَا…وَكان بَرًّا صَادِقًا مُوَاتِيَا

(1/33)


~…
وَالصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ إِنَّهْ…رَأَى لَهُ تَخَضْخُضًا [93] في الْجَنَّةْ
وقوله: (ثانيًا) أي: بعد خديجة، وقد نقل الذهبيُّ في «تجريده» كلام ابن مَنْدَه كما ذكرتُه، ثمَّ قال: (والأظهر: أنَّه مات قبلَ الرسالة وبعدَ النُّبُوَّة) [94].
قوله: (ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ): (ابنَ) [95]: منصوبٌ تابعٌ لـ (ورقةَ)؛ لأنَّه ورقةُ بن نوفل بن أسد، وخديجةُ بنتُ خويلد بن أسد، فيُكتبُ بالألف؛ لأنَّه بَدَلٌ مِن (ورقةَ)، ولا يجوزُ جرُّه؛ لأنَّه يصير صفةً لـ (عبد العُزَّى)، فيكونُ (عبد العُزَّى) ابنَ عمِّها، وهو باطلٌ.
قوله: (وَكان امْرَأً تَنَصَّرَ في الْجَاهِلِيَّةِ): اعلم أنَّ ورقةَ ذكره [96] أبو عُمر [97] بن عبد البَرِّ في ترجمة زيد بن عَمرو بن نُفيل: (أنَّ ورقةَ كان تهوَّدَ قبل أن يتنصَّر، ثمَّ تنصَّر، وأنَّ زيدًا كان أَبَى ذلك؛ يعني: التهوُّد والتنصُّر)، والله أعلم [98]، وقوله: (تَنَصَّرَ) أي: ترك في الجاهليَّة عبادة الأوثان، وقيل فيه بالموحَّدة من (البصيرة).
قوله: (في الْجَاهِلِيَّةِ): هي ما قبلَ الإسلام، سُمُّوا بذلك؛ لكثرةِ جهالاتهم، وفي «المطالع» ذَكَرَ الجاهليَّة، ثمَّ [99] قال: (كلُّ ذلك كِناية عمَّا كانت عليه العرب قبل الإسلام وبَعْثِ الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام؛ مِنَ الجهل بالله ورسوله [100]، وبشرائع الدين، والتمسُّكِ بعبادة غير [101] الله عزَّ وجلَّ) انتهى، وكذا قاله غيره، وهذا يؤخذ أيضًا من عمل البخاريِّ؛ فإنَّه ذَكر أيَّامَ الجاهليَّة قبلَ المَبْعَث [102]، ولم يَذكر بينهما بابًا غيرَ بابٍ يتعلَّقُ بالجاهليَّة؛ وهو (القسامة في الجاهليَّة) [103].
وقال النوويُّ [104]: («وهذا أبو عثمان النَّهْدِيُّ، وأبو رافع الصائغ، وهما ممَّن أدرك الجاهليَّة»: إنَّ معناه: كانا رجلين قبلَ بعثة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: والجاهليَّة ما قبلَ بعثة النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سُمُّوا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم) [105].
وقد نازعه شيخنا الحافظ العراقيُّ في ذلك
[
ج 1 ص 11]
فيما قرأتُه عليه، فقال: (وفيما قاله نظرٌ، والظاهرُ: أنَّ المراد بإدراك الجاهليَّة: إدراكُ قومه أو غيرهم على الكفر قبل فتح مكَّة؛ فإنَّ العرب بادروا إلى الإسلام بعد فتح مكَّة، وزال أمر الجاهليَّة، وخطب عليه الصَّلاة والسَّلام في الفتح بإبطال أمور الجاهليَّة إلَّا ما كان من سقاية الحاجِّ وسدانة الكعبة.

(1/34)


وقد ذكر مسلمٌ في المخضرمين: يُسَير بن عَمرو، وإنَّما وُلِدَ بعد زمن الهجرة، وكان له عند موت النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دون العشر سنين، فأدرك بعض زمن الجاهليَّة في قومه) انتهى [106]
وممَّا يدُلُّ لما قاله شيخنا: حديثُ ابن عبَّاس الذي أخرجه البخاريُّ منفردًا به: (سمعت أبي يقول في الجاهليَّة: اسقنا كأسًا دِهاقًا) [107]، فهذا ابنُ عبَّاس أطلق الجاهليَّة على زمانٍ بعد المبعث بلا خلاف، ومَنْ عرف مولد ابنِ عبَّاس؛ عرف ذلك، والله أعلم.
قوله: (بِالْعِبْرَانِيَّةِ): قال ابن قُرقُول: كذا وقع في (بدء الوحي)، وصوابُه: (بالعربيَّة)، كما تكرَّر [108] في غيرِ موضعٍ في (كتاب التعبير) [خ¦6982]، و (التفسير) [خ¦4953]، وكما [109] وقع في «مسلمٍ» [م (160) (252)]، وفي [110] (الأنبياء) [خ¦3392]: (وكان يقرأ الإنجيلَ بالعربيَّة)، كذا للكافَّة، وعند ابن السكن: (بالعبرانيَّة).
وقال الداوديُّ: ومعنى قوله: (وكان يكتب من الإنجيل بالعبرانيَّة) أي: الذي يقرأ بالعبرانيَّة ينقله بالعربيَّة، انتهى.
وقال النوويُّ: (كلاهما صحيح، وحاصلهما: أنَّه تمكَّن من معرفة دين النصارى بحيث صار يتصرَّف في الإنجيل، فيكتب أيَّ موضعٍ شاء منه بالعبرانيَّة إن شاء، وبالعربيَّة إن شاء، والله أعلم) [111].
قوله: (قَدْ عَمِيَ): اعلم أنَّ العميان من الأنبياء: إسحاقُ، ويعقوبُ، وشعيبٌ، وفي عدِّ يعقوبَ نظرٌ؛ لأنَّه أبصر آخرًا.
ومن الأشراف: عبد المطَّلب بن هاشم، وأُمَيَّة بن عبد شمس، وزَهْرة بن كِلاب، ومُطْعِم بن عَدِيٍّ.

(1/35)


ومِنَ الصحابة سواء كان أعمى في عهده، أو حدث له بعد وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام: البراءُ بن عازِب، وجابر بن عبد الله، وحسَّان بن ثابت، والحكم بن أبي العاص، وسعد بن أبي وقَّاص، وسعيد بن يربوع، وصخر بن حرب أبو سفيان، والعبَّاس بن عبد المطَّلب، وعبد الله بن الأرقم [112]، وعبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عبَّاس، وعبد الله بن عُمير، وعبد الله بن أبي أوفى، وعِتْبان بن مالك، وعُتبة بن مسعود الهُذليُّ، وعثمان بن عامر أبو قُحافة، وعَقِيل بن أبي طالب، وعَمرو ابن أمِّ مكتوم المؤذِّن، وقَتادة بن النُّعمان، هذا على ما جاء في حديث: أنَّ عينيه أُصيبتا، وهذا قد لا يُعَدُّ؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام رَدَّهما [113]، ومثله: حبيب بن فُديك أبو فُديك _ويقال: حبيب بن فويك، والأوَّل أصحُّ_ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام دعا له وهو أعمى مبيضَّةٌ عيناه، فأبصر، وكان يُدخل الخيط في الإبرة، مختلفٌ في حديثه، وسبب ما جرى لعينيه [114] قاله له عليه الصلاة السلام: كنتُ أُمَرِّنُ جملًا لي، فوقعتُ على بيضِ حيَّةٍ، فأُصيب بصري، فنفث رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عينيه، فأبصر [115].
وكعبُ بن مالك، ومالكُ بن [116] ربيعة أبو أُسيد الساعديُّ، ومَخْرمة بن نوفل، وورقة على القول بأنَّه صحابيٌّ، وهو الظاهر.
تنبيه: وأمَّا حديث عثمان بن حُنيف الأنصاريِّ _وهو أخو سهل بن حُنيف_ الذي في «سنن الترمذيِّ»، و «عمل اليوم والليلة» للنَّسائيِّ، و «سنن ابن ماجه»: (أنَّ رجلًا ضريرَ البصر أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: ادْعُ اللهَ أن يعافيَني ... )؛ الحديث [117]؛ يحتملُ أن يكون قد ذُكِر فيمَن تقدَّم، ويحتمل أَنْ لا، والله أعلم.
ونقل [118] القرطبيُّ في «تفسيره»: أنَّ عبد الله بن زيد رائي الأذان عَمِيَ بعد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [119]، وسأذكر سبب ذلك في أوَّل (باب بَدْء الأذان) [120] إن شاء الله تعالى [خ¦10/].
فهؤلاء من الصحابة ثلاثة وعشرون، أو خمسة وعشرون.
ومن التابعين: عطاء بن أبي رَباح، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وقَتادة بن دِعامة، وأبو عبد الرحمن السُّلَميُّ، وأبو هلال الراسبيُّ.

(1/36)


قوله: (ابْنَ عَمِّ): كذا هنا، وفي «مسلم»: (أَيْ عَمِّ) [م (160) (252)]، وفيه: (ابنَ عَمِّ) أيضًا [م (160) (253) و (160) (254)]، والأوَّل صحيحٌ؛ لأنَّه ابنُ عمِّها، والثاني صحيحٌ أيضًا، قالته تعظيمًا له؛ لسِنِّه ولعِلْمه.
وقال ابن قُرقُول: («أَيْ عَمِّ»، كذا لمسلمٍ، وفي «البخاريِّ»: «يَا بْنَ عَمِّ»، قال بعضُهم: وهو الصواب، ولا يَبْعُدُ أن تدعوَه بعمِّها؛ لسِنِّه وجلالة قَدْره وإن كان ابنَ عمِّها).
قوله: (هذا النَّامُوسُ) يعني: جبريل عليه السلام، و (الناموس): صاحب سِرِّ الخير.
قوله: (على مُوسَى) إن قيل: لِمَ لم يقل: عيسى؛ لقُرْبه منه؟!
والجواب: أنَّه جاء في غير «الصحيح»: (نزَّل الله على عيسى) [121]، وكلاهما صحيح.
وعن الزبير بن بَكَّار أنَّه رواه فقال: (ناموس عيسى ابن مريم) [122].
أمَّا عيسى؛ فلقُرْب زمنه منه، وأمَّا موسى؛ فأبدى له السُّهيليُّ معنًى آخرَ؛ وهو: (أنَّ ورقةَ قد تنصَّر، والنصارى لا يقولون في عيسى: إنَّه نبيٌّ يأتيه جبريلُ، وإنَّما يقولون: إنَّ أُقْنُومًا مِنَ الأَقانِيم الثلاثة حَلَّ بناسوتِ المسيح، على الاختلاف بينهم في ذلك الحلول، وهو أُقْنُوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارةٌ عنِ العلم، فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب، ويُخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب.
فلمَّا كان هذا مذهبَ النصارى؛ عَدَلَ عن ذِكْر عيسى إلى ذِكْر موسى؛ لعلمه ولاعتقاده أنَّ جبريل كان ينزل على موسى، ثمَّ قال: لكنَّ ورقة قد ثبت إيمانُه بمحمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، ثمَّ ساق حديث الترمذيِّ السالف [123]، انتهى [124]
و (الأُقْنُوم) في كلامه: الأصل، قال في «الصحاح»: (وأحسبها رُومِيَّة) [125].
قوله: (فيهَا جَذَعًا): الضمير في (فيها) يعود على [126] أيَّام النُّبُوَّة ومدَّتِها.
قوله: (جَذَعًا): هو بالذال المعجمة المفتوحة، وفتح [127] الجيم، ويأتي ما هو.
قال ابن قُرقُول: (كذا لأكثرهم _يعني: بالنصب_ وللأصيليِّ، وابن ماهان: «جَذَعٌ» خبر «ليت»، والنصبُ على الحال، والخبرُ مضمرٌ؛ أي: فأَنْصُرُه وأُعِينُه.
وقيل: معناه: يا ليتني أُدرك أَمرَك، فأكون أوَّلَ مَنْ يقوم بنَصْرك؛ كالجَذَع الذي هو أوَّلُ أسنان البهائم.
والقول الأوَّل أبينُ؛ أي: شابًّا قويًّا؛ كالجَذَع من الدوابِّ، حتى أُبالغ في نصرك) [128].
وقال شيخنا الشَّارح: واختلفوا في وجه النصب على ثلاثة أوجه:

(1/37)


أحدها: نصبه على أنَّه خبر «كان» المقدَّرة؛ تقديره: يا ليتني أكون جَذَعًا، قاله الخطَّابيُّ، والمازريُّ، وابن الجوزيِّ في «مشكله» [129]، وهو يجيء على مذهب الكوفيِّين، كما قالوا في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: 171]؛ أي: يكن الانتهاء خيرًا لكم.
ومذهب البصريِّين: أنَّ {خَيْرًا} في الآية منصوبٌ بفعلٍ مضمرٍ يدُلُّ عليه {انتَهُوا}؛ تقديره: انتهوا وافعلوا خيرًا لكم.
وقال الفرَّاء: «انتهوا انتهاءً خيرًا لكم [130]».
وضُعِّفَ هذا الوجه بأنَّ «كان» الناصبة لا تُضمر إلَّا إذا كان في الكلام لفظٌ ظاهر يقتضيها؛ كقولهم: «إنْ خيرًا؛ فخير».
ثانيها: نصبه على الحال، وخبر «ليت» قوله: «فيها»؛ والتقدير: ليتني كائن فيها _أي: في مدَّة الحياة_ في هذا الحال شبيبةً وصِحَّةً وقُوَّةً لنُصرتك؛ إذ كان قد أسنَّ وعَمِيَ عند هذا القول، ورجَّح هذا القاضي عياض، وقال: إنَّه الظاهر [131]، وقال النوويُّ: «إنَّه الصحيح الذي اختاره المحقِّقون» [132].
ثالثها: أن [133] تكون «ليت» عملت عمل «تمنَّيت»، فنصبتِ الاسمين، كما قال الكوفيُّون، وأنشدوا: [من الرجز]
«
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا» [134]
انتهى [135].
قوله: (إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ): استعمل فيه (إذ) في المستقبل كـ (إذا)، وهو استعمالٌ صحيح، ومثله قوله تعالى: {إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ} [مريم: 39]، و {إِذِ القُلُوبُ} [غافر: 18]،
[
ج 1 ص 12]
وقوله: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 71]، وقدِ استُعمل كلٌّ منهما في موضع الأخرى، ومن الثاني [136]: قوله تعالى: {إِذَا ضَرَبُوا في الْأَرْضِ} [آل عمرن: 156]، {وإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11]، و {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} [التوبة: 92].
قوله: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟): هو بفتح الواو على الاستفهام.
و (أو) إذا جاءت للتقرير، أو التوبيخ، أو الردِّ، أو الإنكار، أو الاستفهام؛ كانت الواو مفتوحةً، وإذا جاءتْ للشَّكِّ، أو التقسيم [137]، أو الإبهام، أو التسوية، أو التخيير، أو بمعنى (الواو) على رأي بعضهم، أو بمعنى (بل)، أو بمعنى (حتَّى)، أو بمعنى (إلى)، وكيف ما كانت عاطفة؛ فهي ساكنةُ الواو.
والياء في (مُخرِجيَّ) مشدَّدة، وهو جمع: (مُخرِج)، ويجوزُ تخفيفها، والصحيح: التشديد، وبه جاءت الرواية.

(1/38)


وقال السُّهيليُّ: (لا بُدَّ من تشديد الياء في «مُخرِجيَّ»؛ لأنَّه جمعٌ)، ثمَّ ذكر كلامًا حسنًا، فإن أردتَه؛ فانظره في أوائل «روضه» [138].
ثمّ على التشديد يجوز فتحها وكسرها؛ ومنه قوله تعالى: {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22]، قرئ بهما في السبع؛ فقرأ حمزة بالكسر، وهي لغة حكاها الفرَّاء وقُطْرُب [139]، وأجازها أبو عَمرو، وقرأ الباقون بفتحها [140].
فائدة: ذكر الإمام أبو القاسم السُّهيليُّ: أنَّ في قوله: «أَوَمُخرِجيَّ هم» حُبَّ الوطن، انتهى [141].
وعنِ الإمام أبي نصر عبد الوهَّاب بن شيخ الإسلام تقيِّ الدين عليِّ بن عبد الكافي السُّبكيِّ الشافعيِّ: (أنَّ أحسن منه أن يقال: تحرَّكت نفسُه لما في الإخراج من فوات ما نُدِب إليه من إيمانهم وهدايتهم؛ فإنَّ ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقَّبٌ، ومع الإخراج منقطعٌ، وذلك هو الذي لا شيء عند الأنبياء عليهم السلام أعظمُ منه؛ لأنَّه امتثال أمر الله تعالى، وأمَّا مفارقةُ الوطن؛ فهو أمرٌ جِبِلِّيٌّ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجلُّ وأعلى مقامًا من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم) انتهى [142]
قوله: (يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ): أي: وقتُ خروجِكَ.
قوله: (مُؤَزَّرًا): هو بضمِّ الميم، ثمَّ همزة مفتوحة، ثمَّ زاي مفتوحة مشدَّدة، ثمَّ راء؛ أي: بالغًا قويًّا.
قوله: (يَنْشَبْ): هو بفتحِ الشَّين؛ أي: يلبث.
قوله: (وَفَتَرَ الْوَحْيُ): إن قيل: ما الحكمة في فُتوره؟
فالجواب: لعلَّه لذهاب ما حصل له من الرَّوع، وليتشوَّفَ لعَودِه.
فائدة: لَمْ يذكر هنا مقدار الفترة، وقد جاء في حديثٍ مسندٍ [143] كما أفاده السُّهيليُّ في «روضه»: (أنَّها كانت سنتين ونصفًا) [144]، والله أعلم.
قوله: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، وقد تقدَّم، ويأتي.
قوله: (وَأَخْبَرَنِي أبو سَلَمَةَ بْنُ عبد الرَّحْمَنِ): اسمُ أبي سلمةَ: عبدُ الله، وقيل: إسماعيل، والصحيح الأوَّل، وقيل: لا يُعرف اسمه، وقال أحمدُ ابنُ حَنبلٍ: (كنيتُه هي اسمُه) [145].
وهو أحد الفقهاء السبعة عند أكثر علماء [146] الحجاز، كما قاله الحاكم [147]، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث.
والفقهاء السبعة: خارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وعروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عُتبة، وسعيد بن المُسَيّب، وأبو سلمة المذكور.

(1/39)


واعلم أنَّ قول ابن شهاب: (وأخبرني أبو سلمة) هو معطوفٌ على السند المذكور قبلَه؛ أعني: قولَ البخاريِّ: (حَدَّثنا يَحيى ابن بُكير: حَدَّثنا اللَّيث عن عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخبرني أَبو سَلَمَةَ بنُ عَبدِ الرَّحمن: أَنَّ جَابِرَ بنَ عبدِ الله الأنصاريَّ قال ... )؛ الحديث، وليس هذا تعليقًا، فاعلمه.
وقد غلط فيه بعضُ شارحي هذا الكتاب _على ما بلغني من [148] بعض العلماء، ثمَّ رأيتُه في «شرحه للبخاريِّ» _ فظنَّه تعليقًا [149]، وإنَّما هو معطوفٌ على السند المذكور قبلَه، وانظر «أطراف المِزِّيِّ»؛ تجد ذلك [150]، وهذا ظاهر عند أهل الصناعة، والله أعلم.
قوله: (فَرَعَبْتُ منه): بفتح الراء والعين، قيَّده الأصيليُّ، ولغيره: (فرُعِبت)، وهما لغتان (رَعَب) و (رُعِب)،حكاهما يعقوب، قاله ابن قُرقُول، انتهى [151]
قوله: ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]) أي: الشركَ، أو الشيطانَ، أو الظُّلْمَ.
وقيل: العذابَ؛ أي: سببَه، وأصلُه: ما يؤثِّم ويلطِّخ.
وقيل: نفسَك فخالف، أو حُبَّ الدنيا؛ فإنَّه رأس كلِّ خطيئة، والناسُ يوردون: «حبُّ الدنيا ... » إلى آخره؛ حديثًا، وإنَّما هو معروف من كلام جُندُبٍ البَجَليِّ موقوفًا عليه، قاله الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية [152]، وقد عزاه شيخنا العراقيُّ لمالك بن دينار، وقال: كذلك رواه ابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» بإسناده إليه [153]، قال: وقد رُوي من كلام عيسى ابن مريم، كما رواه البيهقيُّ في كتاب «الزهد» [154].
قوله: (فَحَمِيَ الْوَحْيُ): أي: قَوِيَ واشتدَّ.
قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ): الضميرُ في (تَابَعَهُ) يعود على (يحيى ابن بُكَير)؛ أي: تابع عبدُ اللهِ بنُ يوسفَ وأبو صالحٍ يحيى ابنَ بُكَيرٍ على روايته هذا الحديث عنِ الليث به [155].
و (يوسف): فيه تثليث السِّين مع الهمز وعدمه؛ سِتُّ لغات.
ومتابعةُ عبد الله بن يوسف أخرجها البخاريُّ في مكانين آخرين [156] عنه عنِ الليث به [157]، في (أحاديث الأنبياء) بتمامه [خ¦3392]، وفي (التفسير) مختصرًا [خ¦4957].
و (أبو صالح): هو عبد الله بن صالح كاتب الليث، كذا رأيتُ في حاشيةٍ على أصلنا لـ «صحيح [158] البخاريِّ».
وقال شيخنا الشَّارح [159]: (وأمَّا أبو صالح؛ فاسمه عبد الغفَّار بن داود بن مهران ... ونسبه البكريُّ الحرَّانيُّ ... )؛ فذكر ترجمته، وهي معروفة، انتهى [160]

(1/40)


وهو شيخ البخاريِّ، وروى له معه: أبو داود، والنسائيُّ، وابن ماجه، ومتابعة كاتب الليث ليست في الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وكذلك إنْ كان عبدَ الغفَّار لا أعلم متابعتَه في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
فائدة: اعلم أنَّ المتابعة أن يُعتبَر الحديثُ؛ أي: تنظرَه بروايات غيرِ ذلك الشخصِ من الرواة، هل [161] شاركه في ذلك الحديثِ راوٍ غيرُه، فرواه عن شيخه أم لا؟ فإن شاركه أحدٌ ممَّن يُعتبر بحديثه؛ أي: يصلح حديثُه للاعتبار والاستشهاد به _[ومَن يُعتبر به [162] من المجروحين عبارتُهم في جَرحه معروفة، مثل أن يقال في جَرحه: ضعيفٌ، أو منكَرُ الحديث، أو مضطربُه، أو واهٍ، أو ضعَّفُوه [163]، أو لا يُحتجُّ به، أو فيه مَقالٌ، أو ضُعِّفَ، أو فيه ضَعْفٌ، أو تُنكِرُ وتَعرفُ، أو ليس بذاك، أو ليس بالمتين، أو ليس بالقويِّ، أو ليس بحُجَّةٍ، أو ليس بعُمدةٍ، أو ليس بالمَرْضيِّ، أو للضَّعْفِ [164] ما هوَ، أو فيه خُلْفٌ، أو طعنوا فيه، أو سيِّئُ الحِفظِ، أو ليِّنٌ، أو تكلَّموا فيه؛ فكلُّ مَنْ قيل فيه واحدٌ مِنْ هذه الألفاظِ؛ فإنَّه يُعتبرُ بحديثِه، ومَن جُرِحَ بغيرِ واحدٍ مِنْ هذه الألفاظِ؛ فلا يُعتبرُ به، والله أعلم] [165]_؛ فيُسمَّى حديث هذا الذي شاركه تابعًا.
وإن لم تَجِدْ أحدًا تابعَه عليه عن شيخه؛ فانظرْ هل تابعَ أحدٌ شيخَ شيخِه فرواه متابعًا له أم لا؟
فإن وجدتَ أحدًا تابع شيخَ شيخِه عليه، فرواه كما رواه؛ فسمِّهِ أيضًا تابعًا، وقد يسمُّونه شاهدًا.
فإن لم تَجِدْ؛ فافعلْ ذلك فيمَن فوقَه إلى آخرِ الإسناد حتَّى في الصحابيِّ، فكلُّ مَنْ وُجِدَ له متابِعٌ؛ فسمِّهِ تابعًا، وقد يسمُّونه شاهدًا، كما تقدَّم.
فإن لم تَجِدْ لأحدٍ ممَّن فوقه متابعًا؛ فانظر هل أتى بمعناه حديثٌ آخر في الباب أم لا؟
فإن أتى بمعناه حديثٌ آخر؛ فسمِّ ذلك الحديثَ شاهدًا.
وإنْ لم تَجِدْ حديثًا يؤدِّي معناه؛ فقد عدمت المتابعات والشواهد، فالحديثُ إذن فَرْدٌ [166]، وهذا معنى قول المحدِّثين [167]: الاعتبار، والمتابعات، والشواهد، والله أعلم.

(1/41)


تنبيه: وقوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ): وهما مِنْ شيوخه، فالظاهرُ أنَّه أخذ عنهما هذه المتابعة مذاكرةً، والظاهرُ أنَّها مثلُ قوله: (قال فلان)، فإذا كان [168] (فلان) شيخَه؛ فإنَّه يكون قد أخذه عنه في المذاكرة، وهو مثل قوله: (حدَّثنا) أو (أخبرنا)، والله أعلم.
وسيأتي مثل هذا المكان بأطول من هذا وأوضح.
وأمَّا كاتب الليثِ عبدُ الله بن صالح؛ فقد قال الذهبيُّ: (والأصحُّ أنَّه روى عنه البخاريُّ في «الصحيح»)، كذا في «الكاشف» [169]، وفي «تذهيبه» قال: (وعنه «خت»)؛ يعني: البخاريَّ تعليقًا، قال: (واستشهد به في «الصحيح»، وقيل: إنَّه روى عنه في «الصحيح» كما [170] نذكره في اسم الذي بعدَه) [171]، وقد ذكر في ترجمة الذي بعده روايةَ البخاريِّ في (تفسير سورة الفتح): (حدَّثنا عبد الله: حدَّثنا عبد العزيز بن أبي سلمةَ في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} [الأحزاب: 45]) [172]، ثمَّ قال: (فزعم الكلاباذيُّ [173] واللَّالكائيُّ أنَّه عبد الله بن صالح العِجْلِيُّ.
وقال أبو عليٍّ ابنُ السَّكَن في روايته عنِ الفِرَبْرِيِّ عنِ البخاريِّ: حدَّثنا عبد الله بن مَسْلَمة [174]؛ يعني: القَعْنبيَّ.
وقال أبو [175] مسعود في «الأطراف»: هو عبد الله بن رجاء، قال: والحديث عن [176] عبد الله بن صالح، وعبد الله بن رجاء.
وقال الغسَّانيُّ: هو عبد الله بن صالح كاتب الليث [177].
وقال أبو الوليد هشام بن أحمد بن هشام: هو عبد الله بن مسلمةَ، وهو القَعْنَبيُّ) إلى أن قال: (قال شيخنا أبو الحجَّاج: «وأولى [178] الأقوال بالصواب: قولُ مَن قال: إنَّه كاتب الليث» [179])، ثمَّ بَرهن على ذلك؛ فانظره [180].
هذا في (الفتح) [181]، وأمَّا هنا؛ فلا أعلمُ آلصحيحُ ما في الحاشية [182]، أو الذي قاله شيخنا الشَّارح [183]؟ وقد راجعتُ «الأطراف» للمِزِّيِّ، فلم أَرَهُ [184] عينَه، وإنَّما ذَكَرَه بالكُنيةِ فقط، ولم يوضِّحه، والله أعلم [185].
قوله: (وَتَابَعَهُ هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ): الضميرُ [186] في (تَابَعَهُ) يعود على (عُقَيْلٍ) [187].
و (هِلَالٌ) هذا: والدُه بتقديم الراء على الدالين المهملتين وبينهما ألفٌ، وهو طائيٌّ، ويقال: كِنانيٌّ، روى عنِ الزُّهريِّ، وعنه ابنه محمَّدٌ المعروف بحمَّاد، علَّق له البخاريُّ هنا كما تَرى.

(1/42)


قال الذهبيُّ في «ميزانه»: (هلالُ بنُ ردَّادٍ، عنِ الزُّهريِّ، لا يُدرَى مَنْ هو) [188]، ونحوه في «المغني»: (روى عنه ولده محمَّد، ويعرف بحمَّاد بن هلال) انتهى [189]
وإنَّما جهَّله؛ لأنَّه لم يرو عنه إلَّا واحدٌ، وليس مشهورًا في غير ذلك.
وقال شيخنا الشَّارح: (قال ابن أبي [190] حاتم: مجهولٌ) انتهى [191]
ولم أَرَ أنا له ترجمةً في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم، ومتابعتُه ليست في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا [192].
قوله: (وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ) تعليقُ يونس أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ؛ البخاريُّ في (التفسير) [خ¦4953]، ومسلمٌ في (الإيمان) [م (160) (252)].
أمَّا (مَعْمَرٌ)؛ فهو بفتح الميمين وإسكان العين بينهما، وهو مَعْمرُ بنُ راشدٍ، وتعليقُ مَعْمَرٍ أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ؛ البخاريُّ في (التفسير) [خ¦4953]، وفي (التعبير) [خ¦6982] [193]، ومسلمٌ في (الإيمان) [م (160) (253)].
و (يُونُسُ) هو ابنُ يزيدَ الأَيليُّ، لا يونسُ بنُ محمَّدٍ المؤدِّبُ الحافظ، وفيه سِتُّ لغاتٍ تقدَّمتْ [194]: تثليثُ النون، والهمزُ وعدمُه، وكلاهما مِن رواة الزُّهريِّ، وترجمتُهما معروفتان [195].
[
ج 1 ص 13]
قوله: (بَوَادِرُهُ) [196]: هو بفتح الموحَّدة، وتخفيف الواو بعدَها، وبعدَ الألف دالٌ مهملة، وهو جمعُ: (بادرة)؛ وهي اللَّحمةُ التي بين المَنْكِب والعُنُق.
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (20/ 242).
[2]
انظر «تهذيب الكمال» (31/ 473).
[3]
غير: سقطت من (ب).
[4]
انظر «تهذيب الكمال» (26/ 419).
[5]
أبو عمر الزاهد: هو محمَّد بن عبد الواحد المطرز، غلام ثعلب، المتوفَّى سنة (345 هـ)، وله «اليواقيت شرح الفصيح» و «فائت الفصيح»، انظر «بغية الوعاة» (1/ 153)، و «الفصيح» لأبي العبَّاس أحمد بن يحيى ثعلب، المتوفَّى سنة (291 هـ)، وهو كتاب مشهور، وله شروح، انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 5)، وابن الأعرابي: هو محمَّد بن زياد بن الأعرابي، أبو عبد الله الهاشميُّ، إمام اللغة، المتوفَّى سنة (231 هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (10/ 687).
[6]
أي: الكِسائي، شيخ النحو واللغة، وأحد السبعة، المتوفَّى سنة (375 هـ)، وله: «معاني القرآن»، و «النوادر الكبير»، و «المتشابه في القرآن»، و «ما يلحن فيه العوام»، وغيرها، انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 131).

(1/43)


[7]
هو إبراهيم بن محمَّد أبو إسحاق الإسفراييني، الإمام العلَّامة الأوحد الأستاذ الأصولي الشافعي، الملقب بركن الدين، أحد المجتهدين في عصره، له «الجامع في الأصول»، و «رسالة في أصول الفقه»، توفِّي سنة (418 هـ) بنيسابور، ودفن بإسفرايين، انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 353).
[8]
هو محمَّد بن جعفر القزاز القيرواني، أبو عبد الله التميميُّ النَّحْويُّ، المتوفَّى سنة (412 هـ)، له «الجامع في اللغة»، انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 326)، «بغية الوعاة» (1/ 66)، وتصحَّف القزاز في (ب).
[9]
في (ب): (فالأول).
[10]
أخرجه البخاري في «صحيحه» (7017)، ومسلم في «صحيحه» (2263) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الباب عن غيره.
[11] «
إكمال المعلم» (1/ 479).
[12]
في (ب): (والصالحة والصادقة).
[13] «
الصحاح» (6/ 2349) مادة (رأي).
[14]
في النسخ: (يا أبا): والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[15]
في (ب): (الشجر والحجر).
[16] «
إكمال المعلم» (1/ 479).
[17]
أي: بالإمالة.
[18] «
إصلاح غلط المحدثين» (ص 45)، والعبارة في النسخ: (يفتحون حاءه ويكسرون الراء وهما مفتوحان ... ).
[19] «
التوضيح» (2/ 253).
[20] «
سيرة ابن هشام» (1/ 272).
[21]
يريد حديث: (كان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقيم بحراء، وكان ذلك ممَّا تتحنَّث به قريش).
[22]
وهو أبو أحمد السكوني.
[23] «
تصحيفات المحدثين» (1/ 296، 298) لأبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، المتوفَّى سنة (382 هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (16/ 413).
[24] (
والإثم): ليست في (أ).
[25] «
شرح صحيح البخاري» لابن بطال (1/ 52).
[26]
في (ب): (وتهجد وتحوب).
[27] «
التوضيح» (2/ 253).
[28]
هو الإمام العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمَّد بن الحسن القرشيُّ العدويُّ العُمريُّ الصَّغَانيُّ، حامل لواء اللغة في وقته، ولد بلاهور سنة (577 هـ)، ونشأ بغزنة، وطاف البلاد، قال الدِّمياطيّ: كان شيخًا صالحًا صدوقًا صموتًا إمامًا في اللغة والفقه والحديث، قرأت عليه كثيرًا، توفي رحمه الله تعالى سنة (650 هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (23/ 282)، «الوافي بالوفيات» (12/ 150)، «بغية الوعاة» (1/ 500) (1076).

(1/44)


[29] «
الأضداد» (ص 228) (445) الأضداد للصغاني = ثلاثة كتب في الأضداد للأصمعي والسجستاني ولابن السكيت، ويليها ذيل في الأضداد للصغاني: الإمام رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمَّد بن الحسن الصغاني (ت 650 هـ)، تحقيق: د. اوغست هفنر، دار الكتب العلمية، بيروت.
[30]
أي: التعبد.
[31]
لم تظهر في (أ)، وتحتمل في (ب): (يبقى).
[32]
في (أ): (الليالي).
[33]
أي: قوله: (الليالي ذوات العدد) ليس قيدًا في تفسير (يتحنَّث)، فليس المراد: أنَّ التحنُّث هو التعبُّد بقيد الليالي، بل التحنُّث هو التعبُّد المجرَّد، وقوله: (الليالي ... ) لبيان الواقعة، وعليه: فقوله: (وهو التعبُّد) معترِضٌ بين الفعل (يتحنَّث) ومتعلَّقِه الظرف (الليالي)؛ أي: يتحنَّث ليالي.
[34]
أي: قوله: (وهو التعبُّد).
[35]
ما بين معقوفين سقط من (ب)، وضرب عليه في (أ).
[36]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[37] «
مطالع الأنوار على صحاح الآثار» لابن قُرقُول (ق 173) (الميم مع الهمزة).
[38] «
إكمال المعلم» (1/ 482).
[39]
في: سقطت من (ب).
[40]
في (ب): (وإنه).
[41]
ثم: سقطت من (ب).
[42] «
الروض الأنف» (1/ 271 - 272).

(1/45)


[43] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 375)، وصاحب «التحرير» وهو شرح لـ «صحيح مسلم»، مخطوط: هو الإمام أبو عبد الله محمَّد بن قِوام السُّنَّة إسماعيل بن محمَّد بن الفضل بن علي بن أحمد الأصفهانيُّ التيميُّ الطلحيُّ؛ نسبة إلى سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، ذكره القِفْطي في «المحمدون من الشعراء» (96) وقال: (كان شابًا، وفاق في الفضل شيوخ أهل زمانه، لكنه استوفى أنفاسه وطوى قرطاسه قبل أوانه! وفجع والده بشبابه)، ولد نحو سنة (500 هـ)، ونشأ فصار إمامًا، بزَّ العلوم كلها، حتى ما كان يتقدَّمُه أحدٌ في وقته في الفصاحة والبيان والذكاء والفهم، ثم اخترمته المنية سنة (526 هـ)، وكان والده يروي عنه إجازةً، وكان شديد الفقد عليه، وله شرح على «الصحيحين»، أملى في شرح كلٍّ منهما صدرًا صالحًا، نقل عنه الإمام النوويُّ والحافظ ابن حجر والعيني وابن العجمي وغيرهم، ذكر شرحه السخاوي في «الجواهر والدرر» (2/ 710) فقال: (ممن علمت شرح «البخاري»: محمَّد بن التيمي، واعتنى بشرح ما لم يذكره الخطَّابيُّ مع التنبيه على أوهام له)، ونقل عبارته حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 545)، وقال ابن العماد في «شذرات الذهب» (6/ 174): (شرح «صحيحي البخاري ومسلم»، فلما مات في حياة أبيه؛ أكملهما أبوه)، وترجمته في خلال ترجمة أبيه الحافظ الكبير شيخ الإسلام الإمام العلَّامة أبو القاسم قِوامُ السُّنَّة إسماعيل بن محمَّد بن الفضل الأصفهاني التيميُّ الطَّلْحيُّ، وانظر «تاريخ الإسلام» (36/ 372 - 373)، «سير أعلام النبلاء» (20/ 80 - 88)، «تذكرة الحفاظ» (4/ 1277).
[44]
أنها: سقطت من (ب).
[45] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 375 - 376).
[46] «
صحيح البخاري» (4).
[47]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[48] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 375).

(1/46)


[49] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 382)، واستدلَّ القائل بأنَّ (الفاتحة) أوَّل ما نزل بحديث ابن إسحاق في «السيرة» (ص 112 - 113)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 158 - 159) من حديث أبي ميسرة عَمرو بن شرحبيل مرسلًا، وفيه: (فلمَّا خلا؛ ناداه: يا محمَّد؛ قل: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} حتى بلغ {وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 1 - 7]، قل: لا إله إلَّا الله، فأتى ورقةَ، فذكر ذلك له ... )، قال البيهقي: فهذا منقطع، فإن كان محفوظًا؛ فيَحتمل أن يكون خبرًا عن نزولها بعد ما نزلت عليه {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] و {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، والله أعلم.
[50] «
التوضيح» (23/ 465) (ح 4922).
[51] «
التنزيل» ($).
[52]
انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 237 - 238)، «المغني في الضعفاء» (1/ 166).
[53] «
التوضيح» (24/ 15) (ح 4983).
[54]
في (ب): (ذكره).
[55] «
التوضيح» (23/ 504) (ح 4938).
[56] «
التوضيح» (23/ 594) (ح 4968).
[57]
كذا نقله المصنف عنِ ابن الملقن، وفي (ب): (ابن المنذر)، وفي هامش (أ): (ولعله ابن المنذر)، ولعله الصواب.
[58] «
تفسير ابن أبي حاتم» (2944) عنِ ابن جبير دون ذكر ابن عبَّاس رضي الله عنهما، وهكذا النص عند ابن الملقن عنِ ابن جبير فقط، فليتنبه.
[59]
في «تفسير مقاتل» (1/ 150) بتسع ليال.
[60] «
تفسير القرطبي» (4/ 421).
[61] «
التوضيح» (22/ 128) (ح 4544).
[62] «
تفسير العز بن عبد السلام» (3/ 501)، وفيه: (فنزل في حجّة الوداع: {اليوم أكملت} [المائدة: 3]، فعاش بعدها ثمانين يومًا، فنزلت آية الكلالة، وهي آية الصيف [النساء: 176]، فعاش بعدها خمسين يومًا، فنزلت: {لقد جاءكم رسول} [التوبة: 128]، فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا أو سبعة أيَّام).
[63] «
التوضيح» (2/ 609)، والحديث أخرجه عن أنس رضي الله عنه ابن ماجه في «سننه» (70)، والضياء في «المختارة» (2122) و (2123).
[64] «
التوضيح» (24/ 15) (ح 4983).
[65] «
الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (ص 612)، «إكمال المعلم» (1/ 484 - 485).

(1/47)


[66] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 376)، والاحتمال الثاني: أنَّ قوله هذا كان أوَّل ما رأى التباشير في النوم واليقظة، وسمع الصوت، قبل لقاء الملَك وتحقُّقه رسالة ربِّه، فيكون خاف أن يكون من الشيطان، فأمَّا منذ جاءه الملَك؛ فلا يجوز عليه الشَّكُّ، وعِلَّة ضعفه: أنَّه خلاف تصريح الحديث؛ لأنَّه جاء فيه مبيَّنًا أنَّه كان بعد غطِّ الملَك وإتيانه بـ {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1].
[67]
في (ب): (المعجمتين)، ولا يستقيم إلَّا أن تكون العبارة: (وبالخاء والزاي المعجمتين).
[68]
قرأ بضمِّ الياء وكسر الزاي: {يُحزِنك} [آل عمران: 176] نافع وحدَه، وقرأ الباقون بفتح الياء وضمِّ الزاي، انظر «الحجة» للفارسي (3/ 99).
[69] «
مطالع الأنوار» (ق 91) (الحاء مع الزاي).
[70]
من: سقطت من (ب).
[71]
في «التوضيح» (2/ 277)، و «عمدة القاري» (17/ 43): (ومنع القزاز)، وفي «إكمال المعلم» (1/ 486): (وحكى أبو عبد الله بن القزاز أنَّ «أكسب» حرفٌ نادرٌ)، والمراد _والله أعلم_: أبو عبد الله محمَّد بن جعفر القزَّاز صاحب «الجامع في اللغة»، وفي «تاج العروس» مادة (كسب): (وأنكر الفرَّاء)، موافقًا لما بين أيدينا من النسخ بوضع المدِّ على الألف، وكلاهما مُحتمل، إلَّا أنَّ القاضي عِياض ذكر ما يُرجِّح أنَّه القزَّاز بذِكر كُنيته حين قال: (أبو عبد الله) وإن زاد (ابن) في اسمه؛ إذ إنَّ الفرَّاء كنيتُه: أبو زكريا، فليُحرَّر.
[72]
وقد جاء في الرواية: (تُكسِب)، وهي رواية الكُشْمِيهَنيِّ.
[73]
انظر «تاج العروس» مادة (كسب).
[74] «
إكمال المعلم» (1/ 486)، «المنهاج شرح مسلم» (2/ 377).
[75] «
صحيح البخاري» (6982).
[76] «
مستدرك الحاكم» (2/ 609)، وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (63/ 23 - 24)، وأخرجه ابن إسحاق في «السيرة» (ص 113) (158) عن عروة مرسلًا.
[77] «
كشف الأستار» (2750).
[78]
في (ب): (لما).
[79] «
جمهرة نسب قريش» للزبير بن بكَّار (ص 153)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه» (63/ 25).
[80] «
سنن الترمذي» (2288) من طريق يونس بن بكير، عن عثمان بن عبد الرحمن به، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/ 393) من طريق يونس به، وعثمان بن عبد الرحمن هو الوقَّاصيُّ، وقد جاء من وجه آخر عند أحمد في «مسنده» (6/ 65)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخه» (63/ 25) من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة به.
[81] «
الروض الأنف» (1/ 217)، قلت: جاء من وجه آخر كما سلف.

(1/48)


[82] «
مستدرك الحاكم» (4/ 393)، لكن يقويه طريق أحمد في «مسنده» (6/ 65) كما سلف.
[83]
في (ب): (يفوته)، وهو تصحيف.
[84] «
سيرة ابن إسحاق» (ص 112 - 113)، وهو عند البيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 158 - 159) وقال: هذا منقطع.
[85]
أي: في «معجم الشعراء»، لكن ترجمة ورقة تقع في القسم المفقود من الكتاب، والله أعلم، والمرزباني: هو ... &.
[86]
ما: سقطت من (ب).
[87]
في (ب): (أي).
[88] «
مسند أبي يعلى» (2047)، وهو عند ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (602)، وتمَّام في «فوائده» (1404).
[89] «
سيرة ابن إسحاق» (ص 112 - 113)، وهو عند البيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 158 - 159) وقال: هذا منقطع.
[90]
يعني: حديث الحاكم في «المستدرك» (2/ 609)، والبزار كما في «كشف الأستار»: (2750): «لا تسبُّوا ورقةَ؛ فإنِّي رأيتُ له جنةً أوجنتين».
[91] «
التقييد والإيضاح» (2/ 923 - 925)، وانظر «أسد الغابة» (4/ 646) (5458)، «الإصابة» (3/ 633 - 635) (9131).
[92] «
ألفية السيرة» للحافظ العراقي (ص 42) (90).
[93]
في (أ): (تخضضًا)، وفي (ب): (تخضعًا)، والمثبت من مصدره، والتخضخض: الحركة والاضطراب.
[94] «
تجريد أسماء الصحابة» للذهبي (2/ 28) (1466).
[95]
ابن: ليس في (ب).
[96]
في النسخ: (ذكر).
[97]
في (ب): (عمرو)، ولا يصح.
[98] «
الاستيعاب» (ص 269).
[99]
ثم: ليست في (ب).
[100]
في (ب): (وبرسوله).
[101]
غير: سقطت من (ب).
[102]
في (ب): (البعث).
[103] «
صحيح البخاري» كتاب فضائل الصحابة، قبل الحديث (3845).
[104]
أي: في شرح قول مسلم في المقدمة: وهذا أبو عثمان ...
[105] «
المنهاج شرح مسلم» (1/ 96).
[106] «
التقييد والإيضاح» (2/ 968 - 969).
[107] «
صحيح البخاري» (3839).
[108]
في (ب): (تقرر).
[109]
في (ب): (ولما).
[110]
في (ب) بغير واو، والصواب ما أثبت.
[111] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 378).
[112]
في (ب): (الهرم)، وهو خطأ.
[113]
ذكره الواقدي في «المغازي» (1/ 242)، ومن طريقه أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3/ 295)، وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (416)، والبيهقي في «الدلائل» (3/ 252)، وفيه أنَّه أُصيبتْ عينه يوم أُحُد، وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (3/ 251) من وجه آخر، وكذا أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (1549)، والبيهقي في «الدلائل» (3/ 251 - 252) من حديث عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن قتادة، وفيه: أنَّه أُصيبت عينه يوم بدر.
[114]
في (ب): (بعينيه).

(1/49)


[115]
أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في «مصنفه» (32464) عن محمَّد بن بشر، عن عبد العزيز بن عمر، عن رجل من سلامان، عن أمِّه: أنَّ خالها حبيب ... ومن طريقه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2634)، وأخرجه البغوي في «معجم الصحابة» (2/ 127) (499) من طريق عثمان ابن أبي شيبة، عن محمَّد بن بشر به، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (4/ 25) (3546) من الوجهين.
[116]
زيد في (ب): (أبي)، ولا يصح.
[117]
أخرجه الترمذي في «سننه» (3578)، والنسائي في «الكبرى» (10419) إلى (10421) _وهو في «عمل اليوم والليلة» (658) إلى (660) _ وابن ماجه في «سننه» (1385)، وأحمد في «مسنده» (4/ 138)، وعبد بن حميد في «مسنده» (379)، وغيرهم.
[118]
في (ب): (وذكر).
[119] «
تفسير القرطبي» (6/ 448)، وهو في «المحرر الوجيز» لابن عطية (4/ 125 - 126) في تفسير الآيتين (69 و 70) من سورة النساء.
[120]
في (أ): (في أول بدء الأذان)، وفي (ب): (في أول باب الأذان).
[121]
أخرجه ابن قانع في «معجم الصحابة» (3/ 181) (1156)، وفيه: (هذا الناموس الذي أُنزل على عيسى عليه السلام).
[122] «
جمهرة نسب قريش» (ص 154).
[123]
يريد: حديث الترمذي (2288): «أُريتُه في المنام وعليه ثيابٌ بياضٌ ... » المتقدِّم.

(1/50)


[124] «
الروض الأنف» (1/ 273)، وقد قال الحافظ في «الفتح» (1/ 35): (ولم يقل: «على عيسى» مع كونه نصرانيًا؛ لأنَّ كتاب موسى عليه السلام مشتملٌ على أكثر الأحكام بخلاف عيسى، وكذلك النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أو لأنَّ موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه بخلاف عيسى، كذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه بفرعون هذه الأُمَّة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر، أو قاله تحقيقًا للرسالة؛ لأنَّ نزول جبريل على موسى متَّفقٌ عليه بين أهل الكتاب بخلاف عيسى؛ فإنَّ كثيرًا من اليهود يُنكرون نُبوَّته، وأمَّا ما تمحَّل له السُّهيليُّ من أنَّ ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوَّة عيسى ودعواهم أنَّه أحد الأقانيم؛ فهو محالٌ لا يُعرَّج عليه في حقِّ ورقةَ وأشباهه ممَّن لم يدخل في التبديل، ولم يأخذ عمَّن بدَّل، على أنَّه قد ورد عند الزبير بن بَكَّار من طريق عبد الله بن معاذ، عنِ الزُّهريِّ في هذه القِصَّة: أنَّ ورقةَ قال: «ناموس عيسى»، والأصحُّ ما تقدَّم، وعبدُ الله بن معاذٍ ضعيف، نعم في «دلائل النبوة» لأبي نُعيم بإسنادٍ حسنٍ إلى هشام بن عروة، عن أبيه في هذه القِصَّة: «أنَّ خديجة أوَّلًا أتت ابنَ عمِّها ورقة، فأخبرته الخبر، فقال: لئن كنتِ صَدَقْتِني؛ إنَّه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يُعَلِّمُه بنو إسرائيل أبناءَهم»، فعلى هذا: فكان ورقة يقول تارة: «ناموس عيسى»، وتارة: «ناموس موسى»، فعند إخبار خديجة له بالقِصَّة قال لها: «ناموس عيسى» بحسب ما هو فيه من النصرانيَّة، وعند إخبار النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له قال له: «ناموس موسى»؛ للمناسبة التي قدَّمناها، وكلٌّ صحيحٌ، والله سبحانه وتعالى أعلم).
[125] «
الصحاح» (5/ 2016) مادة (قنم).
[126]
في (ب): (إلى).
[127]
في (ب): (وضم)، ولا يصح.
[128] «
مطالع الأنوار على صحاح الآثار» (ق 67) مادة (جذع)، ونحوه في «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (1/ 143) مادة (جذع).
[129]
انظر «أعلام الحديث» (1/ 130 - 131)، «المعلم بفوائد مسلم» (1/ 327)، «كشف المشكل» (4/ 275).
[130]
لكم: سقطت من (ب).
[131] «
إكمال المعلم» (1/ 489).
[132] «
المنهاج شرح مسلم» (2/ 378).
[133]
من هنا بداية النسخة (ج).
[134]
البيت للعجاج في «ملحقات ديوانه» (ص 405)، وهو من شواهد «الكتاب» (2/ 142).
[135] «
التوضيح» (2/ 292).
[136]
أي: استعمال (إذا) موضع (إذ).
[137]
أو التقسيم: ليس في (ب).

(1/51)


[138] «
الروض الأنف» (1/ 274).
[139]
قال الفرَّاء في «معاني القرآن» (2/ 75): (وقوله: {مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْوَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22] أي: الياء منصوبة؛ لأنَّ الياء من المتكلِّم تسكن إذا تحرَّك ما قبلها، وتنصب إرادة الهاء _أي: هاء السكت_ فإذا سكن ما قبلها؛ رُدَّت إلى الفتح الذي كان لها، والياء في {بِمُصْرِخِيَّ} ساكنة، والياء بعدها من المتكلِّم ساكنة، فحرِّكت إلى حركةٍ قد كانت لها، وقد خَفض الياء من قوله: {بِمُصْرِخِيَّ}: الأعمشُ ويحيى بن وثَّاب جميعًا، ولعلَّها مِن وَهَمِ القُرَّاء طبقةِ يحيى؛ فإنَّه قَلَّ مَنْ سَلِمَ منهم من الوَهَم، ولعلَّه ظنَّ أنَّ الباء في {بِمُصْرِخِيَّ} خافضة للحرف كلِّه، والياء من المتكلِّم خارجة من ذلك)، فليتنبه.×قال أبو عليٍّ الفارسيُّ في «الحُجَّة» (5/ 29): (قال الفرَّاء في كتابه في التصريف: هو قراءة الأعمش ويحيى بن وثَّاب، قال: وزعم القاسم بن معن أنَّه صواب، قال: وكان ثقةً بصيرًا، وزعم قُطْرُب أنَّه لغة في بني يربوع، يزيدون على ياء الإضافة ياء).
[140]
انظر «الحجة للقراء السبعة» (5/ 28 - 29).
[141] «
الروض الأنف» (1/ 276).
[142]
ذكره الإمام أبو نصر تاج الدين السبكي عن والده الإمام تقي الدين في «طبقات الشافعية الكبرى» (10/ 285)، ومن قوله: (من إيمانهم وهدايتهم) إلى هنا تقدم في (ب) إلى بداية الفائدة، مع بعض تصحيف؛ لكون النصِّ مُستدركًا في الأصل في هامشه، فوَهِمَ الناسخ في موضعه، والله أعلم.
[143]
في (ب): (مسندًا).
[144] «
الروض الأنف» (1/ 281).
[145]
انظر «تهذيب الكمال» (33/ 370).
[146]
في (ب): (أهل).
[147] «
معرفة علوم الحديث» (ص 43).
[148]
في (ب): (أن)، ولا يصح.
[149]
انظر «الكواكب الدراري» للكرماني (1/ 41).
[150] «
تحفة الأشراف» (2/ 395) (3152).
[151] «
مطالع الأنوار» (845) (الراء والعين)، وقبله القاضي في «مشارق الأنوار» (1/ 294)، ولكن فيهما: بفتح الراء وضم العين، وكذا نقله غير واحد من شراح «البخاري» كما في «التنقيح» (1/ 17)، و «التوضيح» (2/ 310)، و «المصابيح» (1/ 46)، و «اللامع» (1/ 67)، و «الفتح» (1/ 38)، و «العمدة» (1/ 66)، والذي في «اللسان» (6/ 171)، و «القاموس» (ص 89 - 90) مادة (رعب): (رَعَبَهُ كمنعه: خوَّفه، كرَعَّبَه فرَعَبَ كمنع)، فليتنبه.

(1/52)


[152] «
مجموع الفتاوى» (11/ 107) و (18/ 123)، والحديث قد أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الدنيا» (9)، ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (10019) من حديث الحسن مرسلًا.×وقوله: (قاله الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية) تقدم في (ب) و (ج) قبل قوله: (حكاهما يعقوب)، وهو غير مسلَّم؛ وسبب ذلك: أنَّ العبارة استدركت في (أ) في الهامش، فوَهِمَ الناسخان في مكانها.
[153]
أخرجه ابن أبي الدنيا في «الزهد» (497)، و «ذم الدنيا» (416)، ولم أجده في «مكايد الشيطان» له، والله أعلم.
[154]
أخرجه أحمد في «الزهد» (ص 92)، وابن أبي الدنيا في «الزهد» (51)، ومن طريقه البيهقي في «الزهد الكبير» (248)، و «شعب الإيمان» (9974)، وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (6/ 388).
[155]
به: سقطت من (ب).
[156]
آخرين: سقط من (ب).
[157]
به: سقطت من (ب).
[158]
في (ب): (تصحيح)، ولا يصح.
[159]
الشَّارح: سقط من (ب).
[160] «
التوضيح» (2/ 317).
[161]
في النسخ: (فإن)، وهو سبق قلم.
[162]
به: سقطت من (ب).
[163]
في (ب): (ضعيف)، وهو تكرار.
[164]
في (ب): (للضعيف).
[165]
ما بين معقوفين تأخَّر في (ب) بعد قوله: (وسيأتي مثل هذا المكان بأطول من هذا، وأوضح).
[166]
في (ب): (قوله).
[167]
في (ب): (المحققين).
[168]
في (ب): (قال).
[169]
رمز الذهبيُّ لرواية البخاريِّ عنه في «الكاشف» (2/ 92) (2805)، وأمَّا قوله: (والأصحُّ أنَّ البخاريَّ روى عنه في الصحيح)؛ فهو في «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 342) (3218) بلفظ: (والصحيح أنَّ ... ).
[170]
في (ب): (لما).
[171] «
تذهيب التهذيب» (5/ 177) (3385).
[172] «
صحيح البخاري» (4838)، وقد أخرجه في «الأدب المفرد» (247) وقال: (حدثنا عبد الله بن صالح ... ).
[173] «
الهداية والإرشاد إلى معرفة أهل الثقة والسداد» (1/ 411)، لأبي نصر أحمد بن محمَّد بن الحسين البخاري الكلاباذي (ت 398 هـ).
[174]
في (ب): (سلمة)، قلت: كذا في رواية أبي ذر أيضًا: عبد الله بن مسلمة.
[175]
في (ج): (ابن)، ولا يصح، وهو الإمام الحافظ أبو مسعود إبراهيم بن محمَّد بن عبيد الدمشقيُّ، صاحب «أطراف الصحيحين»، (ت 400 هـ)، انظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 227).
[176]
في المصادر: (عند).

(1/53)


[177] «
تقييد المهمل وتمييز المشكل» (أي: شيوخ البخاري الذين حدّث عنهم وأهمل أنسابهم) (ص 993 - 994)، والغسَّانيُّ: هو الإمام الحافظ أبو علي الحسين بن محمَّد بن أحمد الغسَّانيُّالجيَّانيُّ، (ت 498 هـ)، وكتابه هذا يتكوَّن من أربعة أقسام؛ هذا، والثلاثة الأخرى هي: «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسند الصحيح للبخاري»، و «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسند الصحيح لمسلم» و «الألقاب لمن أخرج لهما الشيخان»، ضَبَطَ فيها كلَّ لفظٍ يقع فيه اللَّبْس من رجال «الصحيحين»، انظر «سير أعلام النبلاء» (19/ 148).
[178]
في (ب): (فأولى).
[179] «
تهذيب الكمال» (15/ 114)، «تحفة الأشراف» (6/ 363) (8886).
[180] «
تذهيب التهذيب» (5/ 180) (3386)، قال الحافظ في «الفتح» (8/ 450) (ح 4838): (ورجَّح كونه عبد الله بن صالح كاتب الليث المِزّيُّ وحدَه بأنَّ البخاريَّ أخرج هذا الحديث بعينه في كتاب «الأدب المفرد» عن عبد الله بن صالح، عن عبد العزيز ... قلت: لكن لا يلزم من ذلك الجزم به، وما المانع أن يكون له في الحديث الواحد شيخان عن شيخ واحد، وليس الذي وقع في «الأدب» بأرجحَ ممَّا وقع الجزمُ به في رواية أبي عليٍّ وأبي ذرٍّ، وهما حافظان)، وقال في «النكت الظراف» بهامش «التحفة» (6/ 363) (8886) عقب جَزْمِ أبي مسعود بأنَّه عبد الله بن رجاء ما نصُّه: (قلت: قد وقع في رواية أبي ذرٍّ عن شيوخه الثلاثة: حدَّثنا عبد الله بن مَسْلَمة_يعني: القَعْنَبيَّ_ فانتفى ما قال أبو مسعود، وأمَّا قولُ المِزِّيِّ: إنَّ البخاريَّ أخرجه في «الأدب» عن عبد الله بن صالح؛ فقد تلقَّفه عنه الذهبيُّ، وجزم بأنَّه المراد في «الصحيح»، قلت: وهو محتمل، لكن مع ذلك لا يَحْسُن الجزم به؛ لِمَا وقع من رواية أبي ذرٍّ، بل نقلُها أولى أن يُعتمد، فلا مانع أن يكون للبخاريِّ شيخان كلٌّ منهما يُسَمَّى عبد الله).
[181]
أي: في تفسير سورة الفتح في «صحيح البخاري» (4838).
[182]
يريد: حاشية أصله المعتمد لـ «صحيح البخاري»، وفيها: أنَّ أبا صالح هو عبد الله بن صالح كاتب الليث، كما تقدَّم.
[183]
الشَّارح: ليس في (ب)، والذي قاله الشارح _ يعني ابن الملقِّن _ كما في «التوضيح» (2/ 317) هو أنَّ أبا صالحٍ اسمه عبد الغفار بن داود بن مهران ... البكريُّ الحرَّانيُّ.
[184]
في (ب): (أر).
[185] «
تحفة الأشراف» (12/ 62) (16540).
[186]
في (ب): (والضمير).

(1/54)


[187]
متابعةُ هلالٍ أخرجها الحافظ في «تغليق التعليق» (2/ 17) بسنده من طريق الذُّهْليِّ في جمعه لحديث الزُّهريِّ «الزُّهريات»، وانظر «فتح الباري» (1/ 38).
[188] «
ميزان الاعتدال» (4/ 313) (9266).
[189] «
المغني في الضعفاء» (2/ 714) (6776).
[190]
أبي: ليس في (ب).
[191] «
التوضيح» (2/ 319)، ولعلَّ كلام ابن الملقن عن محمَّد بن هلال بن ردَّاد، لا عن أبيه هلال؛ فقد قال: (هلال بن ردَّاد ... روى عنِ الزُّهري، وعنه ابنه أبو القاسم محمَّد، قال الذُّهْليُّ: كان كاتبًا لهشام، ولم يذكره البخاري في «تاريخه»، ولا ابن أبي حاتم في «كتابه»، وإنَّما ذكر ابن أبي حاتم ولده محمَّدًا، وليس له ذكر في الكتب الستة، قال ابن أبي حاتم: «هلال بن ردَّاد مجهول ... »)، قلت: لعله يريد: قال ابن أبي حاتم: «محمَّد بن هلال بن ردَّاد مجهول»؛ حتى لا يَرُدَّ آخِرُ الكلامِ أَوَّلَه؛ فقد سلفَ نقلُه عنِ الذُّهْليِّ أنَّه ليس لهلالٍ ترجمةٌ في «الجرح والتعديل»، فليتنبه، وانظر ترجمة ولدِه محمَّدِ بنِ هلال في «الجرح والتعديل» (8/ 116).
[192] «
تهذيب الكمال» (30/ 333 - 334).
[193]
في غير (ب): (في «التعبير»، وفي «التفسير»).
[194]
تقدمت: سقطت من (ب) و (ج)، وقد تقدمت اللغات قريبًا في ضبط (يوسف).
[195]
انظر «تهذيب الكمال» (32/ 551)، و (28/ 303).
[196]
أي: ترجف بوادره، والمراد: أنَّ أصحاب الزُّهري اختلفوا عنه؛ فتابع هلال بن ردَّاد عقيلًا فروياه: (يرجف فؤاده)، وقال يونس ومعمر: (ترجف بوادره).

(1/55)


[
حديث: كان رسول الله يعالج من التنزيل شدة]
5#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): هو الوضَّاحُ بنُ عبد الله الحافظ اليَشْكُريُّ، ثقةٌ، توفِّي سنةَ (176 هـ) [1]، أخرجَ له الجماعةُ [2].
قوله: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): هو عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ، وللعبَّاس أولادٌ؛ عشرةُ ذكورٍ.
وإذا أُطلِقَ ابنُ عبَّاسٍ؛ فالمرادُ: عبدُ الله هذا، وهذا أوَّلُ حديثٍ وقعَ لابنِ عبَّاسٍ في هذا الصحيح، وقد روى له بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ الحافظُ في «مسنده» ألفَ حديثٍ، وسِتَّ مئةِ حديثٍ، وستِّينَ حديثًا.
وقد أخرجَ له الشيخانِ خمسةً وتسعينَ حديثًا منها، وانفردَ البخاريُّ منها بمئةٍ وعشرينَ [3]، ومسلمٌ بتسعةٍ وأربعينَ.
فائدةٌ: اعلم أنَّ ابنَ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أحدُ المكثرينَ السِّتَّة أو السبعة، ولكن غالب ما روى عنِ الصحابة، والذي سمعه منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قليلٌ جِدًّا في جَنْبِ ما رَوى، وقد روى له البخاريُّ حديثًا في (باب كيف الحشر): «إنَّكم ملاقو الله حُفاةً عُراةً مشاةً غُرلًا» [خ¦6524]، وقد عقَّبَه سفيانُ _وهو ابنُ عُيينةَ_ بقولِه: هذا ممَّا نَعُدُّ أنَّ ابنَ عبَّاسٍ قال: (سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) انتهى.
قال الغزاليُّ في «المستصفى»: (إنَّه لم يسمع إلَّا أربعةَ أحاديثَ؛ لصِغَرِ سِنِّه) انتهى.
وقال غيرُه: له تسعةُ أحاديثَ، أو عشرةٌ.
وقال أبو جعفرٍ محمَّدُ بنُ الحسنِ البغداديُّ في كتابه: (وقد سألتُ أبا داودَ؛ قلتُ: ما سمعتَ مِن يحيى بن معينٍ يقولُ في روايةِ ابنِ عبَّاسٍ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟
قال: سمعتُه يقولُ روى عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تسعةَ أحاديثَ، قال: وذكر عنه أنَّه قال: (قُبِضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا ختينٌ [4]، ابنُ أربعَ عشرةَ [5] سنةً، فكانَ الناسُ يُعَزُّونَنِي).
وسُئِلَ غُنْدرٌ: كم روى ابنُ عبَّاسٍ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سماعًا؟ قال: عشرةَ أحاديثَ.
قال [6] بعضُهم: ناظرتُ [7] يحيى بنَ سعيدٍ القطَّانَ في روايةِ ابنِ عبَّاسٍ عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (له تسعةُ أحاديثَ).
وقال الحافظُ شمسُ الدين ابنُ قيِّمِ الجوزيَّةِ في «الهدى» في (رضاع الكبير): [(إنَّه سمع منه دونَ العشرينَ] [8] حديثًا، وسائِرُها عنِ الصحابةِ) [9].

(1/56)


[
قوله: (جَمْعُه لَكَ فِي صَدْرِكَ)] [10]: رواهُ الأصيليُّ بسكونِ الميمِ، وضمِّ العين، وضمِّ راء (صَدْرُكَ)؛ أي: جمْعُه صدرُك، وغيرُه: بفتح الميم، و (صدرُك) فاعلٌ، ولأبي ذرٍّ: (جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ)؛ بفتح الجيم، وإسكان الميم؛ ومعناه: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يُحَرِّكُ شفتيه بما سمعَه مِنْ جبريلَ عليه السلام [11] استعجالًا بحِفْظِه، فنزلتْ.
قوله: (فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ): الاستماعُ والإصغاءُ والإنصاتُ: السكوتُ.
قوله: (وَأَنْصِتْ): هو بفتح الهمزة رباعيٌّ، وَوَصْلِها ثلاثيٌّ؛ لُغتان، وفي «القاموس»: (نصت، وأنصت، وانتصت؛ بمعنى: سَكَتَ).
==========
[1]
في (ب): (172 هـ)، وهو خطأ.
[2] «
تهذيب الكمال» (30/ 441).
[3]
زيد في (ب): (حديثًا).
[4]
في (ب): (ختن).
[5]
في (ب): (عشر).
[6]
في (ب): (وقال).
[7]
في (ب): (بالحديث).
[8]
ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (عشرة أحاديث، وقال بعضهم).
[9] «
زاد المعاد في هدى خير العباد».
[10]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[11] (
عليه السلام): مثبت من (ب).
[
ج 1 ص 14]

(1/57)


[
حديث: كان رسول الله أجود الناس]
6#
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): هو لقبٌ، واسمُه عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ جَبَلَةَ بنِ أبي روَّاد العَتَكِيُّ المِروزيُّ، أبو عبد الرحمن الحافظ، تصدَّقَ بألفِ ألفٍ، وعاش ستًّا وسبعين سنةً، وتوفِّي سنةَ (221 هـ)، قال بعضُهم: إنَّما قيل له [1]: (عبدان)؛ لأنَّ كنيتَه: أبو عبد الرحمن، واسمُه: عبد الله، فاجتمعَ في اسمِه وكُنيتِه العبدان، وتعقَّبَه بعضُهم، فقال: هذا لا يصحُّ، بل ذلك مِن تغيير العامَّة للأسامي وكسرِها لها في زمن صِغَرِ المُسَمَّى، أو نحو ذلك.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ: حَدَّثَنَا [2] يُونُسُ [3]): (عبدُ الله) [4]: هذا هو ابنُ المبارك، شيخُ خُراسان، ترجمتُه معروفةٌ؛ فلا نُطوِّلُ بها.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو ابنُ شهابٍ المذكور، تقدَّم أنَّه محمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ الله بنِ شهابٍ.
قوله: («ح»: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): اعلم أنَّ هذا أوَّلُ مكانٍ وقعَ فيه التحويلُ، واعلم أنَّها جرتْ عادةُ أهل الحديث إذا كان للحديث إسنادان فأكثرَ، وجمعوا بين الأسانيد في متنٍ واحدٍ، إذا انتقلوا مِن سندٍ إلى سندٍ آخرَ؛ كتبوا بينهما حاءً مفردةً مهملةً صورة (ح)، والذي عليه عملُ أهلِ الحديث أَن يَنطِقَ القارئُ بها كذلك [5] مفردةً، واختارَه أبو عمرو بن الصلاح، وذهب الحافظُ عبد القادر الرُّهاويُّ إلى أنَّ القارئَ لا يلفظُ بها، وأنَّها حاءٌ مِن حائل؛ أي: تحوُّل بين الإسنادين، وأنكر كونَها مِن قولهم: الحديث وغير ذلك، لمَّا سأله ابنُ الصلاح عن ذلك، قال ابنُ الصلاح: (وذاكرت فيها بعضَ أهل العلم مِن أهل الغرب [6]، وحكيتُ له عن بعضِ مَن لقيتُ مِن أهل الحديث أنَّها حاءٌ مهملةٌ؛ إشارةً إلى قولنا: «الحديث»، فقال لي: أهل الغرب _وما عرفتُ بينهمُ اختلافًا_ يجعلونها حاءً مهملة، ويقول أحدُهم إذا وصل إليها: الحديث).
قال ابن الصلاح: (وحكى لي بعضُ مَن جمعتني وإيَّاه الرحلةُ بخُراسان عمَّن وصفَه بالفضل مِنَ الأصبهانيِّينَ: أنَّها مِنَ التحويل مِن إسنادٍ إلى إسنادٍ آخرَ).

(1/58)


وقال ابن الصلاح: (وجدتُ بخطِّ الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابونيِّ، والحافظ أبي مسلمٍ عمرَ بنِ عليٍّ الليثيِّ البخاريِّ، والفقيه المحدِّث أبي سعيد الخليليِّ في مكانها بدلًا عنها «صح» صريحةً، قال: وهذا يُشعرُ بكونِها رمزًا إلى [7] «صح»، وحَسُنَ إثباتُ «صح» ههنا؛ لئلَّا يُتوهَّم أنَّ حديث هذا الإسناد سقطَ، ولئلَّا يُرَكَّب الإسنادُ الثاني على الأوَّل، فيُجعلا إسنادًا واحدًا).
وأمَّا (بِشْرُ)؛ فهو ابنُ محمَّدٍ، وهو بموحَّدةٍ، وشينٍ معجمةٍ، مِروزيٌّ، انفرد البخاريُّ بالإخراج له، ذكره ابنُ حِبَّانَ في «الثقات» [8]، توفِّي سنةَ (224 هـ) [9].
قوله: (نَحْوَهُ): هو منصوبٌ مفعولُ (وَحَدَّثَنَا)، وهذا معطوفٌ على السند قبلَه، لا تعليقًا؛ فاعلمه.
والضميرُ في (نحوَه)؛ أي: نحوَ الحديث الآتي بعدَه، وهذا خلافُ عمل الناس في عودِ الضميرِ، والله أعلم.
[
ج 1 ص 14]
قوله: (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ): رفعُ الدالِ مِن (أَجْوَدُ) أصحُّ وأشهرُ، قاله النوويُّ في «شرح مسلم» [10]؛ أي: كان أجودُ أكوانِه [11] رمضانَ؛ أي: أحسن أيَّامه فيها، فهو مبتدأٌ مضافٌ إلى المصدرِ، وخبرُه (رَمَضَانَ).
والنصبُ على أنَّه خبرُ (كَانَ)، وفيه بُعْدٌ؛ لأنَّه يلزمُ منه أنَّ [12] خبرَها هو اسمُها، ولا يصحُّ إلَّا بتأويلٍ بعيدٍ.
وقال المُحِبُّ الطبريُّ عن شيخِه محمَّد بن أبي [13] الفضل السُّلميِّ: (بالرفع، ولا يجوزُ فيه النصب ... ) إلى آخر كلامه.
وقال بعضُ مشايخي: إنَّ ابنَ مالكٍ سُئل عن ذلك، فذكر للرفعِ ثلاثةَ أوجهٍ، وللنصبِ وجهين، ثمَّ قال: (وفي ذهني أنَّه رجَّحَ الرفعَ، وأنَّ القُرطبيَّ إمَّا رجَّح النصبَ، وإمَّا جزمَ به) انتهى.
قوله: (فَلَرَسُولُ اللهِ): هو بفتح اللَّام، والذي كنتُ أفهمُه أنَّها لامُ الابتداء، دخلت تأكيدًا، ورأيتُ بعضَهم قال: إنَّها لامُ القَسَمِ، والله أعلم.
وشيخُنا الشَّارحُ لم يتعرَّض لها، إلَّا أنَّه قال: (إنَّها مفتوحةٌ).
قوله: (مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ [14]): يعني: إسراعًا وعمومًا، وقيل: عطاؤه عامٌّ؛ كالريح.

(1/59)


[
حديث أبي سفيان: أنَّ هرقل أرسل إليه في ركب من قريش]
7#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ [الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ [1]]: أَخْبَرَنا [2] شُعَيْبٍ): اعلم أنَّ (أبا اليمان) اسمُه الحكمُ بنُ نافعٍ، وكذا جاء في بعض النسخ مُسَمًّى منسوبًا [3] إلى أبيه، وهي في هامش أصلنا مصحَّحٌ عليها، وأنَّه احتجَّ به الشيخانِ عن شعيبٍ؛ وهو ابنُ أبي حَمْزةَ، وقد روى لأبي اليمان الأئمَّةُ السِّتَّةُ، وقد صحَّحَ عليه في «الميزان».
وقال المفضَّل الغلَابيُّ [4] عنِ ابن معين: (سألتُ أبا اليمان عن حديثِ شعيبٍ، فقال: ليس هو مناولةً، المناولةُ لم أُخرِجْها [5] إلى أحدٍ).
وقال (سعيد البرذعيُّ [6]: سمعتُ أبا زُرعة يقول) [7]: (لم يسمعْ من شعيبٍ إلَّا حديثًا واحدًا، والباقي إجازة) انتهى.
وقيل: استحلَّ أن يقول: حدَّثنا شعيبٌ، فيما هو بالإجازة؛ لكونه نَسَخَ مِن أصل شعيبٍ، وكلامُ النَّاس [8] في ذلك معروفٌ؛ فلا نُطَوِّل به.
قال الذَّهبيُّ: (وهو ثبتٌ في شعيبٍ عالمٌ به).
وقد حُكي عن قومٍ: جوازَ إطلاقِ (حدَّثنا) و (أخبرنا) في الرواية بالإجازة مطلقًا.
قال القاضي عِياض: (وحُكي ذلك عنِ ابنِ جُريجٍ، وجماعةٍ من المتقدِّمين).
وحَكَى الوليدُ بنُ بكرٍ: أنَّه مذهب مالك وأهل المدينة، وذهب إلى جوازِه إمامُ الحرمينِ، وخالَفَه غيرُه من أهل الأصولِ [9] في المناولة.
فحُكي [10] عن جماعة منهم ابنُ شهابٍ الزُّهريُّ، ومالكُ بنُ أنسٍ: جوازُ إطلاق (حدَّثنا) و (أخبرنا) في المناولة، وهذا لائقٌ بمذهب مَن يرى عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعًا، والله أعلم.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو ابنُ شهابٍ، أبو بكرٍ العالمُ المشهورُ، تقدَّم.
قوله: (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ [بْنَ حَرْبٍ] أَخْبَرَهُ): هو صخرُ بنُ حَرْبِ بنِ أُميَّةَ بنِ عبدِ شمسٍ، والدُ معاويةَ، صحابيٌّ مشهورُ الترجمة، وسأذكرُه بأطولَ مِن هذا، وأذكرُ تاريخَ وفاتِه في (الجنائز) إن شاء الله تعالى ذلك وقدَّرَه [خ¦1280].

(1/60)


قوله: (أَنَّ هِرَقْلَ): هو بكسر الهاء، وفتح الراء على المشهور، وحَكى غيرُ واحدٍ _منهمُ الجوهريُّ في «صحاحه» _ إسكان الراء، وكسر القاف، ولم يذكر بعضُهم غيرَه، ولا ينصرفُ؛ للعُجمة والعلميَّة، ولقبه: قيصر، وكذا كلُّ مَن مَلَك الروم يقال له: قيصر، و (النجاشيُّ): لكلِّ مَن ملَك الحبشة، ويُسمِّيه المتأخِّرون: الأَمْحريَّ، وكذلك (خاقان) لمَن ملَك التُّرْك، و (تُبَّع) لمَن ملَك اليمن، فإنْ ترشَّحَ للمُلْك؛ سُمِّي قَيْلًا، و (بَطْلَميُوس) لمَن ملك اليونان، و (الفِطْيَوْن) لمَن ملَك اليهود، هكذا قاله ابنُ خُرْدَارْبَه [11]، والمعروف مالَخ، ثمَّ رأس جالوت، و (النُّمْرود) _ بضمِّ النون، وبالدال المهملة _ لمَن ملَك الصابئة، و (دُهْمَن) و (فَغْفُور) لمَن ملَك الهند، و (غانة) لمَن ملك الزّنْج، و (فِرعون) لمَن ملَك مصرَ والشَّام، فإن أُضيف إليهما الإسكندريَّة؛ سُمِّيَ: (العزيز) ويُقال: (المُقوقِس)، و (كِسرى) لمَن ملَك العجم، و (جالوت) لمَن ملَك البربر، و (الإخشيذ) [12] لمَن ملَك فَرْغانَة، و (النُّعمان) لمَن ملَك العرب مِنْ قِبَلِ العَجَم، و (جرجير) لمَن ملَك إفريقيَّة، و (شهرمان) لمَن ملَك خِلاط، و (فور) لمَن ملَك السِّند، و (الأصفر) لمَن ملَك عَلوى، و (رتيبل) لمَن ملَك الخَزَر، و (كابل) لمَن ملَك النُّوبة، و (ماجد) لمَن ملَك الصَّقالِبَة، ونقل [13] السُّهيليُّ قولًا: أنَّ (مأرب) اسمٌ لكلِّ مَن ملَك سبأ.
وأصل قيصر: البقير [14]، وكان أوَّلَ مَن سُمِّى به بقيرًا [15]، والقافُ غيرُ صافيةٍ [16] على لُغتِهِم، وذلك أنَّ أُمَّه لمَّا أتاها الطَّلْق به؛ ماتت، فبقر [17] بطنها، فخرجَ حيًّا.
فائدة: الكتابةُ إلى هِرقلَ كانت سنةَ خمسٍ، قاله خليفة، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الكتابة كانت في المدَّة التي مادَّ فيها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا سفيان وكفَّارَ قريش [18]، والمدَّةُ كانت في السادسة في الحديبية في ذي القعدة، وقال أبو عمر: كان بعث الكتابة سنة سِتٍّ.
وقال محمَّد بن عُمر: (لقيه بحمص، فدفع إليه الكتاب في المحرَّم سنةَ سبعٍ مع دحْية، فكتب قيصر يقول: «إنِّي مسلمٌ، ولكنِّي مغلوبٌ على أمري»، فلمَّا قرأ الكتاب؛ قال: «كَذَبَ عدوُّ الله، ليس هو بمسلمٍ، بل هو على نصرانيَّته»).

(1/61)


وفي «سيرة ابن سيِّد الناس»: (أنَّ الكتابة سنةَ سبعٍ، وفيها اتَّخذ الخاتم لختم الكُتُب)، وقال ابن القيِّم: (إنَّه همَّ بالإسلام وكاد ولم يفعلْ)، وقيل: بل أسلم، وليس بشيءٍ.
وقد روى: أبو حاتم بن حِبَّان في «صحيحه»، فذكر حديثًا عن أنس، وفيه: فأمر قيصر مناديه فنادى: ألا إنَّ قيصر اتَّبع محمَّدًا وترك النصرانيَّة، فأقبل جندُه وقد تسلَّحوا، فقال لرسولِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قد ترى أنِّي خائفٌ على مملكتي، ثمَّ أمر مناديه فنادى: ألا إنَّ قيصر قد رَضِيَ عنكم، وكتب إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [19]: إنِّي مسلمٌ [20]، وبعث إليه بدنانير، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كَذَبَ عدوُّ الله، ليس هو بمسلمٍ، بل هو على نصرانيَّته».
والكلامُ عليه كثيرٌ جدًّا، ويكفي هذا، وقد وقع في «الاستيعاب» في ترجمة دحْية: (أنَّ هرقل آمنَ) انتهى.
ولم يذكرْه أحدٌ في الصحابة، وكيف وقد قاتل الصحابةَ في مؤتة، وواعدَهم أن يأتيَهم في العام المقبل، فنزل عليه الصَّلاة والسَّلام لأجله لتبوك [21]، فلم يجئ، ثمَّ أُخذتِ البلادُ منه إلى أنْ هَلَكَ سنةَ عشرين مِنَ الهجرة بالقسطنطينيَّة على نصرانيَّته.
تنبيه: وذكر السُّهيليُّ في «روضه» في غزوة تبوك: (لم يذكرِ ابنُ إسحاقَ في غزوة تبوك ما كان مِن أمر هرقل، فإنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كتب إليه مِن تبوك مع دحْية بن خليفة، ونصُّه مذكورٌ في الصحاح مشهورٌ، فأمر هرقلُ مناديًا يُنادي: ألا إنَّ هرقلَ قد آمن بمحمَّدٍ واتَّبَعَه، فدخلتِ [22] الأجناد في سلاحها وطافت بقصره [23] تريد قتله؛ فأرسل إليهم: أردتُ أن أختبر صلابتَكم في دينكم [24] فقد [25] رضيت، ورضُوا عنه، ثمَّ كتب مع دحْية إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول فيه: «إنِّي مسلمٌ، لكنِّي مغلوبٌ على أمري»، وأرسل إليه بهديَّةٍ، فلمَّا قرأ الكتاب؛ قال: «كَذَبَ عدوُّ الله، ليس هو بمسلمٍ»، وقَبِلَ هديَّتَه وقَسَمَها بين المسلمين) انتهى [26]
وهذا [27] مخالفٌ [28] لما في «الصحيح» مِنْ أنَّ الكتابةَ كانت في الهدنة، فلعلَّ هذه الكتابة كانت مرَّتين، وفيه وقفة، ومِنَ الغريب قبولُ هديَّتِه، وقد أطلتُ فيه الكلامَ في تعليقي على «سيرة ابن سيِّد الناس» [29] في (كتبه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى الملوك)؛ فانظرْه إن أردتَه.

(1/62)


قوله: (فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ): قال الإمام العالم جلال الدين ابنُ شيخنا شيخ الإسلام البُلقينيِّ ما لفظُه: (سُمِّيَ مِنَ الرَّكْب: المغيرةُ بن شعبة)، وذلك في «مصنَّف ابن أبي شيبة» بإسنادٍ صحيحٍ ... ) إلى أَن قال: (وفيما علَّقتُه عن والدي: أنَّ هذه الرواية يُعارضُها أنَّ المغيرةَ كان مسلمًا في الحديبية، وأسلم عام الخندق، فيَبْعُدُ أَن يكون حاضرًا وهو مسلمٌ ويسكت؛ لأنَّ الكتاب كان في هُدنة الحديبية)، قال: (وفيما علَّقتُه عنه أنَّه قيل: إنَّ عِدَّتَهم أنَّهم كانوا ثلاثين رجلًا) انتهى.
وقال شيخُنا الشَّارح: (وفي بعض طرق هذا الحديث: أنَّهم كانوا ثلاثين رجلًا؛ منهم أبو سفيان) انتهى.
وفي رواية ابن السَّكَن: (أنَّهم كانوا نحو عشرين)، قاله بعض حُفَّاظ العصر.
وإذا كان كذلك [30]؛ فقوله: (مِنْ قُرَيْشٍ) فيه مجازٌ؛ لأنَّ المغيرةَ مِنْ ثقيفٍ، وقد جزم ابنُ عبد البَرِّ: بأنَّ المغيرةَ أسلم عامَ الخندق، وقَدِمَ مُهاجرًا، وقيل: أوَّلُ مَشاهِدِه الحديبية.
[
ج 1 ص 15]
قوله: (وَكَانُوا تِجَارًا): هو بكسرِ التَّاء وتخفيف الجيم، ويجوزُ ضمُّ التَّاء وتشديدُ الجيم؛ لُغتان، جمع: (تاجِر)، ويُقال أيضًا: (تَجْر)؛ كصاحب وصَحْب.
[
قوله: (بِالشَّأْمِ): هو الإقليمُ المعروفُ، وفي حِفظِي: أنَّهم كانوا بغَزَّة، ثمَّ رأيتُه منقولًا معزوًّا، و (الشَّأْمُ)؛ بهمزةٍ ساكنةٍ؛ مثلُ: (رَأْس)، ويجوزُ تخفيفُه بحذفها كما في (راس) وشبهه، وفيه لغةٌ أُخرى: (شآم)؛ بالمدِّ، حكاها جماعةٌ_والشينُ مفتوحةٌ بلا خِلاف_ قال ابنُ قُرقُول: (وأباها أكثرُهم)، وهو مذكَّر، هذا المشهور، وقال الجوهريُّ: (يذكَّر ويؤنَّث) انتهى.
ويُنسَب إليه: (شأميٌّ)؛ بالهمز وحذفه مع الياء، و (شآم)؛ بالمدِّ من غير ياء؛ كـ (يمان)، قال سيبويه وغيره: (ويجوز «شآميٌّ»؛ بالمدِّ مع الياء)، ومَنَعَه غيرُه؛ لأنَّ الألفَ عوضٌ من ياء النسب، فلا يُجمَع بينهما، والصحيحُ جوازُه.
وأمَّا تسميتُه: (شامًا)؛ فهو معروفٌ.
وأمَّا حدُّه؛ فالمشهورُ: أنَّه مِنَ العريش إلى الفرات طولًا، وقيل: إلى بالس، وأمَّا العرض؛ فمِن أجأ وسَلْمى إلى بحر الرُّوم وما سامتَ ذلك.
قال ابن عساكر في «التاريخ»: (إنَّ الشامَ دخلَه عشرةُ آلافِ عينٍ رأتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) انتهى.

(1/63)


وقد دخله عليه السلام مع عمِّه أبي طالبٍ [31]، واجتمع به بحيرا، ومرَّة ثانيةً: في تِجارة خديجة مع غلامها ميسرة _وميسرةُ لا أعرفُ له إسلامًا، والظاهرُ: أنَّه ماتَ قبلَ النُّبُوَّة_ ودخلَه ليلةَ الإسراء على الصحيح أنَّه يقظة، ومرَّة رابعة: إلى تبوك، والله أعلم] [32].
قوله: (فِي الْمُدَّةِ ... ) إلى آخر الكلام: كان الصلح بينهم على أَنْ يدخُلَ مكَّة في العام المقبل وكذا وكذا، ووضعِ الحرب عشرَ سنين.
قال ابنُ إسحاقَ: (صالَحهم عَلى ترْكِ الحربِ عشرَ سنين)، وكذا قال ابن سعدٍ.
وقال موسى بن عُقبة: (إنَّ الصلح كان على سنتين)، وكذا عنِ ابن عائذٍ، عن محمَّد بن شعيب، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن عكرمة، عنِ ابن عبَّاس: (أنَّ مُدَّةَ الصلح كانت إلى سنتين).
وقد روى أبو داود: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صالَحَهُم على ترك الحربِ عشرَ سنين).
وقد روى الحاكمُ في «المستدرك» في (البيوع) عنِ ابن عمر: (أَنَ الهُدنةَ بينه عليه الصَّلاة والسَّلام وبين أهل مكَّة بالحديبية أربعُ سنين)، قال الحاكم: صحيح، قال الذَّهبيُّ في «تلخيصه»: (بل ضعيفٌ؛ فإنَّ عاصمًا ضعَّفوه، وهو أخو عُبيد الله بن عمر) انتهى.
قوله: (بِإِيلِيَاءَ): إِيلِياء: هي بيتُ المقدس، وفيها ثلاثُ لغات:
أشهرُها: كسر الهمزة [واللَّام]، وإسكان الياء بينهما، وبالمدِّ.
والثانية: مثلُها إلَّا أنَّه مقصورٌ.
والثالثة: بحذف الياء الأولى، وإسكان اللَّام، وبالمدِّ، حكاهُنَّ في «المطالع»، قال: (قيل: معناه: بيت الله) انتهى [33]
ووقع في «مسند أبي يعلى [34]» في مسند ابن عبَّاسٍ: (الإيلياء [35]؛ بالألف واللَّام)، قاله النوويُّ واستغرَبَهُ.
قوله: (وَحَوْلَهُ): هو بالنصبِ ظرفُ مكانٍ.
قوله: (بِتَرْجُمَانِهِ): هو بفتح التَّاء أفصحُ مِن ضمِّها، والجيمُ مضمومةٌ ومفتوحة.
قال الجوهريُّ: (وقد ترجم كلامَه؛ إذا فسَّرَه بلسانٍ آخرَ، ومنه: التَّرجُمان، والجمع: التراجم [36]، مثل: زَعْفران وزَعافر، ويقال: تَرجُمان، ولك أن تضمَّ التَّاء؛ لضمَّة الجيم) انتهى.
فهذه ثلاثُ لُغات، والتَّاء فيه أصليَّةٌ، وأُنكِر على الجوهريِّ جعلُها زائدةً، وتبعه ابن الأثير في «نهايته»، وقد أخرجه [37] في (التاء) لكن قال: (والتاء والنون زائدتان).
وهذا الترجمان لا أعرفُ اسمَه.
قوله: (أَدْنُوهُ): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ سهلٌ.

(1/64)


قوله: (عِنْدَ ظَهْرِهِ): معناه: لئلَّا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كَذَب، وجاءتْ هذه العِلَّةُ مِن كلام هرقل في بعض طرق الحديث.
قوله: (فَإِنْ كَذَبَنِي): هو بتخفيفِ الذال؛ أي: حدَّثني حَديثَ كَذِبٍ.
قوله: (لَوْلَا [38] الْحَيَاءُ): سيأتي تعريفُ الحياء في (كتاب الإِيمان) إن شاء الله تعالى.
قوله: (يَأْثرُوا): بضمِّ الثاء وكسرها؛ أي: يحكوه عنِّي ويتحدَّثوا به، يقال: أثرتُ الحديثَ _مقصور [39]_ آثرُه _بالمدِّ وضمِّ الثاء وكسرها_ أَثْرًا _ساكنة الثاء_: حدَّثْتُ به.
قوله: (لَكَذَبْتُ عَنْهُ): أي: عليه، وقد جاء ذلك في رواية الأصيليِّ.
تنبيه: ذَكَرَ أبو الفتح اليَعمُريُّ في «سيرته» قال: (ويُروى في خبر أبي سفيانَ أنَّه قال لقيصر لمَّا سأله عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: أيُّها الملك؛ أَلَا أُخبرُك عنه خبرًا تعرِفُ به أنَّه [40] قد كَذَب، قال: وما هو؟ قال: إنَّه زعم لنا أنَّه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة، فجاء مسجدَكم هذا _مسجد إيلياء_ ورجع في تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال: صدقَ [أيُّها الملكُ]، قال: وما علمكَ بهذا؟ قال: إنِّي كنتُ لا أنام ليلةً حتَّى أُغلق أبوابَ المسجد، فلمَّا كانت تلك الليلة؛ أغلقتُ الأبواب كلَّها غيرَ بابٍ واحدٍ غلبني، فاستعنتُ عليه عُمَّالي ومَن يحضُرُني، فلم نستطع أن نحرِّكَه كأنَّما نزاولُ جبلًا، فدعوتُ النَّجَّارين، فنظروا إليه فقالوا: هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحرِّكه حتى نصبح فننظر من أين أُتِي؟ فرجعتُ وتركتُ البابين مفتوحين، فلمَّا أصبحتُ؛ غدوتُ عليهما؛ فإذا الحَجَرُ الذي في زاوية المسجد منقوب، وإذا فيه أثرُ مربط الدابَّة، فقلت لأصحابي: ما حُبس هذا الباب هذه الليلة إلَّا على نبيٍّ، وقد صلَّى الليلةَ في مسجدنا هذا، فقال قيصر: يا معشرَ الروم؛ ألستم تعلمون أنَّ بين عيسى وبين الساعة نبيًّا بشَّرَكم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعلَه اللهُ فيكم، قالوا [41]: بلى، قال: فإنَّ اللهَ قد جعله في غيركم، في أقلَّ منكم عددًا، وأَضيقَ منكم بلادًا، وهي رحمةٌ يضعُها حيث يشاء) انتهى [42]
قوله: (كَانَ أَوَّلَ): هو بنصب اللَّام، ويجوزُ رفعُها.

(1/65)


قوله: (قَطُّ): هي بفتح القاف، وتشديد الطاء المضمومة؛ ومعناها: الزمان، وبضمِّ القاف والطاء مع التشديد، وبضمِّ الطاء مخفَّفة، ويُضمَّان كذلك: قَطُّ وقُطُّ وقَطُ وقُطُ، فهذه أربع لغات ذكرها الجوهريُّ، أقلُّها الأخيرة؛ وهي ضمُّ القاف والطاء مع التخفيف.
قوله: (مِنْ مَلِكٍ): رُوي على وجهين؛ أحدُهما: بكسر ميم (مِنْ)، وكسر لام (ملِك)، وثانيها: (مَن)؛ بفتح ميمها، وفتح لام [43] (ملَك) فعل ماض، وكلاهُما صحيحٌ، والأوَّلُ أصحُّ وأشهرُ، وتؤيِّدُه [44] روايةُ «مسلم» [م (1773)]: (هل كان في آبائه ملِكٌ)؛ بحذف (مِنْ)، وكذا هو في (التفسير) من هذا «الصحيح» [خ¦4553].
قوله: (سَخْطَةً): السَّخَط والسُّخْط؛ مثل: السَّقَم والسُّقْم؛ وهي الكراهية للشيء وعدم الرِّضا به، وهو مفعولٌ من أجله.
قوله: (يَغْدِرُ): هو بكسر الدال، والغدرُ: ترك الوفاء.
قوله: (كَلِمَةٌ): هي مرفوعةٌ منوَّنةٌ، فاعل.
قوله: (غَيْرُ هَذِهِ): بالضمِّ على أنَّه صفة لـ (كلمة)، ويجوز فيها النصب على الاستثناء، وبالأوَّل هو مضبوط في أصلنا.
قوله: (سِجَالٌ): أي: مرَّة على هؤلاء، ومرَّة على هؤلاء، من مساجلة المستقين على البئر بالدِّلاء، وهو بكسر السين المهملة.
قوله: (وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ): وفي نسخة: (بالصدقة)، قال الدِّمياطيُّ: (وفي «مسلمٍ» [م (1773)] من حديث مَعْمَرٍ: يأمرُنا بالصَّلاة، والزَّكاة، والصِّلة، والعفاف) انتهى.
وقد راجعتُه فوجدتُه كذلك، إلَّا أنَّ مسلمًا ذكره بطريقين؛ الأُولى: من حديث مَعْمَر عنِ الزُّهريِّ [م (1773)]، ثمَّ عقَّبه بسندٍ آخرَ عن صالحٍ عنِ الزُّهريِّ [م (1773)]، وفي آخرِه: (وزاد في الحديث ... ) فذكر [45] الزيادة، فدلَّ كلامُه أنَّ صالحًا وافقَ مَعْمَرًا في هذه ولم يخالفْه، فكان ينبغي له الإطلاقُ واختصارُ قوله من حديث مَعْمَرٍ.
قوله: (وَالْعَفَافِ): هو بفتح العين؛ وهو ترك المحارم وخوارم [46] المروءة.
[
ج 1 ص 16]
قوله: (حِينَ يُخَالِطُ [47] بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ): يعني: أُنْسَه ولطفَهُ، قال ابن قُرقُول: (ورواه المستملي، والحَمُّوي، والعُذريُّ، وابُن سفيان: «حتَّى تخالط [48] بشاشتُهُ القلوبَ»).
قوله: (بِمَا يَأْمُرُكُمْ): كذا في أصلِنا بإثبات الألف في الاستفهام، وهو قليلٌ، والجادَّةُ (بِمَ)؛ بحذف الألف.

(1/66)


قوله: (لَتَجَشَّمْتُ): أي: تَكَلَّفْتُ مَا فيه من مَشقَّةٍ، قال ابن قُرقُول: (كذا في «البخاريِّ»، وفي «مسلم»: «لَأَحْبَبْتُ»)، والأوَّل أوجه؛ لأنَّ الحُبَّ للشيءِ لا يُصَدُّ عنه؛ إذ لا يُطَّلَعُ عليه، وإنَّما يُصَدُّ عنِ العمل الذي يظهَرُ، فلا يُملَكُ في كلِّ حينٍ.
قوله: (مَعَ دحْيَةَ): (دحْية): بكسر الدال، وعليه اقتصر الجوهريُّ، وبفتحها أيضًا، وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة [49]، وباقي نسبه معروفٌ، كان مِن أجملِ الصحابة وَجْهًا، وكان جبريلُ عليه السلام يأتي النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صورتِه، كما تقدَّم.
وقد ذكر السُّهيليُّ عنِ ابن سلَّام _ وهو يحيى بنُ سلَّام_ في «تفسيره» في قوله تعالى: {تِجَارَةً أَوْ لَهُوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] قال: (كان اللَّهْوُ نظرَهم إلى وجهِ دحية لجمالِه) [50].
أسلمَ قديمًا، ولم يشهد بدرًا وشهد ما بعدَها، وتوفِّي في خلافة معاويةَ، وقُتِلَ شهيدًا باليرموك، وقد تقدَّم أنَّها سنةُ خمسَ عشرةَ، وسكن المِزَّة بقُرب دمشقَ رضي الله عنه.
والدِّحيةُ بلسانِ أهل اليمن: الرئيسُ، قاله السُّهيليُّ في بني قُريظَةَ [51].
قوله: (عَظِيمِ بُصْرَى): عظيمُها: لا أعلمُ اسمَه، وقال حافظ عصري [52]: (قيل: هو الحارثُ بن أبي شمر، وقيل: ملك غسان) انتهى [53]
وسيأتي الكلام على ملك غسان قريبًا، وأنَّه الحارث [54] بن أبي شمر.
قوله: (بُصْرَى): بضمِّ الباء مقصورة؛ بلدٌ بحوران معروفةٌ، وهي أوَّلُ بُلدان الشام فُتُوحًا، فُتحتْ سنةَ ثلاثَ عشرةَ صُلحًا.
قوله: (عَظِيمِ الرُّومِ): هو بدلٌ يجوزُ قطعُه واتباعُه، ولم يقل: (مَلِك)؛ لما يقتضيه هذا الاسمُ مِنَ المعاني التي لا يستحقُّها مَن ليس مِن أهل الإسلام، ومع ذلك فلم يُخلِهِ [55] مِن نوع إكرامٍ في المخاطبةِ؛ ليكون آخذًا بإذن الله في تليين القول لِمَن يبتدِئُه بالدَّعوةِ إلى الحقِّ.
قوله: (أَمَّا بَعْدُ): هو بضمِّ الدال وفتحها، ورفعِها منوَّنةً، وكذا نصبِها.
وفي المبتدِئِ بها خمسةُ أقوالٍ:
داودُ عليه السلام _وقيل: هو فصلُ الخِطاب، وقيل: فصل الخطاب: علم القضاء، وقطع الخصام، وقيل: معرفة البيِّنة على المدَّعي، واليمين على مَن أنكر، والله أعلم_ أو قسُّ بن ساعدة، أو كعب بن لؤيٍّ، أو يعرُب بن قحطان، أو سَحْبان.

(1/67)


وأفاد شيخُنا الشَّارح: أنَّ في «غرائب مالك» للدارقطنيِّ بسندٍ صحيح: (لمَّا جاء مَلَكُ الموت إلى يعقوب عليه السلام؛ قال يعقوب في جملة كلامٍ: أمَّا بعدُ؛ فإنَّا أهلُ بيتٍ موكَّلٌ بنا البلاء) انتهى [56]
ولو [57] ثبت هذا؛ لكان أوَّلَ مَن تكلَّم بها يعقوب.
قوله: (بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ): الدِّعاية: بكسر الدال مصدرٌ؛ كالشِّكاية [58].
قال ابن قُرقُول: (والمشهورُ في المصدر: دعاءً ودَعوى، كما قال: «ليس منَّا مَن دعا بدَعوى الجاهليَّة»، وذكر في «البارع»: «دَعاوة» [59]، وللأصيليِّ في «الجهاد»: «بدَاعِيَةِ الإسلام»؛ أي: بدَعوتِه وبالكلمةِ التي يُدعى بها إلى الإسلام، ويدخل بها فيه مَن دُعي إليه، وهو بمنزلة قوله في الحديث الآخر بعدَها: «وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ») انتهى [60]، كذا قال: (في الحديث الآخر)، وإنَّما هو في نفس الحديث المذكور.
وقال النوويُّ: («بِدِعَايَةِ»؛ بكسر الدال؛ أي: بدَعوتِه، وهي كلمةُ التوحيد) انتهى، وهو ملخَّصٌ ممَّا قبلَه.
قوله: (يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ) [61]: لإيمانِك بعيسى، واتِّباعكَ لي، بخلافِ الجاهليَّة أهلِ الأوثان الذين لَمْ يكونوا على شيءٍ مِن دينِ الله ولا كتابٍ.
قوله: (الْأَرِيسِيِّينَ) [62]: اختُلِف في ضبطها على أوجهٍ:
أحدُها: بِيَاءَيْنِ بَعْد السِّينِ.
وثانيها: بياءٍ واحدةٍ، والهمزةُ مفتوحةٌ، والراءُ مكسورةٌ مخفَّفةٌ في كلا الوجهين.
وثالثها: بهمزةٍ مكسورةٍ، وتشديدِ الراء، وياء واحدة بعد السين، وقد وقع في إحدى روايتي «البخاريِّ» و «مسلم»: (الْيَرِيسِيِّينَ) [63]، وهو ما عزاه النوويُّ وغيرُه إلى البخاريِّ هنا، وفي أصلنا: (الأَرِيسِيِّينَ) [64]، وفي الحاشية: (اليَرِيسِيِّينَ)؛ بفتح الياء، وكسر الراء، وبالسين المهملة، ويجوزُ أن يكون بدلًا مِنَ الهمزة كما في: (أَزَنِيٍّ ويَزَنِيٍّ) [65]، وبالهمز [66] أكثرُ استعمالًا [67] عند أهل اللُّغة، وفي روايات الحديث أيضًا.
وهذا بسطُ الروايات، وهي أربع غير ما في أصلنا: (الأَرِيسيِّين، الأريسين، الإِرِّيسين، اليَرِيسِيِّين).

(1/68)


واختُلف في المراد بهم، والصحيحُ المشهور: أنَّهم الأكارون؛ أي: الفلَّاحون والزَّرَّاعون؛ أي: عليك إثمَ رَعاياكَ الذين يتَّبعونَك وينقادونَ لأمركَ، ونبَّه بهؤلاء على جميعِ الرَّعايا؛ لأنَّهمُ الأغلبُ في الرَّعايا، وأسرعُ انقيادًا، وأكثرُ تقليدًا، فإذا أسلمتَ؛ أسلموا، وإذا امتنعتَ؛ امتنَعوا.
قال شيخُنا الشَّارح: وقد جاء ذلك مصرَّحًا به في «دلائل النُّبوَّة» للبيهقيِّ والطبري قال: «عليك إثم الأكارين»، ولأبي عُبيدٍ: (وإن لَمْ يدخل في الإسلام؛ فلا يحُلُّ [68] بين الفلَّاحين والإسلام)، وللبَرقانيِّ: (يعني: الحرَّاثين)، وللإسماعيليِّ: (فإنَّ عليكَ إثمَ الرَّكوسيِّين)؛ وهم أهلُ دينٍ بين النصارى والصابئين، يقال لهم: الركوسيَّة، ويُقال: إنَّ الأريسيين كانوا يحرثون أرضهم، كانوا مجوسًا، وكان الرُّومُ أهلَ كِتابٍ؛ فيُريد: إنَّ عليك مثلَ وزرِ المجوس إنْ لم تُؤمن وتُصدِّق.
وقال أبو عُبيد [69]: (هُمُ الخَدَم والخَوَل).
وقيل: الملوك والرؤساء الذين يقودون الناس إلى المذاهب الفاسدة.
وقيل: هُمُ المتبخترون [70]، فعلى هذا؛ يكون المراد: فإنَّ عليك إثمَ مَن تكبَّر عنِ الحقِّ.
وقيل: همُ اليهودُ والنصارى أتباع عبد الله بن أريس، الذي تنسب [71] إليه (الأروسيَّة) من النصارى، رجل كان في الزمن الأوَّل، قَتَلَ هو ومَن معه نبيًّا بعثَه اللهُ إليهم.
وقال [72] أبو الفتح اليعمريُّ: (اليريسيُّون: دهَّاقين القرى كانوا إذْ ذاك مجوسًا).
قوله: (وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران: 64]) [73]: هذه الواو ثبتت في رواية عبدوس، والنسفيِّ، والقابِسيِّ، وسقطت في رواية الأصيليِّ وأبي ذرٍّ، كما نبَّه عليه القاضي [74] قال: (وقد اختلف المحدِّثون فيما وقع من الأوهام في بعض التلاوة؛ فمنهم مَن أوجبَ إصلاحَها؛ لأنَّه إنَّما سِيقتْ للدلالة، ولا حجَّةَ
[
ج 1 ص 17]
إلَّا في الثابت في المصحف، ومنهم مَن قال: ينقلُها كما وقعتْ، ويُنبِّه عليها؛ لأنَّه يبعُد خفاؤها عنِ المؤلِّفِ والناقل عنه، ثمَّ على جميعِ الرواةِ حتَّى وصلتْ إلينا، فلعلَّها قراءةٌ شاذَّةٌ، ثمَّ ضُعِّفَ بأنَّ الشَّاذَّ مرويٌّ معلومٌ لا يُحتجُّ به في حكمٍ ولا يُقرَأُ به في صلاةٍ) انتهى.
ومسألةُ ما إذا وقع في الأصل لحنٌ أو خطأٌ؛ معروفةٌ في علوم الحديث، واختار أبو محمَّد بن عبد السلام فيها مذهبًا نقله عنه أبو الفتح ابن دقيق العيد، وهو ترك الصواب والخطأ.

(1/69)


قال في «الاقتراح»: (سمعتُ أبا محمَّد بن عبد السلام، وكان أحدَ سلاطين العلماء، كان يرى في هذه المسألة ما لَمْ أره لأحدٍ: «أنَّ هذا اللفظَ المختلَّ لا يُروى على الصوابِ ولا على الخطأِ، أمَّا على الصوابِ؛ فإنَّه لَمْ يُسمَع مِنَ الشَّيخ كذلك، وأمَّا على الخطأِ؛ فلأنَّ [75] سيِّدَنا رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمْ يَقُلْه كذلك»، هذا معنى ما قاله أو قريب منه) [76].
سؤال: إن قيل: ما الحكمةُ في إرسال هذه الآية دون غيرِها مِنَ الآيِ؟
وجوابه: لأنَّ هرقل نصرانيٌّ، والنصارى جمعتِ الأمورَ الثلاثة؛ فعبدوا عيسى عليه السلام وأشركوا بالله، وقالوا: إنَّ الله ثالث ثلاثة، واتَّخذوا الأحبارَ والرُّهبان أربابًا من دون الله.
فائدةٌ: قال السُّهيليُّ: (رُوِيَ أنَّ هِرقلَ وضع كتاب النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي كتب إليه في قصبةٍ مِنْ ذهبٍ تعظيمًا له، وأنَّهم لم يزالوا يتوارثونه كابرًا عن كابر في أرفع صوان وأعزِّ مكانٍ، حتى كان عند إذفونش الذي تغلَّب على طليطلة، وما أخذ أخذها من بلاد الأندلس، ثمَّ كان عند ابن بنته المعروف بالسلطين.
حدَّثني بعضُ أصحابِنا أنَّه حدَّثه مَن سأله رؤيتَه مِنْ قُوَّاد أجناد المسلمين، وكان يُعرف بعبد الملك [77] بن سعيد، قال: فأخرجه إليَّ، فاستعبرتُ وأردتُ تقبيلَه، فأخذَه مِن يدي، فمنعني مِنْ ذلك صِيانةً له، وضنًّا به عليَّ) انتهى [78]
قوله: (الصَّخَبُ): هو اختِلاطُ الأصواتِ [79] وارتفاعُها.
قوله: (لَقَدْ أَمِرَ [80]): هو بفتحِ الهمزة مقصورة، وكسر الميم، وفتح الراء؛ أي: كثُرَ وارتفعَ شأنُه.

(1/70)


قوله: (ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ): يعني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو كبشةَ: اسمُ رجلٍ تألَّه قديمًا وفارقَ دِينَ الجاهليَّة، وعَبَدَ الشِّعرى، فشُبِّهَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به [81]، وقيل: بل كانت للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُختٌ تُسمَّى كبشة _وكان أبوها [82] أبا النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الرضاعة، وهو الحارثُ بنُ عبد العُزَّى بنِ رِفاعة مِن هوازن، ذَكَرَ يونس بن بُكير، عنِ ابن إسحاقَ، عن أبيه، عن رجالٍ مِنْ بني سعدِ بنِ بكرٍ: أنَّه أدرك الإسلام، وأسلم بمكَّة_ يُكنى بها، وقيل: بل كان في أجدادِه لأُمِّه مَن يُكنى بأبي كبشةَ، وقد ذَكَرَ محمَّدُ ابنُ حبيبَ _ وحبيبُ لا ينصرفُ؛ لأنَّها أُمُّهُ، قاله النَّوويُّ، وقال السُّهيليُّ: مصروفٌ _ في «مُحَبَّرِهِ» جماعةً مِن جهة أبيه وأمه يُكنَون بأبي كبشة، وقيل: بل أبو كبشةَ الخُزاعيُّ الذي فارق دِينَ قومه؛ هو جدُّ جدِّ [83] أُمِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فائدة: اسمُ أبي كبشةَ وَجز بن غالب؛ بواو مفتوحة، ثمَّ جيم، ثمَّ زاي، ذكره ابن ماكولا، وعُزِيَ للدَّارقطنيِّ أيضًا، قال ابنُ ماكولا: (وجز بن غالب بن عامر بن الحارث، وهو غبشان، ووجز هو أبو كبشةَ الذي كانت قريشٌ تَنسب النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليه، وكان أبو كبشةَ أوَّلَ مَن عَبَدَ الشِّعرى وخالف دِينَ قومِه ... ) إلى آخرِه.
قوله: (إِنَّهُ يَخَافُهُ): هو [84] بكسر الهمزة على الاستئناف، ويجوزُ على ضعفٍ فتحُها على أنَّه مفعولٌ لأجله، وضُعِّفَ لوجود اللَّام في الخبر [85]، وقال في «المطالع»: (كذا ضبطناه بالفتح؛ أي: مِن أجل ذلك عظُم الأمر على أبي سفيان)، قال: (والكسرُ صحيحٌ على استئنافِ الإخبارِ عمَّا رآه مِن هرقل، ولا سيَّما إذا ثبتت لام التأكيد في الخبر [86]) [87].
قوله: (بَنِي الْأَصْفَرِ): همُ الروم، وجدُّهُم الأصفرُ بنُ روم بن عيصو بن إسحاق، قاله الحربيُّ، وهو الأشبه، وقال غيرُه: بل لأنَّ جيشًا من الحبش غلب عليهم في الزمان الأوَّل فوطِئَ نساءَهم، فوُلِدَ لهم أولادٌ صفرٌ فنُسبوا إليهم، قاله ابن الأنباريِّ.
قوله: (وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ): الظاهرُ أنَّ مِنْ هنا إلى آخرِ الحديثِ مِن قولِ الزُّهريِّ، واللهُ أعلم [88].

(1/71)


قوله: (ابْنُ النَّاطُورِ) [89]: بطاءٍ مهملةٍ، وعند الحَمُّوي بالمعجمة، قاله في «المطالع» [90]، قال أهل اللُّغةِ: هو ناظورة القوم وناظورهم؛ إذا كان المنظور إليه منهم، و (الناطور)؛ بالمهملة: حافظُ النخل؛ أعجميَّة تكلَّمتْ بها العرب، قال الأصمعيُّ: (هو بالمعجمة، والنبطُ يجعلونَ الظاءَ طاءً)، وقال غيرُه: هو بالمهملة حافظ النخل، وحُكِي إعجامُها، قاله الجواليقيُّ في «المعرَّب»، ولا أعرف أنا اسمَ ابن الناطور [91]، والله أعلم.
قوله: (صَاحِبَ إِيلِيَاءَ [92]): منصوبٌ على الاختصاص لا على الخبر، وخبر (كان): (يُحدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ)، وهو الأوجهُ، وقيل: (سُقُفًّا)، قاله الدِّمياطيُّ، والذي قاله ظاهرٌ، ويَحتمل أن يكون منصوبًا على الحال، ونُقل الإعرابان عنِ القاضي.
قوله: (وَهِرَقْلَ): قال الدِّمياطيُّ: (بنصب اللَّام معطوفٌ على «إيلياء»، وموضعُه خفضٌ بالإضافة) انتهى.
قوله: (سُقُفًّا): هو بضمِّ السين والقاف وتشديد الفاء، ويُروى: (أُسقفًا)؛ بضمِّ الهمزة مع تخفيف الفاء وتشديدها، والأشهرُ: ضمُّ الهمزة، وتشديد الفاء، وقال بعضُهم: إنَّ الروايةَ فيه: تخفيف الفاء، وجمعُه: أساقفة وأساقف، وفي بعضِ الأصول: (سُقِّفَ)؛ بضمِّ السين، وكسر القاف المشدَّدة؛ أي: جُعل أُسقفًا، والأُسقف للنصارى: رئيسُ دينِهِم وقاضيهم، قيل: سُمِّيَ به؛ لانحنائه وخضوعه؛ لتديُّنه عندهم.
قوله: (قَدِمَ إِيلِيَاءَ): تقدَّم الكلامُ عليها قريبًا.
قوله: (بَطَارِقَتِهِ): هو بفتح الموحَّدة: قُوَّاد ملوكِ الروم، وخواصُّ دولتهم، وأهلُ الرأي والشُّورى، وقال الخليل: (البِطريق _يعني: بكسر الباء_: العظيمُ مِنَ الروم)، قال الحربيُّ: (هو العظيمُ المختال المتعاظم المزهُوُّ، ولا يُقال ذلك للنساء)، ولفظ «النهاية»: (البطارقة من الروم: جمع بطريق؛ وهو الحاذقُ بالحرب وأمورِها بلُغة الروم، وهو ذو منصبٍ عندهم).
قوله: (حَزَّاءً): هو بفتح الحاء المهملة، وتشديد الزاي، وبالمدِّ، والحازيْ معناها [93]: المتكهِّن، يقال: حَزَى يَحْزِي ويَحزُو ويُحَزَّى.
وفسَّره في الحديث: بأنَّه (ينظر في النجوم)، ويمكن أن يريد بيانَ حَزوه؛ لأنَّ التكهُّنَ بوجوه، وقال في «الصِّحاح»: (والحَازي: الذي ينظر في الأعضاء وفي خِيلان الوجه يتكهَّن).

(1/72)


قوله: (مَلِكَ الْخِتَانِ): ضُبِط بوجهين؛ أحدُهما: (مَلِك)؛ بفتح الميم، وكسر اللام، وثانيهما: ضمُّ الميم، وإسكان اللَّام، ومعناهما صحيح، ومعناه: رأيتُ المُلْكَ لطائفةٍ تختتن.
قوله: (فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ): هو رباعيٌّ، و (شأنُهُم): مرفوعٌ فاعلٌ، وبه ضُبِط في أصلنا، ويقال: بفتح الياء على أنَّه ثلاثيٌّ، يقال: هَمَّني الأمرُ همًّا؛ أي: أحزنَنِي وأغمَّني، وأَهمَّنِي؛ إذا بالغ في ذلك.
قوله: (إِلَى مَدَائِنِ): هو بالهمز، ويجوز تركُه.
قوله: (أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ): قال شيخُنا الشَّارح: (هو الحارثُ بنُ أبي شمر) انتهى.
وكذا قال ابن شيخنا البلقينيِّ، قال شيخنا الشَّارح: (أراد حرب النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخرج إليهم في غزاة، ونزل قبيل من كندة ماء يقال له: غسَّان بالمُشلَّل، فسمُّوا به) انتهى.
والحارث
[
ج 1 ص 18]
هذا: الظاهر هلاكه على كفره، ولا أعرفُ له إسلامًا، وقد كتب إليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع شُجاع بن وهب كما ذَكَرَ الواقديُّ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد أن رجع الرسول من عنده: «باد وباد مُلكه»، وهذا ممَّا يُقوِّي أنَّه هَلَكَ على كفره، قال ابن قيِّم الجوزيَّة في غزوة تبوك: (إنَّه مات عام الفتح).
قوله: (هَذَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ): قال ابن قُرقُول: («هذا مُلْكُ هذه الأُمَّةِ»؛ يعني: بضمِّ الميم، وسكون اللام؛ هكذا لعامَّتِهِم، وعند القابِسيِّ عنِ المروزيِّ: «مَلِك»؛ يعني: بفتح الميم، وكسر اللَّام، وعند أبي ذرٍّ: «يَمْلِكُ هذه الأُمَّةَ»، وأُراها ضمَّة الميم اتَّصلتْ بها فتصحَّفت) انتهى، وعن السُّهيليِّ أنَّه وجَّهها في «أماليه»: (هَذَا يَمْلِكُ): مبتدأٌ وخبرٌ؛ أي: هذا المذكور يملِكُ هذه الأُمَّة.
وقوله: (قَدْ ظَهَرَ): جملة مستأنفة لا في موضع الصفة ولا الخبر، ويجوز أن يكون (يملك) نعتًا؛ أي: هذا رجل يملك هذه الأُمَّة، وقد جاء النعت بعد النعت ثمَّ حذف المنعوت، وهذا إنَّما هو في الفعل المضارع، لا في الماضي، قاله ابن السَّراج وحكاه عنِ الأخفش.
وعن النوويِّ أنَّه قال: (كذا [94] ضبطناه عن أهل التحقيق، وكذا هو في أكثر أصول بلادنا)، قال: (و هي صحيحة؛ ومعناها: هذا المذكور يملك هذه الأمَّة، وقد ظهر).

(1/73)


قوله: (إِلَى صَاحِبٍ لَهُ): صاحبه لا أعلم اسمَه، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ ما لفظه: (يقال: هو ضغاطِر؛ الأُسقف الروميُّ، وقيل في اسمه: بقاطر، وذكر ابن الأثير في «أسد الغابة» شيئًا [95] يدلُّ على ذلك) انتهى [96]، وكذا قال حافظ مصريٌّ: إنَّه [97] ضغاطر، انتهى، قال الذَّهبيُّ: (ضغاطر: الأُسقف الروميُّ، أسلم على يد دحية الكلبيِّ وقت الرسليَّة، فقتلوه) انتهى [98]، فانظر ما [99] بين هذين الكلامين.
قوله: (بِرُومِيَةَ [100]): قال في «المطالع»: (مخفَّفُ الياء؛ يعني: مع ضمِّ الراء، مدينةُ رِئاسة الروم وعلمهم)، كذا قيَّدناه عن جميع شيوخنا، قال الأصمعيُّ: (ومثله أنطاكية مخفَّفٌ أيضًا) انتهى، يقال: إنَّ رُوماس بناها.
قوله: (فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ): هو بفتح المثنَّاة تحت، وكسر الراء؛ أي: لَمْ يبرَح ولا فارق، يقال: رامَ يَرِيمُ رَيْمًا، وأمَّا مَن طلب شيئًا؛ فيُقال: رام الأمرَ يَرومُ، وغلط الداوديُّ في (فَلَمْ يَرِمْ)؛ فقال: (معناه: لَمْ يَصِلْ حمصَ)، وهو عكسُ ما قال.
قوله: (حِمْصَ): مدينةٌ معروفةٌ، لا تنصرفُ؛ للعُجمة والعلميَّة والتأنيث، وهي مِنَ المُدُن الفاضلة، جاء في حديثٍ ضعيفٍ: أنَّها مِنْ مُدُن الجنَّة.
ويروى في حديث وفي سنده حُمْرة _ بالحاء المهملة وبالراء _ ابن عبد كُلال، وسيأتي بما فيه، قال: سار عمر إلى الشام ... ؛ فذكر حديثًا عنه، وفي آخره: ثمَّ أَدخُلَ حمصَ، فإنِّي سمعتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «ليُبعثَنَّ منها يومَ القيامةِ سبعينَ ألفًا لا حسابَ عليهم ولا عذاب، يبعثهم فيما بين الزيتون وحائطها في البَرْث الأحمر» انتهى.
والبَرْث؛ بفتح الموحَّدة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ ثاء مثلَّثة: وهو الأرض اللَّيِّنة، وجمعُها: براث؛ وهي أرضٌ قريبةٌ مِن حمص، قُتل بها جماعةٌ من الشهداء، وهذا الحديث ذكره أحمد في «مسنده».

(1/74)


وحمرة_كما تقدَّم ضبطه_ ذكره الذهبيُّ في الحاء المهملة في «الميزان»، فقال فيه [101]: (الرُّعينيُّ: حدَّث عنه رِشدين بن سعد المصريُّ، ليس بعُمدةٍ ويُجهل) انتهى [102]، وذكره في ترجمة أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، ثمَّ قال فيه بعد ذكره هذا الحديث من عند أحمد بإسناد أحمد: (حمرةُ في كتاب «ابن أبي حاتم» بالراء كما هنا، وهو كذلك في «ثقات ابن حبَّان»، لكنَّه ذكره في أثناء مَنْ [103] اسمُه [104] حمزةُ؛ بالزاي، وهو غير معروف، قال أبو داود: سرق لابن أبي مريم [حلي] فأنكر [105] عقله، وسمعتُ أحمدَ يقول: ليس بشيءٍ) انتهى [106]
وكانت حمصُ في أوَّل الأمر أشهر بالفضل من دمشق، وقد ذَكَرَ الثعلبيُّ في «العرائس» في فضل الشام: (أنَّه نزلَ حمصَ تسعُ مئةِ رجلٍ مِنَ الصحابة).
قوله: (في دَسْكَرَةٍ [107]): هي بفتح الدال، وإسكان السين المهملتين، والراءُ والكافُ مفتوحتان [108]؛ وهي بناءٌ؛ كالقصر، حولَه بيوتٌ، وجمعُه: دساكر، وفي «النهاية»: (الدَّسْكرةُ: بناءٌ على هيئةِ القصر، فيه منازلُ وبيوتٌ للخَدَمِ والحَشَم، وليست بعربيَّة محضة) انتهى [109]، وقال شيخنا الشَّارح: (قال التِّبريزيُّ: الدَّسْكرةُ: البساتين والرياض)، قال: (وفي «جامع القزَّاز»: الدَّسْكرةُ: الأرضُ المستوية).
قوله: (يَا مَعْشَرَ الرُّومِ): همُ الجيل المعروف، وهم بنو الأصفر، وهم الإفرنج، قال الجوهريُّ: (هُم مِن ولد الروم بن عيصو، واحدهم: رُوميٌّ؛ كزنجيٍّ وزنج، فليس بين الواحد والجمع إلَّا الياء المشدَّدة).
قوله: (هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ): هو الفوزُ، والبقاءُ، والنجاة.
قوله: (وَالرّشدِ): هو بضمِّ الراء وإسكان الشِّين، وبفتحهما؛ لُغتان، وهو خِلاف الغيِّ.
قوله: (فَتُتَابِعُوا): هو بتاءين مثنَّاتين فوق، من المتابعة؛ وهي الاقتداء، وفي أصلنا: (فَتُبَايِعُوا)؛ بموحَّدة بعد التاء.
قوله: (فَحَاصُوا): أي: نفروا وكرُّوا راجعين، وقيل: جالوا، والمعنى قريب.
قوله: (آنِفًا): هو بالمدِّ والقصر، وهما لغتان قُرئ بهما في السبع؛ أي: قريبًا أو الساعة، وقيل: أوَّل وقت كنَّا فيه، وكلُّه من الاستئناف والقرب.
قوله: (رَوَاهُ صَالِحُ): هو صالح بن كيسان، وروايته عنِ الزُّهريِّ أخرجها البخاريُّ في (الجهاد) [خ¦2940].

(1/75)


قوله: (وَيُونُسُ): هو يونس بن يزيد الأيليُّ، وروايته أخرجها البخاريُّ في (الاستئذان) عن محمَّد بن مقاتل، عنِ ابن المبارك، عن يونس، عنِ الزُّهريِّ به [110] مختصرًا [خ¦6260]، وفي (الجزية) مختصرًا أيضًا [خ¦3174].
قوله: (ومَعْمَرٌ): تقدَّم أنَّه بإسكان العين، وهو ابنُ راشدٍ [111]، ورواية مَعْمَرٍ عنِ الزُّهريِّ أخرجها البخاريُّ في (التفسير) عن إبراهيم بن موسى، عن هشام بن يوسف، وعن [112] عبد الله بن [113] محمَّد، عن [114] عبد الرَّزَّاق؛ كلاهما عن مَعْمَر، عنِ الزُّهريِّ به [خ¦4553].
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه العَلَمُ أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ مسلمِ بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ.
==========
[1]
زيد في «اليونينيَّة»: (قال)، وليست في النسخ و (ق).
[2]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[3]
في (ب) و (ج): (منسوب).
[4]
في (ب): (العلائي)، ولا يصح.
[5]
في (ب): (أخرجه).
[6]
في (ج): (البردعي).
[7]
ما بين قوسين سقط من (ب)، وهو في (أ) بالهامش.
[8]
في (ب): (أناس).
[9]
زيد في (ج): (وبأنا).
[10]
في (ب): (وحكي)، وفي (ج): (فجاء).
[11]
في (ب): (وإخشيد).
[12]
في (ب): (والإخشيد).
[13]
في (ب): (وكان).
[14]
في (ب): (النقير).
[15]
في (ب): (نقيرًا).
[16]
في (ج): (والقاف عرضًا فيه).
[17]
في (ب): (فنقر).
[18] (
وكفار قريش): ليست في (ب).
[19]
الصلاة مثبتة من (ب) و (ج).
[20] (
إني مسلم): ليست في (ج).
[21]
في (ب): (بتبوك).
[22]
في (ب): (فدخل).
[23]
في (ب): (بقيصر).
[24] (
في دينكم): ليست في (ب).
[25]
في (ب): (وقد).
[26] «
الروص الأنف».
[27]
في (ب): (هذا)، وفي (ج): (فهذا).
[28]
في (ب): (مخالفة).
[29]
مراده كتابه «نور النبراس في شرح سيرة ابن سيد الناس» المسماة «عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير».
[30]
أي: كان فيهم المغيرة.
[31]
في هامش (أ): (انظر: دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الشام أربع مرَّات).
[32]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[33] «
مطالع الأنوار».
[34] (
أبي يعلى): ليست في (ب).
[35]
في النسخ: (الإيلا).
[36]
في (ج): (الراجم).
[37]
أي: ابن الأثير.
[38]
في (ب): (أولًا).
[39]
في (ب) و (ج): (مقصورًا).
[40]
في (ب): (تعرف بأنه).
[41]
في (ب): (فقالوا).
[42] «
عيون الأثر».
[43]
في (أ) و (ج): (اللام).

(1/76)


[44]
في (ب): (ويؤيده).
[45]
في (ب): (وذكر).
[46]
في (ب): (وجوازم)، وهو تصحيف.
[47]
في (ب): (يخالط).
[48]
في (ب): (يخالط).
[49]
زيد في (ب): (بن).
[50] «
الروض الأنف».
[51] «
الروض الأنف».
[52]
في (ب): (عصرنا).
[53] «
فتح الباري».
[54]
في (ب): (الحرب).
[55]
في (ب): (نحله).
[56] «
التوضيح».
[57]
في (ب): (فلو).
[58]
في (ب): (كالسقاية والشكاية).
[59]
في النسخ: (دُعاءه)، والمثبت من مصدره.
[60] «
مطالع الأنوار».
[61]
في هامش (ق): (لإيمانك بعيسى، ثم بمحمد).
[62]
في (ب) و (ج): (الأريسين).
[63]
في (ب) و (ج): (اليريسين).
[64]
في (ب): (الأريسين).
[65]
يقال: رمحٌ أَزَنِيٌّ ويَزَنِيٌّ؛ نسبةً إلى ملك حمير ذو يزن؛ وإنَّما سميت الأسنَّةُ يَزَنِيَّة؛ لأنَّه أوَّلُمَن عُملتْ له.
[66]
في (ب): (وبالهمزة).
[67]
زيد في (ب): (أكثر استعمالًا).
[68]
في (ب): (يخل)، وهو تصحيف.
[69]
في (ب) و (ج): (أبو عبيدة).
[70]
في (ج): (المتجبرون).
[71]
في (ب): (ينسب).
[72]
في (ب): (قال).
[73]
الآية في سورة آل عمران (64): {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
[74] «
مشارق الأنوار» (2/ 330).
[75]
في (ج): (فإنَّ).
[76] «
الاقتراح في بيان الاصطلاح» لابن دقيق العيد (ص 388 - 389).
[77]
في (ب): (الله).
[78] «
الروض الأنف».
[79] (
الأصوات): ليست في (ب).
[80]
في هامش (ق): (أي: كبر).
[81]
في (ب): (فشبه به النبي ... ).
[82]
في (ب): (أبوه).
[83] (
جد): ليست في (ب).
[84] (
هو): ليست في (ب).
[85]
أي: في روايةٍ.
[86]
في (ج): (الجر).
[87] «
مطالع الأنوار».
[88]
يرويه موصولًا عن ابن الناطور، وقد بيَّن ذلك أبو نعيم في «دلائل النبوة» بأنَّالزُّهريَّّ قال: لقيته بدمشق في زمن عبد الملك بن مروان.
[89]
زيد في (ج): (هو).
[90] «
مطالع الأنوار».
[91]
في (ب): (الناظور).
[92]
في هامش (ق): (بنصب الباء على الاختصاص لا على الخبر، وخبر «كان»: «يحدِّث أنَّ هرقل»، وهو الأوجه، وقيل: سُقُفًّا).
[93]
في (ج): (معناهما).
[94] (
كذا): ليست في (ب).
[95]
في (ب): (ما).

(1/77)


[96] (
انتهى): ليست في (ب).
[97] (
إنه): ليست في (ج).
[98] «
تجريد الصحابة» (1/ 272) (2862).
[99] (
ما): ليست في (ب).
[100]
في هامش (ق): (مدينة بالروم، يقال: إنَّها مدينة رئاستهم).
[101] (
فيه): ليست في (ب).
[102] «
ميزان الاعتدال».
[103]
في (ب): (في).
[104]
في (ب): (أنه).
[105]
في (ب): (فأنكرنا).
[106] «
ميزان الاعتدال»، وقوله في آخره: (قال أبو داود: سرق لابن أبي مريم ... ) متعلق بترجمة أبي بكر ابن أبي مريم، ولا غرض لذكره.
[107]
في هامش (ق): (بناء كالقصر حوله بيوت، والجمع: دساكر).
[108]
في (ج): (مفتوحان).
[109] «
النهاية في غريب الحديث والأثر».
[110]
في (ب): (أنه).
[111]
في (ب): (رشد).
[112]
في (ب): (عن).
[113]
في (ج): (عن).
[114]
في (ج): (بن).

(1/78)


((2)) (
كتاب الإيمان)

(1/79)


[
باب قول النبي: بني الإسلام على خمس]
قوله: (وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ): هذه المسألةُ الكلام فيها معروفٌ، فمَن أرادها؛ فينظر مظانَّها، وهي مذكورةٌ في أوَّل (كتاب الإيمان) من [1] «شرح مسلم» للنوويِّ، وكذا القطعة التي [2] له على «البخاريِّ»، وكذا «شرح المهذَّب» له، وكذا مِن شرح شيخنا وغيرها.
قوله: (إلى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ): قال الدِّمياطيُّ: (روى عن أبي الدرداء وغيرِه، مات سنة «120 هـ»، كان على قضاء الجزيرة في خلافة عمر بن عبد العزيز) انتهى، وهوَ عَدِيُّ بنُ عَدِيِّ بنِ عَمِيرةَ _بفتح العين، وكسر الميم_ أبو فروةَ الكِنْديُّ، سيِّدُ أهل الجزيرة، ثقةٌ ناسكٌ، فقيهٌ، أخرجَ له أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجه [3].
قوله: (إِنَّ لِلْإِيمَانِ): هو بكسر همزةِ (إِنَّ) على الحكاية، وليست مفتوحةً.
قوله: (فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا): الفرائضُ: ما فرض الله عزَّ وجلَّ، والشَّرائعُ: كالتوجُّهِ إلى القبلة، وصفات الصلاة، وعدد شهر رمضان، وعدد جلد القاذف، وعدد الطلاق ... إلى غير ذلك، والسُّنَن: ما أَمر به الشارعُ مِن فضائل الأعمال، فمتى أتى الشَّخص بالفرائض والسُّنن وعَرَفَ الشَّرائع؛ فهو مؤمنٌ كاملٌ، قاله ابن المُرابط، نقلَه شيخُنا الشَّارح.
وقوله: (وَحُدُودًا): هو جمعُ حَدٍّ؛ وهو المنعُ؛ أي: ممنوعات الإيمان، وهذا هو الظاهر؛ لعطفه الحدود على ما هو معطوف على (فَرَائِضَ)، وتُستعملُ الحدودُ بمعنى التفصيلات؛ أي: تفصيلات الإيمان، وكذا بمعنى الشُّروط؛ أي: شروط الإيمان، وبمعنى الطاعات، وبمعنى الأوامر، وكلُّ ذلك قد يُقال في قوله: (وحدودًا)، والأوَّلُ أظهرُ، والله أعلم، قُلتُه ولم أَرَهُ لِأَحدٍ.
قوله: (مُعَاذٌ): هو معاذُ بنُ جَبَلٍ رضي الله عنه، مشهورُ الترجمةِ.
قوله: (اجْلِسْ بِنَا): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (قال ذلك للأسود بن هلال) انتهى.
والأسودُ هذا تابعيٌّ على الصحيح، وقيل: صحابيٌّ، وهو الأسودُ بن هلالٍ المحاربيُّ، أبو سلَّام _ بالتشديد_ الكوفيُّ، أدرك الجاهليَّة، ورَوى عن عمر، ومعاذ، وثعلبة بن زهدم، وابن مسعود، وعنه: إبراهيم، وأبو حَصِين _بفتح الحاء، وكسر الصاد المهملتين_، وأشعث [4] بن أبي الشَّعثاء، وآخرون، وثَّقه ابنُ معين، مات سنة (84 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ [5].

(1/80)


قوله: (حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ): هو بالحاء المهملة، وفي آخره كافٌ مخفَّفة؛ وهو ما وقع في الخَلَد، ولا ينشرحُ [6] له الصدر، وخيف فيه الإثم، قال ابن قُرقُول: (وقال
[
ج 1 ص 19]
بعضُهم: صوابُه: حَكَّ)، قال ابن قُرقُول: (ولم يقُل: شيئًا؛ لأنَّ العربَ تقول: حاكَ يحيك، وحَكَّ يحُكُّ، واحتكَّ وأحاك؛ لغة؛ إذا تحرَّك) انتهى [7]
==========
[1]
في (ب): (في).
[2] (
التي): مثبتمن (ج).
[3]
انظر «تهذيب الكمال» (19/ 534).
[4]
في (ب): (وأشعب).
[5]
انظر «تهذيب الكمال» (3/ 231).
[6]
في (ب): (يشرح).
[7] «
مطالع الأنوار».

(1/81)


[
باب دعاؤكم إيمانكم]
(
بابٌ: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ)
اعلم أنَّ هذا الباب هو ثابتٌ في أصلنا، وعليه ما صورتُه: (ص)، وكذا في أصلنا الدمشقيِّ هو [1] ثابتٌ، وقد قال النوويُّ: (هذا الباب يُكتَب في كثيرٍ من النسخ، وهو غلطٌ؛ لأنَّ الحديث الذي بعدَه في الباب الذي قبلَه، وقوله: «دعاؤُكم إيمانُكم» مِن تتمَّة قولِ ابنِ عبَّاسٍ المذكور قبل التبويب، وهو قوله: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» ... » إلى آخره) انتهى.
==========
[1]
في (ج): (وهو).
[
ج 1 ص 20]

(1/82)


[
باب أمور الإيمان]
(
بابُ أُمُورِ الإِيمَانِ) ... إلى (بابٌ: الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ)
==========
[
ج 1 ص 20]

(1/83)


[
حديث: الإيمان بضع وستون شعبة]
9#
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنَديُّ؛ بفتح النون، وإنَّما قيل له [1]: المسنديُّ؛ لأنَّه كان [2] وقت الطلب يتبع الأحاديث المسنَدة، ولا يُحبُّ [3] المقاطيع والمراسيل، وقال الحاكم: (إنَّه أوَّلُ مَن جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النهر، روى [4] عن جماعة، وعنه جماعةٌ)، قال أبو حاتم: (صدوق) انتهى [5]
وهو ثقةٌ مشهورٌ، ذكرَه ابنُ حِبَّان في «ثقاته» [6]، وكذا غيرُه، قال ابن حِبَّان: (مات يوم الخميس، لستِّ ليال بقين من ذي القعدة سنة «229 هـ»)، وكذا قال البخاريُّ في وفاته [7].
تنبيه: مَن اسمُه عبدُ الله بنُ محمَّدٍ _وقد حدَّث عنه البخاريُّ نفسُه في «الصحيح» [8]_ أربعةُ أشخاصٍ: أبو بكر ابن أبي شيبةَ عبدُ الله بن محمَّد، وعبدُ الله بن محمَّد بن أسماء، وعبدُ الله بن محمَّد بن أبي الأسود، وعبدُ الله بن محمَّد الجُعفيُّ المسنَديُّ صاحبُ الترجمة، واللهُ أعلم [9].
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ): اسمُه عبدُ الملك بنُ عمرٍو القيسيُّ، و (العَقَدِيُّ)؛ بفتح العين والقاف، ثمَّ دال مهملتين، يُنسب إلى بطنٍ مِن بَجِيلَةَ [10]، وقال صاحبُ «العين»: (قبيلةٌمِنَ اليمن)، وقال ابنُ عبد البرِّ: (بطنٌ مِنْ قيسٍ)، وفي «القاموس»: (قبيلةٌ مِن بَجِيلَة أَوِ اليمن) انتهى.
وفي مقدِّمة «شرح مسلمٍ» للنوويِّ: (قيل: إنَّه مولى العقديِّين)، ترجمتُه معروفةٌ، توفِّي سنةَ (204 هـ)، وثَّقَه ابنُ معين وغيرُه [11].
قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): اسمُه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، شَهِدَ الدار [12]، ورَوى عن عائشةَ، وأبي هريرةَ، وعنه: بنوه، وغيرُهم، وكان مِنَ الأئمَّة الثِّقات، توفِّي بالمدينة سنة (111 هـ)، أخرج له الجماعة [13].

(1/84)


قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): في اسمه أقوالٌ نحوُ ثلاثين قولًا، سرد [14] منها ابنُ الجوزيِّ فيه وفي أبيه ثمانيةَ عشرَ قولًا في «تلقيحه»، وقال ابنُ عبد البَرِّ: (لَمْ يُختلَف في اسم أحدٍ في الجاهليَّة ولا في الإسلام كالاختلاف فيه)، وذكر ابنُ عبد البَرِّ: (أنَّه اختُلِف فيه على عشرين قولًا) انتهى، والأصحُّ عند المحقِّقين والأكثرين ما صحَّحه البخاريُّ وغيرُه: عبدُ الرحمن بن صخر، ترجمتُه معروفةٌ؛ فلا نُطَوِّل بها، وهو أحدُ المكثرين، و (أبو هريرةَ) لا ينصرفُ؛ لكثرةِ الاستعمال، ومناقبُه جمَّةٌ، وسأذكر [15] منها شيئًا يسيرًا في آخرِ حديثٍ في «البخاريِّ» في حديث «كلمتان ... » إن شاء الله تعالى وقدَّره [16]، توفِّي سنةَ (59 هـ)، وله ثمانٍ وسبعون [17]، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند»، رضي الله عنه [18].
قوله: (بِضْعٌ): البِضعُ في العدد _بكسر الباء، ويجوزُ فتحُها_: وهو ما بين اثنين إلى عشر، وما بين اثني عشر إلى عشرين، ولا يقال: في أحدَ عشرَ، ولا في اثني عشر، وقال الخليل: (البِضع: سبع)، وهو وهم منه، وقال أبو عُبيدة: (هو ما بين نصف العقد؛ مِن واحد إلى أربع)، وقال ابنُ قُتيبةَ: (هو مِن ثلاث إلى تسع)، قال ابن قُرقُول: (وهو الأشهر).
تنبيه: قال في «الصِّحاح»: (فإذا جاوزتَ لفظ العشر؛ ذهب البِضع، لا [19] تقول: بِضعٌ وعشرون) انتهى، وما قاله يرُدُّه هذا الحديث، وعن «المثلَّث» لابن عديس: (والبِضعُ: ما بين اثني عشر إلى عشرين فما فوق ذلك)، حكاه عن «المُوعَب»، وأعقبَه بأن قال: (وقال الفرَّاء: البِضعُ: ما بين الثلاثة [20] إلى التسعة، كذلك رأيتُ العرب تفعل [21]، ولا يقولون: بضع ومئة، ولا بضع وألف؛ ولا يذكَّر إلَّا مع بضع عشر، ومع العشرين إلى التسعين).

(1/85)


قوله: (بِضْعٌ وَسِتُّونَ [22]): كذا وقع هنا في أصلنا، وعن رواية أبي زيد المروزيِّ كذلك، وفي «مسلم»: عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح: «بضع وسبعون أو بضع وستُّون»، وقد رواه أيضًا من طريق العقديِّ بسنده إلى أبي صالح: «بضع وسبعون»، وكذا وقع في «البخاريِّ» من رواية أبي ذرٍّ الهرويِّ، ورواه أبو داود والترمذيُّ من رواية سهيل: «بضع وسبعون» بلا شكٍّ، ورواه التِّرْمذيُّ من طريقٍ [23] أُخرى، وقال فيه: (أربعة وستُّون بابًا)، وقد رجَّح القاضي عياض رواية: «بضع وسبعين»، وقال: (إنَّها الصواب)، وعن الحَليميِّ وغيره: ترجيحها؛ لأنَّها زيادة من ثقة فقبلت، وليس رواية الأقلِّ تمنعها.
وقال ابن الصلاح كما نقله النوويُّ عنه: (الأشبه ترجيح الأقلِّ؛ لأنَّه المتيقَّن)، والشكُّ من سُهيل، كما قاله [24] البيهقيُّ، وقد رُوِيَ عن سُهيل: «وسبعون» من غير شكٍّ، قال ابن قُرقُول: وفي حديث أبي هريرة في (كتاب الإيمان): «بضع وسبعون»، كذا لأبي أحمد الجرجانيِّ وابن السكن، وهو المعروف الصريح [25] في سائر الأحاديث، وعند الكافَّة في حديث أبي هريرة: «بضعة وستُّون»، وعند «مسلم» في حديث زهير: «بضع وسبعون أو بضع وستُّون»، انتهى.
قوله: (شُعْبَةً) [26]: هي بضمِّ الشِّين: الخَصْلَةُ والفرقة.
فائدة: بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في الحديث: (أعلاها)، وفي رواية: (أفضلها)، وفي لفظ: (أرفعها)، وفي آخر: (أقصاها)، وآخر: (أعظمها ... وأدناها إماطة الأذى عنِ الطريق).

(1/86)


ثمَّ اعلم أنَّه قد صنَّف العلماء في تعيين هذه [27] الشُّعب كُتُبًا؛ مِن أغزرها فوائد [28]: «شعب الإيمان» للحَليميِّ، ثمَّ كتاب البيهقيِّ، وصنَّف عبد الجليل القصريُّ فيه أيضًا، وإسحاق بن إبراهيم القرطبيُّ في «النصائح»، وعن [29] أبي حاتم بن حِبَّان _بكسر الحاء_ في كتابه [30] «وصف الإيمان وشعبه»، قال: (تتبَّعتُ معنى هذا الحديث مُدَّةً، وعددتُ الطاعات، فإذا هي تزيدُ على هذا العدد شيئًا كثيرًا [31]، فرجعتُ إلى «السُّنن»، فعددت كلَّ طاعةٍ عدَّها الشارعُ من الإيمان؛ فإذا هي تنقص عنِ البِضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله وقرأتُه بالتدبُّر، وعددتُ كلَّ طاعةٍ عدَّها الله من الإيمان؛ فإذا هي تنقص عنِ البِضع والسبعين، فضممتُ إلى الكتابِ السُّنَّةَ، وأسقطتُ المُعاد، فإذا كلُّ شيءٍ عدَّه الله ورسوله من الإيمان لا يزيد عليها ولا ينقص، فعلمتُ أنَّ مرادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ هذا العدد في الكتاب والسُّنَّة) انتهى والله أعلم [32].
==========
[1] (
له): ليست في (ب).
[2] (
كان): ليست في (ب).
[3]
في (ب): (يجب).
[4]
في (ج): (وروى).
[5] «
الجرح والتعديل» (5/ 162).
[6] «
الثقات» (8/ 354).
[7]
انظر «تهذيب الكمال» (16/ 59).
[8] (
في الصحيح): ليست في (ب).
[9] (
والله أعلم): ليست في (ج).
[10]
في (ب): (نجيلة).
[11]
انظر «تهذيب الكمال» (18/ 364).
[12]
زمن سيدنا عثمان.
[13] «
تهذيب الكمال» (8/ 513).
[14] (
سرد): ليست في (ب).
[15]
في (ج): (سأذكر).
[16]
زيد في (ج): (وقدره).
[17]
زيد في (ج): (سنة).
[18] «
تهذيب الكمال» (34/ 366).
[19]
في (ج): (ولا).
[20]
في (ب): (الثلاث).
[21]
في (ب): (يفعل).
[22]
في هامش (ق): (كذا وقع: «وستون»، والمحفوظ ... هذه الرواية).
[23]
في (ب): (طرق).
[24]
في (ب): (قال).
[25]
في (ج): (الصحيح).
[26]
زيد في (ج): (هو).
[27]
في (ب): (هذا).
[28] (
فوائد): ليست في (ب).
[29] (
عن): ليست في (ب).
[30]
في (ب) و (ج): (كتاب).
[31]
في (ب) و (ج): (كبيرًا).
[32]
ذكر نحوه في «صحيحه» عقب الحديث (167)، وقول ابن حبان سقط من (ب).
[
ج 1 ص 20]

(1/87)


[
باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده]

(1/88)


[
حديث: المسلم من سلم المسلمون من لسانه]
10#
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ [1]): قال الغسَّانيُّ: (بفتح السين المهملة، وتحريك الفاء)، وكذا قاله ابنُ ما كولا، وقال الذهبيُّ: (وبالتحريك، سعيد والد عبد الله بن أبي السفر، قال لي [2] شيخُنا أبو الحجَّاج _يعني به: المزِّيُّ_: الأسماء بالسكون، والكُنى بالحركة) انتهى، لكن حكى بعضُهم: سكون الفاء في عبد الله هذا.
قوله: (وَإِسْمَاعِيل): هو مجرورٌ معطوفٌ على (عبد الله)، وعلامةُ الجرِّ فيه [3] الفتحةُ؛ لأنَّه لا ينصرفُ، وهو إسماعيلُ بن أبي خالدٍ.
قوله: (قَالَ [4] أَبُو عَبْدِ اللهِ): هذا صاحبُ «الصحيح» محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ، رحمة الله عليه [5].
قوله: (وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ): هذا محمَّدُ بنُ خازم _بالخاء المعجمة، وبالزاي_ أبو معاوية الضرير الكوفيُّ، ترجمته معروفةٌ، روى له الجماعة، وهو ثقة ثَبْتٌ، أحد الأئمَّة، تُوفِّي في صفر، وقيل: غير ذلك سنة (195 هـ)، وقيل غير ذلك، له ترجمة في «الميزان» [6].
تنبيه: اعلم أنَّ قوله: (وقال أبو معاوية) تعليقٌ مجزومٌ به؛ فهو صحيح من البخاريِّ إلى أبي معاوية المعلَّق عنه، وأمَّا منه إلى الصحابيِّ؛ فقد يكون على شرطه، وقد لا يكون كهذا [7]، وتعليقُ أَبي معاويةَ ليس في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا.
قال شيخنا: خرَّجه ابن حبَّان في «صحيحه» فقال: (أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ بتستر [8]: حدَّثنا محمَّد بن العلاء بن كريب: حدثنا أبو معاوية به [9]).
و (داود) الذي روى عنه أبو معاوية تقدَّم في الرواية: أنَّه ابن أبي هند، كذا هو في أصلنا منسوبٌ، وفي بعض النسخ غيرُ منسوبٍ، لَمْ يكن من شرط هذا الكتاب، فإنَّه لَمْ يُخرِّج له البخاريُّ شيئًا في الأصول، وإنَّما علَّق له، وقد روى له مسلمٌ والأربعة، مع أَنِّي لا أعلم فيه مقالًا، لكنَّه يدلِّس، والتدليس بأقسامه ليس جرحًا إلَّا تدليس التسوية، وقد ذكرت المدلِّسين وطبقاتهم في مؤلَّفٍ مفرد، وجمعتُ منهم جماعةً كثيرةً، فمن أراده؛ فلينظره من التعليق فيهم المفرد، والله أعلم، وتقدَّم ذكر هذا المؤلَّف في أوَّل هذا التعليق.
قوله: (عَنْ دَاوُدَ): هو ابن أبي هند المذكور أعلاه.
قوله: (عَنْ عَامِرٍ): هو الشَّعبيُّ عامر بن شُراحيل [10].

(1/89)


قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عمرو بن العاصي الصحابيُّ المشهور رضي الله عنه وعن أبيه [11]، و (العاصي) الأصحُّ كتابته بالياء، وسيأتي مُطوَّلًا مع غيره.
تنبيه: إذا أُطلق عبد الله في السند؛ حكى ابن الصلاح في «علومه» عن سلمة بن سليمان قال: (إذا قيل بمكَّة: عبد الله؛ فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالكوفة؛ فهو ابن مسعود، وإذا قيل: بالبصرة؛ فهو ابن عبَّاس، وإذا قيل بخراسان؛ فهو ابن المبارك)، وقال الخليليُّ في «الإرشاد»: (إذا قال المصريُّ: عبد الله؛ فهو ابن عمرو؛ يعني: ابن العاصي، وإذا قاله المكِّيُّ؛ فهو ابنُ عبَّاس)، قال شيخُنا العراقيُّ: قلتُ: لكن قال النضر بن شميل: إذا قال الشاميُّ: عبد الله؛ فهو عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: وإذا قال المدنيُّ: عبد الله؛ فهو ابن عُمر، قال الخطيب: وهذا القولُ الصحيح، قال: وكذلك يفعل بعضُ المصريِّين في عبد الله بن عمرو بن العاصي [12].
قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى): هو عبدُ الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميُّ _بالسين المهملة_ القرشيُّ البصريُّ، من بني سامة بن لؤي بن غالب، أحد المحدِّثين الكبار، يروي عن يونس، والجريريِّ، والحذَّاء، وسعيد بن أبي عَروبة، وداود بن أبي هند، وخلق [13]، وعنه: ابن راهويه، وأبو بكر ابن أبي شيبة، والفلَّاس، وخلق، وثَّقه ابن مَعِين، وأبو زُرعة، وقال أبو حاتم: (صالح الحديث)، وقال ابن حِبَّان: (كان متقنًا قدريًّا غير داعية إليه)، قال الفلَّاس: (مات في شعبان سنة تسع وثمانين ومئة)، أخرج له الجماعة [14].
وتعليقُ عبد الأعلى لا أعلم أحدًا خرَّجه مِن أصحاب الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخُنا.
[
ج 1 ص 20]
==========
[1]
في هامش (ق): («السفر»؛ بإسكان الفاء قرأه الأصيلي، وبفتحه قرأه غيره).
[2] (
لي): ليست في (ب).
[3] (
فيه): ليست في (ج).
[4]
في (ب): (وقال).
[5]
في (ب): (رحمه الله تعالى).
[6] «
ميزان الاعتدال»، وانظر «تهذيب الكمال» (25/ 123).
[7] (
كهذا): ليست في (ب).
[8] (
بتستر): ليست في (ب).
[9] (
به): ليست في (ب).
[10]
في (ب): (شراحبيل)، وهو خطأ.
[11] (
وعن أبيه): ليست في (ب).
[12]
التنبيه ليس في (ب) و (ج)، وهو ملحق في (أ).
[13] (
وخلق): ليست في (ب).
[14]
انظر «تهذيب الكمال» (16/ 359).

(1/90)


[
باب أي الإسلام أفضل؟]

(1/91)


[
حديث: يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟]
11#
قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ) انتهى: قال الدِّمياطيُّ بعد سعيد الثاني: (ابن أَبَان بن سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف) انتهى، كُنية سعيد هذا أبو عثمان، بغداديٌّ، يروي عن: أبيه، وعمِّه، وجماعة، وعنه: الجماعة سوى ابن ماجه، وغيرهم، وثَّقه النَّسائيُّ، وقال أبو حاتم: صدوق، تُوفِّي في نصف ذي القعدة سنة (249 هـ) [1].
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ [2] بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ [3]): أمَّا أبو بردة الأوَّل؛ فاسمُه بُرَيد؛ بضمِّ الموحَّدة، وفتح الراء، يروي عن جدِّه، وغيره، وعنه: السُّفيانان وغيرهما، وثَّقه ابن معين والعِجْليُّ، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين يكتب حديثه، وفيه غير ما ذكرت من الكلام، له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه الذهبيُّ، فالعملُ على توثيقه، كيف وقد أخرج له الجماعة [4]؟!
فائدة: قال ابن دقيق العيد في «الاقتراح» ما لفظه: (وكان شيخُ شيوخِنا الحافظُ أبو الحسن المقدسيُّ يقول في الرجل الذي يُخَرَّجُ عنه في «الصحيح»: «هذا جاز القنطرة»؛ يعني بذلك: أنَّه لا يُلتفَت إلى ما قيل فيه، وهكذا نعتقدُ وبه نقول ... ) إلى آخر كلامه [5].
واسم أبي بُردة الثاني: عامر، وقيل: الحارث، وقيل: اسمُه كُنيته، يروي عن أبيه والزبير، وعنه: بنوه؛ عبد الله، ويوسف، وسعيد، وبلال، وحفيده بُريد، كان من نبلاء العلماء، أخرج له الجماعة، توفي سنة (104 هـ) [6].
قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): هذا هو الأشعريُّ، واسمه: عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار _وسُلَيم: بضمِّ السين، وفتح اللام، وحَضَّار: بفتح الحاء المهملة، وتشديد الضاد المعجمة، وفي آخره راء، وقيل: بكسر الحاء، وتخفيف الضَّاد المعجمة_ أميرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على زَبيد وعدن، وأمير الكوفة والبصرة لعمر، عنه [7]: بنوه أبو بردة، وأبو بكر، وإبراهيم، وموسى، مناقبه كثيرةٌ رضي الله عنه، توفِّي سنة (44 هـ)، وقيل غير ذلك [8].

(1/92)


قوله: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟): السائل هو أبو موسى راوي الحديث؛ لما [9] في «مسلم»: (قال: قلت: يا رسول الله؛ أَيُّ الإسلام أفضل؟)، وهذا الذي في «الصحيح»، قالوا: فالظاهر [10] أنَّه أبو موسى وغيرُه سألوه، والله أعلم، وقال حافظ عصري: ولابن حِبَّان: أنَّه السائل، وللطبرانيِّ عن عبيد بن عمير، عن أبيه: أنَّه السائل.
[
قوله: (أَي الإسلام أفضل؟): أي: أَيُّ خِصاله، وسيأتي الجمع بين هذا وما يعارضه في الظاهر قريبًا، وهو في (باب من قال: إنَّ الإيمان هو العمل)] [11].
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (11/ 104).
[2]
في هامش (ق): (اسمه كنيته على الصحيح، وقيل: بُريد).
[3]
في هامش (ق): (عامر، وقيل: الحارث).
[4]
انظر «تهذيب الكمال» (4/ 50).
[5] «
الاقتراح» (ص 428).
[6]
انظر «تهذيب الكمال» (33/ 66).
[7]
في (ب): (روى عنه).
[8]
انظر «تهذيب الكمال» (15/ 446).
[9]
في (ب): (كما).
[10]
في (ب): (والظاهر).
[11]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[
ج 1 ص 21]

(1/93)


[
باب إطعام الطعام من الإسلام]

(1/94)


[
حديث: أن رجلًا سأل النبيَّ: أي الإسلام خير؟]
12#
قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، العَلم الفرد، مشهور الترجمة.
قوله: (عَنْ يَزِيدَ): هو ابن أبي حَبِيب؛ بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحدة، وكذا هو في بعض النسخ منسوب _واسم [1] أبي حبيب: سُويد_ المصريُّ التابعيُّ، أبو رجاء، عالم أهل مصر، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء، وأبي الطفيل، وعنه: الليث، وابن لهيعة، وكان حبشيًّا من العلماء الحكماء الأتقياء، روى له الجماعة، تُوفِّي سنة (128 هـ) [2].
قوله: (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ): هُو مَرْثد _بثاء مثلَّثة بعد الراء_ ابن عبد الله اليَزَنيُّ؛ بفتح [3] المثنَّاة تحت، ثمَّ زاي مفتوحة، ثمَّ نون، ويَزَن: بطنٌ من حمير، يروي عن عمرو بن العاصي، وأبي بَصْرة _بالموحدة المفتوحة، وإسكان الصاد المهملة_ الغِفاريِّ، وعنه: يزيد، وجعفر بن ربيعة، وكان مفتي أهل مصر، تُوفِّي سنة (90 هـ)، أخرج له الجماعة [4].
قوله: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ): تقدَّم أعلاه أنَّه أبو موسى الأشعريُّ، وتقدَّم قريبًا أنَّه غيره، وقال حافظُ عصري في هذا الحديث [5]: (قيل: هو أبو ذرٍّ، وفي «ابن حِبَّان» من حديث هانئ بن يزيد والد شريح: أنَّه سأل عن معنى ذلك، فأُجيب بنحو ذلك) انتهى.
==========
[1] (
واسم): ليست في (ب).
[2]
انظر «تهذيب الكمال» (32/ 102).
[3]
زيد في (ب): (الياء).
[4]
انظر «تهذيب الكمال» (27/ 357).
[5] (
في هذا الحديث): سقط من (ب) و (ج).
[
ج 1 ص 21]

(1/95)


[
باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه]

(1/96)


[
حديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه]
13#
قوله: (وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ [قَالَ]: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ): هو الحسينُ بنُ ذكوان المعلِّم البصريُّ، الثقة المعروف، وهذا معطوف على الحديث الذي قبلَه، والراوي عنه في هذا الحديث هو يحيى بن سعيد، والبخاريُّ روى هذا الحديث عن مسدَّد، ورواه مُسَدَّد عن يحيى بن سعيد، عن حسين المعلِّم، عن قتادة، وهذا ليس تعليقًا كما [1] تقدَّم، وإنَّما هو بالسند المذكور قبلَه؛ فاعلمه.
فالحسين [2] وشعبة يرويان هذا الحديث عن قتادة، وإنَّما أتى بالحسين؛ لأنَّه روى الحديث بالتحديث، وشعبةُ رواه [3] بالعنعنة وإنْ حُوشِيَ من التدليس، وقد قال: (لَئِن أزني؛ أحبُّ إليَّ مِن أن أدلِّس)، وهذا الكلام محمولٌ على التنفير عنِ التدليس، إلَّا أنَّ في العنعنة مطلقًا _وإن كان المعنعن غير مدلِّسٍ_ خلافًا، فأراد البخاريُّ أن يَخرُجَ من الخلاف، فأتى بذلك، والله أعلم.
قوله: (حتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ): أي: مِنَ الطاعات والمباحات، وفي «النَّسائيِّ»: «من الخير»، وظاهرُه يقتضي التسوية، وحقيقة التفضيل: أنَّ كلَّ أحدٍ [4] يحبُّ أن يكون أفضل الناس، فإذا أحبَّ لأخيه مثله؛ فقد دخل هو في جملة المفضولين، والله أعلم [5].
==========
[1]
في (ب): (لما).
[2]
في (ب): (والحسين).
[3] (
رواه) ليست في (ب).
[4]
في (ب): (واحد).
[5]
هذه الفقرة جاءت في (أ) مستدركة متقدمة على قوله: (عن حسين المعلم).
[
ج 1 ص 21]

(1/97)


[
باب حب الرسول من الإيمان]

(1/98)


[
حديث: فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه]
14#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم الكلام عليه قريبًا.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ): هو بالزاي المكسورة، ثمَّ نون، واسمه عبد الله بن ذكوان.
قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): هو عبد الرحمن بن هُرمزَ.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّ في اسمه نحوَ ثلاثين قولًا، وأنَّ الأصحَّ عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، وتقدَّم ما فيه.

(1/99)


[
حديث: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده]
15#
قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ): هو إسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَيَّةَ، و (عُلَيَّةُ) أُمُّه، إمامٌ مشهورٌ.
قوله: («ح»: وَحَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم الكلام على (ح)، وما معناها في (ابتداء الوحي).

(1/100)


[
باب حلاوة الإيمان]

(1/101)


[
حديث: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان]
16#
قوله: (عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ): هو بقاف مكسورة، وبعد اللَّام ألف، فموحَّدة [1]، وهذا ظاهرٌ إلَّا أنِّي سمعتُ عن بعض الأعاجم أنَّه قرأه [2]: (أبو فلانة)؛ بالفاء في أوَّله، ونون بعد اللَّام ألف؛ فلهذا ضبطتُه، واسمُه عبد الله بن زيد بن عمرو، وقيل: عامر الجرميُّ، يُرسِلُ كثيرًا، لكن روايته عن مالك بن الحويرث وأَنَس وثابت بن الضَّحَّاك متَّصلةٌ، وهي في الكتب السِّتَّة.
قوله: (مِمَّا سِوَاهُمَا): عبَّر عليه السَّلام بقوله: (مَا) دون (مَن)؛ لعموم (ما)، و (ما سواهما): جميعُ المخلوقات؛ مِن ملك ونبيٍّ وغيرهما.
قوله: (سِوَاهُمَا): فيه دلالةٌ على أنَّه لا بأس بمثل هذه التَّثْنِيَة، وأمَّا قوله عليه الصَّلاة والسَّلام في «صحيح مسلم»، و «أبي داود»، و «النَّسائيِّ» من حديث عَدِيِّ بنِ حاتم للذي [3] خطب فقال: ومَن يعصهما؛ فقد غوى: «بِئْسَ الخطيبُ أنت، قل: ومَن يعصِ الله ورسوله»، بعد أن تعرف أنَّ هذا الخطيب قال بعضُ العلماء عنِ «الصحابة» لأبي نعيم: إنَّه ثابت بن قيس بن شمَّاس؛ فجوابُه مِن أوجه:
أحسنُها: أنَّه ليس من هذا النوع؛ لأنَّ المراد في الخطب: الإيضاح، لا الرموز والإشارات، وأمَّا هنا؛ فالمراد: الإيجاز في اللفظ؛ ليُحفظ، وممَّا يدُلُّ لهذا: حديثُ ابن مسعود في خطبة الحاجة: (مَن يطع الله ورسوله؛ فقد رَشَد، ومَن يَعْصِهِما؛ فلا يضرُّ إلَّا نفسَه).
ثانيها: إنَّما أَنكر الجمع تعظيمًا لله تعالى، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: / «لا يقولنَّ [4] أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن: ثمَّ شاء فلان [5]»؛ لما في (ثمَّ) من التراخي، بخلاف الواو التي تقتضي التسوية.
ثالثها: إنَّما أنكر عليه وقوفَه على: (ومَن يعصهما)، ولكن قوله: (قل: ومن يعص الله ورسوله) يرُدُّ ذلك.
رابعها: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام له أنْ يجمع [6]، بخلاف غيره.
خامسها: أنَّ كلامه عليه الصَّلاة والسَّلام جملة واحدة، فلا يُكره إقامةُ المضمَر مُقام الظاهر، بخلاف الخطب؛ فإنَّه جملتان، وبعضهم أجاب بأنَّ المتكلِّم لا يتوجَّه تحت خطاب نفسه إذا وجَّهه لغيره.
==========
[1]
في (أ): (موحدة)، وفي (ب): (وباء موحدة).
[2]
في (ب): (قرأ).
[3]
في (ج): (الذي).
[4]
من هنا وقع سقط في (أ) بمقدار ورقة واحدة، وزيد فيها بدلها جملة أوراق من كتاب «نور النبراس في شرح سيرة ابن سيد الناس» للمصنف.

(1/102)


[5]
قوله: (ولكن ثم شاء فلان) مثبت من (ج).
[6]
زيد في (ب): (ذلك).
[
ج 1 ص 21]

(1/103)


[
باب علامة الإيمان حب الأنصار]

(1/104)


[
حديث: آية الإيمان حب الأنصار]
17#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، الحافظ، روى عنه: البخاريُّ، وأبو داود، وغيرهما، قال أحمد: هو اليوم شيخ الإسلام، تُوفِّي سنة (227 هـ)، وله (94)، أخرج له الجماعة [1].
قوله: (ابْن جَبْرٍ): هو بفتح الجيم، ثمَّ موحَّدة مكسورة، قال ابن منجويه: أهلُ العراق يقولون في جَدِّه: جَبْر، ولا يصحُّ؛ إنَّما هو جابر، عنِ: ابن عمر، وأنس، وغيرهما، وعنه: مالكٌ، ومسعرٌ، أخرج له الجماعة، ضعَّفه ابنُ مَعِين وغيرُه، وقد تقدَّم أنَّ هذا وأمثالَه جازوا القنطرةَ [2].
قوله: (آيَةُ الْإِيمَانِ): أي: علامتُه ودلالتُه، ولهذا بوَّب عليه: (باب علامةُ الإيمانِ حُبُّ الأنصار)، وحُبُّ الأنصار مِن حيث كانوا أنصارَ الدين، ومُظهريه، وباذلي نفوسهم وأموالهم، وقتالهم الناسَ [3] كافَّةً دونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علامةٌ قاطعة على الإيمان، فمَن عَرَفَ حقَّهم، ومبادرتَهم، ونُصرتَهم [4]، ومحبَّتَهم له عليه الصَّلاة والسَّلام، أحبَّهم ضرورةً؛ يُحكم بصِحَّة إيمانه، ومَن كان منافقًا؛ لم يسرَّه ما جاء منهم، فيبغضهم، وهذا جارٍ في أعيان الصحابة؛ كالخلفاء الأربعة، وبقيَّة العشرة والمهاجرين، بل في كلِّ الصحابة، إذْ كلُّ واحدٍ منهم له أسبقيَّة وأثرٌ حسن، فحبُّهم لذلك [5] محضُ الإيمان، وبغضُهم محضُ النفاق، ويدُلُّ لذلك الحديث: «مَن أحبَّهم؛ فبحُبِّي أحبَّهم، ومَن أبغضَهم؛ فببُغضي أبغضَهم»، وأمَّا مَن بغض [6] أحدًا منهم مِن غير تلك الجهة لأمرٍ طارئ مِن حَدَثٍ وقع لمخالفة غرضٍ أو لضررٍ ونحوه؛ لم يصِرْ بذلك منافقًا ولا كافرًا، وقد وقع منهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يَحكم بعضُهم على بعضٍ بالنِّفاق، وإنَّما كان حالُهم في ذلك حالَ [7] المجتهدين في الأحكام، وقد قال عليٌّ رضي الله عنه: أرجو أن أكون أنا وطلحة بن الزبير ممَّن قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ... }؛ الآية [الأعراف: 43]، فمَن وقع له بغضٌ في أحدٍ منهم _والعياذُ بالله_ بشيءٍ من ذلك؛ فهو عاصٍ يجبُ عليه التوبةُ ومجاهدةُ نفسِه بذِكر سوابقِهم وفضائِلِهم، وما لهم على كلِّ مَن بعدَهم مِنَ الحقوق؛ إذ [8] لم يصل أحدٌ مِن بعدِهم بشيءٍ من الدين والدنيا [9] إلَّا بهم وبسببهم.
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (30/ 226).
[2]
انظر «تهذيب الكمال» (15/ 171).

(1/105)


[3]
في (ب): (للناس).
[4]
في (ب): (ونصرهم).
[5]
في (ب): (كذلك).
[6]
في (ب): (أبغض).
[7]
في (ب): (كحال).
[8]
في (ب): (وإذ).
[9]
في (ب): (بعدهم من الدين والدنيا بشيء)
[
ج 1 ص 21]

(1/106)


[
باب ابتداء تلقيبهم بالأنصار]

(1/107)


[
حديث: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا]
18#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم أنَّه الحكم بن نافع.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه العَلَم الفرد أبو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ... ) إلى قوله: (وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ): أمَّا العقبةُ؛ فهي معروفةٌ؛ وهي التي عند مِنًى التي تنسب إليها الجمرة، وجمرةُ العقبة ليست من مِنًى، بل هي حدُّ مِنًى من الجانب الغربيِّ من جهة مكَّة.
وقال المحبُّ الطبريُّ: (الظاهرُ أنَّها العقبةُ التي يضاف إليها الجمرة؛ إذ ليس ثَمَّ [1] عقبة أظهر منها، قال: وعن يسار الطريق لقاصد مِنًى من مكَّة شِعبٌ قريب منها فيه مسجدٌ، مشهورٌ عند أهل مكَّة أنَّه مسجد البيعة، وهي [2] على نشز من الأرض، ويجوز أن يكون المراد بـ «العقبة» ذلك، وعلى الأوَّل يكون قد نُسِب إليها؛ لقُربه منها) انتهى.
واعلم أنَّ النقباء كانوا اثني عشر؛ وهم: أسعد بن زُرارة، وسعد بن الرَّبيع، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن مَعرور، وعبد الله بن عمرو بن حَرَام، وسعد بن عُبادة، والمنذر بن عمرو بن خُنيس، وعُبادة بن الصَّامتْ، فهؤلاءِ مِنَ الخزرج، وثلاثةٌ مِنَ الأوس؛ وهم: أُسَيْد بن الحُضير، وسعد بن خيثمة، ورِفاعة بن عبد المنذر، وقد ذكرهم ابن عبد البرِّ، فأسقط: رِفاعة بن عبد المنذر، وجعل عوضه: أبا الهيثم بن التَّيِّهان، وقال ابن هشام: وأهلُ العلم يعدُّون فيهم أبا الهيثم بن التَّيِّهان بدل رِفاعة.
فكان عُبادةُ نقيب بني عوف مِنَ الخزرج، وكان سعدُ بن عبادة والمنذرُ بن عمرو نقيبي بني ساعدة، وكان أبو الهيثم وأُسيد بن الحُضير نقيبي بني عبد الأشهل، وكان سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة نقيبي بني الحارث من الخزرج، وكان سعدُ بن خيثمة نقيب بني عمرو بن عوف، وكان البراءُ بنُ مَعرور وعبدُ الله بن عمرو نقيبي بني سلِمة، وكان رافع نقيببني زُريق، وكان أسعد بن زُرارة نقيب بني النجار، وقال ابن مَنْدَه وأبو نعيم: إنَّه كان نقيب بني ساعدة، ذكر ذلك في «الأُسد» في ترجمة أسعد بن زُرارة [3].
فائدة: روى أبو بكر البيهقيُّ بسنده إلى مالكٍ قال: (فحدَّثني شيخٌ من الأنصار أنَّ جبريل عليه السلام كان يشير له إلى مَن يجعلُه نقيبًا) انتهى.

(1/108)


تنبيه: وقع في «مستدرك الحاكم» في (معرفة الصَّحابة) ما لفظه: (سعد بن خيثمة الأنصاريُّ أحد النقباء)، ثمَّ ساق سندًا إلى عمر بن زيد بن جارية عن أبيه قال: «استصغرنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا وسعد بن خيثمة» صحيح)، قال الذَّهبيُّ في «تلخيصه»: (قلت: منكر؛ كيف يستصغرُ مَن هو نقيب؟) انتهى.
وصواب هذا الاسم: سعد ابن حَبْتة، وهي أُمُّه، واسمُ أبيه: بحير [4]، ومعذورٌ الذهبيُّ في استنكاره ذلك، والظاهرُ أنَّه تصحيفٌ إمَّا مِنَ الحاكم أو ممَّن [5] فوقَه، وسعدُ ابن حَبْتة استُصغر في أُحُد، وكذا زيد بن جارية، والله أعلم
وأهل العقبة الثانية كانوا اثني عشر، وفي «الإكليل» [6]، وفي «المستدرك» في (هجرة الحبشة): أحد عشر، وأمَّا الأولى؛ فكانوا ستَّة؛ وهم أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث بن رفاعة، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رِئاب، ومنهم مَن يجعل فيهم عُبادة بن الصامت، ويسقط جابرًا، وتقدَّم أنَّ الثانية كانوا اثني عشر_وقيل: أحد عشر_ وهم خمسة من السِّتَّة الذين ذكرتهم، وهمُ الأُوَّل، وبقيَّتُهم: معاذُ بن الحارث بن رِفاعة، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة_ذكروا أنَّه رحل إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مكَّة فسكنها، فهو مهاجريٌّ أنصاريٌّ، وممَّن قيل: إنَّه مهاجريٌّ أنصاريٌّ جماعةٌ ذكرتهم في تعليقي على «سيرة ابن سيِّد الناس» مع ذكوان_وعبادة بن الصامت، والعباس بن عبادة بن نضلة، ويزيد بن ثعلبة بن خَزمة_بسكون الزاي وبعضهم يفتحها_ وأبو الهيثم مالك بن التَّيِّهان _أهل الحجاز يخفِّفون الياء، وغيرُهم يشدِّدُها_ وعويم بن ساعدة، وأمَّا أهل الثالثة: فهم ثلاثة وسبعون رجلًا، وامرأتان، وقال ابن سعد: (سبعون يزيدون رجلًا أو رجلين، وامرأتان)، وقال الحاكم: (خمسة وسبعون نفسًا)،ولعلَّه أراد [7]: وأمَّا أهل الثالثة؛ فهم ثلاثة وسبعون [8] عدا المرأتين معهم.
والمرأتان من بني مازن بن النجار: نَسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف أمُّ عُمارة، والثانية من بني سلِمة: أمُّ منيع بنت عمرو بن عديِّ بن نابي، والله أعلم.
قوله: (عِصَابَةٌ): هي [9] بكسر العين؛ أي: جماعة، وهم من العشرة إلى الأربعين، لاواحد لها من لفظها، وجمعها: عصائب، وكانوا في هذه البيعة اثني عشر رجلًا، وقد تقدَّم الخلاف في عددهم.

(1/109)


قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (إنَّ هذه العِصابة هم أهل العقبة [10] الأولى) انتهى، وهم الذين ذكرتُهم أنَّهم أهل العقبة الثانية، فانظرهم فيما تقدَّم، والبيعةُ وقعت [11] في العقبة الثانية حين كانوا اثني عشر رجلًا [12]، وبعضُهم يجعل هذه العقبة الأولى، والله أعلم.
قوله: (وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ): (البُهتان): هو الباطلُ الذي يُتحيَّرُ منه، وهو مِنَ البهت: التحيُّر، يُقال: بهتَه يبهَتُه، ومعناه: لا يأتينَّ بولدٍ مِن غير أزواجهنَّ فينسبنه إليهم، والبهت: الكذب.
قوله: (وَفَى): هو بتخفيف الفاء وتشديدها.
قوله: (فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا ... ) إلى آخره: فيه دلالة لمذهب الأكثرين: أنَّ الحدود كفَّاراتٌ لأهلها، ومنهم مَن وقف بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «لا أدري الحدود كفَّارات»،لكنَّ حديث عبادة أصحُّ إسنادًا، وحديث أبي هريرة أخرجه الحاكم في «المستدرك» في نحو الثلث من (كتاب الإيمان)، ثمَّ قال: على شرطهما، ولم يتعقَّبه الذَّهبيُّ، وهو سندٌ صحيح، وقد روى أحمد في «المسند» من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام: «من أصاب ذنبًا أقيم عليه حدُّ ذلك الذنب؛ فهو كفَّارته»، ويمكن أن يكون حديث أبي هريرة الأوَّل أولًا [13] قبل أن يعلم ثم أُعلم، كذا قال القاضي عياض وغيره، وفيه وقفة؛ إذ حديث عبادة ليلة العقبة الثانية كما تقدَّم، حين كانوا اثني عشر رجلًا، وأبو هريرة أسلم عام خيبر، والجواب الأوَّل أحسنُ، أو يقال: إنَّ حديث أبي هريرة الأوَّل سمعه من صحابيٍّ آخرَ، وذاك الصحابيُّ متقدِّمُ الصُّحبة.
==========
[1]
في (ب): (ثمة).
[2]
في (ب): (وهو).
[3] «
أسد الغابة».
[4]
في (ب): (بجير)، وكلاهما قيل في اسمه.
[5]
في (ب): (من).
[6] (
في «الإكليل»): مثبت في (ج)، وسقط من (ب).
[7]
قوله: (نفسًا، ولعله أراد): مثبت من (ج)، وسقطت من (ب).
[8]
قوله: (وأما أهل الثالثة فهم ثلاثة وسبعون): مثبت من (ب)، وسقطت من (ج).
[9] (
هي): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[10] (
العقبة): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[11]
قوله: (والبيعة وقعت): مثبتة في (ج).
[12] (
رجلًا): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[13] (
أولًا): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[
ج 1 ص 21]

(1/110)


[
باب من الدين الفرار من الفتن]

(1/111)


[
حديث: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم]
19#
قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ): واسمُ أبي صعصعةَ عمرٌو، وعبدُ الرحمن هذا: منهم مَن ينسبه إلى جدِّه، ومنهم مَن يقول: عبد الله بن عبد الرحمن فيقلبُه، والكلُّ واحدٌ، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، والنسائيُّ، وابن ماجه، وثَّقه أبو حاتم وغيره، توفِّي في خلافة أبي جعفر، (فلعلَّه وقع في نسخة الدِّمياطيِّ: ابن أبي صعصعةَ؛ بإثبات الألف، وقد ضُمَّ بالقلم «ابنُ»، وصحَّحَ عليه بخطِّه؛ يعني: أنَّه منسوب إلى جدِّه أبي صعصعة، وماعلَّمه الدِّمياطيُّ فيه نظرٌ؛ لأنَّ عبد الرحمن مجرورٌ، والذي ظهر لي أنَّه كان في نسخة الدِّمياطيِّ معًا، وأمَّا عبدُ الرحمن؛ فنقل الناقل خطَّ الدِّمياطيِّ على نسخته التي فيها: «عن عبد الرحمن»، فوقع ما وقع، والله أعلم) [1].
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): هو سعد بن مالك بن سِنان الخُدريُّ؛ بضمِّ الخاء المعجمة، وإسكان الدال المهملة، وإيَّاك أن تعجمها، صحابيٌّ جليلٌ، مشهورُ الترجمة، رضي الله عنه.
قوله: (يُوشِكُ): أوشكَ: في الماضي بفتح الهمزة والشين، ومعناه عند الخليل: أسرع أن يكون كذا وقَرُب، وقال أبو عليٍّ: جعلوا له الفعل، كأنَّهم قالوا: يُوشك الفعل، وقال أبو عليٍّ: مثل (عسى الفعل)، قال: ولايقال: (يوشُك)؛ بضمِّ الشين في المستقبل، ولا (أوشك) في الماضي، وأنكر الأصمعيُّ (أوشك) أيضًا، إنَّما يأتي عنده مستقبلًا، والوشك: السرعة، انتهى كلام ابن قُرقُول، ولفظ «الصِّحاح»: وقد أوشك فلان يوشك إيشاكًا؛ أي: أسرع، ومنه قولهم: يوشك أن يكون إلى أن قال: والعامَّة تقول: يوشك؛ بفتح الشين، وهي لغة رديئة.
قوله:) خَيْر مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ): يجوز في (خير) وجهان:
أحدهما: نصبه، وهو الأشهر في الرواية، خبرًا مقدَّمًا، ولا يضرُّ كونُ الاسم؛ وهو (غنم) نكرةً؛ لأنَّها وُصفت بـ (يَتْبَعُ بِهَا).
والثاني: رفعه على أن يكون في (يكون) ضمير الشأن؛ لأنَّه كلامٌ تضمَّن [2] تحذيرًا وتعظيمًا لما يُتوقَّع، ويكون (خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ) مبتدأً وخبرًا، وقد رُوِي: (غنمًا)؛ بالنصب، وهو ظاهرٌ.
قوله: (يَتْبَعُ): بتشديد المثنَّاة فوق، وتخفَّف أيضًا.

(1/112)


قوله: (شَعَفَ الْجِبَالِ): هو بفتح الشين المعجمة، وهذا هو المشهور [3]، وبالعين [4] المهملة وبالفاء، (كذا هو في أصلنا) [5]، وهي رؤوس الجبال، وشعفة كلِّ شيءٍ: أعلاه، والواحدة شعفة، قال ابن قُرقُول في السين المهملة في «الاختلاف» [6]: (هذا هو المشهور، وهي رؤوسها وأعاليها، وكذا لابن القاسم، ومطرِّف، والقعنبيِّ، وابن بُكير، وكافَّة الرواة غير [7] يحيى بن يحيى، فإنَّهم روَوه: «شعب»؛ بالباء، والمعنى متقارب، قلت: وروايتنا عن يحيى: «شعف»، قال القاضي: واختُلِف عن يحيى في ضبطه؛ [فمنهم من ضبطه] بضمِّ الشين وفتح العين؛ أي: أطرافها ونواحيها وما انفرج منها، و «الشعبة»: ما انفرج بين الجبلين، وهو «الفجُّ»، وعن ابن المرابط بفتح الشين، وهو [8] وهم، وعند الطرابلسيِّ: «سعف»؛ بالسين المهملة المفتوحة، وهو أيضًا بعيد، وإنَّما هو جرائد النخل، ورواه ابن القاسم «شعف» كما تقدَّم) انتهى [9]، وقال في الشين المعجمة: (رؤوسها وأطرافها) [10]، ثمَّ ذكره في المعجمة في «الاختلاف»: (شعف أو شعب)؛ فقال: (تقدَّم في الشين) انتهى [11]
قوله: (وأنَّ الْمَعْرِفَةَ): هو بفتح الهمزة من (أنَّ)؛ أي: وبيان أنَّ المعرفة.
==========
[1]
ما بين قوسين: مثبتة في (ب)، وسقطت من (ج).
[2]
في (ب): (يتضمن).
[3] (
وهذا هو المشهور): مثبتة في (ب)، وسقطت من (ج).
[4]
في (ب): (والعين).
[5] (
كذا هو في أصلنا): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[6] (
في الاختلاف): مثبتة في (ج)، وسقطت من (ب).
[7]
في (ب) و (ج): (عن): وفي هامش (ج): (لعله غير)، والمثبت من مصدره.
[8]
في (ج): (وهذا).
[9]
انظر «مطالع الأنوار».
[10]
انظر «مطالع الأنوار».
[11]
انظر «مطالع الأنوار».
[
ج 1 ص 21]

(1/113)


[
باب قول النبي: أنا أعلمكم بالله]

(1/114)


[
حديث: إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا]
20#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ [1]): سلام هذا: ما ذكر الخطيب فيه ولا ابن ماكولا سوى التخفيف، وقال ابن الصَّلاح: إنَّه أثبت، قال ابن عبد الهادي في «طبقات الحفَّاظ»: (قال سهل بن المتوكِّل: سمعته يقول: أخبرنا محمَّد بن سَلَام؛ بالتخفيف، وسمعت شيخنا أبا الحجَّاج _ يعني: المزِّيَّ_ يرجِّح فيه التثقيل) انتهى، وقال في «المطالع»: (نقله الأكثر كذا، قال: ولم يُتابَع عليه)، وقد ذكره غنجار في «تاريخ بخارى» بالتَّخفيف، وقد روينا بالإسناد إليه أنَّه قال: أخبرنا محمَّد بن سَلَام؛ بالتخفيف، وهذا قاطعٌ للنزاع، بل المثقَّل محمَّد بن سلَّام بن السَّكَن البِيكَنْدي الصغير عنِ الحسن بن سوار البغويِّ، وعنه: عبيد الله بن واصل؛ وهو من أقرانه، و (البيكنديُّ) في نسبه [2]؛ بكسر الموحدة، وسكون الياء المثنَّاة تحت، وفتح الكاف، وسكون النون، بعدها دالٌ مهملةٌ؛ كذا قيَّده بكسر أوَّله الغسَّانيُّ وقال: (بلدٌ ببخارى)، ثمَّ ابن قُرقُول في (الكاف).
قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ): هذا هو سليمان، وهو بإسكان الباء، واسمه عبد الرحمن، قال أحمد: ثقةٌ وزيادة مع صلاحه، وكان شديد الفقر، ووثَّقه غيرُه أيضًا، تُوفِّي بالكوفة لثلاث خلون من رجب سنة ثمان وثمانين ومئة، وقال أحمد: تُوفِّي سنة سبع وثمانين ومئة، أخرج له الجماعة، وكذا عَبْدة بن أبي لبابة، وغيرهما، وليس في «الموطَّأ» و «الصَّحيحَين» مَن هو بفتح الموحَّدة إلَّا اثنان:
عامر بن عَبَدة الكوفيُّ، روى له [3] الأربعة عنِ ابن مسعود، كذا ذكره ابن المدينيِّ، وابن معين، والجيَّانيِّ، وغيرهم، وبه صدَّر الدَّارقطنيُّ وابن ماكولا كلامَهما، وحكيا أنَّه [4] قيل فيه: عَبْدة؛ بإسكان الموحَّدة، قال صاحبُ «المشارق»: (وحكى لنا بعض شيوخنا: «عبد»؛ بغير هاء، قال: وهو وهم)، وفي «المطالع»: (وقد رُوِي لنا عن بعض مشايخنا: عبد؛ بغير هاء، وهو وهم، ولم نسمعه عن أحد من شيوخنا)، وقول الذهبيِّ في «المشتبه»: إنَّه يشتبه بعامر بن عبدة الباهليِّ؛ وَهَمٌ، إنَّما الباهليُّ عامرُ بن عبيدة؛ بزيادة ياءٍ
[
ج 1 ص 21]
بعد الموحَّدة، وقد ذكره على الصواب في (عَبيدة).

(1/115)


والثاني: بَجَالة بن عَبَدة التميميُّ، ثمَّ العنبريُّ، روى له البخاريُّ في (كتاب الجزية) قال: (كنت كاتبًا لِجَزْءِ بن معاوية)، وقد قيَّده الدَّارقطنيُّ: بالفتح، وابن ماكولا، والجيَّانيُّ، وحكى صاحبا «المشارق» و «المطالع»: أنه ذكره كذلك البخاريُّ في «التاريخ»، وأصحابُ الضبط، قال: وقد قال فيه الباجيُّ: عبْدة؛ بإسكان الموحَّدة، قالا: وقال فيه البخاريُّ: عبْدة؛ بالإسكان، ويقال فيه أيضًا: عبْد.
قوله: (حتى يُعْرَفَ الْغَضَبُ): (يُعرَف): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الغَضَبُ): مرفوع قائم مَقام الفاعل، وهذا ظاهر جدًّا.
==========
[1]
في هامش (ق): (البيكندي، والأصح التخفيف).
[2]
في (ب): (نسبته)، وكلاهما نسبته البيكندي.
[3] (
روى له): سقطت من (ب).
[4]
في (ب) و (ج): (أن).

(1/116)


[
باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان]

(1/117)


[
حديث: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان.]
21#
قوله: (مِمَّا سِوَاهُمَا): تقدَّم الكلام عليه قريبًا.
==========
[
ج 1 ص 22]

(1/118)


[
باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال]

(1/119)


[
حديث: يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار]
22#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو ابنُ أبي أويس عبدِ الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر _واسم أبي عامر نافعٌ، كذا بخطِّ الدِّمياطيِّ نقله تقيُّ الدين السُّبكيُّ عن خطِّه، انتهى، وقد وقعت تسميته بذلك في «البخاريِّ» و «مسلم» في غير هذا الحديث، وسيأتي ذلك قريبًا_ الأصبحيُّ، يروي عن خاله مالك الإمام، وأخيه عبد الحميد، وغيرهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وغيرهما، تُوفِّي سنة (226 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والترمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان».
تنبيه: نقل شيخنا المؤلِّف في أوَّل شرحه على «البخاريِّ» فيما قرأته عليه: أنَّه أقرَّ على نفسه بالوضع فيما حكاه النَّسائيُّ عن سلمة بن شعيب عنه، انتهى، وقد ذكرتُ مَن رُمِيَ بالوضع في مؤلَّفٍ مفرد، فبلغوا جماعةً كثيرةً؛ فسارعْ إليه إن أردتَه.
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): تقدَّم أنَّه سعد بن مالك بن سنان، وأنَّ الخُدريَّ بالخاء المعجمة، والدَّال المهملة، صحابيٌّ جليل.
قوله: (مِثْقَالُ حَبَّةٍ): المِثقال: وزنٌ مقدَّرٌ، اللهُ [1] أعلم بقَدره، وليس المراد المقدَّر هذا المعلوم، فقد جاء مُبيَّنًا: «وكان في قلبه من الخير [2] ما يزِنُ بُرَّةً».
قوله: (حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ): الحبَّةُ من الخردل هنا مَثَلٌ؛ لتكون [3] عيارًا في المعرفة، وليس بعيار في الوزن؛ لأنَّ الإيمان ليس بجسم يَحصُره الوزن، ولكن ما يشكل منَ المعقول، فإنَّه يُرَدُّ إلى عيار المحسوس؛ ليُفهم، كذا عنِ الخطَّابيِّ، وقال غيره: يُجعَل عمل العبد _وهو عَرَض_ في جسم على مقدار العمل عند الله، ثُمَّ يُوزن، وفيه قوَّة، وسيأتي الكلام على ذلك في آخر «الصحيح» في قول البخاريِّ: (وأنَّ أعمالَ بني آدمَ وقولَهم يُوزَنُ)، ويأتي قبل ذلك: أنَّ الموت وإن كان معنًى فإنَّه يُجَسِّدُه الله عزَّ وجلَّ، ويأتي في (سورة النساء) كم زِنة حبَّة الخردل؟

(1/120)


فائدة: المراد بـ (حبَّة الخردل): زيادة على أصل التوحيد، وقد جاء في «الصحيح» بيان ذلك، ففي رواية: «أَخرِجوا من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن كذا»، ثُمَّ بعد هذا يُخرج منها من لَمْ يعمل خيرًا قطُّ غير التوحيد مرَّة واحدة ليس معه من الحسنات شيءٌ غيرُه؛ لما روى البخاريُّ في آخر [4] «الصحيح» عن عليِّ بن معبد [5] في حديث الشفاعة من حديث الحسن عن أنس: «ثُمَّ أرجع إلى ربِّي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثُمَّ أخِرُّ له ساجدًا، قال: فيقال لي: يا محمَّد؛ ارفع رأسك، وقل؛ يسمعْ لك، وسلْ؛ تعطَه، واشفعْ؛ تُشفَّع، فأقول: يا ربِّ؛ ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: ليس ذلك لك_أو قال: ليس ذلك إليك_ ولكن وعزِّتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي؛ لَأُخرجَنَّ منها مَن قال: لا إله إلَّا الله»، انتهى، فشفاعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والملائكةِ والنبيِّين والمؤمنين لمَن كان له عملٌ زائدٌ على مجرَّد التصديق، ومَن لم يكن معه مع الإيمان المذكور خيرٌ [6]؛ [فهو] من الذين يتفضَّل الله عليهم، فيخرجهم من النَّار فضلًا وكرمًا.
قوله: (الْحَيَا): هو مقصورٌ، ومدَّه الأصيليُّ، وهو غلطٌ، والمراد: كلُّ ما يحيا به النَّاس، والحيا؛ بالقصر: المطر والخِصب، فيُحيَون بعد غسلهم فيها، فلا يموتون وتخصب [7] أجسامهم، وهذا النَّهر هو بين الصراط والجَنَّة، والدَّليلُ لذلك: ما روى مجاهدٌ عن أبي هريرة ... ؛ فذكر حديثًا، وفيه: «فيخرج أهل التَّوحيد منها إلى عين بين الجنَّة والصِّراط يقال له: نهر الحياة، فيُرَشُّ عليهم من الماء».
تنبيه [8]: صرَّح البخاريُّ بأنَّ الشَّكَّ فيه مِن مالكٍ [9]، ولم يُفصِح به مسلمٌ.

(1/121)


قوله: (الْحِبَّةُ): هي بكسر الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة، قال الفرَّاء: (هي بزور البقل)، وقال الكسائيُّ: (هي حبُّ الرَّياحين)، وقال أبو عمرو: (هو نبت ينبت في الحشيش صغار)، وقال النَّضر: (هو اسم جامع لحبوب البقل، الذي ينتشر إذا هاجت، فإذا مطرت؛ نبت، والحبَّة: واحدة الحبِّ من عنب وغيره، وحبَّ الحبَّة التي في داخلها يُسمَّى: حُبَة؛ بضمِّ الحاء وتخفيف الباء، قال الحربيُّ: (ما كان من النَّبت له حبٌّ [10]؛ فاسم [11] ذلك الحبِّ حُبَةٌ)، وقال غيره: فأمَّا الحنطة وغيرها؛ فهو الحب، وقالوا: الحِبة فيما هوَ من حبوب مختلفة، قال ابن دريد: هو جميع ما تحمله البقول من ثمرة، وجمعه حِبَبٌ، وشبَّههم بها لأمرين؛ بياضها كما جاء في الحديث، والثاني: سرعة نباتها؛ لأنَّها تنبت في يوم وليلة، ولأنَّها ربَّما رُوِيت من الماء وتردَّدت في غثاء السَّيل، وتيسَّرت قِلْبَتُها للخروج، فإذا خرجت في حميل السَّيل؛ غَرَزَت عروقها فيه لحِينها ونبتت بسرعة، قاله في «المطالع»، وفي كلام بعضهم: بكسر الحاء: بزر الصحراء ممَّا ليس بقوت، وبالفتح: عكسه؛ كحبَّة الحنطة، قال: هذا أحسن الأقوال فيه.
قوله: (فِي جَانِبِ السَّيْلِ): كذا هنا في أصلنا، وجاء (حميل السَّيل) بدل (جانب)، وفي رواية وهيب في بعض طرق مسلم: «حمأة السَّيل»، والحميل بمعنى: المحمول، وهو ما جاء به من طين أوغثاء، والحمأة: ما تغيَّر لونه من الطِّين، وهو قريب.
قوله: (قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو: «الْحَيَاةِ»، وَقَالَ: «خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ»): إنَّما أتى بتعليق وهيب عن عمرو _وهو ابن يحيى المازنيُّ المذكور في السَّند_ لفوائد:
الأولى: أنَّ فيها: (الحياة) من غير شكٍّ، بخلاف رواية مالك.
والثانية: أتى بالتحديث عن عمرو، ورواية مالك أتى فيها بـ (عن)، وإنْ حُوشِيَ من التدليس، وقد تقدَّم أنَّ العنعنة مطلقًا فيها خلاف وإن كانت من غير مدلِّس.
الثالثة: أنَّ فيها: (من [12] خير) بدل (من إيمان)، وكذا أتى بها مسندةً في (صفة الجنَّة والنَّار): عن موسى، عن وهيب به [خ¦6560]، وأخرجه مسلم في (الإيمان): عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن عفَّان، عن وهيب به، ووهيب المعلَّق عنه هنا هو ابن خالد الباهليُّ الحافظ، ثقة، يقال: لَمْ يكن بعد شعبةَ أعلم بالرجال منه، تُوفِّي سنة (165 هـ)، أخرج له الجماعة.
==========
[1]
في (ب): (والله).
[2]
في (ب): (الخيرة).

(1/122)


[3]
في (ب): (فيكون).
[4]
في (ج): (أواخر)، وكررت في هامش (أ): (أواخر).
[5]
الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه» (7510) من حديث معبد بن هلال لا علي بن معبد، فليتنبه.
[6]
في (ب): (خبر).
[7]
في (ب): (ويخصب).
[8]
في (ب): (فائدة).
[9]
حيث قال عقب قوله: «فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا أَوِ الْحَيَاةِ»: (شكَّ مالكٌ).
[10] (
له): ليست في (ب).
[11]
في (ب): (قائم).
[12] (
من): ليست في (ج).
[
ج 1 ص 22]

(1/123)


[
حديث: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي]
23#
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَاب): تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ العلمُ الفرد، محمَّد بن مسلم [1] بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بنِ حُنَيف): قال الدِّمياطيُّ: (أبو أمامة اسمُه أسعد باسم جدِّه لأُمِّه أسعد بن زرارة، نقيب الأنصار) انتهى، وأسعد هذا وُلِدَ في حياته عليه الصَّلاة والسَّلام، وسُمِّيَ باسم جدِّه كما تقدَّم، وأُمُّه اسمُها حبيبة بنت أبي أمامة أسعد [2]، صحابيَّةٌ، أرسل عنه عليه الصَّلاة والسَّلام، وروى عن أبيه، وعمر، وعائشة، وغيرهم، وعنه: سعد بن إبراهيم، وأبو الزِّناد، والزُّهريُّ، وغيرهم، قال جماعة: تُوفِّي سنة مئة، أخرج له الجماعة [3].
قوله: (سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ): تقدَّم أنَّه سعد بن مالك بن سنان، وتقدَّم ضبط الخدريِّ.
[
ج 1 ص 22]
قوله: (الثُّدِيَّ): هُوَ بضمِّ الثاء المثلَّثة ويجوزُ كسرها، وبكسر الدَّال المهملة وتشديد الياء، جمع ثَدْي؛ بفتح الثاء وإسكان الدَّال، وفيه لغتان: التَّذكير والتَّأنيث، والتَّذكير أفصح وأشهر، ولم يذكر جماعة من اللُّغويِّين غيرَه، ويُجمَع على: أثدٍ أيضًا، ويُطلَق على الرجل والمرأة، ومنهم مَنْ منع إطلاقه في الرَّجل، وليس بشيءٍ.
قوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: مِن القائلين أبو بكرٍ الصديقُ، وعزاه للحكيم الترمذيِّ في «نوادره»، وفي الدَّارقطنيِّ في «علله»؛ فذكر حديثًا، وفيه: («ومرَّ بي عمر يجرُّ قميصه»، فقال أبو بكرٍ: ما أوَّلْتَه يا رسول الله؟ ... )؛ الحديث.
قوله: (الدِّينَ): هو بالنصب، وجُوِّزَ فيه الرفعُ.
==========
[1] (
بن مسلم): ليست في (ج).
[2]
أي: ابن زرارة.
[3]
انظر «تهذيب الكمال» (2/ 525).

(1/124)


[
باب الحياء من الإيمان]
(
بابٌ الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ) ... إلى (بابُ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ)
قوله: (بَابٌ الْحَيَاءُ): اعلم أنَّ الحياء [1] حقيقته: خُلُق يَبعثُ على ترك القبيح، ويَمنعُ مِنَ التقصير في حقِّ ذي الحقِّ، وقال الجُنيد كما ذكره القشيريُّ عنه في «رسالته»، وقد رَويتُها عاليًا: (الحياءُ: رُؤيةُ الآلاء_أي: النِّعم_ ورؤيةُ التقصيرِ، فيتولَّدُ بينهما حالةٌ تُسمَّى الحياء)، قال القاضي [2] وغيره من الشُّرَّاح: (إنَّما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة؛ لأنَّه قد يكون تخلُّقًا واكتسابًا كسائر أعمال البرِّ، وقد يكون غريزة، ولكنَّ استعماله على قانون الشَّرع يحتاج إلى اكتسابٍ ونِيَّةٍ وعلمٍ، فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثًا على أفعال البرِّ ومانعًا من المعاصي)، قاله النَّوويُّ.
==========
[1] (
الحياء): ليست في (ب).
[2]
زيد في (ب): (عياض).
[
ج 1 ص 23]

(1/125)


[
حديث: دعه فإن الحياء من الإيمان]
24#
قوله: (مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ): لَمْ أعرفِ الواعظَ إلَّا أنَّه مِنَ الأنصار كما هنا، والموعوظ لا أعرفه أيضًا.
قوله: (يَعِظُ أَخَاهُ): أي: يؤنِّبه ويقبِّحُ له كثرته، وأنَّه من العجز.
==========
[
ج 1 ص 23]

(1/126)


[
باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم}]

(1/127)


[
حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله]
25#
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ): هو بضمِّ الميم، ثُمَّ سين ساكنة، ثُمَّ نون مفتوحة، وإنَّما عُرِفَ بهذا؛ لأنَّه كان وقت الطَّلب يتتبَّع الأحاديث المسندة، ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل، وقال الحاكم: (عُرف بذلك؛ لأنَّه أوَّل مَن جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النَّهر)، وقد تقدَّم [1] قريبًا، وهو عبد الله بن محمَّد بن جعفر بن يمان [2] الجعفيُّ البخاريُّ، أبو جعفر الحافظ، وقد أخرج له البخاريُّ قبل هذا المكان، ولكن هنا نَسَبَه؛ فلهذا ذكرتُه أنا هنا، يَروي عنِ ابن عُيينة، وفُضيل بن عِياض، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، وأحمد بن سيَّار، وأبو زُرعة، والدَّارميُّ، وجماعةٌ، قال أبو حاتم: (صدوق)، تُوفِّي سنة (229 هـ) في ذي القعدة، روى له البخاريُّ والتِّرمذيُّ، وهو مولى البخاريِّ من فوق [3].
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ): (رَوح): بفتح الراء، و (حَرَميٌّ): بفتح الحاء المهملة والراء، مشدَّدُ الآخر، و (عُمَارة): بضمِّ العين، وتخفيف الميم، ابن أبي حفصة نابت؛ بالنون، ويقال: بالثاء، ثقة، تُوفِّي سنة (201 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه [4].
قوله: (عَنْ وَاقِدِ بنِ مُحَمَّدٍ): هو بالقاف، قال الدِّمياطيُّ: (هو واقد بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر، أخو عمر، وزيد، وعاصم، وأبي بكر) انتهى، ثقةٌ، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، قال ابن قُرقُول: (وليس فيها _يعني: «البخاريَّ»، و «مسلمًا»، و «الموطَّأ» _ وافد؛ بالفاء) انتهى، وأمَّا أنا؛ فلا أستحضر في الكتب السِّتَّة راويًا اسمه وافد؛ بالفاء، ولهم في غير الكتب وافد بن سلامة، يروي عن يزيد الرقاشيِّ، روى عنه: عبيد الله العمريُّ، وأنس بن عياض، ويقال فيه: بالقاف، ووافد بن موسى الدارع عن عبد الغفَّار بن داود الحرَّانيِّ، وكان عبد الله بن محمَّد بن جعفر القزوينيُّ يُصَحِّف فيه، فيقول: واقد؛ بالقاف، حدَّث بالثغور، وغيرِهما [5].

(1/128)


[
باب من قال: إن الإيمان هو العمل]
قوله: ({بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]): اعلم أنَّ (ما) في الآية ونظائرها وجهان؛ أحدهما: أنَّها مصدريَّة؛ أي: بعملكم، وثانيهما: موصولة؛ أي: بالذي كنتم تعملون، والوجهان في (ما) في الآية التي تلاها بعدها، وعنِ النَّوويِّ: أنَّ الظاهر المختار أنَّ معنى {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} [1] [الحجر: 92]: عن أعمالهم كلِّها؛ أي: الأعمال التي يتعلَّق بها التكليف.
سؤال: إن قيل: كيف يُجمَع بين الآية الأُولى وبين الحديث: «لنْ يدخُلَ أحدٌ الجنَّةَ بعملِه»؟
قيل: إنَّ دخول الجنَّة بسبب العمل، والعمل برحمة الله تعالى، وفي «مغني ابن هشام جمال الدِّين» في (معاني الباء): (الباء من المقابلة، وهي الداخلة على الأعواض؛ كاشتريته بألف، وكافأت إحسانه بضعف، وقولهم: هذا بذاك، ومنه: {ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]، وإنَّما لم يقدِّرها باء السَّببية كما قالت المعتزلة، وكما قال الجميع في «لن يدخلَ أحدُكم الجنَّةَ بعملِه»؛ لأنَّ المعطي بعِوَض قد يُعطِي مجَّانًا، وأمَّا المسبَّب؛ فلا يُوجَدُ بدون السَّبب، وقد تبيَّنَ أنَّه لا تعارُضَ بين الحديث والآية؛ لاختلاف مَحْمَلي البابين جمعًا بين الأدلَّة) انتهى، ولغير ابنِ هشامٍ كلامٌ في ذلك تركتُه اختصارًا.
سؤال آخر: إن قيل: كيف يُجمع بين الآية وهي: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] والآيةِ الأُخرى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ} [2]؛ الآية [الرحمن: 39]؟
قيل: إنَّ في القيامة مواطن أعاننا الله على أهوالها؛ ففي موطن يُسألون، وفي آخر لا، وهذا جوابُ ابن عبَّاس رضي الله عنهما، كما سيأتي في هذا «الصحيح» في (حم السَّجدة).
وجوابٌ ثانٍ: وهو أنَّهم لا يُسألون سؤالَ استخبار.
قوله: (وَقَالَ عِدَّةٌ): أي: جماعةٌ، قال حافظُ عصري: (سمَّيتُ منهم في وصلِ التعليق أَنَسًا، وابنَ عُمرَ، ومُجاهدًا، وغيرَهم) انتهى، (وقد ذكر مستنده في مجاهدٍ، وأنسٍ، وابنِ عمرَ، والله أعلم) [3].

(1/129)


[
حديث: أن رسول الله سئل: أي العمل أفضل؟]
26#
قوله: (وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): هو التَّبُوذَكِيُّ الحافظ، مشهورُ الترجمة، وسيأتي الكلام على نسبته [خ¦63].
قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابنُ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ _تقدَّم_ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيّب) [2]: اعلم أنَّ المسيَّب غيرَ والد سعيدٍ بفتح الياء في جميع الأسماء، إلَّا ما كانَ مِن [3] والد سعيدٍ، فإنَّ صاحبَ «المطالع» قال: (بفتح الياء على المشهور، وحَكى لنا القاضي الصَّدَفيُّ عنِ ابن المَدينيِّ، ووجدتُهُ بخطِّ مكِّيِّ بنِ عبدِ الرَّحمن كاتبِ أبي الحسن القابِسيِّ عنِ ابن المَدينيِّ: أنَّ أهلَ العراق يفتحونَ ياءَه وأهلَ المدينةِ يكسرونَها [4]، قال لنا الصَّدَفيُّ: وذُكِر لنا أنَّ سعيدًا كان يَكرهُ أنْ تُفتَحَ الياءُ من اسم أبيه) انتهى [5]
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبدُ الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ، وأنَّ في اسمه نحوَ ثلاثين قولًا، وتقدَّم ما فيه [6].
قوله: (سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ»): السَّائلُ هو أبو ذَرٍّ، كما رواه «البخاريُّ» في (كتاب العتق) عن أبي ذَرٍّ قال: (سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العملِ أفضلُ؟)، ورواه مسلمٌ في (كتاب الإيمان) عقب حديث أبي هريرة هذا.
[
ج 1 ص 23]
قوله: (قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ»): بدأ في هذا الحديث بالإيمان، ثُمَّ بالجهاد، ثُمَّ الحجِّ، وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ بدأ بالصَّلاة؛ لميقاتِها، ثُمَّ بِرِّ الوالدين، ثُمَّ الحجِّ، وفي حديث أبي ذَرٍّ لم يَذكرِ الحجَّ، وفي حديث أبي موسى السَّالف: أيُّ الإسلام أفضلُ؟ قال: «مَن سَلِمَ المسلمونَ مِنْ لسانِهِ ويَدِهِ»، وفي حديث ابن عمرٍو السَّالفِ: أَيُّ الإسلامِ خيرٌ؟ قال: تُطْعِمُ الطعامَ، وتَقْرَأُ السَّلَامَ ... »؛ الحديث [خ¦12].
وقد جمعَ العلماءُ بينها وبين ما أشبهها بوجوهٍ، ذكرَ الحَليميُّ منها وجهين عن شيخه القَفَّال الكبير [7]:

(1/130)


أحدُهما: أنَّه جرى على اختلاف الأحوال والأشخاص، كما رُوي أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «حجَّةٌ لمن لَمْ يَحُجَّ أفضلُ مِنْ أربعينَ غزوةً، وغزوةٌ لمَنْ حَجَّ أفضلُ مِنْ أربعينَ حجَّةً»، فأعلمَ كلَّ قومٍ بما بهم [8] الحاجة إليه دون ما لَمْ تَدْعُ حاجتُهم إليه، أو ذكر ما لَمْ يعلمه السَّائلُ وأهلُ المجلس مِن دعائِمِ الإسلام، ولا بَلَغَهُ عملُه، وتركَ ما علِمُوه، ولهذا أسقطَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصِّيامَ في حديث الباب، وأثبتَ فيه الجهادَ والحجَّ، ولا شكَّ أنَّ الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصَّومَ مقدَّماتٌ على الحجِّ والجهادِ، فقد يكونُ الجهادُ في حقِّ شخصٍ أَولى مِن غيرِه؛ وهو مَن تأهَّل له أو عندَ التعيُّنِ والعياذُ بالله، وكذا نقولُ في بِرِّ الوالدين، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «ففيهِما، فَجَاهِدْ».
الثاني: أنَّ لفظةَ (مِنْ) مُرادة، والمراد: مِن أفضل الأعمال، كما يُقال: فلانٌ أعقلُ الناسِ، والمراد: مِن أعقلِهِم؛ ومنه الحديث: «خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ»، ومعلومٌ أنَّه لا يصيرُ بذلك خيرَ الناسِ، وكقولهم: أزهدُ الناسِ في عالمٍ جيرانُه.
قوله: (مَبْرُورٌ): هو الذي لا يَرتكِبُ صاحبُه فيه معصيةً، قاله القاضي عياض عن شمر، ولفظه: (هو الذي لا يُخالِطُهُ شيءٌ مِنَ المآثم) [9]، وقيل: المبرور: المُتَقَبَّل، ويجوزُ أنْ يكونَ المبرورُ: الصادقُ والخالصُ لله تعالى.
وقولُ مَن قال: (المتقبَّل)، قد يُستشكَلُ مِن حيث إنَّه لا اطِّلاع على القبول.
وجوابه: أنَّه قد قيل: إنَّ مِن علاماتِ القبول أن يزداد بعدَه خيرًا.

(1/131)


وقد قال المحبُّ الطبريُّ في «مناسكه» في المبرور، فقال: (الذي لا يُخالِطُه إثمٌ، وصحَّحَه النوويُّ، وقيل: المتقبَّل، وقيل: الذي لا رِياءَ فيه، ولا سمعةَ، ولا رفثَ، ولا فُسوقَ، وقيل: علامةُ الحجِّ المبرور أن يَزدادَ بعدَه خيرًا، ولا يُعاود المعاصي بعدَ رجوعه) انتهى، وفي «مسند أحمد» من حديث جابر: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّة»، قالوا: يا نبيَّ الله؛ ما الحجُّ المبرور؟ قال: «إطعام الطعام، وإفشاء السلام»، فهذا تفسيرٌ منه عليه الصَّلاة والسَّلام للحجِّ المبرور، وهو مقدَّمٌ على غيره، وقد تقدَّم عنِ القاضي عياض ما نقلَه عن شمر، قال: (وقيل: المتقبَّل)، ثُمَّ ذكر الحديث المشار إليه، ثُمَّ قال: (فعلى هذا: يكون مِنَ البِرِّ الذي هو فعل الجميل)، ثُمَّ قال: (ويجوز أن يكون الصادق الخالص لله) انتهى، وقد تقدَّم هذا.
==========
[1]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
في هامش (أ): (مطلب: المسيِّب أبو سعيد تكسر ياؤه).
[3]
في (ب): (عن).
[4]
في (ب): (يكسرون ياءه).
[5] «
مطالع الأنوار».
[6] (
وتقدم ما فيه): ليست في (ج).
[7]
في هامش (أ): (هذا بحث يجمع بين ما ورد في أفضل الأعمال).
[8]
في (ب): (يهم).
[9] «
إكمال المعلم» (1/ 239).

(1/132)


[
باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة]

(1/133)


[
حديث: أن رسول الله أعطى رهطًا وسعد جالس]
27#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): هو الحكمُ بن نافعٍ، تقدَّم.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه العلَم الفرد أبو بكر ابن شهاب، واسمُ الزُّهريِّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (أَعْطَى رَهْطًا): هو ما دون العشرة من الناس، ويقال: بل إلى الأربعين، وقيل: من الثلاثة إلى العشرة، وفي «الِّصحاح»: (الرهط: ما دون العشرة من الرِّجال لا يكون فيهم امرأة، قال تعالى: {وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل: 48]، فجمع، وليس له واحد من لفظه، والجمع: أرهط وأرهاط وأراهط؛ كأنَّه جمع رهط وأراهيط).
فائدة شاردة: التسعةُ رَهْطٍ المذكورون: قدار بن سالف عاقر الناقة، ومصدع، وأسلم، ورُهَم، ورَهيم، ودعميٌّ، ودُعيم، وقتال، وصداف.
قوله: (رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (إنَّه جعيل بن سراقة)، قال: (وفي «مغازي الواقديِّ» ما يدلُّ على ذلك) انتهى، وكذا قال حافظ عصري، وجُعيل هذا يقال له أيضًا: جعال بن سراقة الغفاريُّ، وقيل: الضمريُّ، من أهل الصُّفَّة، شهد أُحُدًا.
فائدة شاردة: لما صرخ إبليس لعنه الله [1] يوم أُحُد: أَلَا إنَّ محمَّدًا قد قُتِل؛ قال أبو عُمر في «استيعابه» في ترجمة جُعيل: (وكان رجلًا صالحًا دميمًا قبيحًا، أسلم قديمًا، وشهد مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُحُدًا، ويقال: إنَّه الذي تصوَّر إبليس في صورته يوم أُحُدٍ) انتهى.
قوله: (لَأَرَاهُ): هو بفتح الهمزة، قال النَّوويُّ: ولا يجوزُ ضمُّها على أن يُجعَلَ بمعنى: أظنُّه؛ لأنَّه قال: (ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ)، ولأنَّه راجعَ مِرارًا، ولو لَمْ يكن جازمًا باعتقاده؛ لما كرَّرَ المراجعةَ، وعن أبي العبَّاس القُرطبيِّ أنَّه قال: (الرِّوايةُ بضمِّ الهمزة؛ بمعنى: أظنُّه، وهو منه حَلِفٌ على ما ظنَّه .... ) إلى آخر كلامه.

(1/134)


قوله: (أَوْ مُسْلِمًا): قال ابن قُرقُول: (هذه ساكنة الواو على معنى: الإضراب عن قوله والحكمِ بالظَّاهر، كأنَّه قال: بلْ مُسلمًا، فلا تَقطَعْ على مُغيَّبَةٍ؛ لأنَّ حقيقةَ الإيمان في القلب لا يعلَمُها إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، وإنَّما تَعلَمُ الظاهرَ؛ وهو الإسلامُ، وقد تكون بمعنى: الشَّكِّ_وقد قرَّره وأنَّها إذا كانت له؛ كانت ساكنة الواو_ أي: لا تقطع بأحدِهما دون الآخرِ، ولا يصحُّ فتحُ الواو هنا جملةً) [2].
وقال شيخُنا الشَّارح: («أوْ» بإسكان الواو، وهي التي للتَّقسيم والتَّنويع، أو للشَّكِّ والتَّشريك، ومَنْ فتحَها؛ أخطأَ وأحالَ المعنى ... ) إلى آخر كلامه، ثمَّ قال: (وأغربَ بعضُهم، وادَّعى أنَّ قولَه: «أوْ مسلمًا»: أمرَه ألَّا يَقطعَ بإيمانِه، بل يقولُهُما؛ لأنَّه أحوطُ) [3].
قوله: (خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللهُ): (يَكُبَّهُ): بفتح أوَّلِه، وضمِّ الكاف، ثلاثيٌّ، يُقال: أكبَّ الرجل وكَبَّه اللهُ، وهذا بناءٌ غريبٌ، فإنَّ المعروفَ أن يكون الفعلُ اللَّازم بغير همزٍ فيُعَدَّى بها، وهنا عكسُه، وقد أشار إلى ذلك البخاريُّ في موضع من «الصحيح» [4].
فائدة: أحفظ من هذا الباب [5] قولهم: (أجفل الظَّلِيم وجفلته الرِّيح)، و (أشنق البعير؛ إذا رفع رأسَه، وشنقتُه أنا)، و (أنزفت البئر؛ إذا ذهب ماؤُها، ونزفتُها أنا)، و (أقشع الغيم وقشعته الريح)، و (انسلَّ ريشُ الطَّائر ونسلته)، و (أمرتِ الناقة؛ إذا درَّ لبنُها ومريتها)، و (ألوَت الناقةُ بذنبها ولوتْ ذنبها)، و (صرَّ الفرس أذنه وأصرَّ بأذنه)، و (علوت الوسادة وأعليت عليها)، و (حجمته فأحجم)؛ أي: كففته فانكفَّ [6]، و (عرضتُ
[
ج 1 ص 24]
الشَّيء فأعرض)؛ أي: أظهرته، فظهر، و (أمشطتِ المرأةُ ومشطتْها الماشطةُ) انتهى [7]، قال القاضي: (الرِّوايةُ الصَّحيحةُ: «يَكُبَّه»؛ بفتح أوَّله).
قوله: (رَوَاهُ يُونُسُ): هو يونس بن يزيد الأيليُّ، تقدَّم، وما رواه يونس ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا رحمه الله.
قوله: (وَصَالِحٌ): هو ابن كيسان، وهو أكبر من الزُّهريِّ؛ لأنَّه رأى ابن عمر، فهو من رواية الأكابر عنِ الأصاغر، وتعليقه هذا أخرجه البخاريُّ [8] في (الزَّكاة).

(1/135)


قوله: (وَمَعْمَرٌ): هو بإسكان العين، وهو ابن راشد، تقدَّم، وتعليقُ معمر أخرجه مسلم في (الزَّكاة) عن إسحاق بن إبراهيم، وعبد بن حميد؛ كلاهما عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَر به، وأخرجه أبو داود في (السُّنَّة) عن أحمد ابن حنبل، عن عبد الرَّزَّاق به، وأخرجه فيه من طريق أخرى [9]، وأخرجه النَّسائيُّ في (الإيمان) وفي (التفسير) مختصرًا [10].
قوله: (وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ): هو محمَّد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله [11] بن شهابٍ الزُّهريِّ، ليَّنَهُ ابنُ معين، ووثَّقه أبو داود وغيرُه، [وقال أبو حاتم: (ليس بالقويِّ)، وفي رواية الدَّارميِّ عنِ ابن معين: ضعيف] [12]، وقد روى له الأئمَّةُ السِّتَّة، وله ترجمة في «الميزان»، ولكن جاز القنطرة كما تقدَّم، وما رواه هنا؛ لم أره في شيءٍ مِنَ الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا [13].
قوله: (عن الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهريُّ العالم.
==========
[1] (
اسم الجلالة): ليس في (ب).
[2] «
مطالع الأنوار».
[3] «
التوضيح».
[4]
في هامش (أ) بخطٍّ مغاير: (مسألة: الفعل إذا كان مجرَّدًا؛ يكون متعدِّيًا، فإذا نُقِل إلى باب «أفعل»؛ صار لازمًا، ذكر الشارح منه عدَّة كلمات؛ فقف عليها).
[5] (
الباب): ليست في (ج).
[6]
في (ب): (أي: لففته فانلف).
[7] (
انتهى): ليست في (ب).
[8] (
البخاري): ليس في (ب).
[9]
في (ب): (آخر).
[10] (
وفي «التفسير» مختصرًا): ليست في (ب).
[11] (
بن عبد الله): مثبت من (ب).
[12]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[13]
انظر «تهذيب الكمال» (25/ 554).

(1/136)


[
باب إفشاء السلام من الإسلام]
قوله: (وَقَالَ عَمَّارٌ): هذا هو عمَّارُ بنُ ياسرٍ، أبو اليقظان ابن مالك بن الحصين العنسيُّ؛ بالنُّون، وقيل: غير ذلك في نسبه، أحدُ السَّابقين، مناقِبُه جَمَّةٌ، قُتِلَ بصِفِّين سنة (37 هـ) عن ثلاث وتسعين سنة، وقيل: أربع.
فائدة: قتله أبو الغادية الجهنيُّ، واسمه يسار بن سبع، وقيل في اسمه غير ذلك، سكن الشَّام، ونزل واسط، عداده في الشَّاميِّين، أدرك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو غلام، وسمع منه قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»، وكان مُحِبًّا لعُثمان، وكان إذا استأذن على معاوية؛ يقول: قاتل عمَّارٍ بالباب، روى عنه كُلثوم بن جَبر وغيرُه، أخرج له أحمد في «المسند»، وقد ذكر بعض الحفَّاظ أنَّه قتله أبو الغادية وابن جَزء اشتركا فيه.
قوله: (ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ؛ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ): اعلم أنَّ هَذَه الكلماتِ الثلاثَ جمعتْ خيراتِ الدُّنيا والآخرة؛ فإنَّ الإنصافَ يقتضي أن يؤدِّيَ إلى الله تعالى جميع حقوقه، وما أمر به، ويجتنب ما نهاه عنه، وأن يؤدِّيَ إلى الناس حقوقَهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن يُنصِفَ أيضًا نفسه، فلا يوقعَها في قبيحٍ أصلًا.
وأمَّا بذل السلام للعالَم؛ فمعناه لجميع الناس، فيتضمَّنُ ألَّا يتكبَّر على أحدٍ، وألَّا يكون بينه وبين أحدٍ جفاءٌ يمتنع بسببه من السلام عليه، وأمَّا الإنفاقُ مِنَ الإقتار؛ فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى، والتوكُّل عليه، والشفقةِ على المسلمين.
واعلم أنَّ هذه الكلمات رواها الخرائطيُّ في «مكارم الأخلاق» من حديث عمَّارٍ مرفوعًا، وكذا أخرجها غيرُه.
قوله في الأثر: (لِلْعَالَمِ): هو بفتح اللَّام؛ معناه: للناس كلِّهم.
==========
[
ج 1 ص 25]

(1/137)


[
حديث: أن رجلًا سأل رسول الله: أي الإسلام خير؟]
28#
قوله: (عَنْ [1] يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ): هو بفتح حاء (حَبِيب)، وكسر الموحَّدة، وهذا ظاهرٌ.
قوله: (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ): هو بفتح الخاء المعجمة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، وهو مرثد بن عبد الله اليزنيُّ، كان مفتي أهل مصر، روى له الجماعة، تُوفِّي سنة (90 هـ).
قوله: (أَنَّ رَجُلًا): هذا الرجل لا أعرف اسمَه.
==========
[1] (
عن): ليست في (ب).
[
ج 1 ص 25]

(1/138)


[
باب كفران العشير وكفر دون كفر]
قوله: (كُفْرَانِ الْعَشِيرِ): هو الجَحْد، و (العشير) المراد به هنا: الزَّوج؛ يعني: أنَّهُنَّ يجحدن إحسان أزواجِهِنَّ، ولا يمتنع حملُه على عمومه؛ لأنَّ العشيرَ المعاشر، وقد بيَّن عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه أراد الكفر المعنويَّ اللُّغويَّ؛ وهو التغطيةُ والسترُ؛ أَي: يغطِّينه بالجحود.
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): هو سعد بن مالك بن سِنان الخُدريُّ، تقدَّم مرَّاتٍ، وأنَّه بالدَّال المهملة.
==========
[
ج 1 ص 25]

(1/139)


[
حديث: أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن]
29#
قوله: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ): تقدَّم أعلاه معناه.
قوله: (الدَّهْرَ): هو منصوبٌ على الظرفِ.
قوله: (قَطُّ): تقدَّمت اللُّغات فيها.
==========
[
ج 1 ص 25]

(1/140)


[
باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا .. ]
قوله: (جَاهِلِيَّةٌ): تقدَّمَ الكلامُ عليها فيما مضى.
قوله: (وَقَوْلُ [1] اللهِ): هو بالرَّفعِ، معطوفٌ على (بابٌ) المنوَّن المرفوع.
==========
[1]
في «اليونينيَّة»: (وقولِ)، والمثبت موافق لما في (ق).
[
ج 1 ص 25]

(1/141)


[
حديث: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية]
30#
قوله: (عَنِ المَعْرُورِ): هو بالعين المهملة، ثُمَّ راءَين مهملتين، بينهما واو، وهو المعرورُ بنُ سُويدٍ، أسَديٌّ، قيل: عاش مئة وعشرين سنة، روى له الجماعة، وثَّقه ابنُ معينٍ وأبو حاتم، ومعنى (معرور): مقصود [1].
قوله: (أَبَا ذَرٍّ [2]): هو جُندبُ بنُ جُنادة، وجُندب؛ بضمِّ الدَّال وفتحها، وقيل: اسمُه بُرير؛ بموحَّدة مضمومة، وراء مكرَّرة، وقيل: اسمُه جُندب بن عبد الله، وقيل: ابن السكن، والمشهورُ الأوَّلُ، نسبه معروفٌ، يُنسب إلى ضمرة بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضر، وأُمُّه رَمْلةُ بنت الوقيعة، أسلمتْ وهي صحابيَّةٌ، وكذا أخوه أنيس.
وهو صحابيٌّ جليلٌ زاهدٌ، توفِّي بالرَّبَذة سنة (32 هـ)، وصلَّى عليه ابنُ مسعودٍ، ثُمَّ قَدِمَ ابنُ مسعودٍ المدينةَ، فأقام عشَرةَ أيَّامٍ بها [3]، ثُمَّ تُوفِّي، وكان أبو ذَرٍّ طويلًا عظيمًا زاهدًا متقالًّا [4] من الدُّنيا، وكان مذهبُه أنَّه يُحرِّمُ على الإنسان ادِّخار ما زاد على حاجته، وكان قوَّالًا بالحقِّ، قال ابنُ عبد البَرِّ: (أسلمَ بعد أربعةٍ، فكان خامسًا) [5]، وقال غيرُه: رابع أربعة، وقال في اسمه: (أسلم بعد ثلاثة، ويقال: بعد أربعة) انتهى [6]، وفي «المستدرك» في ترجمته: (لقد رأيتُني لَمْ يُسلم قبلي إلَّا أبو بكرٍ وبلالٌ) صحيح، ثُمَّ ساقَ سندًا آخرَ: (أسلم قبلي ثلاثة)، قَدِمَ المدينة بعد الخَنْدَق، فلم يشهد بدرًا ولا أُحدًا، قاله الواقديُّ، وفي «صحيح مسلم»: (ولقد [7] صلَّيتُ يا بن أخي _يقوله لعبد الله بن الصامت_ قبل أن ألقى النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّم بثلاث سنين، قلتُ: لَمن؟ قال: لله، قلتُ: فأين تَوجَّه؟ قال: أتوجَّهُ حيث وجَّهني ربِّي)، وفي روايةٍ لمسلم أيضًا: (قال: يا بن أخي _يقوله لعبد الله بن الصامت_ صلَّيتُ يا ابن أخي سنتين قبل مبعث النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [8].
قوله: (بِالرَّبَذَةِ): هي بفتح الرَّاء، والموحَّدة، والذَّال المعجمة، على ثلاث مراحلَ مِنَ المدينة، قريب من ذات عِرق.
قوله: (حُلَّةٌ): هي ثوبان، لا تكونُ ثوبًا واحدًا، ويكونان غيرَ لفقين رداءً وإزارًا [9]، سُمِّيا بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يحلُّ على الآخر، قال أبو عبيد: (الحُلل:
[
ج 1 ص 25]
بُرودُ اليمن)، وقال بعضُهم: لا يُقال لها: حلَّة حتَّى تكون جديدةً يحلها [10] عن طيِّها.

(1/142)


قوله: (وَعَلَى غُلَامِهِ): غلامُ أبي ذرٍّ لا أعرف اسمَه.
قوله: (سَابَبْتُ [11] رَجُلًا): هذا الرجلُ هو بلالٌ رضي الله عنه، قاله ابنُ بشكوال، وهو الحديث الخامس بعد الثلاث مئة، ولم يَذكُر عليه شاهدًا.
قوله: (فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ): رُوي عنِ الوليد بن مسلمٍ، قال: (كان بين بلالٍ وبين أبي ذرٍّ محاورةٌ، فعيَّره بسوادِ أُمِّه) انتهى، أُمُّه هي [12] حمامة، ذكرها ابنُ عبد البَرِّ فيمَن [13] كان يُعَذَّبُ في الله، فاشتراها الصِّدِّيقُ فأعتقَها، وذكرها الذهبيُّ في «تجريده» في (الصحابة).
تنبيه: فيه ردٌّ على الجوهريِّ وابنِ قُتيبةَ؛ حيث قالا: (لا يجوزُ عَيَّرَه بكذا)، قال الجوهريُّ: (وعيَّرَه كذا من التعيير، والعامَّةُ تقول: عيَّره بكذا) انتهى، والصحيحُ: أنَّهُما لُغتان وإسقاطُها أفصحُ، والله أعلم.
قوله: (جَاهِلِيَّةٌ): تقدَّم الكلامُ عليها؛ يعني: مِن فخرِهِم بالأنساب.
قوله: (إِخْوَانكُمْ): بالنَّصب؛ أي: احفظوا، ويجوزُ الرفعُ على معنى: هم إخوانُكم، وبه ضُبِط في أصلنا، وعن أبي البقاء: النَّصبُ أجودُ، لكنَّ البخاريَّ رواه في (بدء الخلق): «هم إخوانُكم» وهو يرجِّحُ الرفع، والله أعلم.
قوله: (خَوَلُكُم): هو بفتح الخاء المعجمة والواو وباللَّام؛ الخدم، سُمُّوا بذلك؛ لأنَّهم يتخوَّلون الأمور؛ أي: يُصلحونَها، وتخوَّلتُه: سخَّرتُه.

(1/143)


[
باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]
قوله: ({وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9]): الطائفة: الفِرقة، وتُطلق على الواحد، هذا قولُ الجمهور من أهل اللُّغة وغيرِهم، وقال الزَّجَّاج: عندي أنَّ أقلَّ الطائفةِ اثنان.
وقد جعل الشَّافعيُّ_كما قاله الشَّيخ أبو حامد الإسفراينيُّ_ الطائفةَ في قوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] أربعةً، وفي صلاة الخوف ثلاثة، وفي قوله: «مِن كلِّ فِرقةٍ منهم طائفةٌ» واحدًا فصاعدًا، انتهى، ومذهبُ الشَّافعيِّ: أنَّ حضور الطائفة عذابَ الزِّنى مستحبٌّ لا واجبٌ، وللناس خلافٌ في قوله: {عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} كمْ هي الطَّائفةُ هنا؟ ليس هذا موضعَه [1].
==========
[1]
زيد في (ب): (انتهى).
[
ج 1 ص 26]

(1/144)


[
حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار]
31#
قوله: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ): أمَّا (أيُّوب)؛ فهو ابن أبي تميمة كيسان أبو بكر، الإمام السّخْتِيانيُّ، تُوفِّي سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، ثقة [1].
وأمَّا (يونس)؛ فقد تقدَّم أنَّ في اسمه ستَّ لغاتٍ؛ تثليث النُّون مع الهمز [2] وعدمه، وهذا هو يونس بن عُبيد، أحد أئمَّة البصرة، من العلماء العاملين الأثبات، تُوفِّي سنة (139 هـ)، أخرج له الجماعة [3].
ولهم يونس بن عُبيد شخصٌ كوفيٌّ [4]، حدَّثَ عنِ البراء بن عازب، لا يُدرى مَن هو، وقد ذكره ابنُ حِبَّان في «الثِّقات» [5]، وحديثُه في ذكر رايةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّها سوداء مُربَّعة من نمرة [6]؛ أخرج له أبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ [7].
قوله: (عَنِ الْحَسَنِ): هو الحسن بن أبي الحسن يسار [8] البصريُّ، العلم المشهور، أخرج له الجماعة، ثقة، تُوفِّي سنة (110 هـ) [9].
قوله: (الأَحْنَف بْن قَيْسٍ): هو بفتح الهمزة، ثُمَّ حاء مهملة ساكنة، أبو بحر التميميُّ، وكان سيِّدًا نبيلًا، تُوفِّي سنة (67 هـ)، وقيل: سنة (72 هـ)، أخرج له الجماعة، ثقة [10].
قوله: (لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ): الرجل المبهم هو عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كما هو في «الصَّحيحين».
قوله [11]: (أَبُو بَكْرَةَ [12]): اسمُه نُفَيع بن الحارث بن كَلَدَة، من ثقيف، ونُفَيع: بضمِّ النون، ثُمَّ فاء مفتوحة، وكَلَدَة: بفتح اللَّام، الثقفيُّ، صحابيٌّ جليلٌ، وقيل: اسمه مسروح، وبَكْرة بفتح الموحَّدة وإسكان الكاف، وهو ممَّن نزل إليه عليه الصَّلاة والسَّلام يوم الطَّائف [13] في بَكْرةٍ، فكني بأبي بَكْرة لذلك، تُوفِّي بالبصرة سنة (51 هـ)، وقيل: سنة (52 هـ) [14].
وفيه: (فحديث أبي بكرة _يعني: هذا_ محمولٌ على ما إذا كان القتال على الدُّنيا، وقد جاء هكذا منصوصًا فيما سمعناه من بعض مشايخنا: «إذا اقتتلتم على الدُّنيا؛ فالقاتل والمقتول في النَّار»، خرَّجه البزَّارُ [16]) [17]، ثمَّ شَرَعَ يستدِلُّ لذلك، ولكن لا بدَّ من الجواب عن حمل أبي بكرة هذا الحديث على العموم، اللَّهُمَّ؛ إلَّا أن يُفهَم من قوله: (علماؤنا) الإجماع، فيكونُ حَدَثَ إجماعٌ بعدَ أبي بكرةَ، ويَحتمل أنَّه أراد بعلمائِهِم: المالكيَّة، وهذا الظاهرُ، فتفكَّر في الجواب عنه، والله أعلم.
==========

(1/145)


[1]
انظر «تهذيب الكمال».
[2]
في (ب): (الهمزة).
[3]
انظر «تهذيب الكمال».
[4] (
كوفي): ليست في (ب).
[5] «
الثقات».
[6]
أخرجه «».
[7]
انظر «».
[8] (
يسار): ليست في (ب).
[9]
انظر «تهذيب الكمال».
[10]
انظر «تهذيب الكمال».
[11] (
قوله): ليست في (ب).
[12]
في هامش (ق): (نفيع بن مسروح أخي نافع وزياد).
[13] (
الطائف): ليست في (ب).
[14]
انظر «تهذيب الكمال» (30/ 5).
[15] (
الحديث): ليست في (ج).
[16]
أخرجه البزارفي «مسنده».
[17] «
التذكرة».
[
ج 1 ص 26]

(1/146)


[
باب ظلم دون ظلم]

(1/147)


[
حديث: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}]
32#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ الحافظ، روى عنه البخاريُّ وغيرُه، قال أحمد: (هو شيخُ الإسلام اليوم)، تقدَّم.
قوله: (ح: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ): أمَّا (ح)؛ فقد تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق.
وأمَّا (بِشْر)؛ فهو ابن خالدٍ، وهو بموحَّدة مكسورةٍ، وبالشِّين المعجمة.
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ): (محمَّدٌ) هذا: هو غُنْدرٌ محمَّدُ بنُ جعفرٍ الهُذليُّ مولاهم، البصريُّ الحافظ، وهو ابنُ امرأةِ شعبةَ، وجالسه عشرينَ سنةً، أخرج له الجماعة، قال ابن معين: (أراد بعضهم أن يُخَطِّئَه، فلم يقدر، وكان مِن أصحِّ الناس كِتابًا، وبقي يصوم يومًا ويفطر يومًا خمسين سنة)، تُوفِّي سنة (193 هـ) [1].
قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هذا هو الأعمشُ، وهو ابن مهران أبو محمَّد الكاهليُّ، أحد الأعلام، تُوفِّي سنة (148 هـ)، أخرج [2] له الجماعة.
قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ الكوفيُّ، ثقةٌ، وكان عَجَبًا في الورع والخير، مُتوقِّيًا للشُّهرة، رأسًا في العلم، تُوفِّي كَهْلًا سنةَ (96 هـ)، وهو ابنُ أُخت علقمة.
قوله: (عَنْ عَلْقَمَةَ): هو ابنُ قيسٍ أبو شِبْل الفقيه، أخرجَ له الجماعةُ، تُوفِّي سنة (62 هـ).
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ): هذا هو ابنُ مسعود بن غافل _بالغين المعجمة والفاء_ نسبُه معروفٌ، وهو مِن هُذيلِ بنِ مُدْرِكةَ بنِ إلياسِ بنِ مُضَرَ، السَّيِّدُ الجليلُ، أسلمَ بمكَّة قديمًا، وهاجر إلى الحبشة، ثُمَّ إلى المدينة، وشهد بدرًا والمشاهدَ كلَّها مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، تُوفِّي سنة (32 هـ)، وقيل: سنة (33 هـ) [3]، استوطن الكوفةَ ومات بها في التَّاريخ المذكور، وقال جماعة: بالمدينة، ودُفِنَ بالبقيع.
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (25/ 5).
[2]
في (ب): (وأخرج).
[3] (
وقيل: سنة 33 هـ): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 26]

(1/148)


[
باب علامة المنافق]

(1/149)


[
حديث: آية المنافق ثلاث]
33#
قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ): هو سليمانُ بنُ داودَ الزَّهرانيُّ العَتَكيُّ، البصريُّ، الحافظ، روى عنه: البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ عن رجل عنه، تُوفِّي سنةَ (234 هـ)، وثَّقَه ابنُ مَعينٍ وغيرُه [1].
قوله: (حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ): (نافعٌ) هذا: هو عمُّ مالكِ بنِ أنسٍ الإمامِ، وثَّقه أحمدُ وأبو حاتمٍ، أخرج له الجماعة، بقي إلى زمن السَّفَّاح، وقد بُويع له ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلتْ من ربيع الآخر، سنة (132 هـ)، وتوفِّي السَّفَّاح ليلةَ الأحد لاثنتي عشرة خلت من ذِي الحجَّة، سنةَ سِتٍّ وثلاثين ومئة.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبدُ الرحمن بن صخر، على الأصحِّ مِن نحو ثلاثين قولًا، وتقدَّم ما فيه [2].
قوله: (آيَةُ الْمُنَافِقِ): أَي: علامتُه، وكذا بوَّبَ عليها البخاريُّ هنا.
قوله: (ثَلاَثٌ): حصلَ مِن مجموع الحديثين الَّذَين في هذا الباب: أنَّ خِصالَ المنافقِ خمسٌ: إذا حدَّثَ؛ كَذَبَ، وإذا وعدَ؛ أَخلفَ، وإذا
[
ج 1 ص 26]
اؤتُمِنَ؛ خانَ، وإذا عاهَدَ؛ غَدَر، وإذا خاصَمَ؛ فَجَر، وإن كانت الرَّابعةُ داخلةً في الثالثة؛ لأنَّ الغدرَ خيانةٌ ممَّنِ اؤتمن عليه من عهده، ولا منافاة بين الرِّوايتين، فإنَّ الزائدَ أُعلم به ثانيًا، ولأنَّ الشَّيءَ الواحدَ قد يكون له علاماتٌ، كلُّ واحدةٍ منها يحصُلُ بها صفتُه، ثُمَّ قد تكون تلك العلامة شيئًا واحدًا وقد تكون أشياء.
وفي «صحيح مسلم»: «مِن علاماتِ المنافق ثلاث»، فهذا جوابٌ آخرُ، وعن أبي أمامةَ موقوفًا: «وإذا غَنِمَ؛ غَلَّ، وإذا أُمِرَ؛ عَصَى، وإذا لَقِيَ؛ جَبُن».
واعلم أنَّ جماعةً عدُّوا هذا الحديث والذي بعدَه مُشْكلًا؛ مِن حيثُ إنَّ هذه الخصال قد تُوجد في المسلم المصدِّق الذي ليس فيه شكٌّ، وإنَّما هذه خِصالُ نِفاقٍ، وصاحبُها شبيهٌ بالمنافقين في هذه الخِصال ومُلْحَقٌ بأخلاقِهِم، فإنَّه إظهارُ ما يُبطِنُ خِلافَه، وهذا المعنى موجودٌ في صاحب هذه الخِصال، وقوله: (كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا): معناه: شديدَ الشَّبَه بسببِ هذه الخِصال، والله أعلم.
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (11/ 423).
[2] (
وتقدم ما فيه): ليست في (ج).

(1/150)


[
حديث: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا]
34#
قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابنُ سعيدٍ الثَّوريُّ، عالمٌ فَرْدٌ ثِقَةٌ.
قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سليمانُ بنُ مِهرانَ، أبو محمَّدٍ الكاهليُّ، مشهورٌ.
قوله: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ): تقدَّم الجوابُ عنه أعلاه.
قوله: (كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا): تقدَّم الجوابُ عنه أعلاه [1].
قوله: (تَابَعَهُ شُعْبَةُ): الضمير في (تابعه) يعود على سُفيانَ الثوريِّ؛ أي: تابعَ شعبةُ سُفيانَ في روايتِهِ هذا الحديث عنِ الأعمش، وفائدةُ هذه المتابعة أنَّ سُفيانَ الثوريَّ مُدلِّسٌ، فأتى برِوايةِ شعبةَ عنِ الأعمش؛ لأجل تدليسِ سُفيانَ.
فإن قلت: إنَّ شعبةَ أيضًا عنعن عنِ الأعمش.
فجوابه: أنَّ شعبةَ مِن أنكرِ النَّاس للتدليس، حتَّى إنَّه قال: (التدليسُ أخو الكذب)، وقال: (لَأَنْ أزنيَ أحبُّ إليَّ مِن أن أُدلِّس)، وهذه للتَّنفيرِ عن [2] التدليس، والله أعلم، وقد سبق ذلك عنه.
ومتابعةُ شعبةَ أخرجها البخاريُّ في (المظالم) [خ¦2459].
==========
[1] (
قوله: كان منافقًا خالصًا ... ): سقط من (ب).
[2]
في (ب): (من).
[
ج 1 ص 27]

(1/151)


[
باب قيام ليلة القدر من الإيمان]

(1/152)


[
حديث: من يقم ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا]
35#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم أنَّه الحكمُ بن نافعٍ.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ): تقدَّم أنَّه بالنُّون والزَّاي، وأنَّ اسمَه عبدُ اللهِ بنُ ذَكْوانَ.
قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): تقدَّم أنَّه عبدُ الرحمنِ بنُ هُرمُز.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبدُ الرحمن بنُ صخرٍ، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا، وتقدَّم ما فيه [1].
قوله: (مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ... ) إلى آخره: اعلم أنَّه وقع فيه فعلُ الشَّرطِ مُضارِعًا، والجوابُ ماضيًا، والنُّحاةُ يستضعفونَه [2]، ومنهم مَن منعه إلَّا في ضرورةِ الشِّعر، وأجازوا عكسَه؛ لقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ} [هود: 15]، ومَن أجاز الأوَّل؛ احتجَّ بهذا الحديث؛ ومنه قولُ عائشة رضي الله عنها في الصِّدِّيق: (مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ؛ رَقَّ)، ولا ضَعْفَ، وكيف وهو في كلامِ أفصحِ الخَلْقِ وغيرِه؟! والله أعلم.
قوله: (إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا): يجوزُ كونُه مصدرًا في موضعِ الحال، ومفعولًا لأجلِه، ومثلُه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، كذا عن أبي البقاء، ومعنى (إيمانًا): تصديقًا بأنَّه حقٌّ يُفَضِّل صيامَه وقيامَه.
قوله: (وَاحْتِسَابًا): أي: يُريد به وجهَ الله تعالى بريئًا من الرِّياءِ والسُّمعةِ.

(1/153)


[
باب الجهاد من الإيمان]

(1/154)


[
حديث: انتدب الله لمن خرج في سبيله]
36#
قوله: (حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ): هو بفتح الحاء المهملة والرَّاء، مشدَّدُ الآخر، لا [1] كالنسبةِ إلى الحَرَمِ؛ لأنَّ النِّسبةَ إلى الحَرَمِ؛ بكسر الحاء، وإسكان الراء.
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ): هذا هو ابنُ زيادٍ العبديُّ مولاهم، البصريُّ، قال أحمدُ وغيرُه: (ثقةٌ)، وقال النَّسائيُّ: (ليس به بأسٌ)، وقد أخرج له الجماعةُ، مات سنة (176 هـ)، وله مناكيرُ نُقمت عليه اجتنبها صاحبا «الصحيح»، له ترجمةٌ في «الميزان» [2].
قوله: (حَدَّثَنَا عُمَارَةُ): هو بضمِّ العين، وتخفيف الميم، ابنُ القَعْقاعِ بنِ شُبْرُمةَ، له نحو ثلاثين حديثًا، أخرجَ له الجماعُة، قال ابنُ معينٍ والنَّسائيُّ: (ثقةٌ).
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ): اسمُ (أبي زُرعةَ) هَرِم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: جرير، وقيل: عَمرو، أخرج له الجماعةُ، وثَّقَه ابنُ مَعينٍ وغيرُه [3].
قوله: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبدُ الرَّحمن بنُ صَخْرٍ مرَّات، على الأصحِّ مِن نحوِ ثلاثينَ قولًا، وتقدَّم ما فيه [4].
قوله: (انْتَدَبَ اللهُ): بالنُّونِ في أوَّلِه على المشهورِ؛ أي: سارعَ بثوابِه وحُسنِ جَزائِه، وقيل: أجاب، وقيل: تكفَّل، وحَكى القاضي: (ائتدب)؛ بهمزةٍ صورتُها ياءٌ، مِنَ المَأْدُبَة؛ أي: أجاب مَن دعاه.
قوله: (إِلَّا إِيمَانٌ بِي أَوْ [5] تَصْدِيقٌ): هما مرفوعانِ؛ لأنَّه استثناءٌ مُفرَّغٌ، وهو في «مسلمٍ» بالنَّصب في النُّسخ [م (1876) (103)]، ووجهُهُ: أنَّه مفعولٌ له؛ التقديرُ [6]: لا يُخرجُه المُخرِجُ ويُحَرِّكُه المُحَرِّكُ إلَّا الإيمان؛ ومعناه: لا يخرجه إلَّا مَحْضُ الإيمان والإخلاصِ لله تعالى [7].
قوله: (أَرْجِعَهُ): هو بفتح الهمزة، ثلاثيٌّ؛ ومعناه: أَرُدَّهُ، قال في «الصِّحاح»: (وهُذيلٌ تقولُ: أَرْجَعَهُ غيرُه).
قوله: (أَوْ غَنِيمَةٍ): (أو) هنا: للتقسيم بالنِّسبة إلى الغنيمة وعدمِها، فيكونُ المعنى: أنَّه يرجع مع نيلِ الأجرِ إنْ لَمْ يغنموا، ومعه إنْ غنموا.
ويُحتملُ أن تكون (أو) هنا بمعنى (الواو)؛ أي: مع أجرٍ وغنيمةٍ، ووقع [8] في «مسلمٍ» وغيرِه: بالواو.
قوله: (سَرِيَّةٍ): قال يعقوبُ: (هي ما بين خمسةِ أنفُسٍ إلى ثلاثِ مئةٍ)، وقال الخليلُ: (نحو أربعِ مئةٍ).
[
ج 1 ص 27]

(1/155)


قوله: (وَلَوَدِدْتُ): هو [9] بكسر الدَّال الأولى.
قوله: (ثُمَّ أُحْيَا): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهو بضمِّ الهمزةِ.
==========
[1] (
لا): ليست في (ج).
[2] «
ميزان الاعتدال»، وانظر «تهذيب الكمال».
[3]
انظر «تهذيب الكمال» (33/ 323).
[4] (
وتقدم ما فيه): ليست في (ج).
[5]
في «اليونينيَّة»: (و)، والمثبت موافق لما في (ق).
[6]
في (ب): (والتقدير).
[7] (
تعالى): مثبتة من (ب).
[8]
في (ب): (وقع).
[9]
في (ج): (هي).

(1/156)


[
باب تطوع قيام رمضان من الإيمان]

(1/157)


[
حديث: من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا]
37#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم أنَّ هذا هو ابنُ أبي أُويسٍ، وهو ابنُ أُختِ مالكٍ الإمامِ، وتقدَّم بعضُ ترجمتِه.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ محمَّدُ بنُ مسلمِ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ شهابٍ، العَلَمُ الفَرْدُ.
قوله: (عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): اعلم أنَّ هذا هو الزُّهريُّ، وهو حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمن بن عوفٍ، أُمُّه [1] أُمُّ كُلثومِ بنتِ عُقبةَ بنِ أبي مُعيطٍ مِنَ المهاجراتِ، روى عن أبويه، وعمر، وثَّقَه أبو زُرعةَ، تُوفِّي سنة (95 هـ)، أخرج له الجماعةُ، وليس بحُميد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِيِّ؛ هذا ليس له شيءٌ في «البخاريِّ» عن أبي هريرةَ، إنَّما روى له مسلمٌ عن أبي هريرةَ حديثَ: «أفضلُ الصِّيامِ بعدَ رمضانَ»، وليس له في «مسلمٍ» غيره عن أبي هريرة [2]، والحاصلُ: أنَّ الحِمْيريَّ ليس له شيءٌ عن أبي هريرةَ في «البخاريِّ»، واللهُ أعلمُ.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم قريبًا.
قوله: (احْتِسَابًا): تقدَّم معناه قبل هذا قريبًا [3].
==========
[1]
في (ج): (وأمه).
[2]
زيد في (ب): (إنَّما روى له «مسلم» عن أبي هريرة).
[3] (
قوله: احتسابًا تقدم ... ): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 28]

(1/158)


[
باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان]

(1/159)


[
حديث: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا]
38#
قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ): تقدَّم أنَّه محمَّدُ بنُ سَلَامٍ البِيكَنْدِيُّ، وأنَّه بالتخفيف على الأصحِّ، وتقدَّم أنَّا روينا إليه بالسند أنَّه قال: (محمَّد بن سَلَام؛ بالتَّخفيف) انتهى، وتقدَّم مَن ثقَّلَه [خ¦20].
قوله: (أَخْبَرَنَا محمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ): هو بضمِّ الفاء، وفتح الضَّاد، وهذا ظاهرٌ عند أهله.
قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): هذا هو يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، وجدُّه اسمُه قيسُ بنُ عَمرٍو، أبو سعيدٍ قاضي السَّفَّاح، حافظٌ إمامٌ فقيهٌ حُجَّةٌ، أخرج له الجماعة، مات سنة (143 هـ)، وإنَّما قيَّدتُه بالأنصاريِّ؛ لأنَّ في الرُّواةِ مَنِ اسمُه يحيى بنُ سعيدٍ جماعةً، وليس فيهم مَن يَروي عن أبي سَلَمَة عن أبي هُريرةَ إلَّا هو في الكُتُبِ السِّتَّة، ويحيى عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هريرةَ واحدٌ [1]، وهو يحيى بنُ أبي كثيرٍ.
قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم في أوَّل هذا التَّعليق اسمُ أبي سلمة أنَّه عبدُ الله، وقيل: إسماعيلُ، والصحيحُ الأوَّل، وقيل: لا يُعرَفُ اسمُه، وقال أحمدُ: (اسمُه كُنيتُه).
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ): تقدَّم مرَّاتٍ ومنها قريبًا؛ فاعلمه.
==========
[1] (
واحد): ليست في (ب).
[
ج 1 ص 28]

(1/160)


[
باب الدين يسر]

(1/161)


[
حديث: إن الدين يسر]
39#
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ): هو بالطَّاء المهملة، ثُمَّ هاء مشدَّدة مفتوحتين، اسمُ مفعولٍ.
قوله: (الْغِفَارِيِّ): هو بكسر الغين المعجمة، [نسبة] إلى غِفار؛ قبيلةٌ معروفةٌ.
قوله: (الْمَقْبرِيِّ): هو بضمِّ الباء، وتُفتح أيضًا، وحَكى ابنُ مالكٍ في «المثلَّث» كسرَها، نسبة إلى المقابر، فأهلُ الكوفة يفتحون، وأهلُ المدينة يضمُّون، قيل: لأنَّه كان يأْلَفُ المقبرة، وقيل: بل نزل بساحتها، ويقال: إنَّ عمرَ بنَ الخطَّاب رضي الله عنه جعله على حفر القبور.
قوله: (يُسرٌ): هو بإسكان [1] السِّين وضمِّها، وهو نقيضُ العُسر، ومقصودُ الترجمة: أنَّ الدِّينَ يقعُ على الأعمال؛ لأنَّ الذي يتَّصفُ باليُسر والعُسر [2] إنَّما هي الأعمال دون التصديق، ولهذا [3] قال: «وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ»؛ وهي سيرُ اللَّيل كلِّه؛ لأنَّ العملَ باللَّيلِ كلِّه [4] يشقُّ على الإنسان.
قوله: (وَلَنْ يُشَادَّ الدِّين إِلَّا غَلَبَهُ): كذا في أصلِنا، وكذا وقعَ للجمهورِ مِن غيرِ لفظةِ (أَحَدٌ)، وأثبتَها ابنُ السَّكَن، وهو ظاهرٌ، فعلى ما رواه ابنُ السَّكَن؛ يكون (الدِّينَ) منصوبًا، و (أَحَدٌ) فاعلٌ، وأمَّا على حذفِها؛ فرُوِيَ: بنصب (الدِّينَ)، وهو ضبطُ أكثر أهلِ الشَّام على إضمارِ الفاعلِ في (يُشَادَّ)؛ للعلم به، ورفعُه هو روايةُ الأكثر، وهو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وقال النَّوويُّ في «رياضه»: («الدِّينُ»: مرفوعٌ على ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُه، ورُوِيَ: «لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ») انتهى، والمشادَّةُ؛ بتشديد الدَّال المهملة: المغالبةُ.
قوله: (غَلَبَهُ): أي: إلَّا غلبَ الدِّينُ المشادَّ.
قوله: (وَأَبْشِرُوا): هو بفتح الهمزة رُباعيٌّ.
قوله: (بِالْغَدْوَةِ): هي بفتح الغين: السَّيرُ مِنْ أوَّلِ النَّهار، وهي المرَّة الواحدة مِنَ الغُدوِّ، وأمَّا بالضمِّ؛ فهي ما بين صلاة الغَداة وطلوعِ الشَّمس.
قوله: (وَالرَّوْحَةِ): هي بفتح الرَّاء؛ وهي سيرُ آخرِ النَّهار.

(1/162)


قوله: (الدُّلْجَةِ): هي بضمِّ الدَّال المهملة، وإسكان اللام، كذا الرِّوايةُ، ويجوزُ في اللُّغة كما قاله شيخُنا الشَّارح: (فتح الدَّال، ويجوُز فتح اللَّام أيضًا) انتهى، وفي «المطالع» في قوله: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ» اللُّغات الثَّلاث، وفي «النِّهاية» في قوله: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ»: (هو سيرُ الليل، يُقَال: أدلج _ بالتَّخفيف_ إذا سار مِنْ أوَّلِ الليل، وادَّلَج _ بالتَّشديد_إذا سار مِن آخرِه، والاسمُ منه: الدُّلْجَةُ والدَّلْجَةُ؛ بالضمِّ والفتح) انتهى، وللُّغويِّين خلافٌ في ذلك ليس هذا موضعَه.
والمرادُ بالحديث: الحثُّ على ملازمة الرِّفقِ في الأعمال، والاقتصار على ما يُطيقه العامل ويُمكنه، وأنَّ مَن شادَّ وتعمَّق؛ انقطع.
==========
[1]
في (ج): (بضم).
[2]
في (ب): (بالعسر واليسر).
[3]
في (ب): (وبهذا).
[4] (
كله): ليست في (ب).
[
ج 1 ص 28]

(1/163)


[
باب الصلاة من الإيمان]
قوله: (يَعْنِي: صَلاَتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ): قيل: صوابه: (إلى البيت المقدس)، وقال شيخنا الشَّارح: (كذا في الأصول، والمراد: إلى البيت؛ يعني: بيت المقدس أو الكعبة؛ لأنَّ صلاتهم إليها إلى جهة بيت المقدس) انتهى.
==========
[
ج 1 ص 28]

(1/164)


[
حديث: أن النبي كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده]
40#
قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ): هذا هو الصوابُ، وهو بفتح العين، وبالواو في آخره، وقد ذكر أبو عليٍّ الغسانيُّ في كتابه «تقييد المهمل» أنَّه كان في نسخة أبي زيد المروزيِّ: عُمر بن خالد؛ يعني: بضمِّ العين من غير واوٍ، كذا نقله عنه أبو الحسن القابِسيُّ وأبو الفرج الطيطليُّ [1]، وهو وهم.
واعلم أنَّ الأوهام التي ذكرها أبو عليٍّ الغسَّانيُّ التي وقعت في «البخاريِّ» لا أذكر أنا منها إلَّا يسيرًا، فمَن أراد الاستيعاب؛ فلينظر «تقييد المهمل» له، وقد تقدَّم ذلك في الدِّيباجة.
قوله: (حَدَّثَنَا [2] أَبُو إِسْحَاقَ): هذا هو السَّبِيعيُّ _بفتح السين وكسر الموحدة_ نسبةً إلى السَّبِيع جدِّ القبيلة، قال الجوهريُّ: (والسَّبِيعُ أيضًا بطنٌ مِن هَمْدان، رَهْط أبي إسحاق السَّبِيعيِّ) انتهى.
واسمه عمرو بن عبد الله الهَمْدانيُّ؛ بإسكان الميم، وبالدَّال المهملة، وهو أحدُ الأعلام، له نحو ثلاثُ مئةِ شيخٍ، وهو يُشبه الزُّهريَّ في الكثرة، وقد غزا مرَّاتٍ، وكان صوَّامًا قوَّامًا، توفِّي سنة ستٍّ، وقيل: سبعٍ، وقيل: ثمانٍ، وقيل: تسع وعشرين ومئة، وله خمسٌ وتسعون سنة، أخرج له الجماعة [3].
فائدة هي تنبيه [4]: أبو إسحاق هذا اختلط، وقد ذكره ابن الصَّلاح في «علومه»، وأنكره صاحب «الميزان»، فقال: (شاخ ونسي ولم يختلط)، وقد سمع منه سُفيان وقد تغيَّر قليلًا، والرَّاوي عنه هنا [5] زهير بن معاوية، قال صالح بن أحمد ابن حنبل، عن أبيه: (في حديثه عن أبي إسحاق ليْنٌ، سمع منه بأَخَرَة)، وقال أبو زُرعة: (ثقةٌ، إلَّا أنَّه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط)،
[
ج 1 ص 28]
وقال التِّرمذيُّ: (زهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأنَّ سماعه منه بأَخَرَة) انتهى.
وروايتُه عنه في «الصحيحين»، قال أبو عمرو بن الصلاح: (واعلم أنَّ ما كان مِن هذا القبيل مُحتجًّا [6] بروايته في «الصَّحيحين» أو أحدِهِما؛ فإنَّا نعرفُ على الجملةِ أنَّ ذلك ممَّا تميَّزَ، وكان مأخوذًا عنه قبل الاختلاط) انتهى.
تنبيه: قد ذكرتُ جماعةً مِنَ المختلطين أو مَن قد رُمي به في مؤلَّفٍ مفردٍ، لعلَّك ألَّا تجدَهم مجموعين في غيره؛ فانظره إن أردته.

(1/165)


قوله: (أَجْدَادِهِ _أَوْ [قَالَ]: أَخْوَالِهِ_ مِنَ الْأَنْصَارِ): هذا [7] شكٌّ مِنَ الرَّاوي، وهم أخوال وأجداد، مجازًا؛ لأنَّ هاشمًا جدُّ والدِ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، تزوَّجَ منهم سَلمى بنت عمرو بن زيد بن لَبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عديِّ بن النَّجَّار، فولدتْ له عبدَ المطَّلب، والمذكور في السِّير: أنَّ أوَّل ما نَزَلَ عليه الصَّلاة والسَّلام على كلثوم بن الهِدْم بن امرئ القيس، وقيل: على سعد بن خيثمة، والأوَّل أكثرُ، قاله في «الاستيعاب»، ثمَّ على أبي أيُّوب خالد بن زيد الأنصاريِّ، وليسوا ولا واحدٌ منهم مِن أخواله ولا أجداده، وإنَّما أخوالُه وأجدادُه في بني عديِّ بن النَّجَّار، وقد مرَّ بهم، واعترضه سَلِيط بن قيس، وأبو سَلِيط أُسَيرة بن أبي خارجة في رجالٍ مِن بني عديٍّ فلم ينزل، ونزل على بني مالك أخي عديٍّ، فلعلَّ ذلك وقعَ تجوُّزًا كعادةِ العربِ في النِّسبةِ إلى الأخ، أو لقُرب ما بين داريهما، والله أعلم.
قوله: (قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ [8]): أمَّا (قِبَلَ)؛ فبكسرِ القاف، وفتحِ الموحَّدة، وأمَّا (المَقْدِس)؛ فيُقال فيه: المَقْدِس والمُقَدَّس؛ الأُولى: بفتح الميم، وبإسكان القاف، وكسر الدَّال، والثانية: بضمِّ الميم، وفتح القاف، وفتح الدَّال المشدَّدة؛ لغتان مشهورتان.
قوله: (سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا [9]): كذا بالشَّكِّ في هذا «الصَّحيح»، وفي روايةٍ في «مسلم» وغيرِه عنِ البراء الجزم بـ (سِتَّةَ عَشَرَ)، فتعيَّنَ اعتمادُها، وفي «أبي داود»: (ثمانيةَ عَشَرَ شهرًا)، وجاء: (بضعةَ عَشَرَ شهرًا) [10]، وحَكى المُحِبُّ الطَّبريُّ: (ثلاثةَ عَشَرَ شهرًا)، وفي روايةٍ أُخرى: (سنتين)، وأغربُ منها: (تسعة أشهر)، وفي روايةٍ: (عشرة)، وذكرهما أبو الفتح اليَعمريُّ في «سيرته».

(1/166)


وقال ابن حِبَّان: (صلَّى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيَّام سواء)، وقرَّر ذلك بالتاريخ، فحصل أقوالٌ في المُدَّة؛ وهي: (سنتان)، (ثمانية عشر شهرًا)، (بضعة عشر شهرًا)، (سبعة عشر شهرًا [11] وثلاثة أيام)، (سبعة عشر شهرًا)، (ستَّة عشر شهرًا)، (ثلاثة عشر شهرًا)، (عشرة أشهر)، (تسعة أشهر)، (شهران)، وهو ما وقع في «ابن ماجه»، ولفظ ابن ماجه في «السُّنن»: (صلَّينا مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحو بيت المقدس ثمانيةَ عَشَرَ شهرًا، وصُرفتِ القبلةُ إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين).
واعلم أنِّي حاولت الجمع بين هذه الرِّوايات كلِّها؛ فرأيتُ فيها عُسرًا، وبعضُها لا يجتمع مع بعض، وقد اختُلف في الشَّهر الذي حُوِّلت فيه على ثلاثة أقوال: نصف شعبان يوم الثلاثاء في الظهر، ثانيها: في رجب في نصفه في صلاة الظهر يوم الاثنين، وقيل: كان ذلك في جُمادى، وقيَّده بعضُهم بالآخرة.
واختُلف في اليوم الذي حُوِّلت فيه؛ فقيل: الاثنين، وقيل: الثَّلاثاء.
واختُلف في المسجد الذي حُوِّلت فيه؛ فقيل: مسجده عليه الصَّلاة والسَّلام، وقيل: مسجد بني سَلِمَة حين زار أُمَّ بِشر بن البراء.
فإن قيل: في أيِّ ركعةٍ؟ فالجواب: في الثَّالثة، فإن قيل: في أيِّ ركنٍ؟ فالجواب: أنَّه [12] في ركوعها.
واختُلف في أيِّ صلاة [13]؛ فقيل: الظُّهر، وقيل: العصر [14]، وفي خبرٍ ساقه ابنُ سعدٍ: (فمرَّ رجلٌ بقومٍ مِن بني سَلِمة، وهم ركوعٌ في صلاة الفجر _وكذا هو في «البخاريِّ» في (التفسير) _ فنادى: ألا إنَّ القبلةَ قد حُوِّلت).
وكذلك حديثٌ آخرُ ساقه ابنُ سعدٍ عن عُمارةَ بنِ أوسٍ الأنصاريِّ قال: (صلَّينا إحدى صلاتي العشيِّ [15]_والعشيُّ: قال الجوهريُّ: والعشيَّة: مِن صلاة المغرب إلى العَتَمَة_ فقام رجلٌ على بابِ المسجد ونحن في الصَّلاة، فنادى: إنَّ الصلاة قد وُجِّهت نحوَ الكعبة)، ولا يُعارِضُ هذان ما تقدَّم؛ لأنَّ بُلُوغَ التحويلِ غيرُ التحويل.
وقد رُوِّينا عنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (كان الناسُ يُصلُّون الصبحَ، فانحرفوا وهم ركوعٌ)، فهذا قد يُعَدُّ قولًا، وقد يُحملُ على مكانٍ بلغهم فيه التحويلُ، فإنْ حُمل على الأوَّل _وهو أن يكون ذلك اتَّفق له عليه الصَّلاة والسَّلام_ كان قولًا في المسألة، فيبقى فيها ثلاثةُ أقوالٍ: الظُّهرُ، العصرُ، الصُّبحُ، وإنْ [16] حُمل على الثاني؛ فليس قولًا.

(1/167)


وقال القُرطبيُّ في «تفسيره» في (البقرة) ما لفظُه: (وقيل: إنَّ الآية نزلت في غير صلاةٍ، وهو الأكثرُ، وكان أوَّل صلاة إلى الكعبة العصر، فالله أعلم) انتهى.
تنبيه: اعلم أنَّ صلاتَه عليه الصَّلاة والسَّلام قبلَ مَقْدَمِه المدينة كانت إلى بيت المقدس من حين الفرض إلى أنْ قدم المدينة، ثمَّ بها إلى وقت التَّحويل، وقال آخرون: إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صلَّى أوَّل ما صلى إلى الكعبة، ثمَّ إنَّه صُرف إلى بيت المقدس، وقال الزُّهريُّ: زعم ناسٌ _والله أعلم_ أنَّه كان يسجدُ نحوَ بيت المقدس ويجعلُ وراءَ ظهرِه الكعبةَ وهو بمكَّة، وزعمَ ناسٌ أنَّه لَمْ يَزَلْ يستقبلُ الكعبةَ حتى خرج منها، فلمَّا قَدِمَ المدينةَ [17]؛ استقبل بيت المقدس.
قال ابنُ عبد البَرِّ: وأحسنُ من ذلك قولُ مَن قال: إنَّه عليه السلام كان يُصلِّي بمكَّة مستقبِلَ القبلتين، يجعلُ الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وقد ذكر أبو الفتح في «سيرته» مستندَ هذه الأقوال [18]، ولكن إنَّما كان عليه الصَّلاة والسَّلام يستقبل الكعبة وبيت المقدس في إقامته بمكَّة، ولم يتبيَّن للناس توجُّهُه إلى بيت المقدس حتَّى خرج من مكَّة، والحاصلُ قولان:
أحدُهما: أنَّه كان يستقبلُ بيت المقدس أوَّلًا، ثمَّ صُرِف.
الثاني: أنَّه استقبلَ الكعبةَ، ثمَّ بيتَ المقدس، ثمَّ الكعبةَ، والله أعلم.
وقد أطلتُ الكلامَ في ذلك، ولكن لا تجِدُه كذلك مجموعًا إلَّا في هذا التَّعليق، وإنَّما هو مُفرَّقٌ في كلامهم، والله أعلم.
قوله: (وَأَنَّهُ صَلَّى [19]): بفتح الهمزة، معطوف على (أنَّه) التي قبلَها.
قوله: (صَلَاةُ الْعَصْرِ): هو [20] برفعِ (الصلاة)، كذا في أصلنا، وعليه (صح) [21]، وطرأ عليها النَّصبُ، فالرَّفعُ على أنَّ [22] (صَلَاةُ الْعَصْرِ) اسمُ (كان)، والخبرُ (أوَّلَ) مقدَّمٌ، ورأيتُ في نسخةٍ صحيحةٍ (صلاةَ) بالنَّصب بالقلم ليس غير، وإعرابُ النَّصبِ ظاهرٌ على أنَّه بدلٌ مِنَ الضَّميرِ في (صَلَّاهَا)، ويُعرَب أيضًا بغير ذلك، وعن بعضِهم: (صَلَاةُ العَصْرِ) بالرَّفع، وقد تقدَّم إعرابُه، وقال شيخُنا الشَّارح: إنَّها بدلٌ مِن (صلاةٍ صَلَّاها)؛ يعني: فتكونُ بالجرِّ، والله أعلم.
قوله: (فَخَرَجَ رَجُلٌ): هذا الرجلُ قال شيخُنا الشَّارح: (هو عَبَّاد بن نَهِيك بن إساف الخطميُّ، وقيل: عَبَّاد بن بشر الأشهليُّ، وسيأتي ما فيه، وقيل: عَبَّاد بن وهب) انتهى.

(1/168)


ولا أعلم أنا أحدًا في الصَّحابة يُقال له: عبَّاد بن وهب، إلَّا أن يكونَ نُسِبَ إلى جدِّه، أو جدٍّ له أعلى، أو إلى خلافِ الظاهر، وقد ذكر ابنُ بشكوال حديث ابن عمر: (بينما الناسُ بقُباء في صلاة الصبح؛ إذ جاءهم رجلٌ ... )؛ الحديث، هو عبَّاد بن بشر الأشهليُّ، ذكره الفاكهيُّ [23] في «أخبار مكَّة»، انتهى، وسيأتي ما فيه، وقيل: عبَّاد بن نهيك الخطميُّ، ذكره
[
ج 1 ص 29]
ابن عبد البَرِّ، انتهى.
وقد ذكر القول الأوَّل ابنُ طاهرٍ في «مبهماته».
وذكر ابن شيخنا البلقينيِّ الأقوالَ الثلاثة التي ذكرتُها عن شيخنا الشَّارح، ثمَّ قال: (وعبَّاد بن بشر هذا غيرُ رفيقِ أُسيد بن الحُضير في المصباحين [24]) انتهى.
والذي قاله صحيحٌ، صاحبُ هذه القصَّة عبَّاد بن بشر بن قيظيٍّ من بني حارثة، كان يَؤُمُّ قومَه في عهده عليه الصَّلاة والسَّلام، له حديثٌ في الاستدارة إلى الكعبة، والمذكور مع أُسَيد بن حُضَير: عبَّادُ بنُ بِشر بن وَقْش بن زُغْبة بن زَعُوراء الأشهليُّ، مِن كبار الصحابة، له حديثٌ واحدٌ في «معجم الطبرانيِّ»، والله أعلم.
قوله: (فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ ... ) إلى آخره: قال شيخُنا الشَّارح: (هؤلاء ليسوا أهلَ قُباء، بل أهل مسجدٍ بالمدينة، وهو مسجدُ بني سلِمة، ويُعرَف بمسجدِ القِبلتين، ومرَّ عليهم المارُّ في صلاة العصر) انتهى، وهذا على القول بأنَّها حُوِّلتْ في مسجده، قال شيخُنا: (وأمَّا أهلُ قُباء؛ فأتاهمُ الآتي في صلاة الصُّبح)، كما هو مصرَّحٌ به في «البخاريِّ» و «مسلم» في موضعه من حديث ابن عمر.
قوله: (وَأَهْلُ الْكِتَابِ): هو مرفوعٌ معطوفٌ على (الْيَهُودُ)، قال شيخُنا الشَّارح: (ولعلَّ المرادَ بهم: النَّصارى، فإنَّ اليهودَ أيضًا أهلُ كتابٍ، والله أعلم) انتهى [25]، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ النَّصارى يصلُّون إلى الشَّرق، فكيف يُعجبُهم أن يصلَّى إلى غير قِبلتِهِم؟! والله أعلم.
ولعلَّ المراد بـ (أهل الكتاب): اليهودُ [26]، وجاز العطفُ؛ لاختلاف اللفظ، والله أعلم [27].
ويَحتمل أنَّه أرادَ النصارى، ويكونُ إعجابُهُم؛ لكونِ المسلمينَ خالفوا اليهودَ في القبلة، والله أعلم [28].

(1/169)


قوله: (وَقُتِلُوا): هذا فيه نظرٌ، وإيضاحُه: أنَّ القبلةَ كان تحويلُها قبلَ بدرٍ على الصَّحيح كما [29] تقدَّم، ولم يُقتل أحدٌ قبلَ بدرٍ في القتال، وقد قُتلتْ سُميَّةُ أُمُّ عمَّارٍ، وقُتِلَ الحارثُ بن أبي هالة في غيرِ قِتالٍ، كما سيأتي في كلامي في (الجهاد)، وكذا قُتل ياسر [30] والدُ عمَّارٍ [31]، وإنَّما مات قبلَ تحويلِها البراءُ بنُ معرورٍ في صفر قبل مَقْدَمِه عليه الصَّلاة والسَّلام المدينةَ، وأبو أُمامة أسعدُ بن زُرارةَ ومسجدُه عليه السَّلام يبنى بعد الهجرة بسِتَّةِ أشهرٍ، وكلثوم بن الهِدْم تُوفِّي أيضًا قبل وقعة بدرٍ، قاله الواقديُّ، فالذي [32] في «الصَّحيح» فيه نظرٌ، وإنَّما يجيءُ على القول بأنَّ التحويلَ لم يُشرَّع إلَّا بعد [33] سنتين مِنَ المَقْدَمِ، والمشهورُ ما في «الصَّحيح»، ولا تفريعَ على هذا.
واعلم أنَّ بدرًا في سبع عشرة، أو تسع عشرة، وقيل غير ذلك كما سيأتي، في رمضان في السَّنة الثانية، والله أعلم.
[
قوله: (قَالَ [34] زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ): فذكره موقوفًا وإن كان الذي قبله موقوفًا؛ لأنَّه وافق زهيرًا عليه في روايته عن أبي إسحاق _وهو السَّبيعيُّ_ غيرُه، وهذا تعليق مجزوم به، فهو صحيح على شرطه إلى زهير، والظاهرُ: أنَّه لم يوافقه في روايته عن أبي إسحاق غيرُه من الثِّقات فيما وقفت عليه من أصحاب الكتب السِّتَّة، فكأنَّه انفرد عنه به، وإنَّما علَّقه؛ لأنَّ أبا إسحاق ذُكر عنه أنَّه اختلط بأَخَرَة، وإن كان الذهبيُّ لم يُسلِّمِ اختلاطَه، بل قال: (إنَّه كبر ونسي، ولم يختلط).
وقد رَوى عن أبي إسحاق: إسرائيلُ بنُ يونسَ، وزكريَّا بنُ أبي زائدةَ، وزهيرٌ المذكور، وغيرُهم، قال صالح بن أحمد ابن حنبل عن أبيه: (في حديث زهيرٍ عن أبي إسحاق لِيْنٌ، سمع منه بأَخَرَة)، وقال أبو زُرعة: (إلَّا أنَّ زُهيرًا سمع مِن أبي إسحاقَ بعد الاختلاط)، وقال أبو حاتم: (زهيرٌ أحبُّ إليَّ مِن إسرائيلَ في كلِّ شيءٍ إلَّا في أبي إسحاقَ)، وقال أيضًا: (زهيرٌ مُتقِنٌ، صاحبُ سُنَّةٍ، تأخَّرَ سماعُه من أبي إسحاق)، وقال التِّرمذيُّ: (زهيرٌ في أبي إسحاقَ ليس بذاك، سماعه عنه بأَخَرَة) انتهى.

(1/170)


وروايتُه في «البخاريِّ» و «مسلم»، وقد روى البخاريُّ هذا التَّعليق الثاني في (الصَّلاة) كما تقدَّم، ورواه في (التفسير) عن أبي نُعيمٍ عن زهيرٍ؛ كلُّه موقوفًا على البراء بالزِّيادة المذكورة التي علَّقها في (الصلاة) عن زهيرٍ، فكأنَّ البخاريَّ رحمه الله تغيَّر اجتهادُه، فذكرها تعليقًا عن زهيرٍ في (الصَّلاة)، وموصولةً في (التَّفسير)؛ هل أخذها زهيرٌ عن أبي إسحاق في اختلاطه أو قبلَه؟ ويَحتمل فيه أنَّه إنَّما علَّقها في (الصَّلاة)، كما قيل في زهير من الأخذ عن أبي إسحاق بعدَ اختلاطه، أو أنَّه لم يصحَّ عندَه أنَّه أخذ عنه بعدَ الاختلاط، والله أعلم.
والحديثُ المُشارُ إليه أخرجه بغير الزيادة التِّرمذيُّ، وكذا النَّسائيُّ في (الصَّلاة)، وأخرجه النَّسائيُّ أيضًا في (التفسير)، لكن لم يكن عندي «النَّسائيُّ الكبير»، فما أدري هل أخرجها بها أم لا؟ وأخرجه أيضًا ابنُ ماجه في (الصَّلاة) عنِ البراء من حديث أبي إسحاق عنه، لكن رواه عن إبي إسحاق أبو بكر بن عيَّاش، ولفظ البراء: (صلَّينا مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحو بيت المقدس ثمانيةَ عَشَرَ شهرًا، وصُرِفتِ القبلةُ إلى الكعبة بعد دخولِه المدينة بشهرين ... ) إلى أن قال فيه: (فقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يا جبريلُ؛ كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس؟»، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]) انتهى] [35].
==========
[1]
في (ج): (الطليطلي).
[2] (
حدثنا): ليس في (ب).
[3]
انظر «تهذيب الكمال» (22/ 102).
[4] (
هي تنبيه): ليس في (ب).
[5]
في (ب): (هنا عنه).
[6]
في (ب): (محتمًا).
[7]
في (ب): (وهذا).
[8]
في هامش (ق): (كذا وقع في الأصول؛ أي: إلى البيت).
[9] (
شهرًا): ليس في (ب).
[10]
قوله: (وجاء: بضعة عشر شهرًا): سقط من (ب).
[11] (
سبعة عشر شهرًا): ليس في (ب).
[12] (
أنه): ليس في (ب).
[13]
في (ب): (الصلاة).
[14] (
وقيل: العصر): ليس في (ب).
[15]
في (ب): (العشا).
[16]
في (ج): (فإن).
[17]
زيد في (ب): (القبلة؛ أي).
[18]
في (ج): (مستند هذا القول)، وصوَّب المثبت في (أ).
[19] (
صلى): ليس في (ب).
[20] (
هو): ليس في (ب).
[21] (
وعليه صح): ليس في (ب).
[22] (
على أنَّ): ليس في (ب).
[23]
في (ب): (الهادي).
[24]
وقصتهما في إضاءة عصواهما مشهورة، أخرجها.
[25] «
التوضيح» (3/ 97).

(1/171)


[26]
في (أ): (هم اليهود).
[27]
قوله: (وفيه نظر ... ): سقط من (ب).
[28]
قوله: (ويحتمل أنه أراد ... ): سقط من (ب) و (ج).
[29]
في (ب): (لما).
[30] (
ياسر): ليس في (ب).
[31]
قوله: (وكذا قُتل ياسر ... ): سقط من (ج).
[32] (
فالذي): ليس في (ب).
[33]
زيد في (ب): (بعد).
[34]
في (أ): (وقال)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[35]
ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج)، وألحق في (أ) في ورقة مفردة، وموضعُه هنا، وزيد بعده: (وقال كاتبُه أبو ذَرٍّ ابنُ المؤلِّف: قال شيخُنا ابنُ حجرٍ في «الفتح»: هذا ليس بتعليقٍ، ووهم مَن قال: إنَّه تعليقٌ).

(1/172)


[
باب حسن إسلام المرء]
(
بَابُ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ)
[
إن قال قائلٌ: كيف موضع هذه الترجمة من زيادة الإيمان ونقصانه؟
قيل: لمَّا أثبت للإسلامِ صفةَ الحُسْن وهي زائدةٌ عليه؛ دلَّ على اختلافِ أحوالِه، وإنَّما تختلفُ الأحوال بالنِّسبة إلى الأعمال، وإنَّما التَّوحيد واحدٌ، قاله ابن المُنَيِّر] [1].
==========
[1]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[
ج 1 ص 30]

(1/173)


[
حديث: إذا أسلم العبد فحسن إسلامه]
41#
قوله: (قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ) إلى آخره: قال شيخُنا الشَّارح: (قد وصلَه أبو ذرٍّ الهرويُّ في بعض النسخ، فقال: أخبرنا النَّضْرويُّ: حدَّثنا [1] الحسين بن إدريس: حدَّثنا هشام بن خلف: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدَّثنا مالكٌ ... ؛ فذكره، وأسنده النَّسائيُّ: عن أحمد بن المعلَّى بن يزيد [2]، عن صفوان بن صالح، عنِ الوليد بن مسلم، عن مالكٍ، قال المِزِّيُّ نحوَه) انتهى، وقد رأيتُه في «أطراف المزِّيِّ»، قال شيخُنا: وقد وصله الإسماعيليُّ بزيادة فيه؛ فذكره.
قوله: (أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه سعْدُ بنُ مالكِ بن سِنان الخُدريُّ، وأنَّه بالدَّال المهملة.
قوله: (فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ): أي: قَرَنَ الإيمانَ بحُسن العمل.
قوله: (كَانَ زَلَفَهَا): بالزَّاي، واللَّام المخفَّفة، وبالفاء، كذا في أصلنا، وعلى اللَّام (خف)، وعنِ النَّوويِّ: يقال: زلَّفها تزليفًا؛ أي: قرَّبها وقدَّمها لله عزَّ وجلَّ، وقيل: جمعها واكتسبها [3]، ومنه: المزدلفة؛ لجمعها الناسَ، وقيل: لقُرب أهلِها إلى منازِلِهِم بعدَ الإفاضة، مُفْتَعِلَة مِن زلف، أُبدلتِ التاء دالًا، ويقعُ في بعض النسخ: (أزلفها)؛ بالهمز؛ أي: قرَّبها، وهذه في «الصحاح» و «أفعال ابن القطَّاع»، وليس فيهما التضعيف، وعن الأصيليِّ: تشديدُها أيضًا.
قوله: (إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ): اختُلف في مقتضى لفظ (الضعف)؛ فقال أبو عُبيدة: (الضعفُ واحدٌ؛ وهو مثلُ الشيء، وضِعفاه: مِثلاه)، وقال غيرُه: هو المِثْل، أو ما زاد، وقال غيرهما: الضعفُ: هو مِثْلَا الشيءِ.

(1/174)


فائدةٌ: أَخذ بظاهر هذا الحديث بعضُ العلماء، وقال: (لا يتجاوزُ التضعيفُ سبعَ مئةٍ)، حكاه الماورديُّ عن بعضِهم، والجمهورُ كما حكاه النوويُّ عنهم [4] على خِلافه، وهو أنَّه لا يقف على سبعِ مئة، بل يُضاعِفُ اللهُ لمن يشاءُ أضعافًا كثيرةً زائدةً على ذلك، ويدُلُّ عليه ما في «البخاريِّ» و «مسلمٍ» من حديث ابن عبَّاسٍ عنه عليه الصَّلاة والسَّلام فيما يَروي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال: «إنَّ اللهَ كتبَ الحسناتِ والسيِّئاتِ ... » إلى أن قال: «إلى سبعِ مئةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ»، قال شيخُنا الشَّارحُ: (وفي كتاب «العلم» لأبي بكرٍ أحمدَ بنِ عَمرِو [5] بن أبي عاصمٍ النبيل: حدَّثنا شيبانُ الأُبَلِّيُّ: حدَّثنا سويد بن حاتم: حدَّثنا أبو العوَّام الجزَّار _واسمُه فائد بن كيسان_ عن أبي عثمان النَّهْديِّ، عن أبي هريرةَ قال: «إنَّ اللهَ يُعطي بالحسنةِ ألفَي ألفِ حسنة»)، قال: (وهذا لا يُقال مِن قِبَلِ الرَّأيِ، فهو مرفوعٌ؛ فاعلمه) انتهى.
وقد أخرجه الإمام أحمد في «المسند» عن عبد الصَّمد: حدَّثنا سليمان _يعني: ابن المغيرة_ عن عليِّ بن زيد، عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرةَ أنَّه قال: «بلغني أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعطي عبدَه بالحسنةِ الواحدةِ ألفَ ألفِ حسنة»، قال: فقضي لي أنِّي انطلقت حاجًّا أو معتمرًا فلقيتُه، فقلت له: بلغني عنك حديث أنَّك تقول: سمعت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ يُعطي عبدَه المؤمنَ بالحسنةِ ألفَ ألفِ حسنة»، فقال أبو هريرة: لا، بل سمعت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ [6] يُعطيه ألفي ألفِ حسنة»، ثمَّ تلا: {يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]، فقال: إذا قال الله عزَّ وجلَّ [7]: {أَجْرًا عَظِيمًا} فمَن يقدِّر قدره؟!
وقد أخرجه أيضًا أحمدُ: عن يزيدَ: أخبرنا المبارك بن فَضالة عن عليِّ بن زيدٍ، عن أبي عثمانَ النَّهْديِّ قال: أتيتُ أبا هريرةَ، فقلتُ: بلغني ... ؛ فذكر نحوه، فيه: عليُّ بنُ زيدٍ، ليس بالثَّبْت، وفي سند الذي ساقه شيخنا من عند [8] ابن أبي عاصم سويد بن حاتم لا أعرفُه.
تنبيه: سُئِلْتُ عن قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وإذا [9] همَّ بسيئةٍ فلم يعملْها؛ كَتَبَها الله حسنةً كاملةً»، هل هذه تتضاعف [10] أم لا؟

(1/175)


فأجبتُ: بأنَّ الذي ظهر لي من الأحاديث أنَّها لا تتضاعف [11]، وإنَّما تتضاعف [12] الحسنةُ الأصليَّةُ لا هذه، وهذه شرطُها أن يتركها من أجله تعالى، أمَّا إذا تركها خوفًا من الناس، أو من الاطِّلاع [13] عليه، أو خوفًا على منصبه، أو غير ذلك؛ فإنَّها سيِّئة، ولكنَّ شرطها أن يتركها [14] من أجله تعالى، كما جاء في حديث آخر، والله أعلم.
تنبيه: حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعًا: «حسنات الحرم بمئة ألف حسنة»، ذكره الذهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عيسى بن سواء، وقال: (هذا ليس بصحيح) انتهى.
==========
[1] (
حدثنا): ليس في (ب).
[2]
في (ب): (بريد)، وهو خطأ.
[3]
في (ب): (وألبسها).
[4] (
عنهم): ليس في (ب).
[5] (
بن عمرو): ليس في (ب).
[6] (
عز وجل): ليس في (ب).
[7] (
عز وجل): ليس في (ج).
[8]
في (ب): (شيخنا عن عبد).
[9]
في (ج): (إذا).
[10]
في (ب): (مضاعف).
[11]
في (ب): (يتضاعف).
[12]
في (ب): (يتضاعف).
[13]
في (ج): (إطلاع).
[14]
في (ب): (يترك).
[
ج 1 ص 30]

(1/176)


[
حديث: إذا أحسن أحدكم إسلامه]
42#
قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): تقدَّم مرَّات أنَّه بإسكان العين، وهو ابنُ راشد.
==========
[
ج 1 ص 30]

(1/177)


[
باب أحب الدين إلى الله أدومه]
(
باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ) ... إلى (كِتَابُ العِلمِ)
قال ابن المُنَيِّر: إن قال قائل: كيف موقعها من زيادة الإيمان ونقصانه؟
قلنا: لأنَّ الذي يُوصف بالدَّوام أو التَّرك إنَّما هو العمل، وأمَّا الإيمان فلو تركه؛ لكفر، دلَّ على أنَّ العمل الدائم هو الذي يُطلق عليه أنَّه أحبُّ الدِّين إلى الله، وإذا كان هو الدِّين؛ كان هو الإسلام؛ لقوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 19].
[
ج 1 ص 30]
==========
[
ج 1 ص 30]

(1/178)


[
حديث: مه، عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا]
43#
قوله: (يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ): (يحيى): هذا هو ابنُ سعيدٍ القطَّان، شيخ الإسلام، الذي قال [1] فيه أحمد: (لم تَرَ عيناي مثلَه)، وقال بُندار: (إمامُ أهلِ زمانه، واختلفتُ إليه عشرين سنة، فما أظنُّ أنَّه عصى اللهَ قطُّ)، تُوفِّي في صفر سنةَ (198 هـ)، وهو رأس في العلم والعمل، أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ وفوقَ الثِّقةِ.
قوله: (وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ): هذه هي الحولاء بنت تُوَيْت بن حبيب بن أسَد بن عبد العزَّى بن قُصيٍّ، هاجرت وكانت كثيرة العبادة والتهجُّد، وتُوَيْت: بضمِّ التاء المثنَّاة فوق، وفتح الواو، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ مثنَّاة فوق، وقد صرَّح بها [2] مسلمٌ في روايته.
قوله: (تَذْكُرُ مِنْ [3] صَلَاتِهَا): (تَذْكُرُ): بفتح [4] المثنَّاة فوق على المشهور، ورُوِيَ: بالمثنَّاة تحت مضمومة على ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُه.
قوله: (مَهْ): هي كلمةُ زَجْرٍ وكَفٍّ، قال الجوهريُّ: (ومَهْ: كلمةٌ بُنيتْ على السكون، وهو اسمٌ سُمِّيَ به الفعل؛ ومعناه: اكفُف؛ لأنَّه زَجْرٌ، فإنْ وصلتَ؛ نوَّنت، فقلتَ: مَهٍ مَه [5]، ويقال: مهمهتُ به؛ أي: زجرتُه) انتهى.
وقوله: (اكفُف) فيه نظرٌ؛ لأنَّ (مَه) اسمُ فعلٍ لازمٍ، و (اكفُف) مُتعَدٍّ، بل ينبغي أن يُقال معناه: انكفف؛ لأنَّه لازمٌ، والله أعلم.
قوله: (لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا): قال ابن قُرقُول: (على بابها من الغاية، وإلى هذا ذهب ابنُ سِراج وأبوه؛ أي: لا يَمَلُّ لثوابهم مللًا مقابلة لمللهم، وقيل: خرج الكلام مَخرج قولهم: «حتَّى يشيب الغُراب»، على نفي القِصَّة، لا على وجودِها؛ أي: أنَّ الله لا يَمَلُّ، ولا يليقُ به الملل إن ملِلتم، وهو مِنَ المقابلة بين كلامين [6]؛ أي: لا يترك ثوابكم حتَّى تملُّوا وتتركوا لمللِكم عبادتَه، فسُمِّيَ تركُه لثوابهم مَلَلًا [7]، والمللُ إنَّما هو مِن صفات المخلوقين، وهو ترك الشَّيء؛ استثقالًا وكراهيةً بعد حِرصٍ عليه ومحبَّةٍ فيه) انتهى.
قوله: (وَكَانَ أَحَبّ الدِّينِ إِلَيْهِ): (أَحَبّ): يجوزُ نصبه على أنَّه خبرٌ مُقدَّمٌ، ويجوزُ رفعُه على أنَّه الاسم.
==========
[1]
في (أ) و (ب): (قاله)، والمثبت من (ج).
[2]
في (ب): (وقد خرج لها).
[3] (
من): ليس في (ب).
[4]
زيد في (ب): (التاء).
[5] (
مه): ليس في (ب).
[6]
في (ب): (شيئين).

(1/179)


[7]
في (ب): (تركه مللًا لثوابهم).

(1/180)


[
باب زيادة الإيمان ونقصانه]

(1/181)


[
حديث: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله]
44#
قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ [1]: حَدَّثَنَا [2] قَتَادَةُ): (هِشامٌ): هذا هو ابنُ أبي عبد الله سَنْبَر الدَّسْتَوائيّ، ُ أبو بكرٍ البصريُّ، الحافظ، كان يبيع الثياب الدَّسْتَوائيَّة، ودَسْتَوا: مِن كور الأهواز، قال أبو داود الطيالسيُّ: (كان أمير المؤمنين في الحديث)، مات سنة (154 هـ)، وقد جعله الذَّهبيُّ في «الوفيات» في سنة (153 هـ)، وهو أحدُ الأقوال في وفاته، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»؛ لكونه رُمِيَ بالقدر، وقد قيل: إنَّه رجع عنه.
قوله: (ذَرَّة): هي بفتح الذَّال المعجمة، ثمَّ راء مشدَّدة، قال ابن قُرقُول: (ما يَزِنُ ذُرَة _يعني: بضمِّ الذال المعجمة، وتخفيف الراء_ قال: وهو تصحيفٌ، صوابُه: ذَرَّة _يعني: كما ضبطته أنا_ يعني: نملة صغيرة، وقيل: الذَّرَّة: واحدةُ الذَّرِّ؛ وهو الهباءُ الذي يظهَرُ في شُعاع الشمس مِثلَ رُؤوسِ الإبَر.
ورُويَ عنِ ابن عبَّاسٍ أنَّه قال: «إذا وضعتَ كفَّكَ على غُبارٍ، ثمَّ رفعتَها فقبضْتَها؛ فما سقط مِن ذلك الغبار؛ فهو الذَّرُّ»، وحُكي: أنَّ الذَّرَّةَ جُزءٌ [3] من خردلةٍ، وأنَّ الخردلةَ تَعدِلُ في الوزنِ أربعَ ذَرَّاتٍ، وقيل: الذَّرَّة مِن ألفٍ وأربعةٍ وعشرينَ جُزءًا من شعيرة) انتهى، وسيأتي في (سورة النساء) زيادةٌ على ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله: (قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ): (أبانُ) هذا: هو ابنُ يزيدَ [4] العطَّار أبو يزيد البصريُّ، أحدُ الأثبات المشاهير، وأبان: مصروفٌ على الصحيح، قال النوويُّ في «تهذيبه»: (فمَن صرفَه؛ قال: الهمزةُ أصلٌ، والألفُ زائدةٌ، وزنه (فَعَال)؛ كغزال، وعَنَاق، ونظائرِهما، ومَن منع؛ عَكَسَ، فقال: الهمزةُ زائدةٌ، والألفُ بدلٌ مِن ياء، ووزنه (أفعل) فلا ينصرف؛ لوزن الفعل)، وفي «شرح مسلم» للنَّوويِّ: (فمَن لم يصرفْهُ؛ جعلَه فِعلًا ماضيًا، والهمزةُ زائدةٌ، فيكونُ (أفعل)، ومَن صرفه؛ جعلَ الهمزةَ أصلًا، فيكونُ (فَعَالًا)، وصرفُه هو الصحيحُ الذي اختارَه الإمامُ محمَّدُ بنُ جعفرٍ في «جامع اللُّغة»، والإمام أبو محمَّد بن السِّيْد البطليوسيُّ) انتهى.

(1/182)


قال أحمدُ: (ثَبْتٌ في كلِّ المشايخ)، وقال ابنُ معينٍ، والنَّسائيُّ، وغيرُهما: (ثقةٌ)، توفِّي سنةَ بضعٍ وستِّين ومئة، أخرج له البخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، قال شيخُنا الشَّارح: أخرج له البخاريُّ متابعةً، ومسلمُ استقلالًا، والذي وقفتُ عليه إطلاقُ العبارةِ، والحكمةُ في ذِكر تعليقِ أبان؛ لأنَّ قتادةَ مُدلِّسٌ، وقد عنعنَ في السَّند الأوَّل وصرَّح بالتحديث في التعليق؛ فلهذا [5] جاء المؤلِّفُ به، وتعليقُ أبانٍ لم أرَهُ في شيءٍ مِنَ الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْه شيخُنا [رحمه الله تعالى، وقال الحافظ المعاصر القاهريُّ: أخرجه الحاكم في «الأربعين» له بسندٍ صحيح] [6].
==========
[1]
زيد في «اليونينيَّة»: (قال)، وليست في النسخ و (ق).
[2]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[3]
في (ب): (حبة).
[4]
في (ب): (زيد)، وهو خطأ.
[5]
في (ب): (ولهذا).
[6]
ما بين معقوفين سقط من (ب)، وزيد فيها: (في).
[
ج 1 ص 31]

(1/183)


[
حديث: أن رجلًا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم]
45#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ [1]): قال الدِّمياطيُّ: (عُتبة بن عبد الله بن مسعود أخو عبد الرحمن المسعوديُّ) انتهى، وهو بضمِّ العين المهملة، وفي آخرِه سينٌ مثلها مهملة، وثَّقه أحمدُ وابنُ مَعينٍ، وقال [2] أبو حاتم: (صالح)، قال الذَّهبيُّ: (موتُه قريبٌ مِن موت الأعمش)، وقال شيخُنا الشَّارح: (مات سنة 120 هـ) انتهى.
وبينهما بَوْنٌ؛ فإنَّ الأعمشَ تٌوفِّي في [3] ربيع الأوَّل سنةَ ثمانٍ وأربعينَ ومئة؛ فتحرَّر ما قالاه، وقد أخرجَ له الجماعةُ.
قوله: (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ [لَهُ]: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ): لا أعرفه [4]، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (وقع في «معجم الطبرانيِّ الأوسط» أنَّ القائلَ كعبُ الأحبار، ثمَّ ذكرَ شاهِدَه منه، وفيه عن كعب الأحبار قال: قلت لعُمر: إِنِّي لأعرفُ يومًا ... ؛ فذكره) انتهى.
وقال حافظُ عصري: (إنَّه كعبُ الأحبار، قال روينا ذلك في مُسند مُسَدَّد بإسنادٍ حسنٍ، وأورده ابنُ عساكر في أوائل [5] «تاريخ دمشق» من طريقه، وهو في «المعجم الأوسط» للطبرانيِّ من هذا الوجه، وكأنَّ سؤالَه لعُمر غير ذلك قبل أن يُسلم، وجاء في روايةٍ أُخرى في «الصحيح»: أنَّ اليهودَ قالوا، وقد تعيَّن السائلُ منهم هنا، فلعلَّه [6] لمَّا سأل كان في جماعة) انتهى
والذي ظهر لي أنَّ كعبًا قال لعُمر هذه المقالة أيضًا، والمذكورُ في «البخاريِّ»: (أنَّ رجلًا مِنَ اليهود قال ... )؛ فذكره، وكعبٌ وقتَ قوله لعُمر لَمْ يكن يهوديًّا، وقد تقدَّم أنَّه سأل في حال يهوديَّته، وفيه نظرٌ، فإن قيل: إنَّه أُطلق عليه ذلك باعتبار ما كان عليه؛ فهو مجازٌ، ولكنَّ [7] عندي أنا في ذلك وقفة، والله أعلم؛ وهو أنَّه يُطلق على كعب يهوديًّا مجازًا باعتبار ما كان عليه، والله أعلم، وما قيل فيه يتمشَّى على أنَّه أسلمَ في خلافةِ عمر، والصَّحيحُ خِلافُه.
==========
[1]
في هامش (ق): (عُتبة بن عَبد الله بن عُتبة بن عبد الله بن مسعُود أخو عبد الرحمن المسعُودي).
[2]
في (ب): (قال).
[3] (
في): ليس في (ب).
[4] (
لا أعرفه): ليس في (ب).
[5]
في (ج): (أول).
[6]
في (ج): (ولعله).
[7]
في (ب): (لكن).
[
ج 1 ص 31]

(1/184)


[
باب الزكاة من الإسلام]

(1/185)


[
حديث: خمس صلوات في اليوم والليلة]
46#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم غيرَ مرَّةٍ أنَّه إسماعيلُ بنُ أبي أُويس عبدُ الله، وأنَّه [1] ابن أخت مالكٍ الإمامِ.
قوله: (عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيلِ بْنِ مَالِكٍ): اسمُ أبي سُهيلٍ عمِّ مالكِ بن أنسٍ الإمامِ نافعٌ، روى عنِ ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس، وأبيه، وغيرِهم، وعنه مع ابن أخيه: الزُّهريُّ مع تقدُّمه، وآخرون، وثَّقه أحمدُ وأبو حاتم، قال الواقديُّ: (كان يُؤخَذُ عنه القراءة بالمدينة، بقي إلى إمارة السَّفَّاح)، وقد تقدَّم، أخرج له الجماعةُ.
قوله: (عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ): هذا فيه تصريحٌ مِن مالك بن أبي عامر الأصبحيِّ جدِّ الإمامِ مالكِ بن أنس أنَّه سمع طلحةَ بن عبيد الله، وقد توقَّفَ في ذلك الدِّمياطيُّ الحافظ أبو محمَّد عبد المؤمن بن خلف شيخ شيوخي، وسيأتي ما في ذلك؛ حيث ذكره الدِّمياطيُّ في «حواشيه» في أوَّل (كتاب الصوم)، وأتعقَّبُه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (أَنَّه سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ اللهِ يَقُولُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ): هذا الرجلُ هو ضِمامُ بنُ ثعلبةَ السَّعديُّ، ذكره ابنُ طاهرٍ وابن بشكوال كذلك، وقد عزاه ابنُ بشكوال إلى ابن إسحاقَ، والبخاريِّ في «صحيحه»، والنَّسائيِّ، وغيرِهم، قال [2] ابنُ شيخنا العراقيُّ: (قلتُ: ضِمام بن ثعلبةَ هو السَّائلُ في حديث أنسٍ _كما [3] سيأتي_ لا [4] في حديث طلحةَ، والظاهرُ: أنَّهما قِصَّتان [5]، نبَّه عليه شيخُنا الإمامُ أبو حفصٍ [6] البُلقينيُّ) انتهى.
وقال ابن شيخنا البلقينيِّ بعد أن ذكر أنَّه ضِمام قال: (كذا قال ابنُ بطَّال وغيرُه، وفيه
[
ج 1 ص 31]
نظرٌ؛ لأنَّ ضِمامًا إنَّما هو في حديث أنس [7]، أمَّا في حديث طلحةَ؛ فلا، والظاهرُ: أنَّهما قضيتان؛ لتبايُن الألفاظ، نبَّه عليه القُرطبيُّ) انتهى.
وكذا نقل حافظُ عصري ذلك عنِ البُلقينيِّ، وأنَّ الظاهر أنَّه غيرُه؛ لاختلاف السِّياقينِ قال: وهو كما قال، انتهى.
وقال السُّهيليُّ في الوفود من «الرَّوض» بعد أن ذكر حديث ضِمام قال: (وهو [8] الذي قال فيه طلحةُ بن عُبيد الله: جاء أعرابيٌّ مِن أهل نجدٍ ثائرَ الرأس) انتهى، فوافقَ مَن ذُكر عنه ذلك، وسيأتي الكلامُ على ضِمام، ومتى قَدِمَ في (باب القراءة والعرض على المحدث).

(1/186)


قوله: (مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ): هي ما بينَ جُرَشَ إلى الكوفةِ، وحدُّه ممَّا يلي المغرب الحجاز، وعن يسار الكعبة اليمن كذلك، ونجدٌ كلُّها من عمل اليمامة.
قوله: (ثَائِر الرَّأْسِ): هو بالثاءِ المثلَّثة؛ أي: منتشرُ الشَّعر منتفِشُه قائمُه، وهو مرفوعٌ صفةً لـ (رَجُلٌ)، ويجوزُ نصبُه على الحال.
قوله: (نَسْمَعُ ... وَنَفْقَهُ): بالنون المفتوحة مبنيَّان للفاعل، وبالمثنَّاة تحت المضمومة مبنيَّان للمفعول؛ روايتان، والنونُ أشهرُ وأكثرُ.
قوله: (دَوِيّ صَوْتِهِ): بفتح الدَّال المهملة، قال في «المطالع» بعد أن ذكر الفتح: (وجاء عندنا في «البخاريِّ»: ضمُّ الدال، والأوَّل أصوبُ؛ وهو شِدَّة الصَّوت وبُعده في الهواء).
قوله: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ): هو مرفوعٌ غيرُ منوَّنٍ، وهو خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: هي خمسُ صلوات، والله أعلم، وكذا قوله: (وَصِيَامُ).
قوله: (إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ): اختُلف في هذا الاستثناء، فقال الشَّافعيُّ وأصحابُه وغيرُهم ممَّن يقول: لا تلزم النوافل بالشروع: هو منقطعٌ؛ تقديرُه: لكن إن تطوَّعتَ؛ فهو خيرٌ لك، وقال آخرون: متَّصلٌ، وهؤلاء يقولون: يلزمُ التَّطوُّعُ بالشروع؛ لأنَّه الأصلُ في الاستثناء، وقد قال تعالى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33]، وبالقياس على حجِّ التطوُّع وعمرتِه.
قوله: (وَصِيَامُ رَمَضَانَ): فيه دليلٌ على جواز قولِ (رمضان) مِن غير إضافةٍ إلى (شهرٍ)، والمسألةُ ذكرها البخاريُّ في (الصوم)، وهو والمحقِّقون على جوازِه، وكان عطاءٌ ومجاهدٌ يكرهان أن يُقال: (رمضان)، وإنَّما يُقال كما قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ} [البقرة: 185]، وحُكي أيضًا عنِ الحسن [9]، والطريقُ إليه وإلى مجاهدٍ ضعيفةٌ، وهو قولُ أصحاب مالكٍ.

(1/187)


وفي المسألة قولٌ ثالثٌ، وهو قولُ أكثر الشَّافعيَّة: إنْ كان هناك قرينةٌ تصرفُه إلى الشَّهر؛ فلا كراهةَ، وإلَّا؛ فيُكره، قالوا: فيُقال: (قُمنا [10] رمضان)، و (رمضانُ أفضلُ الشُّهور)، وإنَّما يُكرَه أن يُقال: (جاء رمضان)، و (حضر رمضان)، وأمَّا الحديثُ الذي في «كامل ابن عديٍّ» من حديث أبي هريرةَ مرفوعًا: «لا تقولوا: رمضانَ؛ فإنَّ رمضانَ اسمٌ مِن أسماء الله عزَّ وجلَّ، ولكن قولوا: شهرُ رمضان»؛ فقال أبو حاتم: إنَّه خطأ، وإنَّما هو مِن قول أبي هريرةَ، وقد عزا هذا الحديث الشَّيخُ محيي الدين النوويُّ في «تهذيبه» إلى البيهقيِّ قال: (وضعَّفه، والضعفُ عليه بيِّن) انتهى، وقد ذكر هذا الحديث القُرطبيُّ في «مُفهمه» وقال: (ليس بصحيحٍ من حديثِ أبي معشرٍ نجيحٍ، وهو ضعيفٌ) انتهى.
وذكره أيضًا الذهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة أبي معشرٍ المذكور، وكذا ذكرَه أبو الفرج بن الجوزيِّ في «موضوعاته»، فقال: (حديثٌ موضوعٌ)، ثمَّ ذكر أبا معشرٍ بالضَّعْف.
قوله: (وَلَا أَنْقُصُ): هو بفتح الهمزة، وضمِّ القاف، وهذا ظاهرٌ.
==========
[1] (
عبد الله وأنه): ليس في (ب).
[2]
في (ب): (وقال).
[3]
في (ب): (لما).
[4] (
لا): ليس في (ب).
[5]
في (ب): (قضيتان).
[6] (
الإمام أبو حفص): وضعت في (ب) في غير محلها.
[7]
زيد في (ب): (أما في حديث أنس).
[8]
في (ج): (هو).
[9]
في (ب): (وحكي عنِ الحسن أيضًا).
[10]
في (ب): (في).

(1/188)


[
باب اتباع الجنائز من الإيمان]

(1/189)


[
حديث: من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا]
47#
قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَلِيٍّ المَنْجُوفِيُّ): هو أحمدُ بن عبد الله بن عليِّ بن سُويد بن مَنجُوف، أبو بكرٍ السَّدُوسيُّ البصريُّ، عن يحيى القطَّان، وابنِ مَهديٍّ [1]، وطبقتِهِم، وعنه: البخاريُّ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ خُزيمةَ، وجماعةٌ، قال النَّسائيُّ: (صالحٌ)، قيل: تُوفِّي سنةَ (252 هـ)، وجزم بعضُهم بذلك، والمَنْجُوفيُّ نسبةً إلى جدِّه الأعلى مَنْجُوف، وهو بفتح الميم، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ جيم مضمومة، ثمَّ واو، ثمَّ فاء [2].
قوله: (حَدَّثَنَا رَوْحٌ): هو بفتح الرَّاء، وهو ابنُ عُبادةَ أبو محمَّد الحافظ البصريُّ، صنَّفَ الكُتُبَ، وكان من العلماء، تُوفِّي سنة (205 هـ)، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعةُ، صدوقٌ تكلَّم فيه القواريريُّ بلا حُجَّةٍ، له ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه، فالعملُ على توثيقه [3].
قوله: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ): هذا هو ابنُ أبي جميلةَ الأعرابيُّ، وإنَّما قيل له: الأعرابيُّ؛ لدخوله درب الأعراب، قاله ابن دقيق العيد، قال النَّسائيُّ: (ثقةٌ ثَبْتٌ)، مات سنة (147 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان» [4].
قوله: (عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): (محمَّدٍ): مجرورٌ معطوفٌ على (الحسنِ)، و (محمَّد): هو ابنُ سِيرينَ، العالمُ المشهورُ، مشهور الترجمة.
وأمَّا (الحسنُ)؛ فهو ابنُ أبي الحسن يسار البصريُّ، العالم الفرد.
واعلم أنَّه إنَّما أتى بالحسنِ مقرونًا؛ لأنَّ روايتَه عن أبي هريرةَ فيها كلامٌ للنَّاس، قال أيُّوب، وعليُّ بنُ زيدٍ، وبهزُ بن أسد: (لم يسمعِ الحسنُ مِن أبي هريرةَ)، وقال يونسُ بن عُبيدٍ: (ما رآهُ قطُّ)، وذكر أبو زُرعةَ وأبو حاتم: (أنَّ مَنْ قال عنِ الحسنِ: حدَّثنا أبو هريرةَ؛ فقد أخطأَ)، وقال التِّرمذيُّ في «السُّنن»: (إنَّه لَمْ يسمعْ منه)، وقال النَّسائيُّ في «الصغرى» في حديث «المختلعاتُ هُنَّ المنافقاتُ»: (لم يسمعِ الحسنُ من أبي هريرةَ، قال: ولم أسمعه إلَّا مِن حديث أبي هريرة) انتهى، وقد رواه الطبرانيُّ من حديث عُقبة بن عامرٍ.

(1/190)


وقد ذكر بعضُ مشايخي في قول النَّسائيِّ في «سننه»: (قال الحسن: لم أسمعه من أبي هريرة) _كذا نقل شيخي [5] العبارةَ عنِ النَّسائيِّ_: (وما ذكره عنِ الحسن سقط منه شيءٌ، وصوابُه: لم أسمعه مِن أحدٍ عن أبي هريرةَ، كما هو ثابتٌ في «النَّسائيِّ الكبير» رواية ابنِ الأحمر، وهو يؤيِّدُ مَن قال: الحسنُ سمعَ منه، وقد ذكر سماعه منه في «مسند أبي داود الطيالسيِّ»، والطبرانيِّ في «أوسط معاجمه» و «أصغرها»، قال أبو داود فيما حكاه ابن خلفون: زعم عبدُ الرحمن أنَّ الحسنَ كان يقول: حدَّثنا أبو هريرةَ، وهذا أثبتُ، قال: ورَوى ابنُ شاهين في «ناسخه» من حديثه عنه حديثًا، ثمَّ قال: هذا صحيح غريب، وقال الدَّارقطنيُّ في «علله» عن موسى بن هارون: سمع الحسن منه) انتهى ما قاله شيخي.
والعمدةُ في هذا الحديث على محمَّد بن سيرينَ عن أبي هريرة، هذا على القول بأنَّه لم يسمعه، وهو [6] الأكثرُ فيما وقفتُ عليه، وفي «تذهيب الذهبيِّ»: واختُلِف في سماعه من أبي هريرةَ رضي الله عنه، والله أعلم.
واعلم أنَّ البخاريَّ لَمْ يُخرِّج للحسن وحدَه عن أبي هريرةَ إلَّا حديثًا واحدًا وعلَّقَه، وهو (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام رأى البيتَ المعمورَ يدخلُه كلَّ يومٍ سبعونَ ألفًا) [خ¦3207]، ذكرَه في (بدء الخلق) بلفظ: (وقال همامٌ: عن قتادة، عنِ الحسن به) [خ¦3207]، وأخرجَ له مَقرونًا [7]: «إنَّ موسى كان رجلًا حَيِيًّا ... »؛ الحديث عنه ومحمَّدٍ وخِلَاسٍ [خ¦3404]، وحديثَ: «غُفِرَ لِامْرأَةٍ مُومِسَةٍ» عنه وابنِ سيرين [خ¦3321]، و: «مَنِ اتَّبَعَ جنَازةَ مُسلمٍ» هذا الذي نحن فيه عنه ومحمَّدِ بن سيرين، والمعلَّقَ المذكور في كلامي [خ¦3207]، والله أعلم [8].
[
ج 1 ص 32]
قوله: (إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا): تقدَّم الكلام عليهما.
قوله: (حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا [9] وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا): هما مبنيَّان لما لَمْ يُسمَّ فاعلُه، كذا في أصلنا، ويجوزُ بناؤُهما للفاعلِ.
قوله: (تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ): الضَّميرُ في (تابعه) يعودُ على (رَوْحٍ)؛ أي: تابعَ روحًا في روايةِ نحوِ هذا الحديث عن عوفٍ المذكور في السند، (قال: حدَّثنا عوفٌ)؛ يعني: فرواهُ عثمانُ عن عوفٍ، عن محمَّدٍ، عن أبي هريرةَ مِن غيرِ ذِكْرِ الحسنِ [10] الذي ذَكَرَ أنَّه لَمْ يسمع من أبي هريرةَ.

(1/191)


و (عثمانُ) هذا: هو ابنُ الهيثمِ بنِ جَهْمِ بنِ عيسى بنِ حسَّانَ بنِ المنذرِ أشجِّ عبدِ القيس العبديُّ البصريُّ، روى عنه البخاريُّ، ورَوى هو والنَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة» عن رجلٍ عنه، تُوفِّي سنة (220 هـ)، له ترجمةٌ في «الميزان» [11]، وسيجيءُ أنَّ البخاريَّ روى في «الصحيح» عن ثلاثةٍ؛ كلٌّ منهم يُسمَّى عثمان، هذا [12] أحدُهم، والثاني: عثمانُ ابنُ أبي شيبةَ، والثالث: عثمانُ بنُ صالحٍ السهميُّ المصريُّ.
ومتابعتُه هذه ليستْ في شيءٍ مِنَ الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يُخرِّجها شيخُنا فيما رأيتُ، وقد قدَّمتُ أنَّ عثمانَ شيخُ البخاريِّ، والحديثُ [13] مِن طريقِه رباعيٌّ، ومِنَ الطريقُ التي قدَّمها خماسيٌّ، والله أعلم.

(1/192)


[
باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر]
قوله: (مُكذِّبًا): المختارُ في الذَّال الكسرُ، وقد ضُبِطَ بفتحِها، وقد ضُبِطَ في أصلنا: بكسر الذَّال، وطرأَ عليها الفتحُ أيضًا، ومعناه بالفتح: إلَّا خشيتُ أنْ يُكذِّبَنِي [1]؛ مَن رأى عملي مخالفًا قولي، ويقول: لو كنتَ صادقًا؛ ما فعلتَ هذا الفعل، وبالكسرِ معناه ظاهرٌ.
قوله: (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): هذا هو عبدُ الله بنُ عُبيدِ الله بن أبي مليكةَ زهير _وزهيرٌ صحابيٌّ ورَوى عن أبي بكرٍ الصديق_ ابنِ عبد الله بن جُدعان التيميُّ، وابنُ أبي مُليكةَ مؤذِّنُ ابنِ الزُّبير وقاضيه، وثَّقه أبو زرعةَ وأبو حاتم، تُوفِّي سنةَ سبعَ عشرةَ ومئةٍ [2]، قال: (أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
واعلم أنَّ أسماءَ مَنْ أدركَ مِنَ الصحابة مذكورةٌ في «تهذيب الكمال» وغيره في ترجمتِه [3]، لكنَّهم لَمْ يبلغوا هذا العدد، أخرج له الجماعة [4].
قوله: (وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ): (يُذْكَرُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الحسن): هو ابنُ أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور الجليل.
قوله: (وَمَا خَافَهُ) وكذا (وَلَا أَمِنَهُ): الضميرُ فيهما يعودُ على [5] الله عزَّ وجلَّ، ويَحتمل أنْ يعودَ على (النفاق).
قوله: (ومَا يُحْذَرُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
==========
[1]
في (ب): (تكذبني).
[2]
زيد في (ب): (وعنه).
[3] «
تهذيب الكمال» (15/ 256).
[4]
قوله: (أخرج له الجماعة): ليس في (ب).
[5]
في (ب): (إلى).
[
ج 1 ص 33]

(1/193)


[
حديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر]
48#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ): هو بفتح العينينِ المهملتين، وراءين؛ الأُولى ساكنة، ابنُ البِرِنْد _بموحَّدة، ثمَّ راء، مكسورتين، ويقال: بفتح الباء، وفي كلام بعض الناس: أنَّه بفتح الباء والراء، والكسرُ أصحُّ وأشهر، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة_ ابنِ النُّعمان القرشيُّ السَّاميُّ _بمهملة_ إلى سامةَ بنِ لُؤيٍّ، روى عن شعبةَ، وعُمرَ بن أبي زائدةَ، وطائفةٍ، وعنه: البخاريُّ، وبُنْدَارٌ، والكَجِّيُّ، تُوفِّي سنةَ (213 هـ)، أخرج له مع البخاريِّ مسلمٌ وأبو داودَ، قال أبو حاتم: (ثقةٌ صدوقٌ)، وقال النَّسائيُّ: (ليس به بأس) [1].
قوله: (عَنْ زُبَيْدٍ): هو بزايٍّ مضمومةٍ، ثمَّ موحَّدةٍ مفتوحة، ثمَّ مُثنَّاة تحتُ، وهو زُبَيْد بن الحارث بن عبد الكريم الياميُّ، ويام؛ بطنٌ مِن هَمْدان، ويقال: الأياميُّ، الكوفيُّ، قال يحيى القطَّان: (ثَبْتٌ)، وقال أبو حاتم وغيرُه: (ثقةٌ)، مات سنةَ (122 هـ)، وقيل: سنةَ أربعٍ، أخرج له الجماعةُ [2].
فائدة: زُبَيْد هذا تقدَّم ضبطُه، ولهم زيَيْد _بضمِّ الزاي وكسرها أيضًا، وفتح المُثنَّاة تحت، بعدَها مُثنَّاةٌ أُخرى ساكنة_ ابنُ الصلت بن مَعدي كرب الكِنديُّ، له ذِكْرٌ في «الموطَّأ» من رواية: هشام بن عُروة عنه أنَّه قال: (خرجتُ مع عمرَ بن الخطَّاب إلى الجُرف [3]، فنظر فإذا هو قد احتلم وصلَّى ... ) وذكر القِصَّة، ورَوى مالكٌ في «الموطَّأ» أيضًا: عنِ الصَّلْتِ بن زُيَيْدٍ عن غير واحدٍ من أهله: أنَّ عمر بن الخطَّاب وجدَ ريحَ طِيبٍ وهو بالشجرة وإلى جنبه كثيرُ بنُ الصلت، قال عمر: ممَّن هذا الطيب؟ ... ؛ فذكر القِصَّة، قال عبدُ الغنيِّ بن سعيد: (إنَّ الصلتَ بنَ زُيَيْد هو زُيَيْد بن الصَّلت المتقدِّم)، وحَكى ابنُ الحذَّاء قولين آخرين فيهما بُعدٌ، والصلتُ بنُ زُيَيْد هذا وُلِّي قضاء المدينة [4]، وأمَّا قولُ ابنِ الحذَّاء: (إنَّ أباه زُيَيْد بن الصلت كان قاضي المدينة في زمان هشام بن عبد الملك)؛ فوهمٌ منه، وهذا ليس له ذكر في «البخاريِّ» و «مسلم»، بل ولا في بقيَّة الكتب السِّتَّة راوٍ يُقال له: زُيَيْد؛ بمُثنَّاة تحتُ مكرَّرة، بل ولا راوٍ اسمُه [5] (زُبَيد)؛ بموحَّدة إلَّا الأياميَّ المذكور، وفيها أبو زُبَيد كنيةُ عَبْثَر بن القاسم، وثَّقه ابنُ مَعينٍ وأحمدُ، وقال أبو داود: (ثقةٌ ثقةٌ) [6].

(1/194)


قوله: (أَبَا وَائِلٍ [7]): هو شقيقُ بن سلَمة _بفتح اللَّام_ الأسديُّ، مخضرمٌ، سمع عمرَ، ومعاذًا، وعبدَ الله بن مسعود، وعنه: منصورٌ، والأعمش، قال: (أدركتُ سبعَ سِنينَ مِن سِنِيِّ الجاهليَّة)، أخرج له الجماعة، قال ابن معينٍ: (ثقةٌ)، تُوفِّي سنة (82 هـ)، وكان مِنَ العلماء العاملين [8].
تنبيهٌ: المخضرمون ذكرتُهم في مؤلَّفٍ مفردٍ؛ فسارع إليه إن أردته.
قوله: (عَنِ الْمُرْجِئَةِ): هم قومٌ مبتدعةٌ يقولون: لا تضُرُّ الذنوب مع الإيمان، ولا يدخلُ مؤمنٌ النار وإنْ كان مذنبًا، وهم في الإيمان صِنفان؛ صنفٌ يقولون: إنَّ [9] الإيمان تصديقُ القلب فقط، وصنفٌ يقولون: الإيمان قولٌ باللِّسان وتصديقٌ بالقلب، وغَلَا منهم غالون فقالوا: هو الإقرارُ باللسان فقط.
تنبيهٌ: قد نقل أبو محمَّدِ ابنُ حزم الحافظُ الظاهريُّ: (قال ابنُ كَرَّام _يعني: محمَّد بن كَرَّام السجستانيُّ العابدُ المتكلِّمُ، شيخُ الكرَّاميَّة، وهو ساقطُ الحديث على بِدعتِه_: الإيمانُ قولٌ باللِّسان، وإنِ اعتقدَ الكُفْرَ بقلبه؛ فهو مؤمنٌ) انتهى.
وهذا منافقٌ محضٌ مخلَّدٌ في الدرك الأسفل من النار، وأيُّ شيءٍ يَنفعُ ابنَ كرَّامٍ أن نسمِّيَهُ مؤمنًا، وابنُ كرَّامٍ مبتدعٌ، ومِنْ بِدَع الكرَّاميَّة: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جسمٌ، لا كالأجسام.
و (كرَّام)؛ مُثَقَّلٌ كما قيَّده غيرُ واحدٍ، لا كما قاله متكلِّمُهم محمَّدُ بن الهيصم [10] من أنَّه (كَرَام)؛ بالتخفيف والفتح، والثاني: أنَّه (كِرَام) على لفظ جمع (كريم)، قال ابن الصلاح: (ولا مَعْدِل عنِ الأوَّل)؛ يعني: أنَّه بالفتح والتشديد، وأخبارُ ابنِ كَرَّام معروفةٌ [11]، نسأل الله السلامة والعافية.
فائدة: أوَّلُ المرجئةِ: الحسنُ بنُ محمَّدِ بن عليِّ بن أبي طالب ابنُ ابنِ الحنفيَّة، وله فيه تأليفٌ، وقد أخرج له الجماعة، وهو تابعيٌّ [12].
تنبيه [13]: نقل الذهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة ذرِّ بن عبد الله بن زرارة الهَمْدانيِّ: (قال أحمدُ: لا بأس به، هو أوَّلُ مَن تكلَّم في الإرجاء) انتهى [14]
وظاهرُ عبارته: أنَّه مِن تتمَّة كلام أحمدَ، فلعلَّ الحسن بن محمَّد ابن الحنفيَّة أوَّلهم، وهذا [15] أوَّل مَن أظهرَ ذلك وتكلَّم فيه، والله أعلم.
قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه، صحابيٌّ جليلُ القدر.

(1/195)


قوله: (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ): لا بُدَّ مِن تأويل هذا الكلام، فإنَّ قتالَه بغير حقٍّ لا يُخرجه عنِ المِلَّةِ عندَ أهل الحقِّ ولا يُكفَّرُ به، وفي التأويلِ أقوالٌ؛ أصحُّها [16]: المراد به: كفْرُ الحقوق؛ فإنَّ للمسلم حقًّا على أخيه، فإذا قاتله؛ فقد كفرَ تلك الحقوق؛ أي: جَحَدَها، ثانيها: أنَّ المراد به: مَنِ استحلَّه بغير موجب ولا تأويل، ثالثها: أنَّه شابَه فِعْلَ الكفَّار، رابعُها: أنَّ المراد بالمقاتلة: المشارة، والتناوُل باليد، والتطاوُل على أخيه.
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (26/ 108).
[2]
انظر «تهذيب الكمال» (9/ 289).
[3]
الجرف: بضم الجيم والراء وفاء، موضع على ثلاثة أميال من المدينة من جانب الشام، كذا ضبطه بضمتين الحافظ والسيوطي وغيرهما، واقتصر مجد الدين الشيرازي على أنه بسكون الراء وكذا المصباح فقال: الجرف بضم الراء وتسكن للتخفيف: ما جرفته السيول وأكلته من الأرض، وبالمخفف سمي به ناحية قريبة من أعمال المدينة على نحو من ثلاثة أميال.
[4]
في (ب): (ولي القضاء بالمدينة).
[5] (
اسمه): ليس في (ب).
[6]
انظر «تهذيب الكمال» (14/ 269).
[7]
في هامش (ق): (واسمه شقيق بن سلمة كوفيٌّ).
[8]
انظر «تهذيب الكمال» (12/ 548).
[9] (
إنَّ): ليس في (ب).
[10]
انظر «الوافي بالوفيات» (5/ 112).
[11]
انظر «سير أعلام النبلاء» (11/ 523).
[12]
انظر «تهذيب الكمال» (6/ 316).
[13]
في (ب): (فائدة).
[14]
انظر «ميزان الاعتدال»، وانظر ترجمة ذر بن عبد الله في «تهذيب الكمال» (8/ 511).
[15]
أي: ابن كرام.
[16]
في (ب): (أحدها).
[
ج 1 ص 33]

(1/196)


[
حديث: إني خرجت لأخبركم بليلة القدر]
49#
قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ): هذا هو حميد بن تير، ويُقال: تيرويه، الطَّويل، توفِّي وهو قائمٌ يُصلِّي سنةَ (142 هـ)، أخرج له الجماعة، ثقةٌ يُدلِّس [1].
ولهم شخصٌ آخرُ يُقال له: حُميد بن هلال العَدَويُّ أبو نصرٍ البصريُّ، يروي عن أنسٍ أيضًا، وله عن أنسٍ في «البخاريِّ» حديثان، والله أعلم، سأذكرْهُما [2] [خ¦1246] [خ¦3214].
قوله: (فَتَلَاحَى [رَجُلَانِ]): أي: تسابَّا، والاسمُ: اللِّحاء، وفي «الصِّحاح»: (لاحيتُه مُلاحاةً ولِحاءً؛ إِذَا نازعتَه)، وفي المَثَل: «مَن لاحاكَ؛ فقد عاداكَ») [3].
[
ج 1 ص 33]
قوله: (رَجُلَانِ): قال شيخُنا الشَّارح: (مكثتُ مُدَّةً فلم أعثر على مَن سمَّاهما، إلى أن رأيتُ ابنَ دحيةَ في كتابه «العلم» المشهور قال: هما كعب بن مالك وعبد الله بن أبي حدرد) انتهى.
قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (ولم يأتِ على ذلك بشاهدٍ) انتهى.
وأخبرني مَن أَخبر [4] عن شيخنا شيخ الإسلام البُلقينيِّ إنكار ذلك.
وابنُ دحيةَ: هو الحافظُ عمر بن الحسن بن الخطاب الأندلسيُّ، متَّهمٌ في نقله، له ترجمةٌ في «الميزان»؛ فانظرها إن شئت، والله أعلم.
والعلَّامة أبو حيَّان أثير الدين [5] شيخ شيوخنا في «النظر الحَسبي» أنكر أنْ يكون ضعيفًا، وقال: (إنَّ [6] مَن ضعَّفَه لَمْ يَخبُرْه)، والله أعلم.
قوله: (فَرُفِعَتْ): أي: رُفِعَ معرفتُها، لا أنَّها رفعتْ، وقد أجمعَ مَن يُعتدُّ به في الإجماع على بقائها، وشذَّتِ الروافضُ فقالوا: رُفعتْ، ولو رُفعتْ؛ ما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «التمسوها»، والله أعلم [7].
==========
[1]
انظر «تهذيب الكمال» (7/ 355).
[2]
انظر «تهذيب الكمال» (7/ 403).
[3] «
الصحاح».
[4]
في (ج): (وأخبرت عمن أخبرني)، وكذا كانت في الأصل قبل الإصلاح.
[5] (
أثير الدين): ليس في (ب).
[6] (
إنَّ): ليس في (ج).
[7] (
والله أعلم): ليس في (ب).

(1/197)


[
باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة]
قوله: (لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ): سأذكرُ قريبًا إن شاء الله تعالى (وفدَ عبد القيس) كم هم، ومتى وفدوا، ومَن عرفتُ منهم.
==========
[
ج 1 ص 34]

(1/198)


[
حديث: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله]
50#
قوله: (أَخْبَرَنَا [1] أَبُو حَيَّان التَّيْمِيُّ): (حَيَّان): بفتح الحاء المهملة، وتشديد المُثنَّاة تحت، واسمُه يحيى بنُ سعيدِ بنِ حَيَّانَ _ككُنيته_ التيميُّ، إمامٌ ثَبْتٌ، تُوفِّي سنةَ (145 هـ)، أخرج له الجماعةُ [2].
قوله: (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ): تقدَّم أنَّ اسمَه هَرِم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير، وقيل: عمرو، واسم أبيه عمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ، من علماء التابعين، وثَّقه ابنُ مَعينٍ وغيرُه، أخرج له الجماعة [3].
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه عبدُ الرحمن بن صخر، على الأصح مِن نحوِ ثلاثين قولًا، وتقدَّم ما فيه [4].
قوله: (وَبِلِقَائِهِ ... وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ): اختُلف في الجمع بين الإيمان باللِّقاء والبعث:
فقيل: اللِّقاءُ يحصُلُ بالانتقال إلى دار الجزاء، والبعثُ بعدَه عند قيام الساعة.
وقيل: اللِّقاء ما يكون بعدَ البعث عند الحِساب.
ثمَّ ليس المرادُ باللِّقاء رؤيةَ الله تعالى، فإنَّ أحدًا لا يقطعُ لنفسِه بها، فإنَّها مختصَّةٌ بمَن مات مؤمنًا، ولا يَدري الإنسانُ بِمَ يُختَمُ له، كذا قالوا، أمَّا في الجنَّة؛ فيراه داخلوها، وأمَّا في المحشر؛ فللعلماء في رؤية الخَلْق له تعالى ثلاثةُ أقوالٍ لأهل السُّنَّة، سأذكرُها في أواخر هذا التعليق إن شاء الله تعالى ذلك وقدَّره، وأذكرُها أيضًا هنا تعجيلًا للفائدة.
فاعلم أنَّ رؤيةَ الله عزَّ وجلَّ في الدار الآخرة فيها ثلاثةُ أقوالٍ لأهل السُّنَّة:
أحدُها: لا يَراه إلَّا المؤمنونَ.
والثاني: يَراه أهلُ الموقف؛ مؤمنُهُم وكافرُهم، ثمَّ يحتجِبُ عنِ الكفَّار، فلا يَرونَه بعد ذلك.
والثالث: يَراه المنافقون دون الكفَّار، قال ابنُ قيِّم الجوزيَّة في «حادي الأرواح» في الباب الخامس والستِّين: (والأقوالُ الثلاثةُ في مذهب أحمدَ وهي لأصحابه، وكذلك الأقوال الثلاثة بعينها في تكليمه لهم)، قال: (ولشيخنا في ذلك مصنَّفٌ مفرد، حكى فيه الأقوالَ الثلاثةَ وحُجَجَ أصحابها)، وقال ابن القيِّم قُبيل هذا الكلام: (فقد دلَّتِ الأحاديثُ الصحيحةُ الصريحةُ على أنَّ المنافقينَ يَرونَه في عَرَصات القيامة، بل والكفَّار أيضًا، كما في «الصَّحيحين» في حديث التجلِّي يومَ القيامة، وسيمرُّ بك عن قريبٍ) انتهى.

(1/199)


قوله: (الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ): إنَّما قيَّدها؛ ليُخرج صدقةَ التطوُّع، فإنَّها زكاةٌ لغويَّة، وقيل: للاحتراز من [5] الزكاة المعجَّلة قبل الحول، فإنَّها زكاةٌ غيرُ مفروضةٍ، أو للتأكيد، والله أعلم.
قوله: (وَتَصُومَ رَمَضَانَ): ذكرَهُ بغيرِ (شهر)، وقد تقدَّم الكلامُ على ذلك قريبًا؛ فانظره.
قوله: (عَنْ أَشْرَاطِهَا): أشراطُ الساعة: مُقَدِّماتُها، وهي علاماتٌ بين يديها أيضًا، وكذلك أشراطُ الأشياء، واحدُها شَرَط؛ بفتح الشِّين والراء، وقيل: أشراطُ الساعة: أعلامُها.
قوله: (رَبَّهَا): وفي روايةٍ لمسلمٍ: (رَبَّتَهَا)، وفي روايةٍ له أيضًا: (بَعْلَهَا)، والبعلُ: هو المالك على الصحيح أو السَّيِّد، وأمَّا [6] الرَّبُّ؛ فالسَّيِّد [7]، والرَّبَّة: السَّيِّدة؛ أي: تَلِدُ مِثلَ سيِّدِها ومالِكِها؛ أراد: كثرةَ السراري واتِّساع الأحوال، وقيل: معناه: العقوقُ حتَّى يكونَ الولدُ لأُمِّه في الغِلظة والاستطالة كالسَّيِّد، وقيل: لمَّا كان الذي تلِدُه مِن سيِّدها سببَ عتقِها؛ كان كالسَّيِّد المعتقِ لها، وأصلُ الرَّبِّ: المالكُ؛ ومنه: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وقيل: القائم بأمورِهم والمصلِح لهم، وقيل غيرُ ما ذكرتُ، وقد ذكر القرطبيُّ في أواخر «تذكرته» فيه خمسةَ أقوال.
قولُه: (رُعَاةُ الْإِبِلِ): الرُّعاةُ: بضمِّ الراء، جمعُ راعٍ؛ كقاضٍ وقُضاة، ويُقال أيضًا: بكسر الراء والمدِّ مِن غير هاء؛ كصاحبٍ وصِحاب [8].

(1/200)


قوله: (البهم [9]): قال في «المطالع»: (بضمِّ الموحَّدة هنا، صوابُه كما رواه أبو ذرٍّ الهرويُّ وغيرُه عنِ الأصيليِّ: بفتح الباء وضمِّها، ووقعتْ في أصل القابِسيِّ: بالفتح أيضًا، وحُكِي عنه ضمُّ الباء والميم وإسكان الهاء، جعلَه نعتًا للرُّعاة؛ أي: السود، قال الخطَّابيُّ: «معناه [10]: المجهولون الذين لا يُعرفون، ومنه: أبهم الأمر»، وقال غيرُه: همُ الذين لا شيءَ لهم؛ ومنه: «يُحشَرُ الناسُ عُراةً حفاةً بُهمًا»، وقيل في هذا أيضًا: متشابهي الألوان، والأوَّل أبين، وجاء في «مسلم» عقب [11] هذا الحديث: «يعني: العُرَيب» [12]، تصغير (العرب)، ومَن كسر الميمَ؛ جعلَه وصفًا لـ «الإبل»، وهي شرُّها، ووصفُهم بـ «الصُّمَّ البُكْمَ» [13] يدُلُّ على أنَّ ذلك كلَّه أوصافُ رُعاةِ الإبل [14]، وقال الطَّحاويُّ: «المرادُ بـ: البُكْمَ الصُّمَّ؛ أي: عنِ القول المحمود وسماعِه» [15]؛ أي: لا يعرفونه؛ لجهلهم، وقال الدِّمياطيُّ: «البُهم: السود، وهي أدونُ الإبل وشرُّها؛ لأنَّ الكِرامَ منها الصُّفْرُ والبِيضُ، ورَوى الأصيليُّ: بفتح الباء، وهو خطأٌ؛ لأنَّ البَهمةَ ليست من صِغارِ الإِبِل، وإنَّما هي مِن ولد الضَّأن والمَعز، قاله ابنُ بطَّال» [16]) انتهى [17]

(1/201)


[
باب منه]

(1/202)


[
حديث أبي سفيان مع هرقل]
51#
قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو ابنُ كيسان المدنيُّ، رأى ابنَ عُمر، وسمعَ عُروةَ والزُّهريَّ، وعنه: ابنُ عُيينةَ، وإبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، وغيرُهما، وكان جامعًا للفقه والحديث والمروءة، قال أحمدُ: (هو أكبرُ من الزُّهريِّ، بَخٍ بَخْ [1])، أخرج له الجماعةُ، وثَّقه ابنُ مَعينٍ وغيرُه، قال الواقديُّ: (تُوفِّي بعد الأربعين ومئة)، رُمِي بالقدر، ولم يصحَّ ذلك عنه، ذكره في «الميزان» لذلك [2]، وصحَّحَ عليه [3]، وقد تقدَّم بعضُ هذا.
قوله: (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرَّات [4] أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد [5] الله بن عبد [6] الله بن شهاب، العالم [7] المشهور.
قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ): تقدَّم أنَّ هذا صخرُ بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، والد معاويةَ رضي الله عنهما، مشهورُ الترجمة.
قوله: (أَنَّ هِرَقْلَ): تقدَّم الكلامُ عليه مختصرًا في أوَّل هذا التعليق؛ فانظره إن أردته.
[
ج 1 ص 34]
قوله: (سَخْطَةً لِدِينِهِ): تقدَّم الكلامُ عليه، وكذا (بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ) في أوائل هذا التعليق.
قوله في التبويب: (اسْتَبْرَأَ): هو بهمزةِ مفتوحةٍ في آخره.
==========
[1] (
بخ): بفتح الموحَّدة وسكون المعجمة، وقد تُنوَّن مع التثقيل والتخفيف بالكسر والرفع، ولو كررت فالاختيار أن تنوّن الأولى وتسكن الثانية، وقد يسكنان جميعًا، ومعناها: تفخيم الأمر والإعجاب به.
[2]
في (ج): (كذلك).
[3] «
ميزان الاعتدال»، وانظر «تهذيب الكمال» (13/ 79).
[4] (
مرات): ليس في (ب).
[5]
في (أ) و (ج): (عبد)، والمثبت من (ب)، وهو الصواب.
[6]
في (أ) و (ج): (عيبد)، والمثبت من (ب)، وهو الصواب.
[7]
زيد في (ب): (الفرد).

(1/203)


[
باب فضل من استبرأ لدينه]

(1/204)


[
حديث: الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات]
52#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): هذا هو الفضلُ بنُ دُكَينٍ، واسم دُكين: عمرو بن حمَّاد، حافظ عَلَمٌ، روى عنِ الأعمش، وزكريَّا بن أبي زائدةَ، وأُمم، وعنه: البخاريُّ، وعبدُ بن حُميد، وأُمم، ثقةٌ ثَبْتٌ، تُوفِّي بالكوفة لانسلاخ شعبان سنة (219 هـ)، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعةُ، له ترجمة في «الميزان» [1].
قوله: (حَدَّثَنَا [2] زَكَرِيَّاء): تقدَّم أعلاه أنَّه ابنُ أبي زائدةَ، وهو هَمْدانيٌّ وادعيٌّ، حافظٌ، عنِ الشَّعبيِّ، وسِماك، وعنه: القطَّان، وأبو نُعيم، ثقةٌ يُدلِّس عنِ الشَّعبيِّ، تُوفِّي سنةَ (149 هـ)، أخرج له الجماعةُ، له ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (عَنْ عَامِرٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه الشَّعبيُّ، وهو ابنُ شُراحيل، مشهورُ الترجمة.
قوله: (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ): هو بفتح الموحَّدة، وكسر الشِّين المعجمة، ابن سعد بن ثعلبة، الأنصاريُّ الخزرجيُّ، صحابيٌّ معروفٌ جليلٌ أشهرُ مِن أن يُذكَر، قال ابن الزُّبير: (هو أكبرُ منِّي بسِتَّة أشهرٍ)، أخرج له الجماعةُ، قُتِلَ في آخر سنة (64 هـ).
تنبيهٌ [3]: قال ابن عبد البَرِّ: لا يُصحِّحُ بعضُ أهل الحديث سماعَه من رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: وهو عندي صحيحٌ؛ لأنَّ الشَّعبيَّ يقول عنه: (سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثين أو ثلاثة)، ثمَّ ذكر حديثًا يشدُّ ذلك، وسيأتي مُطوَّلًا في أوائل (كتاب البيع) [خ¦2051]، ووالدُه بَشِير صحابيٌّ شهدَ بدرًا، أخرج له النَّسائيُّ.
تنبيهٌ ثانٍ: بَشِير والدُه له حديثُ النُّحْل [4]، والمحفوظُ أنَّه لولده.
فائدة: أوَّل مَن بايع مِن الأنصار أبا بكرٍ الصِّدِّيق بَشِيرٌ هذا، والله أعلم.
قوله: (مُشَبَّهَاتٌ): كذا للسمرقنديِّ، وعند الطَّبريِّ: (مُتَشَبِّهَاتٌ)، وعند غيرهم: (مُشْتَبِهَاتٌ)، وكلُّه بمعنى: مشكلات، وذلك لما فيها مِن شَبَه طرفين متخالفين، فيشبه مرَّةً هذا ومرَّة هذا، ويشتبه: يفتعل منه؛ أي: يشكل؛ ومنه: {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70]؛ أي: اشتبه، و {كِتَابًا مُّتَشَابِهًا} [الزمر: 23]؛ أي: في الصدق والحكمة غير متناقض.
فائدة: اعلم أنَّه اختُلف في المشبّهات التي ينبغي اجتنابها على أقوال:

(1/205)


الأوَّل: أنَّه الذي تعارضت فيه الأدلَّة فاشتبه أمرُه، وبه جزم بعضُهم [5]، ثمَّ ذكر في حُكمه أقوالًا؛ أحدُها: الحرمة؛ لأنَّه يوقِع في الحرام، والثاني: الكراهة، والورعُ تركُه، والثالث: الوقف، وصُوِّب الثاني؛ لأنَّ الشَّرعَ أخرجَها مِنَ الحرام، فهي مرتابٌ فيها، وصحَّ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ ... »؛ الحديث.
وقال بعضُهم [6]: والظاهرُ أنَّها مخرَّجةٌ على الخلاف المعروف في حكم الأشياء قبل وُرودِ الشَّرع، وفيه مذاهبُ؛ أصحُّها: لا يُحكم فيه بشيءٍ، الثاني: الإباحة، الثالث: المنع.
القول الثاني: المرادُ بـ (المُشَبّهات): المكروهات.
والثالث: أنَّها المباح، قال شيخُنا الشَّارح: (وهو مردودٌ) [7].
قوله: (لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ): أي: لسبب اشتباهِها على بعضٍ دونَ بعضٍ، لا أنَّها مشتبهةٌ في أنفسِها مشتبهةٌ على كلِّ الناس لا بيان لها؛ فإنَّ العلماءَ يعرفونها، ولهذا [8] نفى علمَها عن أكثر الناس، ولم يقل: لا يعلمُها كلُّ الناس، ولا أحدٌ من الناس.
قوله: (اسْتَبْرَأَ): تقدَّم أعلاه أنَّه مهموزُ الآخر.
قوله: (وَعِرْضِهِ): العِرْض؛ بكسر العين المهملة، وإسكان الراء؛ ومعناه: حمى نفسَه مِنَ الوقوع في المُشكل الحرام، والعِرْض أيضًا: الحسَب، كما سيأتي مُطوَّلًا، وتأوَّلَه قومٌ على العِرْض الذي هو الذَّمُّ والقولُ فيه، وفي «النِّهاية»: (أي: احتاط لنفسِه، لا يجوزُ فيه معنى الآباء والأسلاف) انتهى، وسيأتي الكلامُ عليه بأطولَ من هذا إن شاء الله تعالى.
قوله: (يُوشِكُ): هو بكسر الشِّين، وقد تُفتَح [9] في لغةٍ رديئةٍ، قاله [10] في «الصِّحاح»؛ أي: يسرع ويقرب، وقد تقدَّم الكلام عليها.
قوله: (حِمًى): هو بكسرِ الحاء منوَّنٌ، وزن (فِعَلٍ)؛ أي: محظورٌ لا يُقرَب.
قوله: (مُضْغَةً): هي قطعةُ لحمٍ بقدرِ ما يُمضَغُ في الفم.
قوله: (إِذَا صَلحَتْ ... وَإِذَا فَسدَتْ): هما بفتح اللَّام والسين [11]، ويُضَمَّان، وفي المضارع يُضمَّان فقط، ويُقال: صَلُحَ وفَسُدَ؛ إذا صار الصلاحُ والفسادُ هيئةً لازمةً له؛ كظَرُف وشَرُف؛ والمعنى: صارتْ ذاتَ صلاحٍ وفسادٍ، والله أعلم.
قوله: (الخُمس): هو بضمِّ الميم، وتُسَكَّن أيضًا.
==========
[1] «
ميزان الاعتدال»، وانظر «تهذيب الكمال» (23/ 197).
[2]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[3] (
تنبيه): ليس في (ب).

(1/206)


[4]
مراده حديث: أكلَّ ولدِك نحلْتَه ....
[5]
هو القرطبي في «المفهم» (14/ 108).
[6]
هو النووي في «المنهاج».
[7] «
التوضيح» (3/&).
[8]
في (ج): (فلهذا).
[9]
في (ب): (يفتح).
[10]
في (ب): (قال).
[11] (
والسين): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 35]

(1/207)


[
باب أداء الخمس من الإيمان]

(1/208)


[
حديث: مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا ندامى]
53#
قوله: (أَخْبَرَنَا [1] شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ): هو بفتح الجيم وبالرَّاء، واسمُه نصرُ بنُ عِمرانَ الضُّبعيُّ، يروي عنِ ابن عبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، وغيرِهما، وعنه: شعبةُ، وجماعةٌ، ثقةٌ، تُوفِّي سنة (128 هـ) [2]، أخرج له الجماعةُ، قال الجيَّانيُّ: (وليس في الكتابين _ يعني: «البخاريَّ» و «مسلم» _ بعد هذا مَن اسمُه جَمْرة ولا أبو جَمْرة بالجيم)، قال: (وفي نسخةِ أبي ذرٍّ عن أبي الهيثم: أبو حمزة عن عائذ بن عمرو؛ بالحاء والزاي، وذلك وهم وقع في «باب عمرة [3] الحديبية») انتهى، وقد ذكر ابن قُرقُول هذا المكان ومكانين آخرين وَهِمَ الرُّواة فيها؛ فانظر ذلك إن أردته.
تنبيه: ذكر بعضُ الحُفَّاظ عن شُعبةَ: أنَّه روى عن سبعةِ أشخاصٍ يُقال لكلٍّ منهم: أبو حمزة، رَوَوا كلُّهم عنِ ابن عبَّاسٍ، وكلُّهُم بالحاء والزاي، إلَّا أبا جَمْرة نصرُ بنُ عِمران، ويُدرَكُ فيه الفرقُ بينهم بأنَّ شعبة إذا قال: (عن أبي جَمْرة، عنِ ابن عبَّاسٍ) وأطلقَ؛ فهو نصرُ بنُ عِمران، وإذا روى عن غيره؛ فهو يذكُرُ اسمَه أو نسبَه، والله أعلم [4].
وهذا الكلام متعقَّبٌ أذكر [5] تعقبه في (كتاب النذر) إن شاء الله تعالى، وذلك أنَّ الدِّمياطيَّ ذكر هذا الكلام هناك.
قوله: (إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ): الوفدُ: الجماعة المختارة [6] من القوم؛ ليتقدَّموهم في لُقِيِّ العُلماء والمصير إليهم في المُهِمَّات، واحدهم: وافد، وقد تقدَّم الوعد بذكر الوفد الذين قدموا عليه عليه الصَّلاة والسَّلام، فاعلم أنَّهم كانوا أربعةَ عشرَ راكبًا [7]، وذكر [8] بعض الحفَّاظ في ترجمة أبي خيرة الصُّبَاحيِّ: أنَّهم كانوا أربعين رجلًا فأسلموا، ونحوه لابن عبد البَرِّ، والجمع بين (أربعةَ عشرَ) و (أربعين) أنَّ من قال: (أربعةَ عشرَ)؛ عدَّ الرؤساء، ومن قال: (أربعين)؛ عدَّ المجموع، والله أعلم، وسيأتي جمعٌ آخرُ في ذلك.
رئيسهم الأشجُّ العَصَريُّ؛ بفتح العين والصَّاد المهملتين، واسمه المنذر بن عائذ؛ بمُثنَّاة تحت، وذال معجمة، وقيل: المنذر بن الحارث
[
ج 1 ص 35]
بن زياد، وقيل غير ذلك، سمَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام به؛ لأثرٍ كان في وجهه.

(1/209)


ومَزْيَدة بن مالك المحاربيُّ، وعُبَيدة بن همَّام المحاربيُّ، وهو بضمِّ العين، وفتح الموحَّدة، وكذا ذكره في المضموم الذَّهبيُّ في «تجريده»، وصُحار بن العبَّاس، وقيل: ابن عيَّاش المُرِّيُّ، وعَمرو بن مَرْجُوم العَصَريُّ _وهو بالجيم_ واسم أبيه: عبد قيس بن عمرو، والحارث بن شعيب العَصَريُّ، ولا أعلم هذَا في الصَّحابة، إلَّا أن يكون أحد نُسب إلى جدِّه، أو جدٍّ له أعلى، أو في اسم أبيه اختلاف، أو المشهور فيه خلاف شعيب، أو نُسِب إلى خلاف الظاهر، والحارث بن جندب من بني عائش، ذكر ذلك النوويُّ بنحوه، ولم يذكر فيهم (جهْم بن قثم)، وجهم هذا هو [9] الذي كانت به الجراحة، وكان يَخْبَؤُها حياءً من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونقل النَّوويُّ ذلك [10] في «شرح مسلم» عن صاحب «التَّحرير»، وقد رأيت في «مبهمات أبي زُرعة» ولد شيخنا العراقيِّ ما لفظه: (روى الخطيب في «المتَّفِق والمفترِق» في ترجمة زيد بن عليٍّ بإسناده عن عوف قال: حدَّثني زيد بن عليٍّ أبو القموص قال: حدَّثني أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عبد القيس قال: فإنْ لَمْ يكن قيس بن النُّعمان؛ فأنا أُنسيت اسمه ... ؛ وذكر الحديث، فاستفدنا بهذا [11] تعيين تاسعٍ) انتهى، وهو قيس بن النُّعمان العبديُّ، أحد وفد عبد القيس، له حديث في «أبي داود» في (الأشربة) في (باب الأوعية): (عن وهب بن بقيَّة، عن خالد، عن عوف، عن أبي القموص زيد بن عليٍّ قال: حدَّثني رجل من الوفد الذين وفدوا إلى رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من عبد القيس _يحسب عوف أنَّ اسمه قيس بن النُّعمان_ فقال: «لا تشربوا في نقير ... »؛ الحديث، فلا حاجة إذن إلى عزو تعيينه إلى «المتَّفق والمفترق»، فهذا في «أبي داود»، وقد ذكر السُّهيليُّ في وفد عبد القيس آخرين غير مَن ذكرهم [12]؛ وهم: (أبو الوازع الزَّارع بن عامر، وابن أخته مطر بن هلال العنزيُّ ... ) إلى أن قال: (ومنهم: ابن أخت أبي الوازع وكان به جنون)؛ فذكر قصَّته ... إلى أن قال: (ومنهم: أبو خيرة الصُّبَاحيُّ)، والله أعلم.

(1/210)


وجابر بن عبيد، قال ابن عبد البَرِّ: (أحد وفد عبد القيس)، فتكمَّلوا [13] أربعةَ عشرَ، وقد تقدَّم أنَّ بعضهم قال: (إنَّهم أربعون)، فعلى هذَا؛ يدخل فيهم مثل أبان المحاربيُّ، وعُمير بن جودان العبديُّ، ورسيم العبديُّ، والجارود بن المعلَّى [14]، وجودان غير منسوب، والظاهر أنَّه والد عمير، ومُشَمْرِج بن خالد العَصَريُّ ابن أخت الوفد، وزيد بن صُحار، وذكر الذَّهبيُّ شخصًا آخر سمَّاه: (جارية بن جابر العَصَريَّ أحد وفد عبد القيس) انتهى، وجارية بالجيم، وهؤلاء وفدوا عام الفتح قبل خروجه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى مكَّة.

(1/211)


فائدة: قال بعض الحفَّاظ من شيوخ شيوخنا _كما [15] تقدَّم_: كانوا أربعين، ويقال: أربعةَ عشرَ، قال: فلا منافاة؛ لأنَّهم وفدوا مرَّتين؛ وهم: الأشجُّ العَصَريُّ، واسمه المنذر بن عائذ _كما تقدَّم_ وكان رئيسهم، والأشعث ابن جُودان العبديُّ، والأصحُّ فيه: عمير، وجابر بن عبيد العَصَريُّ، وجارية بن جابر العَصَريُّ، وجهْم بن قُثَمَ، والحارث بن جندب من بني عائش، وحسَّان بن أبي حسَّان، والحارث بن شعيب العَصَريُّ، وحوثرة العَصَريُّ، وزارع بن عامر العبديُّ، وابن أخته مطر بن هلال، وصُحار بن العبَّاس [16]، وسفيان بن خولي بن عبد عمرو العَصَريُّ، وشهاب بن متروك العبديُّ، وعبد الله وقيل: عبد الرحمن بن جابر العبديُّ، وعُبيدة بن همَّام المحاربيُّ، وعمرو بن شعيب العَصَريُّ، وعمرو بن المرجوم العبديُّ، وقيس بن النُّعمان العبديُّ، وكعب بن الأعور بن مالك بن عمرو بن عوف، وكان من الشجعان الأشراف، ومَزْيَدة بن مالك المحاربيُّ، وهمَّام بن ربيعة العَصَريُّ، وهمَّام بن معاوية بن شبابة، نقلهما الذَّهبيُّ عنِ ابن سعد، وأبو خيرة الصُّبَاحِيُّ، وهو الذي روى: «اللهمَّ؛ اغفر لعبد القيس ... »، وقال: (زوَّدنا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأراك نستاك به)، روى داود بن المساور، عن مقاتل بن همَّام، عن أبي خيرة الصُّبَاحِيِّ، قال: (كنت في الوفد الذين أتَوا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكنَّا أربعين راكبًا، فنهانا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الدُّبَّاء، والحنتم، والنَّقير، والمُزفَّت، قال: ثمَّ أمر لنا بأراك، فقال: «استاكوا بهذا»، فقلنا: يا رسول الله؛ عندنا العُسب، ونحن نجتزئ به، قال: فرفع يديه وقال: «اللهمَّ؛ اغفر لعبد القيس؛ إذ أسلموا طائعين غير كارهين»، والقائف، وإياس، ورستم العبديُّ، والجارود بن المعلَّى [17]، وجودان، ومُشَمْرِج بن خالد العَصَريُّ، وزيد بن صُحار، ذكر الرُّشاطيُّ قدومهم [18] كان [19] مرَّتين، وذلك في (ترجمة الصُّبَاحِيِّ: أنَّ القائف وإياسًا) [20] ابني عبس قدما في الوفد الأوَّل، وأنَّ منازلهم البحرين، واختلف في عددهم، فروى ابن سعد أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كتب إلى أهل البحرين، فقدم عليه عشرون رجلًا رأسهم الأشجُّ، وأنَّ ذلك كان عام الفتح، وذكر النَّوويُّ: (أنَّهم أربعةَ عشرَ رجلًا)، وذكر ابن الأثير: (أنَّهم ثلاثةَ عشرَ راكبًا، وأنَّ قدومهم سنة تسع وسنة عشر)

(1/212)


[21]
، قال الحافظ قطب الدِّين عبد الكريم الحلبيُّ: (وذكر شيخنا أبو محمَّد بن أبي جمرة أنَّ قدومهم كان في رجب)، قال الحافظ قطب الدين: (وقد وقع لي خمسةٌ وثلاثون رجلًا مسمَّون، وقد أفردتهم في جزء) انتهى.
قوله: (رَبِيعَةُ): هذه نسبة إلى جدِّهم الأعلى، فإنَّ عبد القيس بن أَفْصَى _بفتح الهمزة، ثمَّ فاء ساكنة، ثمَّ صاد مهملة مفتوحة_ بن دُعْمِيٍّ _بضمِّ الدَّال، ثمَّ عين ساكنة، مهملتين، ثمَّ ميم مكسورة، ثمَّ ياء مشدَّدة، مصروف_ بن جَدِيلة بن أسَد بن ربيعة بن نِزار.
قوله: (مَرْحَبًا): هو منصوب بفعل مُضمَر لا يظهر؛ أي: صادفتَ رُحْبًا، وأتيتَ رُحْبًا وسَعة، فاستأنِسْ، وقيل: بل انتصب على المصدر؛ أي: رحب الله بك مرحبًا، فوضع المرحب موضع الترحيب، وهو قول الفرَّاء، وإنَّما مدحهم بهذا؛ لأنَّهم أتَوا مسلمين طوعًا؛ فلم يصبهم خزيٌ بذنوبهم، ولا سَبْيٌ لحريمهم [22].
قوله: (غَيْرَ خَزَايَا): منصوبٌ على الحال، هكذا الرواية، ويؤيِّده ما في مكان آخر من «صحيح البخاريِّ»: «مرحبًا بالقوم الذين جاؤوا غيرَ خزايا»، وأشار صاحب «التَّحرير» إلى أنَّه رُوي بكسر الرَّاء على الصَّفة لـ (القوم)، والمعروف الأوَّل، قاله النَّوويُّ.
قوله: (خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى): كذا هنا، وجاء في غير هذا الموضع: (غير الخزايا ولا النَّدامى)؛ بالألف واللَّام، وفي رواية لمسلم: (غير خزايا ولا النَّدامى)، وكلُّه صحيح، وأمَّا معناه؛ فالخزايا: جمع خَزْيَان؛ كَحَيْرَان وَحَيَارَى: المُذَلِّين المهانين المقبوحين بوطء البلاد، وقتل النُّفوس، وسبي النِّساء، والنَّدامى هنا: جمع ندمان؛ بمعنى: نادم؛ وهي لغة في (نادم)، حكاها الجوهريُّ وغيره، وعلى هذا؛ فهو على بابه، وقيل: جمع نادم؛ إتباعًا لـ (الخزايا)، وكان الأصل: نادمين، وأتبع لـ (خزايا) [23]؛ تحسينًا للكلام، وهو كثير في كلام العرب.
قوله: (إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ): وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (الشَّهر الحرام)، وعليها علامة راويها، والمراد: جنس الأشهر الحرم، وهي أربعة: ذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم، ورجب، وإنَّما مُكِّنوا في هذه دون غيرها؛ لأنَّ العرب كانت لا تقاتل فيها، وقد اختُلِف في نَسْخ تحريم [24] القتال فيها على قولين؛ مذهب الجمهور: النسخ.
وقوله: (في شهر الحرام): هو من باب إضافة الشَّيء إلى نفسه، وفيه مذهبان مشهوران، (وفي حفظي: أنَّه في رواية: رجب) [25].

(1/213)


قوله: (مُضَرَ): هو غير مصروف، لأنَّه معدول وفيه العلميَّة والتَّأنيث؛ لأنَّها قبيلة معروفة.
قوله: (فَصْلٍ): أي: قاطعٍ يقطع ويبيِّن؛ ومنه: قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13].
قوله: (نُخْبِرْ بِهِ): بالجزم جواب الأمر، ويجوز رفعه، وعن القرطبيِّ قال: (قيَّدناه على من يُوثَق به: (نخبرُ)؛ بالرَّفع على الصِّفة لـ (أَمْرٍ).
قوله: (ونَدخُلْ بِهِ الجَنَّةَ): يجوز جزمه ورفعه، وعن القرطبيِّ قال: (قيَّدناه بالرَّفع أيضًا على الصِّفة، وبالجزم على جواب الأمر).
قوله: (فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، [وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ]، أَمَرَهُمْ: بِالإِيمَانِ بِاللهِ): اعلم أنَّه عدَّ خمسةً، وقد فسَّرها لهم بالشَّهادتين، والصَّلاة، والزَّكاة، والصَّوم، ثمَّ ذكر لهم أداء الخُمُس، وجوابه: أنَّه أمرهم بالأربع التي وعدهم، ثمَّ زادهم خامسة؛ وهي أداء الخُمُس؛ لأنَّهم كانوا مجاورين كفَّار مضرَ، وكانوا أهل جهاد.
وجواب آخر: وهو أنَّ أوَّل الأربع إقام الصلاة، وذَكَرَ كلمة التَّوحيد؛ لأنَّها [26] الأساس، وفي هذا الجواب نظر؛ لأنَّ في بعض طرقه في «الصَّحيحين»: «شهادة أن لا إله إلَّا الله _وعقد واحدة_ وإقام الصَّلاة ... » إلى آخره، فعقدُ الواحدة ظاهرٌ في أنَّ الإيمان من الأربع، وقد رواه البخاريُّ في (كتاب الأدب)، وفيه: «أقيموا الصَّلاة»، وليس فيه ذكر الشَّهادتين، وفي بعض طرقه حذف (الصَّوم)، وقد ذكر ابن المُنَيِّر في (باب
[
ج 1 ص 36]
أداء الخُمُس من الدِّين) هذا القول؛ أعني: أنَّ الإيمان غير معدود، وأنَّه لا ينتظم الكلام إلَّا كذلك؛ فانظره.
قوله: (عَنِ الْحَنْتَمِ): هو بحاء مهملة مفتوحة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ مُثنَّاة فوق مفتوحة، ثمَّ ميم، فسَّره أبو هريرة: بأنَّه الجرار الخضر، كما في «مسلم» في (الأشربة)، وقال به أيضًا عبد الله بن مغفل من الصَّحابة، وهو قول الأكثرين أو كثيرين من أهل اللُّغة، وقيل: الأبيض والأخضر، وهو ما طُلِي بالحنتم المعلوم من الزُّجاج وغيره، وقيل: هو الفخَّار كلُّه، وقيل: الخضر في تفسير أبي هريرة: السود بالزفت، قال الحربيُّ: (وهي جرار مزفَّتة)، وقيل: هي جرار يحمل فيها الخمر من مصر أو [27] الشَّام، وقيل: هي جرار مُضرَّاة بالخمر، وقيل: هي جرار تُعمَل من طين قد عُجِن [28] بشعر ودم، وهو قول عطاء، فنُهِي عنها؛ لنجاستها.

(1/214)


قوله: (والدُّبَّاءِ): هو بضمِّ الدَّال المهملة، وقد تُكسَر، وتشديد الموحَّدة، وبالمدِّ على وزن (المُكَّاء)، والمُكَّاء: طائر، وحُكِي في (الدُّبَّاء) القصر: القرْع؛ ساكن الرَّاء، جمع (دُباءة)، قال شيخنا الشَّارح في (المناقب): (وذُكِر عنِ القزَّاز: أنَّها قصرت في لغيَّة).
قوله: (والنَّقِيرِ): هو بفتح النون، وكسر القاف، ثمَّ مُثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ راء؛ وهي النخلة تنقر _أي: يحفر في جوفها أو جنبها_ ويُلقى فيها الماء والتَّمر؛ للانتباذ، وقد فسَّره في الحديث في «صحيح مسلم» فقال: (هي النخلة تُنْسَح نَسْحًا، وتُنْقر نقرًا؛ أي: تُقشَر ويُحفَر فيها).
قوله: (المُقَيَّر): هو المُزَفَّت المذكور قبله، وهو المطليُّ بالقار، وهو الزِّفت، وقيل: الزِّفت: نوع من القار.
تنبيه: اعلم أنَّ هذا [29] النهي كان في أوَّل الإسلام، ثمَّ نسخ، وناسخه حديث بريدة في «مسلم»: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «كنت نهيتكم عنِ الانتباذ في الأسقية؛ فانتبذوا في كلِّ وعاء، ولا تشربوا مُسكِرًا»، وسيأتي ما في هذا اللفظ، وهو (الأسقية) في (الأشربة)، وهذا مذهب الشافعيِّ والجمهور، وذهبت طائفة: إلى أنَّ النهي باقٍ؛ منهم: مالك، وأحمد، وإسحاق، حكاه الخطَّابيُّ عنهم قال: (وهو مرويٌّ عن عمر [30] وابن عبَّاس)، وقال شيخنا الشَّارح في (الأشربة): (وذكره أحمد أيضًا عن عمر بن عبد العزيز، وأنَّه كتب بذلك إلى عديِّ بن أرطاة بالبصرة، قلت: أخرج ابن أبي شيبة عن عمر [31] بإسناد جيِّد عنِ البراء قال: أمرني عمر أن أنادي يوم القادسيَّة: لا تنتبذوا في دبَّاء ولا حنتم ولا مُزفَّت) انتهى [32]، والقادسيَّة سنة خمسَ عشرةَ من الهجرة.
==========
[1]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
في (ب): (138 هـ).
[3]
في (ب): (غزوة)، والمثبت رواية أبي ذر عن الكشميهني.
[4] «
مقدمة ابن الصلاح» (ص&)، وانظر «التقييد والإيضاح» لزين الدين العراقي.
[5]
في (ب): (إذا).
[6]
في (أ): (المجتازة).
[7] (
راكبًا): ليس في (ب).
[8]
في (ج): (فذكر).
[9] (
هو): ليس في (ج).
[10]
في (ج): (ونقل ذلك النووي).
[11]
زيد في (ب): (المعنى).
[12]
في (ج): (ذكرتهم).
[13]
في (ب): (فكملوا).
[14]
في (ج): (العلاء).
[15]
في (ب): (لما).
[16]
في (ب): (العياش).
[17]
في (ب): (العلاء).
[18]
في (ب): (عددهم).
[19] (
كان): ليس في (ب).

(1/215)


[20]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[21]
زيد في (ب) و (ج): (وذكر أبو محمَّد بن أبي جمرة: أنَّ قدومهم كان في رجب)، وضرب عليها في (أ)، وهو الأصوب؛ لتكرارها بعد.
[22]
في (ب): (يخزيهم).
[23]
في (ب): (للخزايا).
[24] (
تحريم): ليس في (ب).
[25]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[26]
زيد في (ب): (الثلث).
[27]
زيد في (ب): (من).
[28]
في (ب): (عمل).
[29]
زيد في (ب): (الدين).
[30]
زيد في (ب): (وفيه).
[31] (
عن عمر): ليس في (ب).
[32] «
التوضيح» (27/&).

(1/216)


[
باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة ولكل امرئ ما نوى]
قوله: (بابُ مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ): (أنَّ): يجوز فيها فتح الهمزة وكسرها، وبهما ضُبِط في أصلنا، وفي غيره: بالفتح فقط، والنُّون مشدَّدة فيهما.
قوله: (وَالْحِسْبَةِ): هي بكسر الحاء، وإسكان السين، المهملتين، ثمَّ موحَّدة، ثمَّ تاء التأنيث؛ وهي ادِّخار أجر ذلك العمل، وأن يحسبه العامل في حسبانه.
قوله: ({شَاكِلَتِهِ}) [الإسراء: 84]: (نِيَّتِهِ): هذا قول في تفسير (الشَّاكلة)، وقيل: هي عادته، أو جَدِيْلَته التي طبع عليها من شقاء أو سعادة، أو ناحيته.
[
قوله: (وَقَالَ النَّبيُّ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم] [1]: وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ): هذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه [2] البخاريُّ في (الحجِّ)، و (الجهاد)، و (الجزية) من حديث ابن عبَّاس، وعنه طاووس، وعنه مجاهد، وكذا أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذيُّ، والنَّسائيُّ، قال التِّرمذيُّ: (حسن صحيح).
==========
[1]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[2]
في (ب): (أخرج ذلك).
[
ج 1 ص 37]

(1/217)


[
حديث: الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى]
54#
قوله: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ): تقدَّم في أوَّل هذا التعليق أنَّه الأنصاريُّ النَّجَّاريُّ.
قوله: (أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا): تقدَّم الكلام على هذه المرأة في أوَّل [هذا] التعليق.
==========
[
ج 1 ص 37]

(1/218)


[
حديث: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة]
55#
قوله: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ): هو عقبة بن عمرو الأنصاريُّ، واختُلف في شهوده بدرًا؛ فعدَّه البخاريُّ فيهم [1]، وسيأتي انتقاده عليه، وقد شهد العقبة مع الثَّلاثة والسَّبعين على ما تقدَّم عددهم في كلامي، والاختلاف فيه أنَّه منهم وكان أصغرَهم، وشهد أحُدًا وما بعدها، وهو من جلَّة الصَّحابة، تُوفِّي سنة أربعين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعة.
قوله: (يَحْتَسِبُهَا): أي: يبتغي بها وجه الله تعالى، وقد تقدَّم.
==========
[1]
في (ب): (منهم).
[
ج 1 ص 37]

(1/219)


[
حديث: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها]
56#
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه العلم الفرد، أبو بكر محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (فِي فِي امْرَأَتِكَ): ويُروَى: (في فم امرأتك)، قال بعضهم: والأوَّل أصوب، و (فم) لغة قليلة، وفي (فم) ستُّ لغات: فَمٌ وفُمٌ وفِمٌ؛ مثلَّث الفاء، قاله بمعناه الجوهريُّ، ثمَّ [1] قال: (ومنهم من يعربه في مكانين، تقول: رأيت فمًا، وهذا فمٌ، ومررتُ بفمٍ، وأمَّا تشديد الميم؛ فلا يجوز إلَّا في الشعر)، ثمَّ أنشد شاهدًا لذلك، قال ابن السِّكِّيت: (ولو قيل: «في فَمِّه»؛ لجاز بفتح الفاء) انتهى، أَي: في أهله وحقِّه، وفي «المطالع» ذكر في (الفم) فقال: (فيه ستُّ لغات: فَم، وفُم، وفِم، ثمَّ التشديد) انتهى.
وذكر شيخنا الأستاذ أبو جعفر أحمد بن مالك الرعينيُّ في شرح «ألفيَّة ابن عبد المعطي»: في الفم لغاتٌ، وكذا [2] ابن أمِّ قاسم في «شرح الألفيَّة»، وما أسوقه هو لفظ ابن أمِّ قاسم، ولفظه: (وإن كان الفم بالميم؛ ففيه عشر لغاتٍ؛ نقصه، وقصره، وتضعيفه؛ كلٌّ منها مع فتح الفاء، وكسرها، وضمِّها، والعاشرة: إتباع فائه لميمه، وأفصحها: فتح فائه منقوصًا) انتهى.
==========
[1] (
ثم): ليس في (ج).
[2]
في (ج): (ذكر).
[
ج 1 ص 37]

(1/220)


[
باب قول النبي: الدين النصيحة لله ولرسوله .. ]
قوله: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِله ... ) إلى آخره: أمَّا النصيحة لله؛ فمعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشرك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال [1] كلِّها، وتنزيهه سبحانه عن جميع أنواع النَّقائص، وصفات المُحْدَث، والقيام بطاعته، واجتناب مخالفته، والحبِّ فيه، والبغض فيه، وموالاة من والاه، ومعاداة من عاداه ... إلى غير ذلك ممَّا [2] ذكر في الكتب المطوَّلة.
والنصيحة لرسوله: تصديقه في إرساله، وقبول ما جاء به، ودعا إليه، والطَّاعة له فيما سنَّ، وحكم، وشرع، وبيَّن من أمر الدِّين، وإعظام حقِّه، وتوقيره، ومؤازرته [3]، وإحياء طريقته في بثِّ الدَّعوة، وإشاعة السُّنَّة، ونفي التُّهمة عنه فيما قاله، وأنَّه كما قال.
والنَّصيحة لأئمَّة المسلمين، فهم الخلفاء الرَّاشدون، ومن بعدهم ممَّن يلي أمر الأمَّة، ويقوِّم، ومن نُصحِهم: بذلُ الطَّاعة لهم في المعروف، والصَّلاة خلفهم ... إلى غير ذلك.
ونصيحة عامَّة المسلمين: تعليمهم ما يجهلونه، وإرشادهم إلى مصالحهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عنِ المنكر، والشَّفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وغير ذلك، والله أعلم.
==========
[1]
في (ب): (والجمال).
[2]
في (ب): (كما).
[3] (
ومؤازرته): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 37]

(1/221)


[
حديث: بايعت رسول الله على إقام الصلاة]
57#
قوله: (قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): هو بالحاء المهملة والزَّاي، كنيته أبو عبد الله بجليٌّ، تابعيٌّ كبير [1] هاجر إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ففاتته الصُّحبة بليال، وهو ثقة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».
فائدة: ليس في التَّابعين أحد سمع من العشرة المشهود لهم بالجنَّة سواه، ذكر ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خِراش، وقال أبو عبيد الآجريُّ عن أبي داود: (روى عن تسعة من العشرة، ولم يرو عن عبد الرَّحمن بن عوف).
تنبيه: قول الحاكم في النَّوع السَّابع من «علومه»: (وقد أدرك سعيد بن المُسَيّب أبا بكر وعمر وعثمان ... ) إلى آخر العشرة، قال: (وليس في جماعة التَّابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم)؛ غلط صريح، وكذا قوله في النَّوع الرَّابعَ عشرَ: (فمِنَ الطَّبقة الأولى قوم لحقوا العشرة؛ منهم: سعيد بن المُسَيّب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النَّهديُّ، وقيس بن عُبَاد [2]، وأبو ساسان حُضين بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطارديُّ) انتهى، قد أُنكِر ذلك على الحاكم؛ لأنَّ ابن المُسَيّب إنَّما وُلِد في خلافة عمر بلا خلاف، فكيف يسمع من أبي بكر رضي الله عنه؟ وقد اختلف في سماعه من عمر، وبالجملة فلم يسمع من أكثر العشرة، حتَّى قال بعضهم فيما حكاه ابن الصَّلاح: (لا يصحُّ له رواية عن أحد من العشرة إلَّا سعد بن أبي وقَّاص) انتهى.
[
ج 1 ص 37]
فائدة ثانية: ذكر أبو عمر بن عبد البَرِّ مالك بن أوس بن الحدثان النصريَّ في «الاستيعاب» ومال إلى أنَّه تابعيٌّ، وأنَّه سمع من العشرة المهاجرين، وذكر في ترجمة قيس أنَّه لَمْ يسمع من ابن عوف، وقد ذكره شيخنا العراقيُّ في «المختلف والمؤتلف» وقال: (إنَّه مخضرم)؛ أعني: مالكًا، وهذا ذهابٌ منه إلى أنَّه تابعيٌّ، ثُمَّ قال: (وقد اختُلِف في صحبته) انتهى.
وكذا قال الذَّهبيُّ في «طبقات المحدِّثين»: (إنَّه مخضرم)، وقيل: له صحبةٌ، فهذا ثانٍ لقيس فردٌ عند ابن عبد البَرِّ، والله أعلم.
==========
[1] (
كبير): ليس في (ب).
[2]
في (ب): (عبادة).

(1/222)


[
حديث: أما بعد أتيت النبي قلت أبايعك على الإسلام]
58#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): هو محمَّد بن الفضل السدوسيُّ عارم الحافظ، عنِ الحمَّادين، وغيرهما، وعنه: البخاريُّ، وعبد بن حُميد، تغيَّر قبل موته فما حدَّث، تُوفِّي سنة (224 هـ)، أخرج له الجماعة، صدوقٌ مُكثِر، له ترجمة في «الميزان»، وقد ذكرت مَن رُمِي بالاختلاط في مُؤلَّف مُفرَد، فإن أردته؛ فانظره.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): اسمه الوضَّاح بن عبد الله الحافظ اليشكريُّ، سمع قتادة، وابن المنكدر، وعنه عفَّان وقتيبة ولوين، ثقة مُتقِن لكتابه، تُوفِّي سنة (176 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وهي تُجمِع [1] على [2] ثقته، وكتابه مُتقَن بالمرَّة، قال أبو حاتم: (ثقة يغلط كثيرًا إذا حدَّث من حفظه) انتهى، وفي نسختي بـ «الميزان» هَذِه الترجمة مكتوب عليها: (فائدة)، فما أدري أهي في الأصل أو حاشية؟
قوله: (يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ): توفِّي المغيرة سنة (50 هـ)، وحُكِي عليه الإجماع، وقيل: سنة (49 هـ)، وقيل: غير ذلك، وفي كلام الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخ شيوخي في قول المزِّيِّ _فيما ظهر لي نقلًا عنِ التميميِّ_: أنَّه تُوفِّي سنة (50 هـ): (فيه نظر؛ لأنَّ في نسختين جيدتين من «تاريخ التميميِّ»: مات المغيرة لمَّا جاءه نعي عثمان سنة ستٍّ وثلاثين بالمدائن، ولم يذكر بعده قولًا آخر، وكان أميرًا على الكوفة إلى أنْ تُوفِّي بها) انتهى.
قال بعض العصريِّين من الحفَّاظ: (هذا الكلام إنَّما هو في حقِّ حذيفة، وأمَّا المغيرة؛ فلم يكن بالمدائن، بل كان بالمدينة الشريفة حين قُتِل عثمان، ودخل على عليٍّ، وله معه قصَّة [3] مشهورة) [انتهى، وهذه القصَّة معروفة مشهورة مع عليٍّ] [4] رضي الله عنهما.

(1/223)


غريبة: رُوِي عن [5] المغيرة قال: (أحصنت سبعين امرأة)، وعن نافع بن عبد الله الصائغ قال: (أحصن المغيرة ثلاث مئة امرأة في الإسلام)، وقال محمَّد بن وضَّاح القرطبيُّ عن عبد الله بن نافع قال: (ألف امرأة)، وعنه قال: (ما غلبني أحد قطُّ إلَّا غلام من بني الحارث بن كعب، فإنِّي خطبت امرأة منهم، فأصغى إليَّ الغلام، وقال: أيُّها الأمير؛ لا خير لك فيها، إنِّي رأيت رجلًا يُقبِّلها، فانصرفت عنها، فبلغني أنَّ الغلام تزوَّجها، فقلت: ألست زعمت كيت وكيت؟ فقال: ما كذبت رأيت أباها يقبِّلها)، والمغيرة مشهور الترجمة؛ فلا نطوِّل بها رضي الله عنه، أخرج له الجماعة، وبدهائه يُضرَب المثل.
قوله: (وَالْوَقَار وَالسَّكِينَة): قيل: إنَّ الوقار والسَّكينة بمعنًى واحد، وجُمِعا تأكيدًا، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (والظَّاهر أنَّ بينهما فرقًا؛ وهو أنَّ السَّكينة: التَّأنِّي في الحركات، واجتناب العبث، والوقار في الهيئة، وغضِّ البصر، وخفض [6] الصَّوت، والإقبال على طريقه بغير التفات، ونحو ذلك) انتهى.
قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تقدَّم الكلام على إعرابها، وأوَّل من قالها في أوِّل هذا التَّعليق.
قوله: (وَالنُّصْحِ): هو بجرِّه، وكذا هو في أصلنا، وجرُّه معروف معطوف.
==========
[1]
في (ج): (مجمع).
[2] (
على): ليس في (ج).
[3]
في (ب): (قضية).
[4]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[5] (
عن): ليس في (ب).
[6]
في النسخ: (وغض)، والمثبت من «شرح صحيح مسلم».
[
ج 1 ص 38]

(1/224)


((3)) (
كِتَابُ العِلْم) ... إلى (باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ)

(1/225)


[
باب من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه]

(1/226)


[
حديث: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة]
59#
قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ): هو بضمِّ الفاء، وهو فليح بن سليمان العدويُّ مولاهم، واسمه عبد الملك [1]، قال ابن معين، وأبو حاتم، والنَّسائيُّ: (ليس بالقويِّ)، وقال أبو داود: (لا يُحتَجُّ به)، وقال الدَّارقطنيُّ: (لا بأس به)، وقال ابن حبَّان: (من متقني أهل المدينة وحفَّاظهم)، أخرج له الجماعة، وليس لهم في الكتب السِّتَّة راوٍ يقال له: فُلَيح سواه، وهو أحد العلماء الكبار، وقد جاز القنطرة كما تقدَّم، له ترجمة في «الميزان»، والله أعلم.
[
قوله: (ح): تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التعليق كتابةً ونطقًا؛ فانظره إن أردته] [2].
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبد الرحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا مرَّات [3]، وتقدَّم ما فيه [4].
قوله: (جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ): هذا الأعرابيُّ لا أعرفه؛ فليُبحَث عنه.
قوله: (إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ): (وُسِّدَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الأمرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، و (وُسِّدَ) في أصلنا مشدَّد بالقلم، وكذا في غيرها، ورأيته في نسخة صحيحة بالتشديد والتخفيف بالقلم، قال ابن قُرقُول: (كذا لكافَّة الرُّواة؛ أي: أُسند وجُعِل إليهم وقُلِّدوه؛ يعني: الإمارة، وعند القابسيِّ: «أُسِّد» [5]، وقال: الذي أحفظ: «وُسِد»، قال: وفيه عنده إشكال بين وُسِّد وأُسِّد، قال: وهما بمعنًى)، قال القاضي: (هو كما قال، وقد قالوا: وساد وإساد، واشتقاقهما واحد، والواو [6] هنا بعد الألف، ولعلَّها صورة الهمزة) انتهى.
ومعنى (وُسِّد الأمر): أي: تولَّاه غير أهل الدِّين ومن يعينهم على الظُّلم والفجور.
==========
[1] (
واسمه عبد الملك): سقط من (ب).
[2]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[3] (
مرات): ليس في (ب).
[4] (
وتقدم ما فيه): ليس في (ج).
[5]
كذا في النسخ، وفي «المطالع» (&): (أوسد).
[6]
في (ب): (وقالوا: الواو).
[
ج 1 ص 38]

(1/227)


[
باب من رفع صوته بالعلم]

(1/228)


[
حديث: تخلف عنَّا النبي في سفرة سافرناها فأدركنا]
60#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تقدَّم أعلاه أنَّه محمَّد بن الفضل عارم السدوسيُّ، وفي نسخة هي على هامش أصلنا: (عارم بن الفضل)، وعليها (صح) [1]، والعارم: الشِّرِّير المُفسِد الخبيث، وقيل: الشَّرس، وكان بعيدًا من العرامة، ذكر أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في «تقييده» بسنده إليه قال: (وُلِدت أنا وابن عمِّي هذا، فجاءنا الأسود بن شيبان، وكان شيخ حيٍّ، فسمَّاني عارمًا).
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): تقدَّم أعلاه أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي [2] بِشْرٍ): هوَ بالموحَّدة المكسورة، ثُمَّ بالشين المعجمة، واسمه جعفر بن أبي وحشيَّة إياس، لقي من الصَّحابة عبَّاد بن شرحبيل اليشكريَّ، وروى عنه حديثًا واحدًا رواه عنه شعبة [3]، وروى عن سعيد بن جبير، والشعبيِّ، وعنه: هشيم [4] وغيره، صدوق، أخرج له الجماعة، تُوفِّي سنة (125 هـ)، قال أبو حاتم وغيره: (ثقة)، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ): هو بفتح الهاء، غير مصروف؛ للعجمة والعلميَّة، ورأيته مصروفًا في بعض النُّسخ الصحيحة، وكذا هو مضبوط في أصلنا في بعض الأماكن، وعن الأصيليِّ: (كسر الهاء وصرفه) انتهى، وهو فارسيٌّ مكيٌّ، عن أبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وعنه: أيُّوب، وحُميد، ثقة، أخرج له الجماعة، تُوفِّي سنة (113 هـ).
قوله: (فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا): هذه السَّفرة جاءت مُبيَّنة في بعض طرق «مسلم»: (رجعنا مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من مكَّة إلى المدينة حتَّى إذا كنَّا في الطَّريق؛ تعجَّل قوم عند العصر فتوضَّؤا وهم عجال ... )؛ الحديث.
قوله: (فَأَدْرَكَنَا): هو بفتح الكاف، والضَّمير منصوب.
قوله: (أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ): قال ابن قُرقُول: (كذا لأبي ذرٍّ، ولغيره: «أرهقْنا الصلاةَ»؛ أي: أخَّرناها حتَّى كادت تدنو من الأخرى،
[
ج 1 ص 38]

(1/229)


وهذا أظهر وأوجه، قال الخليل: أرهقْنا الصلاةَ: استأخرنا عنها، وقال أبو زيد: أرهقنا نحن الصَّلاة: أخَّرناها، وأرهقتْنا [5] الصلاةُ؛ إذا حانت، وقال النضر: أرهقْنا الصلاةَ، وأرهقتْنا الصلاةُ، يقال: رَهِقت الشَّيء: غشيته، وأرهقني: دنا منِّي، وقال أبو عبيد: رهِقت القوم: غشيتهم ودنوت منهم، وقال ابن الأعرابيِّ: رهِقته وأرهقتُه؛ بمعنى: دنوتُ منه، وأرهق الحُلُمَ: دنا منه، ويكون أرهقتنا الصلاة: أعجلتنا؛ لضيق وقتها، يقال: أرهقتْه: أعجلتْه، وَمنه [6]: المراهَق؛ بالفتح في الحجِّ، ويقال بالكسر؛ أي: أعجله ضيق الوقت أنْ يطوف للورود قبل الوقوف بعرفة) انتهى لفظه.
وفي «النهاية»: (أرهقنا الصلاةَ؛ أي: أخَّرناها عن وقتها حتَّى كدنا نغشاها ونلحقها بالصلاة الأخرى التي بعدها).
قوله: (لِلأَعْقَابِ): هو جمع عَقِب؛ بفتح العين، وكسر القاف وتُسكَّن، وبالموحَّدة؛ وهو ما أُخِّر من القدم، وهي مؤنَّثة [7]، وقال الأصمعيُّ: (العقب: ما أصاب من مؤخِّر القدم الأرضَ إلى الشراك)، وقال ثابت: ما فضل من مؤخِّر القدم على الساق، ومعنى الحديث: ويل للأعقاب! إذ [8] لَمْ يهتبلوا بغسلها في الوضوء، ويحتمل أن يخصَّ العقب نفسها بألم من العذاب يتعذَّب صاحبها.
==========
[1] (
صح): ليس في (ب).
[2]
في (ج): (ابن).
[3]
زيد في (ج): (وروي عن شعبة).
[4]
في (ب): (هشام).
[5]
في (ب): (وأرهقنا).
[6]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[7] (
وهي مؤنثة): ليس في (ب).
[8]
في (ب): (إن).

(1/230)


[
باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا]
قوله: (بابُ قَوْلِ الْمُحَدِّثِ «حَدَّثَنَا» و «أَخْبَرَنَا و «أَنْبَأَنَا») (المحدِّث): بكسر الدَّال المهملة المشدَّدة، وهو الشيخ المسمِّع [1]، وقوله: (حدَّثنا وأخبرنا وأنبأنا): الكلام في ذلك معروف في علوم الحديث؛ فلا نطوِّل به، ومن أراده؛ فعليه بكتبه.
قوله: (وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الحاء، وأنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخ روى عنه البخاريُّ في هذا «الصَّحيح»؛ فانظره إنْ أردته.
قوله: (وَقَالَ حُذَيْفَةُ): هو ابن اليماني حِسل _ويقال: حُسَيل_ ابن جابر بن عمرو، أبو عبد الله العبسيُّ _ بالموحَّدة_، صحابيٌّ مشهور الترجمة، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، والصحيح في (اليماني) و (ابن الهادي) و (ابن أبي الموالي) و (ابن العاصي) إثبات الياء، قاله النَّوويُّ، وفي الصَّحابة من اسمه حذيفة غيره _فيما أعلم_ ستَّةٌ؛ الذي له رواية: هو وابن أَسِيد روى له أيضًا مسلم والأربعة، والباقون لا أعلم لهم رواية، والله أعلم، تُوفِّي حذيفة سنة (36 هـ)، وهو صاحب السِّرِّ، منعَهُ وأباه شهودَ بدر استحلافُ الجاهليَّة لهما.
قوله: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ [2]: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ): بخطِّ بعض الفضلاء في الهامش تجاه (أبي العالية): (اسمه رفيع بن مهران) انتهى، وقال شيخنا الشَّارح هنا: (أبو العالية البرَّاء _بالراء المشدَّدة_ واسمه زياد بن فيروز، أو أُذَيْنَة، أو كلثوم، أو زياد بن أُذَينة؛ أقوال، البصريُّ، القرشيُّ مولاهم، التابعيُّ، سمع ابن عمر وغيره، مات سنة (90 هـ)، وإنَّما قيل له: البرَّاء؛ لأنَّه كان يبري النبل، ومثله أبو معشر البرَّاء .. ) إلى آخر كلامه.

(1/231)


وقد راجعت ترجمة زياد بن فيروز؛ فوجدته أيضًا عنِ ابن عبَّاس، وراجعت كلام أبي عليٍّ الجيَّانيِّ؛ فرأيته ذكرهما، فقال: (تابعيَّان من أهل البصرة)، وترجمهما، لكن لَمْ يعيِّن من هو الراوي هنا، ثُمَّ راجعت «أطراف المزِّيِّ» في ترجمة رفيع أبي العالية الرِّياحيِّ؛ فرأيته قد ذكر هذا الحديث في ترجمته عنِ ابن عبَّاس، وعزاه أيضًا إلى البخاريِّ في (أحاديث الأنبياء)، و (التوحيد)، وفي (التفسير)، وفي (التَّوحيد) أيضًا: (قال لي [3] خليفة)؛ فذكره، وقد راجعت (كتاب التوحيد) في (باب ذكر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وروايته عن ربِّه)؛ فوجدت الحديث بعينه، وأمَّا أبو العالية زياد بن فيروز؛ فإنَّه لَمْ يُذكَر له عنِ ابن عبَّاس غير حديث واحد، وهو في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «النسائيِّ»، ومتنه: (قدم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابه لصبح رابعة يلبُّون بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة إلَّا من كان معه الهدي)، فالصواب إذن: ما في الحاشية لا ما قاله شيخنا الشَّارح، والله أعلم.
وأمَّا أبو العالية: رُفَيع؛ هو بضمِّ الراء، وفتح الفاء، ابن مهران الرِّياحيُّ _بكسر الراء، ثُمَّ مُثنَّاة تحت_ مولاهم، البصريُّ؛ فرأى الصِّدِّيق، وروى عن عمر وأُبيٍّ، وعنه: عاصم الأحول، وداود بن أبي هند، قالت حفصة بنت سيرين: (سمعته يقول: قرأت القرآن على عمر ثلاث مرَّات)، تُوفِّي سنة (90 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم، له ترجمة في «الميزان»، وكذا في «الكامل» لابن عديٍّ، وهو ثقة، وأمَّا قول الشَّافعيِّ: (حديث أبي العالية الرِّياحيِّ رِياح)؛ فإنَّما أراد به حديثه الذي أرسله في القهقهة فقط، ومذهب الشَّافعيِّ أنَّ المراسيل ليست بحجَّة (إلَّا بشروط، والشروط مذكورة في كتب الحديث، فإن أردتها؛ فانظرها، وهي في كلام الشَّافعيَّة أيضًا) [4]، فأمَّا إذا أسند أبو العالية؛ فحجَّةٌ، وقد أفرد الخليليُّ الحافظ حديث القهقهة بالتأليف، وقد رويته، والله أعلم.
قوله: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ): هو عبد الرحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا تقدَّم مرَّات، وتقدَّم ما فيه [5].
==========
[1]
في (ب): (المجمع).

(1/232)


[2]
في هامش (ق): (اسمه رُفيع، قال شيخنا سراج الدين بن الملقن: إنَّه أبو العالية البراء زياد بن فيروز، انتهى، والصواب ما كتب على الهامش من أنَّه رُفيع، والحديث [ذكره المزي] في «أطرافه» في ترجمة رُفيع، وليس في «البخاري» لزياد بن فيروز غير حديث واحد ليس هو هذا).
[3] (
لي): ليس في (ب).
[4]
ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (وقد رويته، والله أعلم).
[5] (
وتقدم ما فيه): ليس في (ج).
[
ج 1 ص 39]

(1/233)


[
حديث: إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها]
61#
قوله: (مَثَلُ الْمُسْلِمِ): هو بفتح الميم والثَّاء، وبكسر الميم، وسكون الثَّاء، قال الجوهريُّ: (مثل): كلمة تسوية، يقال: هذا مِثْله ومَثَله؛ كما يقال: شِبْهُه وشَبَهُه بمعنًى).
فائدة: أشبهت النخلة المسلم في كثرة خيرها، ودوام ظلِّها، وطيب ثمرتها، ووجوده على الدَّوام، فإنَّه مِنْ حين تطلع ثمرتها لا يزال يؤكل منه حتَّى ييبس، ويتَّخذ منها منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها؛ تُستعمَل جذوعًا، وحطبًا، وعصيًّا، وحُصُرًا، ومخاصر، وحبالًا، وأواني، وغير ذلك، ثُمَّ [1] يُنتفَع بنواها علفًا للإبل وغيرها، ثُمَّ كمال نباتها [2] وحسن ثمرته، وهي كلُّها منافع وخير وجمال، والمؤمن خير كلُّه من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه، ومواظبته على عبادته وصدقته، وسائر الطَّاعات، هذا هو الصحيح في وجه الشَّبه للمسلم، وقد جاء حديث ذكره الحارث بن أبي [3] أسامة قال: «هي النخلة لا يسقط [4] لها أنملة، وكذلك المؤمن لا يسقط له دعوة»، قال السُّهيليُّ في «التعريف» [5]: (زاد الحارث في متنه زيادةً، وهي تساوي رِحلةً؛ فذكرها).
وفيه وجهٌ ثانٍ: أنَّ النخلة إذا قُطِع رأسُها؛ ماتت بخلاف الشَّجر، وثالث: من كونها لا تحمل حتَّى تلقح، وفيهما [6] نظر؛ لأنَّ التشبيه إنَّما وقع للمسلم، وهذان شاملان [7] المسلم والكافر، وقيل: لأنَّها فضلة تربة آدم على ما يروى وإنْ كان لا يثبت، قال ابن القيِّم في «الهدْي»: (في إسناده نظر) انتهى، وعلوُّ فرعها كارتفاع عمل المؤمن، وقيل: لأنَّها شديدة الثبوت؛ كثبوت الإيمان في قلب المؤمن، والله أعلم.
==========
[1]
في (ب): (مما).
[2]
في (ب): (بنائها).
[3] (
أبي): ليس في (ب).
[4]
في (ج): (تسقط).
[5] (
في التعريف): ليس في (ب).
[6]
في (ب): (وفيه).
[7]
في (ج): (شاهدان).
[
ج 1 ص 39]

(1/234)


[
باب ما جاء في العلم وقوله تعالى {وقل رب زدني علمًا}]
قوله: (بَابُ الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ): اعلم أنَّ القراءة على الشَّيخ _ وهو المحدِّث_ والعرض عليه واحد، وإنَّما عطفه؛ لاختلاف اللَّفظ، ولأنَّ معظم
[
ج 1 ص 39]
الناس يسمُّون القراءة على الشَّيخ عرضًا؛ بمعنى: أنَّ القارئَ يعرِض على الشَّيخ ذلك، والله أعلم.
قوله: (وَرَأَى الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً): اعلم أنَّ هذه المسألة اختُلِف فيها؛ وهي القراءة على الشَّيخ المسمِّع [1]؛ وهي العرض، أجمعوا على صحَّة الرواية بها، وأمَّا ما حُكِي عن بعض من لا يعتدُّ بخلافه (أنَّه كان لا يراها) [2]، وهو أبو عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَد النبيل.
تنبيه: إنَّما قيل: له النبيل؛ لأنَّه قدم الفيلُ إلى البصرة، فخرج الناس يتفرَّجون، فجاء أبو عاصم إلى ابن جريج؛ ليستفيد منه العلم، فقال له ابن جريج: ما لك لَمْ تخرج مع الناس؟ فقال: لا أجد منك عوضًا، فقال: أنت نبيل، وقيل: لأنَّ شعبة حلف ألَّا يحدِّث أصحاب الحديث شهرًا، فبلغ ذلك أبا عاصم، فقصده فقال: حدِّث وغلامي العطَّار حرٌّ لوجه الله تعالى كفَّارة عن يمينك، فأعجبه ذلك، وقال: أبو عاصم نبيل، فلُقِّب به، وقيل: لأنَّه كان يلبس الثِّياب الفاخرة، فإِذَا أقبل؛ قال ابن جريج: جاء النَّبيل، وقيل غير ذلك.
وهو أبو عاصم الضحَّاك بن مَخْلَد النبيل، أحد الأثبات والحفَّاظ، عن يزيد بن أبي عبيد، وابن عجلان وبهز، والكبار، وعنه: البخاريُّ، وعبد بن حميد، وعبَّاس الدُّوريُّ، وخلق، قال عمر بن شبَّة: (ما رأيت مثله [3])، وقال أبو عاصم: (ما دلَّست قطُّ، ولا اغتبت أحدًا منذ عقلت تحريم الغيبة)، تُوفِّي في ذي الحجَّة سنة (212 هـ)، أخرج له الجماعة، قال في «الميزان»: تناكد العقيليُّ وذكره في كتابه، وساق له حديثًا خولف في سنده، هكذا زعم أبو العبَّاس النباتيُّ، قال الذهبيُّ: (وأنا [4] فلم أجده في «كتاب العُقيليِّ»، وقال النباتيُّ: ذُكِر لأبي عاصم أنَّ يحيى بن سعيد يتكلَّم [5] فيك، فقال: لست بحيٍّ ولا ميِّت إذا لَمْ أُذكَر، قال [6] [الذهبيُّ: قلت: أجمعوا على توثيق أبي عاصم، ثمَّ ذكر كلام ابن شبَّة) انتهى، صحَّح عليه] [7] في «الميزان»، فالعمل على توثيقه، والله أعلم.

(1/235)


روى محمَّد بن خلَّاد [8] الرامهرمزيُّ هذه القولة عنه، وروى الخطيب البغداديُّ عن وكيع قال: (ما أخذت [9] حديثًا قطُّ عرضًا)، وعن محمَّد بن سلَام: أنَّه أدرك مالكًا والناس يقرؤون عليه، فلم يسمع منه لذلك، وكذلك عبد الرحمن بن سلَّام الجمحيُّ لَمْ يكتفِ [10] بذلك؛ فقال مالك: (أخرجوه عنِّي)، وممَّن قال بصحَّتها من التَّابعين عطاء، ونافع، وعروة، والشعبيُّ، والزُّهريُّ، وآخرون كثيرون من الأئمَّة، منهم الأئمَّة الأربعة في خلق لا يحصون كثرة، وقد استدلَّ البخاريُّ على ذلك بحديث ضِمَام بن ثعلبة، وقد قال البخاريُّ: (سمعت أبا عاصم يذكر عن سفيان الثَّوريِّ ومالك أنَّهما كانا يريان القراءة والسَّماع جائزًا)، فيحتمل أنَّ أبا عاصم كان لا [11] يرى ذلك، وروى جوازه عن هذين.
وقد اختلفوا في القراءة على الشَّيخ هل تساوي قراءة الشَّيخ من لفظه، أو دونها، أو فوقها على ثلاثة أقوال؛ فذهب [12] مالك، وأصحابه، ومعظم علماء الحجاز والكوفة، والبخاريُّ: إلى التسوية بينهما، وحكاه أبو بكر الصَّيرفيُّ في «دلائله» عنِ الشَّافعيِّ، وذهب ابن أبي ذئب، وأبو حنيفة: إلى ترجيح القراءة على الشَّيخ على السماع من لفظه، وحُكِي ذلك عن مالك أيضًا، وحُكِي عن غيره من الجماعة العلماء، وذهب جمهور أهل الشَّرق: إلى ترجيح السماع من لفظ الشَّيخ على القراءة عليه، وهو الصحيح.
قوله: (وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ): المحتجُّ هو الحميديُّ عبد الله بن الزُّبير شيخه [13].
قوله: (بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ): هو بكسر الضَّاد المعجمة، وبعدها ميم مخفَّفة، صحابيٌّ سعديٌّ، أحد بني سعد بن بكر ووافدهم، قصَّته مشهورة، قال مغلطاي وكذا شيخنا الشَّارح: (كان قدومه سنة تسع فيما قاله أبو عبيدة، والطبريُّ، وابن إسحاق)، وقال الواقديُّ: (سنة خمس) انتهى.
وفي «الاستيعاب» في ترجمة ضمام السعديِّ: (ويقال: التميميُّ، وليس بشيء، قدم وافدًا في سنة خمس، قاله محمَّد بن حبيب وغيره، وقيل: سنة سبع، وقيل: تسع، ذكره ابن هشام عن أبي عبيدة) انتهى.

(1/236)


وظاهر سياق الحديث أنَّه لَمْ يأت مسلمًا، وإنَّما أسلم بعدُ، وقد بوَّب عليه أبو داود: (باب في المشرك يدخل المسجد)، قال شيخنا الشَّارح: (لا جرم)، قال القاضي: (إنَّه لَمْ يأت إسلامه بعد، وإنَّما جاء مستفتيًا) انتهى، ثُمَّ شرع شيخنا يستدلُّ بكلام القاضي وأبي داود، والذي رأيته في «شرح مسلم» فيما نقله النَّوويُّ عنه قال: (والظاهر: أنَّ هذا الرجل لَمْ يأت إلَّا بعد إسلامه، وإنَّما كان مستثبتًا ومشافهًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والله أعلم) انتهى [14]
قوله: (آللهُ أَمَرَكَ): هو بمدِّ الهمزة؛ للاستفهام.
قوله: (بِالصَّكِّ): هو بفتح الصَّاد المهملة، وتشديد الكاف: الكتاب، ويجمع على صِكاك وصُكوك.
قوله: (يُقْرَأُ): مبنيٌّ لما لم [15] يُسمَّ فاعله، مهموز مرفوع، وهذا ظاهر.
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ [16]): تقدَّم غير مرَّة أنَّ الأصحَّ في (سلام) التخفيف؛ فراجعه إن شئت.
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ [17]): هذا هو محمَّد بن الحسن بن عمران المزنيُّ، قاضي واسط، عن عوف الأعرابيِّ، وابن أبي عَروبة، وغيرهما، وعنه: أحمد ابن حنبل، ومحمَّد بن سلام، وغيرهما، وثَّقه ابن معين وغيره، قال أبو حاتم: (لا بأس به)، أخرج له البخاريُّ هذا الأثر خاصَّة، وروى له الترمذيُّ، وابن ماجه، تُوفِّي سنة (189 هـ).
قوله: (عَنْ عَوْفٍ): عوف هذا هو ابن أبي جَمِيلة الأعرابيُّ، تقدَّم.
قوله: (عَنِ الْحَسَنِ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، تقدَّم.
قوله: (وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ): هو الضَّحَّاك بن مَخْلَد، تقدَّم.
قوله: (حَدَّثَنَا عُبَيد [18] اللهِ بنُ مُوسَى عَنْ سُفيَان): الظَّاهر أنَّ هذا هو الثَّوريُّ، وذلك لأنَّ عبيد الله هذا هو العبسيُّ بالموحَّدة، أحد الأعلام على تشيُّعه وبدعته، سمع الثوريَّ كما رأيته في «الكمال» لعبد الغنيِّ المقدسيِّ [19]، وهذا المذهب المَحكِيُّ عنه، قد روى عنِ ابن عيينة، وعن الثَّوريِّ، ولكن الذي ظهر لي أنَّه أراد الثَّوريَّ؛ لأَنِّي رأيت ما ذكرت لك، وقد روى عن عبيد الله هذا البخاريُّ، والدَّارميُّ، وعبد، والحارث بن أبي أسامة، تُوفِّي في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومئتين، أخرج له الجماعة أصحاب الكتب السِّتَّة، له ترجمة في «الميزان»، وثَّقه ابن معين وغيره.

(1/237)


قوله: (عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ): أمَّا (مالك)؛ فهو ابن أنس الإمام المشهور، العلم الفرد، شيخ الإسلام.
وأمَّا (سفيان) هذا؛ فالذي ظهر لي أنَّه الثوريُّ العالم المشهور، وهو المتقدِّم قبله، وإن كان هذا المذهب محكيًّا عنِ السفيانين غير أنِّي رأيت في «الكمال» في ترجمة الثَّوريِّ أنَّه ممَّن روى عنه أبو عاصم الضَّحَّاك بن مَخْلَد، ورأيت في ترجمة أبي عاصم أنَّه روى عنِ الثوريِّ، فهذا مستندي في أنَّه الثوريُّ، والله أعلم، ولم يُذكَر ابن عيينة في مشايخ أبي عاصم.
==========
[1]
في (ب): (المجمع).
[2]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[3]
في (ب): (مثيله).
[4]
في (ب): (وإني).
[5]
في (ب): (تكلم).
[6]
في (ب): (قاله).
[7]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[8]
في (ب): (هلال).
[9]
في (ج): (أحدث).
[10]
في (ب): (تلتفت).
[11] (
لا): ليس في (ب).
[12]
في (ج): (فمذهب).
[13]
في (ج): (وشيخه).
[14] (
والله أعلم انتهى): ليس في (ب).
[15] (
لم): ليس في (ب).
[16]
في هامش (ق): (هو شيخ البخاري، وهو البيكندي).
[17]
في هامش (ق): (وهو محمد بن الحسن الشيباني صاحب المذهب، كذا قال الشيخ سلمه الله في هذا الكلام نظر؛ إذ محمد بن الحسن بن فرقد العالم الفقيه ليس له في الكتب الستة شيء، وإنَّما هذا محمد بن الحسن بن عمران المزني قاضي واسط؛ فليعلم).
[18]
في (ب): (عبد).
[19]
في (ب): (المعدي).

(1/238)


[
حديث: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي]
63#
قوله: (الْمَقْبُرِيُّ): تقدَّم الكلام عليه، وعلى بائه، وأنَّها بالضمِّ والفتح والكسر، وأنَّه حكاه ابن مالك في «المثلَّث» له، ولماذا نُسِب إلى المقبرة.
قوله: (دَخَلَ رَجُلٌ): هذا الرجل سيجيء في آخر الحديث أنَّه ضِمَام بن ثعلبة، وقد تقدَّم الكلام عليه أعلاه.
قوله: (مُتَّكِئٌ): هو بهمزة في آخره.
قوله: (بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ): هو بفتح الظاء المعجمة [1] والنُّون؛ أي: بينهم، قال الجوهريُّ: (ويقال: نازل بين ظهريهم وظهرانَيهم؛ بفتح النون، ولا تقل: ظهرانِيهم؛ بكسرها).
قوله: (ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ): (ابنَ): منصوب؛ لأنَّه منادى مضاف، كذا قرأته، وكذا سمعت الناس يقرؤونه، وقال بعضهم ممَّن [2] عاصرته واجتمعت به مرارًا كثيرة [3] من الفضلاء المصريِّين: إنَّه بفتح الهمزة؛ لأنَّه منادى بالهمزة، والحامل له على ذلك كونه قريبًا، والقريب ينادى بالهمزة، ولم أر هذا الضَّبط لغيره [4]، ولكنَّه حسن سائغ، والله أعلم.
وقد جاء في «مسلم»: (يا محمَّد)، وعليه سؤال: وهو أن يقال: كيف لَمْ يخاطبه بالنُّبوَّة ولا بالرِّسالة وقد قال تعالى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} [النور: 63]؟
والجواب: أنَّه يحتمل أوجهًا؛ أحدها: أنَّه لَمْ يؤمن بعدُ، ثانيها [5]: أنَّه باق على جفاء الجاهليَّة، لكنه لَمْ ينكر عليه ولا ردَّ عليه، فلعلَّه ترك ذلك تأليفًا له على الإسلام، أو كان ذلك قبل النهي عن مخاطبته عليه الصَّلاة والسَّلام بذلك، أو لعلَّ النهي لم يبلغه، والله أعلم.
[
ج 1 ص 40]
قوله: (قَدْ أَجَبْتُكَ): لَمْ يتلفَّظ عليه الصَّلاة والسَّلام بالجواب؛ لأنَّه جعل السُّكوت عند قول أصحابه ما قالوه جوابًا منه عمَّا سألهم عنه، على أنَّه قد جاء في «أبي داود» في هذا الحديث من حديث ابن عبَّاس أنَّه قال: أيُّكم ابن عبد المطَّلب؟ فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أنا ابن عبد المطَّلب»، فقال: يَا بن عبد المطَّلب ... ؛ وساق الحديث، وأجاب بعضهم عن جوابه لفظًا على الرِّواية الأولى: بأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كره ما دعاه به [6]؛ حيث لَمْ ينسبه إلى ما شرَّفه الله به من النُّبوَّة والرسالة، ونسبه إلى جدِّه.
فإن قيل: فكيف قال عليه الصَّلاة والسَّلام يوم حنين: «أنا النَّبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطَّلب»؟

(1/239)


قيل: الجواب: أنَّه أشار إلى رؤيا رآها عبد المطَّلب مشهورةٍ كانت إحدى دلائل نبوَّته، فذكَّرهم بها وبخروج الأمر [7] فيها على الصِّدق.
قوله: (فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ): أي: تغضب.
قوله: (بَدَا لَكَ): (بدا)؛ بغير همز؛ أي: ظهر.
قوله: (آللهُ أَرْسَلَكَ): هو [8] بهمزة الاستفهام أوَّلًا، وكذا (آللهُ أَمَرَكَ)، وكذا الثالثة، وكذا الرابعة.
قوله: (أَنْشُدُكَ): هو بفتح الهمزة، وضمِّ الشين؛ أي: أسألك، وكذا الثنتان بعد هذه كهَذه [9] لفظًا ومعنًى.
قوله: (أَنْ نُصَلِّيَ): هي بالنون [10] عنِ الأصيليِّ، ولغيره: بالتاء؛ يعني [11]: المثنَّاة فوق، قال القاضي: (والأوَّل أوجه).
قوله: (الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ): هو بنصب (الخَمْسَ) صفة لـ (الصَّلواتِ)، وكسر تاء (الصلواتِ)، وهو منصوب أيضًا، وعلامة النصب فيه الكسرة، (واعلم أنَّه لَمْ يسأله عنِ الحجِّ؛ لأنَّه كان معلومًا عندهم من شريعة إبراهيم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [12].
قوله: (أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ): (أي: من هو من بني سعد بن بكر) [13]، وبكر هو ابن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس [14] عَيلان.
قوله: (رَوَاهُ مُوسَى [15]): لعلَّه هو ابن إسماعيل (_وكذا هو في نسخة هي أصلُنا الدمشقيُّ نسبه إلى أبيه_) [16] التَّبُوْذَكيُّ البصريُّ الحافظ، أخرج له الجماعة، تُوفِّي بالبصرة في رجب سنة (223 هـ)، ثقةٌ مأمونٌ،، وقد روى عنه: البخاريُّ، وأبو داود.
(
وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ [17] الْحَمِيدِ): أزديٌّ مَعْنيٌّ، يروي عن عبد العزيز الماجشون، وعدَّة، وعنه: البخاريُّ تعليقًا، والدَّارميُّ، وعبَّاس الدُّوريُّ، وخلق، وثَّقه أبو حاتم وغيره، قال النَّسائيُّ: (تُوفِّي سنة «222 هـ»)، أخرج له البخاريُّ تعليقًا، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.
و (سُلَيْمَان) هو ابن المغيرة القيسيُّ أبو سعيد البصريُّ، لا سليمان بن طرخان أبا المعتمر، ولا سليمان بن داود الصائغ، والثلاثة يروون عن ثابت عن أنس، ولكنَّ هذا الحديث من رواية سليمان بن المغيرة.

(1/240)


وقد أخرج هذا الحديث مسلم في (الإيمان) عن عمرو الناقد [18]، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، وعن عبد الله بن هاشم، عن بهز؛ كلاهما عن سليمان بن المغيرة عنه به، وأخرجه الترمذيُّ في (الزَّكاة) [19] عنِ البخاريِّ _صاحب «الصَّحيح» هذا_ عن عليِّ بن عبد الحميد الكوفيِّ بإسناده نحوه، وقال: (حسن غريب)، وأخرجه النَّسائيُّ في (الصَّوم) وفي (العلم) عن محمَّد بن مَعْمَر، عن أبي عامر العقديِّ، عن سليمان بن المغيرة نحوه، ورواية موسى هَذِه لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجها شيخنا، و [قال بعض حفَّاظ مصر المتأخِّرين: (أخرجها أبو عوانة في «مسنده» وطرقه)] [20]، وأمَّا رواية عليِّ بن [21] عبد الحميد؛ فقد تقدَّم أعلاه أنَّها رواها الترمذيُّ.
فائدة _وعدت بها فيما مضى [خ¦26]_: التَّبُوْذَكيُّ؛ بفتح التاء المُثنَّاة فوق، ثُمَّ موحَّدة مضمومة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ذال معجمة مفتوحة، ثُمَّ كاف، وإنَّما قيل له: التَّبُوذَكيُّ؛ لأنَّه اشترى دارًا بتبوذك، وقيل: نزل دارَه قومٌ منها، وقيل: إنَّه نُسب إلى بيع السرجين، وقيل: نسب إلى بيع ما في بطون الدَّجاج من الكبد والقلب والقانصة.
فائدة: إنَّما أتى بهذه المتابعة؛ لأنَّ شريكًا تابعيٌّ صدوق، لكنَّه متكلَّم فيه؛ لسوء [22] حفظه، وقد قال ابن معين مرَّة: (لا بأس به)، ومرَّة قال هو والنَّسائيُّ: (ليس بالقويِّ)، وقد وهاه ابن حزم؛ لأجل حديثه في الإسراء، وسيأتي الحديث والكلام [23] على شريك فيه، فثابت بن أسلم البنانيُّ أقوى منه، وإنْ كان له الآخر ترجمة في «الميزان»، إلَّا أنَّه صحَّح عليه، فالعمل على توثيقه، وهو ثابت كاسمه، قال الذهبيُّ: (ولولا ذكر ابن عديٍّ له؛ ما ذكرته)، فجاء بهذه المتابعة؛ ليقوِّيَ الحديث، والله أعلم.
==========
[1] (
المعجمة): ليس في (ب).
[2]
في (ج): (بعض من)، وكانت كذلك في (أ) قبل الإصلاح.
[3] (
مرارًا كثيرة): ليس في (ج).
[4]
في (ب): (بغيره).
[5]
في (ب): (وثانيها).
[6] (
به): ليس في (ج).
[7]
في (ب): (الأثر).
[8]
في (ب): (هي).
[9] (
كهذه): سقط من (ب).
[10]
في (ب): (بالتنوين).
[11] (
يعني): ليس في (ب).
[12]
ما بين قوسين ليس في (ب)، وفي هامش (ق): (سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن غيلان بن مضر السعدية ظئر النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم).
[13]
ما بين قوسين ليس في (ب).

(1/241)


[14]
زيد في (ب): (بن).
[15]
في هامش (ق): (ابن إسماعيل التَّبُوْذَكي).
[16]
ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (ثقة مأمون)، وسقط من (ج).
[17] (
عبد): ليس في (ب).
[18]
في (ب): (الناقل).
[19] (
في الزكاة): ليس في (ج).
[20]
ما بين معقوفين ليس في (ب)، (ج).
[21] (
علي بن): ليس في (ب).
[22]
في (ب): (بسوء).
[23]
في (ب): (في الكلام).

(1/242)


[
باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان]
قوله: (باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ): أمَّا (يُذكَر)؛ فمبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (المناولة) معروفة عند أهل الحديث؛ وهي نوعان: مقرونة بالإجازة، فهذه أعلى أنواع الإجازة، وهي صحيحة، والثانية: التي لَمْ تقترن بالإجازة، وفيها قولان، والأصحُّ بطلانها، فإنْ أردت الوقوف عليها؛ فانظرها من «كتاب ابن الصَّلاح» أو غيره من كتب العلوم في الحديث، والله أعلم.
ولا أعلم البخاريَّ حدَّث في هذا «الصَّحيح» بالمناولة وإن بوَّب عليها، [وقد قال أبو عمرو محمَّد بن أبي جعفر أحمد بن حمدان الحيريُّ: كلَّما قال البخاريُّ: (قال لي فلان)؛ فهو عرض ومناولة، انتهى، وإنَّما هي محمولة على السَّماع، وأنَّها كـ (أخبرنا)] [1]، وأنَّهم كثيرًا ما يستعملونها في المذاكرة، وأنَّ بعض الناس جعلها من أقسام التعليق، وأنَّ ابن منده جعلها إجازة، ولا أعلم البخاريَّ حدَّث نفسُه في هذا «الصَّحيح» بالمناولة ولا بالإجازة، بل ولا بالكتابة إلَّا في مكان واحد حدَّث بالكتابة من محمَّد بن بشَّار [2] بندار، وسيأتي والله أعلم [3].
قوله: (نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ): قال أبو عمرو الدَّاني الحافظ في «المقنع»: (أكثر العلماء على أنَّ عثمان رضي الله عنه لمَّا كتب المصحف؛ جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلِّ ناحية من النواحي بواحدة منها، فوجَّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشَّام الثالثة، وأمسك عند نفسه [4] واحدة، وقد قيل: إنَّه جعله سبع نسخ، ووجَّه من ذلك أيضًا نسخة إلى مكَّة، ونسخة إلى اليمن، ونسخة إلى البحرين، والأوَّل أصحُّ، وعليه الأئمَّة [5]) انتهى.
وقد فهم شيخنا الشَّارح من قوله: (وعليه الأئمَّة) الإجماع، فقال: قال أبو عمرو الدَّاني: (أجمع العلماء)، فذكر [6] القول [7] الأوَّل، ثُمَّ حكى القول الثَّاني عن أبي حاتم السجستانيِّ، ويحتمل أن يكون أبو عمرو حكى الإجماع في غير «المقنع»، فاطَّلع شيخنا عليه، فيكون صحيحًا، وقد تقدَّم أنَّ شيخنا حكى القولين، وقال قبل ذلك: إنَّ في غير «البخاريِّ» أنَّ عثمان بعث مصحفًا إلى الشَّام، وآخر إلى الحجاز، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وأبقى عنده مصحفًا، فهذه خمس، فالحاصل: أنَّ النسخ هل هي أربع، أو خمس، أو سبع؛ أقوال؟ والله أعلم.

(1/243)


قوله: (الآفَاقِ): هو بمدِّ الهمزة؛ وهي النواحي، واحدها أفق؛ بإسكان الفاء وضمِّها، والنسبة إليه: أُفقيٌّ؛ بضمِّ الهمزة والفاء، وبفتحهما؛ لغتان.
تنبيه شارد: [قول الإمام الغزاليِّ [8] وغيره في (كتاب الحجِّ): (الحاجُّ الآفاقيُّ)؛ منكر؛ فإنَّ الجمع إذا [9] لَمْ يسمَّ به؛ لا ينسب إليه، وإنَّما ينسب إلى واحده] [10].
قوله: (وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ): المحتجُّ هذا [11] هو الحميديُّ عبد الله بن الزَّبير شيخه أيضًا.
قوله: (لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ): كذا لهم، وعند الأصيليِّ: (إلى أمير السريَّة)، وهما بمعنًى متقاربٍ، و (إلى) تأتي بمعنى (مع)، وتأتي بمعنى (اللَّام) أيضًا، وهو عليه الصَّلاة والسَّلام إنَّما كتب الكتاب له ومعه، ولم يرسله إليه، وليست (إلى) ههنا غاية، ويحتمل أنْ تكون على بابها، وذلك لأنَّه أمره ألَّا يفتحه حتَّى يكون بموضع كذا، فصار خطابه إيَّاه في الحكم خطاب الغائب، كما لو كتبه وأرسله إليه وهو في ذلك المكان غائبًا عنه، قاله في «المطالع».
قوله: (لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ): هو عبد الله بن جحش بن رِياب، أخو أبي أحمد _واسمه عبد_ وزينب أمُّ المؤمنين، وأمُّ حبيبة، وحمنة، وأخوهم عبيد الله _ بالتصغير_ تنصَّر بأرض الحبشة، وعبد الله يقال له: المجدع في الله، شهد بدرًا، وقتل يوم أحد بعد أن قُطِع أنفه وأذنه، قال ابن إسحاق: (كانت هَذِه السَّريَّة أوَّل سريَّة غنم فيها المسلمون، وكانت في رجب من السَّنة الثانية قبل بدر الكبرى، بعثه عليه الصَّلاة والسَّلام ومعه ثمانية رهط من المهاجرين)، وقيل: اثنا عشر مهاجرًا، أمَّا الثمانية؛ فهم: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعكاشة بن محصن الأسديُّ، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقَّاص، وعامر بن ربيعة من [12] عنْز بن وائل حليف بن عديٍّ، وواقد بن عبد الله أحد بني تميم حليف لهم، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء، وكتب له كتابًا، وأمره ألَّا
[
ج 1 ص 41]

(1/244)


ينظر فيه حتَّى يسير يومين، ثُمَّ ينظر فيه، فيمضي لما أُمِر به، ولا يستكره من أصحابه أحدًا، فلمَّا سار يومين؛ فتح الكتاب؛ فإِذَا [13] فيه: «إذا نظرت في كتابي؛ فامض حتَّى تنزل نخلة بين مكَّة والطَّائف، فترصد بها قريشًا وتعلم لنا أخبارهم»، فقال عبد الله وأصحابه: سمعًا وطاعة ... ) إلى آخر القصَّة، وهي معروفة؛ فانظرها إن شئت من السِّير [14]، والسريَّة تقدَّم الكلام عليها في (الإيمان)، وذكرت فيها قولين.
==========
[1]
ما بين معقوفين سواد في (أ).
[2]
في (ب): (يسار).
[3]
زيد في (ب): (انتهى).
[4]
في (ب): (لنفسه).
[5]
في (ب): (الأمة).
[6] (
فذكر): ليس في (ب).
[7]
في (ب): (قبل).
[8] (
الغزالي): ليس في (ب).
[9]
في (ب): (إن).
[10]
ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (بن الزبير شيخه أيضًا).
[11]
في (ب): (بهذا).
[12]
في (ب): (بن).
[13]
في (ج): (وإذا).
[14]
زيد في (ب): (قوله).

(1/245)


[
حديث: أن رسول الله بعث بكتابه رجلًا ... ]
64#
قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو ابن كيسان، وقد تقدم أنَّه رأى ابن عمر، وروى عنِ الزُّهريِّ، وذكرت بعض ترجمته.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه [1] محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهريُّ [2].
قوله: (بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا): هذا الرجل هو عبد الله بن حذافة السهميُّ، وقيل: خُنَيْس بن حذافة _بالخاء المعجمة المضمومة، ثُمَّ نون مفتوحة، ثُمَّ مُثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ سين مهملة_ وهو أخو عبد الله المذكور، وقيل: شجاع بن وهب الأسَديُّ، قال المجموع ابن بشكوال، وعزا الأوَّل إلى البخاريِّ في «صحيحه» وغيره، وعزا الثَّاني والثَّالث إلى عمر بن شبَّة في «أخبار مكَّة [3]»، انتهى، وخُنَيْس: قيل: أصابه جراحة بأحُد، فمات منها، وليس ذلك بشيء، والمعروف أنَّه مات بالمَدِيْنَة على رأس خمسةَ عشرَ شهرًا بعد رجوعه من بدر، وأين هذا من بعثه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى كسرى؟ لأنَّه بُعِث إلى كسرى، كما ذكر الواقديُّ من حديث الشَّفاء بنت عبد الله: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بعث عبد الله بن حذافة السهميَّ منصرفه من الحديبية إلى كسرى، وبعث معه كتابًا مختومًا ... ؛ فذكره، وسيأتي في كتابه عليه الصَّلاة والسَّلام إلى كسرى وقيصر إن شاء الله تعالى.
ثُمَّ إنِّي رأيت ابن شيخنا البلقينيِّ تعقَّبه أيضًا بما تعقَّبته به، لكن قال: (إنَّ الرسل إنَّما كانوا في السَّابعة)، وقد تقدَّم أنَّ الإرسال في الخامسة، أو في السَّادسة بعد [4] الحديبية، أو في السَّابعة.
قوله: (إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ): قال شيخنا الشَّارح: (لعلَّه المنذر بن ساوى العبديُّ، فإنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بعث العلاء بن الحضرميِّ إليه وكان ملك البحرين، فصدق وأسلم) انتهى، وما قاله من كون المنذر بن ساوى ملك البحرين معروف، ومات المنذر رحمه الله تعالى قبل ردَّة أهل البحرين، وذكر ابن قانع: أنَّه وفد على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال أبو الربيع بن سالم: (ولا يصحُّ)، وقد ذكر الذهبيُّ في «تجريده» المنذر هذا التميميَّ، فقال: (صاحب البحرين وعاملها لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ذكره ابن قانع وجماعة) انتهى؛ يعني: ذكروه في الصَّحابة، ولم يتعقَّبهم الذَّهبيُّ؛ فاعلمه.

(1/246)


قوله: (الْبَحْرَيْنِ): قال شيخنا الشَّارح: (البحران: تثنية بحر، وهو مُلك مشهور بين البصرة وعُمان، صالح النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهله، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرميِّ، وبعث أبا عبيدة يأتي بجزيتها) انتهى، وقال الجوهريُّ: (والبحرين بلد، والنسبة إليه: بحرانيٌّ)، قال اليزيديُّ [5]: (كرهوا أن يقولوا: بحريٌّ، فتشبه النسبة إلى البحر) انتهى.
وكذا في «المطالع» ولفظه: (البحرين؛ بلفظ التثنية: بلاد معروفة باليمن، وهو عمل فيه مدن، قاعدتها هجر)، وقال النَّوويُّ: (البحرين: على صيغة تثنية بحر، وهو اسم إقليم معروف، والنسبة إليه: بحرانيٌّ؛ بنون قبل ياء النسبة، قاله ابن فارس في «المجمل»)، فكلام شيخي مباين لكلام هؤلاء، والذي قاله شيخنا غالب ظنِّي أنِّي رأيته منقولًا، والله أعلم.
قوله: (إِلَى كسْرَى): هو بكسر الكاف وفتحها، فارسيٌّ معرَّب، وهو أَنُوشُرْوَان أَبْرَوِيز _وتفسيره: المظفَّر، قاله المسعوديُّ، وتفسير أَنُوشُرْوَان: مجدِّد الملك، فيما ذُكِر_ ابن هرمز، الكافر المعروف، وترجمته معروفة، وهو كسرى أَنُوشُرْوَان بن قباذ بن فيروز، قاله ابن قتيبة في «معارفه».
قوله: (فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ المُسَيّب): قائل هذا الكلام، الظاهر أنَّه الزُّهريُّ، والله أعلم.
قوله: (ابن المُسَيّب): تقدَّم أنَّه سعيد العالم المشهور الفرد، وتقدَّم الكلام على ياء أبيه فيما مضى، والله أعلم.
قوله: [(فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [6] أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ): هذا [7] مرسَل؛ لأنَّ ابن المُسَيّب تابعيٌّ.
==========
[1] (
مرات أنه): ليس في (ب).
[2] (
الزُّهري): وضعت في (ب) في غير محلها.
[3]
في (ب): (مثله).
[4]
في (ب): (يعني).
[5]
في (ب): (الترمذي).
[6]
ما بين معقوفين سقط من (ج).
[7]
في (ب): (وهذا).
[
ج 1 ص 42]

(1/247)


[
حديث: كتب النبي كتابًا فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا ... ]
65#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ): هذا هو المروزيُّ الكسائيُّ، لقبه [1] رُخٌّ، نزل بغداد، ثمَّ مكَّة، وحدَّث عن هشيم [2]، وابن المبارك، وعليِّ بن هاشم بن البَرِيد، والدراورديِّ، وخلق، وكان صاحب حديث، وعنه: البخاريُّ، وأحمد بن سيَّار، وأبو زرعة، وخلق، وقد روى البخاريُّ حديثًا عن محمَّد عن عثمان بن فرقد [3]، فقيل: هو ابن مقاتل، وقيل: ابن سلَام، [وقيل: محمَّد بن عقبة، قال أبو حاتم في ابن مقاتل: (صدوق)، وقال ابن حبَّان: (كان متقنًا)، قال البخاريُّ: مات في آخر سنة ستٍّ وعشرين ومئتين، انفرد به البخاريُّ.
تنبيه: لهم محمَّد بن مقاتل، لكنَّه] [4] عبادانيٌّ، كنيته أبو جعفر، وهو أحد الصُّلحاء وأهل السنَّة، عن حمَّاد بن سلمة، وابن المبارك، وعنه: أحمد بن إبراهيم الدورقيُّ، وأبو بكر المروذيُّ [5]، وأبو يعلى الموصليُّ، وغيرهم، قال المروذيُّ: دخلت عليه وقدم من عبادان، فقال رجل: زيَّنت بلدنا بقدومك، فتغيَّر وجهه، وقال: لا تعدْ لهذا، وأراه قال: هذا الذبح. وقال موسى بن هارون: مات بعبادان من أوَّل يوم من سنة ستٍّ وثلاثين ومئتين، ذكره ابن حِبَّان في «الثِّقات»، أخرج له أبو داود في كتاب «المسائل التي سأل عنها الإمام أحمد ابن حنبل».
تنبيه آخر: في «إغاثة اللَّهفان» لابن القيِّم في مسألة الطلاق الثلاث ما نصُّه: (أنَّه مذهب محمَّد بن مقاتل الرازيِّ، حكاه عنه المازريُّ في كتابه «المُعلِم» [6]، قال الخطيب: حدَّث عن عبد الله بن المبارك، وعبَّاد بن العوَّام، ووكيع بن الجرَّاح، وأبي عاصم النبيل، رَوى عنه الإمام أحمد، والبخاريُّ في «صحيحه»، وكان ثقة) انتهى.
والظاهر أنَّه اشتبه عليه؛ لأنَّ الذي روى عنه البخاريُّ مروزيٌّ، وهذا رازيٌّ، والظاهر: أنَّه غير العبادانيِّ، وابن حبَّان ذكر المروزيَّ والعبادانيَّ، ورأيتهما في كلام الذهبيِّ في «مختصر التهذيب»، وقد ذكر الذهبيُّ محمَّد بن مقاتل الرازيَّ، فقال: (لا المروزيُّ، حدَّث عن وكيع وطبقته، تُكلِّم فيه ولم يُترَك) انتهى، والله أعلم.
قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك، العالم المشهور الزَّاهد، الذي جمع خصالًا كثيرة من الخير رحمة الله عليه، وهو شيخ خراسان.

(1/248)


قوله: (فَاتَّخَذَ خَاتَمًا): الخاتم؛ بفتح التاء وكسرها، وفيه أربع لغات [7] أخرى: خاتام، وخيتام، وخِتام، وختم.
تنبيه: اتخاذ الخاتم؛ ليختم به الكتب إلى الملوك ذكره ابن سيد الناس في «سيرته» في السنة السابعة من الهجرة، وقد تقدَّم أعلاه، وقبله متى كانت الكتابة.
[
تنبيه هو فائدة: قال ابن العربيِّ في «الأحوذيِّ شرح الترمذيِّ» في (باب ذكر الخاتم) حين [8] ذكر الكتابة: وأنَّهم لا يقرؤون كتابًا إلَّا مختومًا، فاتُّخِذ الخاتم من أجل ذلك، وكان قبلُ إذا كتب كتابًا ختمه بظفره] [9].
قوله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ): اعلم أنَّ المتبادر إلى الفهم أنَّ الكتابة التي كانت على خاتمه عليه الصَّلاة والسَّلام من فوق إلى أسفل ثلاثة أسطر، سطر فيه: محمَّد، وسطر فيه: رسول، وسطر فيه: اسم الجلالة، لكنِّي رأيت شيخ شيوخي الإمام العلَّامة شيخ المذهب وفقيه مصر والقاهرة في وقته جمال الدين [10] عبد الرحيم الإسنويَّ في «مهمَّاته» قال: إنَّه رأى في بعض الكتب _ولا يحضره اسمه_ أنَّ الكتابة التي كانت على خاتمه تُقرَأ من أسفل إلى فوق، فاسم الربِّ عزَّ وجلَّ فوق الأسطر، وفي الوسط: رسول، وتحته: محمَّد، وهذا إن صحَّ؛ فهو حسن في غاية، والله أعلم.
وقال شيخنا الشَّارح في (كتاب اللِّباس) من شرحه [11] لهذا الكتاب ما لفظه: (وكنَّا نبحث قديمًا هل الجلالة فوق والرَّسول في الوسط والباقي أسفل، أو بالعكس؛ فليُحَرَّر) انتهى.
تنبيه: الذي ظهر لي أنَّ هذه الكتابة كانت مقلوبة؛ لأنَّها لو كانت مستوية؛ لعسُر قراءتها على القارئ، وهكذا يصنع الناس اليوم في الخاتم الذي يُختَم به، ولم أر أنا ذلك لأحد.
تنبيه ثانٍ: ما هنا أنَّه المنقوش على خاتمه هو المعروف الثابت، وذكر شيخنا الشَّارح في (اللِّباس) ما لفظه: (وقيل: كان نقشه: لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله) انتهى.
فائدة: في الحديث المذكور اتِّخاذ خاتم الفضَّة، وهو إجماع، ولا عبرة بمن شذَّ فيه من كراهة لُبسه إلَّا لذي سلطان، ومن كراهته للنساء، وأمَّا خاتم الذهب؛ فقام الإجماع على تحريمه على الذكور، وما يذكر عن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم من أنَّه مُبَاح لهم؛ فشاذٌّ، وكذلك ما يحكى عن غيره من كراهته، وسيأتي تعداد خواتمه عليه الصَّلاة والسَّلام في (اللِّباس) إن شاء الله تعالى.
==========
[1]
في (ب): (نعته).
[2]
في (ب): (إبراهيم).
[3]
في (ب): (مرقد).

(1/249)


[4]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[5]
في (ب): (المذان).
[6]
في (ب): (العلم).
[7] (
لغات): ليس في (ب).
[8]
في (ب): (حتى).
[9]
ما بين معقوفين سقط من (ج).
[10]
زيد في (ج): (بن)، وليس بصحيح.
[11]
في (ب): (كتاب للناس عن شيوخه).
[
ج 1 ص 42]

(1/250)


[
باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ... ]
قوله في التبويب: (فرْجَةً): هي بضمِّ الفاء وفتحها؛ لغتان، وفي «الصِّحاح»: الضمُّ فقط، والفرجة: الخلل بين الشَّيئين.
قوله فيه: (فِي الْحَلْقَةِ): هي بإسكان اللَّام على المشهور، وحُكِيَ: فتحها، فجمع الثانية: حَلَق؛ بفتح الحاء واللَّام، وجمع الأولى: حِلَق؛ بكسر الحاء وفتح اللَّام.
==========
[
ج 1 ص 42]

(1/251)


[
حديث: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ... ]
66#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم أنَّه ابن أبي أويس ابن أخت مالك الإمام.
قوله: (أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ): اسم أبي مرَّة يزيد، ويقال: هو مولى أمِّ هانئ أخت عقيل، روى أبو مرَّة هذا عنهما، وعن أبي الدَّرداء، وغيرهم، وعنه: سعيد بن أبي هند، والمقبريُّ، وآخرون، قال الواقديُّ: (إنَّما هو مولى أمِّ هانئ، وإنَّما نُسِب إلى عَقيل؛ لكونه كان يلزمه)، وكان شيخًا
[
ج 1 ص 42]
قديمًا، أخرج له الجماعة، ثقة.
قوله: (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ): هو بالقاف، واسمه الحارث بن عوف بن أَسِيد، وقيل: الحارث بن مالك، وقيل: عوف بن الحارث، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن أبي بكر، وعمر، وعنه: ابناه عبد الملك وواقد، وجماعة، قيل: إنَّه شهد بدرًا، وليس بشيء، بل شهد الفتح، ونزل في الآخر بمكَّة، وتُوفِّي بها سنة (68 هـ) [1]، أخرج له الجماعة، ولعلَّ الذي شهد بدرًا سميٌّ له، قاله الذهبيُّ في «تجريده».
قوله: (ثَلاَثَةُ نَفَرٍ): هؤلاء الثَّلاثة لا أعرفهم، والنَّفَر؛ بالتحريك: عدَّة رجال من ثلاثة إلى عشرة، قاله الجوهريُّ.
قوله: (فُرْجَةً): تقدَّم الكلام عليها قريبًا.
قوله: (فِي الْحَلْقَةِ): تقدَّم الكلام عليها قريبًا.
قوله: (فَأَوَى إِلَى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ): الأولى بالقصر، والثانية بالمدِّ، وهذا لغة القرآن أنَّ اللازم بالقصر، والمتعدِّي بالمدِّ، وحُكِيَ في اللَّازم المدُّ، وفي المتعدِّي القصر، والمشهور الأوَّل.
==========
[1]
في (ب): (168 هـ).

(1/252)


[
باب قول النبي: رب مبلغ أوعى من سامع]
قوله: (مُبَلَّغٍ) في التبويب: هو [1] بفتح اللَّام المشدَّدة، اسم مفعول، ولفظ الترجمة حديث رواه الترمذيُّ من حديث عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «نضَّر الله امرأً ... »؛ الحديث، قال التِّرمذيُّ: (حديث حسن صحيح).
فإن قيل: لمَ لَمْ يخرِّجه البخاريُّ؟
فالجواب: أنَّه من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وقد قال يحيى القطَّان: (مات أبوه وله نحو ستِّ سنين)، وقال ابن معين في رواية: (لَمْ يسمع من أبيه)، وروى معاوية بن صالح عنِ ابن معين: (أنَّه سمع من أبيه ومن عليٍّ رضي الله عنه)، وسئل أحمد: هل سمع عبد الرحمن من أبيه؟ فقال: (أمَّا الثَّوريُّ وشريك؛ فيقولان: سمع)، وكذلك أثبت له ابن المدينيِّ السماع من أبيه، وقال النَّسائيُّ في «الصُّغرى» في (الجمعة): (أبو عبيدة لَمْ يسمع من أبيه شيئًا، ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ولا عبد الجبَّار بن وائل بن حجر) انتهى.
==========
[1] (
هو): ليس في: (ج).
[
ج 1 ص 43]

(1/253)


[
حديث: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام ... ]
67#
قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرٌ): هو بالموحَّدة، وبالشين المعجمة، وهو ابن المفضَّل، وكذا جاء في بعض النسخ منسوبًا لأبيه، وهو بشر بن المفضَّل بن لاحق أبو إسماعيل الرقاشيُّ مولاهم، البصريُّ، أحد الحفَّاظ، عن يحيى بن سعيد [1] الأنصاريِّ، وحميد، وخلق، وعنه: أحمد، وإسحاق، ومسدَّد، وخلق، قال أحمد: (إليه المنتهى في الثبت بالبصرة)، وقال ابن معين: (هو أثبت البصريِّين)، وقال ابن سعد: (كان عثمانيًّا ثقة كثير الحديث)، ترجمته معروفة، تُوفِّي سنة سبع وثمانين ومئة، أخرج له الجماعة.
قوله: (عن [2] ابْنِ عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون مولى عبد الله بن مغفَّل المزنيُّ، أحد الأعلام، قال هشام بن حسَّان: (لَمْ تر عيناي مثل ابن عون) انتهى، والثَّناء عليه كثير، تُوفِّي سنة (151 هـ)، أخرج له الجماعة.
ولهم: عبد الله بن عون آخر ابن أمير مصر أبي عون عبد الملك بن يزيد الهلاليُّ، أخرج له مسلم [3] والأربعة [4]، وهو ثقة من الأبدال، تُوفِّي سنة (232 هـ)، ولم يخرِّج له البخاريُّ شيئًا.
قوله: (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ): هو محمَّد بن سيرين، وبنو سيرين ستَّة من التَّابعين ذكور، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، والله أعلم.
قوله: (عَنْ أَبِيهِ): هو أبو بكرة نفيع بن الحارث، تقدَّم.
قوله: (ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (النبيَّ): منصوب مفعول، والفاعل في (ذكر): (هو) يرجع على أبي بكرة.
قوله: (عَلَى بَعِيرِهِ): البعير: اسم جنس بمنزلة الإنسان من الناس، يقال: للجمل والناقة، وإنَّما يقال: بعير؛ إذا أجدع.
قوله: (وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ): الإنسان المشار إليه هو أبو بكرة نُفيع بن الحارث، قاله شيخنا الشَّارح، وساق له شاهدًا من «مستخرج الإسماعيليِّ»، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (لعلَّه بلال؛ فقد روى الطبرانيُّ في «الأوسط» فيمن اسمه أحمد)؛ فذكر شاهده منه، ثُمَّ قال: (والحديث في «مسلم»، و «أبي داود»، و «النَّسائيِّ»، ولكن ليس فيه تعيين القائد، وأمَّا النَّسائيُّ؛ ففيه تعيينه؛ يعني: بلالًا) انتهى ملخَّصًا.
وكذا ذكر [5] حافظ مصريٌّ أنَّه بلال مقتصرًا عليه، وعزاه للنَّسائيِّ.

(1/254)


قوله: (بِخِطَامِهِ أَوْ بِزِمَامِهِ): الخِطام والزِّمام؛ بكسر أوَّلهما، والخطام: هُوَ الزِّمام قاله الجوهريُّ، والشَّكُّ من الراوي بعد أبي بكرة، وأراد المحافظة على اللَّفظ، والله أعلم.
والزِّمام: الخيط الذي يُشَدُّ في البُرَّة أَوْ في الخِشاش، ثُمَّ يُشَدُّ في طرفه المقْود، وقد يُسمَّى المقود زمامًا، قاله أيضًا.
قوله: (بِذِي الْحِجَّةِ): هي بكسر الحاء أفصح من فتحها، عكس القَعدة.
قوله: (وَأَعْرَاضَكُمْ): هُوَ جمع عِرْض؛ بكسر العين؛ وإسكان الرَّاء؛ وهو موضع المدح والذمِّ من الإنسان سواء كان في نفسه، أَوْ في سلفه، أَوْ من يلزمه أمره، وقيل: هُوَ جانبه الَّذِي يصونه من نفسه [6] وحسبه، ويحامي عنه أنْ ينتقص أو يُثلَب، وقال ابن قتيبة: (عرض الإنسان: نفسه وبدنه لا غير).
قوله: (كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا): إن [7] قيل: المشبَّه [8] لا يكون أخفض، وحرمة الدِّماء أعظم من حرمة حشيش الحرم وقتل صيده.
والجواب: أنَّ مناط التشبيه ظهوره عند السَّامع، فكان تحريم اليوم أثبت في نفوسهم من حرمة [9] الدماء؛ إذ هُوَ المعتاد في أسلافهم، وتحريم الشَّرع طارئ عليه، فكان تحريم اليوم أظهر، والله أعلم.
قوله: (فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ): هُوَ بهمز (بدأ).
قوله: (وَرَّثُوا الْعِلْمَ): هُوَ بفتح الراء المشدَّدة.
قوله: ({إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}) [فاطر: 28]: الاسم الجليل: منصوب، و {العُلَمَاءُ}: مرفوع فاعل، وهذه القراءة العامَّة، وفيه قراءة أخرى؛ وهي العكس: رفع الاسم الجليل، ونصب {العُلَمَاءُ}، وبها قرأ عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة فيما نقل الزمخشريُّ _ (وفي حفظي من بعض العلماء: أنه أبو حنيفة الدينوريُّ لا الإمام صاحب الأتباع) [10]_ وأبو حيوة فيما نقل الهذليُّ في «كامله»، فعليه؛ معنى {يَخْشَى}: يجلُّ ويعظِّم، والله أعلم.
[11]
وهذه القراءة شبيهة بقراءة: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمُ رَبَّهُ بِكَلِمَاتٍ} [البقرة: 124]؛
[
ج 1 ص 43]
برفع {إِبْرَاهِيمَ}، ونصب {رَبُّهُ}، والله أعلم.
قوله: (بِالتَّعَلُّمِ): كذا في هامش أصلنا بضمِّ اللَّام، وهذا هو المشهور، وفي أصلنا: (بالتعليم).
قوله: (وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ): تقدَّم أنَّه جندب بن جنادة، تقدَّم [12] بعض ترجمته، ويأتي أيضًا غير مرَّة، أحد السابقين الأوَّلين.

(1/255)


قوله: (الصَّمْصَامَةَ): بصادين مهملتين مفتوحتين، بينهما ميم ساكنة، وكذلك الصمصام: السيف الصارم الذي لا ينثني [13]، قاله الجوهريُّ، وفي «المطالع»: (سيفٌ [14] بحدٍّ واحد).
قوله: (أُنْفِذُ): هُوَ بضمِّ الهمزة، وسكون النون، وكسر الفاء، وبالذال المعجمة؛ أي: أمضيها وأُخبر بها [15].
قوله: (تُجْيزُوا): هو بالجيم والزاي، أي: تنفِذوا قتلي.
[
قوله: (وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ ... ) إلى آخره: قَالَ حافظ عصري: (القائل فيما قيل هُوَ ابن عبَّاس) انتهى] [16]
==========
[1]
في (ج): (سعد).
[2]
في «اليونينيَّة»: (حدثنا).
[3] (
مسلم): ليس في (ب).
[4]
في (ب): (الأربعة).
[5]
في (ب): (ذكره).
[6]
زيد في (ب): (وعرضه).
[7] (
إن): ليس في (ج).
[8]
زيد في (ج): (به).
[9] (
حرمة): ليس في (ب).
[10]
ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (في «كامله»).
[11]
زيد في (ب): (قوله).
[12]
في (ج): (وتقدم).
[13]
في (ب): (يثنى).
[14] (
سيفٌ): ليس في (ب).
[15]
في (ب): (وأجيزها).
[16]
ما بين معقوفين جاء في (ب) متأخرًا بعد قوله: (إلى آخر كلامه، والله أعلم).

(1/256)


[
باب ما كان النبي يتخولهم بالموعظة]

(1/257)


[
حديث: كان النبي يتخولنا بالموعظة في الأيام]
68#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): اعلم أنَّ محمَّد بن يوسف اثنان؛ كلاهما من شيوخ البُخَارِيِّ؛ فالأوَّل منهما: هذا محمَّد بن يوسف بن واقد أبو عَبْد الله الفريابيُّ، من أهل خراسان، سكن قيساريَّة من أرض الشَّام [1]، سمع الثوريَّ، والأوزاعيَّ، ومالك بن مغول، والثاني: محمَّد بن يوسف أبو أحمد البُخَارِيُّ البيكنديُّ، حدث عن سفيان بن عيينة، وعبد الأعلى بن مُسْهِر، وأبي أسامة، وأحمد بن يزيد الحرَّانيِّ.
قال البُخَارِيُّ في (كتاب العلم) هذا _كما سيأتي قريبًا في (باب متى يصحُّ سماع الصغير) _: (حدَّثنا محمَّد بن يوسف: سمع أبا مُسْهِر)، وقال في (صفة النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم): (حدثني محمَّد بن يوسف: حدَّثنا أحمد بن يزيد الحرَّانيُّ)، وقال في (بدء الخلق): (حدثني محمَّد بن يوسف: حدَّثنا أبو أسامة)، وقال في (غزوة أحد): (حدَّثنا محمَّد بن يوسف: حدَّثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر) [خ¦4051]، وقال في باب بعد (غزوة أحد): (حدَّثني محمَّد بن يوسف: سمع أبا أسامة)، وقال في (الحدود والرِّدَّة) في (باب هل يأمر الإمام رجلًا، فيضرب الحدَّ): (حدَّثنا محمَّد بن يوسف: حدَّثنا ابن عيينة، عنِ الزُّهري، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد بن خالد)، فهذه الأمكنة [2] المذكورة فيها: محمَّد بن يوسف أبو أحمد البُخَارِيُّ البيكنديُّ، والباقي: محمَّد بن يوسف الفريابيُّ المترجم هنا، وهوأحد الأثبات، وقد أورده [3] ابن عديٍّ، قال عبَّاس: سمعت يحيى يقول: حدَّث [4] الفريابيُّ عَن ابن عيينة، عَن ابن أبي نجيح، عَنْ مجاهد: (الشَّعر في الأنف أمان من الجذام)، قال يحيى: (وهذا حديث باطل).
قال صاحب «الميزان»: (إنَّما الباطل أن يجعله من قول النَّبيِّ صلى الله علَيْهِ وَسَلَّم، إمَّا أن يكون [5] مجاهد قاله؛ فهذا [6] صحيح عنه، رواه العبَّاس الخلَّال [7] وغيره عن محمَّد، وهو ثقة فاضل عابد، من جلَّة أصحاب الثوريِّ، حديثه [8] في كتب الإسلام، وقد ارتحل إليه أحمد بالقصد، فبلغه موته، فعدل إلى حمص ... ) إلى آخر كلامه فيه، والله أعلم.
قوله: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ): هَذَا هُوَ ابن سعيد الثوريُّ، العالم الفرد، تقدَّم.
قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سليمان بن مهران أبو محمَّد الكاهليُّ، مشهور الترجمة.

(1/258)


قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم أنَّه شقيق بن سَلمة.
قوله: (يَتَخَوَّلُنَا): هُوَ بالخاء المعجمة المفتوحة، ثُمَّ واو مشدَّدة مفتوحة أيضًا؛ أي: يتعاهدنا، والخائل: المتعاهد للشيء المصلح له، وقال ابن الأعرابيِّ: (معناه: يتَّخذنا خَولًا)، وقيل: يفاجئنا بها، وقيل: يصلحنا، وقال أبو عبيدة: (يذلِّلنا بها، يقال: خوَّله الله؛ أي: ذلله لك وسخَّره)، وقيل: يحبسهم عليها [9] كما يُحبَس [10] الخولُ، قال أبو عبيد: (ولم يعرفها الأصمعيُّ، وأظنها: يتخوَّنهم؛ بالنون؛ أي: يتعهَّدهم)، وقال أبو نصر: (يتخوَّن؛ مثل: يتعهَّد)، وقال أبو عمرو: (الصَّواب: يتحوَّلهم؛ بحاء مهملة)؛ أي: يطلب حالاتهم، وأوقات نشاطهم، قاله ابن قُرقُول وغيره، واللَّفظ للأوَّل.
قوله: (السَّآمَةِ): هي بالمدِّ؛ الملل، تقول: سَئِمْتُ من الشَّيء أَسأمُ سأَمًا وسَأَمة؛ بالقصر [11]، وسآمًا وسآمةً؛ بالمدِّ [12]؛ إذَا ملِلته، ورجل سَؤوم.
==========
[1]
في (ج): (الشارد).
[2]
في (ب): (الأمثلة).
[3]
في (ب): (أورد).
[4]
في (ب): (حدثني).
[5]
زيد في (ب): (من)، وضرب عليها في (أ).
[6]
في (ب): (بهذا).
[7]
في (ب): (الحمال)، وفي (ج): (والخلال).
[8]
في (ب): (حديث)، وفي (ج): (حدث).
[9]
في (ج): (عليهم).
[10]
في (ب): (تحبس).
[11] (
بالقصر): ليس في (ب).
[12] (
بالمد): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 44]

(1/259)


[
حديث: يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا]
69#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ [1]): هُوَ بفتح الموحَّدة، وشين معجمة مشدَّدة، وَهْوَ محمَّد بن بشَّار بن عثمان أبو بكر العَبْدِيُّ مولاهم، بُنْدار؛ بضمِّ الموحدة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ دال مهملة، وفي آخره راء، لُقِّبَ بذلك؛ لأنَّه كان بندارَ الحَدِيْث، جمع حَدِيْث بلده، قال ابن الصلاح في حاشية على «علومه» ما لفظه: (قال الفلكيُّ: إِنَّمَا لُقِّب به؛ لأنَّه كان بندارَ الحَدِيْث؛ أي: مُكثِرًا مِنْهُ، والبندار: من يكون مكثرًا من شيءٍ يشتريه مِنْهُ مَن هُوَ دونه، ثُمَّ يبيعه، قاله السمعانيُّ، ووجدته بخطِّه) انتهى، حافظ جليل، روى عن معتمر [2]، وغُنْدر، وخلق، وعنه: الجماعة، قال أبو داود: (كتبت عنه خمسين ألف حَدِيْث، ولولا سلامة فيهِ؛ تُرِك حديثه) انتهى، وقد وثَّقه غير واحد، عاش ثمانين سنة، وتُوفِّي سنة (252 هـ) في رجب، وله ترجمة في «الميزان».
فائدة: محمَّد بن بشَّار هذا ممَّن اشترك الأئمَّة السِّتَّة في الأخذ عنه، وقد وقفت على جماعة بهذه المثابة حصل لهم ذَلِكَ؛ وهم: بندار هَذَا المذكور، ومحمَّد بن المثنَّى، ونصر بن عليٍّ الجهضميُّ، وزياد بن يحيى الحسَّانيُّ، وعَبْد الله بن سعيد الكنديُّ الأشجُّ، وعمرو بن عليٍّ الفلَّاس، ومحمد بن مَعْمَر [3] القيسيُّ، ويعقوب بن إبراهيم الدَّورقيُّ، وأبو كريب محمَّد بن العلاء، وقد عُدَّ فيهم عبَّاسٌ العَنبريُّ، وإنَّما علَّق عنه البُخَارِيُّ في «الصحيح»، وتعليقه عمَّن لقيه هُوَ كـ (حدَّثنا)، وإبراهيم بن سعيد الجوهريُّ علَّق عنه أيضًا في «الصحيح»، وقد لقيه، والواقف [4] على هَذَا هُوَ في باب الزيادة، فإنَّ في ظنِّي أنِّي لم أستوعبهم، والله أعلم.
قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ): هُوَ بفتح المُثنَّاة فوق، ثُمَّ [5] تشديد المُثنَّاة [6] تحت، وفي آخره حاء مهملة، واسمه يزيد بن حميد الضُّبَعيُّ، أحد الأعلام، عن أنس، ومطرِّف، وعنه: عبد الوارث، وابن عُليَّة، ثقة عابد، مات سنة (128 هـ) [7]، أخرج له الجماعة.
==========
[1]
في هامش (ق): (محمد بن بشار شيخ البخاري).
[2]
في (ب): (معمر).
[3]
في (ب): (نضير).
[4]
في (ج): (فالواقف).
[5]
في (ب): (و).
[6]
زيد في (ج): (من).
[7]
في (ج): (138 هـ)، وليس بصحيح.
[
ج 1 ص 44]

(1/260)


[
باب من جعل لأهل العلم أيامًا]

(1/261)


[
حديث: كان عبد الله يذكر الناس كل خميس]
70#
قوله: (عن [1] جَرِيرٍ): هُوَ ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، عن منصور، وحصين، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، له مصنَّفات، مات سنة (188 هـ)، أخرج له الجماعة، حجَّة، له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه.
قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): هَذَا هُوَ ابن المعتمر أبو عتاب السُّلميُّ، من أئمَّة الكوفة، قال: (ما كتبت حديثًا قطُّ)، مناقبه جمَّة، مات سنة (132 هـ)، أخرج له الجماعة، قال ابن مهديٍّ: (أثبت أهل الكوفة منصور بن المعتمر)، وثناء النَّاس عليه كثير.
قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم أنَّه شقيق بن سَلَمة.
قوله: (كَانَ عَبْدُ اللهِ): هَذَا هُوَ ابن مسعود صحابيٌّ جليل رَضِيَ الُله عَنْهُ.
قوله: (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ): هَذَا الرجل لا أعرفه؛ فليتبع.
قوله: (لَوَدِدْتُ): هُوَ بكسر الدال الأولى، وضمِّ تاء المتكلِّم.
قوله: (أَمَا إِنَّهُ): هُوَ بفتح الهمزة من (أما)، وتخفيف ميمها، و (إنَّه)؛ بكسر الهمزة، وذلك لأنَّ (أما) بمعنى: (ألا) التي للاستفتاح، فهمزة (إِنَّ) بعدها مكسورة.
قوله: (يَتَخَوَّلُنَا): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.
قوله: (السَّآمَةِ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.
==========
[1]
في «اليونينيَّة»: (حدثنا).
[
ج 1 ص 44]

(1/262)


[
باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]

(1/263)


[
حديث: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين]
71#
قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابنُ عُفَيْرٍ): هُوَ بعين مهملة مضمومة [1]، ثُمَّ فاء مفتوحة، ثُمَّ مُثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، وَهْوَ سعيد بن كثير بن عفير وينسب كثيرًا إلى جدِّه، وكذا فعل البُخَارِيُّ هنا ابن مسلم بن يزيد بن حبيب بن الأسود الأنصاريُّ مولاهم، المصريُّ [2] أبو عثمان،
[
ج 1 ص 44]
عَنْ مالك، والليث، وطائفة، وعنه: البخاريُّ، والذهليُّ، وطائفة، قال أَبُو حاتم: (صدوق، ولم يكن بالثبت، كان يقرأ من كتب الناس)، تُوفِّي في صفر سنة (226 هـ)، أخرج له مع البخاريِّ مسلمٌ وأبو داود في «الردِّ على أهل القدر»، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، فإن شئت؛ فانظرها.
قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): هذا عَبْد الله بن وهب، أحد الأئمَّة الأعلام، ترجمته معروفة.
قوله: (عَنْ يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، أحد الأثبات ثقة إمام، تُوفِّي سنة (159 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، وأنَّ فيه ستَّ لغات.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور، شيخ الإسلام، وأوحد الأعلام.
قوله: (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ): المراد بـ (أمر الله) هنا: الريح؛ إذ في «الصحيح»: «إنَّ الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبَّة من إيمان [3]».
إن قيل: ما الجمع بين هذا وبين الحَدِيْث الآخر: «لا تقوم الساعة حتَّى لا يقال في الأرض: الله الله»، وحَدِيْث: «لا تقوم الساعة إلَّا على شرار الخلق»؟

(1/264)


والجواب [4]: أنَّ المراد بـ (أمر الله): الريح، لا قيام الساعة، فبعد الريح يكون ذلك، وجوَّز بعضهم أن يضمر في الحَدِيْث: بموضع كذا، فالموصوفون بأنَّهم شرار الخلق غير الموصوفين [5] بأنَّهم على الحقِّ، ويؤيِّد ما قاله أنَّه جاء في بعض طرق الحَدِيْث: قيل: من [6] هم يا رسول الله؟ قال: «ببيت المقدس [7] أو أكناف بيت المقدس» وفي «الصحيح»: (وهم بالشام) من قول معاذ، وفي «مسلم»: «لا يزال أهل الغرب»، قال ابن المدينيِّ: (المراد بهم: العرب)، قيل: أراد: أهل الشام؛ لأنَّهم [8] غرب الحجاز، وقيل: المراد بالغرب الحدَّة [9] والشوكة، يريد: أهل الجهاد، وفي «الصحيح»: «لا تزال طائفة من أمَّتي»، قال البخاريُّ: (قال ابن المدينيِّ: وهم أهل العلم)، وقال الإمام أحمد: (إن لَمْ يكونوا أهل الحَدِيْث؛ فلا أدري من هم؟)، قال النوويُّ: (يحتمل أن تكون هذه الطائفة متفرِّقة من أنواع المؤمنين، فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدِّثون، ومنهم زهَّاد آمرون بالمعروف وناهون عَن المنكر، وفيهم أهل أنواع من الخير)، وسيأتي بأطول من هذا إن شاء الله تعالى في (باب علامات النُّبوَّة).
==========
[1] (
مضمومة): ليس في (ب).
[2]
في (ب): (المقري).
[3]
في (ج): (الإيمان).
[4]
في (ج): (فالجواب).
[5]
في (ب): (الموصوف).
[6]
في (ج): (أين).
[7]
في (ب): (القدس).
[8]
في (ج): (لأنه).
[9]
في (ب): (المدة).

(1/265)


[
باب الفهم في العلم]
قوله: (باب الْفَهْمِ): هو بإسكان الهاء، وعن بعضهم وفتحها؛ لغتان.
==========
[
ج 1 ص 45]

(1/266)


[
حديث: إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم]
72#
قوله: (قَالَ: قَالَ [1] لِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ): هو عبد الله بن أبي نجيح يسار، مولى الأخنس بن شريق، وثَّقه أحمد وابن معين، أخرج له الجماعة [2]، وله ترجمة في «الميزان».
قوله: (عَنْ مُجَاهِدٍ صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا)؛ فذكره؛ أي: لَمْ يسمعه يحدِّث في هذه السفرة إلَّا حديثًا واحدًا، ولا [3] يُفهَم من ذلك أنَّه لَمْ يرو [4] عنه إلَّا هذا الحَدِيْث، بل قد روى عَن ابن عمر عدَّة [5] أحاديث في الكتب السِّتَّة أو بعضها؛ منها [6] في «البخاريِّ» خمسة أحاديث، ومنها في «مسلم» أربعة [7]، غير الحَدِيْث الذي نحن فيه؛ فهو فيهما، والله أعلم، اتَّفق البخاريُّ ومسلم من ذلك على أربعةٍ؛ منها حديث الأصل.
قوله: (فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ): (أُتِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الجُمَّار): بضم الجيم، وتشديد الميم، وفي [8] آخره راء؛ وَهْوَ الكَثَر، بفتح الكاف والثاء المثلثة، وبالرَّاء، وَهْوَ رخص طلع النخل، وَهْوَ شحم النخل.
قوله: (مَثَلُهَا): تقدَّم أنَّه بفتح الثاء وإسكانها، وتقدَّم الكلام [9] على وجه الشبه بينهما [10].
==========
[1]
في (ج): (وقال).
[2] (
أخرج له الجماعة): تقدم في (ج)، جاء بعد قوله: (بن شريق).
[3]
في (ج): (فلا).
[4]
في (ج): (يحدث).
[5] (
عدة): ليس في (ب).
[6] (
منها): ليس في (ب).
[7]
زيد في (ب): (عشر).
[8]
في (ب): (في).
[9] (
الكلام): مثبت من (ج).
[10]
في (ج): (فيهما).
[
ج 1 ص 45]

(1/267)


[
باب الاغتباط في العلم والحكمة]
(
باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ) وسيأتي الكلام على الغبطة قريبًا ما هي.
قوله: (وَقَالَ عُمَرُ _رَضِيَ اللهُ عَنْهُ_ تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا): قال ابن المنيِّر: (وجه مطابقة قول عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للترجمة أنَّه جعل السيادة من ثمرات العلم، وأوصى الطالب باغتنام الزيادة قبل بلوغ درجة السيادة، وذلك يحقِّق استحقاق العلم؛ لأن يُغتبَط به صاحبه؛ لأنَّه سبب لسيادته) انتهى.
قوله: (قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا): هو بتشديد الواو المفتوحة؛ معناه: تُعظَّموا؛ والمعنى: تعلَّموا العلم ما دمتم صغارًا قبل أن تصيروا سادة رؤساء يُنظَر إليكم، فإن لَمْ تتعلَّموا قبل ذلك؛ استحييتم أن تتعلَّموا بعد الكبر، فبقيتم جهَّالًا، ويؤيِّد هذا القول _وأنَّه مراد البخاريِّ_ قول البخاريِّ بعد ذلك: (وقد تعلَّم أصحاب النَّبيِّ صلى الله علَيْهِ وَسَلَّم في كبر سنِّهم)، وفيه قول ثان: وَهْوَ أنَّ معناه: لا تأخذوا عَن الأصاغر، فيُزرى بكم ذلك، وثالث: وَهْوَ أنَّ معناه: قبل أنْ تزوَّجوا، فتصيروا سادة بالحكم على الأزواج والاشتغال بهنَّ لهوًا، ثمَّ تمحُّلًا للنفقة.
قال شيخنا الشارح: (وحكاه صاحب «مجمع الغرائب» احتمالًا، وَهْوَ متَّجه، وجزم به البيهقيُّ في «مدخله»، ولم يذكر غيره، فقال: معناه: قبل أن تتزوَّجوا، فتصيروا أربابًا، قاله شمر) انتهى.
وحَكى ابن الأثير في «نهايته» القولين؛ الأوَّل والآخر.
==========
[
ج 1 ص 45]

(1/268)


[
حديث: لا حسد إلا في اثنتين]
73#
قوله: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ): تقدَّم مرَّات أنَّه عَبْد الله بن الزبير، وأنَّه أوَّل شيخ روى عنه البخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتقدَّم لم نُسِب.
قوله: (عَلَى غَيْرِ ما حَدَّثَنَاهُ الزُّهرِيُّ): قائل هذا [1] الكلام هو سفيان بن عيينة، يقول سفيان: هو على خلاف حديثي عنِ الزُّهريِّ، وَحَدِيْثه عَن الزُّهريِّ هو في (التوحيد)، وقد ذكرت فيهِ كلامًا، ولم أر أحدًا تعرَّض لحديثه عَنْ الزُّهريِّ في عبارته في تحديثه عنه، والله أعلم، وَهْوَ مكان مشكل؛ فانظره إن أردته.
قوله: (الزُّهرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن شهاب محمَّد بن مسلم، وتقدَّم أعلاه وقبله.
قوله: (قَيْسَ بِنَ أَبِي حازِمٍ): تقدَّم الكلام على قيس، وأنَّ حازمًا؛ بالحاء المهملة وبالزاي فيما مضى مُطوَّلًا.
قوله: (لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ): المراد _والله أعلم_: شدة الحرص والرغبة، من غير تمنِّي زوالها عَنْ صاحبها؛ وَهْوَ الغبطة، وقد أشار البخاريُّ رحمه الله تعالى في التبويب إليه؛ لأنَّه قال: (باب الاغتباط)، وفيه قول ثان: وَهْوَ أنَّه تخصيص لإباحة نوع من الحسد، وإخراج له عَنْ جملة ما حُظِر مِنْهُ، كما رُخِّص في نوع من الكذب وإن كانت جملته محظورة؛ فالمعنى: لا إباحة لشيء من الحسد إلَّا فيما كان هذا سبيله؛ أي: لا حسد جائز إلَّا هذا، وقيل: إنَّه استثناء منقطع؛ بمعنى: لكن في اثنتين، قال النوويُّ: (الحسد حقيقيٌّ ومجازيٌّ، فالحقيقيُّ: تمنِّي زوال النعمة عَنْ صاحبها، والإجماع على أنَّ هذا حرام، والمجازيُّ: هو الغبطة؛ وَهْوَ أنْ يتمنَّى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا؛ كانت مباحة، أو من أمور الآخرة؛ فمستحبَّة)، والمراد بالحديث: لا غبطة مستحبَّة محبوبة إلَّا في هاتين الخصلتين وما في معناهما، والله أعلم.
قوله: (رَجُلٌ): قال شيخنا الشارح: (في «رجل» ثلاثة أوجه؛ البدل، وإضمار: أعني، والرفع على تقدير: خصلتين؛ إحداهما: خصلة رجل) انتهى.
وهذا الأخير
[
ج 1 ص 45]
فيه نظر، وكأنَّه [2] سقط مِنْهُ شيء، وكذا قال غيره: إنَّ فيه ثلاثة أوجه: الجرَّ بالبدل، والرفع، والنصب على القطع، ولا بدَّ من تقدير: خصلة رجل.

(1/269)


قوله: (عَلَى هَلَكَتِهِ): أي: إهلاكه؛ أي: إنفاقه في الطاعات، وفي كلام بعضهم: أي: على هلاكه، وفي «أفعال ابن القطَّاع»: (وهلكتُ الشيء هلْكًا وهَلاكًا، وأهلكتُه؛ فهلك هو، فالعبارتان صحيحتان؛ لأنَّه يقال: هلك؛ لازمًا ومتعدِّيًا)، والله أعلم.
قوله: (الْحِكْمَةَ): المراد بـ (الحكمة) _والله أعلم_: القرآن، ويؤيده حديث ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما في «البخاريِّ»: «لا حسد إلَّا في اثنتين، رجل آتاه الله القران»، وقال النوويُّ: (الحكمة: كل ما منع من الجهل، وزجر عَن القبيح) انتهى.
وهذا الذي فهمه البخاريُّ، فإنَّه قال في التبويب: (باب الاغتباط في العلم والحكمة).
==========
[1]
زيد في (ب): (الحديث؛ أي).
[2]
في (ج): (فكأنَّه).

(1/270)


[
باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر]
(
باب مَا ذُكِرَ مِنْ ذَهَابِ مُوسَى [فِي البَحْرِ] إِلَى [1] الخَضِرِ عليهما السَّلام) ... إلى (باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ)
قوله: (باب مَا ذُكِرَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (إِلَى [2] الخَضِرِ): سيأتي الكلام عليه بلغاته قريبًا.
فائدة: قال ابن المنيِّر: (موقع قوله: «في البحر» من الترجمة التنبيه على خوف ذهاب العلم حتَّى جاز في طلبه المخاطرة [3] بركوب البحر، وركبه الأنبياء في طلبه، بخلاف طلب الدنيا في البحر؛ فقد كرهه بعضهم، واستثقله الكلُّ، ووجه مطابقته القصَّة: أنَّ موسى قال للخضر: {هل أتَّبعك على أنْ تعلِّمني} [الكهف: 66]، فاتَّبعه؛ ليتعلَّم مِنْهُ في البحر حال ركوبهما في السفينة، وفي البرِّ حال مسيرهما في البرِّ بعد النزول منها) انتهى.
==========
[1]
في النسخ: (مع)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
في النسخ: (مع)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[3]
في (ب): (المخاطبة).
[
ج 1 ص 46]

(1/271)


[
حديث: بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل]
74#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ): (غُرَيْر)؛ بالغين المعجمة المضمومة، ثم راء مكررة؛ الأولى مفتوحة، بينهما مُثنَّاة تحت ساكنة، وَهْوَ محمَّد بن غرير بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريُّ، سكن صُغْد سمرقند، عَنْ يعقوب بن إبراهيم، وأبي نعيم، ومطرِّف بن عَبْد الله، وعنه: البخاريُّ وغيره، ذكره ابن حبَّان في «الثقات»، ولم يخرِّج له أحد من أصحاب الكتب الستَّة غير البخاريِّ.
قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو ابن كيسان تقدَّم.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ، تقدَّم أنَّه أَبُو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.
قوله: (وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ): (الحُرُّ)؛ بضمِّ الحاء المهملة، ثم راء مشدَّدة، وَهْوَ ابن أخي عيينة بن حصن، صحابيٌّ، له وفادة، وكان من جلساء عمر رضي الله عنهما، وقد [1] وفد عليه عليه الصَّلاة والسَّلام مَعَ وفد فزارة مرجعَهُ عليه الصَّلاة والسَّلام من تبوك.
قوله: (هُوَ خَضِرٌ): الكلام على الخضر في مواضع منها ضبطه، وَهْوَ بفتح أوَّله، وكسر ثانيه، ويجوز كسر أوَّله وإسكان ثانيه، وسبب تسميته: أنَّه جلس على فروة، فإذا هي تهتزُّ خلفه خضراء، كما «البخاريُّ» في (الأنبياء)، وفي «مسلم» أيضًا، والفروة: الأرض اليابسة أو الحشيش اليابس، وقيل: سببه: أنَّه إذا جلس؛ اخضرَّ ما حوله، وقيل: إذا صلَّى؛ اخضرَّ ما حوله.
وفي اسمه أقوال؛ أحدها: بَلْيا _بموحَّدة مفتوحة، ثم لام ساكنة، ثم مُثنَّاة تحت، وبخط الدِّمياطيِّ: (يَلْيَا) انتهى_ ابن مَلْكان _بفتح الميم، وسكون اللام، وقيل: كليان_ ابن فالغ بن عابر [2] بن شالخ [3] بن أرفخشذ بن سام بن نوح.

(1/272)


وحكي أنَّه يقال له: إيليا بدل بليا، وقيل: الخضر بن عاميل، وقيل: أرميا، وبخط الدِّمياطيِّ: (أروميا) انتهى، ابن خلفيا، ووُهِّي، وقيل: إلياس، ووُهِّي أيضًا، وقيل: اليسع، ووُهِّي أيضًا، وقيل: اسمه أحمد، ووُهِّي أيضًا؛ بأنَّه لَمْ يسمَّ أحد قبل نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام [4] بذلك، وقيل: عامر، وقيل: خضرون بن قابيل بن آدم، وكنيته أبو العبَّاس، وقد روى محمَّد بن أيوب عنِ ابن لهيعة: أنَّه ابن فرعون، قال شيخنا الشارح: (وهذا بعيد، ابن لهيعة وابن أيُّوب مطعون فيهما) انتهى، وقيل في نسبه غير ما ذكرت، وقد ذكر شيخنا الشارح أقوالًا غير ذلك.
وقد اختلف هل كان وليًّا أو نبيًّا؟ وبالأوَّل جزم جماعة، واختلف القائلون أيضًا بنبوَّته هل كان مرسلًا أم لا؟ وأغرب ما قيل فيه: إنَّه من الملائكة، قال [5] النوويُّ: (وَهْوَ غريب باطل) انتهى، وقال الثعلبيُّ: (نبيٌّ على جميع الأقوال مُعمَّر، محجوب عنِ الأبصار).
واختُلف في حياته، وقد أنكرها جماعة منهم: البخاريُّ، وإبراهيم الحربيُّ، وابن المنادي، وأفردها ابن الجوزيِّ أَبُو الفرج بالتأليف، قال ابن الصلاح: (هو حيٌّ عند جماهير العلماء والصالحين، والعامَّة معهم على ذلك، وإنَّما شذَّ بإنكارها بعض المحدثين)، ونقله النَّوويُّ عَن الأكثرين، وقيل: إنَّه لا يموت إلَّا في آخر الزمان، وفي «صحيح مسلم» في حَدِيْث الدجَّال أنَّه يقتل رجلًا، ثم يحييه: قال إبراهيم بن محمَّد بن سفيان الفقيه _راوي [6] «مسلم» _: يقال: إنَّه الخضر، وكذلك قال مَعْمَر في «مسنده».

(1/273)


تنبيه: روى ابن الصلاح في بعض تخاريجه للخضر وإلياس عَن النَّبيِّ صلى الله علَيْهِ وَسَلَّم: «من كذب عليَّ متعمِّدًا» بإسناد باطل، وقد ذكرهما الذهبيُّ في الصحابة، وقال ما ذكرته من أنَّه باطل، وقد ذكر الذهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة محمَّد بن عَبْد الله الخيَّام السمرقنديِّ أبي المظفَّر، قال الذهبيُّ: (لا أدري من ذا؟ وهو القائل: سمعت الخضر وإلياس يقولان: سمعنا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «من قال عليَّ ما لم أقل؛ فليتبوَّأ مقعده من النار»، رواه العلامة أَبُو القاسم عبد الرحمن بن محمَّد الفورانيُّ، صاحب التصانيف: حدَّثنا أبُو بكر أحمد بن محمَّد بن عليٍّ الزندافغانيُّ المؤذِّن: حَدثنا أبو المظفر _ يعني: صاحبَ الترجمة_ قال: (وهذا الحَدِيْث أملاه الشيخ أَبُو عمرو بن الصلاح)، وقال: (هذا وقع لنا من نسخة من حَدِيْث الخضر وإلياس)، قال الذهبيُّ: (لا أدري من وضعها؟) انتهى كلام الذهبيِّ.
وأمَّا أنا؛ فلم أر ذكر اجتماع الخضر بالنبيِّ صلى الله علَيْهِ وَسَلَّم في حَدِيْث صحيح قطُّ، ولا عدم اجتماعهما ولا حياته ولا موته بخصوصه، وأمَّا حَدِيْث كُرْز بن وَبَرة عَنْ رجل من أهل الشام عَنْ إبراهيم التيميِّ: أنَّ الخضر علَّمه المسبعات العشر [7]، وقال في آخرها: أعطانيها محمَّد صلى الله علَيْهِ وَسَلَّم؛ فقال شيخنا العراقيُّ: (ليس له أصل) انتهى، والله أعلم.
وحديث التعزية ليس بحجَّة، وفي آخره: (وكانوا يُرَون أنَّه الخضر)، وهذا ظنٌّ لا تحقيق، وقد ذكرته في تعليقي على «سيرة أبي الفتح اليعمريِّ»؛ فانظره مِنْهُ، والله أعلم.
قوله: (إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.
قوله: (آيَةً): أي: علامة.
قوله: (وَكَانَ يَتَّبِعُ): هو بتشديد المُثنَّاة فوق وإسكانها [8]؛ لغتان.
قوله: (فَتَاهُ): هو يوشع بن نون، ونون مصروف، ونون بن إفرايم بن يوسف، وقيل في نسب يوشع غير ذلك، وفتاه: خادمه.
قوله: (إِلَى الصَّخْرَةِ): هي دون نهر الزيت بالمغرب، وقال أُبيُّ بن كعب: (إفريقيَّة)، وقال مجاهد: (بين البحرين)، قاله شيخنا الشارح، وقرأت بخطِّ الحافظ الصاحب كمال الدين ابن العديم في أوائل [9] تاريخه بحلب ما لفظه: (ذكر الصخرة، وهي بقرب أنطاكيَّة، وقيل: هي التي ذكرها الله تعالى في القرآن
[
ج 1 ص 46]

(1/274)


بقوله تَعَالَى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ} [الكهف: 63]، وقد ذكرها أَبُو زيد البلخيُّ في ذكر المدن والحصون عقيب ذكر أنطاكيَّة، فقال: (وأمَّا الصخرة؛ فإنَّها تعرف [بصخرة موسى، ويقال: إنَّ الخضر اجتمع مع] [10] موسى بن عمران في هذا الموضع) انتهى.
==========
[1] (
وقد): ليس في (ب)، (ج).
[2]
في (ب): (عابس).
[3]
في (ب): (شالغ).
[4] (
عليه الصَّلاة والسَّلام): مثبت من (ب).
[5]
في (ج): (وقال).
[6]
زيد في (ب): (حديث).
[7]
في النسخ: (العشرة): ولعل المثبت هو الصواب.
[8]
في (أ) و (ب): (وإسكان)، والمثبت من (ج).
[9]
في (ب): (أول).
[10]
ما بين معقوفين سقط من النسخ، وهو مستفاد من «المسالك والممالك».

(1/275)


[
باب قول النبي: اللهم علمه الكتاب]
(
بَابُ قَوْلِ [1] النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ») [2]
==========
[1]
في (ب): (قال).
[2]
التبويب سقط من (ج).
[
ج 1 ص 47]

(1/276)


[
حديث: اللهم علمه الكتاب]
75#
قوله [1]: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ [2]: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): هو بفتح الميمين، وإسكان العين، قال الدِّمياطيُّ: (اسمه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجَّاج ميسرة البصريُّ المقعد) انتهى.
وقد كُتِب تجاه هذا الاسم بخطِّ بعض الفضلاء من أصحابنا ما لفظه: (اسمه إسماعيل بن إبراهيم بن مَعْمَر)، وكُتِب عليه: (ينظر) انتهى، فنظرت؛ فإذا كلٌّ منهما روى عنه البخاريُّ، ولكن الظَّاهر ما كتبه الدِّمياطيُّ، ثمَّ راجعت كلام شيخنا الشَّارح؛ فرأيته قال كما قال الدِّمياطيُّ، ثمَّ بعد حين راجعت «أطراف المزِّيِّ»؛ فرأيته قد طرَّفه، ولم يسمِّه، بل ذكره بالكنية [3]، والله أعلم.
و (أبو مَعْمَر): المقعد أحد الحفَّاظ، عن عبثر [4] بن القاسم، وعبد الوارث بن سعيد فأكثر، وجرير بن عبد الحميد، وجماعة، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، ومحمد بن يحيى، وأبو ثور، وخلق، قال أحمد بن زهير عنِ ابن معين: (ثقةٌ ثبت)، وقال العجليُّ: (ثقةٌ، يرى القدر)، وقال أبو حاتم: (صدوقٌ متقنٌ، قويُّ الحديث، غير أنَّه لم يكن يحفظ، وكان له قدر عند أهل العلم)، وقال أَبُو زرعة: (كان ثقة حافظًا)، قال البخاريُّ: (مات سنة «224 هـ»)، أخرج له الجماعة.
وأمَّا إسماعيل بن إبراهيم أَبُو مَعْمَر؛ فهذليٌّ قطيعيٌّ هرويٌّ، نزيل بغداد، روى عن إبراهيم بن سعد، وابن المبارك، وهشيم، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وبقيُّ بن مَخْلَد، ومحمد بن يحيى، وأبو يعلى، وخلق، قال ابن سعد: (أبو مَعْمَر من هذيل من أنفسهم، ثقةٌ ثَبْتٌ، صاحب سُنَّة وفضل وخير) انتهى، سُنِّيٌ لم ينصفه ابن معين، توفِّي في نصف جمادى الأولى سنة (236 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.
قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ): (خالد) هذا هو خالد بن مهران الحذَّاء، أبو المُنازل_ وسيأتي ضبطه قريبًا_ البصريُّ، الحافظ ثقة إمام، توفِّي سنة (141 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد وثَّقه أحمد، وابن معين، وغيرهما، واحتجَّ به أصحاب الصحاح، وقال أبو حاتم: (لا يُحتجَّ به)، قال ابن عبد [5] الهادي شمس الدين في «اختصار طبقات الحفَّاظ» التِّي اختصرها من «طبقات الذَّهبيِّ»: (ولم يُقبل هذا القول فيه ولا في غيره من الأثبات) انتهى.
له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه، فالعمل على توثيقه.

(1/277)


تنبيه: خالد هذا اختُلف في سبب انتسابه للحذاء، فقال يزيد بن هارون: (ما حذا نعلًا قطُّ، إنَّما كان يجلس إلى حذَّاء، فنسب إليه)، وكذا قال محمَّد بن سعد: (لم يكن حذَّاء، ولكن كان يجلس إليهم)، قال: (قال فهد بن حيَّان: لم يحذ خالد قطُّ، إنَّما كان [6] يقول: احذُ على هذا النحو، فلُقِّب: الحذَّاء)، وكنيته: أبو المُنازِل؛ بضمِّ الميم، ثمَّ نون، وبعد الألف زاي؛ فاعلمه.
قوله: (الْكِتَابَ): المراد بالكتاب هنا: القرآن، والله أعلم.
==========
[1] (
قوله): مثبت من (ج).
[2]
زيد في «اليونينيَّة»: (قال)، وليست في النُّسخ و (ق).
[3]
في (ب): (بالكلية).
[4]
في (ج): (عباس).
[5]
زيد في (ب): (البر).
[6] (
كان): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 47]

(1/278)


[
باب متى يصح سماع الصغير]
قوله: (باب مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ): اعلم أنَّ في الوقت الذي يصحُّ فيه السَّماع نزاعًا بين العلماء، وهي خمسة أقوال، بل ستَّة، بل سبعة:
أحدها: ما ذهب إليه الجمهور أنَّ أقلَّه خمس سنين.
الثَّاني: اعتبار التمييز: وهو أنْ يَفهم الخطاب ويردَّ الجواب، وهذا هو الصَّواب.
الثَّالث: لا يجوز سماعه حتَّى يكون له خمسَ عشرةَ سنة.
والرَّابع: إذا فرَّق بين البقرة والحمار، وهذه الأربعة معروفة في كلام ابن الصَّلاح وغيره.
والخامس: حكاه الحافظ السِّلفيُّ وهو الفرق بين ولد العربيِّ والعجميِّ، ولفظ السِّلفيِّ: (وأكثرهم على أنَّ العربيَّ يصحُّ سماعه إذا بلغ أربع سنين، واحتجُّوا بحديث محمود بن الربيع، وأنَّ العجميَّ إذا بلغ ستَّ سنين) انتهى.
وفي المسألة قول سادس، وقد نقله شيخنا الشَّارح في «شرح التَّنبيه» له عنِ اليحصبيِّ: أنَّه إذا صار الصبيُّ يعدُّ من واحد إلى عشرين؛ فقد حصل مميِّزًا، والله أعلم.
قال شيخنا [1] في «العجالة شرح المنهاج»: وقد قرأت عليه نحو الربع [2] منها في (باب البيوع المنهيِّ عنها) ما لفظه: (وأحسن ما قيل في سنِّ التمييز: أن يصير الطفل بحيث يأكل وحده، ويشرب وحده، ويستنجي وحده)، قال هذا في قول «المنهاج»: (ويحرم التفريق بين الأمِّ والولد حتَّى يميِّز) وفي قول: (حتَّى يبلغ)، والله أعلم، وهذا سابع في المسألة.
==========
[1]
زيد في (ب): (الشَّارح).
[2]
في (ب): (أربع).
[
ج 1 ص 47]

(1/279)


[
حديث: أقبلت راكبًا على حمار أتان وأنا يومئذ .. ]
76#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو ابن أبي أويس، وكذا هو منسوب في هامش أصلنا على أنَّه نسخة، وعليها علامة راويها، وأبو أويس: تقدَّم أنَّ اسمه عَبْد الله، وإسماعيل [1]: ابن أخت مالك، تقدَّم مرَّات.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ مرارًا.
قوله: (عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ): الأتان: بفتح الهمزة، ثمَّ مُثنَّاة فوق، وهي الأنثى من جنس الحمر، ولا يُقال [2]: أتانة، وقد حكيت.
و (حمارٍ أتانٍ)؛ بتنوينهما: إمَّا على البدل، أو على الوصف، وقال بعضهم: هو وصف لـ (حمار) على معنى: صلب قويٍّ، والمراد: بدل الغلط أو بدل البعض من الكلِّ؛ إذ [3] الحمار اسم جنس يشمل الذكر والأنثى، وضُبط بالإضافة أيضًا؛ أي: حمار أنثى، وقال في «النهاية»: وإنَّما استُدرك الحمار بالأتان؛ ليعلم أنَّ الأنثى من الحمر لا تقطع الصَّلاة، وكذلك المرأة.
قوله: (نَاهَزْتُ): أي قاربت.
قوله: (فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيَّ): (يُنكر) مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
==========
[1]
زيد في (ج): (هو)، وضرب عليها في (أ).
[2]
في (أ) و (ب): (يُقل).
[3]
في (أ)، (ب): (إذا).
[
ج 1 ص 47]

(1/280)


[
حديث: عقلت من النبي مجة مجها في وجهي .. ]
77#
قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ): هذا هو محمَّد بن يوسف البخاريُّ، أبو أحمد البيكنديُّ، عنِ ابن عيينة، وأبي أسامة، ووكيع، والنضر بن شُميل، وخلق، وله رحلة واسعة، وعنه: البخاريُّ، وأحمد بن سيَّار [1]، وعبيد الله بن واصل وحريث بن عبد الرَّحمن البُخاريَّان، انفرد البخاريُّ بالإخراج له، لَمْ أر فيه تعديلًا ولا تجريحًا، والله أعلم، غير أنَّ البخاريَّ أخرج له محتجًّا به، وهذا تعديل؛ لأجل شرط البخاريِّ، والعدل [2] إذا أخرج عن شخص ليس تعديلًا لذلك الشَّخص على الصَّحيح، ولكن هذا تعديل [3] لشرط البخاريِّ [4]، والله أعلم.
وقد تقدَّم قريبًا الكلام على محمَّد بن يوسف الفريابيِّ، وعلى محمَّد بن يوسف هذا أبي أحمد البيكنديِّ البخاريِّ، وفي كم مكان أخرج البخاريُّ عن هذا البيكنديِّ؟ في الورقة التي قبل هذه [5]، والله أعلم.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ): هذا اسمه عبد الأعلى بن [6] مُسْهِر بن عبد الأعلى، أبو محمَّد الغسَّانيُّ شيخ الشَّام، عن سعيد بن عبد [7] العزيز ومالك، وعنه: ابن معين وأبو حاتم، وكان من أحفظ النَّاس وأجلِّهم وأفصحهم، جُرِّدَ للقتل على أنْ يقول بخلق القرآن، فأبى فسجن، ثقة، قال أحمد: (ما كان أثبته!)، وثناء النَّاس عليه كثير، توفِّي في رجب سنة (118 هـ)، أخرج له الجماعة.
قوله: (حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ): هو بضمِّ الزاي، واسمه محمَّد بن الوليد، أبو الهذيل الحمصيُّ القاضي، عن مكحول، والزُّهريِّ، وراشد بن سعد، وعنه: محمَّد بن حرب، ويحيى بن حمزة، ثقة، حجة، ثبت، توفِّي سنة (149 هـ)، وقيل: (148 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.

(1/281)


قوله: (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ): هذا محمود بن الربيع بن سراقة الأنصاريُّ الخزرجيُّ، توفِّي سنة (99 هـ)، وقيل: سنة (96 هـ)، وهو من بني عبد الأشهل، وقيل: من بني الحارث بن الخزرج، وقيل: إنَّه من بني سالم بن عوف، يكنَّى: أبا نعيم، وقيل: أبو محمَّد، معدود في أهل المدينة، وله حين توفِّي ثلاث وتسعون سنة، عقل المجِّة وهو ابن أربع سنين أو خمس، وهي المذكورة هنا، وكذا في «النَّسائيِّ» و «ابن ماجه» من حديثه، وقال ابن عبد البَرِّ: (ابن أربع أو خمس سنين)، والله أعلم.
غريبة: قال ابن الصَّلاح في «علومه»،
[
ج 1 ص 47]
وقد رُوِّيتُها بيني وبينه فيها اثنان، وهذا في غاية العلوِّ، قال: (بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهريِّ قال: رأيت صبيًّا ابن أربع سنين، قد حُمِل إلى المأمون، قد قرأ القرآن، ونظر في الرأي، غير أنَّه إذا جاع؛ بكى).
قال شيخنا العراقيُّ فيما قرأته عليه: (والذي يغلب على الظنِّ عدم صحَّة هذه الحكاية، وقد رواها الخطيب في «الكفاية» بإسناده، وفي سندها أحمد بن كامل القاضي، وكان يعتمد على حفظه فيهم، قال الدَّارقطنيُّ: كان متساهلًا) انتهى.
قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: أحمد بن كامل بن شجرة القاضي البغداديُّ ليَّنه الدَّارقطنيُّ وقال: كان متساهلًا ومشَّاه غيره، وكان من أوعية العلم، كان يعتمد على حفظه فيهم، انتهى.
لكنِّي أنا رأيت [8] صبيًّا من أهل المدينة المشرَّفة مع والده في سنة سبعين وسبع مئة، ووالده من أهل الحديث، يقال له الشَّيخ نور الدين الفويُّ، وقد سمعت بقراءة والده بحلب والصبيُّ في الخامسة، وقد أقرأه من آخر القرآن إلى سورة الأنبياء، وقد سأل الإمام صدر الدين الياسوفي والده بحضوري: أأكتب [9] أبا الطيِّب _ وهي كنية الصبيِّ_ سامعًا أم حاضرًا؟ فقال والده: سله، فقال له الشَّيخ صدر الدين: يا أبا الطيِّب؛ أكتبك [10] سامعًا أم حاضرًا؟ فقال في جوابه: يا سيدي؛ اكتبني سامعًا؛ لأنَّي أفهم الخطاب، وأرد الجواب، فجاء في الجزء المقروء ذكر الكوب، فقال له الشيخ صدر الدين [11] في المجلس: يا أبا الطيِّب؛ ما الكوب؟ فقال: ما لا خرطوم له ولا عروة، انتهى.

(1/282)


وقد رأيت بالقاهرة في سنة (785 هـ) أو بعدها صبيًّا مع والده، وذكروا أنَّه في الخامسة، يقال لوالده: ابن الهاشم، وهو من أهل العلم _ أعني والده_ ذكروا أنَّه حفظ القرآن و «العمدة الصُّغرى» لعبد الغني المقدسيِّ في الحديث، وأخبرني بعض الحلبيِّين العلماء من أصحابنا [12]: أنَّه عرض «العمدة» على شيخ الإسلام شيخنا [13] البلقينيِّ، انتهى.
ورأيت أنا [14] بالمدرسة السَّابقيَّة بالقاهرة صبيًّا آخر في الخامسة ومعه أبوه، والصبيُّ يقال له: ابن [15] اليمنيِّ، ووالده يقرئ الأولاد بمصر، جاء إلى شيخنا سراج الدين ابن الملقِّن الأنصاريِّ؛ ليعرض عليه «ألفيَّة ابن مالك»، وقد قرأ القرآن، (وغالب ظنِّي أنَّه عرضها بحضوري وهو لا يعرف الكتابة، غير أنَّه أيُّ بيت قال له الشَّخص عنه ويشير إليه بيده؛ يقول له: هذا كذا وكذا، وهذا) [16] من قوَّة حفظه لها في تلك النُّسخة، وقد أخذت «الألفيَّة» منه وقلت له: هذه نسختي _ألعب معه_ وما هي لك، فجاذبني النُّسخة وهمَّ عليَّ، ثمَّ إنِّي رأيته مرَّة أخرى بسوق الكتب بالقاهرة مع أبيه، وأخبرني والده أنَّه افتتح كتابًا آخر أوأنَّه ختمه، ولكن ما أعرف الآن ما الكتاب الثَّاني، والله أعلم.
قوله: (مَجَّةً مَجَّهَا): المَجَّة: الواحدة، والمَجُّ: هو إرسال الماء من الفم مع نفخ، وقيل: لا يكون مجًّا حتَّى يتباعد به.
==========
[1]
في (ب): (يسار).
[2]
في (ب): (المعدل).
[3]
في (ب): (التعديل).
[4]
في (ب): (بشرط)، وفي (ج): (لشرط للبخاري).
[5] (
هذه): ليس في (ج).
[6] (
بن): ليس في (ب).
[7] (
عبد): مثبت من (ب).
[8]
زيد في (ب): (العلماء من أصحابنا).
[9]
في (ب): (أكتب).
[10]
في (ب): (أكتب).
[11] (
صدر الدين): سقط من (ب).
[12] (
العلماء من أصحابنا): سقطت من (ج).
[13]
في (ب): (شيخنا شيخ الإسلام).
[14] (
أنا): ليست من (ج).
[15]
في (ج): (أبو).
[16]
ما بين قوسين سقط من (ب).

(1/283)


[
باب الخروج في طلب العلم]
قوله: (وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ [مَسِيْرَةَ شَهْرٍ] إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ): اعلم أنَّ من يقال له: جابر بن عبد الله من الصَّحابة أربعة أشخاص؛ جابر بن عبد الله العَبْديُّ، وجابر بن عبد الله الراسبيُّ: نزل البصرة، جاء في حديث مظلم، عن أبي شدَّاد عنه.
وجابر بن عبد الله بن رِياب بن النعمان [1] بن سنان الأنصاريُّ السَّلميُّ: أسلم مع النفر السِّتة قبل العقبة الأولى، فإن [2] شئت؛ قلت: قبل الثَّانية، وشهد بدرًا، يروي عنه: ابن عبَّاس وأبو سلمة، وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلِمة الأنصاريُّ السلَميُّ، يجتمع مع الذي قبله في غنم، وهو صاحب الرِّواية، وهو المراد هنا، شهد العقبة مع أبيه وهو صبيٌّ، وشهد أحدًا فيما قيل، وفي «صحيح مُسلم» من حديثه أنَّه لَمْ يشهد بدرًا ولا أحدًا: (منعني أبي)، وشهد ما بعدها، وشهد صفِّين مع عليٍّ رضي الله عنهما، واستغفر له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّات، أخرج لهذا الأخير الجماعة وأحمد في «المُسند»، مناقبه جمَّة، توفِّي سنة (73 هـ)، وقيل غير ذلك، والله أعلم.
ومن يقال له: عبد الله بن أنيس؛ جماعة أشخاص:
عبد الله بن أنيس بن أسعد الجهنيُّ، ثمَّ الأنصاريُّ، وهو [3] حليفهم، قال الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (وهو الذي رحل إليه جابر) المذكور هنا، عَقَبِيٌّ، روى عنه أولاده، له أحاديث، يكنَّى: أبا يحيى، أخرج له مسلم والأربعة [4]، توفِّي بالشَّام سنة ثمانين، قاله ابن يونس، وقال غيره سنة (54 هـ).
والثَّاني: عبد الله بن أنيس الأسلميُّ، قال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (وهو الذي رحل إليه جابر بن عبد الله في حديث القصاص)، فناقض ما قاله في «التذهيب»، لكن قال في «التذهيب» بعد الجهنيِّ: (عبد الله بن أنيس الأنصاريُّ والد عيسى، فرَّق بينه وبين الجهنيِّ ابن المديني وخليفة وغيرهما) انتهى.
وعبد الله بن أنيس الزُّهريُّ: روى عبد الله بن العمريُّ عنِ ابنه [5] عيسى عنه، وإنَّما هو الجهنيُّ.
وعبد الله بن أنيس أو أنس، قيل: هو الذي رمى ماعزًا لمَّا رجموه، فقتله.

(1/284)


ولهم شخص آخر ذكره الذَّهبيُّ في «تجريده» [فقال ما لفظه: (قال الوليد بن مسلم: حدَّثنا داود بن عبد الرَّحمن المكيُّ، عن عبد الله بن محمَّد بن عقيل، عن جابر: سمعت حديثًا في القصاص لم يبق أحد يحفظه إلَّا رجل بمصر] [6] يقال له: عبد الله بن أنيسة) انتهى.
وعبد الله بن أنيس العامريُّ له وفادة، لكن ذلك من رُوَّاته يعلى بن الأشدق، وعبد الله بن أنيس قُتِل يوم اليمامة.
قوله: (فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ [7]): اعلم أنَّ الحديث الذي رحل إليه جابر في القصاص قد ذكره البخاريُّ في (كتاب التوحيد) في (باب قول الله تعالى: {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أُذِنَ لَهُ} [سبأ: 23])، فقال: ويذكر عن جابر بن عبد الله، عن عبد الله بن أنيس: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «يحشر الله العباد، فيناديهم بصوت يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب: أنا الملك أنا الديَّان»، لَمْ يزد البخاريُّ على هذا، فذكره معلَّقًا ممرَّضًا، فجزم هنا بالرحلة دون الحديث هناك، وإلا [8]؛ يشكل على ما تقرَّر في تعليقاته.
وهو بعض حديث أخرجه أحمد في «مسنده»، (وكذا الحارث ابن أبي أسامة، وفي سنده في «مسند أحمد»: القاسم بن عبد الواحد، عن عبدالله بن محمَّد بن عَقِيل، وليس هما من شرط البخاريِّ، وكذا عبد الله هو في «مسند الحارث»، وفي «مسند أحمد» زيادة على ما في «مسند الحارث») [9]، ولفظ الحارث: «يحشر الله العباد، _أو قال: الناس، شكَّ همَّام_، وأومأ بيده إلى الشام , عراة غرلًا بُهْمًا»، قال: ما بُهْمًا؟ قال: «ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد ومن قرب: أنا الملك أنا الدَّيَّان لا ينبغي لأحد من أهل الجنَّة أنْ يدخل الجنَّة وأحد من أهل النَّار يطلبه بمظلمة حتَّى اللطمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنَّة [10] يطلبه بمظلمة حتَّى اللطمة»، قال: قلنا: كيف وإنَّما نأتي الله عراة حفاة؟ قال: «بالحسنات والسيِّئات»، قال القرطبيُّ في «تذكرته»: هذا الحديث الذي أراد البخاريُّ بقوله: (ورحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد) انتهى.

(1/285)


وفي «المسند» عن جابر: (فاشتريت بعيرًا' ثمَّ شددت عليه رحلي، ثمَّ سرت شهرًا حتَّى قدمت عليه الشَّام، فإذا عبد الله بن أنيس)، ثمَّ إنِّي رأيت الحديث في (كتاب الأهوال) من «المستدرك» وقال: صحيح، وأقرَّه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، ولكن ليس فيه المرحول إليه، إنَّما قال: (رجل من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، ووقع في بعض شروح «البخاريِّ»: أنَّ الحديث الذي رحل [11] جابر بسببه إلى عبد الله بن أنيس: هو حديث الستر على المسلم.
قال شيخنا الشَّارح: (وفيه نظر، بل المعروف أنَّ ذاك [12] رحل فيه أبو أيُّوب إلى عقبة بن عامر، كما أخرجه الحاكم) انتهى، (وفي ذلك نظر كما يأتي عقيب ذلك) [13].
وقد أخرج رحلةَ أبي أيُّوب إلى عقبة بن عامر الحاكمُ، كما قال شيخنا [14]، ولفظه: أنَّ أبا أيُّوب ركب إلى عقبة بن عامر إلى مصر في حديث، وله أيضًا: أنَّ عقبة بن عامر أتى مسلمة بن مُخَلَّد، وهو أمير مصر في حديث آخر، وكلاهما منقطع، قاله شيخنا العراقيُّ، انتهى.
ورأيت في أوَّل «سداسيات الرازيِّ» تخريج السبعيِّ [15]: أنَّ جابر بن عبد الله رحل إلى مسلمة بن مُخَلَّد في حديث واحد، ولم يعيِّن الحديث، انتهى.
[
وفي «جمع شيخنا الحافظ الهيثميِّ لمعجمي [16] الطَّبرانيِّ الصَّغير والكبير»: (عن مسلمة بن مُخَلَّد قال: بينا أنا على مصر؛ إذ أتاني البوَّاب فقال: إنَّ أعرابيًّا على الباب على بعير يستأذن [17]، فقلت: من أنت؟ قال: أنا جابر بن عبد الله الأنصاريُّ، قال: فأشرفت عليه، فقلت: أنزل إليك أم تصعد؟ قال: لا تنزل ولا أصعد، حديث بلغني عنك أنَّك ترويه عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ستر المؤمن، جئت أسمعه ... )؛ فساق حديث الستر على المؤمن، قال الطَّبرانيُّ عقيبه: لَمْ يروه عن (رجاء بن حيوة) [18] إلا أبو سنان، تفرَّد به ابن أبي عائشة [19]] [20].
ورحل رجل من الصَّحابة إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر في حديث سمعه معه من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، رواه الدارميُّ في «سننه» المشهورة بـ «المسند» في (باب الرحلة في طلب العلم) في أوائل «السُّنَّن» بإسناد فيه يزيد [21] بن هارون عنِ الجريريِّ؛ وهو سعيد بن إياس، وقد أخرج له مسلم، وقال بعضهم: إنَّه سمع سعيدًا بعد التغيُّر، والله أعلم.

(1/286)


[
حديث: في رحلة سيدنا موسى إلى سيدنا الخضر]
78#
قوله: (حَدَّثَنَا [أَبُو الْقَاسِمِ] خَالِدُ بْنُ خَلِّي): هو _بفتح خاء (خَليٍّ)، ثمَّ لام، وفي آخره ياء مشدَّدة تشبه النسبة، وهو بوزن: (عَليٍّ) _ الكلاعيُّ القاضي، روى عنه: البخاريُّ، وأبو زرعة الدِّمشقيُّ، وغيرهما، أخرج له البخاريُّ والنَّسائيُّ،
[
ج 1 ص 48]
قال البخاريُّ: (صدوق)، وقال النَّسائيُّ: (ليس به بأس)، وذكره ابن حبَّان في «الثِّقات»، ولَّاه المأمون القضاء.
قوله: (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ): هو أبو عمرو عبد الرَّحمن بن عمرو بن يحمد [1] الأوزاعيُّ، شيخ الإسلام، وأحد الأعلام، الحافظ الفقيه الزَّاهد، رأى ابن سيرين، ورَوى عن عطاء، ومكحول، ومحمد بن إبراهيم التيميِّ، وعنه: قتادة، ويحيى ابن أبي كثير، والزُّهريُّ، وهم من شيوخه، وأبو عاصم، والفريابيُّ، وأمم، وكان رأسًا في العلم والعبادة، مات في الحمام في صفر سنة (157 هـ) ببيروت، أخرج له الجماعة، قال [2] أبو زرعة الدمشقيُّ: (كان اسمه عبد العزيز، فسمَّى نفسه عبد الرَّحمن، وكان أصله من سباء السند، وكان ينزل الأوزاع، فغلب ذلك عليه)، وقال ابن زَبْر وغيره: (والأوزاع: موضع مشهور بربض دمشق يعرف بالأوزاع، سكنه في صدر الإسلام بقايا من سبايا شتَّى)، وقال بعضهم: (الأوزاع: قرية بدمشق إذا خرجت من باب الفراديس)، فعرض هذا على ابن جوصا؛ فلم يرضه، وقد أفتى الأوزاعيُّ في سبعين ألف مسألة أو نحوها، قال الوليد بن مزيد: (مولده ببعلبكِّ، ومنشؤه بالبقاع، ثمَّ نقلته أمُّه إلى بيروت، مناقبه كثيرة)، قال ابن سعد: (ثقة مأمون صدوق).
قوله: (أَخْبَرَنَا [3] الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا [4] أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب.
قوله: (تَمَارَى): أي: تجادل، يقال: ماريت الرجل أماريه [5] مراء؛ إذا جادلته.
قوله: (هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا.
قوله: (إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ): تقدَّم أنِّي لا أعرف اسمه.
قوله: (هَلْ تَعْلَم أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا): سيأتي عليه كلام في (باب ما يستحبُّ للعالم إذا سئل: أي النَّاس أعلم؟) إن شاء الله تعالى قريبًا.
قوله: (خَضِرٌ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا، وما يتعلَّق به.
قوله: (آيَةً): تقدَّم أنَّه علامة.
قوله: (أَثَرَ الْحُوتِ): الأثر: بفتح الهمزة والثَّاء المثلَّثة، وبكسر الهمزة وإسكان المثلَّثة.

(1/287)


قوله: (فَقَالَ فَتَى مُوسَى): تقدَّم أنَّه يوشع بن نون، وتقدَّم نسبه، وأنَّ نونًا مصروف، وتقدَّم أنَّه خادمه.
قوله: (إِلَى الصَّخْرَةِ): تقدَّم الكلام في أين هي قريبًا.
==========
[1] (
بن يحمد): سقطت من (ب).
[2]
في (ج): (وقال).
[3]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[4] (
مرارًا) سقط من: (ب).
[5]
في (ب): (ماريته).

(1/288)


[
باب فضل من علم وعلم]

(1/289)


[
حديث: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم]
79#
قوله: (عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ): هو بضمِّ الموحَّدة وفتح الرَّاء تقدَّم، هو حفيد أبي بردة الآتي.
قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ): هذا قاضي الكوفة، اسمه: الحارث أو عامر، يروي عن أبيه أبي موسى الأشعريِّ، وعليٍّ، والزُّبير، وعنه: بنوه عبد الله، ويوسف، وسعيد، وبلال، وحفيده بريد المذكور قبله، وكان من نبلاء العلماء، توفِّي سنة (104 هـ)، أخرج له [1] الجماعة، وثَّقه غير واحد، وقد تقدَّم.
قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): هوعبد الله بن قيس بن سُليم بن [2] حضَّار تقدَّم رضي الله عنه.
قوله: (فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ [3]): هي بفتح النُّون، وكسر القاف، ثمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، كذا في أصلنا، قال ابن قُرقُول في (الثَّاء المثلَّثة مع الغين المعجمة): («وكان منها ثَغْبة»: كذا ذكره بعضهم عنِ البخاريِّ، ولم يروه، وفسَّره بمستنقع الماء في الجبال، وهو تصحيف، وقلب للتمثيل؛ لأنَّه إذا جعل هذا المثل فيما ينبت، والثّغبة لا تنبت، والذي رُوِّيناه من طرق البخاريِّ كلِّها: «فكان منها نقيَّة» مثل قوله في «مسلم»: «طائفة طيِّبة قبلت الماء»، وذكر بعضهم: «فكان منها بقعة»، والصَّحيح: ما رُوِّيناه «نقيَّة» كما قيَّدته أوَّلًا) انتهى.
والثغَب؛ بفتح الغين المعجمة وتسكَّن: الغدير يكون في ظل جبل لا تصيبه الشَّمس، فيبرد ماؤه، والجمع: ثِغبان، فالمفرد (ثغْب)؛ بالسكون ويحرك [4]، والجمع: ثِغاب، وأثغاب، وثِغبان وثُغبان؛ بالكسر والضَّم.

(1/290)


قوله: (قَبِلَتِ الْمَاءَ): هو بفتح القاف، ثمَّ موحَّدة مكسورة، قال ابن قُرقُول: (كذا في «البخاريِّ» في أوَّل الحديث، ثمَّ قال في آخره: «وقال إسحاق: قيَّلت» كذا قيده الأصيليُّ هنا، قال الأصيليُّ: (و «قيَّلت» تصحيف من إسحاق، وإنَّما هو «قبلت»)، قال غيره [5]: ومعنى (قيَّلت): شربت، والقيل: شرب نصف النهار، يقال: قيَّلت الإبل؛ إذا شربت نصف النهار، وهو القائلة، وقيل: معنى (قيَّلت): جمعت وحبست، قال القاضي: (وقرأت بخطِّ أبي عبيد البكريِّ، قال أبو بكر: تقيَّل الماء في المكان المنخفض: اجتمع فيه)، قال القاضي: (ليس المراد عندي جمع الماء فقط للانتفاع به؛ فإنَّه قد ذكر هذا في الطَّائفة الثَّانية، وإنَّما معناه هنا: أنَّها جمعته ورويت مِنْهُ، كما قال بإثر كلامه هذا: «فأنبتت الكلأ والعشب»، وإذا تقرَّر هذا؛ فقد روى سائر الرُّواة غير الأصيليِّ «قبلت» في الموضعين؛ أوَّل الحديث وقول إسحاق، وكذا رواه النسفيُّ) انتهى.
وهذا الأخير ليس بظاهر، وإذا كان كما قال في الأصول؛ فإنَّه لا بدَّ لإسحاق أنْ يكون مخالفًا للرواية التِّي ساقها البخاريُّ أوَّلًا، ورأيت [6] في حاشية عنِ الدِّمياطيِّ: (قول إسحاق «قيَّلت» تصحيف، وقيل: معنى «قيَّلت»: جمعت وحبست) انتهى.
وعن شيخنا العراقيِّ: (والصَّواب: أنَّها «قبلت»؛ بالموحَّدة، وأمَّا «قيَّلت» _بالمثنَّاة المشددة_؛ فانفرد بها الأصيليُّ، وقيل: معناها: أمسكت) انتهى.
وسيأتي هل هو إسحاق أو ابن إسحاق بُعَيدَ هذا، والله أعلم.
قوله: (الْكَلأَ): هو مقصور مهموز، يقع على الرطب واليابس من النبات، والخَلَى _بالفتح وفتح الخاء، مقصور_ على الرطب، وقال بعضهم: يقع على اليابس، وهو ضعيف.

(1/291)


قوله: (أَجَادِبُ): هو بالجيم والدَّال المهملة، جمع جدب، على غير قياس، وقياسه أن يكون جمع أجدب، وفيه رواية ثانية: بالمعجمة، حكاها في «المطالع» والخطَّابيُّ، وقال: (هي صلاب الأرض التي تمسك الماء)، قال القاضي: (لَمْ يُرْوَ هذا الحرفُ في «مسلم» وغيره إلَّا بالدَّال المهملة من الجدب الذي هو ضدُّ الخِصب، وصحَّفه بعضهم، فقال: أحارب؛ بالحاء والرَّاء المهملتين، وليس بشيء كما قاله الخطَّابيُّ)، وقال بعضهم: (أجارد): بالجيم، والرَّاء، والدَّال، وهو صحيح المعنى إن ساعدته الرِّواية، قال الأصمعيُّ: (الأجارد من الأرض: التِّي لا تُنْبِت الكلأَ؛ معناه: أنَّها جرداء بارزة لا يسترها النبات)، وقال بعضهم: إنَّما هي (إخاذات)؛ بالخاء والذَّال المعجمتين، سقط منها الألف، جمع إخاذة؛ وهي المساكات التِّي تمسك الماء؛ كالغدران، انتهى.
[
ج 1 ص 49]
ما قاله شيخنا الشَّارح.
قوله: (وَزَرَعُوا): كذا في أصلنا، قال في «المطالع»: (وفي «الفضائل»: «فسقوا ورعوا»، كذا لكافَّتهم، وفي (كتاب العلم) من «البخاريِّ»: «وزرعوا»، والأوَّل أوجه، وفي رواية بعضهم: «ووعوا»؛ بالواو، وهو تصحيف) انتهى.
قوله: (قِيعَانٌ): بكسر القاف، واحدها: قاع؛ وهو المستوى الواسع من الأرض، وقد يجتمع [7] فيه الماء، وقيل: هي أرض فيها رمل، وقيل غير ذلك.
قوله: (كَلأً): تقدَّم قريبًا أنَّه مهموز مقصور، وتقدَّم ما هو.
قوله: (مَنْ فَقُهَ): هو بضمِّ القاف أشهر من كسرها.
قوله: (قَالَ ابنُ [8] إِسْحَاق [9]): كذا في أصلنا: (ابن إسحاق)، و (ابن) مخرَّجة في الهامش، وعليها (صح)، وفي نسخة الحافظ الدِّمياطيِّ: (قال إسحاق)، فإسحاق غير منسوب؛ كما وقع في نسخة الدِّمياطيِّ، قيل: ابن راهويه، وقال شيخنا الشَّارح: («قال إسحاق»: كذا وقع غير منسوب في غير ما موضع، وهو من المواضع المشكلة في «البخاريِّ»، وهو يروي عن إسحاق جماعة، وقيل: إنَّه ابن راهويه، قال أَبُو عليٍّ الجيَّانيُّ: «روى البخاريُّ عن إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ، وإسحاق بن إبراهيم السعديِّ، وإسحاق بن منصور الكوسج عن حماد بن أسامة، ورَوى مسلم أيضًا عن إسحاق بن منصور الكوسج عن حمَّاد أيضًا». هذا كلامه، وإسحاق هذا لا يخرج عن أحد هؤلاء، ويظهر أن يكون ابن راهويه) انتهى.

(1/292)


ووقع في بعض النُّسخ: (ابن إسحاق)، كما وقع في أصلنا، فعن شيخنا العراقيِّ: الصَّواب: ما في أكثر الأصول، يعني: إثبات (ابن)، قال: (فإنَّ ابن إسحاق قد [10] علَّق عنه البخاريُّ في عدَّة مواضع) انتهى.
فائدة: معنى الحديث: أنَّ الأرض ثلاثة أنواع، وكذلك الناس؛ فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتًا، ويُنبِتُ الكلأَ، فينتفع به الناس والدَّوابُّ بالشَّرب والرعي والزرع وغيرها، وكذا النوع الأوَّل من الناس: يبلغه الهدى والعلم، فيحفظه فيحيا قلبه به، ويعمل به ويعلِّمه غيره، فينتفع وينفع.
والنوع الثَّاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها، لكن فيها فائدة، وهو إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدَّوابُّ، وكذا النوع الثَّاني من الناس: لهم قلوب حافظة، لكن ليست لهم أفهام ثاقبة، ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون [11] به المعاني والأحكام، وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتَّى يأتي طالب محتاج متعطِّش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع، فيأخذه منهم فينتفع به، فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثَّالث: الأرض السباخ التِّي لا تنبت ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء، ولا تمسكه؛ لينتفع به غيرها، وكذا النوع الثَّالث من الناس: ليست لهم قلوب حافظة، ولا أفهام واعية، فإذا سمعوا العلم؛ لا ينتفعون به ولا يحفظونه؛ لينتفع غيرهم، والله أعلم، قاله النَّوويُّ في «شرحه لمسلم».
==========
[1] (
له) سقطت من (ج).
[2] (
بن) سقطت من (ب).
[3]
في هامش (ق): (قال أبو ذر: صوابه: بقعة).
[4]
في (ج): (وتحرك).
[5]
في (ج): (عروة).
[6]
في (ب): (ورأيته).
[7]
في (ب): (يجمع).
[8] (
ابن): ليس في «اليونينيَّة».
[9]
في هامش (ق): (قال شيخنا: الصواب ما في أكثر الأصول: (قال ابن إسحاق) [فقد علق] عنه البخاري في [عدة مواضع]، والصواب: [«قبلت»] بالموحدة، وأمَّا قيَّلت» بالمثناة تحت] المشددة؛ فانفرد بها [ ... ]، وقال: معناها [ ... ]).
[10] (
قد): ليس في (ج).
[11]
في (ب): (فيستنبطون).

(1/293)


[
باب رفع العلم وظهور الجهل]
(
بابُ رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ) ... إلى (باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ)
سؤال: إن قلت: ما وجه قول ربيعة الآتي [1] من رفع العلم؟
الجواب: ما قاله ابن المُنَيِّر: (وجهه أنَّ صاحب الفهم إذا ضيَّع نفسه فلم يتعلَّم؛ أفضى إلى رفع العلم؛ لأنَّ البليد لا يقبل العلم، فهو عنه مرتفع، فلو لَمْ يتعلم الفهِم؛ لارتفع العلم عنه أيضًا، فيرتفع عمومًا، وذلك من الأشراط التي [2] لا تقارن في الوجود إلَّا شرار الخلق فعلى الناس أن يتَّقوها ما أمكن) انتهى.
وقال شيخنا الشَّارح: (ويحتمل أنَّ المراد به: أنَّ العالم ينبغي له تعظيم العلم بألَّا يأتي أهل الدنيا إجلالًا له، فإنَّه إذا أكثر منهم؛ أدَّاه ذلك إلى قلَّة الاشتغال والاهتمام به، ويحتمل أنَّ من هذا حاله لا يضيِّع نفسه بأن يجعله للأغراض الدنيويَّة، بل يقصد به الإخلاص؛ لتحصل له الثمرات الأخرويَّة، فيكون جامعًا للعلم والعمل به) انتهى.
وقال ابن قُرقُول: (أنْ يضيَّع نفسه: يهينها؛ أي: لا يأتي بعلمه أهل الدنيا ويتواضع لهم، ويحتمل أن يريد إهمال نفسه، وترك توقيرها، وتضييع ما عنده من علم حتَّى لا ينتفع به) انتهى.
قوله: (وَقَالَ رَبِيعَةُ): هو ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن فَرُّوخ _بفتح الفاء، وتشديد الرَّاء المضمومة، وفي آخره خاء معجمة، غير مصروف؛ للعجمة والعلمية_ مولى آل المنكدر، فقيه المدينة المشرَّفة، أبو عثمان، صاحب الرأي، عنِ السائب بن يزيد، وأنس، وابن المُسَيّب، وعنه: مالك، واللَّيث، والدراورديُّ، وغيرهم، توفِّي بالأنبار، وقيل: بالمدينة سنة (136 هـ)، وثَّقه أحمد وابن حبَّان، وقد اختلط، وقد ذكرته في كتاب «الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط»؛ فانظره، فإنِّي ذكرت جماعة كثيرة، وهو قابل للزيادة، وله ترجمة في «الميزان»، أخرج له الجماعة.
قوله: (أنْ يُضِيْعَ [3]): هو بتخفيف الياء [4]، وهي لغة القرآن، ويجوز تشديدها.

(1/294)


[
حديث: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ... ]
80#
قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): هو بمثنَّاة [1] فوق مفتوحة، ثمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، وفي آخره حاء مهملة، تقدَّم أنَّ اسمه يزيد بن حميد، وتقدَّم عليه كلام.
قوله: (مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ): تقدَّم الكلام ما هي الأشراط؛ فانظره.
قوله: (وَتُشْرَبَ الخَمْرُ): هو بالتَّاء؛ لأنَّها مؤنَّثة، ويجوز (يشرب)؛ بالمثنَّاة تحت؛ لأنَّها قد تذكَّر، واعلم أنَّ اللُّغة الفصيحة المشهورة: تأنيثها، وذكر أبو حاتم السجستانيُّ في كتاب «المذكَّر والمؤنَّث» في موضعين مِنْهُ: أنَّ قومًا فصحاء يذكِّرونها، قال: (وسمعت ذلك ممَّن أثق به منهم)، وذكرها أيضًا غيره فيما فيه اللغتان كابن قتيبة، ولا يقال: خمرة في اللُّغة الفصيحة، والله أعلم.
==========
[1]
في (ب): (بضم المثناة)، وليس بصحيح.
[
ج 1 ص 50]

(1/295)


[
حديث: من أشراط الساعة أن يقل العلم]
81#
قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى): يحيى هذا هو يحيى بن سعيد القطَّان فيما ظهر لي، والله أعلم، ووالد سعيد اسمه فرُّوخ؛ الحافظ الكبير، تقدَّم.
قوله: (أَشْرَاط السَّاعَة): تقدَّم الكلام على الأشراط في أوَّل هذا التَّعليق؛ فانظره إن أردته.
قوله: (الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ): قال في «النهاية»: (قيِّم المرأة: زوجها؛ لأنَّه يقوم بأمرها وما تحتاج إليه) انتهى، ويحتمل _والله أعلم_ أنَّه [2] يكون لهنَّ قيِّم واحد؛ أي: شخص واحد يقوم بأمورهنَّ وتدبيرهنَّ في جميع أحوالهنَّ، لا أنَّه يتزوَّج بهنَّ، فإن كان ما قاله ابن الأثير مراد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيكون هذا حين لا يقال في الأرض: الله الله، قلته تفقُّهًا، ثمَّ إنِّي رأيت القرطبيَّ في «تذكرته» ذكر القولين بمعناهما، ثم قال: (والأول أشبه)؛ يعني: القول بأنَّه يقوم بأمورهنَّ لا أنَّه يتزوَّج بهنَّ، والله أعلم.
==========
[1]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
في (ج): (أن).
[
ج 1 ص 50]

(1/296)


[
باب فضل العلمِ]
قوله: (باب فَضْلِ الْعِلْمِ): سؤال: إن قلت: ما وجه الفضيلة في الحديث؟
فالجواب: ما قاله ابن المُنَيِّر قال: (قلت: لأنَّه عبَّر به عنِ العلم بأنَّه فضلة [1] النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونَصيب ممَّا آتاه الله، وناهيك به فضلًا، فإنَّه جزء من النُّبوَّة) انتهى.
==========
[1]
في (ب): (فضيلة).
[
ج 1 ص 50]

(1/297)


[
حديث: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن]
82#
قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ [1]): تقدَّم أنَّه بضمِّ العين المهملة، وفتح الفاء، وأنَّه جدُّ سعيد قريبًا.
قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هذا هو ابن سعد، العالم [2] الفرد، الذي قال فيه الشَّافعيُّ: (اللَّيث أفقه من مالك، لكنَّ أصحابه أضاعوه)، ترجمته معروفة.
قوله: (حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ): تقدَّم أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وهو ابن خالد، وتقدَّم بعض ترجمته، وليس في «البخاريِّ» من يقال له: عقيل سواه، وله [3] في «مسلم» أيضًا، وتقدَّم أنَّ في «مسلم»: عُقيل القبيلة، وفيه أيضًا: يحيى بن عُقيل، وليس لهذا في «البخاريِّ» شيء.
فالحاصل: أنَّه ليس في «البخاريِّ» من يقال له: عُقيل؛ بالضَّمِّ سوى ابن خالد المذكور، والله أعلم.
[
ج 1 ص 50]
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا [4] أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم.
قوله: (أُتِيتُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
قوله: (حَتَّى إِنِّي): هو بكسر همزة (إني)؛ لوقوعها بعد (حتى) الابتدائية.
قوله: (لَأَرَى): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه من رؤية العين.
قوله: (الرِّيَّ): هو بكسر الرَّاء، مشدَّد الياء، وحَكى الجوهريُّ وغيره: (ورَيًّا)؛ بفتح الرَّاء، قال الجوهريُّ: (رَوِيت من الماء؛ بالكسر أروَى رِيًّا ورَيًّا، ورِوًى أيضًا؛ مثل: رضًا، وارتويت وتروَّيت؛ كلُّه بمعنًى) انتهى، يقال: رَوِي من الماء والشَّراب _بكسر الواو_ يَروَى _ بفتحها_ رِيًّا؛ بالكسر في الاسم والمصدر، وقال الدَّاوديُّ: (رَيًّا)؛ بالفتح في المصدر، حكاه ابن قُرقُول عنه.
قوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: أي: منهم الصدِّيق، وعزا ذلك، ولم أره ذكره في هذا الباب، إنَّما ذكره في مكان آخر.
قوله: (قَالَ: الْعِلْمَ): هو بالنصب، وكذا هو في أصلنا، ويجوز رفعه.
فائدة [5]: إن قلت: كيف عبَّره بالعلم؟
والجواب: لأنَّه أوَّل شيء يناله المولود من طعام الدنيا، وبه تقوم حياته كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو مناسب للعلم من هذه الجهة، وقد يدلُّ على الحياة وعلى الثواب؛ لأنَّه من نعيم الجنَّة إذا رأى نهرًا من لبن، وقد يدلُّ على المال الحلال، وإنَّما أوَّلَه صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر بالعلم؛ لصحَّة فطرته ودِينه، والعلم [6] زيادة في الفطرة، قاله شيخنا الشَّارح بمعناه.
==========

(1/298)


[1]
في هامش (ق): (وهو صاحب مالك بن أنس).
[2]
زيد في (ج): (المشهور).
[3]
في (ج): (وليس).
[4] (
مرارًا): ليس في (ب).
[5]
كتب في هامش (أ): (مطلب: لم عبر اللبن بالعلم؟).
[6]
في (ج): (فالعلم).

(1/299)


[
باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها]
قوله في التَّبويب: (عَلَى الدَّابَّةِ): لَمْ يُذكَر في الحديث أنَّه كان على دابَّة؛ ليطابق التَّبويب، لكنَّه ذكره في (الحجِّ)، وفيه: أنَّه كان على ناقته عندما سئل.
==========
[
ج 1 ص 51]

(1/300)


[
حديث: أن رسول الله وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه ... ]
83#
قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): [تقدَّم أنَّه ابن أبي أويس ابن أخت مالك الإمام مرارًا، وقدَّمت أنَّ أبا أويس اسمه عبد الله.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ)] [1]: تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ مرارًا، وأنَّه أبو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ): كذا في أصلنا بغير ياء، وقد تقدَّم أنَّ النَّوويُّ قال: (إنَّ الصَّحيح في «العاصي» و «ابن أبي الموالي» و «ابن الهادي» و «اليماني» إثباتُ الياء)، وتُذكَر هنا زيادةٌ؛ لأنَّه وقع هنا منسوبًا إلى (العاصي)؛ وهو أنَّ أبا عمرو بن الصَّلاح قال في الكلام على المسلسل بالأوَّلية الذي أفرده بالتأليف _وقد روِّيته من طريقه وبيني وبينه فيه شخصان وهذا عالٍ_ ما لفظه: (العاصي: يقوله كثير من أهل الضَّبط في حالة الوصل بالياء، جريًا على الجادَّة، والمتداول والمشهور حذف الياء، وهو أشكل [2] على من استطرف من العربية ولم يُوغِلْ، وربَّما أنكروه، ولا وجه لإنكاره، فإنَّه لغة لبعض العرب، شُبِّه فيها ما فيه الألف واللَّام بالمنوَّن؛ لما بينهما من التعاقب، وبها قرأ عدَّة من القرَّاء السبعة؛ كما في قوله تعالى: {الكَبِيرُ المُتَعَالِ} [الرعد: 9] وشبهه، والله أعلم) انتهى، وقد تقدَّم كلام النَّوويِّ أعلاه.
وقد [3] أثبت الياء في {المتعالي} في الحالين ابنُ كثير، وحذفها فيهما الباقون.
قوله: (بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ): وذكر في موضع آخر: (أنَّ ذاك حال خطبته يوم النحر)، وفي موضع آخر [4]: (رأيته عند الجمرة)، فيحتمل _والله أعلم_ أن تكون الواقعة واحدة؛ لأنَّ الجمرة والخطبة كلاهما بمنًى، وأنَّ تكون متعدِّدة بأن يكون السؤال وقع مرَّة في منًى، ومرَّة في الخطبة، ومرَّة عند الجمرة، وفي موضع آخر من حديث ابن عبَّاس رَضِيَ الله عنهما: (رميت بعدما أمسيت)، وهو دالٌّ على التعدُّد، والله أعلم.
قوله: (فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ): هذا الرجل لا أعلم أحدًا سمَّاه، والله أعلم.
قوله: (لَمْ أَشْعُرْ): أي: لَمْ أعلم.
قوله: (وَلاَ حَرَجَ): أي: لا إثم عليك فيما فعلت.
قوله: (قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ): هما مبنيَّان لما لَمْ يسمَّ فاعلهما.
==========
[1]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[2]
في (ج): (يشكل).

(1/301)


[3]
كتب في هامش (أ): (مطلب: لم تثبت الياء في {المتعال} وحُذِفت).
[4] (
آخر): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 51]

(1/302)


[
باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس]

(1/303)


[
حديث: أن النبي سئل في حجته فقال: ذبحت قبل أن أرمي]
84#
قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): هذا هو ابن خالد، وليس في «البخاريِّ»: وهيب _ مصغَّر_ راوٍ سواه، وهو باهليٌّ مولاهم، الكرابيسيُّ الحافظ، عن أيُّوب، ومنصور، وعنه: عفَّان، وهدبة، وعبد الأعلى بن حمَّاد، قال ابن مهديٍّ: (كان من أبصرهم بالحديث والرجال)، وقال أبو حاتم: (ثقة)، يقال: لم يكن بعد شعبة أعلم بالرجال منه، مات سنة (165 هـ)، وله ثمان وخمسون سنة، أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ ثَبْتٌ كثير الحديث.
قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَيُّوبُ): هذا هو ابن أبي تميمة السختيانيُّ الإمام، واسم أبي تميمة كيسان، قال شعبة: (ما رأيت مثله)، كان سيَّد الفقهاء، توفِّي سنة (131 هـ)، وهو تابعيٌّ صغير، رأى أنسًا، وسمع من أمِّ خالد بنت خالد بن سعيد بن العاصي، أخرج له الجماعة.
قوله: (فَأَوْمَأَ): هو مهموز الآخر، يقال: أومأ وومأَ؛ لغتان.
==========
[1]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[
ج 1 ص 51]

(1/304)


[
حديث: يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن]
85#
قوله: (أَخْبَرَنَا [1] حَنْظَلَةُ): هو ابن (أبي سفيان بن عبد الرَّحمن بن) [2] صفوان بن أميَّة الجمحيُّ المكيُّ، من الأثبات، توفِّي سنة (151 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (عَنْ سَالِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): هذا هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، أحد الفقهاء السبعة على قول، يروي عن أبيه، وأبي هريرة، وعنه: الزُّهريُّ، وصالح بن كيسان، قال مالك: (لَمْ يكن أحد في زمن سالم أشبه مَن مضى في الزهد والفضل والعيش الخشن منه)، توفِّي سنة ستٍّ، وقيل: سنة سبع ومئة، أخرج له الجماعة.
قوله: (الْهَرْجُ): هو بفتح الهاء، وإسكان الرَّاء، ثمَّ جيم، فسَّره في الحديث في هذا الكتاب: بالقتل بلغة الحبشة [في غير هذا المكان، فقوله: (بلغة الحبشة)] [3]: هو من بعض الرُّواة، وإلَّا؛ فهي عربيَّة صحيحة، والهرج: الاختلاط.
==========
[1]
في النسخ: (حدثنا)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[3]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[
ج 1 ص 51]

(1/305)


[
حديث: ما من شيء لم أكن أريته إلا رأيته]
86#
قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن خالد، وأنَّه ليس في «البخاريِّ»: وهيب راوٍ مصغَّر سواه.
قوله: (حَدَّثَنَا [1] هِشَامٌ): هذا هو ابن عروة، مشهور التَّرجمة، أخرج له الجماعة، ثقةٌ ثَبْتٌ حجَّة [2]، له ترجمة في «الميزان»، تناقص حفظه ولم يختلط، وهو شيخ الإسلام، توفِّي سنة (145 هـ)، وقيل غير ذلك، وانظر ترجمة ابن إسحاق من «التذهيب»، فإنَّ فيها شيئًا يتعلَّق بهشام.
قوله: (عَنْ فَاطِمَةَ): فاطمة هذه هي بنت المنذر بن الزُّبير بن العوَّام، زوج هشام المشار إليه، روت عن جدَّتها أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما، وأمِّ سلمة، وعنها: زوجها، ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب «المغازي»، وقد قامت على روايته عنها القيامة، ونُسِب إلى ما نُسِب إليه من الكذب، وهي تابعيَّة ثقة،
[
ج 1 ص 51]
أخرج لها الجماعة.
قوله: (عَنْ [3] أَسْمَاءَ): هذه هي بنت أبي بكر الصدِّيق، أمُّ عَبْد الله بن الزُّبير، مهاجريَّة جليلة، وهي ذات النطاقين، مناقبها كثيرة مشهورة؛ فلا نطوِّل بها، روى عنها: ابناها عَبْد الله وعروة، وفاطمة بنت المنذر بنت ابنها، وابن عبَّاس، وغيرهم، توفِّيت بمكَّة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد ابنها عَبْد الله بن الزُّبير بيسير، لم تلبث بعد إنزاله من الخشبة ودفنه إلَّا ليالي، وكانت قد ذهب بصرها، قيل: عاشت بعده عشرة أيام، وقيل: عشرين يومًا، وبلغت مئة سنة ولم يسقط لها سنٌّ ولم ينكر لها عقل، أخرج لها الجماعة رضي الله عنها، وهي آخر المهاجرات موتًا [4].
قوله: (الغَشِيُّ): هو بفتح الغين، وكسر الشِّين المعجمتين، وشدِّ الياء، كذا قيَّده الأصيليُّ، ورواه بعضهم: بإسكان الشِّين، وهما بمعنًى واحد؛ تريد: الغشاوة؛ وهي الغطاء، قال في «المطالع»: (قد رويناه عنِ الفقيه أبي محمَّد عنِ الطَّبَرِيِّ: «العشيُّ»؛ مهملة، وليس بشيء) انتهى.
قوله: (أُرِيتُهُ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر الرَّاء، وهذا ظاهر.
قوله: (حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ): يجوز فيهما ثلاثة أوجه: النصب، والرفع، والجرُّ، والله أعلم.
قوله: (فَأُوحِيَ [5] إِلَيَّ [6]): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/306)


قوله: (مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا): وفي بعض النُّسخ: (أو قريبَ)؛ بغير تنوين، قال القاضي: (الأحسن تنوين الثَّاني، وتركه في الأوَّل)، ووجَّهه ابن مالك: بأنَّ أصله مثل فتنة الدجَّال، وقال أبو البقاء: («قريبًا»: منصوب نعتًا لمصدر محذوف؛ أي: افتتانًا قريبًا من فتنة الدجَّال، ولذلك قال: «أو مثل»؛ بإضافته إلى الفتنة).
قوله: (أَيَّ ذَلِكَ): هو بنصب (أيَّ) [7].
قوله: (الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ): هو بفتح الميم، كما في المسيح ابن مريم مسيح الهدى، والدَّجَّال مسيح الضَّلالة، وفرَّق بينهما بعضهم، فقال في الدَّجَّال: المِسِّيح؛ بكسر الميم مع التشديد والتخفيف، بخلاف عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: إنَّ الدَّجَّال بالخاء المعجمة: الممسوخ العين، يقال: مسحه الله؛ إذا خلقه خلقًا حسنًا، بخلاف مسخه بالمعجمة؛ فإنَّه عكسه، وقيل: سمِّي بالمهملة؛ لمسح إحدى عينيه، فيكون بمعنى: ممسوح [8]، وقيل: لمسحه الأرض، فيكون بمعنى فاعل، ومن أراد زيادة؛ فعليه بـ «التَّذكرة» للقرطبيِّ، فإنَّه أشبع الكلام فيه وفي ضبطه وما فيه، وسأذكر فيه اختلافًا في مكان خروجه في (باب الدَّجَّال) في (الفتن) إن شاء الله تَعَالَى.
و (الدَّجَّال): ينطلق على عشرة وجوه [9]، ذكرها القرطبيُّ في «تذكرته»، فالدَّجَّال: الكذَّاب سمِّي بذلك؛ لتمويهه على الناس وتلبيسه عليهم، والدَّجْل: طلي البعير بالقطران، فهو يموِّه بالباطل وسحره الملبس به، وقيل: لأنَّه يغطِّي الأرض [10] بالجمع الكثير؛ مثل دجلة تغطِّي الأرض بمائها، وقيل: لضربه نواحي الأرض وقطعه لها، يقال: دجل الرجل _بالتخفيف والتشديد مع فتح الجيم_، ودجل أيضًا، وقال شيخنا مجد الدين في «القاموس»: (والدَّجَّال؛ لشؤمه)؛ يعني: سمِّي مسيحًا، قال: (أو هو كسكِّير) انتهى.
وأمَّا عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فلمسحه الأرض، وقيل: لأنَّه كان ممسوح الرِّجل لا أخمص له، وقيل: إنَّ زكريَّا عليه السَّلام مسحه، وقال شيخنا مجد الدين في «القاموس»: (والمسيح عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لبركته)، قال: (وذكرت [11] في اشتقاقه خمسين قولًا في «شرحي لمشارق الأنوار» وغيره).
قوله: (إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا): (إِن): بكسر الهمزة، وهي مخفَّفة من الثقيلة، ولزمت اللَّام؛ للفرق بينها وبين النافية، وعن السفاقسيِّ _وهو ابن التِّين_: فتح الهمزة على جعلها مصدريَّة؛ أي: علمنا كونك موقنًا، ورُدَّ بدخول اللَّام [12].

(1/307)


قوله: (وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ): جاء في الأحاديث أنَّ الكافر يفتن في قبره، ويسأل، ويهان، ويعذَّب [13].
قال القرطبيُّ في «تذكرته»: وعن الحكيم الحافظ التِّرمذيِّ محمَّد بن عليٍّ صاحب «نوادر الأصول» وغيره _وهو رجل عالم حافظ مُتكلَّم فيه بسبب الاعتقاد، ذكره الذَّهبيُّ في «طبقات الحفَّاظ»، ونصَّ على ذلك الاعتقاد عافانا الله تَعَالَى، وقد رأيتُ ابنَ تيمية أبا العبَّاس الحافظ سُئل عنه، وذكر اعتقاده، وهو كلام منكر في «خاتم الولاية» _ قال في «نوادره»: (وإنَّما سؤال الميت في هذه الأمَّة خاصَّة [14] ... ) إلى آخر كلامه، وبعده [15] [قال القرطبيُّ: (قول أبي محمَّد عبد الحقِّ أصوب] [16]، فإنَّ الأحاديث التِّي ذكرناها قبلُ تدلُّ على أنَّ الكافر يسأله الملكان، ويختبرانه بالسؤال، ويضرب بمطارق الحديد على ما تقدَّم، والله أعلم) انتهى [17]
[(
وقال ابن عبد البَرِّ في «التَّمهيد»: والآثار الدَّالة تدلُّ على أنَّ الفتنة لا تكون إلَّا [18] لمؤمن أو منافق، ممَّن [19] كان منسوبًا إلى القبلة ودين الإسلام، ممَّن حُقِن دمه بظاهر [20] الشَّهادة، وأمَّا الكافر الجاحد المبطل؛ فليس ممَّن يسأل عن ربِّه، ودينه [21]، ونبيِّه، وإنَّما يسأل عن هذا أهلُ الإسلام)، وقال أيضًا ابن عبد البَرِّ في حديث زيد بن ثابت عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم «إنَّ هذه الأمَّة تبتلى في قبورها»: (ومنهم من يرويه: «تسأل»، وعلى هذا اللفظ؛ يحتمل أنْ تكون هذه الأمَّة خُصَّت بذلك، وهذا أمر لا يُقطَع [22] عليه)، والله أعلم] [23].
وأمَّا ابن القيِّم؛ فإنَّه نُقِل عنه كقول ابن عبد البَرِّ، نقل ذلك في كتاب «الروح»، قال ابن القيِّم بعد حكاية ذلك: (وتوقَّف فيه آخرون؛ منهم: ابن عبد البَرِّ)، قال ابن القيِّم: (والظَّاهر _والله أعلم_: أنَّ كلَّ نبيِّ أُرسِل مع أمَّته كذلك، وأنَّهم معذَّبون بعد السؤال لهم)، (ثمَّ رأيته كذلك [24] في «التَّذكرة») [25].

(1/308)


مسألة: الأطفال هل يمتحنون في قبورهم؛ ذكر فيها ابن القيِّم قولين قال: (وهما وجهان لأصحاب أحمد، وقال القرطبيُّ في «التَّذكرة»: إنَّهم يُسأَلون، وإنَّ ظواهر الأحاديث تقتضيه، ذكر ذلك في حديث في باب ذكر حديث البراء عقبه في الردِّ على الملحدة؛ فانظره في أوائل «التَّذكرة») انتهى، والمسألة لا أعرف فيها كلامًا لأحد من الشَّافعيَّة، لكنَّهم قالوا: إنَّ الصَّغير لا يلقَّن، فمن لازمه أنَّه لا يُسأَل، والله أعلم.
[
وقال ابن قيِّم الجوزية: (وفي سؤال كذا _فذكر من هو في أرفع المقامات_ قولان، وهما وجهان لأصحاب [26] أحمد وغيره)] [27]، ذكر ذلك في كتاب «الروح» في أوَّل الكرَّاسيَّة التَّاسعة، انتهى.
وسيأتي الكلام على الملكين السَّائلين في (الجنائز) إن شاء الله تعالى وقدَّره.
[
فائدة: فيما ينجي المؤمن من أهوال القبر وفتنته
وذلك خمسة أشياء: الرباط في سبيل الله، وفي «التِّرمذيِّ» [28] من حديث فضالة بن عبيد، وكذا في حديث أبي هريرة في «ابن ماجه» الموت في حالة الرباط، وهو قيد في المسألة، والقتل في سبيله، و (قراءة سورة تبارك كلَّ ليلة) كما في «التِّرمذيِّ»، وروي أنَّها (المجادلة)، تجادل عن صاحبها؛ يعني: قارئها في القبر، وروي: أنَّ من قرأها كلَّ ليلة؛ لم يضرَّه الفتَّان، والموت بمرض، لكن قد جاء مقيَّدًا بمن يقتله بطنه، وفيه قولان؛ أحدهما: الذي يصيبه الإسهال، والثَّاني: الاستسقاء، وهو أظهر القولين، والخامس: موت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، وقد ذكر ذلك القرطبيٌّ بأدلَّته في «تذكرته»، فإن أردت ذلك؛ فانظره منها، وظاهر كلامه: أنَّ هؤلاء لا يسألانهم الملكان، ويدلُّ لذلك أيضًا قوله قبيل باب حديث البراء المشهور الجامع لأحوال الموتى ما لفظه: (وقد يكون من الناس من يوقى فتنتهما، ولا يأتيه واحد منهما على ما يأتي بيانه) انتهى.
وذكر أيضًا في الكلام على هذه الخمسة أنَّها تحصر وتبيِّن من لا يسأل في قبره، ولا يفتن [29] فيه، فأشار إلى ما ذكرته عنه، والله أعلم] [30].
==========
[1]
في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).
[2]
زيد في (ج): (ليس).
[3] (
عن): ليس في (ب).
[4]
زيد في هامش (ج): (بلغ سماعًا الشيخ شمس الدين السلامي مع غيره كتبه إبراهيم مؤلفه).
[5]
كذا في «اليونينيَّة»، وفي النسخ: (أُوحي).
[6] (
إليَّ): مثبت من (ج).
[7]
زيد في (ج): (ويجوز في لغةٍ ضمها)، وضرب عليها في (أ).

(1/309)


[8]
في (ب): (الممسوح).
[9]
في (ب): (أوجه).
[10]
زيد في (ب): (فإنها).
[11]
في (ج): (لبركته وذكر).
[12]
زيد في (أ): (تقرأ الفرجة فإنها مفيدة، والله أعلم).
[13]
كتب في هامش (أ): (انظر الحكيم التِّرمذي تُكلِّم فيه من جهة الاعتقاد مع أنَّه من كبار الأولياء).
[14]
في (ج): (هذه الأحاديث)، وليس فيها: (خاصة)، وكذا كانت في (أ) قبل الإصلاح.
[15]
في (ج): (وفيه).
[16]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[17]
زيد في (ج): (كذا نقله عنه القرطبي في «تذكرته»)، وضرب عليها في (أ).
[18] (
إلَّا): ليس في (ب).
[19]
في (أ) و (ب): (من).
[20]
في (ج): (لظاهر).
[21]
في (ج): (عن دينه، وربه).
[22]
في (ج): (يطلع).
[23]
ما بين معقوفين جاء في (ب): (وقال القرطبي في «تذكرته»)، وفي (ج) بعد قوله: (فمن لازمه أنه لا يسأل والله أعلم).
[24]
في (ب): (في ذلك).
[25]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[26]
في (ب): (عند أصحاب).
[27]
ما بين معقوفين جاء في (ب): (بمطارق الحديد ... انتهى).
[28] (
التِّرمذي): ليس في (ب).
[29]
في (ب): (يفنى).
[30]
ما بين معقوفين سقط من (ج).

(1/310)


[
باب تحريض النبي وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان ... ]
قوله: (وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ): تقدَّم الكلام على الوفد، ومتى وفدوا، وكم كانوا، وذكرت أسماء الوافدين على القول بأنَّهم أربعةَ عشرَ، [وذكرت على القول بأنَّهم أربعون من عرف منهم قبل (كتاب العلم)] [1].
قوله: (مَنْ وَرَاءَهُمْ): (مَن)؛ بفتح الميم؛ أي: الذين، و (وراءَهم): منصوب على الظرف.
قوله: (مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ [2]): قال في «الاستيعاب»: هو مالك بن الحويرث بن أشيم اللَّيثيُّ، يختلفون في نسبه إلى ليث، ولم يختلفوا أنَّه ليثيُّ من ليث بن بكر بن عبد مناة، يكنى أبا سليمان، ويقال في أبيه: الحارث، وقال شعبة: (ابن حويرثة)، والأوَّل الصَّحيح، سكن البصرة، ومات بها سنة أربع وتسعين، روى عنه: أبو قِلابة، وأبو عطيَّة، وسلِمة الجرميُّ، وابنه عَبْد الله بن مالك، صحابيٌّ مشهور رضي الله عنه، وفد في ستَّة من قومه، وقال الذَّهبيُّ: (توفِّي سنة «74 هـ»)، وما في «الاستيعاب» من أنَّه سنة (94 هـ) قاله النَّوويُّ في «تهذيبه»، وكذا ابن طاهر، وقال الدِّمياطيُّ: (سنة «94 هـ»، وفيه نظر) انتهى.
==========
[1]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[2]
في هامش (ق): (قدم في ستة من قومه، فأسلم وأقام عند رسول الله أيامًا، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله.
حديث مالك بن الحويرث أخرجه البخاري مسندًا في «الصلاة»، و «الأدب»، و «خبر الواحد»).
[
ج 1 ص 52]

(1/311)


[
حديث: مرحبًا بالقوم _أو: بالوفد _ غير خزايا ولا ندامى]
87#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم أنَّ بشَّارًا؛ بموحَّدة، ثمَّ شين معجمة، وأنَّه بُنْدَار، وتقدَّم الكلام عليه، حافظ مشهور.
قوله: (حَدَّثَنَا غُنْدرٌ): هو بالغين المعجمة المضمومة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة مفتوحة ومضمومة، واسمه محمَّد بن جعفر الهذليُّ مولاهم، البصريُّ الحافظ
[
ج 1 ص 52]
أبو عبد الله، عن حسين المعلِّم، وخلق، وهو ابن امرأة شعبة وجالسه عشرين سنة، وعنه: أحمد، والفَلَّاس [1]، وبُنْدَار محمَّد بن بشَّار، وغيرهم، توفِّي سنة ثلاث وتسعين ومئة، وقيل: سنة أربع، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».
فائدة: سبب تلقيبه بغُنْدر: أنَّ ابن جريج قدم البصرة، فحدَّث بحديث عنِ الحسن البصريِّ، فأنكروه عليه وشغبوا، قال ابن عائشة [2]: (إنَّما لقَّبه غُنْدرًا ابنُ جريج من ذلك اليوم، كان يكثر الشَّغب عليه، فقال: اسكت يا غُنْدر، وأهل الحجاز يسمُّون المشغب غُنْدرًا).
قوله: (عن أبي جمرة): هو بالجيم والرَّاء تقدَّم، وتقدَّم ما يتعلَّق بهذا الحديث في (باب أداء الخمس من الإيمان).
قوله: (إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ [3]): تقدَّم الكلام عليهم في الباب المذكور أعلاه [4].
قوله: (غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى): تقدَّم في الباب المشار إليه أعلاه.
[
قوله: (فِي شَهْرٍ حَرَامٍ): تقدَّم الكلام عليه في الباب المذكور أعلاه [5]] [6].
قوله: (نُخْبِرْ بِهِ) و (نَدْخُل): تقدَّم الكلام عليه في الباب المذكور أعلاه [7].
قوله: (وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ ... ) إلى آخره: تقدَّم الكلام عليه [8] في الباب المذكور أعلاه [9].
==========
[1]
في (ب): (والقلاس).
[2]
في (ب): (عامر).
[3]
في هامش (ق): (كانت وفادتهم عام الفتح قبل خروج النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى مكَّة).
[4]
في (ج): (قبله)، وكذا في الموضع اللاحق.
[5] (
أعلاه): ليس في (ج).
[6]
ما بين معقوفين سقط من (ب).
[7] (
أعلاه): ليس في (ج).
[8] (
الكلام عليه): مثبت من (ب).
[9] (
أعلاه): ليس في (ج).

(1/312)


[
باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله]
قوله: (بابُ الرِّحْلَةِ): هي بكسر الرَّاء: الارتحال، ورأيت في بعض النُّسخ: بِضَمِّها، وهي بالضَّمِّ: الوجه الذي يريده الإنسان، وفي صحَّة الضَّم بُعدٌ، ويحتمل الصحَّة، ويكون تقديره: باب طلب الرُّحلة؛ أي: الشَّخص العالم الذي يُرحَل إليه في المسألة النازلة، ولكن أنا لَمْ أسمعه ولم أقرأه إلَّا بالكسر، والله أعلم.
قوله: (وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ): (أهله)؛ بالجرِّ مضاف إليه.
==========
[
ج 1 ص 53]

(1/313)


[
حديث عقبة: أنه تزوج ابنة لأبي إهاب]
88#
قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك، العلم المشهور، شيخ أهل خراسان.
قوله: (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ): قال الدِّمياطيُّ: (أَبُو حسين هذا هو الذي دَبَّ إلى خُبَيب وبيده الموسى، وهو أخو عقبة أبي سروعة، وقيل: بل أَبُو سروعة أخوهما، ابنا الحارث، قتل يوم بدر كافرًا، وزوج عقبة بن الحارث هي أمُّ يحيى غَنِيَّة بنت أبي إهاب، أسلم أخوها حُجَير بن أبي إهاب يوم فتح مكَّة) انتهى.
قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ [1]): قال الدِّمياطيُّ: (عبد الله بن أبي مليكة لَمْ يسمع من عقبة، وبينهما عبيد بن أبي مريم) انتهى [2]
وقال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عقبة بن الحارث: (أبي سروعة له حديث واحد ما أحفظ له غيره في شهادة امرأةٍ على الرضاع، رواه عنه عبيد بن أبي مريم، وابن أبي مليكة، وقيل: إنَّ ابن أبي مليكة لم يسمع منه، بينهما عبيد بن أبي مريم) انتهى.
وقال شيخنا العراقيُّ [3]: (ما قاله الدِّمياطيُّ ليس بجيِّد، بل قد سُمِع مِنْهُ، وقد بيَّن البخاريُّ ذلك في «النِّكاح»، فرواه من رواية ابن أبي مليكة عن عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحارث، قال ابن أبي مليكة: وقد سمعته من عقبة، ولكني لحديث عبيد أحفظ، وبيَّنه أيضًا أبو داود في كتاب «القضاء»، فرواه من رواية ابن أبي مليكة عن عقبة، ثمَّ [4] قال: قال ابن أبي مليكة، وحدَّثني صاحب لي عنه، وأنا لحديث صاحبي أحفظ) انتهى.
واعلم أنَّ عبد الله بن أبي مليكة اسم والده عبيد الله _بالتَّصغير_ ابن أبي مليكة زهير _وزهير صحابيٌّ [5]_ بن عبد الله بن جدعان التيميُّ المكِّيُّ أبو بكر، ويقال: أبو محمَّد، مؤذِّن ابن الزُّبير وقاضيه، تقدَّم؛ فانظره.

(1/314)


قوله: (ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ [6]): تقدَّم أعلاه في كلام الدِّمياطيِّ: أنَّها غَنِيَّة، وهي _بغين معجمة مفتوحة، ثمَّ نون مكسورة، ثمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، ثم تاء التَّأنيث_ بنت أبي إهاب بن عزيز بن قيس بن سويد بن ربيعة بن زيد بن عبد الله بن دارم، وكنية غنيَّة أمُّ يحيى، وهي صحابيَّة، ذكرها أبو نعيم فيهم، قال الزُّبير: (أمُّ يحيى ونافع ابني جبير بن مطعم وإخوتهم)، قال شيخنا العراقيُّ في «شرح ألفيته» فيما قرأته عليه، وسمعته أيضًا بقراءة [7] غيري: (أنَّه وقع في بعض طرق الحديث من رواية إسماعيل بن أميَّة، عنِ ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث قال: تزوَّجت زينب بنت أبي إهاب) انتهى.
وقد سمَّاها: (غنيَّة) السُّهيْلِي أيضًا.
قوله: (لأَبِي [8] إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ): تقدَّم نسبه أعلاه، وأبو إهاب: صحابيٌّ لا يعرف له اسم، له عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: النَّهي عنِ الأكل متَّكئًا، ذكره أبو موسى في الصَّحابة، وأغفله ابن عبد البَرِّ وابن منده.
و (عَزيْز)؛ بفتح العين المهملة، وتكرير الزاي، بينهما مثنَّاة تحت ساكنة.
قوله: (فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ): هذه المرأة [9] هي سوداء، كما جاء في بعض طرقه في «الصَّحيح»، ولا أعرف اسمها، وهي أمة أيضًا، كما جاء في بعض طرق «الصَّحيح».
قوله: (أَرْضَعْتِنِي وَلاَ أَخْبَرْتِنِي): هما بكسر التَّاء؛ فاعلمه.
قوله: (زَوْجًا غَيْرَهُ): قال شيخنا الشَّارح: (تزوَّجها بعد عقبةَ ضريبُ بن الحارث، فولدت له أمَّ قتال زوجة جبير بن مُطعِم، فولدت له محمَّدًا ونافعًا) انتهى.
وكذا قاله السُّهيليُّ في «روضه» كما رأيته فيه، (وانظر هذا الكلام مع ما تقدَّم أعلاه) [10]، وضريبٌ لا أعرف له ترجمة، والله أعلم.
==========
[1] (
عن عقبة بن الحارث): ليس في (ج)، وفي حاشية (ق): (ابن عامر، أسلم يوم فتح مكَّة وسكنها، وكذلك أخوه أبو سروعة).
[2] (
انتهى): ليس في (ب).
[3]
زيد في (ج): (في).
[4] (
ثم): ليس في (ج).
[5] (
وزهير صحابي): جاء في (ب) بعد قوله: (تقدم فانظره).
[6]
في (ب): (عمرو).
[7]
في (ب): (يقرؤه).
[8]
في (ب): (لأن).
[9] (
المرأة): ليس في (ج).
[10]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[
ج 1 ص 53]

(1/315)


[
باب التناوب في العلم]

(1/316)


[
حديث عمر: كنت أنا وجار لي من الأنصار]
89#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مرَّات أنَّه الحكم بن نافع.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، الإمام شيخ الإسلام.
قوله: (ح): تقدَّم الكلام على كتابتها والتلفُّظ بها أوائل هذا التَّعليق، (وسيأتي في آخر هذا التَّعليق أيضًا) [1].
قوله: (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ): هو عبد الله بن وهب [2] أبو محمَّد الفهريُّ مولاهم، المصريُّ [3]، أحد الأعلام، قال يحيى ابن بكير: (هو أفقه من ابن القاسم)، وقال يونس بن عبد الأعلى: (طُلب للقضاء؛ فجنَّن نفسه وانقطع)، توفِّي سنة (197 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو أحد الأثبات، والأئمَّة الأعلام، قال في «الميزان»: (تناكد ابن عديٍّ بإيراده في «الكامل»)؛ فانظره إن أردته من «الميزان».
[
وقوله: (وقال ابن وهب): هذا تعليق، ولم أره في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا، لكن المؤلِّف [4] حدَّث به عن يونس، وحديث يونس [5] أيضًا لَمْ أره في شيء من الكتب السِّتَّة عنِ الزُّهريِّ إلَّا ما هنا] [6].
قوله: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ): تقدَّم مرَّات أنَّه يونس بن يزيد الأيليُّ، أحد الأثبات، أخرج له الجماعة، وأنَّ فيه ستَّ لغات.
[
ج 1 ص 53]
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهريُّ مرارًا.
قوله: (ابْن [7] أَبِي ثَوْرٍ): هو بالثَّاء المثلَّثة.
قوله: (وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ): (جار): بالرفع، وجاء بالنصب، ذكر ابن بشكوال هذا الحديث، وفيه: (وكان لي أخ من الأنصار)، قيل: إن الذي آخى النَّبيُّ [8] صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبين عمر بن الخطَّاب عتبان [9] بن مالك، حُكي عنِ ابن عبد البَرِّ، وقيل: أوس بن خولي الأنصاريُّ، رواه خلف بن قاسم) انتهى.
وتعقَّبه ابن شيخنا البلقينيِّ، فقال: (إنَّ في «طبقات ابن سعد»: أنَّه آخى عليه الصَّلاة والسَّلام بينه وبين عويم بن ساعدة، وقيل: عن عَبْد الله [10]: أنَّه آخى بينه وبين عتبان [11] بن مالك)، قال الواقديُّ: (ويقال: بين عمر ومعاذ بن عفراء).
قوله: (مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ): العوالي من المدينة على أربعة أميال، وقيل: ثلاثة، وذلك أدناها، وأبعدُها سبعةٌ.

(1/317)


قوله: (أَثَمَّ هُوَ؟): هو بفتح الثَّاء، وتشديد الميم؛ ومعناها: هناك، وهي للتبعيد بمنزلة (هنا) للتقريب [12].
==========
[1]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[2]
زيد في (أ) و (ب): (هو).
[3]
في (ج): (البصري).
[4] (
المؤلف): ليس في (ب).
[5] (
وحديث يونس): ليس في (ب).
[6]
ما بين معقوفين سقط من (ج).
[7]
في (ج): (عن).
[8]
في (ج): (رسول الله).
[9]
في (ب): (عباد).
[10]
زيد في (ج): (بن).
[11]
في (ب): (عباد).
[12]
في (ج): (بمنزلة القريب).

(1/318)


[
باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره]
(
باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ) ... إلى (باب مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَرَاجَعَ فِيْه حَتَّى يَعْرِفَهُ)
[
قوله: (مَا يَكْرَهُ): هو مبنيٌّ للفاعل] [1].
==========
[1]
ما بين معقوفين جاء في (ب) قبل قوله: (باب الغضب).
[
ج 1 ص 54]

(1/319)


[
حديث: أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف]
90#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): هو بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة.
قوله: (أَخْبَرَنِي سُفْيَانُ): هذا الثَّوريُّ العالم المشهور، واسم والده سعيد، تقدَّم مرَّات.
قوله: (عَنِ ابْنِ [1] أَبِي خَالِدٍ): هو إسماعيل بن أبي خالد الكوفيُّ، عنِ ابن أبي أوفى، وأبي جحيفة، وقيس، وعنه: شعبة، وعبيد الله، وخلق، حافظ إمام، وكان طحَّانًا، توفي سنة (146 هـ)، أخرج له الجماعة، تابعيٌّ ثقة، رجل صالح، قاله العجليُّ.
قوله: (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ): تقدَّم أنَّه بالحاء والزاي، وتقدَّم الكلام عليه.
قوله: (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ): هو عقبة بن عمرو، تقدَّم.
قوله: (قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ لاَ أَكَادُ [2] أُدْرِكُ الصَّلاَةَ): هذا الرجل لا أعرفه.
قوله: (لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ [3]): كذا وقع في الأصول، وهو لا ينتظم، فإنَّ التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه، وفي رواية الفريابيِّ: (إني لأتأخَّر عنِ الصَّلاة في الفجر ممَّا يطوِّل بنا فلان)، وهو أظهر، ولعلَّ الأول [4] تغيير [5] مِنْهُ، ولعلَّه: لأكاد أترك، قال القاضي: (ولعلَّ الألف زيدت بعد «لا»، وفصلت التَّاء من الرَّاء، فجعلت دالًا).
قوله: (فُلاَنٌ): قال ابن شيخنا البلقينيِّ في «مبهماته»: (لَمْ يُرَ [6] هذا مبيَّنًا [7]؛ يعني: هذا الإمام المشار إليه هنا، لكن في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» ما يدلُّ على أنَّ الإمامَ أُبيُّ بن كعب، وسنبسطه في بابه، وقد ذكر في حديث معاذ: «فانصرف رجل»، فذكر الخلاف فيه، وسأذكره في حديث إمامة معاذ) انتهى.
==========
[1] (
ابن): ليس في (ج).
[2] (
أكاد): ليس في (ج).
[3] (
مما يطول بنا فلان): ليس في (ب) و (ج).
[4]
زيد في (ب): (نقله).
[5]
في (ب): (تفنين).
[6]
في (ج): (نر).
[7]
في (ب): (مبينًا).
[
ج 1 ص 54]

(1/320)


[
حديث: أن النبي سأله رجل عن اللقطة]
91# [
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ [1]، وللبخاريِّ أربعة أشياخ كلٍّ منهم اسمه: عَبْد الله بن محمَّد، والمزِّيُّ لَمْ يعيِّن هذا الرجل، والله أعلم] [2].
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَديُّ): (أَبُو عامر): هذا اسمه عبد الملك بن عمرو العَقَديُّ _بفتح العين [3] والقاف، وبالدَّال المهملتين_؛ نسبة إلى قبيلة من بجيلة من اليمن، تقدَّم.
قوله في حديث زيد بن خالدٍ: (سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ): هذا الرجل السَّائل هو بلال المؤذِّن رضي الله عنه، كذا قاله ابن بشكوال، وساق شاهده من «أبي داود»، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (يحتمل أنْ يكون عميرًا والد مالك)، وسنبسطه، وفي «أسد الغابة» في ترجمة بشر بن العلاء العبديِّ، ويلقَّب بالجارود، قال: (روى يزيد بن عَبْد الله بن الشِّخير، عن أبي مسلم الجَذَميِّ [4]، عنِ الجارود قال: قلت _أو قال رجل_: يا رسول الله؛ اللقطة نجدها، قال: «أنشدها ولا تكتم ولا تغيِّب، فإن وجدت ربَّها؛ فادفعها إليه، وإلَّا؛ فهو مال الله يؤتيه من يشاء»)، ووقع في «الطَّبرانيِّ الأوسط» فيمن اسمه موسى بن سهل، فذكر سندًا إلى زيد بن خالد الجهنيِّ: (أنَّه سأل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن ضالَّة الغنم ... )؛ الحديث، في إسناده: ابن لهيعة، وهو ضعيف، لكن على مقتضاه يكون المبهم زيد بن خالد [5] الراوي، انتهى.
قوله: (عَنِ اللُّقَطَةِ): فيها [6] لغاتٌ جمعها الأستاذ ابن مالك في بيت، فقال:
~…
لُقاطةٌ ولُقْطةٌ ولُقَطة…ولَقَطٌ ما لاقط قد لقطَه
قوله: (وِكَاءَهَا): هو بكسر الواو، وبالمدِّ؛ الخيط الذي تشدُّ به الصُّرَّة وغيرها، وسيأتي ما في ذلك بُعَيده.
قوله: (وَعِفَاصَهَا): هو بكسر العين، ثمَّ بالفاء المخفَّفة وبعد الألف صاد مهملتين [7]؛ وهو الوعاء، وقال شيخنا الشَّارح في (باب حكم المفقود) ما لفظه: (والعفاص: الخرقة، والوكاء: الخيط، قاله ابن القاسم، وعكس ذلك أشهب، فقال: العفاص: الخيط، والوكاء: الظرف) انتهى.
قوله: (رَبُّهَا): أي: مالكها.
قوله: (وَجْنَتَاهُ): الوَجْنة _مثلَّثة الواو، وبالجيم الساكنة_: ما علا لحم الخدَّين، وفيه لغة رابعة وهي: أُجْنة؛ بضمِّ الهمزة، وسكون الجيم، حكاهنَّ الجوهريُّ.

(1/321)


قوله: (سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا): السِّقاء والحِذاء؛ بكسر أوَّلهما، وبالمدِّ، والحِذاء: الخفُّ، واستعار عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك لها؛ تشبيهًا لها بالمسافر الذي معه الحذاء والسقاء، فإنَّه يقوِّي على قطع المفاوز، وذلك لأنَّها تشرب وتملأ أكراشها لما يكفيها الأيام.
==========
[1]
في (ب): (البيكندي).
[2]
ما بين معقوفين سقط من (ج).
[3]
في (أ) و (ب): (العقدي).
[4]
في (ج): (الحرمي).
[5]
زيد في (ج): (الجهني).
[6]
زيد في (ج): (ست).
[7]
في (ب): (مهملة).
[
ج 1 ص 54]

(1/322)


[
حديث: سئل النبي عن أشياء كرهها]
92#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة الكوفيُّ الحافظ، مولى بني هاشم، عن هشام بن عروة وغيره، وعنه [1]: أحمد، وإسحاق، وكان حجَّة عالمًا إخباريًّا، عنده ستُّ مئة حديث عن هشام، عاش ثمانين سنة، توفِّي سنة (201 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو أحد الأثبات، ذكره في «الميزان» وصحَّح عليه.
[
ج 1 ص 54]
قوله: (عَنْ بُرَيْدٍ): هو بضمِّ الباء الموحَّدة، تقدَّم.
قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ): تقدَّم أنَّ اسمه الحارث أو عامر، وتقدَّم الكلام عليه.
قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): تقدَّم أنَّه عبد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار الأشعريُّ رضي الله عنه، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَمَّا شِئْتُمْ): كذا في أصلنا، وعلى الألف علامة راويها، والجادَّة: (عمَّ)، ويجوز في لغة إثباتُ الألف.
قوله: (قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ): هذا الرجل هو عبد الله بن حذافة بن قيس بن عديٍّ أبو حذافة السهميُّ، له هجرتان [2]، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا مسمًّى، وكان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه؛ فلهذا سأله عليه الصَّلاة والسَّلام عن أبيه، وقيل: أخوه قيس بن حذافة، قاله شيخنا في مكان آخر عن العسكريِّ.
قوله: (فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «[أَبُوكَ] سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ): هذا الآخر قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (يقال: هذا الرجل اسمه سعد، من «التَّمهيد» لابن عبد البَرِّ) انتهى، وسعد هذا لا أعرف عينه.
و (سالم مولى شيبة) لا أعرفه، ولا أعرف له ترجمة، والظَّاهر أنَّه ليس بصحابيٍّ، (ولا له ذكر في غيره، ولعلَّه هلك على كفره) [3]، والله أعلم.
[
و (شيبة): قال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: (أظنُّه ابن ربيعة أخو عتبة بن ربيعة والد هند أمِّ معاوية) انتهى، وهذا كافر معروف، قُتِل ببدر] [4].
==========
[1]
زيد في (ج): (ابن معين، و).
[2] (
له هجرتان): ليس في (ج).
[3]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[4]
ما بين معقوفين ليس في (ج).

(1/323)


[
باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث]

(1/324)


[
حديث: أن رسول الله خرج فقام عبد الله بن حذافة]
93#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ): تقدَّم أنَّه ابن أبي حمزة، (وتقدَّم الكلام في رواية أبي اليمان عنه) [1].
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن شهاب، وأنَّه [2] محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ): تقدَّم بعض ترجمته أعلاه.
قوله: (ثُمَّ أَكْثَرَ): هو بالمثلَّثة في أصلنا، قال بعضهم: وروي بالموحَّدة.
==========
[1]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[2] (
وأنَّه): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 55]

(1/325)


[
باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه]
قوله: (لِيُفْهَمَ عَنْهُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
==========
[
ج 1 ص 55]

(1/326)


[
حديث: كان إذا سلم سلم ثلاثًا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا]
94#
قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ): هو بإسكان الموحَّدة، وهو عبْدة بن عبد الله بن عبدة الخزاعيُّ الصفَّار البصريُّ [1]، عن محمَّد بن بشر، وحسين الجُعفيِّ، والطبقة، وعنه: البخاريُّ، والأربعة، وابن خزيمة، وخلق، مات سنة (258 هـ)، أخرج له البخاريُّ والأربعة، قال أبو حاتم: (صدوق)، وقال النَّسائيُّ: (ثقة).
==========
[1] (
البصري): ليس في (ج).
[
ج 1 ص 55]

(1/327)


[
حديث: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه]
95#
قوله: (سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا): قال النَّوويُّ: (وهذا محمول على ما إذا كان الجمع كثيرًا) انتهى.
ويشبه أن يكون هذا عند الاستئذان إذا استأذن على أناس، والله أعلم، (وفي ذكر البخاريِّ له في (كتاب الاستئذان) دليل على أنَّه فهم ذلك أيضًا من الحديث، والله أعلم) [1].
==========
[1]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[
ج 1 ص 55]

(1/328)


[
حديث: تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه]
96#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): هو الوَضَّاح بن عبد الله _وهو بفتح الواو، ثمَّ ضاد معجمة مشدَّدة، وفي آخره حاء مهملة_ الحافظ، سمع قتادة، وابن المنكدر، وعنه: عفَّان، وقتيبة، ولوين، ثقة مُتقِن لكتابه، توفِّي سنة (176 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، وتقدَّم أنَّ له ترجمةً في «الميزان»، قال فيها: (مُجمَع على ثقته، وكتابه مُتقَن بالمرَّة)، قال أبو حاتم: (ثقةٌ، يغلط كثيرًا إذا حدَّث من حفظه).
قوله: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة، وبالشِّين المعجمة، هو جعفر بن أبي وحشيَّة إياس، تقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ): تقدَّم أنَّ (ماهَك): بفتح الهاء، غير مصروف؛ للعجمة والعلميَّة، وتقدَّم أنَّه مصروف بالقلم في بعض النُّسخ الصَّحيحة، وكذا هو في بعض الأماكن من أصلنا، وتقدَّم ما قاله بعض الرُّواة في (ماهك).
قوله: (وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ): تقدَّم الكلام عليه فيما تقدَّم؛ فانظره.
قوله: (لِلأَعْقَابِ): تقدَّم الكلام على العقب؛ وأنَّه مؤخَّر القدم، وأنَّ فيها لغتين: كسر القاف وسكونها، وأنَّها مؤنَّثة.
==========
[
ج 1 ص 55]

(1/329)


[
باب تعليم الرجل أمته وأهله]

(1/330)


[
حديث: ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه]
97#
قوله: (حَدَّثَنَا مُحمَّدُ بْنُ سَلَام): تقدَّم، وتقدَّم أنَّ سلَامًا الأصحُّ فيه: التخفيف، وتقدَّم ما فيه، وفي بعض الأصول غير منسوب، وقد نسبه المزِّيُّ في «أطرافه» كذلك.
قوله: (حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ): هو بضمِّ الميم، وهو عبد الرَّحمن بن محمَّد بن زياد أبو محمَّد، عنِ الأعمش، ويحيى بن سعيد، وعنه: أحمد، وعليُّ بن حرب، وغيرهما، ثقة، توفِّي سنة (195 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».
قوله: (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ): هو بالمثنَّاة تحت المشدَّدة بعد الحاء المهملة، وهو صالح بن صالح بن حيٍّ الهمْدانيُّ _بإسكان الميم، وبالدَّال المهملة_؛ إلى القبيلة، عنِ الشَّعبيِّ، وابن الأقمر، وعنه: ابناه، وابن المبارك، ثبت، وهو الذي يُقَال له: صالح بن حيٍّ، وصالح بن حيَّان، وقال العجليُّ: (ليس بقويٍّ)، ووثَّقه أحمد، وابن معين، والنَّسائيُّ، وآخرون، له ترجمة في «الميزان»، وقد صحَّح عليه.
تنبيه: صالح بن حيٍّ صاحب بريدة، قرشيٌّ كوفيٌّ ضعيف، لا شيء له في الكتب السِّتَّة.
قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ): أمَّا (أَبُو بردة)؛ فقد تقدَّم، وأنَّ اسمه الحارث أو عامر، وأمَّا أبوه؛ فهو أبو موسى الأشعريُّ عبد الله بن قيس، تقدَّم رَضِيَ اللهُ عنه.

(1/331)


قوله: (رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قيل: يريد من النصارى خاصَّة، وقد ترجم عليه البخاريُّ في (الجهاد) بما يرجع إلى اليهود والنصارى؛ لأنَّه قال: (باب فضل من أسلم من أهل الكتابين)، ولا يصحُّ رجوعه إلى اليهود؛ لأنَّهم كفروا بعيسى، ولا ينفع معه الإيمان بموسى، قال شيخنا الشَّارح في (الجهاد) في الحديث، ولفظ الحديث: «ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمنًا، ثم آمن بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»؛ يعني: من بُعِثَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو على دين عيسى، وأمَّا اليهود وغيرهم ممَّن كان على غير الإسلام؛ فإنَّما وُضِع عنه ما كان عليه من كفره، ويُؤتى ثواب ما كان يفعله لله تعالى في حال كفره، قال عليه الصَّلاة والسَّلام لحكيم بن حزام: «أسلمت على ما سلف من خير»، قاله الدَّاوُديٌّ، وذكره هنا أيضًا، وذكره هناك فقال: (وتعقَّبه ابن التِّين، فقال: هذا الذي ذكره [1] إنَّما يصحُّ لو كان عيسى أرسل إلى سائر الأمم؛ ليكون [2] من كذَّب به؛ كان كافرًا، فإن لَمْ يكن أحد لم يكذِّب به، أو لَمْ يعلم برسالته وبقي على دينه يهوديًّا أو غيره؛ [فله أجران إذا أسلم] [3]، وهو معنى قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54]) انتهى، (وهو كلام حسن مليح) [4].
فائدة: قد قيل: الحديث في كعب وعبد الله بن سلَام، نقله شيخنا.
وقد ذكر ابن المُنَيِّر في (باب فضل من أسلم من أهل الكتابين) ما لفظه: (إن قيل: مؤمن أهل الكتاب لا بدَّ أن يكون مؤمنًا به صلَّى الله عليه وسلَّم؛ للعهد المتقدَّم والميثاق، فإذا بعث صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإيمانه الأوَّل مستمرٌّ، فكيف تعدَّد حتى يتعدَّد أجره؟
قيل: إيمانه الأوذَل بأنَّ الموصوف كذا رسول، وثانيًا أنَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم هو الموصوف، وهما معلومان متباينان) انتهى.
وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (إنَّ له أجرين؛ أحدهما: لإيمانه بنبيِّه قبل النَّسخ، والثَّاني: لإيمانه بنبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى [5]
وقال شيخنا الشَّارح في (الجهاد) [6]: (قال المهلَّب: إنَّ مَن أحسن في معنيين من أي فعل كان من أفعال البرِّ؛ فله أجره مرَّتين، والله يضاعف لمن يشاء، وإنَّما جاء النصُّ في هؤلاء؛
[
ج 1 ص 55]
ليُستدَلَّ بذلك في سائر الناس وسائر الأعمال) انتهى [7]

(1/332)


قوله: (ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ): هو عامر بن شراحيل الشَّعبيُّ، المذكور في السَّند قبله.
قوله: (يُرْكَبُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.
==========
[1]
في (ج): (قاله).
[2]
في النسخ: (ليكن)، ولعل المثبت هو الصواب.
[3]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[4]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[5] (
انتهى): ليس في (ج).
[6] (
في الجهاد): ليس في (ب).
[7] (
انتهى): ليس في (ب).

(1/333)


[
باب عظة الإمام النساء وتعليمهن]

(1/334)


[
حديث: أشهد على النبي خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع]
98#
قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السختيانيُّ، العالم المشهور، تقدَّم.
قوله: (عَطَاء): هو عطاء بن أبي رَباح _بفتح الرَّاء وبموحَّدة_ أبو محمَّد المكِّيُّ الفقيه، أحد الأعلام، وسيِّد التَّابعين، عن عائشة، وأبي هريرة، وخلق، وعنه: الأوزاعيُّ، وابن جريج، وأبو حنيفة، واللَّيث، وأمم، توفِّي سنة (114 هـ)، وقيل: سنة (115 هـ) وله ثمانون سنة، أخرج له الجماعة، وهو حجَّة إمام، له ترجمة في «الميزان».
قوله: (القُرْطَ): هو _بضم القاف، وإسكان الرَّاء، وبالطاء المهملة_ ما عُلِّق في شحمة الأذن من ذهب كان أو غيره، والجمع قِرَطة وقِراط _كَرُمْحٍ وَرِمَاح_ وأقراط.
قوله: (وَالْخَاتَمَ): تقدَّم ما [1] فيه من اللُّغات وهي: كسر التَّاء وفتحها، وَخَاتَام، وَخَيْتَام، وخِتام، وختم.
قوله: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ): قال المزِّيُّ في «أطرافه»: (قال خلف: رواه عن مؤمَّل عن إسماعيل ... ) إلى أنْ قال: (إسماعيل بن إبراهيم عن أيُّوب) انتهى.
أمَّا [2] مؤمَّل المذكور عن خلف؛ فإنَّه ابن هشام اليشكريُّ البصريُّ؛ لأنَّ البخاريَّ لَمْ يخرج لأحد [3] اسمه مؤمَّل سواه في «الصَّحيح»، وقد أخرج لشخص اسمه مؤمَّل بن وهب المخزوميُّ _وهو من التَّابعين، ولم يأخذ عنه نفسه_ في كتاب «الأدب المفرد».
وأمَّا إسماعيل بن إبراهيم؛ فكذلك نسبه مسلم في (العيدين) في «صحيحه»، والذي ظهر لي أنَّه ابن عُليَّة، والله أعلم.
[
وتعليق إسماعيل هذا أخرجه مسلم في (الصَّلاة) عن يعقوب بن إبراهيم الدورقيِّ، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أيُّوب به] [4].
==========
[1] (
ما): مثبت من (ج).
[2]
في (ج): (وأمَّا)، وضرب على الواو في (أ).
[3] (
لأحد): ليس في (ب).
[4]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[
ج 1 ص 56]

(1/335)


[
باب الحرص على الحديث]

(1/336)


[
حديث: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد .. ]
99#
قوله: (حَدَّثَنِي [1] سُلَيْمَانُ): هو ابن بلال أبو محمَّد، مولى أبي بكر، عن زيد بن أسلم، وعبد الله بن دينار، وعنه: ابنه أيُّوب، والقعنبيُّ، ولُوين، ثقة إمام، وثَّقه أحمد، وابن معين، وجماعة، توفِّي سنة (172 هـ)، أخرج له الجماعة.
قوله: (الْمَقْبرِيِّ [2]): تقدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتحها، وكسرها [3]، ولماذا نُسِب.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من ثلاثين قولًا.
قوله: (أن لا يَسْأَلنِي [4]): هو بفتح اللَّام [وضمِّها، وكذا هو مضبوط بالقلم في أصلنا، وضمُّها على أنَّها مخفَّفة من الثقيلة.
قوله: (أَوَّلَ مِنْكَ): هو بفتح اللَّام] [5]، كذا هو مضبوط في أصلنا، وبخط الدِّمياطيِّ: (أوَّلُ)؛ بالرفع بالقلم، وعليه في أصلنا: (صح)، والضَّم [6] على الصِّفة أو البدل من (أحد)، ونصبه على الظرف، ورأيت عن أبي [7] البقاء في إعرابه الحديث: نصب (أول) هنا على الحال؛ لأنَّه في معنى: لا يسألني أحد سابقًا لك، وجاز نصبه على الحال على النكرة؛ لأنَّها في سياق النَّفي، فتكون عامَّة) انتهى.
وعن القاضي: على أنَّه مفعول ثانٍ لـ (ظننت).
==========
[1] (
حدثني): ليس في (ب).
[2] (
المقبري): ليس في (ب).
[3] (
وكسرها): ليس في (ب).
[4]
في (ب): (تسألني).
[5]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[6]
في (ج): (فالضم).
[7] (
أبي): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 56]

(1/337)


[
باب كيف يقبض العلم]
قوله: (إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ): هذا هو أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاريُّ المدنيُّ، اسمه أَبُو بكر، وكنيته أبو محمَّد، وُلِّي القضاء والإمرة والموسم على المدينة لسليمان ولعمر بن عبد العزيز، أرسل عن جدِّه، ورَوى عن خالته عمرة بنت عبد الرَّحمن، وروايته عن أبي حبَّة البدريِّ في «البخاريِّ» و «مسلم» في الإسراء منقطعة، وبيانه: أنَّ أبا حبَّة قُتِل بأحد، وأبو بكر توفِّي عن أربع وثمانين، سنة عشرين ومئة.
وفي «المستدرك» حديث في (الفرائض) [1] من روايته عن عَبْد الله بن زيد الذي أُرِيَ النداء، قال الحاكم: (على شرط البخاريِّ ومسلم)، وقد تقدَّم سنُّ أبي بكر ووفاته أعلاه.
وأمَّا عَبْد الله الذي أُري النداء؛ فتوفِّي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان، وقد قال الحافظ الرشيد العطَّار: (إنَّه لَمْ يسمع من أحد من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وفي «تهذيب الذَّهبيِّ»: (أنَّه لَمْ يدرك صاحب الأذان)، ورَوى عنه: ابناه عَبْد الله ومحمد، والزُّهريُّ، ويزيد بن الهادي [2]، ويحيى بن سعيد الأنصاريُّ، وخلق، وكان من علماء زمانه، وثَّقه ابن معين وغيره، مناقبه معروفة، تقدَّمت [3] وفاته أعلاه، وقد روى له الجماعة.
قوله: (وَلَا يُقْبَلُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعلُه، كذا هو في أصلنا، وعليه (صح)، فعلى هذا؛ (حديث): مرفوع على الاستثناء المفرغ، وفي هامش أصلنا نسخة: (تَقبَل)؛ مبنيٌّ للفاعل خطاب له، مجزوم على النَّهي، فعلى هذه؛ (حديث): منصوب؛ لأنَّه مفعول، وهذا ظاهر.
قوله: (وَلْيُفْشُوا العِلْمَ): هو بضمِّ أوَّل (يُفشوا)؛ لأنَّه رباعيٌّ، واللَّام فيه لام الأمر، وكذا (وَلْيَجْلِسُوا): مجزوم بلام الأمر.
قوله: (حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ): هو بضمِّ أوَّل (يُعَلَّم) الأولى، وتشديد لامها، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (يَعْلَم) الثَّانية: بفتح الياء، وإسكان العين، [كذا هو في أصلنا مضبوط فيهما بالقلم، ثمَّ راجعت ذلك؛ فوجدتها قد غُيِّرت، وعُمِلَت الأولى: (يَعْلم)؛ بفتح الياء، وإسكان العين] [4]؛ فاعلم ذلك.
قوله: (لاَ يَهْلِكُ): هو بكسر اللَّام، وهذا ظاهر.
قوله: (سِرًّا): هو ضدُّ الفاشي، وهذا ظاهر أيضًا.
==========
[1] (
في الفرائض): ليس في (ب).
[2]
في (ج): (الهاد).
[3]
في (ج): (وتقدمت).
[4]
ما بين معقوفين سقط من (ب) و (ج).

(1/338)


[
ج 1 ص 56]

(1/339)


[
حديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا]
100#
قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ): كذا في أصلنا بغير ياء، وقد تقدَّم [الكلام] عليه، وكلام [1] ابن الصَّلاح والنَّوويِّ فيما مضى؛ فانظره إن أردته.
قوله: (رُؤُوسًا): قال النَّوويُّ: (في «البخاريِّ»: بضمِّ الهمزة والتنوين، جمع رأس، وفي «مسلم» بوجهين؛ الثَّاني: أنَّه [2] بفتح الهمزة، جمع رئيس)، والله أعلم.
==========
[1]
في (ج): (كلام).
[2] (
إنه): ليس في (ج).
[
ج 1 ص 56]

(1/340)


[
باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم؟]
قوله: (هَلْ يُجْعَلُ لِلنِّسَاءِ يَوْمٌ): (يُجعل): مبنيٌّ [1] لما لَمْ يسمَّ فاعله، و (يومُ): قائم مقام الفاعل، وفي نسخة: (يَجعل يومًا)؛ بفتح أول (يجعل) مبنيٌّ للفاعل، و (يومًا): منصوب مفعول.
قوله: (عَلَى حِدَةٍ): هي بكسر الحاء، وفتح الدَّال المخفَّفة المهملتين؛ أَي: ناحية؛ أَي: وحدهنَّ، والهاء في آخر الكلمة عوض من الواو المحذوفة من أوَّلها؛ كما في (عِدَة) و (زِنَة).
وقد [2] رأيت وأنا صغير بدمشق في سنة بضع وخمسين بمرج الدحداح مسجدًا، وفيه شيخ كبير جدًّا جالس على كرسيٍّ، وحوله نسوة كثير [3]، وليس [4] بينهنَّ رجل بل [5] ولا مراهق، وهو يتكلَّم عليهنَّ، وهذا فعل حسن.
==========
[1]
زيد في (ب): (للمفعول).
[2]
كتب في هامش (أ): (مسألة الوعظ على النساء خاصة).
[3]
في (ج): (كثيرة).
[4]
في (ج): (ليس).
[5] (
بل): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 56]

(1/341)


[
حديث: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال]
101# 102#
قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): لا يصرف؛ للعجمة والعلميَّة، أو لها ووزن الفعل إن قلنا: عربيٌّ، وهو قول الجواليقيِّ [1]،
[
ج 1 ص 56]
وهو آدم بن أبي إياس العسقلانيُّ، عنِ ابن أبي ذئب، وشعبة، وأمم، وعنه: البخاريُّ، وأبو حاتم، وخلق، قال أبو حاتم: (ثقة مأمون متعبِّد، من خيار عباد الله)، توفِّي سنة (221 هـ)، وقيل غير ذلك، أخرج له البخاريُّ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.
قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ): هو عبد الرَّحمن، وسيأتي في الحديث بعد هذا مسمًّى، وهو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن الأصبهانيِّ كوفيٌّ، كان يتجر إلى أصبهان، عن أنس، وزيد بن وهب، وعنه: ابن أخيه محمَّد بن سليمان [2]، وشعبة، والسفيانان، وأبو عوانة، وطائفة، ثبت، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وغيره، وقال ابن حبَّان: (مات في إمارة خالد بن عبد الله على العراق).
وأصبهان؛ بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أشهر، وبالباء والفاء، في «ابن قُرقُول»: قيَّدناها بالفتح عن أكثر شيوخنا، وقيَّدها أبو عبيد البكريُّ بالكسر، قال: (وأهل المشرق يقولونه: أصفهان، وأهل المغرب: بالباء)، وهي مدينة عظيمة، ليس بنا حاجة إلى ترجمتها.
قوله: (سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ): هذا هو أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات، شهد الدار، ورَوى عن عائشة، وأبي هريرة، وعنه: بنوه عَبْد الله وسهيل وصالح، والأعمش، وكان من الأئمَّة الثِّقات، سمع منه الأعمش ألف حديث، توفِّي بالمدينة سنة (110 هـ)، أخرج له الجماعة.
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ): تقدَّم مرَّات أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ؛ بالدَّال المهملة، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

(1/342)


قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَتيْنِ؟ [3]): هي أمِّ مبشِّر [4]، وقيل: أمُّ سُلَيم، وقيل: أمُّ هانئ، ذكر ذلك ابن بشكوال، قال ابن شيخنا البلقينيِّ هنا: (وفيه نظر، سنبسطه)، وقال في (الجنائز): (والحديث عن أمِّ سُلَيم بنت ملحان، رواه أحمد والطَّبرانيُّ في «الكبير»: أنَّها قالت لما سمعت الحديث: قلت: يا رسول الله؛ واثنان؟ قال: «واثنان»، وحديث أمِّ مبشِّر رواه الطَّبرانيُّ في «الكبير»، وفيه: المثنَّى بن الصباح، وهو ضعيف، ولفظه عن أمِّ مبشِّر: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لها: «يا أمَّ مبشِّر؛ من كان له ثلاثة أفراط من ولده؛ أدخله الله الجنة بفضل رحمته إيَّاهم»، وكانت أمُّ مبشِّر تطبخ طبيخًا، فقالت: أو فرطان)، وحينئذٍ هاتان واقعتان، فلا ينبغي أن نجعل ذلك خلافًا.
وأمَّا أمُّ هانئ؛ فلم أقف على حديثها، وفي «الطَّبرانيِّ الأوسط» و «الكبير» عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من دفن له [5] ثلاثة فصبر عليهم واحتسب؛ وجبت له الجنَّة»، [فقالت أمُّ أيمن: أو اثنين، فقال: «من دفن اثنين فصبر عليهما واحتسب؛ وجبت له الجنَّة»] [6]، فقالت أمُّ أيمن: وواحد؟ فسكت وأمسك، ثمَّ قال: «يا أمَّ أيمن؛ من دفن واحدًا فصبر عليه واحتسب؛ وجبت له الجنَّة»، في إسناده: ناصح بن عَبْد الله، وهو متروك.
ورَوى البيهقيُّ في (كتاب الجنائز) من «السُّنَّن» عن أبي زميل سماك بن الوليد الحنفيِّ عنِ ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّه سمع النَّبيَّ [7] صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «من كان له فرطان من أمَّتي؛ أدخله الله [8] الجنَّة»، فقالت عائشة: وواحدة يا رسول الله؟ قال: «وواحدة يا موفَّقة»، ثمَّ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فمن لَمْ يكن له من أمَّتي فرط؛ فأنا فرط من لَمْ يكن له فرط، لَمْ يصابوا بمثلي» انتهى ببعض اختصار.
فائدة: جاء في «التِّرمذيِّ» من حديث أبي عبيدة بن عَبْد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع مِنْهُ، وفي السَّند [9] أيضًا مجهول، وهو أبو محمَّد مولى عمر بن الخطَّاب؛ لأنَّه لَمْ يرو عنه فيما أعلم إلَّا العوَّام بن حَوْشَب، وقد استغرب الحديثَ التِّرمذيُّ.

(1/343)


وفي «ابن ماجه» من حديثه أيضًا: «من قدَّم ثلاثة من الولد لَمْ يبلغوا الحنث؛ كانوا له حصنًا حصينًا من النار»، فقال أبو ذرٍّ: قدمت اثنين، قال: «واثنين»، قال أُبيُّ بن كعب: قدَّمت واحدًا، قال: «وواحدًا»، وقد روى الإمام أحمد في «المسند» من حديث معاذ: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما من مسلمَين يتوفَّى لهما ثلاثة من الولد؛ إلَّا أدخلهما الله الجنَّة بفضل رحمته إيَّاهما»، فقالوا: يا رسول الله؛ أو اثنان؟ قال: «أو اثنان» [10]، قالوا: أو واحد [11]؟ قال: «أو واحد»، ثمَّ قال: «أي والذي نفسي بيده؛ إنَّ السقط ليجرُّ أمَّه بِسرَرِهِ إلى الجنَّة»، وهو ضعيف بالطَّريق التي ساقها أحمد، والله أعلم.
قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم أنَّ بَشَّارًا؛ بفتح الموحَّدة، وتشديد الشِّين المعجمة، وأنَّه بُنْدَار، وتقدَّم بعض ترجمته، وما هو البُنْدَار.
قوله: (حَدَّثَنَا غُنْدرٌ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مضمومة ومفتوحة مهملة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وتقدَّم لما لُقِّب بهذا، ومَن لقَّبه.
[
قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ): تقدَّم أعلاه [12] الكلام عليه، وعلى أصبهان] [13].
قوله: (عَنْ ذَكْوَانَ): تقدَّم أعلاه [14] الكلام على بعض ترجمته، وأنَّه أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات.
قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): تقدَّم أنَّه الخدريُّ سعد بن مالك بن سنان، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.
قوله: (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ثَلاَثَةً ... ) إلى آخره: ليس هذا تعليقًا، وإنَّما هو بالسَّند الذي قبله؛ يعني: حَدَّثني به محمَّد بن بشَّار: حدَّثنا غُنْدر: حدَّثنا شعبة عن عبد الرَّحمن بن [15] الأصبهانيِّ قال: سمعت أبا حازم به؛ فاعلم ذلك، ولا تظنَّه تعليقًا، والله أعلم.

(1/344)


قوله: (سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ): (أَبُو حازم)؛ هذا بالحاء المهملة، واسمه سلمان الأشجعيُّ، مولى عزَّة، جالس أبا هريرة خمس سنين وغيره، وعنه: محمَّد بن جحادة، والأعمش، وخلق، توفِّي سنة (100 هـ)، كذا أرَّخه الذَّهبيُّ في «كاشفه» [16]، وقال في «التَّذهيب» [17]: (مات في خلافة عمر بن عبد العزيز) انتهى، وعمر تُوُلِّي [18] في صفر سنة تسع وتسعين، وتوفِّي في رجب سنة إحدى ومئة، أخرج له الجماعة، كوفيٌّ نبيل، وثَّقه أحمد وابن معين.
فائدة: اعلم أنَّ أبا حازم اثنان تابعيَّان، يرويان عنِ الصَّحابة، فالأول [19] منهما: أبو حازم الأشجعيُّ سلمان، صاحب التَّرجمة، والثَّاني: أَبُو حازم سلمة بن دينار الأعرج، يروي عن سهل بن سعد، روى عنه: مالك، والثَّوريُّ، وابن عيينة، وغيرهم، ونسبه الكلاباذيُّ: (أبا حازم الأعرج التَّمَّار الزَّاهد)، وذِكْرُ (التَّمَّار) في نسبه وهمٌ، وأَبُو حازم التَّمَّار المدنيُّ رجل ثالث، واسمه دينار مولى أبي رُهْم الغفاريِّ، يروي عنِ البياضيِّ وغيره، روى عنه: محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميُّ، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وَحديثه في «الموطَّأ»، وليس لأبي حازم سلمة بن دينار في الكتب السِّتَّة
[
ج 1 ص 57]
عن أبي هريرة شيء، وإنَّما الأحاديث التي في الكتب السِّتَّة عن أبي هريرة من رواية أبي حازم عنه، فإنَّما هو سلمان صاحب التَّرجمة، والله أعلم.
قَوْلُهُ: (الْحِنْثَ): هو بكسر الحاء المهملة، وإسكان النُّون، ثمَّ بالثَّاء المثلَّثة؛ أي: الإثم؛ يعني: ماتوا قبل بلوغهم سنَّ التَّكليف، فتكتب [20] عليهم الآثام، قال الجوهريُّ: (بلغ الغلام الحنث؛ أي: المعصية والطاعة) انتهى.
ورَوى الدَّاوديُّ: (لَمْ يبلغوا الخُبث)؛ أي: فعل المعاصي؛ يعني: بالخاء المعجمة المضمومة، ثمَّ موحَّدة، ثمَّ الثَّاء، وهذا لا يُعرَف، قاله ابن قُرقُول.
==========
[1]
زيد في هامش (أ) بخط مغاير: (وإن قلنا: أعجمي؛ فهو غير منصرف؛ للعجمة والعلمية).
[2]
في (ب): (السليمان).
[3]
في (ج): (واثنين).
[4]
في (ج): (بشر).
[5] (
له): ليس في (ج).
[6]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[7]
في (ج): (رسول الله).
[8]
اسم الجلالة مثبت من (ج).
[9] (
السند): ليس في (ج).
[10] (
أو اثنان): ليس في (ب).
[11]
في (أ) و (ج): (واحدًا)، وكذا في الموضع اللاحق.
[12]
في (ج): (قريبًا).
[13]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[14]
في (ج): (قريبًا).

(1/345)


[15] (
بن): ليس في (ب).
[16]
في (ب): (جامعه).
[17]
في (ج): (التهذيب).
[18]
في (ب) و (ج): (توفي).
[19]
في (ب): (والأول).
[20]
في (ب): (فكتب).

(1/346)


[
باب من سمع شيئًا فراجع حتى يعرفه]
(
باب مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَرَاجَعَ فِيْهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ) ... إلى (باب السَّمَرِ في الْعِلْمِ [1])
==========
[1]
في «اليونينيَّة»: (بالعلم).
[
ج 1 ص 58]

(1/347)


[
حديث: أنَّ عائشة كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه]
103#
قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ رَضَيَ اللهُ عَنْهَا [1]): تقدَّم أنه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وتقدَّم نسبه وبعض ترجمته؛ فانظره إنْ أردته.
ثمَّ [2] اعلم أنَّ هذا الحديث استدركه الدَّارقطنيُّ على الشَّيخين، وقال: (اختلفت الرِّواية فيه عنِ ابن أبي مليكة، فروي عنه عن عائشة، وعنه عنِ القاسم عنها، وجوابه: أنَّ هذا ليس علَّةً؛ لجواز [3] أن يكون سمعه منها، ومن القاسم عنها، والله أعلم).
قوله: (وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أنَّ): بفتح الهمزة، وكذا هو مضبوط في أصلنا بالقلم.
قوله: (أَوَلَيْسَ): هو بفتح الواو على الاستفهام، وقد قدمت متى تكون الواو من (أو) ساكنة أو متحرِّكة؛ فانظره.
قوله: (ذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث.
قوله: (يَهْلِكْ): تقدَّم قريبًا أنَّه بكسر اللَّام.
==========
[1]
الترضية: ليس في «اليونينيَّة» و (ق).
[2] (
ثم): ليس في (ج).
[3]
في (ج): (الجواز).
[
ج 1 ص 58]

(1/348)


[
باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب]
قوله: (ليُبَلِّغِ [1] العِلْمَ): هو بنصب (الْعِلْمَ) مفعول أوَّل، و (الشَّاهِدُ) فاعله مرفوع، و (الْغَائِبَ) منصوب مفعول ثان.
==========
[1]
في (ب): (لينفع).
[
ج 1 ص 58]

(1/349)


[
حديث: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس]
104#
قوله: (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ): هو بضمِّ الشِّين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة، واسمه خويلد بن عمرو، وقيل بالعكس، وقيل: كعب بن عمرو، وقيل: هانئ بن عمرو، حمل لواء قومه يوم الفتح، وكان من العقلاء، توفِّي سنة (76 هـ) رضي الله عنه.
قوله: (لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ): (عمرو) هذا: هو ابن سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي [1] بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف أبو [2] أميَّة الأَمويُّ، الملقَّب بالأشدق، أحد رؤوس بني أميَّة وأشرافهم، أَرسَل عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ورَوى عن أبيه، وعن [3] عمر، وعثمان، وعائشة، وغيرهم، وعنه: بنوه أميَّة وموسى وسعيد، وغيرهم، وُلِّي المدينة لمعاوية ولابنه، ثمَّ تطلَّب الخلافة بعدُ، ترجمته معروفة، ذكره في «الميزان» تمييزًا، له في «مسلم»، و «التِّرمذيِّ»، و «النَّسائيِّ»، قُتِل سنة سبعين، وقيل غير ذلك.
تنبيه: اعلم أنَّ ما وقع هنا وقع في «مسلم» أيضًا، وهو الصَّحيح المعروف؛ أنَّ أبا شريح قال لعمرو بن سعيد، ووقع في «سيرة ابن إسحاق» من طريق زياد البكائيِّ قال: حدَّثني سعيد بن أبي سعيد المقبريُّ عن أبي شريح الخزاعيِّ قال: (لمَّا قدم عمرو بن الزُّبير إلى مكَّة لقتال أخيه عَبْد الله بن الزُّبير؛ جئته، فقلت له: يا [4] هذا؛ إنَّا كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين افتتح مكَّة، فلمَّا كان الغد من يوم الفتح ... )؛ الحديث، والصَّواب ما في «الصَّحيح»، والوهم فيه من دون ابن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير عنه على الصَّواب.
وقال شيخنا الشَّارح ما لفظه: (ووقع في «سيرة ابن إسحاق»: حدَّثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح قال: «لمَّا قدم عمرو بن الزُّبير مكَّة؛ قام إليه أبو شريح»؛ فذكره)، قال: (وكذا ذكر الواقديُّ عن رياح بن مسلم، عن أبيه قال: «بُعِثَ إلى عَبْد الله بن الزُّبير عمرو أخوه، فقام أبو شريح، فقال له ... »؛ الحديث، ولا التفات إلى ردِّ السُّهيليِّ له: بأنَّه وهم من ابن هشام، فهذا ابن إسحاق هو الذي ذكره، وسنده صحيح، وقد أوضحت شرحه في «شرح العمدة»؛ فليراجع منه) انتهى.
وقد راجعت كلام السُّهيليِّ؛ فوجدته كما قاله شيخنا، ولكن عقَّب السُّهيليُّ هذا التَّنبيه بأن قال: (ذكر هذا التَّنبيه على ابن هشام أبو عمر في كتاب «الأجوبة عنِ المسائل المستغربة») انتهى.

(1/350)


فخلص منه السُّهيليُّ، لكن كان ينبغي له أن يتعقَّبه ولا يمشِّيه، والله أعلم.
قوله: (أُحَدِّثْكَ): [هو بجزم الثَّاء مِنْهُ، جواب الأمر.
قوله: (الْغَدَ) [5]] [6]: هو منصوب على الظرف، وهذا والذي قبله ظاهران.
قوله: (مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ): اعلم أنَّ الفتح كان في رمضان [يوم الجمعة لتسعَ عشرةَ خلت مِنْهُ، وفي «مسلم» في (الصوم): (فصبَّح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكَّة لثلاثَ عشرةَ خلت من رمضان)] [7]، ثمَّ ذكر عن أبي سعيد قال: (غزونا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لستَّ عشرةَ مضت من رمضان)، وفي رواية: (لثمانِ عشرة خلت)، وفي رواية: (ثنتي عشرة)، وفي رواية: (لسبع عشرة أو تسع عشرة).
قال النَّوويُّ: (والمشهور في كتب المغازي: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج في غزوة الفتح من المدينة لعشر خلون من رمضان، ودخلها لتسع عشرة خلت مِنْهُ، ووجه الجمع بين هذه الرِّوايات ... )، ثمَّ أخلى بياضًا؛ ليجمع، ولم يجمع.
وفي «سيرة مغلطاي الصُّغرى» في (الفتح): (وطاف النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالبيت يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان) انتهى [8]
وقال ابن قيِّم الجوزيَّة: (إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج من المدينة إلى مكَّة في أواخر رمضان بعد مضي ثماني عشرة ليلة منه)، ثمَّ ساق مستنده.
غريبة: وقع في هذا «الصَّحيح» في (باب غزوة الفتح في رمضان) من كلام ابن عبَّاس: (وذلك على رأس ثماني سنين ونصف من مَقدَمِه المدينة)، وفيه نظر؛ لما تقدَّم من أنَّه سنة ثمان، ولا أعلم فيه خلافًا، ولو كان كما ذكر؛ لكان الفتح في السَّنة التَّاسعة، ولا أعلم به قائلًا إلَّا ما ذكرت عنه، وسواء قلنا: إنَّ أول التَّأريخ ربيع الأوَّل شهر المقدم، أو المحرَّم أوَّل سنة المقدم، أو على القول الغريب الذي سأذكره من أنهم أسقطوا بقيَّة سنة المقدم، وأرَّخوا من ثاني سنة، والله أعلم.
تنبيه آخر: المشهور أنَّ فتح مكَّة كان يوم الجمعة، وفي «سيرة مغلطاي» ما لفظه: (وذكر يعقوب عنِ ابن عبَّاس: ولد عليه الصَّلاة والسَّلام يوم الاثنين، وخرج من مكَّة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح [9] مكَّة يوم الاثنين ... ) إلى آخره.

(1/351)


قوله: (إِنَّ مَكَّةَ): سمِّيت بذلك؛ لقلة مائها، أو لأنَّها تمكُّ الذنوب، ومن أسمائها: بكَّة؛ بالباء، وهي لغة فيها؛ لأنَّها تبُكُّ أعناق الجبابرة؛ أي: تدقُّها، والبكُّ: الدَّقُّ، أو لازدحام الناس بها يبكُّ بعضهم بعضًا؛ أي: يدفعه في زَحمة الطواف، وقال آخرون: إنَّ مكَّة غير بكَّة، فقيل: الأولى: الحرم كلُّه، والثَّانية: المسجد خاصَّة، وقيل: الأولى: البلد، والثَّانية: البيت، قيل: وموضع الطواف أيضًا.
فائدة [10]: لمكَّة عدًّة أسماء ذكرها شيخي مجد الدين الفيروزأباذي فيما قرأته عليه بالقاهرة _ولم ألقه إلَّا بها_ في كتابه [11] «تحبير الموشين في التَّعبير بالسِّين والشِّين»، ولفظه: (ومن أسماء مكَّة: العروض، والمعاد، وأمُّ رُحْمٍ
[
ج 1 ص 58]
بالرَّاء المهملة، وأمُّ راحم، وأمُّ الرُحْم، وأمُّ زُحْم _وهذه بالزاي_، وأمُّ صُبْح، وأمُّ القُرَى، والبلد، والبلدة، والبلد الأمين، والبلد الحرام، والرِّتاج [12]، والناسة، والنسناسة [13]، وطيبة، والقادس، والمقدَّسة، وقرية النمل، ونقرة الغراب، وقرية الحُمْس، وصَلاحِ _ كقطامِ_، وصلاحٌ _ منوَّنة_، والحاطمة [14]، وكُوثَى، وسَبُوحة، والسلام، والعذراء، ونادرة، والوادي، والحرم، والنَجْر، والقرية، وبكَّة، ومكَّة، والعَرْشُ، والعُرْشُ، والعريش، والعِروش، والحُرمة، والحِرمة_ بالضَّمِّ والكسر_، وهذه السِّتة عنِ ابن عُدَيس ذكرها في كتابه «الباهر») انتهى.
ومن أسمائها: الرَّأس، ذكره [15] السُّهيليُّ في أوائل «روضه»، وذكر المحبُّ الطَّبَرِيُّ لها أسماء؛ منها: (المعظَّمة)، وذكر عنِ النَّوويِّ: (القادسة) انتهى.
وفي «شرح المنهاج» لشيخنا الشَّارح: (البيت، والبيت الحرام، والمأموم، والرَّأس، والثنيَّة)، وذكر أسماء أخرى تقدَّمت في «التَّحبير»، والله أعلم.
قوله: (حَرَّمَهَا اللهُ): إن قلت: ما الجمع بين هذا وبين قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ إبراهيم حرَّم مكَّة»؟
فالجواب: أنَّهم ذكروا في تحريم إبراهيم مكَّة احتمالين؛ أحدهما: أنَّه حرَّمها بأمر الله تعالى له بذلك لا باجتهاده، فلهذا أضاف التَّحريم إليه تارة، وإلى الله تارة، والثَّاني: أنَّه دعا لها، فحرَّمها الله تعالى بدعوته، فأضيف التَّحريم إليه بذلك.

(1/352)


فائدة: اختلف في وقت تحريم مكَّة؛ فقيل: إنَّها ما زالت محرَّمة من يوم خلق الله السماوات والأرض، وشاهده في «الصَّحيح»: «إنَّ هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السماوات والأرض»، وقيل: ما زالت حلالًا كغيرها إلى زمن إبراهيم، ثمَّ ثبت لها التَّحريم من زمنه، وهذا القول موافق لحديث: «إنَّ إبراهيم حرَّم مكَّة»، والقول الأوَّل للحديث الذي ذكرته، وبه قال الأكثرون.
وأجابوا عن حديث تحريم إبراهيم مكَّة: بأنَّ تحريمها كان ثابتًا من يوم خلق الله السماوات والأرض، ثمَّ خفي تحريمها، واستمرَّ خفاؤه إلى زمن إبراهيم، فأظهره وأشاعه، لا أنَّه ابتدأه.
ومن قال بالثَّاني؛ أجاب عنِ الحديث الأوَّل: بأنَّ الله كتب في اللوح المحفوظ أو في غيره يوم خلق السماوات والأرض: أنَّ إبراهيم سيحرِّم مكَّة بأمر الله.
قوله: (أَنْ يَسْفِكَ): هو بكسر الفاء وضمِّها، لغتان.
قوله: (وَلاَ يَعْضِدَ): بكسر الضَّاد؛ أي: يقطع، يقال: عضدت الشَّجر أعضِده _ بالكسر_؛ أي: قطعته بالمِعْضد، فهو معضود، وعَضَد؛ بالتَّحريك.
قوله: (لِقِتَالِ): اللَّام بمعنى الباء.
قوله: (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ): قال أبو عبيد في (كتاب الأموال): (هي من أوَّل النهار إلى العصر)، (ونُقِل لي عن بعض الفضلاء: أنَّها كذلك في «مسند أحمد») [16].
قوله: (لأَبِي شُرَيْحٍ): تقدَّم قريبًا أنَّه بالشِّين المعجمة [17]، وفي آخره حاء مهملة، وتقدَّم بعض ترجمته رَضِيَ الله عنه، والاختلاف في اسمه واسم أبيه.
قوله: (بِخَرْبَةٍ): هي بخاء معجمة مفتوحة، ثمَّ راء ساكنة، ثمَّ موحَّدة مفتوحة، ثمَّ تاء، قال ابن قُرقُول: بضمِّ الخاء _يعني: المعجمة_ ضبطه الأصيليُّ، وضبطه غيره: بالفتح، وكذا قيَّدناه في «مسلم» بلا خلاف، وصوَّب بعضهم: الفتح، وفي (الحجِّ) من «البخاريِّ»: «الخربة: البليَّة»، ومثله في رواية الهمدانيِّ، وفي رواية المستملي يعني: (السرقة)، وفي روايته في (المغازي): (البَليَّة)، وقال الخليل: (الخُربة؛ بالضَّمِّ: الفساد في الدين، وهو من الخارب، وهو اللصُّ المفسد في الأرض، ولا يكاد يستعمل إلَّا في سارق الإبل)، وقال غيره: الخَربة؛ بالفتح: السرقة، وقيل: العيث، وأمَّا الخِرابة _بخاء معجمة_؛ فهي سرقة الإبل خاصَّة، وبالحاء المهملة في كلِّ شيء.

(1/353)


وقال في «النهاية» بعد أنَّ فسَّر الخُربة: (وقد روى التِّرمذيُّ: «بخِربة»، فيجوز أن يكون بكسر الخاء؛ وهو الشَّيء الذي يستحيا مِنْهُ، أو من الهوان والفضيحة، ويجوز أن يكون بالفتح؛ وهي الفَعلة الواحدة منهما) انتهى.
قوله: (فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ [18] عَمْرٌو؟ ... ) إلى آخره: كلام عمرٍو الأشدق لَمْ يسنده إلى راويه، وقد شنَّع الحافظ أبو محمَّد بن حزم في «محلَّاه» في (الجنايات)، فقال: (لا كرامة للطيم الشَّيطان الشُّرْطيِّ [19] الفاسق، يريد أنَّ يكون أعلم من صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم! قال: وهذا الفاسق هو العاصي لله ولرسوله ومن ولَّاه أو قلَّده، وما حامل الخربة في الدنيا والآخرة إلَّا هو ومن أمَّره وأيَّده، ثمَّ ضعَّف قوله، قاله [20] شيخنا الشَّارح.
==========
[1] (
بن سعيد بن العاصي): ليس في (ج).
[2]
في (ب): (ابن).
[3] (
أبيه، وعن): ليس في (ب).
[4]
في (ج): (ما).
[5]
في (ج): (أبعد).
[6]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[7]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[8] (
انتهى): ليس في (ج).
[9]
في (ج): (وافتتح).
[10]
زيد في هامش (أ): (مطلب في أسماء مكة).
[11]
في (ج): (كتاب).
[12]
في (ج): (والمرتاج).
[13]
في (ج): (والنساسة).
[14]
في (ب): (والخاطمة).
[15]
في (ج): (ذكرها).
[16]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[17] (
المعجمة): ليس في (ب).
[18]
زيد في النسخ: (لك)، وليست في «اليونينيَّة» و (ق).
[19] (
الشرطي): ليس في (ب).
[20] (
قاله): ليس في (ج).

(1/354)


[
حديث: فإن دماءكم وأموالكم عليكم]
105#
قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حمَّاد بن زيد بن درهم الإمام، أبو إسماعيل الأزديُّ الأزرق، أحد الأعلام، أضرُّ، وكان يحفظ حديثه كالماء، عن أبي عمران الجونيِّ، وثابت، وأبي جمرة، وعنه: مسدَّد، وابن المدينيِّ، قال ابن مهديٍّ: (ما رأيت أحدًا لم يكن يكتب أحفظ مِنْهُ، وما رأيت بالبصرة أفقه مِنْهُ، ولم أر أعلم بالسُّنَّة مِنْهُ)، عاش إحدى وثمانين سنة [1]، توفِّي في رمضان سنة (179 هـ)، أخرج له الجماعة، ثقة كبير القدر.
قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ اسم أبي تميمة كيسان.
قوله: (عَنْ مُحَمَّدٍ): هو ابن سيرين العالم المشهور، تقدَّم، وتقدَّم كم هم أولاد سيرين.
قوله: (عَنْ ابْنِ [2] أَبِي بَكْرَةَ): هذا هو عبد الرَّحمن بن أبي بكرة، وقد صرَّح به في هذا «الصَّحيح» في بعض الطرق، وصرَّح به مسلم أيضًا في «صحيحه» في غالب طرق الحديث، وكذا وضع هذا الحديث المزِّيُّ في «أطرافه» في ترجمة عبد الرَّحمن بن أبي بكرة عن أبيه.
وأولاد أبي بكرة ستَّةٌ: عبد الرَّحمن أخرج له الجماعة، ومسلم أخرج له مسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وعبد العزيز أخرج له مسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، ويزيد، وعبيد الله، وروَّاد [3]، وكَيِّسة؛ بالتشديد [4] أخرج لها أبو داود.
قوله: (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ): هو نُفيع بن الحارث، تقدَّم، وتقدَّم [5] بعض ترجمته رضي الله عنه.
قوله: (ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (النَّبيَّ): منصوب؛ لأنَّه مفعول (ذكر)، وفاعله هو عائد على (أبي بكرة)؛ يعني: أنَّه رفع الحديث ولم يوقفه.
قوله: (قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ): (محمد): هذا [6] هو ابن سيرين؛ كما تقدَّم أعلاه.
قوله: (وَأَعْرَاضَكُمْ): هو جمع عِرْض، وقد تقدَّم الكلام عليه [7] فيما مضى.
قوله: (وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ): هو ابن سيرين، كما تقدَّم أعلاه.
==========
[1] (
سنة): ليس في (ج).
[2] (
ابن): ليس في (ب).
[3]
في النسخ: (داود)، والمثبت من «تهذيب الكمال» (30/ 6).
[4] (
وكيسة بالتشديد): ليس في (ج).
[5] (
وتقدم): ليس في (ب).
[6] (
هذا): ليس في (ب).
[7] (
عليه): مثبت من (ج).
[
ج 1 ص 59]

(1/355)


[
باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم]
قوله: (باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): اعلم أنَّ الأحاديث التِّي ذكرها البخاريُّ دالَّة على تعظيم الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّه كبيرة، والمشهور: أنَّ فاعله لا يكفر إلَّا أنَّ يستحلَّ ذلك؛ خلافًا لأبي محمَّد الجوينيِّ والد إمام الحرمين؛ حيث قال: (يكفر ويراق دمه)، وضعَّفه ولدُه الإمامُ، وجعله من هفوات والده.
وقد رأيت بخطِّ بعض فضلاء الحلبيِّين ممَّا انتقاه من كتاب «المقدمات» للشيخ عماد الدين ابن كثير الحافظ المتأخِّر الذي عاصرناه، ولكن أخذ عنه بعض مشايخنا وبعض أصحابنا رحمه الله: (أن أبا محمَّد الجوينيَّ تابعه على ذلك أبو الفضل الهمذانيُّ شيخ ابن عَقِيل الحنبليِّ) انتهى.
ولكن في خطِّ المشار إليه: (تابع أبا محمَّد الجوينيَّ في تكفير من استحلَّ الكذب على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ... )؛ فذكره، ولا شكَّ أنَّ هذا وهم بلا خلاف، بل المعروف ما نقلته عن أبي محمَّد، ولا يصحُّ ما في هذه الكتابة، والله أعلم.
وقد قال الذَّهبيُّ في كتابه «الكبائر» ما لفظه: (قد ذهب طائفة من العلماء إلى أنَّ الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفر ينقل عنِ الملَّة)، قال: (ولا ريب أنَّ تعمُّد الكذب على الله ورسوله في تحليل حرام أوتحريم حلال كفرٌ محضٌ) انتهى.
نعم؛ من كذب في حديث واحد عمدًا [1]؛ فسق، ورُدَّت شهادته، ورُدَّت رواياته كلُّها وإن تاب، وبه قال أحمد ابن حنبل وأبو بكر الحميديُّ.
[
ج 1 ص 59]
وأطلق أبو بكر الصيرفيُّ الكذب، والظَّاهر من عبارته أنَّ مراده في الحديث، وهذا نظير ما قاله [2] مالك في شاهد الزور إذا تاب: (إنَّها لا تقبل شهادته)، وما قاله الشَّافعيُّ وأبو حنيفة فيمن رُدَّت شهادته بالفسق أو العداوة، ثمِّ تاب وحسُنت حالته: (لا يقبل منه إعادتها؛ لما يلحقه من التهمة في تصديق نفسه)، وما قاله أبو حنيفة في قاذف المحصَن إذا تاب: (لا تقبل شهادته أبدًا)، وما قاله أيضًا: من أنَّه إذا رُدَّت شهادة أحد الزوجين للآخر، ثمَّ مات؛ لا يسمع للتهمة، ولأنَّ الكذب على رسول الله [3] صلَّى الله عليه وسلَّم مفسدة عظيمة؛ لأنَّه يصير شرعًا مستمرًّا إلى يوم القيامة، فجعل ذلك تغليظًا وزجرًا من الكذب عليه بخلاف غيره
قال ابن المبارك: (من عقوبة الكذَّاب أنَّه يُردُّ عليه صِدقُه)، وخالف النَّوويُّ في ذلك، فقال: (المختار القطع بصحَّة توبته من ذلك، وقبول روايته بعد صحَّة التوبة بشروطها)، وقد أجمعوا على قبول رواية من كان كافرًا ثمَّ أسلم، وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الرِّواية والشهادة.
==========
[1] (
عمدًا): ليس في (ج).
[2]
في (ب): (قال).
[3]
في (ج): (النَّبي). 
[
حديث: لا تكذبوا علي فإنه من كذب علي فليلج النار]
106#
قوله: (أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ): هذا هو ابن المعتمر أَبُو عتَّاب السُّلميُّ، من أئمِّة الكوفة، عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعنه: شعبة، والسفيانان، وخلق، قال: (ما كتبت حديثًا قطُّ)، مناقبه جمَّة، أخرج له الجماعة، توفِّي سنة (132 هـ)، ثقة، تقدَّم.
قوله: (رِبْعِي بْن حِرَاشٍ): هو بكسر راء (رِبعي)، وفي آخره ياء مشدَّدة؛ كياء النسبة، و (حِراش)؛ بحاء مهملة مكسورة، ثمَّ راء مخفَّفة، وفي آخره شين معجمة، كنيته أَبُو مريم العبسيُّ _ بالموحَّدة_ سمع عمر وابن مسعود، وعنه: منصور، وأبو مالك الأشجعيُّ، حجَّة، قانت لله، لم يكذب قطُّ، توفِّي سنة (104 هـ)، أخرج له الجماعة.
فائدة: قال جماعة عن عبد الملك بن عمير، _وهو ثقة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»،_ عن ربعيٍّ قال: (مات أخ لي فسجيناه، وذهبت ألتمس كفنه، فرجعت فكشفت الثوب عن وجهه، فقال: «إنِّي لقيت بعدكم ربِّي، فلقيت ربًّا غير غضبان، واستقبلني بروح وريحان، وإنَّ الأمر أيسر ممَّا في أنفسكم، فلا تغترُّوا»، ثمَّ كان بمنزلة حصاة رمي بها في ماء فرسبت، فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فصدَّقت بذلك، وقالت: كنَّا نتحدَّث، وفي لفظ: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «يتكلَّم رجل بعد موته») انتهى.
واعلم أنَّ هذا المتكلِّم هو مسعود بن حراش، أخو صاحب التَّرجمة، وكذا قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»، (وقال الذَّهبيُّ في «تذهيبه») [1] في ترجمة ربعيٍّ هذا: (قال ابن المدينيِّ: بنو حراش: ربعي وربيع ومسعود، لَمْ يُرْوَ عن مسعود شيء من كلامه إلَّا كلامه بعد الموت)، ثمَّ ذكر قصة أخيه ربعيٍّ، وفي [2] «مبهمات الخطيب» و «ابن بشكوال» حديث ربعيِّ بن حراش: (كنَّا إخوةً ثلاثة، وكان أعبدُنا وأصومنا وأفضلنا الأوسطَ منَّا)؛ فذكر كلامه بعد الموت، اسم أخيه الأوسط _وهو [3] المراد هنا_: الربيع بن حراش، قال ابن بشكوال: (ذكره سعيد بن أسد في «فضائل الصَّحابة») انتهى.
وفي «ثقات ابن حبَّان»: (أنه الربيع؛ المتكلِّم بعد الموت)، وكذا في «ابن ماكولا».
فالحاصل في المتكلِّم بعد الموت [4] قولان؛ أحدهما: مسعود أو الربيع، والله أعلم.
==========
[1]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[2]
في (ب): (في).
[3]
في (ج): (هو).
[4]
في (ج): (المتكلم).
[
ج 1 ص 60]

(1/358)


[
حديث: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار]
107#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): هذا هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، الحافظ، عن هشام الدستوائيِّ، وشعبة، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، وابن الضَّريس، قال أحمد: (هو اليوم شيخ الإسلام)، وقال أَبُو زرعة: (كان إمامًا في زمانه)، وقال أَبُو حاتم: (إمام فقيه حافظ، ما رأيت في يده كتابًا قطُّ)، مات سنة (227 هـ)، وله (94) سنة، أخرج له الجماعة، ذكره صاحب «الميزان» تمييزًا.
قوله: (كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟): أخرج ابن ماجه الحديث في (السُّنَّة)، وفيه: (كما أسمع ابن مسعود وفلانًا وفلانًا [1])، فهذا عيَّن واحدًا ممَّن ذكر.
[
قوله: (أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ): هذا فيه مجاز؛ لأنَّه هاجر إلى الحبشة ولم يكن معه عليه الصَّلاة والسَّلام في الهجرة إلى المدينة [2]، ولا معه في الطَّائف، ولكن لمَّا كان الغالب عدم مفارقته له؛ قال ذلك] [3].
قوله: (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ): لفظ: (فليتبوَّأ): أمر ومعناه الخبر، وقيل: دعاء عليه.
هذا حديث جليل، متواتر مقطوع به، ولا يوجد له مشابه في طرقه وكثرتها، قال البزَّار: (رواه مرفوعًا نحو من أربعين صحابيًّا)، وقال ابن الصَّلاح: (إنَّه حديث بلغ عدد التواتر، رواه الجمُّ الكثير من الصَّحابة، قيل: إنَّهم يبلغون [4] ثمانين نفسًا، ولم يزل في [5] اشتهار، وكثرة طرق في هذه الأزمان)، وحَكى أَبُو بكر الصيرفيُّ في «شرح الرسالة»: أنَّه رواه أكثر من ستِّين صحابيًّا [6]، وجمع الحافظ أَبُو الحجَّاج يوسف بن خليل الدمشقيُّ طرقه في جزء ضخم، بلغ رواته فوق سبعين صحابيًّا، قاله شيخنا الشَّارح، وقال شيخنا العراقيُّ: (مئة واثنين) انتهى، وذُكِر في جملة رواته العشرةُ إلَّا عبد الرَّحمن بن عوف، وبلغ بهم الطَّبرانيُّ وابن منده: سبعة وثمانين؛ منهم: العشرةُ، ويجتمع من كلام ابن منده في «مستخرجه» وكلام ابن خليل: نحو المئة، وقال بعضهم: رواه مئتان من الصَّحابة، [وهذا حكاه النَّوويُّ في شرح مقدِّمة «مسلم»، قال شيخنا العراقيُّ: (وأخبرني بعض الحفَّاظ: أنَّه رواه مئتان من الصَّحابة] [7]، وأنا أستبعد وقوع ذلك) انتهى [8]

(1/359)


وعن ابن دحية في كلامه على رجب بعد أنَّ قال: (رُوِي من نحو تسعين صحابيًّا، وقد أُخرِج من نحو أربع مئة طريق) انتهى [9]، قال بعضهم: ولا يعرف حديث اجتمع على روايته العشرة سواه، وليس كما ذكر، فقد اجتمع ذلك في رفع اليدين والمسح على الخفَّين.
وقد ذكرت من روى حديث: «من كذب عليَّ» على حروف المعجم في المسوَّدة التي لهذا الكتاب [10]، والله أعلم.
وقد قال شيخنا العراقيُّ بعد أنَّ ذكرهم: (فهؤلاء خمسة وسبعون، يصحُّ من حديث نحو من عشرين، اتَّفق الشَّيخان على إخراج أحاديث أربعةٍ منهم، وانفرد البخاريُّ بثلاثة، ومسلم بواحد)، وإنَّما يصحُّ من حديث خمسةٍ من العشرة، والباقي أسانيدها ضعيفة، قال: (ولا يمكن التواتر في شيء من طرق هذا الحديث؛ لأنَّه يتعذَّر وجود ذلك في الطرفين والوسط، بل بعض طرقه الصَّحيحة إِنَّمَا هي أفراد عن بعض رواتها).
وقد زاد بعضهم في عدد هذا الحديث حتَّى جاوز المئة، ولكنَّه ليس هذا المتن، وإنَّما هي أحاديث في مطلق الكذب عليه؛
[
ج 1 ص 60]
كحديث: «من حدَّث عني بحديث وهو يرى أنَّه كذب؛ فهو أحد الكاذبين»، ونحو ذلك، فحذفتها ولم أعدَّها في طرق الحديث، ثمَّ رأيته بعدُ في «شرح مسلم» للنوويِّ، ولعلَّ هذا محمول على الأحاديث الواردة في مطلق الكذب، لا هذا المتن بعينه، والله أعلم.
ثمَّ اعلم أنِّي رأيت في كلام ابن عبد البَرِّ، وكذا في كلام أبي محمَّد ابن حزم، وكذا في كلام ابن تيمية أبي العبَّاس، (وكذا في كلام ابن القيِّم شمس الدين) [11] أحاديث كثيرة جدًّا، وصفوها بالتواتر، وما أظنُّهم أرادوا بذلك الذي ذكره الأصوليُّون، وإنَّما أرادوا الصحَّة والشهرة المستفيضة، وممَّا رأيت أنَّه ادَّعى فيه التواتر من الأحاديث [ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عمار بن ياسر قال: (وتواترت الآثار عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «تقتل عمارًا الفئةُ الباغية») انتهى.
وممَّا رأيته ادُّعي فيه التواتر] [12]: حنين الجذع، قال القاضي عياض في «الشفا»: (إنَّه متواتر).
وفي «التَّذكرة» للقرطبيِّ عنِ الآبُريِّ قال: (قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عنِ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ يعني: المهديَّ، وأنَّه من أهل البيت ... إلى آخر كلامه.
وَحديث: «من كذب عليَّ متعمِّدًا»، ذكره ابن الصَّلاح.
وَحديث مسح الخفِّ، جعله ابن عبد البَرِّ متواترًا.

(1/360)


وأحاديث الحوض، قال القاضي عياض: (إنَّ حديثه متواتر بالنقل).
وأحاديث الشَّفاعة، ذكر ذلك القاضي عياض: (أنَّه بلغ مجموعها التواتر).
وَحديث النَّهي عنِ الصَّلاة في معاطن الإبل، [قال ابن حزم في «المحلَّى»: (إنَّه نُقِل تواترٌ يوجب العلم).
وأحاديث النَّهي عنِ اتخاذ القبور مساجد، قال ابن حزم: (متواترة توجب يقين العلم).
ومن ذلك الأحاديث الواردة في قول المصلِّي: (ربَّنا لك الحمد ملء السماوات ... ) إلى: (بعدُ)، قال ابن حزم: (متواترة).
وَحديث اهتزاز [13] العرش لموت سعد بن معاذ، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة سعد: (إنَّه متواتر).
وَحديث رفع اليدين في الصَّلاة للإحرام والركوع [14] والرفع مِنْهُ] [15]، قال ابن حزم: (إنَّها متواترة).
وَحديث انشقاق القمر، قال شيخنا الشَّارح: (يبلغ بها حدَّ التواتر)، ذكر ذلك في تخريج أحاديث «مختصر ابن الحاجب في الأصول».
وذكر أيضًا شيخنا الشَّارح عنِ الحاكم: (أنَّه تواترت الأخبار: أنَّ إدريس في الرَّابعة، وتواترت الأخبار: أنَّ هارون في الخامسة، وتواترت الأخبار: أنَّ موسى في السَّادسة، وإبراهيم في السَّابعة) انتهى، وهذا كلُّه [16] في حديث واحد؛ وهو حديث الإسراء ورؤية الأنبياء المذكورين فيه.
وقال الحاكم أيضًا في «المستدرك»: (وقد تواترت الأسانيد بصحَّة خطبة عمر رضي الله عنه بذلك)؛ يعني: بقوله: (لا تغالوا بصدُقات النساء)، وهذا من الآثار من كلام عمر رضي الله عنه.
[
وادَّعى ابن بطَّال في «شرح البخاريِّ» تواتر حديث النَّهي عنِ الصَّلاة بعد الصبح وبعد العصر؛ أي: بعد فعلهما، كما نقله شيخنا عنه] [17].
وقد رأيت ادِّعاء التواتر في أحاديث كثيرة _في غير كلام الأربعة الذين ذكرتهم أوَّلًا كما ذكر الحاكم في «المستدرك» قال ما لفظه: (تواترت الأخبار: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولد مختونًا مسرورًا)، وقد تعقَّبه في ذلك الحافظ الذَّهبيُّ في «تلخيصه للمستدرك»، فقال: (ما أعلم صحَّة ذلك، فكيف متواترًا؟) انتهى، وقد ذكرت مسألة: هل ولد عليه السَّلام مختونًا أم لا؟ مطوَّلة في تعليقي على «سيرة ابن سيِّد الناس»؛ فانظر ذلك إن أردته_ لا يحضرني الآن، ولكن ذكرت لك منها ما أستحضره الآن، والله أعلم.
==========
[1]
في النسخ: (وفلان وفلان)، وكتب فوقهما في (أ): (كذا)، والمثبت من «سنن ابن ماجه» (36).
[2] (
إلى المدينة): ليس في (ب).

(1/361)


[3]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[4]
في (ج): (يبلغوا).
[5] (
في): ليس في (ب).
[6]
في (ب): (حافظًا).
[7]
ما بين معقوفين ليس في (ج)، وزيد في (ب): (انتهى).
[8] (
انتهى): ليس في (ب).
[9] (
انتهى): ليس في (ب).
[10]
زيد في (ج): (انتهى).
[11]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[12]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[13]
في (ج): (اهتز).
[14] (
والركوع): مثبت من (ج).
[15]
ما بين معقوفين سقط في (ب).
[16]
زيد في (ج): (في كله).
[17]
ما بين معقوفين سقط من (ج).

(1/362)


[
حديث: من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار]
108#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تقدَّم أنَّه بإسكان العين، وتقدَّم أنَّ اسمه عَبْد الله بن عمرو المُقعَد، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح همزة (أَنَّ)؛ أي: لأنَّ.
==========
[
ج 1 ص 61]

(1/363)


[
حديث: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار]
109#
قوله: (عَنْ سَلَمَةَ): هو ابن عمرو بن الأكوع، صحابيٌّ مشهور، وقيل في اسم أبيه: وهب، الأسلميُّ، أحد من بايع تحت الشَّجرة ثلاث مرَّات في «مسلم»، وفي «البخاريِّ» مرَّتين، وكان راميًا محسنًا [1] شجاعًا، ولا أعلم في الصَّحابة أجرى منه على رجليه، وكان يسبق الفرس، توفِّي سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة.
==========
[1]
في (ج): (مخشنًا).
[
ج 1 ص 61]

(1/364)


[
حديث: تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي]
110#
قوله [1]: (حَدَّثَنَا مُوسَى): هو موسى بن إسماعيل التَّبُوْذَكيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، ولماذا نُسِب، والاختلاف فيها.
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): تقدَّم أنَّه الوضَّاح بن عبد الله اليشكريُّ، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي حَصِينٍ): هو بفتح الحاء، وكسر الصَّاد المهملتين، عثمان بن عاصم الأسديُّ، عنِ ابن عبَّاس، وشريح، وطائفة، وعنه: شعبة، والسفيانان، وخلق، وكان ثقة ثبتًا، صاحب سُنَّة، توفِّي سَنَة (127 هـ)، [أو سنة (128 هـ)] [2]، أخرج له الجماعة، قال أبو عليٍّ الجيَّانيُّ: (ولا أعلم في الكتابين _ يعني: «البخاريَّ» و «مسلمًا» _ بفتح الحاء غيره) انتهى.
واعلم أنَّ الكنى كلَّها بالفتح، والأسماء كلَّها بالضَّمِّ، وكلُّها بالحاء والصَّاد [3] المهملتين، إلا حضين بن المنذر، أبا ساسان، فإنه بضمِّ الحاء المهملة، وفتح الضَّاد المعجمة، وهو فرد.
قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تقدَّم أنَّه السَّمان الزَّيَّات، وأنَّ اسمه ذكوان، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا [4] بِكُنْيَتِي): اختُلف في هذا النَّهي على مذاهب؛ وملخَّصها: يحرم مطلقًا، وهو الذي نصَّ عليه الشَّافعيُّ، والثَّاني: أنَّه خاصٌّ بحياته، الثَّالث: على الأدب، الرَّابع: إنَّما يحرم الجمع بين التسمِّي بأحمد أو محمَّد والتكنِّي بأبي القاسم، والمسألة معروفة، وسأذكرها في (الأدب) بأطول من هذا إن شاء الله تعالى وقدَّره.
قوله: (وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ؛ فَقَدْ رَآنِي): وفي لفظ آخر: (ومن رآني؛ فقد رأى [5] الحقَّ)، وآخر: (فسيراني في اليقظة)، أو (فكأنَّما رآني في اليقظة).
وقد اختُلف في تأويله؛ فقال أبو بكر الباقلَّانيُّ: (إنَّ رؤياه صحيحة، وليست بأضغاث أحلام)، وقال غيره: معناه: رآه حقيقة، وفيه قول آخر: إنَّه إن رآه على صفته؛ فهو حقيقة، وإن رآه على غيرها؛ فهي رؤيا تأويل لا حقيقة، قاله [6] ابن العربيِّ والقاضي عياض، وضعَّفه النَّوويُّ، وصوَّب الثَّاني، وسأذكر المسألة في (كتاب التعبير) بأطول من هذا إن شاء الله تعالى وقدَّره.

(1/365)


[
باب كتابة العلم]
قوله: (باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ): اعلم أنَّه اختلف الصَّحابة والتَّابعون في كتابة الحديث، وفي لفظ النَّوويِّ: (العلم)، كما بوَّب عليه البخاريُّ هنا [1]، فكرهه ابن عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو سعيد الخدريُّ، وآخرون من الصَّحابة والتَّابعين؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تكتبوا عنِّي شيئًا سوى القرآن، ومن كتب عنِّي غير القرآن؛ فليمحه»، أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد [2]، وجوَّزه أو فعله جماعة من الصَّحابة؛ منهم: عُمر، وعليٌّ، وابنه الحسن، وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وأنس، وجابر، وابن عبَّاس، وابن عمر أيضًا، والحسن، وعطاء، وابن جبير، وعمر بن عبد العزيز، وحكاه القاضي عياض عن أكثر الصَّحابة والتَّابعين قال: (ثمَّ أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف)، وممَّا يدلُّ على الجواز الأحاديثُ التِّي ذكرها البخاريُّ كما تراها وغيرها.
وقد أجيب عنِ الحديث الذي في «مسلم» بأجوبة ذكرها
[
ج 1 ص 61]
النَّوويُّ في «شرح مسلم» في أواخر الشَّرح؛ فانظرها إن أردتها.
==========
[1] (
هنا): ليس في (ب).
[2] (
أبي سعيد): ليس في (ب).

(1/366)


[
حديث أبي جحيفة: قلت لعلي: هل عندكم كتاب]
111#
قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَامٍ): تقدَّم أنَّه بتخفيف اللَّام على الأصحِّ [1]، وتقدَّم بعض ترجمة محمَّد ولده.
قوله: (أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ): قال المزِّيُّ في «أطرافه» في تطريف حديث [2] عليٍّ هذا: (قال أبو مسعود: يقال: إنَّ حديث وكيع عن سفيان هو ابن عيينة إلَّا أنَّه لَمْ يبيِّنه، وقد رواه يزيد العدنيُّ عنِ الثَّوريِّ أيضًا) انتهى.
قوله: (عَنْ مُطَرِّفٍ): هذا هو مطرِّف بن طَريف الكوفيُّ، عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، والشَّعبيِّ، وعنه: عبثر، وابن فضيل، ثقة إمام [3] عابد، مات سنة (143 هـ)، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة.
قوله: (عَنِ الشَّعْبِيِّ): تقدَّم أنَّه عامر بن شراحيل، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ [4]): هو بضمِّ الجيم، ثمَّ حاء مهملة مفتوحة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ فاء، ثمَّ تاء التَّأنيث، واسمه وهيب بن عبد الله السُّوائيُّ _بضم السِّين المهملة، وبالمدِّ_، وقيل: اسمه وهب بن وهب، صحابيٌّ، عنه: ابنه عون، وأبو [5] إسحاق، وابن أبي خالد، تُوفِّي سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة.
قوله: (إِلَّا كِتَابُ اللهِ): هو برفع (كتابُ).
قوله: (الْعَقْلُ): هو بفتح العين المهملة، وإسكان القاف؛ وهو الدِّية، وأصله أنَّ القاتل كان إذا قتل قتيلًا؛ جمع الإبل من الدِّية بعُقلها بفناء أولياء المقتول؛ أي: شدَّها [6] في عقلها؛ ليسلِّمها إليهم ويقبضونها مِنْهُ، فسمِّيت الدِّية عقلًا بالمصدر، يقال: عقل البعير يعقلها يعقله عقلًا، وجمعها عُقول، وكان أصل الدِّية: الإبل، فقُوِّمَت بعد ذلك بالذَّهب، والفضة، والبقر، والغنم، وغيرها.
قوله: (وَفكَاكُ): هو بفتح الفاء وتكسر.
==========
[1]
في (ب): (الصَّحيح)، و (على الأصح): ليس في (ج).
[2] (
حديث): ليس في (ج).
[3]
زيد في (ب): (فاضل).
[4]
في هامش (ق): (وهب).
[5]
في (ب): (وابن).
[6]
في (ب): (يشدها).
[
ج 1 ص 62]

(1/367)


[
حديث: إن الله حبس عن مكة القتل]
112#
قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): الفضل بن دُكَين، هو بضمِّ الدَّال المهملة، وفتح الكاف، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثم نون، ودُكَين لقب، واسمه عمرو بن حمَّاد، عنِ الأعمش، وزكريَّا بن أبي [1] زائدة، وأمم، وعنه: البخاريُّ، وعبد، وأبو زرعة، وأمم، مات سنة (219 هـ) بالكوفة في سلخ شعبان، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان» من جهة الاعتقاد، وقد تقدَّم أيضًا الكلام عليه.
قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ [2]): هذا هو ابن عبد الرَّحمن النَّحويُّ المؤدِّب، أبو معاوية مولى بني تميم البصريُّ، سمع الحسن، ويحيى بن أبي كثير، وعنه: ابن مهديٍّ، وعليُّ بن الجعْد، وكان صاحب حروف وقراءات، توفِّي سنة (164 هـ)، أخرج له الجماعة، والنحويُّ منسوب إلى قبيلة، قاله ابن الأثير في «لبابه»، [وفي «التَّذهيب»، و «أصله»، وهو نحو بن شمس؛ بطن من الأزد، قاله أبو أحمد العسكريُّ، وفي «التذهيب» أيضًا للذَّهبيِّ في ترجمة شيبان هذا: (قال ابن أبي داود وغيره: إنَّ المنسوب إلى القبيلة: يزيد بن أبي سعيد النحويُّ لا شيبان هذا) انتهى، وكذا في «الكاشف» كلام ابن أبي داود وغيرِه لا الأوَّل] [3]، وشيبان مشهور ثقة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.
قوله: (عَنْ يَحْيَى): هو ابن أبي كَثِير _بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة_ الإمام أبو نصر اليماميُّ، مولى طيِّئ، أحد الأعلام، عن أنس وجابر مرسلًا، وعن أبي سلمة، وعنه: هشام الدَّستوائيُّ، وهمَّام، قال أيوب: (ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير)، كان من العبَّاد العلماء [4] الأثبات، مات سنة (129 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو كثير التَّدليس مكثر من الإرسال، له ترجمة في «الميزان».
قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على القول الأصحِّ، وتقدَّم أنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وتقدَّم بعض ترجمته.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (أَنَّ خُزَاعَةَ): هو [5] حيٌّ معروف من الأزد، سمُّوا بذلك؛ لأنَّ الأزد لمَّا خرجت من مكَّة لتتفرق في البلاد تخلَّفت عنهم خزاعة، وأقامت بها [6].

(1/368)


قوله: (قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ): قال شيخنا الشَّارح: (إنَّ المقتول كان في الجاهليَّة، فقتلوا هذا به)، قال: (وعند ابن إسحاق: بقتيل منهم فقتلوه وهو مشرك، وذكر القصَّة: وهو أنَّ خراش بن أميَّة من خزاعة قتل ابن الأكوع [7] الهذليَّ وهو مشرك بقتيل في الجاهليَّة يقال له: أحمر، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «يا معشر خزاعة؛ ارفعوا أيديكم عنِ القتل ... »؛ الحديث)، وكذا ذكره غيره عنِ ابن إسحاق، وسيأتي بأزيد من هذا في (الحجِّ) إن شاء الله.
قوله: (عَامَ فَتْحِ مكَّة): تقدَّم أنَّ الفتح كان في السَّنة الثَّامنة في رمضان، وتقدَّم ما وقع من كلام ابن عبَّاس في «صحيح البخاريِّ» في (غزوة الفتح)، وتقدَّم متى كان من شهر رمضان، وتقدَّم أنَّه كان يوم الجمعة، وما وقع من أنَّه يوم الاثنين، كلُّ ذلك تقدَّم قريبًا؛ فانظره إن أردته.
قوله: (فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ [8] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُخبِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رسولُ): قائم مقام الفاعل، فهو مرفوع.
قوله: (فَرَكِبَ [9] رَاحِلَتَهُ): كان له عليه الصَّلاة والسَّلام ثلاث [10] نوق: العَضْباء، والقَصْواء، والجدعاء، وهل هنَّ ثلاث أو اثنتان أو واحدة؟ فيه خلاف (والذي يظهر لي أنَّهن اثنتان) [11]، والله أعلم.
قوله: (إِنَّ اللهَ حَبَسَ عَنْ مكَّة الْفِيلَ أَوِ الْقَتْلَ): قال ابن قُرقُول: («وحبس عن مكَّة الفيل» [كذا لابن السَّكن] [12] في «باب لقطة مكَّة»، ولغيره: «القتل»؛ ذكره في الحديث الذي في «الحدود»، وفي «كتابة العلم» بالوجهين: قال البخاريُّ: «كذا قال أَبُو نعيم» على الشَّكِّ في ضبط الحرف بالوجهين، وكذا وقع عند الرُّواة كما كتبناه، ثم قال: «الفيل أو القتل»، فبيَّن ما أجمله، ومثله [13] لأبي ذرٍّ، ثمَّ قال: «وغيره يقول: الفيل»؛ يعني: من غير شكٍّ، وبالفاء رواه مسلم من غير خلاف عند كافَّة شيوخنا إلَّا أنَّه كان في كتاب التميميِّ بالوجهين في حديث إسحاق، قال القاضي: وهذا هو الوجه إن شاء الله تعالى؛ يعني: من أنَّه بالفاء، وخبر حبس الفيل مشهور، وقد قال في ناقته: «حبسها حابس الفيل») انتهى.
فائدة: الفيل المحبوس عن دخول مكَّة لحربها اسمه محمود.

(1/369)


[
تنبيه: في أصلنا القاهريِّ: قال أَبُو عَبْد الله: كذا قال أَبُو نعيم، واجعلوا عَلَيَّ الشَّكَّ، فـ (عليَّ): جار ومجرور، و (الشَّكُّ): منصوب مفعول] [14]، [وفي أصلنا أيضًا: (وغيره يقول: الفيل)؛ يعني: غير أبي نعيم يقول: الفيل؛ يعني: بالفاء وبالمثنَّاة تحت؛ يعني: ولم يشكَّ] [15]، [وفي أصلنا الدمشقيِّ: (شكَّ أَبُو عَبْد الله)، فالشَّاكُّ في هذه النُّسخة هو البخاريُّ، والله أعلم] [16].
قوله: (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ): تقدَّم أنَّها من أوَّل النَّهار إلى العصر كما في «الأموال» لأبي عبيد، (وكذا في «مسند أحمد») [17].
قوله: (لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا [18]): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، [و (شوكها): بالرَّفع قائم مقام الفاعل؛ أَيْ [19]: لا يُقطَع.
قوله: (وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله] [20]، و (شجرها): بالرَّفع قائم مقام الفاعل، ومعنى (يُعضَد): يُقطَع، وقد تقدَّم.
قوله: (وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا [21]): (تُلتقط): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (ساقطتُها) [22]: بالرَّفع قائم مقام الفاعل.
[
ج 1 ص 62]
قوله: (إِلَّا لِمُنْشِدٍ): هو اسم فاعل؛ يعني: لقطة مكَّة، قيل: لمُعرِّف يعرِّف بها؛ أي: لا يحلُّ منها إلَّا إنشادها، وإن تمَّت السَّنة عنده بخلاف غيرها، وقيل: المُنشِد ههنا الطَّالب.
وحَكى الحربيُّ بين أهل اللُّغة اختلافًا في النَّاشد والمنشد؛ منهم من يقول كما تقدَّم، ومنهم من يعكس ذلك، ولكلٍّ حجَّة من الحديث والشِّعر، قاله ابن قُرقُول، وقال ابن الأثير في «نهايته»: (يقال: نشدت الضَّالة، فأنا ناشد؛ إذا طلبتها، وأنشدتها، فأنا مُنشِد؛ إذا عرَّفتها).
قوله: (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ [23]): أي: خير الأمرين؛ يعني: القصاص أو الدِّية أيَّهما اختار؛ كان له، وهو معنى قوله: (إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ).

(1/370)


قوله: (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ): سيأتي أنَّه أَبُو شاهٍ، ولا يُعرَف اسمُه، وهو بالهاء درجًا ووقفًا، وهذا لا خلاف فيه كما قاله النَّوويُّ، وقال شيخنا الشَّارح في (الدِّيات): وخطَّأ السِّلَفيُّ الحافظ في «فضل الفرس» تأليفه من قاله بالتَّاء، وقال: (إنَّه من فرسان الفرس من المرسولين من قبيل كسرى إلى اليمن) انتهى، قال شيخنا الشَّارح: (وعن ابن دحية: أنَّه بالتَّاء منصوبًا) انتهى، وفي «المطالع»: (مصروفًا، ضبطته وقرأته أنا معرفة ونكرة) انتهى، وقد تقدَّم أنَّ النَّوويَّ قال: (إنَّه بالهاء درجًا ووقفًا)، وهذا لا خلاف فيه، وزاد: (ولا يُعتبَر بكثرة من يصحِّفه ممَّن لا يأخذ العلم على وجهه ومن مظانِّه)، وقدَّمت ما قاله شيخنا عنِ السِّلَفيِّ.
قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ): هذا الرَّجل المبهم هو العبَّاس بن عبد المطَّلب، كما جاء في رواية أخرى في «الصَّحيح» انتهى.
وقال ابن شيخنا البلقينيِّ بعد أن ذكر أنَّه العبَّاس: (وفي «مصنَّف ابن أبي شيبة»: أنَّ القائل: «إلَّا الإذخر»: اسمه شاه، وفي «أسد الغابة» في «الميم»: أنَّ اسمه ميناء؛ بميم بعدها [24] مثنَّاة تحت، ثمَّ نون، أخرجه أَبُو موسى، وقال: ولعلَّه تصحيف) انتهى.
وفي «تجريد الذَّهبيِّ»: (شاه)، والصَّحيح: أَبُو شاه الذي قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «اكتبوا لأبي شاه».
قوله: (إِلاَّ الإِذْخِرَ): هو _بكسر الهمزة، ثمَّ ذال [25] ساكنة، ثمَّ خاء [26] مكسورة معجمتين [27]، ثمَّ راء_ نبت طيِّب الرِّيح، يضيف إليه أهلُ مكَّة شيئًا آخر، ويغسلون به أيديهم عوض الأشنان، وكذا رأيته [28] بالمدينة المشرَّفة، وغسلت به يديَّ بعد الطَّعام.
==========
[1] (
أبي): ليس في (ب).
[2]
في هامش (ق): (شيبان بن معاوية بن عبد الرحمن النحوي المؤدب البصري، مات ببغداد سنة أربع وستين ومئة في خلافة المهدي، النحوي هذا: نسبة إلى قبيلة؛ وهم ولد النحو بن شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زادان، وليس في هذه القبيلة من يروي الحديث سوى شيبان هذا ويزيد بن أبي سعيد، روى له مسلم وأبو داود، وأمَّا ما عداهما؛ فنسبة إلى النحو علم العربية؛ كأبي عمرو بن العلاء النحوي وغيره).
[3]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[4]
في (ج): (والعلماء).
[5]
في (ج): (هي).
[6] (
بها): ليس في (ب).
[7]
في النسخ: (الأثوع)، والمثبت موافق لما في «التوضيح» (3/&).

(1/371)


[8]
في «اليونينيَّة»: (النبي).
[9] (
فركب): ليس في (ب).
[10] (
ثلاث): ليس في (ج).
[11]
ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).
[12]
ما بين معقوفين ليس في النسخ، وهو مستفاد من «مطالع الأنوار».
[13]
في النسخ: (ومنه)، والمثبت من «المطالع».
[14]
ما بين معقوفين سقط من (ج)، وزيد في (ب): (سواها).
[15]
ما بين معقوفين سقط من (ب) و (ج).
[16]
ما بين معقوفين سقط من (ج).
[17]
ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).
[18]
في (ب): (شجرها).
[19] (
أي): ليس في (ج).
[20]
ما بين معقوفين ليس في (ب).
[21]
في (ج): (ساقطها).
[22]
في (ج): (وساقطها).
[23]
في (ج): (النَّظر).
[24]
في (أ) و (ب): (بعد).
[25]
زيد في (ب): (معجمة).
[26]
زيد في (ب): (معجمة).
[27] (
معجمتين): ليس في (ب).
[28]
في (ج): (رأيت).

(1/372)


[
حديث: ما من أصحاب النبي أحد أكثر حديثًا عنه مني]
113#
قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، تقدَّم الكلام على بعض ترجمته في أوَّل هذا التَّعليق.
قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو): هذا عمرو بن دينار أَبُو محمَّد، مولى قريش، مكيٌّ إمام، عن [1] ابن عبَّاس، وابن عمر، وجابر، وعنه: شعبة، والسُّفيانان، وخلق، مات سنة (126 هـ) في أوَّلها، وله ثمانون سنة، وهو عالمٌ حجَّة، وما قيل عنه من التَّشيُّع؛ باطل، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» تمييزًا.
قوله: (وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ): وهب صنعانيٌّ، يروي عن أخيه، وابن عبَّاس، وابن عمر، وعنه: سِماك بن الفضل وغيره، وكان إخباريًّا علَّامة، قاصًّا صدوقًا، صاحب كتب، توفِّي سنة (114 هـ)، وتكلَّم فيه الفلَّاس [2]، وهو متَّهم بشيء من القدر، ذكره في «الميزان»، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.
قوله: (عَنْ أَخِيهِ): أخوه: هو همَّام بن منبِّه _ومُنبِّه: اسم فاعل من نبَّه؛ أي: أيقظ_ الأبناويُّ الصَّنعانيُّ، عن أبي هريرة، ومعاوية، وعنه: ابن أخيه عقيل بن معقل، ومَعْمَر، توفِّي سنة (132 هـ)، صدوق، أخرج له الجماعة.
فائدة: إخوة همَّام بن منبِّه: وهب، ومعقل أَبُو عَقيل، وغيلان وهو أصغرهم، وهمَّام أكبرهم، وعدَّهم النَّوويُّ: (همَّامًا، ووهبًا، ومعقلًا، وغيلان، وعبد الله، وعمرًا) انتهى.
ومات وهب، ثمَّ معقل، ثمَّ غيلان، ثمَّ همَّام آخرهم [3]، ووالدهم منبِّه بن كامل بن [4] سيج _بسين مهملة، وقيل: معجمة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ جيم_ الأبناويُّ [5].
فائدة: رأيت في «تجريد الذَّهبيِّ» ما لفظه: (منبِّه: في «تاريخ هراة»: قَدِمَها من الصَّحابة منبِّه أَبُو وهب «س»، وقال غيره [6]: من أهل هراة ممَّن بعثه كسرى إلى اليمن، فأسلم في حياة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وحسن إسلامه) انتهى، ويعني بالسِّين: أبا موسى؛ يعني: أنَّ أبا موسى المدينيَّ ذكره في الصَّحابة، والذي ظهر لي أنَّه والد همَّام وإخوته، والله أعلم.
قوله [7]: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (مَا [مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَحَدٌ أَكْثَر): أمَّا (أحدٌ)؛ فمرفوع اسم (ما)، وأمَّا (أكثر)؛ فيجوز رفعه على أنَّه صفة لـ (أحد)، ويجوز نصبه.

(1/373)


قوله: (إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو): اعلم أنَّ المكثرين من الأحاديث من الصَّحابة رضي الله عنهم عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة: أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عبَّاس، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وعائشة أمُّ المؤمنين، وأبو سعيد الخدريُّ، وأكثرهم روايةً أَبُو هريرة كما [8] ذكر هو وغيره، فإنَّه روى له بقيُّ بن مَخْلَد في «مسنده» خمسة آلاف وثلاث مئة وأربعة وسبعين حديثًا.
وقوله: (إلَّا ما كان من عَبْد الله بن عمرو): يعني: ابن العاص [9]، فهو اعتراف له بأنَّه أكثر مِنْهُ، والعجب أنَّ عَبْد الله بن عمرو ذكروا له سبع مئة حديث في «مسند بقيٍّ»، وكأنَّه رضي الله عنه كان يكتفي في بعض أحاديثه بأنْ يرويها غيره ويحدِّث بها، وقال النوويُّ في «تهذيبه»: (وإنَّما قلَّت الرِّواية عنه مع كثرة ما حمل؛ لأنَّه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلًا، بخلاف أبي هريرة، فإنَّه استوطن المدينة، وهي مقصد المسلمين من كلِّ جهة) انتهى، وعبد الله بن عمرو حفظ التوارة والقرآن وألف مثل عنه عليه الصَّلاة والسَّلام.
قوله: (فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ): اعلم أنَّه ذكر ابن عبد البَرِّ في كتاب «بيان آداب العلم»: (أنَّ أبا هريرة كان يكتب)، قال: (والرِّواية الأولى أصحُّ) انتهى.
قوله: (تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ): (مَعْمَر): تقدَّم أنَّه بإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، والضَّمير في (تابعه) يعود على وهب بن منبِّه.
وقوله: (عَنْ هَمَّامٍ): تقدَّم أنَّه همَّام بن منبِّه، ومتابعة مَعْمَر لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجها شيخنا، [وقد عزاها بعض حفَّاظ العصر إلى (كتاب العلم) للمروزيِّ] [10].

(1/374)


[
حديث: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده]
114#
قوله: (ابْنُ وَهْبٍ): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن وهب أَبُو محمَّد الفهريُّ مولاهم، أحد الأعلام.
قوله: (أَخْبَرَنِي يُونُسُ): تقدَّم أنَّ فيه ستَّ لغات، وأنَّه ابن يزيد الأيليُّ.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهريُّ، شيخ الإسلام مرارًا.
قوله: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا ... ) إلى آخره: اختلف العلماء في هذا الكتاب الذي همَّ به عليه الصَّلاة والسَّلام إمَّا بوحي وإمَّا باجتهاد، ثمَّ رجع عنه إمَّا بوحي وإمَّا باجتهاد؛ فقيل: أراد أن ينصَّ على الخلافة بعده فترتفع بذلك الفتن العظيمة كالجمل وصفِّين، وقيل: أراد أنَّ يبيِّن مهمَّات الأحكام؛ ليحصل الاتِّفاق على المنصوص عليه، ثمَّ ظهر له أنَّ المصلحة تركُه، أو أنَّه أُوحِي إليه فيه، وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله [1]: أنَّه أراد أن يكتب استخلاف الصِّدِّيق، ثمَّ ترك ذلك اعتمادًا على ما علمه من تقدير الله تَعَالَى، وذلك كما همَّ في أوَّل مرضه حين قال: «وارأساه»، وترك الكتاب، وقال: «يأبى الله والمؤمنون إلَّا أبا بكر»، [وسيأتي في (باب مرض النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) من عند البزَّار [2] ما يعيِّنه [3]، والله أعلم] [4].
سؤال: وهو أنْ يقال: كيف ساغ لعمر الاعتراض؟
والجواب: ما ذكره الخطابيُّ حيث قال: (لا يجوز أنْ يحمل قوله أنَّه توهَّم [5] الغلط عليه أو ظنَّ به، ذلك ممَّا لا يليق به بحال، لكنَّه لمَّا رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب الوفاة؛ خاف أن يكون ذلك القول ممَّا يقوله المريض ممَّا لا عزيمة
[
ج 1 ص 63]
له فيه، فيجد المنافقون بذلك سبيلًا إلى الكلام في الدِّين، وقد كانت الصَّحابة يراجعونه عليه الصَّلاة والسَّلام في بعض الأمور قبل أن يعزم فيها، كما راجعوه يوم الحديبية في الحلاق [6]، وفي الصُّلح بينه وبين المشركين، فإذا أمر بالشَّيء [7] أمر عزيمة؛ فلا يراجعه فيه أحد ... ) إلى آخر كلامه.
[
قوله: (لاَ تَضِلُّوا): كذا في أصلنا، وحذف النُّون حيث لا ناصب ولا جازم لغةٌ معروفة، ومثله: «لا تدخلوا الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا»] [8].
قوله: (حَسْبُنَا): أي: كافينا.
قوله: (وَكَثُرَ اللَّغَطُ): هو اختلاف [9] الأصوات والكلام حتَّى لا يُفهم.

(1/375)


قوله: (فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ): قال أبو العبَّاس ابن تيمية في «الردِّ على ابن المطهِّر الرَّافضيِّ»: (إنَّ هذا الذي قاله ابن عبَّاس لَمْ يكن ذلك الوقت قاله، ولم يكن ليعارض الجلَّة، وإنَّما قاله بعد ذلك لمَّا تفاقمت الفتن، وهذا الذي يظهر، وإن كان في قوله: «فخرج يقول» ما يدفعُه)، والله أعلم.
قوله: (إنَّ الرَّزِيئَةَ كُلَّ الرَّزِيئَةِ): هما مشدَّدان في أصلنا بالقلم، وهما مهموزان، ويجوز تشديدهما، وانظر كلام الجوهريِّ في (خطأ) تعرف ذلك، والله أعلم، والرَّزيئة: المصيبة [10].
==========
[1]
في (ج): (قيل).
[2]
زيد في (ب): (بخطه عليه على).
[3]
في (ب): (يغنيه).
[4]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[5]
في (ب): (يوهم).
[6]
في (ج): (الخلاف).
[7]
في (ب) و (ج): (بشيء).
[8]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[9]
في (ب): (اختلاط).
[10] (
والرزية: المصيبة): ليس في (ج).

(1/376)


[
باب العلم والعظة بالليل]

(1/377)


[
حديث: سبحان الله ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا فتح من الخزائن.]
115#
قوله: (حَدَّثَنَا صَدَقَةُ): هو ابن الفضل المروزيُّ، عن معتمر، وابن عيينة، وعنه: البخاريُّ، ومحمَّد بن الضُّريس، وكان إمامًا حافظًا ثبتًا، وثَّقه النَّسائيُّ، وقال ابن حبَّان: (كان صاحب حديث وسُنَّة)، قال البخاريُّ: (مات سنة نيِّف وعشرين ومئتين)، وقال غيره: سنة ثلاث، وقيل: سنة ستٍّ وعشرين، أخرج له البخاريُّ فقط من بينهم.
قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تقدَّم أنَّه بإسكان العين، وأنَّه ابن راشد قريبًا وبعيدًا.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم [1] مرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.
قوله: (عَنْ هِنْدٍ [2]): يجوز ترك الصَّرف والصَّرف فيها، وهي بنت الحارث الفراسيَّة، ويقال: القرشيَّة، وكانت تحت معبد [3] بن المقداد، روت عن أمِّ سلمة، وعنها: الزُّهريُّ، لها حديثان، أخرج لها البخاريُّ والأربعة.
تنبيه: وقع في بعض نسخ «الكاشف» وكذا وقع في «التَّذهيب» كلاهما [4] للذهبيِّ: أنَّها زوجة المقداد، وليس ذلك بصواب، وفي «التَّهذيب»: (زوجة معبد بن المقداد)، ثمَّ إنِّي راجعت نسخة من «الكاشف» صحيحة مقروءة؛ فوجدتها قد خرَّج فيها على الهامش بعد (زوجة): (معبد بن)، وصحَّح عليه، وهذه النُّسخة مقروءة على الحافظ تقيِّ الدِّين بن رافع، وهذا هو الصَّواب، وكذا وقع على الصَّواب في هذا «الصَّحيح» في (باب مكث الإمام في مصلَّاه)، والله أعلم، وهند هذه مذكورة في «الميزان»، قال الذَّهبيُّ: (ما علمت روى عنها سوى الزُّهريِّ، لكن خرَّج لها البخاريُّ) انتهى، وقد ذكرها ابن حبَّان في «الثِّقات»، ولم يذكر عنها راوِيًا سواه، والله أعلم.

(1/378)


قوله: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ): هي زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمُّ المؤمنين، واسمها هند بنت أبي أميَّة _واسمه حذيفة، ويقال: سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر [5] بن مخزوم_ المخزوميَّة، روى عنها: ولداها عمر وزينب ولدا أبي سلمة، وغيرهما، تزوَّجها عليه الصَّلاة والسَّلام في شوَّال سنة اثنتين بعد وقعة بدر، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد، وهذا غلط وقع فيه المزِّيُّ قلَّد فيه ابن عبد البَرِّ، وذلك أنَّ أبا سلمة شهد بدرًا في رمضان سنة اثنتين وقدم المدينة، فلم يلبث إلَّا أيَّامًا وتوفِّي، وبعضهم أرَّخ موته في سنة ثلاث، وكأنَّه أصحُّ، وتزوَّج عليه السَّلام بها سنة أربع، وإنَّما التي بنى بها عليه الصَّلاة والسَّلام في شوال سنة اثنتين مرجعه من بدر عائشة، ثمَّ تزوَّج بعدها حفصة في سنة ثلاث، ثمَّ بأمِّ سلمة رضي الله عنهنَّ، مناقبها جمَّة، وهي آخر أمهات المؤمنين موتًا إلَّا ما قاله الواقديُّ في ميمونة، وقد أدركت أمُّ سلمة مقتل الحسين كما رواه التِّرمذيُّ في «جامعه» قال التِّرمذي: (غريب)، ورَوى حمَّاد بن سلمة عن عمار: أنَّه سمع أمَّ سلمة تقول: (سمعت الجنَّ تبكي على حسين، وتنوح عليه)، والحسين رضي الله عنه قتل [6] في أوَّل سنة إحدى وستين يوم عاشوراء، ويقال: عاشت تسعين سنة، وفي «صحيح مسلم»: (أنَّ عبد الله بن صفوان دخل عليها في خلافة يزيد)، فبطل ما زعمه الواقديُّ من تاريخ موتها، ومن صلاة أبي هريرة عليها، وكذا نقل بعضهم: أنَّ سعيد بن زيد أحد العشرة صلَّى عليها، واغترَّ هذا بما روى عطاء بن السائب عن محارب بن دثار: (أنَّ أمَّ سلمة أوصت بأنَّ يصلِّي عليها سعيد بن زيد)، وهو إن صحَّ تكون قد أوصت في حياة سعيد، ثمَّ تطاول عليها العمر وعاشت بعد سعيد، ومثل هذا يفعله النَّاس، يقول قائلهم: إنْ مت والشيخ فلان حيٌّ؛ فليصلِّ عليَّ، فيتَّفق [7] موت ذاك [8] الشَّيخ قبل الموصي، أخرج لها الجماعة رَضِيَ اللهُ عنها، وقد أطلنا الكلام عليها ولكن لفوائد.
قوله: (وَعَمْرٍو وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ): هو بجرِّ (عمرو) وما بعده معطوفًا على (مَعْمَر) وهو مجرور، و (عمرو): هو ابن دينار، وهو من شيوخ الزُّهريِّ أيضًا، ورَوى عنه، و (يحيى): هو ابن سعيد القطَّان، والقائل: (وعمرو ... ) وما بعده هو ابن عيينة سفيان، والله أعلم.

(1/379)


قوله في [9] السَّند الثَّاني المعطوف: (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [10]): كذا في أصلنا، وفي أصل آخر لنا دمشقيٍّ صحيح دخل فيه المزِّيُّ، والذَّهبيُّ، وغيرهما: (عن الزُّهريِّ، عنِ امرأة، عن أمِّ سلمة)، وكذا طرَّفه المزِّيُّ في «أطرافه» أنَّ الطَّريق الثَّاني فيه: (الزُّهريُّ عنِ امرأة)، فما وقع في أصلنا الذي سمعنا فيه على شيخنا العراقيِّ في صحَّته نظرٌ، والله أعلم، مع أنَّ المرأة هي هند بنت الحارث التي تقدَّمت في السَّند الأوَّل، أُبهِمت في السَّند الثَّاني، وقد تقدَّمت ترجمتها، والله أعلم.
وقد رأيت هنا حاشية عن شيخنا العراقيِّ قال فيها: (هذا الحديث له عند البخاريِّ طريقان: فالأوَّل [11]: عن هند عن أمِّ سلمة، والثَّاني _هو [12] محلُّ الاختلاف_: فالأكثرون قالوا: «عن الزُّهريِّ، عنِ امرأة، عن أمِّ سلمة»، كما قال الدِّمياطيُّ، وهكذا في رواية أبي الهيثم، والأصيليِّ، والسَّمعانيِّ، وابن عساكر، وفي رواية المستملي: «عن هند، عن أمِّ سلمة»، وهكذا في بعض النُّسخ عنِ الحمُّوي أيضًا، وأمَّا الجمع بين هند وامرأة؛ فوهم) انتهت.
قوله: (وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ): قال شيخنا الشَّارح عنِ المهلَّب: فيه دلالة على أنَّ الفتن تكون في المال وفي غيره؛ لقوله: «ماذا أُنزِل اللَّيلة من الفتن، وماذا فُتِح من الخزائن»، ويؤيِّده قول حذيفة: (فتنة الرجل في أهله وماله يكفِّرها الصَّلاة والصَّدقة)، وقال الدَّاوديُّ: (الثَّاني هو الأوَّل)، وقد يُعطف الشَّيء على نفسه تأكيدًا؛ لأنَّ ما يفتح من الخزائن يكون سببًا للفتنة.
قوله: (صَوَاحِبَ الحُجَرِ): المراد بهنَّ: أزواجه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ يعني: للصلاة والاستعاذة، وقد جاء ذلك في «الصَّحيح»: «من يوقظ صواحب الحجر _ يريد: أزواجه_ لكي يصلِّين» انتهى.
ويستعذن ممَّا نزل، وهو موافق لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ ... }؛ الآية [طه: 132].
قوله: (فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ): (عاريةٍ): قال القاضي: (أكثر الرِّوايات بخفض «عاريةٍ» على الوصف)، وقال غيره: الأولى الرَّفع، وعن السُّهيليِّ: (الأجود عندي فيه الخفض، ويجوز الرَّفع؛ خبر مبتدأ [13]، والجملة في موضع النَّعت؛ أي: هي عارية).

(1/380)


وقوله: (كاسية ... عارية): يحتمل أوجهًا: كاسية في الدُّنيا في غير بيتها وعند غير زوجها، عارية في الآخرة من الثَّواب،
[
ج 1 ص 64]
ربَّ كاسية لا يسترها الرَّقيق من الثِّياب التِّي تصفُها، معاقبة في الآخرة بالتَّعرية والفضيحة، ربَّ كاسية في الدُّنيا لها المال تكتسي به من رفيع الثِّياب، عارية في الآخرة منها، ندبهنَّ بأن يأخذن بالكفاية ويتصدَّقن بما بعد ذلك، ربَّ كاسية من نعم الله، عارية من الشَّكر، فكأنَّها عارية في الآخرة من نعيمها الذي يكون الشُّكر سببه، أو أنَّها تستر جسدها وتشدُّ الخمار من ورائها، فينكشف صدرها.
قال شيخنا الشَّارح بعد ذكر ما ذكرته: (قلت: وهذا نحو الحديث الصَّحيح _يعني: الذي انفرد به «مسلم» _ من طريق أبي هريرة [14] مرفوعًا: «صنفان من أهل النَّار لَمْ أرهما ... » إلى أنْ قال: «ونساء كاسيات عاريات ... »؛ الحديث، قال: وسياق الحديث يقوِّي الوجه الثَّاني، فهنَّ كاسيات [في الظَّاهر، عاريات حقيقة؛ لأنَّ السِّتر إذا لَمْ يقع به الامتثال يكون وجوده كعدمه) انتهى.
وفي «المطالع» ملخَّص: (وهو كاسيات] [15]؛ يعني: من نعم الله عاريات من الشُّكر، وقيل: كاسيات [16] بالثِّياب، عاريات بانكشافهنَّ وإبداء بعض أجسادهنَّ، وقيل: كاسيات ثيابًا رقاقًا عاريات؛ لأنَّها [17] لا تسترهنَّ، فهنَّ كاسيات في الظَّاهر، عاريات في الحقيقة) والله أعلم.
==========
[1] (
تقدم): ليس في (ج).
[2]
في هامش (ق): (فائد: عند الحفاظ الثلاثة: عن الزُّهريِّ، عن امرأة، عن أمِّ سلمة).
[3]
في (ب): (سعيد)، وكذا في المواضع اللاحقة.
[4]
في (ج): (كلامًا).
[5]
في (ب): (عمرو)، وليس بصحيح.
[6] (
قتل): ليس في (ج).
[7]
في (أ) و (ب): (فتفق).
[8]
في (ج): (ذلك).
[9]
في (ج): (وفي).
[10]
في هامش (ق): (قوله: عن امراة عن أمِّ سلمة: المرأة هذه هي هند كما صرح في الرواية الأولى).
[11]
زيد في (ب): (والأول).
[12] (
هو): ليس في (ج).
[13]
زيد في (ب): (محذوف).
[14]
زيد في (ب): (قريبًا).
[15]
ما بين معقوفين ليس في (ج).
[16]
زيد في (ب): (في الظَّاهر، عاريات حقيقة و).
[17] (
لأنَّها): ليس في (ج).

(1/381)


[
باب السمر بالعلم]
(
باب السَّمَرِ بِالْعِلْمِ) ... إلى (باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟)
سؤال: إن قيل: أين السَّمر في العلم في حديث ابن العبَّاس؛ فإنَّه لَمْ يُنقَل عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن نفسه تلك اللَّيلة إلَّا قوله: (نام الغليم) أو نحوه، وهذا ليس بسمر؟
والجواب: ما قاله ابن المُنَيِّر: (قيل: يحتمل أن يريد هذه الكلمة، فيثبت [1] بها أصل السَّمر، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عبَّاس لأحواله عليه الصَّلاة والسَّلام وتتبُّعه، ولا فرق بين التَّعلُّم [2] من الحديث، والتعلم من الفعل، فقد سهر [3] ابن عبَّاس رضي الله عنه ليلته [4] في طلب العلم وتلقِّيه من الفعل، والتَّعلُّم مع السَّهر معنى السمر، والغائلة [5] التي كره لها السمر؛ إِنَّمَا هي السهر خوف التفريط في صلاة الصبح، فإذا كان سمر العلم فهو في طاعة؛ فلا بأس) انتهى.
[
وأحسن من هذين أنَّه أشار إلى أصل الحديث وهو في «مسلم» عنِ ابن عبَّاس: (فتحدَّث النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أهله ساعة، ثمَّ رقد)، وكذا في آواخر هذا «الصَّحيح»، وكذا في تفسيره أيضًا في (آل عمران)، فهذا الذي أراد البخاريُّ، والله أعلم] [6].
قوله: (السَّمَرِ): هو بالفتح في الميم، قال القاضي عياض: (وهي الرِّواية)، وقال أَبُو [7] مروان بن سِراج: (الإسكان أولى؛ لأنَّه اسم الفعل، وكذا ضبطه بعضهم بالفتح؛ وهو الحديث بعد العشاء، وأصله لون ضوء القمر؛ لأنَّهم كانوا يتحدَّثون إليه، ومنه سُمِّي: الأسمر؛ لشبهه بذلك اللَّون) انتهى ما قاله ابن قُرقُول.
وقال شيخنا الشَّارح: (وقال غيره _ يعني: غير القاضي_ السمَر؛ بالفتح: الحديث باللَّيل، وأصله لا أكلِّمه السمر والقمر؛ أي: اللَّيل والنهار) انتهى [8]
==========
[1]
في (ج): (فيكتب).
[2]
في (ب): (التعليم).
[3]
في (ب) و (ج): (سمر).
[4]
في (ب) و (ج): (لطلبه).
[5]
في (ج): (والغالب).
[6]
ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).
[7]
في (ج): (ابن).
[8] (
انتهى): ليس في (ج).
[
ج 1 ص 65]

(1/382)


[
حديث: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها]
116#
قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ): تقدَّم أنَّه بضمِّ العين المهملة، وفتح الفاء، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ راء، (وأنَّه جدُّه، وأنَّ اسم أبيه كثير؛ بالمثلَّثة) [1]، وتقدَّم بعض ترجمة سعيد.
قوله: (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ): هو أشهر من أن تُذكَر ترجمته، واسم أبيه سعد مشهور جدًّا، قال الشَّافعيُّ: (إنَّه أفقه من مالك، ولكنَّ أصحابه أضاعوه)، وقد تقدَّم.
قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، العالم المشهور، شيخ الإسلام.
قوله: (عَنْ سَالِمٍ): هو سالم بن عَبْد الله [2] بن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، أحد الفقهاء السبعة على قول، عن أبيه، وأبي هريرة، وعنه: الزُّهريُّ، وصالح بن كيسان، قال مالك: (لَمْ يكن أحد في زمن سالم أشبه من مضى في الزهد، والفضل، والعيش الخشن منه)، توفِّي سنة (106 هـ)، أخرج له الجماعة، تقدَّم رحمة الله عليه.
قوله [3]: (ابن أَبِي حَثمَةَ): هو بفتح الحاء المهملة، ثمَّ ثاء [4] مثلَّثة ساكنة.
قوله: (فِي آخِرِ حَيَاتِهِ): جاء مُبيَّنًا في «الصَّحيح» من حديث جابر قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل أن يموت بشهر: «يسألوني عنِ الساعة، وإنَّما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على [5] الأرض من نفس منفوسة _أَي: مولودة_ يأتي [6] عليها مئة سنة»، وفي رواية: «وهي حيَّة يومئذ»، وهو علم من أعلام نبوَّته.
تنبيه: معنى الحديث: أنَّ كل نفس منفوسة كانت تلك اللَّيلة على ظهر الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مئة سنة، سواء قلَّ عمرها قبلُ أم كثُر، وليس فيه عيش أحد بعد تلك اللَّيلة فوق مئة سنة كما فهمه بعضهم وحاجج فيه، وأخبرني شيخنا الحافظ العراقي: أنَّ الشَّيخ الإمام شمس الدين بن [7] النقَّاش القاهريَّ كان يقول ذلك، انتهى؛ والمعنى: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام وعظهم بقصر أعمارهم، بخلاف غيرهم من سالف الأمم.
وبهذا الحديث استدلَّ البخاريُّ ومن قال بقوله على موت الخضر، وأجيب عنه بأجوبة ليست ظاهرة، ويستدلُّ أيضًا له (ولمن قال بقوله) [8] بالحديث المتقدِّم في «صحيح مسلم»: «إنَّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلَّا غُبَّرات من أهل الكتاب»، والله أعلم [9]، وقد تقدَّم الكلام على الخضر وما يتعلَّق به قبل هذا.

(1/383)


قوله: (أَرَأَيْتَكُمْ): هو بفتح التَّاء للمذكَّر والمؤنَّث، والجمع والمفرد، وهي كلمة تقولها العرب إذا أرادت الاستخبار؛ يعني: أخبروني وأعلموني، والكاف حرف خطاب.
==========
[1]
ما بين قوسين ليس في (ب).
[2]
زيد في (ج): (بن عبد الله).
[3]
زيد في (ج): (عن)، ولا يصح.
[4] (
ثاء): ليس في (ج).
[5]
زيد في (ب): (وجه).
[6]
في (ج): (تأتي).
[7] (
بن): ليس في (ب).
[8]
ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).
[9] (
أعلم): ليس في (ب).
[
ج 1 ص 65]

(1/384)


[
حديث: بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث]
117#
قوله: (آدَمُ): تقدَّم الكلام على صرفه [1]، وتقدَّم بعض ترجمته؛ فانظره، وهو ابن أبي إياس العسقلانيُّ.
قوله: (حَدَّثَنَا الْحَكَمُ): هو ابن عُتَيْبَة، هو بضمِّ العين، ثم مثنَّاة فوق مفتوحة، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ موحَّدة مفتوحة، ثمَّ تاء التَّأنيث، تصغير عتبة، وهو كنديٌّ مولاهم، فقيه الكوفة مع حمَّاد، عنِ ابن أبي أوفى، وأبي جحيفة، وعنه: مسعر، وشعبة، وكان عابدًا قانتًا ثقة، صاحب سنَّة، توفِّي سنة (115 هـ)، وقد أخرج له الجماعة.
تنبيه: لهم شخص آخر يقال له: الحكم بن عتيبة كاسم صاحب التَّرجمة واسم أبيه، ليس له في الكتب شيء، واسم والد [2] والده نهاس [3]، وهو كوفيٌّ، ذكره ابن أبي حاتم وبيَّض له، مجهول، وقال ابن الجوزيِّ: إنَّما قال أبو حاتم: مجهول؛ لأنَّه ليس يروي الحديث، وإِنَّمَا كان قاضيًا بالكوفة، وقد جعل البخاريُّ هذا والحكم بن عتيبة الإمام المشهور صاحب التَّرجمة التي ذكرناها أوَّلًا واحدًا، فعُدَّ من أوهامه، والله أعلم.
قوله: (نَامَ الْغُلَيِّمُ): يقال للصبيِّ من حين يولد إلى أنْ يبلغ: غلام، ويقال للرجل أيضًا المستحكم القوَّة أيضًا [4]: غلام، والمراد هنا: الصبيُّ، وتصغير غلام: غليِّم، وجمعه غلمان، وأغيلمة تصغير.
قوله: (عَنْ يَسَارِهِ [5]): هو بفتح الياء، وكسرها لغة قليلة.
واعلم أنَّ الذين حوَّلهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من اليسار إلى اليمين في الصَّلاة: ابن عبَّاس كما في «البخاريِّ» و «مسلم»، وجابر بن عَبْد الله كما في «مسلم»، وجبَّار بن صخر كما في «مسند أحمد»، والله أعلم، (وحذيفة بن اليمان، ودليله سيأتي أنَّه في «زوائد المعجمين») [6].
[
ج 1 ص 65]
قوله: (حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ أَوْ خَطِيطَهُ): كذا على الشَّكِّ، قال ابن قُرقُول: (والصَّواب: غطيطه؛ وهو صوت يردِّده النَّائم عند استثقاله [7]، ولا معنًى للخطيط هنا) انتهى، وفي «النِّهاية»: (الخطيط قريب من الغطيط؛ وهو صوت النائم، والخاء والغين متقاربتان) انتهى.
==========
[1]
في (ب) و (ج): (حرفه).
[2] (
والد): ليس في (ب).
[3]
في (ج): (نهاش).
[4] (
أيضًا): ليس في (ب).
[5]
في (ج): (يسار).
[6]
ما بين قوسين ليس في (ج).
[7]
في (ج): (اشتغاله).

(1/385)


[
باب حفظ العلم]

(1/386)


[
حديث: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ولولا آيتان في كتاب الله]
118#
قوله: (عن ابنِ شهابٍ): تقدَّم مرارًا أنه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، العالم المشهور.
قوله: (عنِ الأَعْرجِ): هو عبد الرَّحمن بن هرمز أَبُو داود، عن أبي هريرة، وعبد الله ابن بحينة، وعنه: الزُّهريُّ، وابن لهيعة، وكان يكتب المصاحف، توفِّي بالثغر [1]، سنة (117 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه غير واحد.
قوله: (عن أبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
قوله: (كَانَ يَشْغَلُهُمُ): هو بفتح أوَّله وثالثه، ثلاثيٌّ، قَالَ الجوهريُّ: (ولا تقل: أشغلته؛ لأنَّها لغة رديئة).
قوله: (الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ): (الصَّفْق): بفتح الصَّاد المهملة، وإسكان الفاء، وبالقاف [2]؛ أي: التَّصرُّف في التجارة، والصفق أيضًا: عقد البيع.
قوله: (بِشِبْعِ [3] بَطْنِهِ): كذا في أصلنا [4]، وفي رواية [5]: (لشِبْع)؛ باللَّام كما قال: (لملء بطني)، وهو بإسكان الباء، وفي أصلنا: مفتوحة بالقلم، قال ابن قُرقُول بعد أن قيَّدها بالإسكان [6]: (وهو اسم لما يشبعك، وبالفتح مصدر) انتهى، وقَالَ الجوهريُّ: (الشِّبَع نقيض الجوع، والشِّبْع؛ بالكسر: اسم لما أشبعك) انتهى، وينبغي أنْ يقول: (بالإسكان) عوض (بالكسر)؛ فإنَّ المصدر أيضًا [7] بالكسر في الشِّين غير أنَّه مفتوح الباء، والله أعلم، وفي نسخة [8]: (بالتسكين) عوض (بالكسر)، وهذه جيِّدة.
==========
[1]
في (ب): (بالبغو).
[2]
في (ج): (والقاف).
[3]
في (ب) و (ج): (لشبع).
[4]
زيد في (ب): (انتهى).
[5] (
وفي رواية): ليس في (ب) و (ج).
[6]
زيد في (ج): (قال).
[7] (
أيضًا): ليس في (ج).
[8]
كتب في هامش (ج): (وفي رواية).
[
ج 1 ص 66]



[
حديث: ابسط رداءك]
119#
قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ): هذا هو أَبُو مصعب [2] الزُّهريُّ العَوفيُّ، قاضي المدينة وعالمها، سمع مالكًا وطائفة، وعنه: الجماعة، لكن النَّسائيَّ بواسطة، ومطين، وأبو إسحاق الهاشميُّ، وخلق، توفِّي في رمضان سنة (242 هـ)، وكان مولده سنة خمسين ومئة، ذكره في «الميزان» فقال: (ثقة حجَّة، ما أدري ما معنى قول أبي خيثمة لابنه أحمد: لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمَّن شئت؟!) انتهى.
قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ [3]): (ذئب): يهمز ولا يهمز، واسم ابن أبي ذئب: محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب أَبُو الحارث العامريُّ [4] المدنيُّ، أحد الأعلام، عن عكرمة، ونافع، والزُّهريِّ، وعنه: مَعْمَر، وابن المبارك، وابن وهب، والقطَّان، وعليُّ بن الجعد، وكان كبير الشَّأن، ثقة، توفِّي سنة (159 هـ)، وهو أحد الأعلام الثِّقات، متَّفق على عدالته، ذكره في «الميزان» فقال: (قال [5] محمَّد بن عثمان ابن أبي شيبة: سألت عليًّا عنه، فقال: كان عندنا ثقة، وكانوا يوهِنُونَه في أشياء رواها عنِ الزُّهريِّ)، وسُئِل أحمد ابن حنبل عنه فوثَّقه، ولم يرضه في الزُّهريِّ، وذكره السليمانيُّ [6] في «أسامي القدريَّة»، فالله أعلم، وقد نفى عنه القدر الواقديُّ وغيره.
قوله: (عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ): تقدَّم عليه بعض كلام، وتقدَّم أنَّ (المقبريَّ)؛ بضمِّ الباء، وفتحها، وكسرها [7]، ولماذا نسب؛ فانظره.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أعلاه ما اسمه (واسم أبيه، وقد تقدَّم ذلك مرارًا) [8].
قوله: (ضُمّهُ): بفتح الميم وضمِّها، وقيل: يجب الضَّمُّ.
قوله: (فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ [9]): اعلم أنَّ هذه الرِّواية دالَّة على العموم، وأنَّه بعد ذلك لَمْ ينسَ [10] شيئًا سمعه مِنْهُ، لا أنَّه خاصٌّ بتلك المقالة، كما في قوله: (فما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا).
قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ): هو بضمِّ الفاء، وفتح الدَّال المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ كاف، وهو محمَّد بن إسماعيل بن أبي فُدَيْك الدَّيليُّ مولاهم،، عن سلمة بن وردان، وخلق، وعنه: عبد، وسلمة بن شبيب، صدوق، مات سنة (200 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو [11] صدوق، محتجٌّ به في الكتب، قال ابن سعد: (وحده ليس بحجَّة)، ووثَّقه جماعة، له ترجمة في «الميزان»؛ لأجل كلام ابن سعد

ج2. التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل

الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

قوله: (بِهَذَا): أي: بهذا السَّند، وهو السَّند المتقدِّم؛ يعني: أنَّ ابن أبي فُدَيْك رواه بالسَّند الذي ذكره عنِ ابن أبي ذئب، عنِ المقبريِّ، عن أبي هريرة به، وقال عوض (فغرف بيديه): (فغرف بيده فيه)، وفي رواية عوض هذه: (فحذف بيديه فيه).

(1/389)

[حديث: حفظت من رسول الله وعاءين]

120# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم مرَّات أنَّ هذا ابن أبي أويس، ابن أخت مالك الإمام، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ اسم أبي أويس عبد الله.

قوله: (حَدَّثَنِي أَخِي): قال الدِّمياطيُّ في «حاشيته»: (عبد الحميد _يعني: أخاه ابن أبي أويس عبد الله_ بن عبد الله بن أويس بن مالك) انتهى، وعبد الحميد هذا هو ابن أخت مالك كأخيه إسماعيل، وتقدَّم نسبه أعلاه، أبو بكر الأصبحيُّ، عن أبيه، وابن عجلان، وابن أبي ذئب، وعنه: أخوه إسماعيل، وأيُّوب بن سليمان، ومحمَّد بن رافع، ثقة، وثَّقه ابن معين وغيره، توفِّي سنة (202 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان»، ذكر فيها عنِ الأزديِّ كلامًا قبيحًا في حقِّ عبد الحميد، ثمَّ قال الذَّهبيُّ: (وهذه زلَّة قبيحة)؛ يعني: من الأزديِّ.

قوله: (عَنِ ابنِ [1] أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه محمَّد بن عبد الرَّحمن، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (وِعَاءَيْنِ): الوِعاء؛ بكسر الواو، قال شيخنا الشَّارح: (ويجوز ضمُّها) انتهى.

ويعني بالوعاءين [2] من العلم: على طريق الاستعارة من الوعاء الذي يُجمَع فيه المتاع.

ثمَّ اعلم أنَّه جاء في غير «البخاريِّ»: «ثلاثة جرب، بثثت منها جرابين، ولو بثثت هذا الثَّالث؛ لقطع هذا»؛ يعني: البلعوم، وجاء في رواية: «خمسة»؛ يعني: جرب، وهذه رُوِّيناها في كتاب «المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي» لمحمَّد بن خلَّاد الرَّامهُرمزيُّ الحافظ في (باب كثرة الرِّواية) في الجزء السَّادس تجزئة سبعة أجزاء حديثيَّة، قال فيه: (حدَّثنا عبدان: حدَّثنا داهر بن نوح: حدَّثنا عمر بن عَبْد الله البصريُّ: حدثني أبي: أنَّ أبا هريرة حفظ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خمسة جرب أحاديث، وقال: إنِّي أخرجت منها جرابين، ولو أخرجت الثَّالث؛ لرميتموني بالحجارة) انتهى، وهذا الكتاب رُوِّيته بالقاهرة بقراءتي، وقرأتُ غالبَهُ بالإسكندريَّة عاليًا فيهما، وعندي منه نسخة حسنة في سبعة أجزاء حديثيَّة.

[قوله: (فَبَثَثْتُهُ): أي: أذعته وأشهرته] [3].

[ج 1 ص 66]

(1/390)

قوله: (وَأَمَّا الآخَرُ [4]): قيل: إنَّ الآخر [5]: هو أشراط الساعة، وفساد الدين، وتضييع الحقوق، وتغيير الأحوال؛ كقوله: «يكون فساد الدين على يد أغيلمة من قريش»، وكان أبو هريرة يقول: لو شئت أنْ أسمِّيهم بأسمائهم، لكنَّه خشي على نفسه ولم يصرِّح، وقال أبو العبَّاس ابن تيمية _كما رأيته عنه في فتوى_: (كان فيه ذكر الملاحم، والفتن، ونحوها من الحوادث التي لو أخبر بها قبل وقوعها؛ لأنكرها عليه من العامَّة والولاة من يكره ذلك أو [6] يكذِّبه؛ لاستبعاده ما أخبَر به، وكراهته له، ومثل الفتن التي كانت بين بني أميَّة ومن حاربهم؛ كعبد الله بن الزُّبير وغيره) انتهى.

قوله: (لَقُطِعَ مِنِّي [7] هَذَا الْبُلْعُومُ): هو بضمِّ الموحَّدة، وقد فسَّره البخاريُّ رحمه الله هنا.

==========

[1] (ابن): ليس في (ج).

[2] في (ج): (بالوعاء).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[4] في (ب): (الآخرة).

[5] في (ب): (الأخيرة).

[6] في (ب): (و).

[7] (مني): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

(1/391)

[باب الإنصات للعلماء]

(1/392)

[حديث: أن النبي قال له في حجة الوداع: استنصت الناس]

121# قوله: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ): هذا هو ابن المنهال الأنماطيُّ البصريُّ، عن قرَّة، وشعبة، وعنه: البخاريُّ، وعبد، والكجِّيُّ، وكان دلَّالًا ثقة ورعًا، ذا سنَّة وفضل، توفِّي سنة (217 هـ)، أخرج له الجماعة، قال أحمد [1] العجليُّ: (ثقة، رجل صالح، وكان سمسارًا يأخذ من كلِّ دينار حبَّة، فجاء خراسانيٌّ موسر [2] من أصحاب الحديث، فاشترى له أنماطًا، وأعطاه ثلاثين دينارًا، وقال: هذه سمسرتك خذها، قال: دنانيرك أهون علينا من هذا التراب، هات من كلِّ دينار حبَّة أو كسرًا).

قوله: (عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ): هو اسم فاعل من (أدرك).

قوله: (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ): هو أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجليُّ هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: جرير، وقيل: عمرو، تقدَّم الكلام عليه، وبعض ترجمته.

قوله: (عَنْ جَرِيرٍ): هو جَرِير _بفتح الجيم، وكسر الرَّاء_ ابن عبد الله [3] البجليُّ، صحابيٌّ مشهور التَّرجمة رضي الله عنه، وقد تقدَّم.

قوله: (فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ): حجَّة الوداع كانت سنة عشر من الهجرة، وهذا في غاية الظهور والشهرة.

قوله: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا): أي: لا تفعلوا فتشبَّهوا بهم في حالة قتل بعضهم بعضًا، ومحاربة بعضهم بعضًا، وهذا أولى في تأويله، وقيل: إنَّه كفر على بابه في حقِّ المستحلِّ لغير [4] الحق، وقيل: المراد: كفر النعمة وحقِّ الإسلام، وقيل: إنَّه يقرب من الكفر ويؤدِّي إليه، وقيل: لا تكفروا حقيقة، بل دوموا مسلمين، وقيل: المراد بالكفَّار: المتكفِّرون في السلاح، يقال: تكفَّرَ الرجلُ بسلاحه؛ إذا لبسه [5]، وقيل: لا يكفِّر بعضكم بعضًا فتستحلُّوا قتال بعضكم بعضًا، والله أعلم بمراد رسوله [6] صلَّى الله عليه وسلَّم.

[قوله: (يَضْرِبُ): هو برفع الباء على الصَّواب، وهو الرِّواية، ومن سكَّن الباء؛ أحال المعنى؛ لأنَّ النَّهي على هذا التَّقدير يكون عنِ الكفر مجرَّدًا، وضرب الرِّقاب جواب النَّهي ومجازاة للكفر، وسياق الخبر يأباه، وجوَّزه أَبُو البقاء وابن مالك على تقدير شرط مضمر؛ أي: إنْ ترجعوا؛ يضربْ] [7].

==========

[1] زيد في (ج): (ابن).

[2] في (ج): (فجاء خراسان موسرًا).

[3] (ابن عبد الله): وضعت في (ب) في غير محلها.

[4] في (ب): (بغير).

[5] في (ج): (لقيه).

(1/393)

[6] في (ب): (والله بمراد رسوله أعلم)، وفي (ج): (رسول الله).

[7] ما بين معقوفين جاء في النسخ سابقًا بعد قوله: (في غاية الظهور والشهرة).

[ج 1 ص 67]

(1/394)

[باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ .. ]

(باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللهِ عزَّ وَجَلَّ) ... إلى (باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

قوله: (فَيَكِلُ الْعِلْمَ): (يكلُ)؛ برفع اللَّام، قال ابن المُنَيِّر: (ظنَّ الشَّارح _ يعني: ابن بطَّال أبا الحسن_: أنَّ المقصود من هذا الحديث _ يعني: حديث أُبيِّ بن كعب المذكور بعد التَّرجمة_ التَّنبيه على أنَّ الصَّواب من موسى كان [1] ترك الجواب، وأن يقول: لا أعلم، وليس كذلك، بل ردُّ العلم إلى الله عزَّ وَجَلَّ متعيَّنٌ أجاب أو لَمْ يجب، فإنْ أجاب؛ قال: الأمر كذا والله أعلم، وإنْ لَمْ يجب؛ قال: الله أعلم، ومن ههنا تأدَّب المُفْتُونَ في أجوبتهم بقولهم: والله أعلم، فلَّعل موسى لو [2] قال: أنا، والله أعلم؛ لكان صوابًا، وإنَّما وقعت المؤاخذة باقتصاره على قوله: أنا أعلم؛ فتأمَّله) انتهى.

وما قاله ابن (المنيِّر أخذ بعضه [3] من) [4] تبويب البخاريِّ، والقاضي عياض في «الشفا» قال ما لفظه: (وعتب الله عليه _فيما قاله العلماء_ إنكار هذا القول عليه؛ لأنَّه لَمْ يَرُدَّ العلم إليه كما قالت الملائكة: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]، أو [5] لأنَّه [6] لَمْ يرض قوله شرعًا، وذلك _والله أعلم_لئلَّا يقتدي به فيه من لَمْ يبلغ كمالَهُ في تزكية نفسه، وعلوِّ درجته من أمَّته، فيهلك لما تضمَّنه من مدح الإنسان نفسه، ويورثه ذلك من الكبر، والعجب، والتعاطي، والدعوى، وإن نُزِّه عن هذه الرذائل الأنبياءُ فغيرهم بمدرجة سبيلها، ودرك نيلها إلَّا من عصمه الله، فالتحفُّظ منها أولى لنفسه وليُقتَدَى به، ولهذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام تحفُّظًا من مثل هذا ممَّا قد أُعلِم به: «أنا سيَّد وُلْد آدم ولا فخر») انتهى.

==========

[1] في (ب): (الصَّواب كان من موسى).

[2] (لو): ليس في (ج).

[3] (بعضه): سقط من (ج).

[4] ما بين قوسين سقط من (ب).

[5] في (ج): (إلا).

[6] في (ج): (أنَّه).

[ج 1 ص 67]

(1/395)

[حديث: قام موسى النبي خطيبًا في بني إسرائيل]

122# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنَديُّ، وهو بفتح النُّون، وإنَّما قيل له ذلك؛ لأنَّه كان وقت الطلب يتَّبع الأحاديث المسندة، ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل، وقال الحاكم: (إنَّه أوَّل من جمع مسند [1] الصَّحابة على التراجم بما وراء النهر)، وكنيته: أَبُو جعفر، وقد تقدَّم، وهو عَبْد الله بن محمَّد بن عَبْد الله بن جعفر بن يمان بن أخنس بن خنيس الجعفيُّ البخاريُّ الحافظ [2].

[وتقدَّم أَنَّ البخاريَّ يروي عن أربعة أشخاص كلٍّ منهم اسمه: عبد الله بن محمَّد في (باب أمور الإيمان)؛ فانظره، والمسنديُّ هذا يروي] [3] عن فضيل، ومعتمر [4]، وعنه: البخاريُّ، ومحمد بن نصر المروزيُّ، توفِّي سنة (229 هـ)، أخرج له البخاريُّ والتِّرمذيُّ، قال أَبُو حاتم: (صدوق).

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن عيينة، تقدَّم فيما مضى في أوَّل التَّعليق، ويدلُّك على أنَّه هو قوله في آخر الحديث: (قال ابن عيينة)، وهذا أوكد.

قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو): هذا هو ابن دينار أَبُو محمَّد مولى قريش، مكِّيٌّ إمام، عنِ ابن عبَّاس، وابن عمر، وجابر، وعنه: شعبة، والسفيانان، وخلق، مات سنة (126 هـ) في أوَّلها، وله ثمانون سنة، تقدَّم، وأنَّه ما قيل عنه من التشيُّع؛ باطل، وهو عالم حجَّة.

(تنبيه: لهم عمرو بن دينار آخر [5]، كنيته: أَبُو يحيى، وهو قهرمان آل الزبير، أخرج له التِّرمذيُّ وابن ماجه [6]، ضعَّفوه) [7].

قوله: (إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ): (نَوْفٌ)؛ بفتح النُّون، وإسكان الواو، ثمَّ بفاء، مصروف، و (البِكاليُّ)؛ بكسر الموحَّدة وبالكاف المخفَّفة، وفي آخره لام: نسبة إلى بكال؛ بطن من حمير، وهو نوف بن فَضالة، قال ابن الصَّلاح في «علومه»: (إنَّه كما قيَّدته، ونسبه إلى ما نسبته إليه، وغلب على ألسنة أهل الحديث فيه: فتح الباء، وتشديد الكاف) انتهى.

وقال ابن قُرقُول: (أكثر المحدِّثين يفتحون الباء، ويشدِّدون الكاف، وآخره لام، وكذا قيَّدناه عن أبي بحر وابن أبي جعفر عنِ العذريِّ، وقال: قاله أبو ذرٍّ، وقُيِّد عنِ المهلَّب بكسر الباء، وكذلك عنِ الصَّدَفيِّ، وأبي الحسين بن سِراج: بتخفيف الكاف، وهو

[ج 1 ص 67]

الصَّواب؛ نسبة إلى بكال من حمير) انتهى.

(1/396)

وهو ابن امرأة كعب [8]، روى عن كعب، وعليٍّ، وثوبان، وعبد الله بن عمرو، وأبي أيُّوب الأنصاريِّ، وعنه: شهر [9] بن حوشب، وابن جبير، وأبو إسحاق السبيعيُّ، وأبو عمران الجونيُّ، كان أحد العلماء، وقال يحيى بن أبي عمرو السّيبانيُّ: (كان نوفٌ إمامًا لأهل دمشق رحمه الله).

قوله: (يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ... ) إلى آخره: إن قال قائل: من موسى الآخر؟

فالجواب: أنَّ الحاكم ذكر في «مستدركه» في (المناقب) في موسى وهارون صلَّى الله عليهما وسلَّم [10]: (قال ابن إسحاق: ولد موسى بن مَنْشا [11] [بالنُّون والياء صح] بن يوسف بن يعقوب، فتنبَّأ في بني إسرائيل قبل موسى بن عمران فيما يزعمون، ويزعمون _أهل السَّفر بها_ أنَّه هو الذي صَحِبَ الخضر)، كذا نقلتُه من «تلخيص المستدرك» للذهبيِّ، وموسى هذا ذكر ابن الجوزيِّ في أوَّل «تلقيحه» في ترتيب كبار الأنبياء: (من بعد يوسف موسى بن مَنْشا [12] [بالنُّون والياء صح]، ثمَّ من بعده موسى بن عمران) انتهى، وسيأتي من كلام شيخنا الشَّارح حكاية أنَّه هو.

قوله: (مُوسًى [13] آخَرُ): هو منوَّن في أصلنا، ويجوز تنوينه وترك تنوينه، قال أبو عمرو بن العلاء: (إنَّ موسى مصروف في النكرة) انتهى، وقوله: (موسًى آخر): هو نكرة.

قوله: (كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ): هذا قاله على سبيل الإغلاظ على القائل، وكان ذلك في حال غضبه؛ لشدَّة إنكاره، وحالة الغضب تُطلق الألفاظ ولا يُراد بها حقائقها.

فائدة: السَّائل هنا هو سعيد بن جبير، وابن عبَّاس هو المخبر، وفيما مضى ابن عبَّاس تمارى هو والحرُّ بن قيس في صاحب موسى، فقال ابن عبَّاس: هو خضر، فمرَّ بهما أُبيُّ بن كعب فسأله ابن عبَّاس فأخبره، فيحتمل أنَّ سعيدًا سأل ابن عبَّاس بعد الواقعة الأولى المتقدِّمة لابن عبَّاس مع الحرِّ، فأخبره ابن عبَّاس لمَّا سأله عن قول نوف، ولأجل ذلك _والله أعلم_ قدَّم البخاريُّ تلك الواقعة وأخَّر هذه.

قال شيخنا الشَّارح: (وجاء أنَّ السَّائل غير ابن جبير)، روي عن سعيد قال: جلست إلى ابن عبَّاس وعنده قوم من أهل الكتاب، فقال بعضهم: يا أبا عبد الله؛ إنَّ نوفًا ابن امرأة كعب يزعم عن كعب أنَّ موسى الذي طلب العلم إنَّما هو موسى بن منشا، فقال ابن عبَّاس: كذب نوف، حدثني أُبيٌّ ... ؛ وذكر الحديث.

قوله: (أَنَّ عَبْدًا): هو بفتح همزة (أَنَّ)، وكسرها.

(1/397)

قوله: (بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ): هما بحر الروم ممَّا يلي الغرب، وبحر فارس ممَّا يلي الشَّرق، قاله قتادة، وحَكى الثعلبيُّ عن أُبيِّ بن كعب أنَّه بإفريقية، وقيل: بحر الأردنِّ وبحر القلزم، قال السُّهيليُّ: (وقيل: بحر المغرب وبحر الزقاق)، قال ابن عبَّاس: (اجتمع البحران موسى والخضر بمجمع البحرين)، قاله شيخنا الشَّارح، وقال ابن عبد السلام: (عند عين الحياة، وقيل: الروم وفارس [14]، وقيل: طنجة، وقيل: إفريقية، وقيل: بحري العلم موسى والخضر) انتهى.

قوله: (فِي مِكْتَلٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الكاف، وفتح المثنَّاة فوق، ثمَّ لام؛ وهو فوق الزِّنبيل [15]، وقيل: القفَّة، وقال ابن وهب: (هو وعاء يسع خمسة عشر صاعًا إلى عشرين)، قال في «المطالع»: (قلت: قاله سعيد في الفَرَق).

قوله: (فَهْوَ ثَمَّ): هو بفتح الثَّاء المثلَّثة، وتشديد الميم، تقدَّم معناها في ذهاب موسى مع الخضر [16].

قوله: (يُوشَعَ بْنِ نُونٍ): تقدَّم أنَّ (نونًا) مصروف، وتقدَّم بقيَّة نسبه في ذهاب موسى مع الخضر.

قوله: (عِنْدَ الصَّخْرَةِ): تقدَّم في الباب المذكور أعلاه أين هي.

[قوله: (فَانْسَلَّ الْحُوتُ): قال صاحبنا الإمام كمال الدين الدميريُّ ثمَّ القاهريُّ الشَّافعيُّ _وهو أحد فضلاء القاهرة اجتمعت به_ ما لفظه: (حوت موسى ويوشع عليهما السلام، قال [17] أبو حامد الأندلسيُّ: رأيت سمكة بقرب مدينة سبتة من نسل الحوت الذي أكل منه موسى [18] وفتاه، وأحيا [19] الله نصفه، فاتَّخذ سبيله في البحر سربًا، ونسلها [20] في البحر إلى الآن في ذلك الموضع، وهي سمكة طولها أكثر [21] من ذراع، وعرضها شبر واحد، أحد جانبيها شوك وعظام، وجلد رقيق على أحشائها وعينيها، ورأسها نصف رأس، من رآها من هذا الجانب؛ استقذرها، ويحسب أنَّها مأكولة ميتة، ونصفها الآخر صحيح، والناس يتبرَّكون بها، ويهدونها إلى الأماكن البعيدة) انتهى ما قاله] [22].

قوله: (سَرَبًا): هو المسلك في خُفية، وانتصب على المفعول، أو على المصدر، كأنَّه قال: سرب الحوت سربًا.

(1/398)

قوله: (بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهِمَا): وفي (الأنبياء) العكس، وهو في «مسلم»، وهو الصَّواب؛ لقوله: (فلمَّا أصبح)، وفي رواية: (حتَّى إذا كان من الغد)، قال النوويُّ: (وضبطوه _[يعني: في «مسلم» _: بنصب «ليلتَهما»، وجرِّها) انتهى، فـ (يوم) في «صحيح البخاريِّ»: منصوب، وكذا هو في أصلنا، وعليه (صح)، وقول النَّوويِّ: (إنَّهم ضبطوه] [23]: بجرِّ «ليلتِهما»)؛ فيه وقفة من حيث المعنى؛ لأنَّهما إنَّما سارا بقيَّة اليوم الذي نسيا فيه الحوت واللَّيلة كلَّها لا بقيَّتها؛ بدليل قوله: (فلمَّا أصبح)، ورواية [24]: (حتَّى إذا كان من الغد)، والذي ظهر لي في توجيه ما قاله النَّوويُّ _والله أعلم_: أنَّه إذا جُمع بين الرِّوايتين؛ صار بقيَّة اليوم مسارًا فيه وبقية اللَّيل لا هذا كلُّه، ولا هذا كلُّه [25]، فلهذا [26] جُوِّز فيه الجرُّ، والله أعلم.

[قوله: (نَصَبًا): أي: تعبًا] [27].

قوله: (الَّذِي أُمِرَ بِهِ): (أُمِر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (فَتَاهُ): تقدَّم أعلاه أنَّه يوشع بن نون؛ أي: خادمه، وقيل: إنَّه ابن أخته.

قوله: (مُسَجًّى بِثَوْبٍ): أي: مغطًّى به.

قوله: (وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟!): (أَنَّى): تجيء بمعنى: أين، وحيث، وكيف، قال القاضي عياض: (وهذا يدلُّ على أنَّ السلام لَمْ يكن معروفًا عندهم إلَّا في خاصَّة الأنبياء والأولياء، أو كان بلاد كفر ممَّن لا يعرف السلام [28]).

قوله: (فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، [فَعُرِفَ الْخَضِرُ]، فَحَمَلُوهُمَا): هكذا ورد؛ والمعنى: أنَّ موسى والخضر ويوشع قالوا لأصحاب السفينة: هل تحملوننا؟، فعرفوا الخضر فحملوهم، فجمع الضَّمير في (كلَّموهم)، وثنَّى (يحملوهما) [29]؛ لأنَّ يوشع تابع، ومثله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117].

[قوله: (فَعُرِفَ الْخَضِرُ): (عُرِف): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الخضرُ): مرفوع نائب مناب الفاعل] [30].

قوله: (نَوْلٍ): هي بفتح النُّون، وإسكان الواو، ثمَّ لام؛ وهي الأجرة والجعل.

قوله: (فَجَاءَ عُصْفُورٌ): عن بعضهم: أنَّه الصرد، انتهى، والصُّرَد: على وزن (الجُعَل)؛ وهو طائر فوق العصفور، قاله اللَّيث، وعن النضر بن شميل: (أنَّه طائر أبقع، ضخم المنقار، له بُرش عظيم؛ يعني: أصابعه عظيمة)، وفي الصرد كلام غير هذا، والله أعلم.

[ج 1 ص 68]

(1/399)

قوله: (فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى ... ) إلى آخره: فائدة: روى الحاكم في «المستدرك» في تفسير (الكهف) بسنده عنِ ابن عبَّاس مرفوعًا: (لمَّا لقي موسى الخضرَ؛ جاء طائر فألقى منقاره في الماء، فقال الخضر لموسى [31]: تدبَّر ما يقول هذا الطائر، قال: وما يقول؟ قال: يقول: مَا علمك وعلم موسى في علم الله إلَّا كما أخذ منقاري من الماء) على شرطهما، ولم يتعقَّبه الذَّهبيُّ في «تلخيصه».

قوله: (مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ): اعلم أنَّ لفظ (النقص) هنا ليس على ظاهره، فإنَّ علم الله عزَّ وَجَلَّ لا يدخله نقص ولا زيادة، قال في «المطالع»: («إلَّا» هنا بمعنى: ولا ... ) إلى أنْ قال: (وقد قيل في قوله تعالى: {أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطئًا} [النساء: 92] نحو هذا؛ ولا خطأ، وهو قول ضعيف، وعند المحقِّقين: استثناء من غير الجنس؛ بمعنى: لكن يقتله خطأ، أو إلَّا أنَّ يقتله خطأ)، قال القاضي: (وهذا التأويل في الحديث لا يُحتاج إليه؛ إذ معناه صحيح على ظاهره، وإنَّما المقصد بالحديث التمثيل لعدم النقص؛ إذ ما نقصه العصفور من البحر؛ لا يظهر لرائيه، فكأنه لَمْ ينقص شيئًا، فكذلك هذا من علم الله سبحانه، أو يكون راجعًا إلى المعلومات لا إلى العلم؛ أي: ما علمت أنا وأنت من جملة معلومات الله التي لَمْ يُطلِع عليها في التَّقدير والتمثيل إلَّا ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، وذكر النقص ههنا مجاز على كلِّ وجه، ومحال في علم الله ومعلوماته في حقِّه سبحانه، وإنَّما يتقدَّر ذلك في حقِّنا، ويدلُّ على هذا قوله في الرِّواية الأخرى: «ما علمي وعلمك في علم الله إلَّا مقدار ما نَقص هذا العصفور بمنقاره في هذا البحر») انتهى.

قوله: (فَعَمَدَ): هو بفتح الميم في الماضي، وكسرها في المستقبل، هذا هو المشهور، ورأيت في حاشية [32]: [أنَّ فيها الكسر في الماضي، والفتح في المضارع، وأنَّه عزاه للَّبليِّ في «شرح الفصيح»] [33].

(1/400)

قوله: (فَإِذَا غُلاَمٌ): هذا اسمه حيسور، وقد اختلف الرواة فيه في «صحيح البخاريِّ»؛ فقال بعضهم: إنَّه بالجيم المفتوحة، وقال بعضهم: بالحاء المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ سين مهملة، ثمَّ واو ساكنة، ثمَّ راء، قال ابن قُرقُول: (جيسور)؛ بالجيم كذا للنسفيِّ والجرجانيِّ، وكذا قيَّده الدَّارقطنيُّ، وعند المروزيِّ: (حيسور)؛ بالحاء، وكذا لأبي ذرٍّ وابن السَّكن، وعند القابسيِّ: (حَلْبَتُور [34])، وكذا صحَّحه عبدوس بن محمَّد في أصل كتابه، وقال القابسيُّ: (في حفظي إِنَّمَا هو بالنُّون: حَنْبَتُور) انتهى، وقال بعضهم: خرَّبُوذ.

تنبيه: (فإذا غلامٌ): الظَّاهر _والله أعلم_: أنَّه كان غير بالغ، وزعم قوم أنَّه كان بالغًا، يعمل الفساد، واحتجُّوا بقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ} [المائدة: 32]، والقصاص إِنَّمَا يكون في حقِّ [35] البالغ، وأجاب الجمهور عن ذلك: بأنَّا لا نعلم كيف كان شرعهم، فلعلَّه كان يجب على الصبيِّ في شرعه كما يجب في شرعنا عليهم غرامة المتلفات، والله أعلم.

[فائدة: نقل البيهقيُّ في كتاب «المعرفة»: (أنَّ الأحكام إِنَّما صارت متعلِّقة بالبلوغ بعد الهجرة) انتهى] [36]

قوله: (فَأَخَذَ [37] [الخَضِرُ] بِرَأْسِهِ): قيل: الباء زائدة، وقيل: على بابها؛ لأنَّه ليس المعنى أنَّه تناول [38] رأسه ابتداء، وإنَّما المعنى: أنَّه جرَّه إليه [39] برأسه، ثمَّ اقتلعه، ولو كانت زائدة؛ لَمْ يكن لقوله: (اقتلعه) معنًى زائد على (أخذ)، وفي رواية: (فوجد غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا وأضجعه، ثمَّ ذبحه بالسكين)؛ فاجمع بينهما.

قوله: (أَهْلَ قَرْيَةٍ): هي أنطاكية، وقيل: الأُبلة، وقال شيخنا الشَّارح: (أيلة)؛ فتحرَّر، وقيل: برقة [40]، وقال ابن خلِّكان في «تاريخه» في ترجمة أبي عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى: (إنَّها ماجروان؛ اسم لمدينة بنواحي أرمينية، من عمل شروان، عندها عين الحياة التي وجد بها الخضر، وقيل: هي اسم القرية التي استطعم أهلَها موسى والخضرُ).

قوله: (جِدَارًا): قال الثعلبيُّ: (إنَّ سمك الجدار مئتا ذراع بذلك الذراع الذي لذلك القرن، وطوله على وجه الأرض خمس مئة ذراع، وعرضه خمسون ذراعًا).

قوله: (لَوَدِدْنَا): هو بكسر الدَّال الأولى.

==========

[1] في (ج): (المسند)، وكذا كان في (أ) قبل الإصلاح.

[2] (الحافظ): مثبت من (ج).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[4] في (ب): (ومعمر).

(1/401)

[5] (آخر): ليس في (ب).

[6] (ابن ماجه): ليس في (ب).

[7] ما بين قوسين سقط من (ج).

[8] زيد في (ب): (انتهى).

[9] في (ج): (بهز).

[10] في (ب): (عليهما السَّلام).

[11] في (ب): (منشأ).

[12] في (ج): (ميشا).

[13] في هامش (ق): (ابن إفرائم).

[14] في (ب): (والفارس).

[15] في (ج): (الربيد).

[16] زيد في (ب): (عليه السلام).

[17] في (ب): (وقال).

[18] زيد في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[19] في (ج): (فأحيا).

[20] في (ج): (ونسلهما).

[21] (أكثر): ليس في (ج).

[22] ما بين معقوفين جاء في (أ) ملحقًا وفي (ب) و (ج) سابقًا بعد قوله: (العلم موسى والخضر انتهى).

[23] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[24] في (ب): (ولرواية).

[25] (ولا هذا كله): ليس في (ج).

[26] في (ب): (ولهذا).

[27] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[28] في (ج): (سلام).

[29] في (ج): (يحملونهما).

[30] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (لا يعرف السلام).

[31] في (ج): (يا موسى)، وليس بصحيح.

[32] زيد في (ج): (لفظها)، وضرب عليها في (أ).

[33] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[34] في (ب) و (ج): (حلشور).

[35] في (ب): (عين).

[36] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[37] في (ب): (وأخذ).

[38] في (ج): (يتناول).

[39] (إليه): ليس في (ب).

[40] في (ج): (سرقة).

(1/402)

[باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا]

قوله: (عَالِمًا جَالِسًا): (عالمًا): هو [1] منصوب [مفعول (سأل)، و (جالسًا): منصوب] [2] صفة للعالم [3]، وفي الحديث: جواز سؤال العالم وهو واقف _كما ترجم له_ لعذر من ضيق مكان ونحوه، ولا يكون ذلك تركًا لتوقير العالم، ألا ترى أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ ينكر عليه ذلك، ولا أمره [4] بالجلوس، ولا من باب «من أحبَّ أن يَتَمَثَّل له الناس قيامًا؛ فليتبوَّأ مقعده من النار»، فمثل هذه الهيئة مع سلامة النفس مشروعة، والله أعلم.

==========

[1] (هو): ليس في (ب).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[3] (صفة للعالم): جاء بدلًا منها في (ج): (على الحال)، وكذا كان في (أ) قبل الإصلاح.

[4] في (ج): (أمر).

[ج 1 ص 69]

(1/403)

[حديث: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله]

123# قوله: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ): هذا هو عثمان بن محمَّد بن أبي شيبة أَبُو الحسن العبسيُّ مولاهم الكوفيُّ الحافظ، عن شريك، وأبي الأحوص، وجرير، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابنه محمَّد بن عثمان، وأبو يعلى، وأمم، توفِّي في المحرَّم سنة (239 هـ)، سُئل عنه أحمد، فقال: (لا أعلم إلَّا خيرًا)، وأثنى عليه، وقال يحيى: (ثقة مأمون)، أخرج عنه من الأئمَّة من أخذ عنه، وله ترجمة في «الميزان».

(تنبيه: تقدَّم أنَّ ثلاثة من مشايخ البخاريِّ في «الصَّحيح» كلٌّ منهم اسمه: عثمان، هذا أحدهم، والثَّاني: عثمان بن صالح السهميُّ المصريُّ، والثَّالث: عثمان بن الهيثم، مؤذِّن البصرة) [1].

قوله: (أَخْبَرَنَا [2] جَرِير): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، عن منصور، وحُصَين، وعبد الملك بن عمير [3]، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وله مصنَّفات، مات سنة (188 هـ)، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر أَبُو عتَّاب السُّلميُّ، من أئمَّة الكوفة، عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعنه: شعبة، والسفيانان، وخلق، قال: (ما كتبت حديثًا قطُّ)، مناقبه جمَّة، مات سنة (132 هـ)، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، ثقةٌ ثَبْتٌ.

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): هو شقيق بن سلمة، تقدَّم بعض ترجمته، أخرج له الجماعة، وكان من العلماء العاملين.

قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار الأشعريُّ، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى أنْ قال: (مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟): قال ابن [4] شيخنا البلقينيِّ: (هذا يحتمل تفسيره بلاحق بن ضُميرة الباهليِّ، وسنبسطه فيما بعد ذلك) انتهى.

قال الذَّهبيُّ في «تجريده»: (لاحق بن ضميرة الباهليُّ له وفادة ورواية إنْ صحَّ «س»)؛ يعني: ذكره أَبُو موسى.

[ج 1 ص 69]

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ج).

[2] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] في (ب): (عمر).

[4] (ابن): ليس في (ب).

(1/404)

[باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار]

قوله: (عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ): قيل: ليس [1] فيه معنى ما ترجم له؛ لأنَّه ليس فيه إلا السؤال، وهو بموضع الجمرة، وليس فيه أنَّه كان في حال الرمي) انتهى.

وفي هذا الاعتراض نظر؛ لأنَّه لو أراد ذلك؛ لقال: باب سؤال العالم وهو يرمي الجمرة، أو نحو هذا، والله أعلم.

==========

[1] (قيل: ليس): ليس في (ب).

[ج 1 ص 70]

(1/405)

[حديث: رأيت النبي عند الجمرة وهو يُسأل]

124# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه الفضل بن دُكَين، بالدَّال المهملة المضمومة، وفتح الكاف، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه أَبُو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم شيخ الإسلام.

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ): هذا الرجل لا أعلم أحدًا سمَّاه، وقد قدَّمت ذلك.

قوله: (وَلاَ حَرَجَ): أي: لا إثم عليك، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 70]

(1/406)

[باب قول الله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}]

(1/407)

[حديث: بينا أنا أمشي مع النبي في خرب المدينة]

125# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ): هذا هو ابن زياد العبديُّ مولاهم، البصريُّ، عن عاصم الأحول، والأعمش، وعنه: ابن مهديٍّ، ومسدَّد، وقتيبة، قال النَّسائيُّ: (ليس به بأس)، مات سنة (176 هـ)، أخرج له الجماعة.

قال الذَّهبيُّ في «الميزان»: (احتجَّا به في «الصَّحيحين»، وتجنَّبا تلك المناكير التي نُقِمت عليه)، ثمَّ ذكر ما قيل فيه، وقد تقدَّم الكلام عليه [1].

قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ): أمَّا (إبراهيم) هذا؛ فهو إبراهيم بن يزيد النَّخعيُّ الكوفيُّ أبو عمران، عن علقمة، وخاله الأسود [2]، ورأى عائشة، وعنه: الحكم، ومنصور، والأعمش، وخلق، وكان عجبًا في الورع والخير، متوقِّيًا للشهرة [3]، رأسًا [4] في العلم، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه تُوفِّي سنة (96 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ عَلْقَمَةَ): هو ابن قيس النَّخعيُّ أبو شبل الفقيه، عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعبد الله بن مسعود، وخلق، وعنه: ابن أخيه عبد الرَّحمن بن يزيد، وابن أخته إبراهيم النَّخعيُّ، وسلمة بن كهيل، وآخرون، قال أبو معمر: (قوموا بنا إلى أشبه الناس بعبد الله هديًا ودلًّا وسمتًا، فقمنا إلى علقمة)، مات سنة (62 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ): هو ابن مسعود الهذليُّ، الصحابيُّ الجليل المشهور، ترجمته معروفة.

قوله: (في خَرَبِ [5] الْمَدِينَةِ): هو بفتح الخاء المعجمة والرَّاء، وبكسرها أيضًا، وبالموحَّدة، كذا في أصلنا الاثنان بالقلم، قال في «المطالع»: (كذا في باب {وَمَا أُوتِيْتُم مِنَ العِلْمِ [6] إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] بجميعهم: «خرب»؛ بالخاء المعجمة)، قال: (وفي غير هذا الموضع: «في حرث المدينة»، وكذا رواه مسلم، قيل: وهو الصَّواب، ومثله رواية مسلم في حديث آخر: «في نخل») انتهى، وقال ابن الأثير: (الخِرَب: يجوز أن يكون بكسر الخاء، وفتح الرَّاء، جمع: خَرِبَة؛ كنَقِمَة ونِقَم، ويجوز أن يكون جمع: خِرْبة؛ بكسر الخاء، وسكون الرَّاء على التخفيف؛ كنِعْمَة ونِعَم، ويجوز أن يكون الخَرِب: بفتح الخاء، وكسر الرَّاء؛ كنَبِقَة ونبِق، وكَلِمَة وكَلِم، وقد روي: بالحاء المهملة، والثَّاء المثلَّثة؛ يريد به: الموضع المحروث للزراعة) انتهى.

قوله: (يَتَوَكَّأُ): هو بهمزة [7] في آخره.

(1/408)

قوله: (عَسِيْبٍ): هو _بفتح العين، وكسر السِّين المهملة، ثمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ موحَّدة_ عود قضبان النخل يكشطون خوصها، ويتَّخذونها عصِيًّا.

قوله: (لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يَجِيءُ): قال الدِّمياطيُّ: (قال أبو القاسم بن الأبرش: يجوز في «يجيءُ» ثلاثة أوجه في العربيَّة: النصب على إرادة: أَنْ لا يجيء؛ والتَّقدير: ألَّا يجيء، و «لا» في نيَّة الزيادة؛ نحو: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12]، ويجوز الجزم على الجواب؛ والتَّقدير: إن لا تسألوه؛ لا يجِئْ، فالأوَّل سبب للثاني، ويجوز الرفع على الاستئناف؛ والتَّقدير: إنَّه لا يجيءُ فيه بشيء [8] تكرهونه) انتهى.

قوله: (فَقَامَ إِلَيهِ [9] رَجُلٌ مِنْهُمْ [10]): هذا الرجل اليهوديُّ لا أعرف اسمه.

[تنبيه: سيجيء فيه تنبيه في (التفسير) في سورة (سبحان) إن شاء الله تعالى] [11]، (وكذا الكلام على الروح) [12].

قوله: ({وما أوتوا من العلم إلا قليلًا} [الإسراء: 85] قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا [13]): كذا قرأ عبد الله والأعمش: بِضَمِير الغيبة.

(1/409)

[باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس ... ]

(1/410)

[حديث: يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم لنقضت الكعبة]

126# قوله: (عَنْ إسْرَائيلَ): هو ابن يونس بن أبي [1] إسحاق السبيعيُّ، إسرائيل هذا يروي عن جدِّه أبي إسحاق، وزياد بن علاقة، وآدم بن عليٍّ، وخلق، وعنه: يحيى بن آدم، ومحمد بن [2] كثير، وأمم [3]، وقال: (أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورة)، قال أحمد: (ثقة)، وتعجَّب من حفظه، وقال أبو حاتم: (من أتقن أصحاب أبي إسحاق)، وضعَّفه ابن المدينيِّ، توفِّي سنة (162 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ أَبِي إسْحاقَ): تقدَّم أعلاه أنَّه جدُّه أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمْدانيُّ السَّبِيعيُّ _بفتح السِّين المهملة، وكسر الموحَّدة_ الكوفيُّ، أحد الأعلام، عن جرير، وعديِّ بن حاتم، وزيد بن أرقم، وابن عبَّاس، وعدَّة من الصَّحابة، وأمم من التَّابعين، وعنه: ابنه يونس، وإسرائيل حفيده، وشعبة، والسفيانان، وأبو بكر بن عيَّاش، وخلائق، وله نحو ثلاث مئة شيخ، وهو يشبه الزُّهريَّ في الكثرة، وقد غزا مرَّات، وكان صوَّامًا قوَّامًا تلَّاءً، مات سنة (127 هـ)، وله خمس وتسعين سنة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (عَنِ الأَسْوَدِ): هو ابن يزيد النَّخعيُّ، يروي عن عمر، وعليٍّ، ومعاذ، وعدَّة، وعنه: ابن أخته إبراهيم، ومحارب بن دثار [4]، وأبو إسحاق، له ثمانون حجَّة وعمرة، وكان يصوم حتَّى يخضرَّ، ويختم في ليلتين، مات سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين والناس.

[ج 1 ص 70]

قوله: (قالَ لْي ابنُ الزُّبَيْرِ): هو عبد الله بن الزبير بن العوَّام بن خويلد بن أسد، الصحابيُّ المشهور ابن الصحابيِّ، وأمُّه أسماء صحابيَّة، وجدُّه أبو بكرٍ الصِّدِّيق لأمِّه [5]، وجدَّته صفيَّة بنت عبد المطَّلب صحابيَّة رضي الله عنهم، ترجمته مشهورة رحمة الله عليه.

قوله: (حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ): (حديثٌ): مرفوع منوَّن، و (عهدُهم): مرفوع.

قوله: (بِكُفْرٍ): كذا في «الصَّحيح»، وفي حفظي أنَّه جاء: (بإسلام) أو (بإيمان)، الشكُّ منِّي.

قوله: (فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ): سيأتي في (باب بنيان الكعبة)، كم بُنِيت من مرَّة، والخلاف في ذلك وطولها، وكم زادوا فيه إن شاء الله تعالى في مكانه.

==========

[1] (أبي): ليس في (ج).

[2] (آدم، ومحمد بن): ليس في (ب).

[3] (وأمم): وضعت في (ب) في غير موضعها.

[4] في (ب): (زياد)، وهو تصحيف.

(1/411)

[5] (لأمه): ليس في (ج).

(1/412)

[باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا]

قوله: (كَرَاهِيَةَ): هي بتخفيف ياء [1] (كراهيَة)؛ فاعلمه.

==========

[1] في (ب): (الياء في).

[ج 1 ص 71]

(1/413)

[حديث علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن .. ]

127# قوله: (وقالَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ [1]: حَدِّثُوا النَّاسَ ... ) إلى آخره، ثمَّ قال: (حَدَّثَنَا بِهِ عبيدُ الله بنُ موسَى): اعلم أنَّ الراوي إذا قدَّم الحديث على السَّند كهذا [2]؛ فهذا إسناد متَّصل، لا يمنع (الحكم باتِّصاله، ولا يمنع) [3] ذلك [4] من روى كذلك _ أعني: تحمَّلَه كذلك_ أن يبتدئ بالإسناد جميعه أوَّلًا، ثمَّ يذكر المتن، كما جوَّزه بعض المتقدِّمين من أهل الحديث.

قال أَبُو عمرو بن الصَّلاح في «علومه»: (وينبغي أن يكون فيه خلافٌ نحو الخلاف في تقديم بعض المتن على بعض، فقد حكى الخطيب المنعَ من ذلك على القول بأنَّ الرِّواية على المعنى لا تجوز، والجوازَ على القول بأنَّ الرِّواية على المعنى تجوز، ولا فرق بينهما في ذلك) انتهى [5]

قوله: (عَن معرُوفٍ): وفي نسخة هي على هامش أصلنا: (ابن خَرَّبُوْذ)، أمَّا (معروف)؛ فهو مكِّيٌّ، يروي عن أبي الطفيل، والباقر، وعنه: أَبُو داود الطيالسيُّ، وأبو عاصم، وعدَّة، ضعَّفه ابن معين، وقوَّاه غيره، وقال أَبُو حاتم: (يُكتَب حديثه)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، له في الكتب حديثان، وله ترجمة في «الميزان»، وأمَّا والده (خَرَّبُوْذ)؛ فهو بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الرَّاء المفتوحة، ثمَّ موحَّدة مضمومة، بعدها واو ساكنة، ثمَّ ذال معجمة، غير مصروف؛ للعلميَّة والعجمة.

(1/414)

قوله: (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ): اسمه عامر بن واثلة _بالمثلَّثة_ وقيل: عمرو بن عَبْد الله بن جحش الكنانيُّ اللَّيثيُّ، ولد عام أُحد، كان يسكن الكوفة، ثمَّ سكن مكَّة إلى أنْ قضى، وهو آخر من مات من الصَّحابة على الإطلاق، وقال ابن دريد في كتاب «الاشتقاق الكبير»: (إنَّ عكراش بن ذؤيب لقي النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وله حديث، وشهد الجمل مع عائشة، فقال الأحنف: كأنَّكم به، وقد أُتِي به قتيلًا أو به جراحة لا تفارقه حتَّى يموت، فضرب يومئذٍ ضربة على أنفه، فعاش بعدها مئة سنة، وأثر الضَّربة به، فعلى هذا: تكون وفاته سنة خمس وثلاثين ومئة)، قال شيخنا الحافظ العراقيُّ: (وهذا باطل لا أصل له، والذي أوقع ابن [6] دريد في ذلك ابنُ قتيبة في «المعارف»، وهو إمَّا باطل، أو مؤوَّل بأنَّه استكمل بعد الجمل الجمل مئة سنة، وتوفِّي أَبُو الطفيل سنة مئة، وقيل: بعد المئة، فقيل: سنة اثنتين ومئة، وقيل: سنة سبع ومئة، وقيل: سنة عشر ومئة، وصُحِّح.

تنبيه: من الغريب ما في «ثقات العجليِّ» كما رأيته فيها: (أنَّ أبا الطفيل من كبار التَّابعين) انتهى.

فائدة شاردة: آخر من مات من التَّابعين خلف بن خليفة، توفِّي سنة (181 هـ).

أخرج لأبي الطفيل عامر الجماعة.

قوله: (أن يُكَذَّبَ اللهُ ورَسُولُهُ): (يكذَّب): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، (وهو مشدَّد الذَّال المعجمة المفتوحة) [7]، وإعراب الباقي معروف.

==========

[1] الترضية: ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ج): (هكذا).

[3] ما بين قوسين ليس في (ب).

[4] في (ج): (لذلك).

[5] (انتهى): ليس في (ب).

[6] (ابن): ليس في (ب).

[7] ما بين قوسين ليس في (ج).

[ج 1 ص 71]

(1/415)

[حديث: ما مِن أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله]

128# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): فهو ابن راهويه، وجدُّه اسمه مَخْلَد _بإسكان الخاء، وفتح الميم_ الإمام المشهور، أَبُو يعقوب المروزيُّ، عالم خراسان، عنِ الدراورديِّ، وجرير، ومعتمر، وطبقتهم، وعنه: من عدا ابن ماجه، وبقيَّةُ [1] شيخُه، وخلق، من آخرهم السَّرَّاج، أملى مسنده من حفظه، توفِّي وله سبع وسبعون سنة في شعبان سنة (238 هـ)، أخرج له الآخذون عنه، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه رحمه الله.

(1/416)

قوله: (وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ): اعلم أنَّ ابن منده الحافظ جمع أرداف النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فبلغوا نيِّفًا وثلاثين رديفًا، قاله شيخنا الشَّارح، ولم أقف أنا على هذا التأليف، والذي أستحضر أنَّه عُدَّ من أردافه عليه السَّلام: أسامة بن زيد، أردفه عليه الصَّلاة والسَّلام راجعًا من عرفة، ومرَّة أخرى على إكاف، والصدِّيق في الهجرة، وعثمان بن عفَّان في قدومه عليه الصَّلاة والسَّلام من بدر، وعليُّ بن أبي طالب في حجَّة الوداع، وعبد الله بن جعفر بين يديه، وأحد [2] ابني فاطمة خلفه، وفي رواية: «حملني أنا وغلامين من بني هاشم»، وفي أخرى: جعلني أمامه وقثم خلفه وعبد الله بن عبَّاس وأخوه عبيد الله، وأخوهما الفضل في حجَّة الوداع من مزدلفة إلى منى، والحسن بن عليٍّ وأخوه الحسين هذا قدَّامه وهذا خلفه، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعاذ بن جبل مرَّة على حمار يقال له: عفير، ومرَّة ليس بينه وبينه إلَّا مؤخِّرة الرَّحل [3]، وأبو ذرٍّ الغفاريُّ على حمار، وزيد بن حارثة، وثابت بن الضَّحَّاك، والشريد بن سويد، وسلمة ابن الأكوع، وزيد بن سهل أَبُو طلحة الأنصاريُّ، وسهيل بن بيضاء، وعليُّ بن أبي العاصي بن الربيع يوم الفتح، وعبد الله بن الزُّبير، وغلام من بني عبد المطَّلب، وأسامة بن عمير، وصفيَّة بنت حُييٍّ أمُّ المؤمنين لمَّا قدم بالشام كذا فيه، وإنَّما أراد بها قدومه من خيبر كما في «الصَّحيح»، وهي من جهة الشام، وأبو الدرداء، وآمنة [بالنُّون والياء معًا] بنت أبي الصَّلْت الغفاريِّ، وأبو أُناس، وأبو هريرة، وقيس بن سعد بن عبادة، وخُوَّات بن جبير، وجبريل، فإنَّ في بعض السُّنَّن [_وهو في «التِّرمذيِّ» في تفسير (سورة سبحان)، وهو في «النَّسائيِّ» في (التفسير) _] [4]: «فما زايلا ظهر البراق حتَّى رجعا»، ورأيت حديثًا معزوًّا إلى «صحيح ابن حبَّان» من حديث حمَّاد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن زرِّ بن حبيش: (أنَّه سأل حذيفة هل صلَّى [5] رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ببيت المقدس حين أُسرِي به؟ قال: لا، إلا أنه أُتِي بدابَّة فحمله عليها جبريل، أحدهما رديف صاحبه، [فانطلق [6] معه من ليلته حتَّى أتى بيت المقدس] [7]، وأُرِي ما في السَّماوات وما في الأرض، ثمَّ رجعا عودهما على بدئهما، فلم يصلِّ فيه، ولو صلَّى؛ لكانت سنَّة)، وقال شيخنا الشَّارح في (كتاب اللِّباس) من شرح هذا الكتاب: (منهم _يعني من

(1/417)

الأرداف_: أولاد العبَّاس، وعبد الله بن جعفر، وأبو هريرة، وقيس بن سعد بن عبادة، وصفيَّة، وأم صُبَيَّة الجهنيَّة) انتهى، فأولاد العبَّاس ستَّة رجال من أمِّ الفضل، وإنْ أراد أولاده كلَّهم؛ فعشرة بتمَّام، وقد اختُلِف في صحبته، وله رؤية، فيحرَّر ما أراد، انتهى.

وعقبة بن عامر، وقد رأيته [8] في مصنَّف لبعض الشافعيَّة استدركه على الأرداف.

وقوله فيما تقدَّم: (آمنة بنت أبي الصَّلْت الغفاريِّ): هذَه لا أعرفها، بل ولا أعرف

[ج 1 ص 71]

في الصحابيَّات من اسمها آمنة مشهورة بهذا الاسم، إلا أنَّ النَّوويَّ ذكر أنَّ زوج عَبْد الله بن عمر الحائض [9] اسمها: آمنة بنت غفار، وفيهنَّ [10] أميَّة [11] بنت قيس الغفاريَّة ذكرها الحافظ أَبُو موسى المدينيُّ فيهنَّ، وما أدري هل هي هذه أم لا؟ والله أعلم، هذا مجموع من وقفت عليه من الأرداف.

[تنبيه: وقع في «التِّرمذيِّ» في (سورة المنافقين) في (التفسير): عن زيد بن أرقم: (وأنا رديف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، والصَّواب: وأنا ردف عثمان] [12]، [وفي «الشفا» لعياض في (فصل: وأمَّا نظافة جسمه): (قال المزنيُّ عن جابر: أردفني النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم والتقمت خاتم النُّبوذَة، فكان ينمُّ عَلَيَّ مسكًا) انتهى] [13]

قوله: (يَا مُعَاذ بْن جَبَلٍ): أمَّا (بن)؛ فمنصوب، وفي «التسهيل» لابن مالك: جواز رفعه، وأمَّا (معاذ)؛ ففيه النصب والرفع، والله أعلم.

فائدة: إذا نعتَّ بمضاف؛ فلا يخلو إما أنَّ يكون بابن أو ابنة أو غيرهما، فإنْ كان بأحدهما؛ فيشترط له ثلاثة شروط:

أحدها: أنَّ يقع [14] أحدهما بين علمين، أو كنيتين، أو لقبين، أو بين أحدهما مع الآخر؛ نحو: (يا زيد بن عمرو)، أو (يا زيد بن أبي سعيد)، أو (يا زيد بن بطَّة) [15]، وكذا لو عكست.

الثَّاني: أنَّ يكون (ابن) نعتًا لا غير.

الثَّالث: ألَّا يفصل بينه وبين المنادى، ففيه ثلاثة أوجه، أفصحها: أنْ يُترَك المنادى على ضمِّه، و (ابن) على نصبه؛ استصحابًا بحكمهما الأوَّل، وهذا اختيار المبرِّد.

الوجه الثَّاني: أنَّ يفتح آخر المنادى إتباعًا لحركة (ابن)، وهو اختيار جمهور البصريِّين، قال ابن كيسان: (وهذا الوجه أكثر في كلام العرب) انتهى.

وقد اختلف النحويُّون في [16] توجيه آخر المنادى وفتح (ابن) في هذا الوجه، وهذا له موضع آخر.

الوجه الثَّالث: ضمَّة نون (ابن) إتباعًا لضمَّة المنادى، حكاها الأخفش عن بعض العرب.

(1/418)

فإنْ لَمْ تجتمع [17] فيه الشروط الثلاثة؛ فلا يكون في المنادى إلا الضَّمُّ، ولا في (ابن) إلا النصب رجوعًا إلى الأصل، فمثال عدم الشرط الأوَّل (يا رجل ابن عمرو) أو (يا زيد ابن أخينا)، فلم يقع بين علمين، ومثال عدم الشرط الثَّاني: أنْ [18] يعرب ابنًا بدلًا [19] أو منادًى ثانيًا أو مفعولًا بفعل [20] مضمر، ومثال عدم الشرط الثَّالث: قولك: (يا زيد الفاضل ابن عمرو) فقد فصلت بـ (الفاضل) بين المنادى وبين (ابن)، فالمنادى في هذه المواضع لا يكون إلا مضمومًا؛ لتخلُّف بعض الشروط، والمسألة طويلة، وفيها خلاف بين النحويِّين، ويكفي هذا منها، والله أعلم، ومن أراد زيادة؛ فعليه بالمطوَّلات من كتب النحو، وإنْ نعتَّ المنادى المضموم بمضاف غير ابن أو ابنة؛ نحو: (يا زيد صاحب عمرو) أو (يا صفيَّة عمَّة رسول الله [21])؛ فليس فيه إلا النصب على الصَّحيح.

[قوله: (فَيَسْتَبْشِرُون): كذا في أصلنا، وفي الهامش (فيستبشروا)، وهما جائزان، وفي أصلنا الدمشقيِّ (فيستبشروا) ليس غير] [22].

(1/419)

قوله: (تَأَثُّمًا): أي: خوفًا من الإثم، ومعنى تأثُّم معاذ [23]: أنَّه كان يحفظ علمًا فخاف فواته وذهابه بموته، فخشي أن يكون ممَّن كتم علمًا، وممَّن لَمْ يمتثل أمره صلَّى الله عليه وسلَّم في تبليغ سننه [24]، فيكون آثمًا، فاحتاط [25] وأخبر بهذه؛ مخافة من الإثم، وعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ ينهه عنِ الإخبار بها نهي تحريم، وقال القاضي عياض: (لعلَّ معاذًا لم يفهم من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم النَّهي، لكن كسر عزمه عمَّا عرض له من بُشراهم؛ بدليل حديث أبي هريرة: «من لقيت يشهد أنَّ لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه؛ فبشِّره بالجنَّة»)، قال: (أو يكون معاذ بلغه أمرُه عليه الصَّلاة والسَّلام لأبي هريرة وخاف أن يكتم علمًا علمه فيأثم، أو يكون حمل النَّهي على إذاعته)، قال النوويُّ: (وبهذا [26] الوجه ظاهر، وقد اختاره ابن الصَّلاح فقال: «منعه من التبشير العامِّ؛ خوفًا من أنْ يسمع ذلك مَن لا خبرة له ولا علم فيغترَّ ويتَّكل، وأخبر به صلَّى الله عليه وسلَّم على الخصوص من أمن عليه [27] الاغترار والاتَّكال من أهل المعرفة، فإنَّه أخبر به معاذًا، فسلك به معاذ هذا المسلك، فأخبر به من الخاصَّة من رآه أهلًا لذلك»)، قال: (فأمَّا أمره عليه الصَّلاة والسَّلام في حديث أبي هريرة من التبشير؛ فهو من تغيُّر الاجتهاد، وقد كان الاجتهاد جائزًا له واقعًا منه عند المحقِّقين، وله مزيَّة على سائر المجتهدين بأنَّهُ [28] لا يُقَرُّ على الخطأ في اجتهاده).

==========

[1] في (ب): (وثقه).

[2] في (ج): (وأخذ).

[3] (الرحل): ليس في (ج).

[4] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[5] (صلى): سقط من (ج).

[6] في (ب): (انطلق)، وفي (ج): (وانطلق).

[7] ما بين معقوفين تكرر في (ب) سابقًا بعد قوله: (في «النسائي» في «التفسير»).

[8] في: (ج): (رأيت).

[9] (الحائض): ليس في (ب) و (ج).

[10] في (ب): (ومنهن).

[11] في (ج): (آمنة).

[12] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[13] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).

[14] زيد في (ج): (بعده).

[15] في (ب): (بطر).

[16] (في): ليس في (ب).

[17] في (ب): (يجمع).

[18] زيد في (ب): (يعلم).

[19] (بدلًا): ليس في (ج).

[20] في (ب): (لفعل).

[21] زيد في (ج): (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم).

[22] في ما بين معقوفين ليس في (ج).

[23] (معاذ): ليس في (ج).

[24] في (ب): (لسننه)، وفي (ج): (سنته).

(1/420)

[25] في (ج): (فاحتاج).

[26] في (ب): (وهذا).

[27] زيد في (ج): (من).

[28] في (ب): (بأن).

(1/421)

[حديث: من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة]

129# قوله: (حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي): هذا هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيميُّ البصريُّ، أحد الأعلام، ولم يكن من بني تيم، بل نزل فيهم، وكان مولى لبني مُرَّة، روى عن [1] ابنه [2] سليمان، ومنصور بن المعتمر، ويونس بن عبيد، وليث بن أبي سليم، وخلق، وعنه: ابن المبارك، وابن مهديٍّ، وعفَّان، وعارم، ومسدَّد، وأحمد ابن حنبل، وابن المدينيِّ، وغيرهم، وثَّقه ابن معين وأبو حاتم، توفِّي في [3] المحرَّم سنة سبع وثمانين ومئة، وقيل: في صفر، أخرج له الجماعة، وأمَّا والده؛ فقد تقدَّم أنَّه سليمان بن طِرْخَانُ _وهو بكسر الطاء، كذا قيَّده صاحب الإمام، وفي قاموس شيخنا مجد الدين: بالفتح لا يضمُّ ولا يكسر، وإنْ فعله المحدِّثون اسم للرئيس الشريف، خراسانيَّة، وفي «تقييد المهمل» للغسانيِّ؛ بكسر الطاء، ويقال بِضَمِّها؛ فتحرَّر [4] فيه في الطاء تثليثها_[5] من السادة الأثبات، سمع أنسًا وأبا عثمان النهديَّ، وعنه: أبو عاصم وغيره، ومناقبه جمَّة توفِّي سنة (143 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة يسيرة [6] في «الميزان» من جهة التدليس، والله أعلم.

قوله: (ذُكِرَ لِي): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، (أبهم أنس الذاكر له، ولا أعرفه، والله أعلم) [7].

==========

[1] في (ج): (عنه).

[2] في (ب): (أبيه).

[3] (في): ليس في (ج).

[4] في (ج): (فيجوز).

[5] زيد في (ب): (وسليمان بن طرخان).

[6] (يسيرة): ليس في (ج).

[7] ما بين قوسين ليس في (ج).

[ج 1 ص 72]

(1/422)

[باب الحياء في العلم]

قوله: (باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ): تقدَّم الكلام على الحياء ما هو في (بابٌ: الحياء من الإيمان).

(1/423)

[حديث: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق]

130# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ): تقدَّم مرَّات أنَّ سلامًا والد محمَّد الأصحُّ فيه التخفيف مُطوَّلًا؛ فانظره إنْ أردته.

قوله: (أَخْبَرَنَا [1] أَبُو مُعَاوِيَة [2]): هو محمَّد بن خازم؛ بالخاء المعجمة، أبو معاوية الضَّرير، الحافظ، عن هشام بن عروة والأعمش، وعنه: أحمد، وإسحاق، وعليُّ بن المدينيِّ، وابن معين، ثبت في الأعمش، وكان مرجئًا، توفِّي في [3] صفر سنة (195 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وهو أحد الأئمَّة الثِّقات.

قوله: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ): هذه أمُّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عنها هند بنت أبي أميَّة المخزوميَّة، تقدَّم بعض ترجمتها رَضِيَ اللهُ عنها، مناقبها كثيرة، وتقدَّم [4] متى توفِّيت [5]، وأنَّها آخر أمَّهات المؤمنين موتًا، وأنَّها توفِّيت في إمرة يزيد بعد مقتل الحسين رَضِيَ اللهُ عنه، وتقدَّم كلام الواقديِّ في وفاتها، والردُّ عليه.

قوله: (أُمُّ سُلَيْمٍ): هي بضمِّ السِّين، وفتح اللَّام، بنت ملحان الخزرجية، والدة أنس بن مالك الخادم، واسمها سهلة، وقيل: رميلة، أو رميثة، أو أنيسة، أومُليكة، أو الرميصاء، أو الغميصاء، زوج أبي طلحة زيد بن سهل، كانت فاضلة، لبيبة، مناقبها كثيرة، وترجمتها طويلة.

فائدة هي تنبيه [6]: أخرج مسلم منفردًا به من حديث أنس أنَّ أمَّ سليم سألت ذلك بحضرة عائشة رضي الله عنهمَا، وأنَّ عائشة أنكرت، فيحتمل أنَّ عائشة وأمَّ سلمة أنكرتا عليها، فأجاب عليه السَّلام كلَّ واحدة [7] بما أجاب، وإنْ كان أهل الحديث يقولون: إنَّ الصَّحيح هنا أمُّ سلمة لا عائشة، وكون المنكرة أمَّ سلمة هو في «البخاريِّ» و «مسلم»، والله أعلم.

قولها [8]: (إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ): (يستحيي): فيها لغتان معروفتان قرئ بهما في السبع؛ ومعناه: إنَّ الله لا يستحيي أنَّ يبيَّن ما هو الحقُّ.

قوله: (أوَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟!): هو مُحرَّك الواو، استفهام إنكار، وقد تقدَّم متى تفتح، ومتى تسكَّن، وفي أصلنا الذي سمعنا فيه على العراقيِّ: ساكن الواو، وفيه نظر، والله أعلم، ولكن جاء (وتحتلم المرأةُ؟!) بالواو، [وهذه تقوِّي سكون الواو.

(1/424)

قوله: (تَرِبَتْ يَمِينُكِ): (تربت): أي: افتقرت، يقال: (ترِب الرجل)؛ إذا افتقر، و (أترب)؛ إذا استغنى، هذا هو المشهور] [9]، وهذه الكلمة تجري على ألسنة العرب من غير [10] قصد للدُّعاء، وعليه يحمل كلُّ ما جاء من الأحاديث من هذا وشبهه، وقال في «المطالع»: (قال الدَّاوديُّ: إنَّما هو ثَرِبت؛ أي: استغنت، وهي لغة للقبط جرت على ألسنة العرب، وهي تردُّ الرِّواية الصَّحيحة، ومعروف كلام العرب).

فائدة: قال شيخنا الشَّارح: جاء عن جماعة من الصحابيَّات أنَّهن سألن كسؤال [11] أمِّ سليم؛ منهنَّ: خولة بنت حَكِيم، أخرجه ابن ماجه، كذا قال، وقد رأيته في «النَّسائيِّ»، وقد عزاه شمس الدين ابن القيِّم في «معاليم [12] الموقعين» في أواخره إلى «مسند الإمام أحمد» ولم يذكر رجال إسناده، انتهى، وقد أخرجه المزِّيُّ في «أطرافه» وعزاه إلى النَّسائيِّ، وكلاهما في (الطَّهارة)، ولم أره في أصلنا وَقْفِ الملك المحسن بـ «ابن ماجه»، قال شيخنا: وبسرة بنت صفوان ذكره ابن أبي شيبة [13]، وسهلة بنت سهيل، رواه الطَّبرانيُّ في «الأوسط»، وفي إسناده ابن لهيعة، انتهى.

==========

[1] في (ب) و (ج): (حدثنا).

[2] في هامش (ق): (محمد بن خازم الكوفي).

[3] (في): ليس في (ج).

[4] في (ب) و (ج): (تقدمت).

[5] في (ج): (دفنت).

[6] (هي تنبيه): ليس في (ب).

[7] في (ب): (واحد).

[8] في (ب) و (ج): (قوله).

[9] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[10] (غير): ليس في (ج).

[11] في (ب): (سؤال).

[12] في (ج): (معالم).

[13] في (ب): (ذكره ابن قتيبة).

[ج 1 ص 72]

(1/425)

[حديث: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها.]

131# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم مرَّات أنَّه ابن أبي أويس ابن أخت مالك الإمام، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ اسم أبي أويس عبد الله.

قوله: (مَثَلُ الْمُسْلِمِ): تقدَّم أنَّه يقال: (مثْل ومثَل)؛ بفتح المثلَّثة، وإسكانها، وتقدَّم وجه الشبه والكلام عليه؛ فانظره.

قوله: (أَحَبُّ إِلَيَّ): (أحبُّ): مرفوع غير منوَّن (أفعل) تفضيل [1]، كذا هو مرفوع في أصلنا، وإعرابها ظاهر.

==========

[1] في (ب): (التفضيل).

[ج 1 ص 72]

(1/426)

[باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال]

(1/427)

[حديث علي: كنت رجلًا مذاء فأمرت المقداد أن يسأل النبي]

132# [قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ): هذا هو الخُرَيبِيُّ الإمام، أبو عبد الرَّحمن [1] الهمْدانيُّ الكوفيُّ، ثقة حجَّة صالح، مات سنة (213 هـ)، أخرج له البخاريُّ والأربعة] [2].

قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مرَّات أنَّه سليمان بن مهران، أبو محمَّد الكاهليُّ الإمام، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ [3]): هو بالثَّاء المثلَّثة؛ كسفيان.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ): هو محمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، السيِّد الجليل المشهور، واسم الحنفيَّة خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلم بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل

[ج 1 ص 72]

ابن حنفيَّة، ترجمة محمَّد هذا معروفة، فلا نطوِّل بها، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، توفِّي سنة ثمانين على الأشهر من أقوال في وفاته عن بضع وستين سنة، روى عن أبيه، وعثمان، وعمَّار، وغيرهم [4]، وعنه: بنوه، وعمرو بن دينار، والباقر وآخرون.

قوله: (مَذَّاءً): هو بتشديد الذَّال المعجمة وبالمدِّ (فعَّال) من المذي، والمذي معروف، وهو بإسكان الذَّال على الأفصح، وفيه لغة ثانية: كسر الذَّال مع التشديد في الياء، وثالثة: كسرها مع تخفيف الياء، وهذه الثلاث اللُّغات في المني والوَدْي.

قوله: (فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ): كذا هنا، وجاء في رواية: «أنَّه [5] أمر عمَّارًا»، ورواية [6]: «أنَّه أرسل رجلًا»، فقيل: المقداد، وقيل: عمَّار، وجاء أيضًا «أنَّه سأل بنفسه»، فيحتمل: أنَّه أرسلهما، ثمَّ سأل بنفسه، والله أعلم.

قوله: (وَالْفُتْيَا): اعلم أنَّ الاسم الفتيا [7] والفتوى لغتان مشهورتان.

قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي الْمَسْجِدِ): هذا الرجل [8] لا أعرف اسمه.

قوله: (أَنْ نُهِلَّ): هو بضمِّ أوَّله رباعيٌّ، والإهلال: رفع الصوت بالتلبية.

قوله: (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ): هي _بضم الحاء المهملة [9]، وفتح اللَّام، ثمَّ مثنَّاة تحتُ، ثمَّ فاء، ثمَّ تاء التَّأنيث_ ماء من مياه بني جُشَم، على ستَّة أميال من المدينة المشرَّفة، وقيل: أربعة، وقيل: سبعة، ووقع في «الشامل» لابن الصبَّاغ، و «البحر» لأبي المحاسن [10] الرُّويانيِّ، و «الرافعيِّ»: أنَّ بينها وبين المدينة ميلًا، وهو غريب مباين للمشاهدة، ولهم ذو الحليفة أخرى، لكنَّها من تهامة، وليست بهذه، ويأتي ذكر تلك، والله أعلم.

(1/428)

قوله: (الْجُحْفَةِ): هي قرية جامعة بين مكَّة والمدينة، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ السيل أجحفها؛ أي: استأصلها، وهي على ستَّة أميال من البحر، وهي مَهْيَعَة، وعلى ثمانية مراحل من المدينة، وهي بقرب رابغ [11].

قوله: (مِنْ قَرْنٍ): هو بفتح القاف، وإسكان الرَّاء، ثمَّ نون، قال النوويُّ: (لا خلاف في هذا _يعني في سكون الرَّاء_ بين رواة الحديث، وأهل اللُّغة، والفقهاء، وأصحاب الأخبار وغيرهم، وغلَّطوا الجوهريَّ في قوله: إنَّه بفتح الرَّاء، وفي [12] قوله: إنَّ أويسًا القَرَنيَّ منسوب إليها، فإنَّ الصَّواب المشهور لكلِّ أحد: أنَّ هذا ساكن الرَّاء، وأنَّ أويسًا منسوب إلى قرَن؛ بفتح الرَّاء؛ بطن من مراد القبيلة المعروفة) انتهى، قال ابن قُرقُول: (ورواه بعضهم: بفتح الرَّاء، وهو غلط، إِنَّمَا قَرَن قبيلة من اليمن).

قوله: (مِنْ يَلَمْلَمَ): (يلملم)، ويقال: أَلملم؛ بفتح الهمزة بدلًا من الياء، يصرف ولا يصرف؛ جبل من جبال تهامة، على ليلتين من مكَّة، قال شيخنا الشَّارح: (ويقال: يرمرم، قال لي شيخنا: إنَّ ابن السيِّد البَطَلْيَوْسِيَّ نقله) انتهى، وفي «الصِّحاح» في (رمم) ما لفظه: (ويرمرم جبل، وربَّما قالوا: يلملم)، والظَّاهر أنَّه هذا.

قوله: (لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ): أي: لَمْ أفهم هذه، والفقه: الفهم.

==========

[1] في (ب): (عبد الله).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[3] في هامش (ق): (هو منذر أبو يعلى الثوريُّ الكوفي).

[4] في (ج): (غيره).

[5] (أنه): ليس في (ب).

[6] في (ج): (وروي).

[7] (الفتيا): ليس في (ج).

[8] (هذا الرجل): ليس في (ج).

[9] (المهملة): ليس في (ب).

[10] في (ب): (لابن النحاس)، وهو تصحيف.

[11] (وهي بقرب رابغ): ليس في (ج).

[12] (في): ليس في (ب).

(1/429)

[باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله]

(باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ)

ذكر في الباب حديث عَبْد الله بن عمر رضي الله عنهما «ما [1] يلبس المحرم؟»، اعلم أنَّ موقع هذه التَّرجمة من الحديث ما قاله ابن المُنَيِّر، قال ابن المُنَيِّر: (لقد أمعن في استنباط جواهر الحديث التي خفيت على كثير، وموقع التَّرجمة من الفوائد التَّنبيهُ على أنَّ مطابقة الجواب للسائل حتَّى لا يكون الجواب عامًّا والسؤال خاصًّا عن لازم، فيوجب ذلك حمل اللفظ على سبب خاصٍّ على عمومه، لا على خصوص السبب؛ لأنَّه جواب وزيادة فائدة: وهو المذهب الصَّحيح في الفائدة، ويؤخذ منه أيضًا أنَّ المفتي إذا سُئل عن واقعة، واحتُمِل عنده أنَّ يكون السَّائل يتذرَّع بجوابه إلى أنْ يعديه إلى غير محلِّ السؤال؛ وجب عليه تفصيل جوابه، وأنْ يزيده بيانًا، وأنْ يذكر مع الواقعة ما يتوقَّع التباسه بها، ولا يُعَدُّ ذلك تعدِّيًا، بل تحرِّيًا، وكثير من القاصرين يدفع بما لا ينفع، ويأتي بالجواب أبتر تسرُّعًا لا تورُّعًا، والزيادة في الحديث بقوله: «فإنْ لم تجدِ النعلين» إلى آخره، والله أعلم) انتهى.

وقد جاء في «أبي داود» وغيره: (ما يترك المُحرِم من الثِّياب؟)، مكان (يلبس)، ولا سؤال على هذه الرِّواية، ولو قيل في الجواب: إنَّه لمَّا حصر ما لا يجوز؛ فُهِم منه [2] ما يجوز الذي سئل عنه؛ لأنَّ ما يجوز كثير، ولا يمكن حصره، فحَصْر ما لا يجوز فُهم منه ما يجوز، والله أعلم، ولو ذكر الحديث الذي فيه السؤال عنِ الوضوء بماء البحر، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «هو الطهور ماؤه الحلُّ [3] ميتته»؛ كان أصرحَ في مقصوده، لكنَّه ليس على شرطه، وهو في «السنن الأربعة»، والذي سأل عنِ الوضوء بماء البحر اسمه عبيد العركيُّ.

==========

[1] (ما): ليس في (ج).

[2] (منه): ليس في (ج).

[3] في (ب): (والحل).

[ج 1 ص 73]

(1/430)

[حديث: لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل]

134# قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم الكلام عليه، وأنَّه ابن أبي إياس، وتقدَّم أنَّه مصروف، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ [1]): تقدَّم أنَّه محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، العامريُّ المدنيُّ، أحد الأعلام، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ ذيبًا يُهمَز ولا يُهمَز.

قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى آخره: هذا السَّند معطوف على الذي قبله، وليس تعليقًا، وقائل عنِ الزُّهريِّ هو ابن أبي ذئب، وقد روى هذا الحديث الثَّاني [2] البخاريُّ عن آدم عنِ ابن أبي ذئب، عنِ الزُّهريِّ [3]، عن سالم، عنِ ابن عمر، والذي قبله رواه عن آدم، عنِ ابن [4] أبي ذئب، عن نافع، عنِ ابن عمر، والله أعلم.

قوله: (أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ): هذا الرجل لا أعرف أحدًا سمَّاه.

قوله: (لاَ يَلْبَس الْقَمِيصَ): يجوز كسر السِّين على النَّهي، ويجوز ضمُّها على الخبر.

قوله: (وَلاَ السَّرَاوِيلَ): السراويل: معروف، يذكَّر ويؤنَّث، والجمع السراويلات، قال سيبويه: (سراويل واحدة، أعجميَّة أُعربت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة، ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة)، قال: (وإنْ [5] سمَّيت بها رجلًا؛ لم تصرفها، وكذلك [6] إنْ حقَّرتها اسم رجل؛ لأنَّها مؤنَّثة على أكثر من ثلاثة أحرف؛ مثل: «عناق»، وفي النحويِّين من لا يصرفه أيضًا في النكرة، ويزعم أنَّه جمع سِروال [7] وسِروالة)، وقال شيخنا الشَّارح: (والسراويل فارسيٌّ معرَّب، يذكَّر ويؤنَّث، وبالنُّون بدل اللَّام، وبالشِّين المعجمة بدل المهملة) انتهى.

فائدة شاردة: حديثه صلَّى الله عليه وسلَّم في شراء السراويل في «السُّنن الأربعة»، ورواه الطَّبرانيُّ أيضًا.

تنبيه وهو فائدة: اشتراه النَّبيُّ [8] صلَّى الله عليه وسلَّم بأربعة دراهم، كما رواه البزَّار، وفي كتاب «الإحياء» للإمام الغزاليِّ في (كتاب فضل الفقر والزُّهد) حديث أنَّه اشترى سراويل بثلاثة دراهم، والمعروف ما ذكرته عنِ البزَّار.

ثالثة: لَمْ يصحَّ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام [9]

[ج 1 ص 73]

لبس سراويل فيما أعلم، وسمعت بعض مشايخي الحلبيِّين يقول: (لَمْ يصحَّ ذلك، وصحَّ أنَّه اشتراه) انتهى.

(1/431)

وقد ذكر ابن القيِّم في «الهَدْي»: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لبس الجُبَّة، والقباء، والقميص، والسراويل، والإزار)، فجزم على ما في النُّسخة التي وقفت عليها بأنَّه لبسه، وقال قبله بقليل: «واشترى صلَّى الله عليه وسلَّم سراويل»، والظَّاهر أنَّه إنَّما اشتراها ليلبسها، وقد روي في غير حديث أنَّه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه) انتهى لفظه، والله أعلم.

قوله: (وَلاَ الْبُرْنُسَ): هو _بضم الموحَّدة والنُّون_ كلُّ ثوب رأسه ملتزق به دراعة كان أو جبَّة، وقال ابن دريد: البُرنس؛ بضمِّ الباء: نوع من الطيالسة يلبسه العُبَّاد وأهل الخير، وفي «النهاية» لابن الأثير نحو ما تقدَّم غير كلام ابن دريد إلا أنَّه ذكر عوضه كلام الجوهريِّ، فقال: (وقال الجوهريُّ: هو قلنسوة طويلة كان النُّسَّاك [10] يلبسونها في صدر الإسلام، وهو من البِرْس؛ بكسر الباء؛ وهو القطن، والنُّون زائدة، وقيل: إنَّه غير عربيٍّ) انتهى، وقد راجعت كلام الجوهريِّ؛ فرأيته كذلك إلى قوله: (الإسلام)، والباقي لابن الأثير، وهو ظاهر.

==========

[1] في هامش (ق): (محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة).

[2] (الثَّاني): ليس في (ج).

[3] (عن الزُّهري): ليس في (ج).

[4] (ابن): ليس في (ب).

[5] في (ب): (فإن).

[6] في (ب) و (ج): (ولذلك).

[7] في (ب): (سروالة).

[8] (النَّبي): ليس في (أ).

[9] زيد في (ج): (أنه)، وهو تكرار.

[10] في (ج): (النساء).

(1/432)

((4)) (كِتَابُ الوَضَوءِ)

اعلم أنَّ الوضوء أوَّل ما فُرِض مع الصَّلاة، وقال أبو محمَّد ابن حزم الظَّاهريُّ: (إنَّما فُرِض بالمدينة)، ذكره في الردِّ على القائلين بالوضوء بنبيذ التمر [قال: (والوضوء إنَّما فُرِض بالمدينة في سورة المائدة، وقصَّة الجنِّ بمكَّة)، وقال النوويُّ: (قال القاضي: واختلفوا متى فُرِضت الطَّهارة للصلاة] [1]؛ فذهب ابن الجهم: إلى أنَّ الوضوء في أوذَل الإسلام سنَّة، ثمَّ نزل فرضه في آية التيمُّم، وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا) انتهى، وفي ذكر الوضوء في أول الأمر حديث في «ابن [2] ماجه» في سنده ابن لهيعة، وبمعناه حديث في مسند الحارث بن أبي [3] أسامة، وفيه ابن لهيعة أيضًا، وقد ذكر ابن إسحاق قال: (حدَّثني بعض أهل العلم: أنَّ الصَّلاة حين افتُرِضت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتاه جبريل وهو بأعلى مكَّة، فهمز [4] بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين، فتوضذَأ جبريلُ ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينظر ليريَه كيف الطهور للصلاة، ثمَّ توضأَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كما رأى جبريل يتوضَّأ ... ؛ الحديث مقطوعًا، ووصله الحارث)، (وهو الحديث الذي ذكرته قبيلُ عنه) [5]، ونحوه في «ابن ماجه» الذي ذكرته، وقد رُوي نحوه عنِ البراء بن عازب وابن عبَّاس، وفي حديث ابن عبَّاس، وكان ذلك أوَّلَ من الفريضة، ولا أعلم حال حديث البراء ولا حديث ابن عبَّاس، والله أعلم.

(ولو فرض أنَّ الأحاديث التي ذكرتها كلُّها ضعيفة) [6]، (وقلنا أيضًا بما عليه العمل في تضعيف حديث ابن لهيعة مع أنَّ الإمام أحمد وثَّقه، فإذا انضمَّ ضعيف إلى ضعيف؛ قوي ونهض للدلالة، ويصير حسنًا، اللهمَّ إلَّا أنْ يكون ضعفه لكذب راويه، أو شذوذ، أو ضعف قويٍّ؛ فإنَّه لا ينجبر ولا ينهض للدلالة، والله أعلم) [7].

قوله [8]: (الوُضُوء): في (الوُضُوء) ثلاث لغات؛ أشهرها: أنَّه بضمِّ الواو: اسم الفعل الذي يقال له المصدر، وبفتحها: اسم للماء الذي يتوضَّأ به، هذا قول الأكثرين، ثانيها: فتح الواو فيهما، وهو قول جماعات، ثالثها: أنَّه بالضَّمِّ فيهما، حكاها صاحب «المطالع».

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[2] في (ب): (حديث لابن).

[3] (أبي): ليس في (ب).

[4] (فهمز): ليس في (ج).

[5] ما بين قوسين سقط من (ج).

[6] ما بين قوسين سقط من (ج).

[7] ما بين قوسين سقط من (ب) و (ج).

[8] زيد في (ب) و (ج): (في).

(1/433)

[ج 1 ص 74]

(1/434)

[باب ما جاء في الوضوء]

قَوْلُهُ: (مَرَّةً مرَّةً): هما منصوبان في أصلنا المُشار إليه، وقد رأيت بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر أحمد بن مالك الرعينيِّ الأندلسيِّ الغرناطيِّ في حاشية نسخته بخطِّه بـ «صحيح [1] البخاريِّ»: (أنَّ «مرَّةً مرَّةً» ظرف في موضع الخبر) انتهى [2]، والذي يظهر رفعهما خبر (أنَّ)، أو نصبهما [3] حالًا؛ كقراءة عليِّ بن أبي طالب _ (وقرأ بها ابن محيصن [4]) [5]_: {ونحن عصبةً} [يوسف: 8]، وفي كلام بعضهم في توجيه النصب: أنَّه خبر على لغة، كذا قال، (وهي لغة نصب الجزأين:

~… ............ … ..... إنَّ حراسَنا أسدَا) [6]

قوله: (وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ ... ) إلى آخره: هذا إشارة إلى نقل إجماع على منع الزيادة على الثلاث، وحاصل ما ذكره أصحاب الشافعيِّ في المسألة ثلاثة أوجه؛ أصحُّها: الزيادة على الثلاث مكروهة كراهة تنزيه، وهو معنى قول الشافعيِّ: لا أحبُّ الزيادة عليها، فإنْ زاد؛ لم أكرهه إنْ شاء الله؛ أي لم أُحرِّمه، ثانيها: خلاف الأولى، ثالثها: أنَّه حرام، قال شيخنا الشَّارح: (وأبعدَ بعض الناس فقالوا: إذا زاد على الثلاث؛ يبطل وضوءه، كما لو زاد في الصَّلاة، حكاه الدارميُّ في «استذكاره»، وهو خطأ ظاهر، وخلاف ما عليه العلماء) انتهى، وقال النوويُّ: (وهذا خطأ ظاهر) انتهى [7]

(1/435)

[باب لا تقبل صلاة بغير طهور]

(باب لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) ... إلى (باب الاستنجاء بالحجارة)

إن قلت: لَمْ ترجم على العموم، وَحديث أبي هريرة في المُحدِث في الصَّلاة، ولهذا قال: «فساء أو ضراط»؛ لأنَّه غالب ما يسبق في الصَّلاة لا (البول والغائط)؟

وجوابه: ما قاله ابن المُنَيِّر: (نبَّه بذلك على التسوية بين الحَدث في الصَّلاة والحدث في غيرها؛ لئلَّا يتخيَّل الفرق، كما فرَّق بعضهم بين أنْ يشكَّ في الحَدث؛ فيتمادى ويلغي الشكَّ، وبين شكِّه في غير الصَّلاة؛ فيتوضَّأ ويعتبر الشكَّ، والله أعلم) انتهى.

قوله: (لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ): (تُقبَل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (صلاةٌ): مرفوع [1] قائم مقام الفاعل.

قوله: (طُهُورٍ): هو بضمِّ الطاء، ويجوز فيه الفتح، كما تقدَّم.

(1/436)

[حديث: لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ]

135# قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هذا هو الحافظ ابن همَّام [1] بن نافع أبو بكر الصنعانيُّ، أحد الأعلام الثِّقات، عنِ ابن جريج، ومعمر، وثور، وعنه: أحمد، وإسحاق، والرماديُّ، والدَبَريُّ، صنذَف الكتب، وتوفِّي عن خمس وثمانين سنة، سنة (211 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان».

[قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): تقدَّم مرَّات أنَّه بإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، وتقدَّم بعض ترجمته] [2].

قوله: (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ): تقدَّم أنَّ منبِّهًا اسم فاعل، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (أَبَا [3] هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (قَالَ [4] رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ): هذا الرجل لا أعرف اسمه؛ فليطلب، والظَّاهر أنَّه غير الآتي: (فقال رجل أعجميٌّ)، وسيأتي الكلام على الأعجميِّ، وقوله: (من حضرموت): هي من بلاد اليمن، وهذيل: بضمِّ الميم، قال الجوهريُّ في «صحاحه»: (وحضرموت: اسم بلد وقبيلة أيضًا [5]، وهما اسمان جُعِلا اسمًا واحدًا، وإنْ شئت بنيت الاسم الأوَّل على الفتح، وأعربت الثَّاني بإعراب ما لا ينصرف، فقلت: هذا حضرموتُ، وإنْ شئت أضفت الأوَّل [6] إلى الثَّاني، فقلت: هذا حضرُموتٍ، أعربت: حضرًا، وخفضت: موتًا، وكذلك القول في: سام أبرص، ورام هرمز، والنسبة إليه: حضرميٌّ، والتَّصغير: حُضَيرموت، يصغَّر الصدر منهما، وكذلك الجمع يقال: فلان من الحضارمة) انتهى.

==========

[1] في (ج (: (الهمام).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[3] في (ج (: (أخبرنا أبو).

[4] في النسخ: (فقال)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[5] (أيضًا): ليس في (ج).

[6] في النسخ: (الأولى).

[ج 1 ص 74]

(1/437)

[باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء]

قوله: (باب فَضْلِ الْوُضُوءِ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الواو على الصَّحيح، ويجوز فتحه.

قوله: (وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ): كذا هو مرفوع في أصلينا [1] القاهريِّ والدمشقيِّ، فـ (الغر) [2]: مبتدأ، و (المحجلون): صفة لهم، و (من آثار الوضوء): خبر، وكأنَّه ليس من جملة التَّرجمة، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (وفضل الغرِّ المحجَّلين)، وهذه ظاهر إعرابها.

==========

[1] في (ج): (أصلنا).

[2] في (ب): (والغر).

[ج 1 ص 74]

(1/438)

[حديث: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء]

136# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، الإمام المشهور، أحد الأعلام، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ الشافعيَّ قال: (هو أفقه من مالك، ولكنَّ أصحابه أضاعوه).

قوله: (عَنْ خَالِدٍ): هذا هو ابن يزيد أبو عبد الرحيم المصريُّ الفقيه، عن عطاء، والزُّهريِّ، وعنه: اللَّيث، ومفضَّل بن فضالة، ثقة، توفِّي سنة تسع وثلاثين ومئة، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ [1]): (نُعيم): مصغًّر، و (المُجْمِر): بضمِّ الميم، وإسكان الجيم، ثمَّ ميم مكسورة مخفَّفة، ويقال بتشديد الميم الثَّانية؛ كان [2] يبخِّر المسجد، وهو صفة لعبد الله _ وجُزم به_ والد نُعيم، وقيل: صفة لنُعيم، وهو نُعيم بن عبد الله المدنيُّ مولى آل عُمر، عن أبي هريرة، وجابر، وعنه: مالك، وفُليح، ثقة، جالس أبا هريرة عشرين سنة، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، وثَّقه أبو حاتم وجماعة، ولا أعرف وفاته.

[ج 1 ص 74]

قوله: (رَقِيتُ): هو [3] بكسر القاف، هذه اللُّغة الفصحى، وحَكى صاحب «المطالع»: فتحها من غير همز ومعه، فحصل ثلاث لغات، وكذا قاله النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وكذا قال غيره، والذي رأيته في «المطالع»: («فرَقِي على الصفا»؛ بكسر القاف وفتحها في المستقبل، ومنه: «فرِقي فوجد كلبًا»، وضبطناه عنِ ابن عتَّاب [4] وابن حمدين: «فرقأ»، وكلاهما مقولان [5]، والأوَّل أفصح، والهمز مع فتح القاف لغة طيِّئ قليلة، انتهى.

قوله: (عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ): الظَّاهر أنَّه مسجد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

قوله: (يُدْعَوْنَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (غُرًّا مُحَجَّلِينَ): منصوبان على الحال من الضَّمير في (يدعون)، أو مفعول لتضمين (يدعون): يسمَّون.

[قوله: (مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ): هي مدلَّسة في أصلنا، وهو بضمِّ الواو، ويجوز فتحها على إرادة الماء المستعمل في الوضوء، وقد تقدَّم اللُّغات في (الوضوء)، وقال بعضهم في قوله: (من آثار الوُضوء): (بضم الواو، وجوَّز ابن دقيق العيد الفتحَ على أنَّه الماء) انتهى، وهذا هو ما ذكرتُه، ولكن وافق ما قلته] [6].

(1/439)

قوله: (فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ؛ فَلْيَفْعَلْ): اعلم أنَّ شيخنا الشَّارح قال: (رأيت من شرح هذا الموضع من شيوخنا، وادَّعى أنَّ قوله: «فمن استطاع ... » إلى آخره من قول أبي هريرة، أدرجه في آخر الحديث، قال: وفي هذه الدعوى بعدٌ عندي) انتهى، ومراد شيخنا إمَّا مغلطاي، وإمَّا قطب الدين عبد الكريم [7] الحافظ وهو الظَّاهر، وذلك لأنَّه أعلم بالفنِّ من مغلطاي، والله أعلم، وكلاهما شرحاه، أمَّا مغلطاي؛ فإنَّ شيخنا قرأ عليه وانتفع به، وأمَّا قطب الدين؛ فإنِّي لا أعلمه قرأ عليه، إلا أنَّه أجازه في سنة (304 هـ)، لا عندما عرض عليه «العمدة»، كما أخبرني شيخنا، انتهى، وفيها توفِّي الشيخ قطب الدين، وقد ذكر ابن قيِّم الجوزيَّة الحافظ شمس الدين في كتابه «إغاثة اللَّهفان» ما لفظه حين ذكر هذا الحديث، ثمَّ قال: (راويه عن أبي هريرة نُعيم المجمر، وقال: لا أدري قوله: «فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ؛ فَلْيَفْعَلْ» من قوله عليه السَّلام أو من قول أبي هريرة، وروي ذلك عنه الإمام أحمد في «المسند») انتهى.

[فائدة: استدلَّ جماعة من العلماء بهذا الحديث: على أنَّ الوضوء من خصائص هذه الأمَّة زادها الله شرفًا، قال شيخنا الشَّارح: (وبه جزم الحليميُّ في «منهاجه») انتهى، وفي «الصَّحيح» أيضًا: «لكم سيما [8] ليست لأحد من الأمم، تردون عليَّ غرًّا محجَّلين من أثر الوضوء»، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها، وإنَّما الذي اختُصَّت به الغرَّة والتحجيل، وادَّعى شيخنا أنَّه المشهور من قول العلماء، واحتجُّوا بالحديث الآخر: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي»، وأجاب الأوَّلون عنه بوجهين؛ أحدهما: أنَّه حديث ضعيف، ثانيهما: أنَّه لو صحَّ؛ لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أممهم، بخلاف هذه الأمَّة، وفي الثَّاني نظر بحديث جريج: (أنَّه توضَّأ وصلَّى)، وحديث سارة حين أخذها الجبَّار، فقامت توضَّأ وتصلِّي، وكلاهما في هذا «الصَّحيح»، والله أعلم] [9].

قوله: (غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ): (اقتصر فيه على ذكر الغرَّة دون التحجيل وإنْ ذكر معها في رواية أخرى) [10] في «الصَّحيح»؛ للعلم به.

==========

[1] في (ج): (المجمري)، وكذا في المواضع اللاحقة.

[2] (كان): ليس في (ب).

[3] (هو): ليس في (ب).

[4] في (ج): (عباس).

[5] في «المطالع» (&): (فرقى وكلاهما منقولان).

(1/440)

[6] ما بين معقوفين جاء متأخرًا في (ب) بعد قوله: (الإمام أحمد في «المسند» انتهى).

[7] (عبد الكريم): ليس في (ب).

[8] زيد في (ب): (مختصًا بها).

[9] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (فإنَّه مبني للفاعل).

[10] ما بين معقوفين تكرر في (ب) سابقًا بعد قوله: (يطيل غرته فليفعل).

(1/441)

[باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن]

قوله: (لَا يُتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ): (يُتوضَّأ): كانت في أصلنا مبنيًّا لما لَمْ يسمَّ فاعله، ثمَّ غُيِّرت للبناء للفاعل، وكونها للفاعل أحسن؛ لقوله: (حَتَّى يَسْتَيْقِنَ)؛ فإنَّه مبنيٌّ للفاعل.

==========

[ج 1 ص 75]

(1/442)

[حديث: لا ينفتل حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا]

137# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): هذا هو عليُّ بن عبد الله بن جعفر ابن المدينيِّ الحافظ، أبو الحسن، عن أبيه، وحمَّاد بن زيد، وجعفر بن سليمان، وأبي حازم، وخلق، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، والبغويُّ، وأبو يعلى، قال شيخه عبد الرَّحمن بن مهديٍّ: (عليُّ ابن المدينيِّ أعلم الناس بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وخاصَّة بحديث ابن عيينة)، وقال ابن عيينة [1]: (تلومونني على حبِّ عليِّ ابن المدينيِّ، والله لأتعلَّم منه أكثر ممَّا تعلَّم منِّي)، وكذا قال يحيى القطَّان فيه، وقال البخاريُّ: (ما استصغرت نفسي إلا بين يدي عليٍّ)، وقال النَّسائيُّ: (كأنَّ الله خلقه لهذا الشأن)، مات في ذي القعدة بسامرَّاء سنة (234 هـ)، وله ثلاث وسبعون سنة، أخرج له البخاريُّ، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، والمدينيُّ؛ نسبة إلى مدينة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال ابن الأثير في «الأنساب»: (والأكثر فيمن يُنسَب إلى المدينة: مدنيٌّ، ومن الأقلِّ)، فذكر ابن المدينيِّ هذا، ثمَّ قال: [(وأمَّا المدينيُّ؛ فنسبة إلى أماكن)، وذكر من كلِّ مكان ترجمة شخص من ذلك المكان، وأمَّا الجوهريُّ؛ فقال: (المدنيُّ: نسبة إلى مدينة الرسول] [2]، وأمَّا المدينيُّ؛ فنسبة إلى المدينة التي بناها المنصور)، هذا معنى كلاميهما، وقال ابن الصَّلاح في الكلام على المسلسل بالأوَّليَّة ما لفظه: (والمدينيُّ: إلى مدينة أصبهان المسمَّاة بجيٍّ) انتهى، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، الإمام، تقدَّم في أوَّل التَّعليق بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العلم الفرد المشهور.

قوله: (عن سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ): هو بفتح الياء، هذا هو المشهور، وقد تقدَّم ما قاله ابن قُرقُول: (إنَّ أهل العراق: يفتحون ياءه، وأهل المدينة: يكسرونها)، ثمَّ قال: (قال لنا الصَّدفيُّ: وذكر لنا أنَّ سعيدًا كان يكره أنْ تُفتَح الياء من اسم أبيه)، وأمَّا غير والد سعيد؛ فبفتح الياء من غير خلاف.

(1/443)

قوله: (عن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عن عَمِّهِ): [صوابه أنْ يقال: وعن عبَّاد بن تميم؛ بالواو، وقد كانت كذلك في أصلنا، ولكن كُشِطت [3] الواو، وهي ثابتة في أصلنا الدمشقيِّ، والصَّواب: إثباتها؛ لأنَّ الزُّهريَّ رواه عن سعيد بن المُسَيّب وعبَّاد بن تميم؛ كلاهما عن عَبْد الله بن زيد، وما أحسن قول الحافظ المزِّيِّ في «أطرافه»: (عشرتهم عن سفيان، عنِ الزُّهريِّ، عن سعيد بن المُسَيّب وعبَّاد بن تميم؛ كلاهما عن عمِّه عَبْد الله بن زيد) انتهى.

قوله: (وعبَّاد بن تميم عن عمِّه)] [4]: قال الدِّمياطيُّ: (أخو أبيه تميم لأمِّه، وهو عَبْد الله بن زيد، أمُّهما أمُّ عمارة نَسِيبة بنت كعب، تزوَّجها ابن عمِّها زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف، فولدت له عَبْد الله راوي الحديث) انتهى، و (نَسيبة) في كلام الدِّمياطيِّ: الصَّحيح فيها فتح النُّون، وهي صحابيَّة جليلة، من أهل العقبة.

قوله: (أَنَّهُ شَكَا إلى رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرَّجُلَ): كذا في أصلنا (شكا): مبنيٌّ للفاعل، و (الرجلَ): منصوب بالقلم، والفاعل مضمر؛ أي: شكا عمُّ [5] عبَّاد [6] بن تميم _وهو عَبْد الله بن زيد_ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرجلَ، وفي هامش أصلنا: (شُكِي): مبنيٌّ للمفعول، فعلى هذه: يكون (الرجلُ): مرفوعًا قائمًا [7] مقام الفاعل، وقد قال النوويُّ في «شرح مسلم»: («شُكِي»؛ بضمِّ الشِّين، وكسر الكاف، و «الرجلُ»: مرفوع، ولم يسمَّ الشاكي، وجاء في رواية في «البخاريِّ»: أنَّه عَبْد الله بن زيد الراوي، قال: ولا ينبغي أنْ يُتوهَّم من هذا أنَّ «شَكَا»؛ بفتح الشِّين والكاف، ويجعل الشاكي عمَّه، فإنَّ هذا الوهم غلط) انتهى، وهذا على رواية مسلم، وأمَّا على رواية البخاريِّ التي وقعت في أصلنا؛ فـ (شكا): مبنيٌّ للفاعل، وفاعله (هو) عائد على عمِّ عبَّاد بن تميم، وهو عَبْد الله بن زيد، و (الرجلَ) مفعول، وعلى النُّسخة التي في هامش أصلنا يجيء ما قاله النَّوويُّ، والله أعلم.

==========

[1] (وقال ابن عيينة): ليس في (ج).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[3] في (ب): (سقطت).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[5] في (ج): (تميم).

[6] في (ب): (عبادة).

[7] في (ب) و (ج): (قائم).

[ج 1 ص 75]

(1/444)

[باب التخفيف في الوضوء]

(1/445)

[حديث: أن النبي نام حتى نفخ ثم صلى]

138# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله): تقدَّم أنَّ هذا عليُّ ابن المدينيِّ أعلاه، وتقدَّم أيضًا بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، تقدَّم في أوَّل هذا التَّعليق شيء من ترجمته.

قوله: (عن عَمْرٍو): هذا هو ابن دينار المكِّيُّ الأثرم، تقدَّم شيء من ترجمته، لا قهرمان آل الزبير، هذا الثَّاني إِنَّمَا روى له التِّرمذيُّ وابن ماجه.

قوله: (ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ [1] سُفْيَانُ مرَّةً بَعْدَ مرَّةً): قائل هذا الكلام هو عليُّ ابن المدينيِّ، وهذا ظاهر جدًّا، لكن لا يضرُّ التَّنبيه عليه.

قوله: (فَقَامَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ): قال ابن قُرقُول ما لفظه: («فنام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من اللَّيل»: كذا لابن السَّكن، وعند جماعة: «فقام»، والأوَّل الصَّواب؛ لأنَّ بعده: «فلمَّا كان في بعض اللَّيل؛ قام فتوضَّأ»، ويبيِّنُه في الرِّواية الأخرى: «فنام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى انتصف اللَّيل أو قبله بقليل، ثمَّ استيقظ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم» [خ¦1198]) انتهى.

قوله: (مِنْ شَنٍّ): الشَّنُّ؛ بفتح الشِّين المعجمة؛ ثمَّ نون مشددةَّ، والشنَّة مثله: القربة البالية، وضبطه بعضهم: بكسر الشِّين، قال ابن قُرقُول: (وليس بشيء).

قوله: (مُعَلَّقٍ): إن قلت: لم لَمْ يقل: (معلَّقة)؟

قلت: ذكره على إرادة السِّقاء، وجاء في هذا الكتاب في (التفسير): (معلقة) على [2] إرادة القربة، والله أعلم.

قوله: (فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ): تقدَّم أنَّ اليسار؛ بالفتح ويكسر، وتقدَّم أنَّ المحوَّلين من الشمال [3] إلى اليمين أربعة [4] أشخاص: عَبْد الله بن عبَّاس في «البخاريِّ» و «مسلم»، وجابر بن عَبْد الله بن عمرو بن حرام في «مسلم»، وجبَّار بن صخر في «مسند أحمد»، والله أعلم، (وحذيفة بن اليمان أيضًا حُوِّل، وسيأتي دليله) [5].

قوله: (الْمُنَادِي): الظَّاهر أنَّه بلال رضي الله عنه.

[ج 1 ص 75]

قوله: (فَآذَنَهُ): هو بمدِّ الهمزة؛ أي: أعلمه.

(1/446)

قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): قال شيخنا الشَّارح في مكان آخر غير هذا: (يجوز في [6] «من لَمْ يتوضَّأ» روايتان؛ إثبات الهمزة وسكونها علامة الجزم، وهو الأشهر في اللُّغة، وحذف الألف علامة الجزم؛ مثل: لَمْ يخشَ) انتهى، وقال شيخنا الإمام أَبُو جعفر أحمد بن مالك الرعينيُّ الغرناطيُّ الأندلسيُّ في شرح «ألفيَّة ابن عبد المعطي»: (فإنْ كانت الألف والياء والواو في الفعل المضارع ليست بأصل، وإنَّما هي مبدلة من همزة؛ نحو: «يقرا»؛ بسكون الألف، والأصل: «يقرأ»؛ بالهمز، و «يقريْ»؛ بسكون الياء، والأصل: «يُقْرِئُ»؛ بالهمز، و «يَوْضَوْ»؛ بسكون الواو، والأصل: «يوضَأُ»؛ بالهمز، فاختلف النحويُّون في جزم ذلك؛ فذهب ابن عصفور: أنَّ لك في ذلك وجهين؛ أحدهما: إبقاء حروف العلَّة، وعلامة [7] الجزم تسكين هذه الحروف؛ لأنَّها كانت متحرِّكة، الثَّاني: حذف هذه الحروف؛ تشبيهًا لها بالحروف الأصليَّة، وذهب الأستاذ أَبُو الحسن ابن [8] الضَّائع _ يعني: بالضَّاد المعجمة، وهو عالم غرناطة، أَبُو الحسن عليُّ بن محمَّد الكتَّانيُّ ابن الضَّائع الإشبيليُّ، مات عام ثمانين وستِّ مئة_ إلى [9] أنَّه لا يجوز في جزم هذا النوع من الفعل حذف حرف العلَّة، وإنَّما علامة الجزم التسكين؛ لأنَّ تسهيل الهمزة لتخفيفها) انتهى ملخَّصًا، فيجوز في «ولم يتوضَّأ» ثلاثة أوجه: يتوضَّ، ويتوضَّأْ، ويتوضَّا، والله أعلم.

قوله: (قُلْنَا لِعَمْرٍو): قائل هذا هو سفيان بن عيينة، والظَّاهر أنَّ معه غيره؛ لأنَّه جمع، ولو كان القائل وحده [10]؛ لقال: قلت لعمرو، ويحتمل أنْ يكون وحده [11]، وتقدَّم أنَّ عمرًا: هو ابن دينار المكِّيُّ.

قوله: (سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ): (عُمَير): بضمِّ العين، وفتح الميم، ووالد عُمَير: قتادة بن سعد، وعبيد كنيته: أَبُو عاصم الجندعيُّ المكِّيُّ، قاصُّ مكَّة، عن أُبيٍّ، وعمر، وعائشة، وطائفة، وعنه: ابنه، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وآخرون، وثَّقه أَبُو زرعة وجماعة، وذكر ثابت البنانيُّ: (أنَّه قصَّ على عهد عمر)، وهذا بعيد، توفِّي سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (رُؤْيَا): تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق، أنَّها بغير تنوين على وزن (فُعْلَى)، وجمعها: رُؤًى، على وزن (رُعًى)، قاله الجوهريُّ.

==========

[1] (به): ليس في (ج).

[2] (على): ليس في (ب).

[3] (من الشمال): ليس في (ب).

(1/447)

[4] في (ج): (ثلاثة)، وكذا كانت في (أ) قبل الإصلاح.

[5] ما بين قوسين ليس في (ج).

[6] زيد في النسخ: (في)، ولعلَّ الصواب حذفها.

[7] في (ب): (علامة).

[8] (ابن): ليس في (ب).

[9] (إلى): مثبت من (ب).

[10] في (ج): (واحد).

[11] في (ج): (واحد).

(1/448)

[باب إسباغ الوضوء]

قوله: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ): الإسباغ: هو الإكمال والإتمام والمبالغة فيه، وقد نقل البخاريُّ [1] رحمه الله عنِ ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّه الإنقاء، وكأنَّ ابن عمر فسَّره بلازمه، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (فيه).

[ج 1 ص 76]

(1/449)

[حديث: دفع رسول الله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال]

139# قوله: (مِنْ عَرَفَةَ): عرفات وعرفة: اسم لموضع الوقوف، قيل: سمِّيت بذلك؛ لأنَّ آدم عرف حواء عليهما السَّلام هناك، وقيل: لأنَّ جبريل عرَّف إبراهيم عليهما السَّلام المناسك هناك، وجمعت (عرفات) وإنْ كان موضعًا واحدًا؛ لأنَّ كلَّ جزء منه يسمَّى: عرفة، ولهذا كانت (عرفات) مصروفة، قال النحويُّون: (ويجوز ترك صرفه، كما يجوز ترك [1] صرف «أذرعات» على أنَّه اسم مفرد لبقعة)، قال أَبُو الحسن الواحديُّ وغيره: وعلى هذا تتوجَّه قراءة أشهب العُقيليِّ: {فإذا أفضتم من عرفاتَ} [البقرة: 198]؛ بفتح التَّاء، قال الزجَّاج: (والوجه: الصرف بالتنوين [2] عند جميع النحويِّين).

وأمَّا حدُّ عرفات؛ فالموضع الذي يجوز فيه الوقوف، قال الماورديُّ في «الحاوي»: (سمِّي عرفات _فذكر القولين المقدَّمين، قال:_ للجبال التي فيها، والجبال: هي الأعراف، وكلُّ عالٍ ناتئ؛ فهو عرف، ومنه: عرف الفرس والديك)، قال: (قال القاسم بن محمَّد: سمِّيت بذلك؛ لأنَّ الناس يعترفون فيها بذنوبهم، ويسألون غفرانها فتغفر).

وأمَّا حدُّ عرفات؛ فقد قال الشافعيُّ: (هو ما جاوز وادي عرنة إلى الجبال القابلة ممَّا يلي بساتين ابن عامر)، ونقل الأزرقيُّ عنِ ابن عبَّاس قال: (حدُّ عرفات: من الجبل [3] المشرف على بطن عرنة)، وقال بعض أصحاب الشافعيِّ: (لعرفات أربعة حدود؛ أحدها: ينتهي إلى جادَّة طريق المشرق، والثَّاني: إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات، والثَّالث: إلى البساتين التي تلي قرية عرفات، والرَّابع: ينتهي إلى وادي عرنة)، قال إمام الحرمين: (ويطيف [4] بمنعرجات عرفات جبال وجوهها المقبلة من عرفات).

[قوله: (بِالشِّعْبِ): هو بكسر الشِّين المعجمة، وإسكان العين المهملة، وبالموحَّدة؛ هو الطَّريق في الجبل] [5].

(1/450)

قوله: (وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ): أي: لَمْ يكمله، بل توضَّأ مرَّةً مرَّةً سابغة [6]، أو خفَّف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، وتؤيِّده رواية: (فتوضَّأ وضوءًا ليس بالبالغ)، وفي «صحيح مسلم» وغيره: (وضوءًا خفيفًا)، وقد اختُلِف في هذا الوضوء؛ فقيل: إنَّه الشرعيُّ مرَّةًّ مرَّةًّ كما ذكرته، وقيل: اللغويُّ؛ أي: اقتصر على بعض الأعضاء، وهو بعيد؛ لما ذكرته من رواية مسلم وغيره، وأبعد منه أنَّ المراد به الاستنجاء، قاله عيسى بن دينار وجماعة، ويوهنه الرِّواية الآتية: (فقضى حاجته، فجعلت أصبُّ عليه الماء ويتوضَّأ)، ولا يجوز أنْ يصبَّ عليه إلَّا وضوء الصَّلاة، وقال ابن قُرقُول في «ولم يسبغ»: (استنجى ولم يتوضَّأ، وقيل: توضَّأ وضوءًا خفيفًا، وهو أصحُّ؛ لأنَّه قد جاء هكذا في حديث قتيبة ... ) إلى آخر كلامه.

قوله: (فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ؟): هو بالنصب، ونصبها معروف، أي: أتريد الصَّلاة؟ وقال القاضي: (على الإغراء)، ويجوز الرفع؛ أي: حانت وحضرت.

قوله: (الصَّلاَةُ أَمَامَكَ): (الصَّلاةُ): بالرفع، وهذا معروف [7].

قوله: (الْمُزْدَلِفَةَ): هي ما بين وادي مُحسِّر ومأزمَي عرفة، وليس الجدار منها، وتسمَّى: جَمْعًا _بفتح الجيم، وإسكان الميم_؛ لاجتماع الناس بها، وقيل: لاجتماع آدم وحواء عليهما السَّلام، وقيل: لمجيء الناس إليها في زلف اللَّيل؛ أي: ساعات، قال الأزرقيُّ: (ذرع مسجدها [8] تسع وخمسون ذراعًا وشبر في مثله) انتهى.

==========

[1] (صرفه، كما يجوز ترك): ليس في (ج).

[2] في (ج): (وبالتنوين).

[3] زيد في (ب): (من الجبل).

[4] في (ب): (ويضيف).

[5] ما بين معقوفين جاء في النسخ سابقًا بعد قوله: (فسره بلازمه والله أعلم).

[6] في (ب): (سابعة)، وفي (ج): (سابقة)، وكلاهما تصحيف.

[7] (معروف): ليس في (ج).

[8] في (ج): (نجدها).

[ج 1 ص 76]

(1/451)

[باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة]

قوله: (مِنْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ): قال ابن قُرقُول: (بضم الغين: اسم ما اغتُرِف، والفتح: الفعل، وقيل: هما بمعنًى واحد، قال [1] يعقوب: الغرف مصدر: غرفتُ الماء والمرَق، وقيل: الغرفة: ملء اليد، والغَرفة: المرَّة الواحدة).

==========

[1] في (ب): (وقال).

[ج 1 ص 76]

(1/452)

[حديث وضوء عبد الله ابن عباس]

140# قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ): هو بفتح اللَّام.

قوله: (أَخَذَ غرْفَةً): تقدَّم الكلام أعلاه على الغرفة [1].

قوله: (وَاسْتَنْشَقَ): اعلم أنَّ الاستنشاق جذبُ الماء بالنفس إلى داخل المنخر، والاستنثار: إخراجه بالنفس من الأنف، هذا هو الصَّحيح، وقال ابن قتيبة: (هما سواء، مأخوذ من النثرة، وهي الأنف)، ولم يقل شيئًا، وقد فرَّق بينهما في قوله: «فليجعل في أنفه ماء، ثمَّ لينتثر [2]»، فدلَّ على أنَّهما غيران كما ذكرت.

قوله: (فَغَسَلَ [3] بِهَا [4] يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ): قال شيخنا الشَّارح: (لَمْ يذكر في هذا الحديث أخذ للماء للرأس، فقال بعضهم: فيه مسح الرَّأس بفضل الذراع،

[ج 1 ص 76]

وفي «أبي داود»: أنَّه عليه السَّلام مسح رأسه من فضل كان في يده، وهذا قول الأوزاعيِّ، والحسن، وعروة، وقال الشافعيُّ ومالك: لا يجزئه أنْ يمسح بفضل ذراعيه ولا لحيته، وأجازه ابن الماجشون: في بلل اللِّحية إذا نفذ منه الماء، وقال القاضي عبد الوهَّاب: يشبه أن يكون قول مالك: «لا يجزئه» عبارة عن شدَّة الكراهية) انتهى.

==========

[1] زيد في (ب): (أعلاه).

[2] في (ب) و (ج): (لينثر)، وكلاهما مروي.

[3] في (ج): (فيغسل).

[4] (بها): مثبت من (ب).

(1/453)

[باب التسمية على كل حال وعند الوقاع]

قوله: (الْوِقَاعِ): هو بكسر الواو، والمراد: الجماع.

==========

[ج 1 ص 77]

(1/454)

[حديث: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله]

141# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الله): تقدَّم قريبًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ، حافظ الإسلام العالم.

قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عبد الحميد، تقدَّم بعض ترجمته، الضَّبيُّ القاضي.

قوله: (عن مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر، تقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (يَبْلُغُ به النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): اعلم أنَّ قَوْلهم عنِ الصحابيِّ: (يرفعُ الحديث)، أو (يبلغُ به)، أو (يُنميه)، أو (روايةً)؛ مرفوعٌ، قال ابن الصَّلاح: (وحكم ذلك عند أهل العلم: حكم المرفوع صريحًا)؛ يعني: أنَّه لا فرق بين [1] قوله: عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو واحد من هذه الألفاظ)، والله أعلم.

[وأمَّا قوله هنا: (يبلغ به النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ فظاهر الرفع] [2].

قوله: (مَا رَزَقْتَنَا): أي: شيئًا رزقتنا؛ لأنَّ المشهور أنَّ (ما) لما لا يعقل، و (من) لمَن يعقل [3]، فإذا كانت بمعنى شيء؛ وقعت عليهما، والله أعلم.

قوله: (لَمْ يَضُرّهُ): يجوز في راء (يضرّ) الضَّم والفتح، قال ابن قُرقُول في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ»: (المحدِّثون: بفتح الدَّال)؛ يعني: في (نردَّه)، قال: (وأهل العربيَّة يأبَون إلا ضمَّها)، وقال العلَّامة ابن دقيق العيد الشيخ تقيُّ الدين في (نرده): (المشهور عند المحدِّثين: فتح الدَّال، وهو خلاف مذهب المحقِّقين من النحاة ومقتضى مذهب سيبويه، وهو ضمُّ الدَّال، وذلك في كلِّ مضاعف مجزوم ... ) إلى آخر كلامه، فمثله: (لَمْ يضره) سواء، والله أعلم.

قوله: (لَمْ يَضُرّهُ): لا [4] يكون عليه سلطان ببركة اسم الله تعالى، بل يكون من عباد الله المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، وأبعدَ من قال: لم يصرعه، وكذا قول من قال: لم يطعن فيه عند ولادته، واختار ابن دقيق العيد الشيخ تقيُّ الدين: أنَّ المراد: لم يضرَّه في بدنه وإن [5] كان يحتمل الدين أيضًا، لكن يبعده انتفاء العصمة، وقال الدَّاوديُّ: (لم يفتنه بالكفر)، وقال النوويُّ: (قال القاضي _يعني عياضًا_: ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضَّرر والوسوسة والإغواء) انتهى.

==========

[1] (بين): ليس في (ج).

(1/455)

[2] ما بين معقوفين ليس في (ج)، وجاء قوله (الرفع): في (ب) في غير محلها.

[3] (و «من»: لمن يعقل): ليس في (ب).

[4] في (ج): (لأن).

[5] في (ج): (في يديه، فإن).

[ج 1 ص 77]

(1/456)

[باب ما يقول عند الخلاء]

قوله: (عِنْدَ الْخَلَاءِ): هو بفتح الخاء المعجمة وبالمدِّ؛ وهو المكان الذي يَختلي فيه [1] للحاجة؛ أي: ينفرد.

(1/457)

[حديث: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث]

142# قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم أنَّه مصروف وغير مصروف، وتقدَّم أنَّه ابن أبي إياس، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): هذا هو ابن الحجَّاج أبو بسطام العتكيُّ الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث، ولد بواسط، وسكن البصرة، وسمع معاوية بن قرَّة، والحكم، وسلمة بن كهيل، وعنه: غُنْدر، وأبو الوليد، وعليُّ بن الجعد، وله نحو من ألفي حديث، ثبت حجَّة، ويخطئ في الأسماء قليلًا، مات في أوَّل سنة (160 هـ)، أخرج له الجماعة، وليس له ترجمة في «الميزان»، لكن ذكر الذَّهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة هشام بن حسَّان: أنَّ هدبة بن خالد رماه بالإرجاء.

قوله: (مِن الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ): (الخُبُث): بضمِّ الخاء المعجمة والباء الموحَّدة، ويجوز إسكانها، وإنْ غلَّط فيه الخطابيُّ المحدِّثين، وهو جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، فكأنَّه استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم، وقيل: الخبْث؛ بإسكان الباء: الشرُّ، وقيل: الكفر، وقيل: الشيطان، والخبائث: المعاصي، وقيل غير ما ذكرتُ في الخبث والخبائث، ومن أغربه: أنَّه استعاذ من البول والغائط، فكأنَّه استعاذ من ضررهما، والله أعلم.

قوله: (تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَة): الضَّمير في (تابعه) يعود على آدم؛ هو ابن أبي إياس كما قدَّمته، و (ابن عَرْعَرَة): هو محمَّد بن عَرْعَرَة؛ أي: تابعَ ابنُ عَرْعَرَة آدمَ في رواية هذا الحديث عن شعبة، ومحمَّد بن عَرْعَرَة: هو ابن البِرِنْد [1]، يروي عن شعبة، وعمر [2] بن أبي زائدة، وطائفة، وعنه: البخاريُّ، وبُنْدَار، والكجِّيُّ، توفِّي سنة (213 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، قال أبو حاتم: (صدوق)، وقال النَّسائيُّ: (ليس به بأس)، ومتابعة ابن عَرْعَرَة أخرجها البخاريُّ في (الدعوات) عنه عن شعبة به.

قوله: (وَقَالَ غُنْدرٌ): هو محمَّد بن جعفر، و (غُنْدر) تقدَّم ضبطه، ومن لقَّبه بذلك، وهو بضمِّ الغين المعجمة، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، ثمَّ راء، وتقدَّم بعض ترجمته، وهو ابن امرأة شعبة، وتعليقه عن شعبة لَمْ أره في شيء من الكتب السِّتَّة إلا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا.

قوله: (وَقَالَ مُوسَى عن حمَّاد): هو موسى، هو [3] ابن إسماعيل التَّبُوْذَكيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم أنَّه شيخ البخاريِّ وأبي داود، وقد أخذ عنه البخاريُّ هذا الحديث في حال المذاكرة.

(1/458)

واعلم أنَّ قول الراوي: (قال لنا فلان)، أو (قال لي)، أو (ذكر لنا)، أو (ذكر لي)، وكذا (قال فلان) بغير (لي) ولا (لنا): هو من قبيل قوله: (حدَّثنا) في أنَّه متَّصل، لكنَّهم كثيرًا ما يستعملون هذا فيما سمعوه في حال المذاكرة، قال ابن الصَّلاح: (إنَّه لائق به، وهو به أشبه من «حدَّثنا»)، وخالف أَبُو عبد الله بن منده في ذلك، فقال في جزء له: (إنَّ البخاريَّ حيث قال: «قال لي فلان»؛ فهو إجازة، وحيث قال: «قال فلان»؛ فهو تدليس)، ولم يقبل العلماء كلامه هذا، والبخاريُّ قول ذلك عنه؛ باطل، و (قال فلان) أوضع من (قال لي) و (قال لنا)، ومع ذلك؛ فهي محمولة على السَّماع إذا علم اللقيَّ وسلم الراوي من التدليس، والبخاريُّ سالم من التدليس، لا سيَّما من عرف من حاله أنَّه لا يروي إلا ما سمعه؛ كحجَّاج بن محمَّد الأعور، فروى كتب ابن جريج بلفظ: قال ابن جريج، فحملها الناس عنه واحتجُّوا بها، هذا هو المحفوظ المعروف، وخصَّص الخطيب ذلك بمن عُرِفَ من عادته مثل ذلك، وأمَّا من لا يعرف بذلك؛ فلا نحمله على السَّماع، والله أعلم.

قوله: (عَنْ حَمَّادٍ): هذا هو حمَّاد بن سلمة، كذلك أخرجه المزِّيُّ في ترجمة حمَّاد بن سلمة، عن عبد العزيز، وهو ابن صهيب، عن أنس، وجعله تعليقًا،، وصورة رقمه عليه [4]: (خت)؛ فاعلمه، ولم يخرِّجه [5] غيره من أصحاب الكتب السِّتَّة، ولم يخرِّجه شيخنا، [وقد عزاه بعض حفَّاظ العصر إلى البيهقيِّ في «السُّنن الكبرى [6]»] [7].

تنبيه: روى هذا الحديث أيضًا حمَّادُ بن زيد عن عبد العزيز به [8]، أخرجه مسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وقد تقدَّم أنَّه محمول على السَّماع في حال المذاكرة، فالبخاريُّ أخذه عن موسى بن إسماعيل التَّبُوْذَكيِّ، عن حمَّاد، عن عبد العزيز _ يعني: ابن صهيب_ عن أنس، ولكنَّ المزِّيَّ والذَّهبيَّ يرقمان على هذا وأمثاله تعليقًا [9]، والله أعلم.

(1/459)

فائدة: اعلم أنَّه إذا أطلق حمَّاد من غير أنْ يُنسَب _كهذا المكان_ هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ويتميَّز ذلك عند أهل الحديث بحسب من أطلق الرِّواية عنه، فإنْ كان المطلق سليمان بن حرب أو محمَّد بن الفضل عارم؛ فالمراد حينئذٍ: ابن زيد، قاله الذهليُّ، وكذا قال محمَّد بن خلَّاد الرامَهُرْمُزِيُّ في «المحدِّث الفاصل»، وكذا المزِّيُّ في «تهذيبه»، وإنْ كان الذي أطلقه موسى بن إسماعيل التَّبُوْذَكيُّ _كهذا [10] المكان الذي نحن فيه_؛ فمراده [11]: ابن سلمة، قاله الرامهرمزيُّ، إلا أنَّ ابن الجوزيِّ قال في «تلقيحه»: (إنَّ التَّبُوْذَكيَّ ليس يروي إلا عنِ ابن سلمة خاصَّة)، وكذا إذا أطلقه عفَّان؛ فقد روى الذهليُّ [12] عن عفَّان قال: (إذا قلت لكم: «حدثنا حمَّاد» ولم أنسبه؛ فهو ابن سلمة)، وقال الرامهرمزيُّ: (إذا قال عفَّان: «حدَّثنا حمَّاد»؛ أمكن أنْ يكون أحدهما)، كذا قال [13]، وهو ممكن لولا ما حكاه الذهليُّ عن عفَّان الذي تقدَّم من اصطلاحه، فزال أحد الاحتمالين، وإنْ كان ابن الصَّلاح حكى القولين، وكذا اقتصر المزِّيُّ في «تهذيبه» على أنَّ المراد ابن سلمة، قال شيخنا العراقيُّ: (وهو الصَّواب، والله أعلم)، وكذا إذا أطلق ذلك حجَّاج بن منهال؛ فالمراد: ابن سلمة، قاله الذُّهليُّ، والرامهرمزيُّ، والمزِّيُّ أيضًا، وكذا إذا أطلقه هدبة بن [14] خالد _ويقال له أيضًا: هدَّاب بن خالد_؛ فالمراد: ابن سلمة، قاله المزِّيُّ في «تهذيبه»، قال شيخنا العراقيُّ في «منظومته»:

~…وَمِنْهُ مَا فِي اسْمٍ فَقَطْ وَيُشْكِلُ…كَنَحْوِ حَمَّادٍ إذَا مَا يُهْمَلُ

~…فَإِنْ يَكُ ابْنُ حَرْبٍ اوْ عَارِمُ قَدْ…أَطْلَقَهُ فَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ أَوْ وَرَدْ

~…عَنِ التَّبُوْذَكِيِّ أَوْ عَفَّانِ…أَوِ ابْنِ مِنْهَالٍ فَذَاكَ الثَّانِي

ولم يزِد شيخنا على ذلك فقلت أنا:

~…كذا إذا أطلقه هدَّاب…هو ابن خالد فلا ترتاب

وإنْ شئت قلت:

~…زِيْدَ إذا أطلقه هدَّاب هو ابن خالد فلا ترتاب

والله أعلم.

[ج 1 ص 77]

قوله] [15]: (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ [16]): قال المزِّيُّ في «أطرافه»: (إنَّه أخو حمَّاد بن زيد)، ذكر ذلك في [17] ترجمة سعيد بن زيد أخي حمَّاد بن زيد، عن عبد العزيز، عن أنس، ورقم عليه تعليقًا، وهذه صورة ما رقم عليه: (خت)؛ فاعلمه.

(1/460)

و (سعيد بن زيد) هذا: هو أبو الحسن، عن عبد العزيز بن صهيب وابن جدعان، وعنه: عارم ومسلم بن الحجَّاج، وليس بالقوِّي، قاله جماعة، ووثَّقه ابن معين، توفِّي سنة (167 هـ)، أخرج له البخاريُّ تعليقًا كما ترى، ومسلم في الأصول، وكذا أبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، وله ترجمة في «الميزان».

وتعليق سعيد هذا لَمْ يخرِّجه أحد من [18] أصحاب الكتب السِّتَّة سوى ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا، (وقد أخرجه بعض حفَّاظ العصر عن كتاب «الأدب المفرد» للبخاريِّ) [19].

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ): تقدَّم أنَّه ابن صهيب.

==========

[1] في (ب): (البرندي).

[2] في (ج): (وعمرو).

[3] (هو): ليس في (ج).

[4] (عليه): ليس في (ب).

[5] زيد في (ج): (عليه).

[6] في (ب): (الكبير).

[7] ما بين معقوفين جاء في (ب) لا حقًا بعد قوله: (والترمذي)، وسقط من (ج).

[8] (به): ليس في (ب).

[9] زيد في (ب): (وصورة رقمه هكذا: «خت»، كما ذكرنا).

[10] في (ب) و (ج): (لهذا).

[11] في (ج): (فالمراد).

[12] في (ب): (الذَّهبي).

[13] في (ج): (قاله).

[14] (بن): ليس في (ب).

[15] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[16] في هامش (ق): (فائدة: هو أخو حماد بن زيد بن درهم).

[17] (في): ليس في (ج).

[18] (أحد من): ليس في (ب).

[19] ما بين قوسين ليس في (ج).

(1/461)

[باب وضع الماء عند الخلاء]

(1/462)

[حديث: أن النبي دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا]

143# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ): تقدَّم أنَّ هذا هو المسنديُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، (وقد تقدَّم أنَّ للبخاريِّ أربعةَ أشياخ، اسم كلٍّ منهم: عَبْد الله بن محمَّد) [1].

قوله: (حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ): هو ورقاء بن عمر اليشكريُّ أبو بشر، عن عمرو بن دينار، وابن المنكدر، وعنه: الفريابيُّ، ويحيى بن آدم، صدوق صالح، [وقد وثَّقه أحمد، فقال: (ثقة، صاحب سنَّة)، ووثَّقه ابن معين، وقال يحيى بن سعيد: (ورقاء عن منصور لا يساوي شيئًا)، وقال أبو داود: (صاحب سنَّة] [2]، فيه إرجاء)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وليس في الكتب السِّتَّة راوٍ اسمه: ورقاء سواه، والله أعلم.

قوله: (دَخَلَ الْخَلَاءَ): تقدَّم قريبًا أنَّه بفتح الخاء وبالمدِّ.

قوله: (وَضُوءًا): هو بفتح الواو؛ وهو الماء، ويجيء فيه ما تقدَّم.

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ج).

[2] ما بين قوسين ليس في (ب).

[ج 1 ص 78]

(1/463)

[باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه]

قوله: (لَا تُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (القبلةُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، كذا هو مضبوط في أصلنا بالقلم، ويجوز (لا تستقبلِ)؛ بكسر اللَّام على النَّهي، و (القبلةَ): بالنصب مفعول، والفاعل الإنسان، والله أعلم.

قوله: (جِدَارٍ): هو بالجرِّ بدل من (البناء)، وكذا (نحوِه)؛ بالجرِّ معطوف عليه.

==========

[ج 1 ص 78]

(1/464)

[حديث: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يولها ظهره]

144# قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه غير منصرف، وفي قول يُصرَف، وأنَّه ابن أبي إياس، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن عبد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهريُّ.

قوله: (عن أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ): هذا هو خالد بن زيد، وبقيَّة نسبه معروف، صحابيٌّ جليل بدريٌّ، روى عنه: جبير بن نفير، وعروة، وأبو سلمة، وفد على ابن عبَّاس البصرة، فقال له: (إنِّي أخرج من مسكني كما خرجتَ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن مسكنك)، فأعطاه ما أغلق عليه، ولمَّا قفل؛ أعطاه عشرين ألفًا وأربعين عبدًا، مرض أبو أيُّوب في غزوة القسطنطينية، فقال: (إذا متُّ [1]؛ فاحملوني، فإذا صففتم للعدوِّ؛ فارموني تحت أرجلكم)، فقبره [2] مع سور القسطنطينية، توفِّي سنة اثنتين وخمسين، كذا أرَّخه الذَّهبيُّ في «التذهيب» و «وفيات التاريخ»، ووقع في «الكاشف»: سنة (51 هـ)، وكذا رأيته في نسخة أخرى صحيحة مقروءة، أخرج له الجماعة.

قوله: (شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا): هذا خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم؛ كأهل الشام، واليمن، وغيرهم ممَّن قبلته على هذا السَّمت، فأمَّا من كانت قبلته من جهة المشرق أو المغرب؛ فإنَّه يتيامن أو يتشاءم، والله أعلم.

(1/465)

[باب من تبرز على لبنتين]

قوله: (على لَبِنَتَيْنِ): اللَّبِنة [1]؛ بفتح اللَّام، وكسر الموحَّدة، ومن العرب من يسكِّنها.

(1/466)

[حديث ابن عمر: لقد ارتقيت يومًا على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله.]

145# قوله: (عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ): (حَبَّان)؛ بفتح الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة، ابن منقذ المازنيُّ أبو عبد الله الفقيه، عن أبيه، وعمِّه واسع، وأنس، وعنه: الزُّهريُّ، وربيعة، ومالك، ثقة، صاحب حلقة بالمدينة، توفِّي سنة (121 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (على ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا): سيجيء قريبًا: (فوق بيت حفصة)، فقوله: (بيت لنا) مجاز؛ لأنَّ بيت أخته بيت لهم، والله أعلم.

قوله: (وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِن الذينَ يُصَلُّونَ على أَوْرَاكِهِمْ): هذا من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قال شيخنا الشَّارح: (يؤخذ منه اشتراط ارتفاع الأسافل على الأعالي، وهو الأصحُّ عندنا) انتهى [1]، وذكره ابن الأثير في «نهايته» فقال: (ومنه الحديث: «لعلك من الذين يصلُّون على أوراكهم») ففسَّره بأطول من تفسير مالك الآتي هنا، وإنَّما نبَّهت عليه؛ لأنَّي رأيتهم كثيرًا يسألون عنه أهو من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم أم لا؟ وأمَّا الأورراك؛ فجمع وَرِك؛ بفتح الواو، وكسر الرَّاء، ويجوز سكون الرَّاء؛ يعني: لا يقيم وركه، لكنَّه يفرش ركبتيه، كأنَّه اعتمد على وركه، والله أعلم.

==========

[1] (انتهى): ليس في (ج).

[ج 1 ص 78]

(1/467)

[باب خروج النساء إلى البراز]

قوله: (إلى الْبَرَازِ): قال ابن قُرقُول: (بفتح الباء، كناية عن قضاء الحاجة، وأصل البَراز المتَّسع من الأرض، ثمَّ سُمِّي به الحدث)، قال النوويُّ: (كذا قال الخطابيُّ؛ أي: بالفتح، قال: وأهل الحديث يروونه بالكسر، قال: وهو غلط، وقال غيره: الصَّواب الكسر، وهو الغائط نفسه)، كذا ذكره أهل اللُّغة، وإذا كان بالكسر في اللُّغة، وهو الغائط نفسه، وقد اعترف الخطابيُّ بأنَّ الرواة نقلوه بالكسر تعيَّن المصير إليه؛ فحصل أنَّ المختار كسر الباء مِنْهُ، وقد ذكر هذه اللَّفظة النَّوويُّ في «تهذيبه»، وبسط القول فيها، فإنْ [1] أردت زيادة؛ فانظره.

==========

[1] في (ج): (فإذا).

[ج 1 ص 78]

(1/468)

[حديث: أن أزواج النبي كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع]

146# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): هو بضمِّ الموحَّدة، مصغَّر، مشهور التَّرجمة، وهو يحيى بن عَبْد الله بن بُكير، نُسِب إلى جدِّه، تقدَّم [1].

قوله: (حَدَّثَنَا [2] اللَّيْثُ): تقدَّم مرَّات أنَّه ابن سعد، العالم المشهور.

قوله: (حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ): تقدَّم أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد الأيليُّ، وأنَّه ليس في «صحيح البخاريِّ» كذلك غيره، وتقدَّم ما في «مسلم» من أنَّه روى ليحيى بن عُقيل، وفيه ذكر القبيلة عُقيل؛ كلاهما بضمِّ العين كهذا، وتقدَّم بعض ترجمة ابن خالد فيما مضى.

قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهريُّ قريبًا وبعيدًا، وأنَّه محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب.

قولها: (إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أزواجه اللَّاتي توفِّي عنهنَّ مشهورات معروفات تسعٌ، أمَّهاتُ المؤمنين رضي الله عنهنَّ، وسأذكرهنَّ [3] إنْ شاء الله [4].

قولها: (إلى المنَاصِعِ): واحدها مَنْصَع؛ بفتح الميم، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ صاد مفتوحة، ثمَّ عين مهملتين؛ وهي مواضع التبرُّز للحدث [5]،

[ج 1 ص 78]

وكانت خارج المدينة، وهو صعيد أفيح كما قالت عائشة رَضِيَ اللهُ عنها؛ يعني: أنَّه موضع مخصوص.

قوله: (حِرْصًا على أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ): (يُنْزَل): في أصلنا مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الحجابُ): قائم مقام الفاعل، وعلى البناء للفاعل، و (الحجابُ): مرفوع على الحالين [6]، وكذا هو مضبوط في أصلنا على البناء للفاعل وللمفعول.

قوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ الْحِجَاب): اعلم أنَّ الحجاب نزل على الصَّحيح الأكثر في مُبتنى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بزينب، واختُلف في أَي سنة ابتنى بها [7]؛ فقيل: سنة أربع، وقيل: ثلاث، وقيل: خمس، وسيأتي مُطوَّلًا في سورة (الأحزاب) إنْ شاء الله تَعَالَى بالاختلاف في سببه، والله أعلم.

(1/469)

[حديث: قد أذن أن تخرجن في حاجتكن]

147# قوله: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ [1]): هو ابن يحيى بن صالح بن سليمان البلخيُّ، عن أبي مطيع البلخيِّ، ووكيع، وغيرهما، وعنه: البخاريُّ، والفريابيُّ، إمام، مصنِّف في السُّنَّة، حافظ، توفِّي سنة (233 هـ)، أخرج له البخاريُّ والتِّرمذيُّ، وذكره ابن حبَّان في «الثِّقات».

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة الكوفيُّ الحافظ، مولى بني هاشم، عن هشام بن عروة، والأعمش، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وكان حجَّةً عالمًا إخباريًّا، عنده ستُّ مئة حديث عن هشام، عاش ثمانين سنة، توفِّي سنة (201 هـ)، وهو ثقة، وثَّقه أحمد، وكان من العبَّاد، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (أُذِنَ) [2]: (أُذِن): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، أي: أذن الله، [وليس في أصلنا: (لَكُنَّ)] [3].

قوله: (قَالَ هِشَامٌ): هو هشام بن عروة بن الزُّبير، مشهور التَّرجمة، وهو الرَّاوي في السَّند فيه.

قوله: (يَعْنِي: الْبَرَازَ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا، وهو مفتوح في أصلنا بالقلم هنا، وفي الذي قبله في التَّبويب، وقد تقدَّم أنَّهما لغتان، وقال شيخنا الشَّارح هنا: (إنَّه بالفتح).

==========

[1] في هامش (ق): (ابن أبي زكريا يحيى بن صالح بن سليمان بن مطر الفقيه الحافظ).

[2] في (ج): (لكن).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 79]

(1/470)

[باب التبرز في البيوت]

(1/471)

[حديث: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي]

148# قوله: (عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ): تقدَّم قريبًا أنَّه بفتح الحاء المهملة، وتشديد الموحَّدة.

قوله: (عن وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ): هو عمُّ مُحمَّد بنِ يَحيَى بنِ حَبَّان، وعُرِف من الذي تقدَّم أنَّه بالفتح.

==========

[ج 1 ص 79]

(1/472)

[باب الرخصة في ذلك]

(1/473)

[حديث ابن عمر: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا فرأيت]

149# قوله: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى عن مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ): (يحيى) هذا: هو ابن سعيد، الذي ظهر لي: أنَّه الأنصاريُّ، فإنْ كان هو؛ فهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة، أبو سعيد الأنصاريُّ النجَّاريُّ، قاضي المدينة، ثمَّ قاضي العراق بالهاشميَّة، يروي عن أنس، وابن المُسَيّب، وعنه: مالك، والقطَّان، حافظ إمام فقيه [1] حجَّة، مات سنة (143 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» تمييزًا.

قوله: (عَلَى لَبِنَتَيْنِ): تقدَّم أنَّ اللَّبِنة؛ بفتح اللَّام، وكسر الموحَّدة، وأنَّها تُسَكَّن أيضًا.

==========

[1] زيد في (ب): (محدث).

[ج 1 ص 79]

(1/474)

[باب الاستنجاء بالماء]

قوله: (بَاب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ): هذا التَّبويب مع الحديث ردٌّ على ما يوهم كلام بعضهم إلى أنَّ الماء لا يجزئ، قال النوويُّ في «شرح مسلم»: (وذهب بعض السلف: إلى أنَّ الأفضل [1] الحجر، وربما أوهم كلام بعضهم أنَّ الماء لا يجزئ، وقال ابن حبيب المالكيُّ: لا يجزئ الحجر إلا لمن عدم الماء، وهذا خلاف ما عليه العلماء من السلف والخلف، وخلاف ظواهر السُّنن المتظاهرة، والله أعلم)، وفي حفظي عن مالك وغيره [2]: (أنَّ الأفضل الحجر [3]، وَأنَّهُ لا يُعرَف أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم اسْتَنْجَى بِالْمَاء) انتهى.

وهذا يردُّه [4] حديث أنس: (فحملت أنا وغلام نحوي إداوة من ماء)، وغيره، وكذا غيره من الأحاديث، ورأيت في كلام شيخنا الشَّارح نقل عن أحمد كما أحفظه عن مالك، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (الأصل).

[2] زيد في (ج): (أنَّه)، وضرب عليها في (أ).

[3] في (ب): (أنَّ الحجر أفضل).

[4] في (ج): (يرد).

[ج 1 ص 79]

(1/475)

[حديث أنس: كان النبي إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام]

150# قوله: (وَغُلَامٌ مَعَنَا): هذا الغلام لا أعرف أحدًا سمَّاه؛ فليُتبَع، [وقال بعض حفَّاظ العصر: (إنَّ في «البخاريِّ» ما يدلُّ على أنَّه أَبُو هريرة) انتهى، وفيه نظر؛ لما في «البخاريِّ» من حديث أنس: (كنت أحمل وغلام منَّا [1])، فهذا ينافي ما ذكره هذا الحافظ؛ لأنَّ أنسًا أنصاريٌّ، والله أعلم] [2].

قوله: (إِدَاوَةٌ): هي _بكسر الهمزة_ إناء صغير من جلد يتَّخذ للماء؛ كالسَّطيحة ونحوها، والجمع الأداوى.

قوله: (يَعْنِي: يَسْتَنْجِي بِهِ): قال الإسماعيليُّ فيما رأيته عنه: (هو من قول أبي [3] الوليد شيخ البخاريِّ).

==========

[1] في (ب) و (ج): (معنا).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[3] (أبو): ليس في (ج)، وفي (أ): (أبو).

[ج 1 ص 79]

(1/476)

[باب من حمل معه الماء لطهوره]

قوله: (بَاب مَنْ حُمِلَ معهُ الْمَاءُ): (حُمِل): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (الماءُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

قوله: (لِطُهُورِه) [1] في التَّرجمة: هو بضمِّ الطاء، ويجوز فيه الفتح كما تقدَّم في (الوضوء).

قوله: (وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ): هو عويمر، وقيل: عامر بن زيد بن قيس بن عائشة بن أميَّة بن مالك بن عامر بن عديِّ بن كعب بن الخزرج بن الحارث من الخزرج الأنصاريُّ، مناقبه جمَّة، توفِّي في خلافة عثمان رضي الله عنهما سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين بدمشق، وقبره وقبر زوجته أمِّ الدرداء الصُّغرى بباب الصَّغير مشهوران، أخرج له الجماعة، وقد تأخَّر إسلامه، أسلم عقب بدر، وقد فرض له عمر رضي الله عنه، فألحقه [2] بالبدريِّين لجلالته رضي الله عنه.

قوله: (أَلَيْسَ فيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ؟ ... ) إلى آخره: يريد به: عَبْد الله بْن مَسْعُود، (وأراد بذلك الثناء عليه، وكان عَبْد الله بن مسعود) [3] صاحب نعلي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كان إذا قام عليه الصَّلاة والسَّلام؛ ألبسه إيَّاهما، وإذا جلس؛ جعلهما في ذراعيه حتَّى يقوم رضي الله عنه.

قوله: (وَالطَّهُورِ): هو بفتح الطاء، وكذا هو مضبوط في أصلنا بالقلم؛ الماء، ويجوز فيه الضَّم، وقد تقدَّم مثله في (الوضوء).

قوله: (وَالْوِسَادِ) [4]: هو بكسر الواو، وبالسِّين، وفي آخره دال مهملتين، قال ابن قُرقُول: (كذا في «البخاريِّ»)؛ يعني: (الوساد) من غير خلاف في (كتاب الطَّهارة)، وفي رواية مالك بن إسماعيل، وفي رواية: (الوسادة والسِواد [5])، (وكان ابن مسعود يمشي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حيث ينصرف ويخدمه ويحمل مطهرته وسواكه ونعليه وما يحتاج إليه)، فلعلَّه أيضًا كان يحمل وساده إذا احتاج إليه، وأمَّا عمر؛ فإنَّه يقول [6]: (كان يعرف بصاحب السواد)؛ أي: السرَّ؛ لقوله: (إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ [7] الْحِجَابُ وتَسمَعَ سِوَادِي [8]) انتهى.

==========

[1] في (ب): (لطهور)، وكلاهما مروي.

[2] في (ب): (وألحقه).

[3] ما بين قوسين ليس في (ج).

[4] في (ج): (والوسادة).

[5] في (ج): (والوساد).

[6] (يقول): ليس في (ب).

[7] في (ب): (ترفع).

[8] في (ب): (لسوادي).

[ج 1 ص 79]

(1/477)

[حديث: كان رسول الله إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام منا]

151# قوله: (أَنَا وَغُلَامٌ مِنَّا): هذا الغلام تقدَّم أعلاه أنِّي لا أعرف اسمه، (وتقدَّم ما قاله بعض الحفَّاظ) [1].

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ج).

قوله: (مَعنا إِدَاوَةٌ): تقدَّم أعلاه ضبطها وما هي.

[ج 1 ص 79]

(1/478)

[باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء]

قوله: (الْعَنَزَةِ): هي بِفَتْحِ العين المهملة، ثمَّ نون مثلها، ثمَّ زاي مثلها، ثمَّ تاء؛ وهي عَصًا في أسفلها زُجٌّ من حديد، وهل هي قَصِيرَة أم طويلة؟

[ج 1 ص 79]

فيه اضطراب لأهل اللُّغة، صحَّح الأول القاضي عياض، والثَّاني النَّوويُّ وقال: (قال [1] أَبُو عبيد: هي مثل نصف الرُّمْح وأطول، فيها سِنَان مثل سنان الرُّمح، قال بعضهم: لكنَّ سنانها في أسفلها بخلاف الرُّمح، فإنَّ سنانه في أعلاه) انتهى.

فائدة: هذه الْعنزَة أَهْدَاهَا النَّجَاشِيُّ لِلنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال أَبُو الفتح اليعمريُّ في «سيرته» في (ذكر فرض صيام رمضان) عن «طبَقَات ابنِ سَعْد» عنِ الواقديِّ بأسانيد له في ذلك عن عائشة، وابن عمر، وأبي سعيد الخدريِّ ما لفظه: (وكان يحمل العنزَة بين يديه، وكانت للزُّبير بن العوام، قَدِم بها من أرض الحبشة فأخذها منه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وهذا في هذا «الصَّحيح» في باب بغير ترجمة بعد (باب شهود الملائكة بدرًا) انتهى، قال شيخنا الشَّارح: (وكان عليه الصَّلاة والسَّلام يستصحبها معه ليصلِّي إليها في الفضاء، قيل: وليتَّقي بها كيد المنافقين واليهود، فإنَّهم كانوا يرومون اغتياله، وذكر بعض أهل العلم أنَّ لها [2] فوائدَ: دفعُ العدوِّ، واتِّقاء السبع، ونبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة؛ خشية الرشاش، وتعليق الأمتعة، والتوكُّؤ عليها، والسترة بها في الصَّلاة)، وقال أيضًا شيخنا: (ويبعد أن يكون يستتر [3] بها في قضاء الحاجة، وإنْ كان في تبويب البخاريِّ ما قد يوهمه، فإنَّ ضابط السترة ما يستر الأسافل) [4] انتهى.

وقد رأيت قطعة من هذه العنزَة في الآثار الشريفة بمصر ومعها آثار من آثاره صلَّى الله عليه وسلَّم غيرها؛ مثل: المِرود الذي كان يكتحل به، والمخصف، وقطعة من القصعة، ومنقاش صغير وهو المنماص، وكأنَّه للشوك إذا دخل في الرِّجل أو غيرها لإخراج ذلك، وقد زرت ذلك مرَّات، واكتحلت بالمِرود، وشربت من ماء وضعت فيه القطعة [5] من العنزَة والقطعة من القصعة، وقد أنشدني الإمام الأديب جلال الدين محمَّد بن خطيب [6] داريَّا الدمشقيُّ بسوق الكتب بالقاهرة في الرحلة الأولى لنفسه في الآثار الشريفة حين زارها:

~…يا عينُ إنْ بَعُدَ الحَبيبُ ودَارُهُ…وَنأَتْ مرَابِعُهُ وشَطَّ مزارُه

~…فلكِ الهناء لقد ظفرتِ بطائلٍ…إنْ لم تريهِ فهذه آثارُهُ.

(1/479)

==========

[1] (قال): ليس في (ج).

[2] في (ج): (له).

[3] في (ب): (يستر).

[4] «التوضيح» (4/&).

[5] في (ج): (القصعة).

[6] في (ب): (الخطيب).

(1/480)

[حديث: كان رسول الله يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إداوةً من ماء]

152# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشِّين المعجمة، وأنَّه بُنْدَار، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (الْخَلَاءَ): تقدَّم أنَّه بفتح الخاء، وبالمدِّ في آخره.

قوله: (أَنَا وَغُلَامٌ [1]): تقدَّم قريبًا أنَّ هذا الغلام لا أعرفه.

قوله: (إِدَاوَةً): تقدَّم [2] قريبًا ما هي وجمعها.

قوله: (تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عن شُعْبَةَ): الضَّمير في (تابعه) يعود على محمَّد بن جعفر، وهو غندر الذي تقدَّم بعض ترجمته فيما مضى، ومتابعة النضر عن شعبة أخرجها النَّسائيُّ في (الطَّهارة): عن إسحاق بن إبراهيم، عنِ النضر بن شميل، عن شعبة به [3].

وأمَّا النضر؛ فهو ابن شميل، وهو بالضَّاد المعجمة، ولا يحتاج هذا إلى تقييد عند أولي المعرفة؛ لأنَّه لا يأتي إلا بالألف واللَّام، بخلاف نصر _ بالمهملة_؛ فإنَّه لا يأتي بهما، ولكن المتقدِّمون من أهل «المؤتلف والمختلف» ذكروه معه، وابن شميل: هو أبو [4] الحسن المازنيُّ البصريُّ النحويُّ، شيخ مروَ ومحدِّثها، عن حميد، وهشام بن [5] عروة، وعنه: ابن معين، وإسحاق، والدارميُّ، ثقة إمام، صاحب سنَّة، توفِّي في سلخِ سنةِ (203 هـ)، وقد أخرج له الجماعة.

وقوله: (وَشَاذَانُ): هو بالشِّين، وبالذَّال المعجمتين، فهو لقب الأسود بن عامر، يروي عن هشام بن حسَّان، وكامل أبي العلاء، وأمم، وعنه: الدارميُّ، والحارث بن أبي أسامة، وأمم، توفِّي سنة (208 هـ)، وقد وثَّقه ابن المدينيِّ وغيرُه، أخرج له الجماعة، ومتابعة شاذان أخرجها البخاريُّ في (الصَّلاة): عن محمَّد بن حاتم بن بزيغ، عن أسود بن عامر شاذان، عن شعبة.

==========

[1] في (ج): (والغلام).

[2] (تقدم): ليس في (ب).

[3] (به): ليس في (ب).

[4] (أبو): ليس في (ج).

[5] في (ج): (عن)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 80]

(1/481)

[باب النهي عن الاستنجاء باليمين]

(1/482)

[حديث: إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء]

153# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ): هو بفتح الفاء، تقدَّم.

قوله: (هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ): تقدَّم أنَّه _بفتح الدَّال، ثمَّ سين ساكنة مهملتين، ثمَّ مثنَّاة فوقُ_ كان يبيع الثِّياب التي تجلب من دَستوى، فنُسِب إليها هشام [1]، وهشام صاحب الدستوائيِّ؛ أي: صاحب البزِّ الدستوائيِّ، ويقال: الدَّستوانيُّ؛ بالنُّون، وقد ذكره مسلم في أوَّل (كتاب الصَّلاة) بعبارة [2] أخرى أوهمت لبسًا، فقال في (الآذان): (حدَّثني أَبُو غسَّان وإسحاق بن إبراهيم، قال [3] إسحاق: حدَّثنا معاذ بن هشامٍ صاحبِ الدَّستوائيِّ)، فتوهَّم صاحب «المطالع» أنَّ قوله: (صاحب الدستوائيِّ) مرفوع، وأنَّه صفة لـ (معاذ)، فقال: (يقال: صاحب الدَّستوائيِّ)] [4]، وإنَّما هو ابنه، والذي قاله صاحب «المطالع» ليس بشيء، وإنَّما (صاحبِ) في «صحيح مسلم» هناك مجرور صفة لـ (هشام)، كما هو مصرَّح به في حديث الشفاعة في «مسلم»، ودَستوى: قرية بالأهواز، يقال في النِّسبة: دَستوائيٌّ ودستوانيٌّ، كما تقدَّم أعلاه.

قوله: (ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ): هو بالثَّاء المثلَّثة، تقدَّم.

قوله: (عن أَبِيهِ): هو أَبُو قتادة كما هو مصرَّح به هنا، وهو الحارث بن ربعيٍّ، وقيل: النعمان بن ربعيٍّ، وقيل: عمرو، مشهور شهد أُحُدًا والمشاهد، وله أحاديث صالحة، ويقال: كان بدريًّا، ولم يصحَّ، وهو فارس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عنه [5]: ابن المُسَيّب، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، في موته اختلاف [6]؛ فعن يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة: أنَّ جدَّه مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وله سبعون سنة، وكذا قال يحيى ابن بكير وجماعة، وقال الهيثم بن عديٍّ وغيره: مات بالكوفة، وصلَّى عليه عليُّ رضي الله عنه، قال بعضهم: سنة (38 هـ)، وقال الواقديُّ: (لَمْ أرَ بين ولد أبي قتادة وأهل البلد عندنا اختلافًا أنَّ أبا قتادة توفِّي بالمدينة، وروى أهل الكوفة: أنَّه توفِّي بالكوفة، والله أعلم)، أخرج له الجماعة.

قوله: (فَلَا يَتَنَفَّسْ في الْإِنَاءِ): قد يُسأل؛ فيقال: هذا المعروف والسُّنَّة، فما الجمع بينه وبين حديث أنس في «الصَّحيحين» أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يتنفَّس في الإناء ثلاثًا؟

(1/483)

وجوابه: أنَّ معناه: كان يتنفَّس خارج الإناء، أو فعله بيانًا للجواز، أو [7] النَّهي خاصٌّ بغيره؛ لأنَّ ما يتقذَّر من غيره يستطاب منه عليه الصَّلاة والسَّلام.

(1/484)

[بابٌ: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال]

قوله: (لَا يُمْسِكْ ذَكَرَهُ): هو بضمِّ أوَّله رباعيٌّ، ويقال: (مسك) لغة قليلة، وهو مجزوم بالنَّهي.

==========

[ج 1 ص 80]

(1/485)

[حديث: إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه]

154# [قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو الفريابيُّ، وسأذكر فيما يأتي _وقد تقدَّم [1]_ الفرق بينه وبين محمَّد بن يوسف البيكنديِّ البخاريِّ، فإنَّ كلًّا منهما روى عنه البخاريُّ، والله أعلم] [2].

قوله: (حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ): تقدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن عمرو أَبُو عمرو، وتقدَّم لماذا نُسِب، وهو عالم زاهد، أحد الأعلام والحفَّاظ، وشيخ الإسلام، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (ابنِ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بالثَّاء المثلَّثة.

قوله: (عن عَبْدِ الله بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عن أَبِيهِ): تقدَّم أعلاه بعض الكلام على أبي قتادة فارسه عليه الصَّلاة والسَّلام رضي الله عنه.

==========

[1] (وقد تقدم): ليس في (ب).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 80]

(1/486)

[باب الاستنجاء بالحجارة]

(بَاب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ) ... إلى (بَاب الْتِمَاسِ النَّاسِ [1] الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلَاةُ)

==========

[1] (الناس): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 80]

(1/487)

[حديث: ابغني أحجارًا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا روث]

155# قوله: (عَنْ جَدِّهِ): جدُّه: هو سعيد بن عمرو، وهذا ظاهر إلا أنَّه ربَّما [1] توهَّم متوهِّم أنَّه منسوب إلى جدٍّ له أعلى، وسعيد بن عمرو، (هذا هو ابن سعيد) [2] بن العاصي بن أبي أُحيحة الأَمويُّ، يروي عن أبي هريرة، وابن عبَّاس، وعنه: ابناه إسحاق وخالد، وحفيده المذكور هنا عمرو بن يحيى، وشعبة، وغيرهم، سكن الكوفة، قال النَّسائيُّ: (ثقة)، وقال أبو حاتم: (صدوق)، قال الذَّهبيُّ: (عاش إلى أنْ وفد على الوليد بن يزيد) انتهى، وقد وُلِّي الوليد المذكور سنة [3] خمس وعشرين ومئة، وكان زنديقًا، وقُتِل لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة بعد مقامه فيها سنة وشهرين واثنتين وعشرين ليلة، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.

[ج 1 ص 80]

قوله: (عَنْ [4] أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا رضي الله عنه.

قوله: (فَقَالَ: ابْغِنِي أَحْجَارًا): قال ابن قُرقُول: («ابغني»؛ أي: اطلب لي، ويقال: أعنِّي على طلب ذلك، وأصل البغاء: الطلب، ومنه: البغيُّ؛ لأنَّها تطلب الفساد، قال ابن قتيبة: البُغاء والبِغاء: الزِّنى، وابغ _بوصل الهمزة_؛ أي: اطلب لي، وأبغني _يعني: بقطع الهمزة_: أعنِّي على الطلب ... ) إلى آخر كلامه، وفي «النهاية»: (ولفظه: «ابغني»: كذا بهمزة الوصل؛ أي: اطلب لي، [و «أبغني» _بهمزة القطع_؛ أي: أعنِّي على الطلب) انتهى.

وقال شيخنا الشَّارح: (قال ابن التِّين: رُوِّيناه بالوصل)، قال الخطابيُّ: (معناه: اطلب لي] [5]، فإذا قطعت الألف؛ فمعناه: أعنِّي على الطلب)، وقال الخطابيُّ: (معناه: اطلب لي) انتهى، فمقتضى كلام ابن قُرقُول، وكذا صريح كلام ابن الأثير: أنَّه [6] يقال بالوصل والقطع، وعبارة الخطابيِّ تعطي الوصل فقط، وكذا صريح كلام ابن التِّين، وهو في أصلنا: بالوصل بالقلم.

قوله: (أَسْتَنْفِضْ بِهَا): هو بالجزم على جواب الأمر، وهو بالنُّون، والفاء، والضَّاد المعجمة؛ أي [7]: أتمسَّح بها ممَّا هنالك.

قوله: (لَا يُسْتَنْجَى [8]): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، كذا في أصلنا.

(1/488)

[حديث: أتى النبي الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار]

156# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم أنَّه الفضل بن دُكَين، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): هو ابن معاوية بن حُدَيْجٍ الحافظ أبو خيثمة الجعفيُّ الكوفيُّ، شيخ الجزيرة، ثقة حجَّة [1] حافظ، توفِّي سنة (173 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وفي حديثه عن أبي إسحاق لين، سمع منه بأخَرَةَ، وقال العُقيليُّ [2]: (ثقة إلَّا أنَّه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط)، وقال الذَّهبيُّ: (قلت: لين روايته عن أبي إسحاق من قِبَلِ أبي إسحاق لا من قِبَلِه) انتهى، وقد قال غير واحد: إنَّ زهيرًا سمع منه بعد الاختلاط، قال صالح بن أحمد ابن حنبل عن أبيه: (في حديثه عن أبي إسحاق لينٌ، سمع منه بأخَرَةَ)، وقال أبو زرعة: (ثقة إلَّا أنَّه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط)، وقال أبو حاتم: (هو أحبُّ إلينا من إسرائيل في كلِّ شيء إلَّا في حديث أبي إسحاق)، وقال أيضًا: (زهير ثقة، مُتقِنٌ، صاحب سنَّة، تأخَّر سماعه من أبي إسحاق)، وقال ابن معين: (زكريَّا وزهير وإسرائيل [3] حديثهم في أبي إسحاق قريب من السواء)، وقال التِّرمذيُّ: (زهير في أبي [4] إسحاق ليس بذاك؛ لأنَّ سماعه منه بأخرة)، وروايته عنه في «البخاريِّ» و «مسلم».

قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تقدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وضُبِط نسبُه، ولماذا نُسِب، وهو من أئمَّة التَّابعين بالكوفة وأثباتهم، إلا أنَّه شاخ ونسي، قال الذَّهبيُّ: (ولم يختلط) انتهى.

(1/489)

قوله: (لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ): أمَّا (أبو عُبيدة)؛ فهو بضمِّ العين، واسمه عامر بن عبد الله بن مسعود، وقيل: اسمه كنيته، وفي سماعه من أبيه اختلاف، وروايته عن أبيه في «السُّنن الأربعة»، قال أبو حاتم والجماعة: (إنَّه لَمْ يسمع منه شيئًا)، وقد روى شعبة عن عمرو بن مرَّة قال: (سألت أبا عُبيدة هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: ما أذكر منه شيئًا)، وقد روى عبد الواحد بن زياد، عن أبي مالك الأشجعيِّ، عن أبي عبيدة قال: (خرجت مع أبي لصلاة الصبح)، فضعَّف أبو حاتم هذه الرِّواية، وقد قال بعضهم: إنَّ قول أبي إسحاق ليس أبو عبيدة ذكره، ولكنْ عبدُ الرَّحمن بن الأسود: إنَّه تدليس، وأبو إسحاق مُدلِّس، وقد نقل [5] شيخنا الشَّارح عنِ ابن الشاذكونيِّ قال: (ما سمعت بتدليس قطُّ أعجب من هذا ولا أخفى)، قال أبو عبيدة: (لَمْ يحدِّثني، ولكن: «عبد الرَّحمن عن فلان»، ولم يقل: «حدَّثني»، فجاز الحديث وسار)، وقد تعقَّبه شيخنا المشار إليه بأن قال: (قلت: بل قال: حدَّثني، كما رواه إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عنه كما سلف من عند البخاريِّ) انتهى، ويعني بهذا المكان الآتي في طرف [6] هذا الحديث وهو المعلَّق: قال إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق: حدَّثني عبد الرَّحمن، انتهى، وإبراهيم: هذا هو ابن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، روى عن أبيه، وجدِّه، وعنه: أبو كريب، وجماعة، لُيِّن، وله ترجمة في «الميزان»، فيها روى [7] عبَّاس عن يحيى: ليس بشيء، وقال الجُوزْجانيُّ: (ضعيف)، وقال النَّسائيُّ: (ليس بالقويِّ)، وقال أبو داود: (ضعيف)، وقال أبو حاتم: (يكتب حديثه)، مات مع سفيان بن عيينة في عامٍ سنةَ (198 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وقد تقدَّم من كلام ابن المفضَّل [8] المقدسيِّ: (أنَّ من روى له الشيخان أو أحدهما؛ فقد جاز القنطرة) انتهى، لكن إبراهيم هذا قال أبو نعيم: (إنَّه لَمْ يسمع من أبيه شيئًا، وقد علذَق عنه بصيغة الجزم، فمن البخاريِّ إلى إبراهيم؛ صحيح، ويبقى الشأن من إبراهيم إلى عبد الرَّحمن؛ فهذا تارة يكون صحيحًا، وتارة يكون فيه شيء، والله أعلم، وتعليق إبراهيم هذا لَمْ أره في شيء من الكتب السِّتَّة إلا ما هنا، ولم أرَ شيخنا عزاه.

(1/490)

وأمَّا رواية أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود هذا الحديث؛ فرواه التِّرمذيُّ منفردًا به [9] من طريق إسرائيل، عن أبي عبيدة، عن أبيه، والله أعلم.

قوله: (سَمِعَ عَبْدَ اللهِ): تقدَّم أعلاه أنَّه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

قوله: (فَأَخَذْتُ رَوْثَةً): قال شيخنا الشَّارح: (إنَّ ابن خزيمة روى في «صحيحه» من حديث زياد بن الحسن، عن أبيه، عن جدِّه، عن عبد الرَّحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قال: أراد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يتبرَّز، فقال: «ائتني بثلاثة أحجار»، فوجدت حجرين وروثة حمار ... )؛ الحديث.

قوله: (رِكْسٌ): هو بكسر الرَّاء، ثمَّ كاف ساكنة، ثمَّ سين مهملة، وهو كقوله: (رجيع)؛ يعني: نجسًا؛ لأنَّها رُكِست؛ أي: رُدَّت في النجاسة بعد أنْ كانت طعامًا.

قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ [10]): تقدَّم الكلام عليه أعلاه وعلى حديثه، وتقدَّم بعض ترجمته؛ فانظره في قوله: (ليس أبو عبيدة ذكره)، وتعليقه هذا تقدَّم الكلام عليه [11].

==========

[1] (حجة): ليس في (ب).

[2] في (ب): (الفضلي).

[3] (وإسرائيل): ليس في (ج).

[4] (أبي): ليس في (ب).

[5] في (ب): (ذكر).

[6] في (ج): (طرق).

[7] زيد في (ب): (ابن)، ولا يصح.

[8] في (ج): (الفضل).

[9] (به): ليس في (ب).

[10] في هامش (ق): (بن إسحاق بن أبي إسحاق السَّبِيعي).

[11] في (ب): (عليها).

[ج 1 ص 81]

(1/491)

[باب الوضوء مرة مرة]

(1/492)

[حديث: توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة]

157# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ): (سفيان) هذا: هو فيما ظهر لي أنَّه سفيان بن سعيد الثَّوريُّ؛ لأنَّ محمَّد بن يوسف فيما ظهر لي أنَّه الفريابيُّ شيخ البخاريِّ في هذا الحديث أكثر عنِ الثَّوريِّ، (وله عنِ ابن عيينة قليل) [1]، [وقد تقدَّم الفرق بينه وبين أبي أحمد محمَّد بن يوسف البيكنديِّ، وذكرت الأماكن التي روى فيها البخاريُّ عنِ البيكنديِّ، والله أعلم] [2]، ثمَّ راجعت كلام شيخنا الشَّارح، فقال: (وسفيان: هو الثَّوريُّ، كما صرَّح به أبو نعيم وغيره).

==========

[1] ما بين قوسين وضع في (ب) في غير محله.

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب) و (ج).

[ج 1 ص 81]

(1/493)

[باب الوضوء مرتين مرتين]

(1/494)

[حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين]

158# قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ [1] بْنُ عِيسَى): هو أبو عليٍّ الطائيُّ القُوْمُسِيُّ البَسْطاميُّ الدامغانيُّ، عنِ ابن عيينة، ووكيع، وغيرهما، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن خزيمة، ثقةٌ، من أئمَّة العربيَّة، وثَّقه النَّسائيُّ، وقال أبو حاتم: (صدوق)، وقال الحاكم: (هو شيخ العدالة والتزكية)، توفِّي سنة (247 هـ)، أخرج له من أخذ عنه منهم، وليس له في هذا الكتاب سوى هذا الحديث، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا يُونُسُ): هو ابن محمَّد المؤدِّب البغداديُّ الحافظ، مشهور التَّرجمة، أخرج له الجماعة، توفِّي سنة (208 هـ)، وقيل: سنة (207 هـ) وهو غلط [2]، قال أبو حاتم: صدوقٌ.

[ج 1 ص 81]

قوله: (أَخْبَرَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ): هو بضمِّ الفاء، وفتح اللَّام.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ): هذا هو ابن زيد بن عاصم المازنيُّ الأنصاريُّ، الصحابيُّ المشهور التَّرجمة، ابن الصحابيِّ رضي الله عنهما، ومن اسمه: عَبْد الله بن زيد في الصَّحابة بهذا خمسة، وقد قيل في صاحب التَّرجمة: إنَّه بدريٌّ، قاله ابن منده، وكذا قال أَبُو أحمد الحاكم، وهو غلط، وكذا روى الحاكم في «المستدرك» في ترجمته، وقال ابن عبد البَرِّ: (بل أُحديٌّ، وهو قاتل مسيلمة بالسيف مشاركًا لغيره)، وسيأتي من قيل: إنَّه شارك في قتل مسيلمة إن شاء الله تَعَالَى وقدَّره في مكانه، قُتل يوم الحرَّة، وهي سنة ثلاث وستين من الهجرة، وهي وقعة معروفة بين أهل الشام والمدينة.

==========

[1] في هامش (ق): (قال ليس لحسين في هذا الكتاب سوى هذا الحديث).

[2] (وهو غلط): ليس في (ب).

(1/495)

[باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا]

(1/496)

[حديث: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين]

159# 160# قوله: (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الزُّهريُّ محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.

قوله: (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ): المِرفَق؛ بكسر الميم، وفتح الفاء، ويقال: بفتح الميم، وكسر الفاء، معروف [1].

قوله: (لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ): اعلم أنَّ حديث النفس قسمان؛ ما يهجم عليها ويتعذَّر دفعه عنها، وما تسترسل معه النفس ويمكن قطعه، ويمكن أنْ يحمل الحديث عليه دون الأوَل؛ لعسر اعتباره، ولفظ الحديث: (لا يحدِّث) يشهد له؛ لأنَّه تكسُّب وتفعُّل؛ لأنَّ الخواطر ليست من جنس مقدور العبد، وهي معفوٌّ عنها، ويمكن حمل الحديث على النوعين معًا، وقال القاضي عياض عن بعضهم: (إنَّ ما كان عن [2] غير قصد يرجى أنْ تقبل معه [3] الصَّلاة، ويكون ذلك صلاة من لَمْ يحدِّث نفسه بشيءٍ؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام إِنَّما ضمن الغفران لمراعي ذلك؛ لأنَّه قلَّ من تسلم صلاته من حديث النفس [4])، وقال النوويُّ: (الصَّواب حصول هذه الفضيلة مع طرآن الخواطر العارضة غير المستقرَّة).

تنبيه: حديث النفس يعمُّ الخواطر الدنيويَّة والأخرويَّة، والحديث محمول على المتعلِّق بالدنيا فقط، وقد جاء في حديث خارج الكتب: «لا يحدِّث نفسه بشيء من أمر الدنيا، ثمَّ دعا إلا استُجيب له»، وعزا شيخنا الشَّارح هذه الرِّواية للحكيم التِّرمذيِّ في (كتاب الصَّلاة) له، انتهى، [وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (إنِّي لأجهز جيشي وأنا في الصَّلاة)] [5]، وعزا حديث: «من صلَّى ركعتين لم يحدِّث نفسه بشيء من أمر الدنيا؛ غُفِر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» شيخُنا العراقيُّ إلى ابن أبي شيبة في «المصنَّف» من حديث [ ... ] مرسلًا، ذكر ذلك في «تخريج أحاديث الإحياء»، وفي أوَّل «الإحياء»: «من توضَّأ، وأسبغ الوضوء، وصلَّى ركعتين لم يحدِّث نفسه بشيء من الدنيا [6]؛ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه»، وفي لفظ آخر: «لَمْ يَسْهُ فيهما؛ غُفِر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، قال شيخنا العراقيُّ: ابن المبارك في (كتاب «الزُّهد والرَّقائق»: (باللَّفظين معًا ... ) إلى آخر كلامه.

تنبيه ثانٍ: المراد بالغفران: الصغائر دون الكبائر، فإنَّ الكبائر تكفَّر بالتوبة، وفضل الله واسع، وقد رأيت عن بعضهم: أنَّهما يُغفَران، وفيه نظر، والله أعلم.

(1/497)

قوله: (وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ ... ) إلى آخره: هذا معطوف على السَّند قبله؛ يعني: وحدَّثني به عبد العزيز بن عَبْد الله الأُويسيُّ: حدثني إبراهيم _يعني: ابن سعد_ عن صالح بن كيسان قال: قال ابن شهاب، عن عروة، عن حمران [7] به، وليس هذا تعليقًا؛ فاعلمه.

==========

[1] (معروف): ليس في (ج).

[2] في (ب): (من).

[3] في (ب): (منه).

[4] زيد في (ب): (يعم الخواطر الدنيوية).

[5] ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).

[6] في (ب): (نفسه من أمر الدنيا).

[7] في (ب): (عمران).

[ج 1 ص 82]

(1/498)

[باب الاستنثار في الوضوء]

قوله: (بَابُ الاسْتِنْثَارِ [1] فِي الْوُضُوءِ): تقدَّم أنَّ الاستنثار غير الاستنشاق، وأنَّه إخراج الماء من الأنف [2] بالنفس، والاستنشاق عكسه، وأنَّ ابن قتيبة قال: (هما سواء، مأخوذ من النثرة؛ وهي الأنف)، ولم يقل شيئًا، وقد فرَّق بينهما في قوله: «فليجعل في أنفه ماء، ثمَّ لينتثر».

==========

[1] في هامش (ق): (نَفْضُ ما في الأنفِ بعد الاستنشاق).

[2] (الأنف): ليس في (ب).

[ج 1 ص 82]

(1/499)

[حديث: من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر]

161# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جَبَلَة بن أبي روَّاد العتكيُّ المروزيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، ولم قيل له: عبدان.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو عَبْد الله بن المبارك، العالم الزَّاهد، المجاهد المشهور، شيخ خراسان.

قوله: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) [1]: هو ابن يزيد الأيليُّ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه أَبُو بكر [2] محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العلم [3]، شيخ الإسلام.

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ): هو عائذ الله بن عَبْد الله أَبُو إدريس الخولانيُّ، أحد الأعلام، حديثه عن أبي ذرٍّ عند «مسلم»، وَحديثه عن أبي الدرداء، وحذيفة، وعبادة في «البخاريِّ» و «مسلم»، وعنه: مكحول، والزُّهريُّ، وربيعة بن يزيد [4]، قال سعيد بن عبد العزيز: (كان عالم أهل الشام بعد أبي الدرداء)، قيل: ولد يوم حُنين، ومات سنة (80 هـ)، روى له الجماعة.

قوله: (أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

==========

[1] زيد في (ج): (هذا).

[2] (أبو بكر): ليس في (ب).

[3] في (ج): (العالم).

[4] في (أ) و (ب): (مزيد)، والمثبت من المصادر هو الصواب.

[ج 1 ص 82]

(1/500)

[باب الاستجمار وترًا]

(1/501)

[حديث: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر]

162# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): هو بالنُّون، واسمه عَبْد الله بن ذكوان الإمام مولى بني أميَّة، وذكوان أخو أبي لؤلؤة الذي قتل عمر رضي الله عنه، روى أَبُو الزناد عن أنس، وعمر بن أبي سلمة ولم يرَه فيما قيل، وابن المُسَيّب، والأعرج، وعدَّة، وعنه: مالك، واللَّيث، والسفيانان، ثقةٌ ثَبْتٌ، توفِّي في رمضان فجاءة سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنِ الْأَعْرَجِ): تقدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن هرمز، تقدَّم بعض ترجمته، أخرج له الجماعة.

قوله: (في وَضُوئِهِ): هو بفتح الواو: الماء، تقدَّم، وتقدَّم أنَّه يجوز ضمُّها.

==========

[ج 1 ص 82]

(1/502)

[باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين]

قوله: (وَلَا يَمْسَحْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ): (يمسحْ): مجزوم على النَّهي.

(1/503)

[حديث: تخلف النبي عنا في سفرة سافرناها فأدركنا]

163# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): هو ابن إسماعيل التَّبُوْذَكيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم الكلام على التَّبُوْذَكيِّ.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): تقدَّم أنَّه الوضَّاح بن عَبْد الله.

قوله: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة، وبالشِّين المعجمة، وهو جعفر بن أبي وحشيَّة إياس، عن سعيد بن جبير، والشَّعبيِّ، ولقي من الصَّحابة عبَّاد بن شرحبيل اليشكريَّ وهو من قومه، وعنه: شعبة، وهشيم، صدوق، توفِّي سنة (125 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، وأنَّ له ترجمةً في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ [1]): تقدَّم الكلام على (ماهك)، وأنَّه غير مصروف، وأنَّه مفتوح الهاء، وتقدَّم في ذلك كلِّه بزيادة.

قوله: (أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ [2]): (أرهقنا): فعل ماض، والضَّمير مفعول، و (العصرُ): مرفوع فاعل، [وفي رواية: (أرهقْنا العصرَ)؛ بإسكان] [3] القاف، والضَّمير في (أرهقنا) فاعل، و (العصرَ) بالنصب مفعول؛ أي: أخَّرناها، والله أعلم.

(1/504)

[باب المضمضة في الوضوء]

[ج 1 ص 82]

==========

[ج 1 ص 82]

(1/505)

[حديث: مَن توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين]

164# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ): تقدَّم أنَّه ابن أبي حمزة الحافظ أَبُو بشر.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن شهاب [1] أَبُو بكر محمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.

قوله: (دَعَا بِوَضُوءٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الواو، وأنَّه الماء، وأنَّه يجوز ضمُّها على لغة، وكذا قوله بعده: (في الوضوء).

قوله: (وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ): تقدَّم أنَّ هذا يشهد لردِّ قول ابن قتيبة في أنَّهما واحد، وتقدَّم أنَّه غيران، وتقدَّم ما هما.

قوله: (إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ): تقدَّم قريبًا أنَّ المِرفَق فيه [2] لغتان، كسر الميم وفتح الفاء، والثَّانية عكس ذلك.

قوله: (لَا يُحَدِّثُ فِيْهِمَا نَفْسَهُ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا، وأنَّ المراد: بشيء من [3] أمر الدنيا.

(1/506)

[باب غسل الأعقاب]

قوله: (الْأَعْقَابِ): هو جمع عَقِب، بفتح العين وكسر القاف، ويجوز تسكينها، وأنَّه مؤخَّر القدم، وتقدَّم ما في ذلك.

قوله: (وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ): وجه دخول هذا الأثر في هذا الباب: أنَّه يحتمل أنْ يكون أراد بذلك: أنَّه لو أدار الخاتم وهو في إصبعه؛ لكان بمنزلة الممسوح، وفرض [1] الإصبع الغسل، فقاس المسح في الإصبع على مسح الرجلين، قاله شيخنا الشَّارح.

قوله: (الْخَاتمِ): تقدَّم أنَّه بكسر التَّاء وفتحها [2]، وتقدَّم بقيَّة اللُّغات فيه.

==========

[1] في (ج): (موضع).

[2] في (ب) و (ج): (بفتح التَّاء وكسرها).

[ج 1 ص 83]

(1/507)

[حديث أبي هريرة: أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال: ويل .. ]

165# قوله: (أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مِن الْمِطْهَرَةِ): هي _بكسر الميم_ الإناء الذي يُتطهَّر به، وقيل: بالكسر: الإناء، وبالفتح: المكان.

==========

[ج 1 ص 83]

(1/508)

[باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين]

قوله: (وَلَا يَمْسَحْ على النَّعْلَيْنِ): (يمسحْ): بإسكان الحاء على النَّهي.

==========

[ج 1 ص 83]

(1/509)

[حديث عبيد بن جريج: يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا]

166# قوله: (عن سَعِيدٍ الْمَقْبرِيِّ): تقدَّم الكلام على سعيد وعلى نسبته لماذا نُسِب، وأنَّها بضمِّ الباء وفتحها وكسرها مثلَّثة [1].

قوله: (إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ): هو بتخفيف الياء، وحكي: التشديد، وهما الركن الأسود والركن اليماني، وجاء في رواية: (لم يستلم إلا الركن الأسود والذي [2] يليه من نحو دور الجمحيِّين)، وهما سواء، وقيل لهما: اليمانيان؛ تغليبًا؛ كالعمرين.

فإن قلت: لِم لا عبر عنهما بالأسودين؟

وأجيب: بأنَّه لو عبر بذلك؛ لربَّما اشتُبه [3] على بعض العوام أنَّ في كلٍّ منهما الحجر الأسود بخلاف اليمانيين، وإنَّما كان يستلمهما؛ لأنَّهما على قواعد إبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما لَمْ يستلم الآخرَين؛ لأنَّهما ليسا على القواعد، ولمَّا ردَّهما ابنُ الزُّبير عَبْدُ الله إلى القواعد؛ استلمهما، ولو بنيا الآن على القواعد؛ لاستُلِما، والله أعلم.

قوله: (السِّبْتِيَّةَ): قال ابن قُرقُول: (والسِّبت: كلُّ جلد مدبوغ، قاله أَبُو عمرو، وقال أَبُو زيد: السِّبت: جلود البقر خاصَّة، سواء دبغت أو لَمْ تُدبَغ، وقيل: هي جلود البقر المدبوغة بالقرظ)، وقال ابن وهب: هي السود التي لا شعر لها [4]، [وقيل: التي لا شعر عليها] [5] أَيَّ لونٍ كانت، ومن أَيِّ جلد كانت، وبأيِّ دباغ دُبِغت، وهو ظاهر قول ابن عمر رضي الله عنهما في هذه الكتب، وهي مأخوذة من السَّبت؛ وهو الحلق، سَبَتَ: حَلَقَ، فعلى هذا: ينبغي أنْ يقال: بفتح السِّين، ولم تُروَ إلا بالكسر، وقال الأزهريُّ: كانت من سُبِتت [6] بالدباغ؛ أي: لانت، وقال الدَّاوديُّ: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السَّبت).

(1/510)

تنبيه: إِنَّمَا أنكر عبيد بن جريج على ابن عمر رضي الله عنهما هذه النعال؛ لأنَّها نعال أهل النَّعمة والسَّعة، ونقل شيخنا الشَّارح في (كتاب اللِّباس): (أنَّ أكثر أهل الجاهليَّة كانوا يلبسونها غير مدبوغة إلَّا أهل السَّعة منهم)، وقال أيضًا فيه في (باب النعال السبتيَّة) بعد أنْ فسَّرها: (وقد ذهب قوم: إلى أنَّه لا يجوز لبسها في المقابر خاصَّةً؛ لحديث بشر بن الخصاصيَّة قال: «بينما أنا أمشي في المقابر ... »؛ الحديث، [وفيه: «يا صاحب السبتيَّين»)، ثمَّ قال: (فأخذ أحمد بظاهره ووثَّق رجاله، وقال باقي الجماعة: لا بأس بذلك احتجاجًا بلبسه عليه الصَّلاة والسَّلام لها] [7]، وفيه الأسوة الحسنة) انتهى، وحديث بشر المشار إليه أخرجه أبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقال الخطابيُّ: (حديث أنس عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عنهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»، يدلُّ على جواز لبس النعل لزائر القبور والماشي بحضرتها وبين ظهرانيها.

وأمَّا خبر السبتيَّين يشبه أنْ يكون إِنَّمَا كره ذلك؛ لما فيها من الخيلاء، وذلك أنْ يقال: السبت من لباس أهل الرقة والتنعُّم، فأحبَّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنْ يكون دخوله المقابر على زيِّ التواضع ولباس أهل الخشوع) انتهى، واعلم أنَّه لا [8] يكره المشي في المقابر [9] بالنعلين، وقال الماورديُّ: يخلعهما.

قوله: (تَصْبغُ بِالصُّفْرَةِ): (تصبغ): مثلَّث الباء.

(1/511)

تنبيه: هل المراد هنا صبغ الثِّياب أو الشعر؟ قال المازريُّ [10]: (الأشبه)، وقال القاضي عياض: (الأظهر الأول)، قال عياض: (لأنَّه أخبر أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام صبغ، ولم ينقل عنه أنَّه صبغ شعره، وإلا؛ فقد جاءت آثار عنِ ابن عمر بيَّن فيها تصفير ابن عمر رضي الله عنه لحيته، واحتجَّ بأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يصفِّر لحيته بالورس والزعفران، أخرجه أبو داود، وذكر في حديث آخر احتجاجه بأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يصبغ بهما ثيابه حتَّى عمامته) انتهى، وقد روى أَبُو يعلى الموصليُّ في «مسنده» من حديث عَبْد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران؛ رداء وعمامة)، وفي سنده: عَبْد الله بن مصعب الزُّبيريُّ، ضعَّفه ابن معين، وهو في «ثقات ابن حبَّان»، قال شيخنا الشَّارح: (وكان أكثرهم _يعني: الصَّحابة والتَّابعين_ يخضِّب بالصفرة؛ منهم: أَبُو هريرة وآخرون، وروي ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه).

قوله: (أَهَلَّ النَّاسُ): تقدَّم أنَّ الإهلال: رفع الصوت بالتلبية.

قوله: (يَوْم التَّرْوِيَةِ): هو بفتح التَّاء المثنَّاة فوقُ، وهو ثامن ذي الحجَّة، ولمَ سُمِّي بذلك، فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها [11]: أنَّ الناس يروون فيه من الماء من زمزم؛ لأنَّه لَمْ يكن بعرفة ولا بمنًى ماء، وقال آخرون: هو اليوم الذي رأى فيه آدمُ حواء، وقيل: لأنَّ جبريل أرى فيه إبراهيمَ أوَّل المناسك، وعن ابن عبَّاس: سُمِّي بذلك؛ لأنَّ إبراهيم أتاه الوحي في منامه أنْ يذبح ابنه، فروَّى في نفسه من الله هذا أم من الشيطان؟ فأصبح صائمًا، فلمَّا كان ليلة عرفة؛ أتاه الوحي، فعرف أنَّه

[ج 1 ص 83]

الحقُّ من ربِّه، فسُمِّيت: عرفة.

تنبيه: اعلم أنَّ سابع ذي الحجَّة يقال له: يوم الزينة؛ لأنَّهم كانوا يزيِّنون فيه المحامل والهوادج للخروج، قاله مكِّيُّ بن أبي طالب، وقال النوويُّ في «شرح المهذَّب»: (إنَّه لا اسم له) انتهى.

وللتاسع: عرفة، وللعاشر: يوم النحر، وللحادي عشر: يوم القرِّ، والثَّاني عشر: يوم النفر الأوَّل، وللثالث عشر: يوم النفر الثَّاني.

==========

[1] (وكسرها مثلثة): ليس في (ج).

[2] في (ب): (وهو الذي).

[3] في (ج): (أشبه).

[4] في النسخ: (عليها)، والمثبت موافق لما في «المطالع».

[5] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[6] في (ج): (ستت).

[7] ما بين معقوفين ليس في (ج).

(1/512)

[8] (لا): ليس في (ج).

[9] في (ب): (المقبرة).

[10] في (ب): (الماوردي).

[11] في (ب): (إحداها).

(1/513)

[باب التيمن في الوضوء والغسل]

قوله: (في الوُضُوءِ): هو بضمِّ الواو، ويجوز فتحها، وقد تقدَّم.

قوله: (وَالغَسْلِ): هو بفتح الغين، وهو اسم الفعل، وبالضَّمِّ: اسم للماء، هذا قول أبي زيد، وقيل فيهما معًا: اسم الفعل، وهو قول الأصمعيِّ.

(1/514)

[حديث: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها]

167# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا هو ابن عليَّة، وهو إِسْمَاعِيل بن إبراهيم ابن عُلَيَّة الإمام، أبو بشر، عن أيُّوب، وابن جدعان، وعطاء، وغيرهم، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن مَعِين، وأمَم، إمامٌ حجَّةٌ، توفِّي سنة (193 هـ)، أخرج له الجَماعة، وقد تقدَّم، وتقدَّم أنَّ [1] له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

تنبيه: اعلم أنَّ الشَّخص إذا كان معروفًا بلقب، أو باسم أمِّه، وهو الغالب عليه؛ جاز نسبته إليها؛ مثل: ابن بُحينة، وابن أمِّ مكتوم، ويعلى ابن مُنْيَة [2]، والحارث ابن البرصاء، وغيرهم مِنَ الصَّحابة، ومِنْ بعدهم؛ كمنصور ابن صفيَّة، وإِسْمَاعِيل ابن عُلَيَّة هذا، وقد استثنى أبو عمرو بن الصَّلاح من الجواز ما يكرهه من ذلك، فقال: (إلَّا ما يكرهه الملقَّبُ والمسألة معروضة في اللَّقب، وفي الانتساب إلى الأمِّ [3]؛ كما في إِسْمَاعِيل بن إبراهيم؛ المعروف بابن عُلَيَّة؛ وهي أمُّه، وقيل: أمُّ أمِّه، رُوِّينا عن يحيى بن معين أنَّه كان يقول: «حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ابن عُلَيَّة»، فَنَهَاهُ أحمد ابن حنبل، وقال: قل: إِسْمَاعِيل بن إبراهيم؛ فإنَّه بَلَغَنِي أنَّه كان يكره أنْ يُنسب إلى أمِّه، فقال: قبلنا يَا مُعَلِّم الخير) انتهى، ولَمْ يستثن الخطيب ذلك من الجواز، بل روى هذه الحكاية، قال شيخنا العراقيُّ: (والظَّاهر أنَّ ما قاله أحمد على طريق الأدب، لا اللُّزوم [4]) انتهى، وقال النوويُّ في اللَّقب، والصِّفة وفي النَّسب إلى الأمِّ: (إنَّه يجوز إذا كان يُعرَف بذلك، ويحرم إطلاقه عليه على جهة النَّقْص)؛ ذَكَرَ ذلك في «شرح مسلم»، وفي «الرياض» في (الغِيبة) نَحْوه [5]، وهذا هو الذِي بوَّب عليه البخاريُّ في «صحيحه»، فإنَّه قال: (بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: الطَّوِيلُ، وَالقَصِيرُ، وَمَا لَا يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ)، وكذا قال ابن المبارك؛ فإنَّه سئل عن: (فلان القصير)، و (فلان الأعرج)، و (فلان الأصفر [6])، و (حميد الطَّويل)، قال: (إذا أرَادَ صفته ولم يُرد عيبه؛ فلا بأس)، [وكلام ابن الصَّلاح صريح [7] في أنَّه إذا كان يكره اللَّقب أو النَّسب] [8] إلى الأمِّ؛ فإنَّه لا يجوز ذلك وإنْ كان يعرف به، والله أعلم.

(1/515)

قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ عن حَفْصَةَ): هذا هو خالد بن مهران الحذَّاء، تقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم الكلام على وصفِه بـ (الحذَّاء)؛ لماذا وُصِفَ به.

قوله: (عن أُمِّ عَطِيَّةَ): هي نُسَيبة؛ بنون مضمومة، وفتح السِّين، ومنهم: من فتح النُّون، وكسر السِّين، ذكره غير واحد؛ منهم الخطيب البغداديُّ، وخالفهم ابن ماكولا، وجماعة، فقالوا: (نُسيبة؛ بالضَّمِّ: أمُّ عطية، وبالفتح: أمُّ عمارة)، واسم والد (أُمِّ [9] عَطِيَّة) كعب، وقيل: الحارث [10]، صحابيَّةٌ، جليلةٌ، فاضلةٌ، أخرج لها الجماعة.

قوله: (غُسْلِ ابْنَتِهِ): هذه البنت المبهمة هي [11] أمُّ كلثوم، زوج عثمان رضي الله عنهما، وفي «مسلم»: أنَّها زينب، وصُوِّب لهذه الرِّواية، وقد يُجمَع بينهما بأنْ غسلت زينبَ، وحضرت غسل أمِّ كلثوم، (وقد توفِّيت أمُّ كلثوم) [12] في السَّنة التَّاسعة، وزينب في الثَّامنة، ورقيَّة في السَّنة الثَّانية؛ والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ببدر، وفاطمة بعده [13] عليه الصَّلاة والسَّلام بستِّة أشهر على الأصحِّ.

فائدة: قال شيخنا الشَّارح: (لمَّا دُفِنت أمُّ كلثوم؛ قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «دفن البنات من المكرمات») انتهى، وروى الطَّبرانيُّ في «الكبير» و «الأوسط» من رواية ابن عَبَّاس: (قال [14]: لمَّا عُزِّي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بابنته رقيَّة؛ قال: «الحمد لله، دفن البنات من المكرمات»)، ورواه [15] البزَّار إلَّا أنَّه [16] قال: (موت البنات)، وفيه: عثمان بن عطاء الخراسانيُّ، وفيه ضَعف.

تنبيه: ذكر ابن الجوزيِّ في «موضوعاته» في (باب دَفْنُ البَنَاتِ مِنَ المكْرُماتِ) حديث ابن عمر من طريقين، وحديث ابن عَبَّاس، وفيه: (أنَّه لمَّا عُزِّي بابنته رقيَّة؛ قال ذلك)، قال ابن الجوزيِّ: (حديث لا يصحُّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثمَّ تكلَّم عليهما _أعني: حديث ابن عمر، وحديث ابن عبَّاس_ ثُمَّ قال: (وسمعت شيخنا عَبْد الوهَّاب بن المبارك الأنماطيَّ الحافظ يحلف بالله عزَّ وَجَلَّ إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما قال شيئًا من هذا قطُّ) انتهى.

==========

[1] (أنَّ): ليس في (ب).

[2] في (ب): (أميَّة)، ولا يصح هنا، فأمية أبوه، انظر «تقريب التهذيب».

[3] زيد في (ب): (من ذلك)، وضرب عليها في (أ).

[4] في (ج): (للزوم).

[5] في (ب): (ونحوه).

[6] في (ب) و (ج): (الأصغر).

[7] (صريح): ليس في (ب).

(1/516)

[8] ما بين معقوفين تكرر في (ب) سابقًا بعد قوله: (وفي «الرياض»).

[9] (أم): ليس في (ج).

[10] في (ب): (الحرب).

[11] (هي): ليس في (ج).

[12] ما بين قوسين ليس في (ج).

[13] (بعده): ليس في (ج).

[14] (قال): ليس في (ب).

[15] في (ج): (وروى).

[16] (أنَّ): ليس في (ج).

[ج 1 ص 84]

(1/517)

[حديث عائشة: كان النبي يعجبه التيمن في تنعله]

168# قوله: (أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ): هو بثاء مثلَّثة في آخره، وكلُّ ما جاء من ذلك؛ فهو كذلك إلَّا أشعب الطَّامع؛ فإنَّه بالموحَّدة في آخره، وهو فرد، وهو ابن أمِّ حُميد، روى عن عَبْد الله بن جعفر، وسالم بن عَبْد الله، حدَّث عنه: عثمان بن فائد وغيره.

وقوله: (ابْنُ سُلَيْمٍ): هو بضمِّ السِّين، وفتح اللَّام، وليس في «البخاريِّ» و «مسلم» أحدٌ يقال له: سَلِيم؛ بفتح السِّين، وكسر اللَّام إلَّا سَلِيم بن حيَّان، وسيأتي.

قوله: (وَتَرَجُّلِهِ): التَّرجُّل: تسريح الرَّأس بماء، أو دهن، أو شيء يليِّنه، ويرسل ثائره، ويمدُّ منقبضه.

قوله: (وَطُهُورِهِ) [1]: الفعل [2] هو بضمِّ الطاء، ويجوز فتحها.

==========

[1] في (ب): (وطهور).

[2] (الفعل): ليس في (ب).

[ج 1 ص 84]

(1/518)

[باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة]

(باب التِمَاسِ النَّاسِ [1] الوَضُوءِ إِذَا حَانَت الصَّلاة) ... إلى (بَاب الرَّجُلُ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ)

قال ابن المُنَيِّر: (موقع التَّرجمة من الفقه التَّنْبِيه على أنَّ الوضوء لا يجب قبل الوقت) انتهى.

قوله: (الوَضُوء): في التَّرجمة هو بفتح الواو: الماء، ويجوز فيه الضَّمُّ، وقد تقدَّم [2] مرَّات.

قوله: (فَالتُمِسَ المَاءُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (المَاءُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

==========

[1] (الناس): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ج): (تقدمت).

[ج 1 ص 84]

(1/519)

[حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر فالتمس]

169# قوله: (الوَضُوءَ): في الحديث هو بفتح الواو: الماء، وقد تقدَّم أعلاه وقبله: (أنَّه يجوز الضَّمُّ).

قوله: (فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رَسُولُ): مرفوع، قائم مقام الفاعل.

قوله: (بِوَضُوءٍ): هو بفتح الواو: وهو الماء، ويجوز الضَّمُّ، وقد تقدَّم أعلاه وقبله مرَّات.

قوله: (يَنْبعُ): هو بضمِّ الموحَّدة، وفتحها، وكسرها، حكاه الجوهريُّ.

قوله: (مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ): اعلم أنَّ في كيفيَّة هذا النَّبْعِ قولين _حكاهما القاضي وغيره_؛ أحدهما _ونقله القاضي عنِ المزنيِّ [1] وأكثر العلماء_: أنَّ معناه: أنَّ الماء كان يخرج مِن نَفس أصابعه الشريفة صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَنبع [2] من ذَاتها، قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجر، ويؤيِّد هذا: أنَّه جاء في رواية: (فرأيت الماء ينبع من أصابعه)، والثَّاني: أنَّه يحتمل أنَّ الله تعالى أكثر الماء في ذاته، فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسها، وكِلَاهما معجزة ظاهرة، وآية باهرة، والله أعلم.

فائدة: قال ابن عبد البَرِّ في أوَّل «الاستيعاب» _وقد ساق حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: (لو كنَّا مئة ألف؛ لكفانا) _ ما لفظه: (وقد ذكرنا طرق ذلك في «التَّمهيد» بما بان به أنَّ ذلك كان منه صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّات في مَواطِن شتَّى) انتهى.

وقال شيخنا الشَّارح عنِ ابن حِبَّان _يعني: بكسر الحاء، وتشديد الموحَّدة_ في «صحيحه» قال: (وهذا اتفق له صلَّى الله عليه وسلَّم في مواطن متعدِّدة؛ ففي بعضها: «أُتِي بقدح رحراح [3]»، وفي بعضها: «زجاج»، وفي بعضها: «جفنة»، وفي بعضها: «ميضأة»، وفي بعضها: «مزادة»، وفي بعضها: «كانوا خمسَ عشرةَ مئة»، وفي بعضها: «ثمان مئة»، وفي بعضها: «زهاء ثلاث مئة»، وفي بعضها [4]: «ثمانين»، وفي بعضها: «سبعين») انتهى.

وسيجيء في حديث جَابر في هذا

[ج 1 ص 84]

«الصَّحيح» في حديث جَابر في قصَّة نبع الماء من بين أصابعه صلَّى الله عليه وسلَّم: (أنَّهم كانوا ألفًا وأربع مئة)، وفي رواية عنه: (أنَّهم كانوا خمسَ عشرةَ مئة)، وهذه القصَّة كانت بالحُدَيْبِيَة، وفي عِدَّة أصحاب الحُدَيْبِيَة اختلاف، سأذكره في مكانه إنْ شاء الله تَعَالَى وقدَّره.

==========

[1] في (ج): (المزي).

[2] (وتنبع): ليس في (ج).

(1/520)

[3] في (ب): (دحراح)، وفي (ج): (زجاج).

[4] في (أ): (بعض).

(1/521)

[باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان]

قوله: (يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ): (يُغْسَلُ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (شَعَرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، وهذا ظاهر.

قوله: (وَكَانَ عَطَاءٌ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا): (عَطَاءٌ) هذا: هو ابن أبي رباح، مفتي أهل مكَّة، ومن أئمَّتهم المشهورين (رحمة الله عليه وعليهم) [1]، توفِّي بمكَّة سَنة خمسَ عشرةَ ومئة، وقيل: غير ذلك، تقدَّم، وسيأتي قريبًا.

قوله: (وَسُؤْرِ الكِلَابِ): هو مهموز، ويترك همزه؛ وهو البقيَّة ممَّا تتناوله، وهو مجرور، وهو من بقيَّة التَّرجمة.

قوله: (وَمَمَرِّهَا): هو بالجرِّ معطوف على (سُؤْرِ).

قوله: (وَقَالَ [2] الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.

قوله: (لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ): هو بفتح الواو؛ وهو الماء، ويجوز ضمُّها.

قوله: (غَيْرهُ): يجوز فيه الرفع والنَّصب، وبِهما هو مضبوط في أصلنا.

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ: هذا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ): قال شيخنا الشَّارح: (إنَّه الثَّوريُّ).

قوله: (يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ): هما مبنيَّان للفاعل، وكذا في أصلنا.

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ب).

[2] في (ج): (فقال).

[ج 1 ص 85]

(1/522)

[حديث: عندنا من شعر النبي أصبناه من قبل أنس]

170# قوله: (إِسْرَائِيلُ): هو ابن يونس، عن جدِّه أبي إسحاق، وزياد بن عِلاقة، وآدم بن عليٍّ، وجماعة، وعنه: يحيى بن آدم، ومحمَّد بن كثير، وأمم، تقدَّم الكلام عليه، وعلى بعض ترجمته، وأنَّ له ترجمةً في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ عَاصِمٍ): هذا هو [1] ابن سُلَيْمَان الأحول، البصريُّ الثِّقة الحافظ، روى عن عَبْد الله بن سرجس، وأنس، وغيرهما، وعنه: شُعْبَة، وابن عُليَّة، وخلق، قال أحمد: (ثقةٌ من الحفَّاظ)، مات سنة (142 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن سيرين، العلم المشهور (رحمة الله عليه، مشهور) [2] التَّرجمة، وتقدَّم عدد أولاد سيرين فيما مضى.

قوله: (قُلتُ لِعَبِيدَةَ): هو بفتح العين، وكسر الموحَّدة، [ومثله: عامر بن عَبِيدة، ذكره البخاريُّ في (كتاب الأحكام)، ومثله: عَبيدة بن حميد؛ روى له البخاريُّ، ومثله: عَبيدة بن سفيان الحضرميُّ، حديثه في «الموطَّأ» و «صحيح مسلم»، وليس لهم في «البخاريِّ»، و «مسلم»، و «الموطَّأ» إلَّا هؤلاء، والمذكور في «البخاريُّ» [3] هنا هو (عَبِيدة بن عَمرو)] [4]، وهو عَبِيدة بن عمرو [5]، وقيل: ابن قيس السَّلْمانيُّ؛ بفتح السِّين، وإسكان اللَّام، قال ابن المدينيِّ: (حيٌّ من مراد)، ويقال: سلمان في قضاعة، هكذا قاله محمَّد بن حبيب في نسبه: (سلْمان)؛ بإسكان اللَّام، وأصحاب الحديث يحرِّكون اللَّام، [قال عَبَّاس الدوريُّ عنِ ابن مَعِين قال: (لَمْ يكن عيسى بن يونس يقول: عَبيدة السَّلْماني، كان يقول: السَّلَماني)، قال الغسَّانيُّ وغيره: (والمعروف فيه سكون اللَّام] [6]، بل قد جزم غير واحد به)، وهو أحد الأئمَّة، أسلم في حياته صلَّى الله عليه وسلَّم، وروى عن عليٍّ، وابن مسعود، وعنه: إبراهيم، وابن سيرين، وأبو إسحاق، قال ابن عيينة: (كان يوازي شريحًا في العلم والقضاء)، توفِّي سنة (72 هـ)، وقيل: سنة (73 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (مِنْ قِبَلِ): هو بكسر القاف، وفتح الموحَّدة، وكذا التي بعده؛ أي: من عنده.

==========

[1] (هو): مثبت من (ج).

[2] ما بين قوسين ليس في (ب).

[3] (في «البخاري»): ليس في (ب).

[4] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[5] في (ب): (عمر).

[6] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[ج 1 ص 85]

(1/523)

[حديث: أن رسول الله لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول .. ]

171# قوله: (حَدَّثَنَا عَبَّادٌ): هذا هو ابن العَوَّام [1] الواسطيُّ، وهو بفتح العين، وتشديد الموحَّدة، أبو سهل، عن حصين، وعبد الله بن أبي نجيح، وعدَّة، وعنه: أحمد، وابن عرفة، وثَّقه أبو حاتم، قال أحمد: (حَدِيثه عنِ ابن أبي عَروبة مُضطرب)، مات سنة (185 هـ)، أخرج له الجماعة.

[قوله: (عن ابْنِ عَوْنٍ): هو عَبْد الله بن عون أبو عون، مولى عَبْد الله بن مغفل المزنيِّ، أحد الأعلام، لا عَبْد الله بن عون؛ ابن أمير مصر؛ هذا روى له مُسْلِم، والنَّسائيُّ، والأوَّل روى له الجماعة] [2].

قوله: (عَنِ ابْنِ سِيرِينَ): تقدَّم أعلاه أنَّه محمَّد بن سيرين المشهور التَّرجمة العلم الفرد.

قوله: (لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ): اعلم أنَّ هذا الحَلق كان بمنًى يوم الأضحى، وكان الحَالِق معمر بن عَبْد الله، وقيل: خراش بن أميَّة بن ربيعة الكلبيُّ، وصحَّح بعضهم: أنَّ خراشًا حلق رأسه المُكَرَّم بالحُدَيْبِيَة، ومعمرًا في حجَّة الوداع، وكذا في «مسند أحمد» من حديث معمر هذا: أنَّه حلق رأسه المكرَّم في حجَّة الوداع، والذي حلق رأسه المكرَّم في عمرة الجعرانة: هو أَبُو هَنْد عَبْد بني بياضة، وقيل: خراش بن أميَّة، وأمَّا الذِي حلق رأسه في القضيَّة؛ فلا أستحضره الآن.

==========

[1] في (ج): (القوام).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[ج 1 ص 85]

(1/524)

[حديث: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا]

172# 173# قوله: (عن أَبِي الزِّنَادِ): هو عَبْد الله بن ذكوان، تقدَّم مرَّاتٍ، وأنَّه بالنُّون.

قوله: (عن الأَعْرَجِ): تقدَّم مرَّات أنَّه عَبْد الرَّحمن بن [1] هرمز، مشهور التَّرجمة، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ [2] قَالَ [3]: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): قال أَبُو عليٍّ الغسَّانيُّ في «تقييد المهمل»: (قال البخاريُّ في «الوضوء»، وفي «الصَّلاة» في موضعين في بَاب «هَل يُؤَذِّنُ إِذَا جَمع بَيْنَ المَغْرِب وَالعِشَاء؟»، وفي باب «صلاة القاعد»، وفي «الأوقاف» [4]، و «مناقب سَعْدِ بْنِ عُبَادَة»، و «غَزْوِة خَيْبَر»، و «غَزْوِة الفَتْح»، و «الاستئذان»، و «الاعتصام»، و «الأحكام»: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حدثنا [5] عَبْدُ الصَّمَدِ»؛ يعني: ابن عَبْد الوارث، نسب الأصيليُّ الذِي في «الأوقاف»، و «غزوة الفتح»، و «الأحكام»: ابن منصور، وأهمل سائرها، ولم أجده لابن السَّكن ولا لغيره منسوبًا في شيء من هذه المواضع، وقد نسبه البخاريُّ في «باب مقدم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم»؛ فقال: «حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بن منصور: حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ ... »؛ فذكره، وذكر أَبُو [6] نصر: أنَّ إسحاق بن منصور، وإسحاق [7] بن إبراهيم يرويان عن عبد الصَّمَد، وقد روى مسلم في «باب تَقْلِيْد الغَنَم»: «عن إسحاق بن منصور، عن عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث ... »؛ الحديث) انتهى.

[وقال شيخنا الشَّارح: (واختُلف في إسحاق؛ فقال أَبُو نعيم الأصبهانيُّ: هو ابن منصور الكوسج) انتهى، وقال حافظ مصر متأخِّر: وقع في رواية [8] أبي عليٍّ الشَّيويِّ [9] عنِ الفربريِّ في (باب وقف الأرض): (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ _هو ابن منصور_: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ)، وجزم أَبُو نعيم في «المستخرج»: بأنَّ الذِي في (باب إذا شرب الكلب)، وكذا الذِي في (التَّسليم) و (الاستئذان): هو الكوسج، قال: (وممَّا يدلُّ على أنَّه هو ... )؛ فذكر مكانًا من «البخاريِّ» صرَّح فيه بأنَّه: ابن منصور.

(1/525)

تنبيه: وقع من بعض النَّاس اعتراض على البخاريِّ بسبب إيراده أحاديث عن شيوخ لا يزيد على تسميتهم؛ لما يحصل في ذلك في اللَّبس ولا سيَّما إنْ شاركهم في ذلك ضعيف، وقد تكلَّم [10] [فيه] الحاكم، والكلاباذيُّ، وابن السَّكن، والجيَّانيُّ، وغيرهم، والله أعلم] [11]، فعلى أنَّه ابن منصور؛ فهو ابن منصور الكوسج الحافظ، يروي عنِ ابن عيينة فمن بعده، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وابن أبي داود، وأحمد بن حمدون الأعمشيُّ [12]، وخلق، توفِّي سنة (251 هـ)، أخرج له من الأئمَّة مَن روى عنه.

وأمَّا ابن إبراهيم؛ فالذي ظهر لي أنَّه [13]

[ج 1 ص 85]

ابن راهويه، وهو إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد الإمام أبو يعقوب المروزيُّ، عالم خراسان، مشهور التَّرجمة جدًّا، توفِّي في شعبان سنة (238 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): تقدَّم في كلام أبي عليٍّ الغسَّانيِّ أنَّه ابن عَبْد الوارث، وهو أبو سهل التَّنُّوْرِيُّ، حافظٌ حجَّة، عن هشام الدَّستوائيِّ، وشُعْبَة، وعنه: ابنه عَبْد الوارث، وعبد، وغيرهما، توفِّي سنة (207 هـ)، أخرج له الجماعة، قال أَبُو حاتم: (صدوقٌ، صالحُ الحديث).

قوله: (عن أَبِي صَالِحٍ): هو ذكوان أَبُو صالح السَّمَّان الزيَّات، تقدَّم الكلام على بعض ترجمته.

قوله: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم [14] مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

[قوله: (أنَّ رَجُلًا): هذا الرجل لا أعرفه] [15].

قوله: (يَأْكُلُ الثَّرَى): هو التراب النَّدِيُّ.

قوله: (فَشَكَرَ اللهُ لَهُ): (الاسم الجليل): مرفوع فاعل؛ ومعناه: فشكر اللهُ؛ أي: أثابه الله [16]، وزكَّى ثوابه، وضاعفه، وقيل: قَبِلَ عَمَلَهُ، وقيل: أثنى عليه بذلك، وذكره لملائكته.

(1/526)

[حديث: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد .. ]

174# قوله: (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ): هو بفتح الشِّين المعجمة، ثُمَّ موحَّدة مكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحتُ ساكنة، ثُمَّ موحَّدة أخرى، وهو أحمد بن شبيب بن سعيد [1] الحَبَطيُّ_بفتح الحاء المهملة، ثُمَّ موحَّدة كذلك، ثُمَّ طاء مهملة، والحبطات من تميم_ أبو عَبْد البصريُّ، نزيل [2] مكَّة، عن أبيه، ويزيد بن زُريع، ومروان بن معاوية، وغيرهم، وعنه: البخاريُّ، وأبو زرعة، والذُّهليُّ، وعليُّ بن عَبْد العزيز البغويُّ، وجماعة، قال أبو حاتم: (صدوق)، وقال [3] ابن أبي عاصم: (مات سنة «229 هـ»)، أخرج له مع البخاريِّ النَّسائيُّ.

واعلم أنَّ ما علَّقه هنا عن شيخه أحمد بن شبيب؛ فهو محمول على السَّماع، غير أنَّه أخذه عنه في حال المذاكرة، وقد تقدَّم الكلام على نظيره مُطوَّلًا ضمن (باب لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ)؛ فانظره إنْ أردته.

قال شيخنا الشَّارح: (وقد وصله الإِسْمَاعِيليُّ فقال: «حَدَّثَنَا أبو يعلى: حَدَّثَنَا هارون بن معروف: حَدَّثَنَا ابن وهب: أخبرني يونس عنِ ابن شهاب، عن حمزة»؛ بلفظ: «وكانت الكلاب تبول، وتقبل، وتدبر .. »، ورواه أبو داود: «أحمد [4] بن صالح، عنِ ابن وهب»، ورواه أبو نعيم: «عن أبي إسحاق، عن إسحاق بن محمَّد: حَدَّثَنَا موسى بن سعيد عن أحمد بن شبيب»، وقال: «رواه البخاريُّ بلا سماع»، وقال الإِسماعيليُّ: ليس في حديث البخاريِّ: «تبول»، وهو كما قال وإنْ كان وقع في بعض نسخ «البخاريِّ») انتهى.

قوله: (عن يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، تقدَّم الكلام [5] على بعض ترجمته.

قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): هو أبو بكر محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهْرِيُّ، تقدَّم مرارًا.

قوله: (كَانَت الكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ .. ) إلى آخره: كذا في أصلنا، ومُخرَّج في الهامش نسخة وعليها علامة رواتها: (تبول و) بعد (الكلاب)، وهي [6] على [7] ثبوتها: تبقى الرِّواية: (كَانَت الكِلَابُ تَبُول وتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ)، وقد تقدَّم الكلام على ثبوتها وعدمه أعلاه؛ فانظره.

==========

[1] في (ج): (سعد)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ج): (نزل).

[3] في (أ): (قال).

[4] في (ج): (وأحمد).

[5] زيد في (ب): (عليه).

[6] في (ب): (وهي بعد الكلاب)، وفي (ج): (ووهي).

[7] في النسخ: (فعلى)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.

[ج 1 ص 86]

(1/527)

[حديث: إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل]

175# قوله: (عن ابْنِ أَبِي السَّفَرِ): هو بفتح السِّين المهملة والفاء، هو عَبْد الله بن أبي السَّفَر، سعيد بن يُحمِد، ويقال: أحمد الهمْدانيُّ الكوفيُّ، قال أحمد وابن معين: (ثقةٌ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، و (أَبُو السَّفَر)؛ بتحريك الفاء؛ كما قدَّمت، قال ابن الصَّلاح في «علومه»: (وجدت الكنى من ذلك بالفتح، والباقي بالإسكان)، قال: (ومن المغاربة من سكَّن الفاء من: أبي السَّفْر سعيد بن يحمد)، قال: (وذلك خلاف ما يقوله أصحاب الحديث، حكاه الدَّارقطنيُّ عنهم) انتهى، وكذا قال الذَّهبيُّ في «مشتبه النسبة»، قال لي شيخنا أَبُو [1] الحجَّاج _يعني: المزِّيُّ_: (الأسماء بالسكون، والكنى بالحركة) انتهى.

قوله: (عن الشَّعْبِيِّ) [2]: تقدَّم مرَّات أنَّه عامر بن شراحيل، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه بفتح الشِّين المعجمة.

==========

[1] (أبو): ليس في (ج).

[2] (عن الشَّعبي): ليس في (ج).

[ج 1 ص 86]

(1/528)

[باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين]

قوله: (القُبُلِ وَالدُّبُرِ): (القُبُل) وَ (الدُّبُر): مجروران؛ بدل من (المَخْرَجين).

قوله: (وَقَوْلُ اللهِ): هو مجرور معطوف على (مَن).

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): هو ابن أبي رباح أَبُو محمَّد القرشيُّ مولاهم المكِّيُّ، أحد الأعلام، عن عائشة، وأبي هريرة، وغيرهما، وعنه: الأوزاعيُّ، وابن جريج، وأبو حنيفة، واللَّيث، وأمم، مات سنة (114 هـ)، وقيل: سنة (115 هـ)، وله ثمانون سنة، تقدَّم، أخرج له الجماعة.

قوله: (دُبُرِهِ): هو بضمِّ الدَّال والباء، ويجوز تسكينها؛ معروف.

قوله: (الوُضُوءَ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز فتح الواو، وقد تقدَّم مرارًا.

قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، الإمام، واسم أبي الحسن: يسار؛ بالمثنَّاة تحتُ في أوَّله، ثُمَّ سين مهملة، وكنية الحسن: أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وقيل غير ذلك، وأبوه _يسار_ مِن سبي ميسان، أعتقته الرُّبيِّع بنت [1] النضر، وُلِد الحسن زمن عمر رضي الله عنه، وسمع عثمان رضي الله عنه، وشهد الدار وهو ابن أربعَ عشرةَ سنة، وروى عن عمران بن الحصين، وأبي موسى، وابن عَبَّاس، وخلق، وعنه: ابن عون، ويونس، وأمم، وكان إمامًا كبير الشَّأن، رفيع الذكر، رأسًا في العلم والعمل، مات في رجب سنة عشر ومئة، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، ذكره في «الميزان» لشيءٍ [2] بدا مِنْهُ، لَمْ يَقْصِده في القدر، وقد صحَّح عليه.

قوله: (أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ [3]؛ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ): اعلم أنَّه إذا خلع خفَّيه وهو بطهر المسح؛ ففيه أربعة أقوال للعلماء؛ أحدها: استئناف الوضوء من أوَّله، وبه قال مكحول، وابن أبي ليلى، والزُّهْرِيُّ، والأوزاعيُّ، وأحمد، وإسحاق، والشَّافعيًّ في القديم.

ثانيها: يغسل رجليه مكانه، فإنْ لَمْ يفعل؛ استأنف الوضوء، وبه قال مالك واللَّيث.

ثَالِثها: يغسلهما إذا أراد الوضوء، وبه قال الثَّوريُّ، وأبو حنيفة، والشَّافعيُّ في الجديد، والمزنيُّ، وأبو ثور.

(1/529)

رابعها: أنَّه لا شيء عليه ويصلِّي كما هو، وهو قول الحسن وقتادة، وروي مثله عنِ النَّخعيِّ، وقد اختاره النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»، وهو وجه حكاه شيخنا المؤلِّف فيما قرأته عليه في «شرح المنهاج العُجَالة» عن حكاية الأستاذ أبي إسحاق الإسفراينيِّ في «مصنَّف» له في أصول الفقه، قال: (وهو غريب نقلًا، مختار دليلًا) انتهى، وقد رأيتُ أنا حديثًا في «أحكام عَبْد الحق» يشهد لهذا الحكم، عن عَبْد الرزاق في «مصنَّفه»: (حَدَّثَنَا معمر عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي ظبيان الجنبيِّ قال: رأيت عليًّا رضي الله عنه بال قائمًا

[ج 1 ص 86]

حتَّى أرغى، ثُمَّ توضَّأ، ومسح على نعليه، ثُمَّ دخل المسجد فخلع نعليه وجعلهما في كمِّه، ثُمَّ صلَّى، قال معمر: وأخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عنِ ابن عَبَّاس رضي الله عنهمَا، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمثل صنيع هذا).

قوله: (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

(1/530)

قوله: (ويُذْكر عَن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ [4]): (يُذكر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذه صيغة تمريض؛ لأنَّه لَمْ يصحَّ عنده على شرطه، وإذا أتى به مجزومًا به؛ كـ (قال)، أو (روى)، ونحو ذلك؛ فإنَّه يكون صحيحًا عنِ الذي نقله عنه، ويبقى الشأن منه إلى من فوقه، فتارة يكون على شرطه، وتارة لا يكون، وقد قدَّمت مثل ذلك، فإنَّه لا يَجزِم بذلك عنه إلَّا وقد صحَّ عنده عنه ذلك، ثُمَّ صحَّة الحديث أو الأثر مطلقًا تتوقَّف على ثقة رجاله، واتِّصاله من موضع التَّعليق، فإنْ كان فيمن أبرزه من لا يحتج به؛ فليس فيه إلَّا الحكم بصحَّته عمَّن أسند إليه؛ كقول البخاريِّ: وقال بهز، عن أبيه، عن جدِّه، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الله أحقُّ أنْ يُستحيا منه»، قال ابن الصَّلاح: (فليس هذا من شرطه قطعًا، ولذلك [5] لم يورده الحميديُّ في «جمعه بين الصَّحيحين»)، وإنْ ورد ممرَّضًا _كالذي نحن فيه_؛ كقوله: (يروى)، و (يُذكر)، و (ذكر) [6]، و (رُوي)، ونحو ذلك، كما قال فيما يأتي: ويروى عنِ ابن عَبَّاس، وجرهد، ومحمَّد بن جحش عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الفخذ عورة»؛ لأنَّ هذه الألفاظ استعمالها في الضَّعيف أكثر وإن استُعمِلت في الصَّحيح، وكذا قوله: (وفي الباب)؛ فإنَّه يستعمل في الأمرين معًا، قال ابن الصَّلاح: (ومع ذلك فإيراده له في أثناء «الصَّحيح» مُشعِر بصحَّة أصله، إشعارًا يُؤنس به، ويُركن إليه)، وحمل ابن الصَّلاح قول البخاريِّ: (ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلَّا ما صحَّ، وقول الأئمَّة في الحكم بصحَّته)، على أنَّ المراد مقاصد الكتاب، وموضوعه، ومتون الأبواب دون التراجم ونحوها، والله أعلم.

وتعليق جَابر هذا أسنده أبو داود، وصحَّحه ابن حبَّان من حديث ابن إسحاق، أخرجه أبو داود في (الطَّهارة): عن أبي توبة، عنِ ابن المبارك، عن محمَّد [7] بن إسحاق، عن صدقة بن يسار، عن عَقيل بن جَابر بن عَبْد الله الأنصاريِّ، عن أبيه به.

(1/531)

قوله: (كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقاع): اعلم أنَّ ذات الرِّقاع كانت في السَّنة الرَّابعة، وقد ذكرها البخاريُّ قبل (خيبر)، وسيأتي في ذلك كلام في مكانه، فإنَّه متعَّقب لا شكَّ في تعقُّبه وإن قاله بعضهم، وسُمِّيت ذات الرِّقاع؛ لأنَّهم رقعوا فيها راياتهم، ويقال: ذات الرِّقاع [8]: شجرة بذلك الموضع، وقيل: لأنَّ أقدامهم نقبت [9] فكانوا يلفُّون عليها الخرق، وهذا هو الصَّحيح [10]، وقيل: بل الجبل الذي نزلوا عليه، كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرِّقاع، وقيل: لأنَّ صلاة الخوف كانت بها [11]، فسُمِّيت بذلك؛ لترقيع الصَّلاة فيها.

قوله: (فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ): (رُمي) [12]: مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رجلٌ): مرفوع منوَّن نائب مناب الفاعل، والرجل هو عبَّاد بن بشر؛ بالموحَّدة، وبالشِّين المعجمة، والحديث في «أبي داود»، وصحَّحه ابن حبَّان، والنائم المذكور في أصل الحديث في «أبي داود» [13]: هو عمَّار بن ياسر، والسورة التي قال فيه: (لَمْ أقطعها): (الكهف)، ذكر ذلك ابن بشكوال في «مبهماته»، وقيل: المرميُّ عمارة بن حزم، والمشهور أنَّه عبَّاد، حكى ذلك المنذريُّ بزيادة المهاجريِّ والسورة عنِ البيهقيِّ.

قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، واسم أبي الحسن: يسار، تقدَّم قريبًا مع بعض ترجمته.

قوله: (وَقَال طَاوُوسٌ): هو ابن كيسان الإمام أبو عَبْد الرَّحمن اليماني، من أبناء الفرس، وقيل: اسمه: ذكوان فلُقِّب، فقال ابن معين: (لأنَّه كان طاووس القرَّاء)، روى عن أبي هريرة، وابن عَبَّاس، وعائشة، وغيرهم، وعنه: الزُّهْرِيُّ، وسُلَيْمَان التيميُّ، وابنه عَبْد الله بن طاووس، قال عمرو بن دينار: (ما رأيت أحدًا مثله قطُّ) انتهى، كان رأسًا في العلم والعمل، توفِّي بمكَّة سنة (106 هـ)، أخرج له الجماعة.

(1/532)

قوله: (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ): يحتمل أنْ يكون هذا [14] الباقر، ويحتمل أنْ يكون ابن الحنفيَّة، ولم يتعرَّض شيخنا لعزو أثره، [وقد عزاه بعض حفَّاظ العصر إلى «فوائد سمُّويه» [15]] [16]، فإنْ كان الباقر؛ فهو أبو جعفر محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليٍّ الباقر، أمُّه أمُّ عَبْد الله بنت السيِّد الحسن رضي الله عنه، يروي عن أبويه، وجَابر، وابن عمر، وغيرهم، وعنه: ابنه جعفر الصَّادق، والزُّهْرِيُّ، وابن جريج، والأوزاعيُّ، وغيرهم، ولد سنة (56 هـ)، ومات سنة (118 هـ) على الأصحِّ، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة [17]، [وهذا أرجح الاحتمالين فيما ظهر لي، وذلك لأنَّ الباقر من فقهاء أهل المدينة وأئمَّتهم، ولأنَّ وفاته [18] قريبة من وفاة طاووس، بخلاف ابن الحنفيَّة، فإنَّه متقدَّم الوفاة عليهما، ولأنَّ [19] البخاريَّ لو أراد ابن الحنفيَّة؛ قدَّمه على طاووس لِقِدَمه، والله أعلم، (وجزم به بعض حفَّاظ العصر) [20]] [21]، وإنْ كان ابن الحنفيَّة؛ فهو ابن عليِّ بن أبي طالب، وقد تقدَّم بعض ترجمته، توفِّي سنة ثمانين، أخرج له الجماعة.

قوله: (وَعَطَاءٌ): تقدَّم أنَّه ابن أبي رباح، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (بَثرَةً): هي بإسكان الثَّاء المثلَّثة؛ وهي خُراج صغير.

قوله: (فَلَم يَتَوَضَّأْ): تقدَّم أنَّه يجوز فيه: يتوضَّ، ويتوضَّأ، ويتوضَّا، من حيث العربيَّة.

قوله: (وَبَزَقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى): هو عَبْد الله بن أبي أوفى، واسم أبي [22] أوفى: علقمة [23] بن خالد، صحابيّ _عبد الله_ بن صحابيٍّ رضي الله عنهما، الأسلميُّ، عنه: عمرو بن مُرَّة، وابن أبي خالد، توفِّي سنة (86 هـ) بالكوفة، أخرج له الجماعة، وهو مشهور التَّرجمة والمناقب رَضِيَ الله عنه، [وقد عزا أثره بعض حفَّاظ العصر إلى ابن أبي شيبة، قال: (ورواه عبد الرزَّاق)؛ فذكره] [24].

قوله: (وَالحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريِّ يسار، تقدَّم بعض ترجمته قريبًا.

==========

[1] في (ج): (سبي شيبان، أعتقه الربيع بن).

[2] في (ب) و (ج): (بشيء).

[3] في (ج): (خفه).

[4] (بن عبد الله): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وكتب فوقها في (ق): (زائد ... إلى).

[5] في (ب): (وكذلك).

[6] (وذكر): ليس في (ج).

[7] (محمد): ليس في (ب).

[8] زيد في (ج): (الرِّقاع).

[9] في (ج): (تعبت).

[10] زيد في (ج): (إن شاء الله)، وضرب عليها في (أ).

[11] في (ج): (فيها).

(1/533)

[12] في (ب): (فرُمي).

[13] (في «أبي داود»): ليس في (ب).

[14] في (ج): (هو).

[15] في (ب): (طوائف حمويه).

[16] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[17] (السِّتة): ليس في (ب).

[18] في (ج): (وفاتهم).

[19] في (ج): (ولو أنَّ).

[20] ما بين قوسين ليس في (ج).

[21] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: («فرائد سمويه»).

[22] (أبي): ليس في (ب).

[23] في (ب): (علية)، وزيد فيها: (بن أبي أوفى).

[24] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).

(1/534)

[حديث: لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة]

176# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه محمَّد بن عَبْد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، أحد الأعلام.

قوله: (عن سَعِيدٍ المَقْبرِيِّ): تقدَّم الكلام عليه، وعلى نسبه، وأنَّه بضمِّ الموحَّدة وفتحها.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مَا لَمْ يُحْدِثْ): قال ابن قُرقُول: (فسَّره أبو هريرة ومالك: بحدث الوضوء، وفسَّره ابن أبي أوفى: بحدث الإثم، وفي رواية النَّسفيِّ في باب «الصَّلاة في السُّوق»: «ما لَمْ يُؤذِ؛ يُحْدِثْ فيه»، وفي بعض الرِّوايات: «ما لَمْ يحدث فيه أو يؤذ فيه»، قال الدَّاوديُّ: «ما لَمْ يحدِّثْ» بالحديث

[ج 1 ص 87]

من غير ذكر الله) انتهى.

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الحَدَثُ): هو أبو رافع، وذلك لأنَّ في «صحيح مسلم» من طريقه عن أبي هريرة، قلت: ما يُحْدِثُ [1]؟ قال: يفسو أو يضرِط [2]، وأبو رافع هذا: اسمه نُفَيع الصَّائغ المدنيُّ، وهو مولى ابنة عمر بن الخطَّاب، وقيل: مولى ليلى بنت العجماء، وقد ذكر المحبُّ الطَّبريُّ هذا الحديث في «أحكامه»، فقال فيه: (قال أبو رافع لأبي هريرة: ما الحدث؟ قال: يفسو أو يضرِط) انتهى، ويحتمل أنْ يكون غيره.

==========

[1] في (ب) و (ج): (الحدث).

[2] في (ج): (تفسو أو تضرط).

(1/535)

[حديث: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا]

177# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ): تقدَّم مرَّات أنَّه هشام بن عَبْد الملك الطَّيالسيُّ.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا [1] أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب الزُّهْرِيُّ.

قوله: (عَنْ عَمِّهِ): تقدَّم أنَّ عمَّه عَبْد الله بن زيد بن عاصم المازنيُّ؛ مازنُ الأنصار، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

==========

[1] في (ب): (مرات).

[ج 1 ص 88]

(1/536)

[حديث علي: كنت رجلًا مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله]

178# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عَبْد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، تقدَّم [1] بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مرَّات أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ، وَتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ): تقدَّم أنَّه بالثَّاء المثلَّثة؛ كسفيان الثَّوريِّ.

قوله: (عَنْ مُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفيَّةِ): تقدَّم أنَّه محمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ الحنفيَّة: اسمها خولة، وتقدَّم نسبها.

قوله: (مَذَّاءً): أي: كثير المذي، وتقدَّم اللُّغات في المذي.

قوله: (وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عنِ الأَعْمَشِ): تعليق شُعْبَة أخرجه مُسْلِم في (الطَّهارة)، والنَّسائيُّ في (الطَّهارة) وفي [1] (العلم).

[قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أعلاه أنَّه سليمان بن مهران الكاهليُّ] [2].

==========

[1] في (ب): (وتقدم).

[2] (في): ليس في (ج).

[ج 1 ص 88]

(1/537)

[حديث زيد بن خالد: أرأيت إذا جامع فلم يمن؟]

179# قوله: (عَنْ يَحْيَى): هو ابن أبي كَثير _بفتح الكاف، وبالمثلَّثة_ تقدَّم الكلام على شيء من ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وهو ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف، أحد الأئمَّة، وتقدَّم الخلاف في اسمه هل هو عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل.

قوله: (أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ): هو بالمثنَّاة تحتُ، ثُمَّ السِّين [1] المهملة، تقدَّم الكلام عليه.

قوله: (فَلَمْ يُمْنِ): هو بضمِّ أوَّله، وهو الأفصح وبه جاءت الرِّواية والقرآن في قوله: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58]، وفيه لغة [2] ثانية: بفتح أوَّله، وثَالِثة: وهي ضمُّها مع فتح الميم، وتشديد النُّون.

قوله: (فقَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ... ) إلى آخر الكلام: تنبيه: قال الدِّمياطيُّ فيه قبيل كتاب [3] (الحيض) ما لفظه: (روى سعيد بن المُسَيّب عن عثمان، بخلاف هذا في «الموطَّأ» و «مصنَّف سعيد بن منصور») انتهى.

تنبيه ثانٍ: قال أَبُو محمَّد ابن حزم الحافظ الظَّاهريُّ: (وممَّن رأى أنْ لا غسل من الإيلاج في الفرج إنْ لَمْ يكن أنزل: عثمان بن عفَّان، وعليُّ بن أبي طالب، والزُّبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقَّاص، وابن مسعود، ورافع بن خديج، وأبو سعيد الخُدْرِيِّ، وأُبيُّ بن كعب، وأبو أيُّوب الأنصاريُّ، وابن عَبَّاس، والنُّعمان بن بشير، وزيد بن ثابت، وجمهرة [4] الأنصار رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح، وأبو سلمة بن عَبْد الرَّحمن، وهشام بن عروة، وبعض أصحاب الظَّاهر، وقد روي عن بعضهم ما يخالفه [5]) انتهى.

وقال [6] النَّووي في «شرح مسلم»: (إنَّ الأمَّة مجمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإنْ لَمْ يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكان جماعة من الصَّحابة على أنَّه لا يجب إلَّا بالإنزال، ثُمَّ رجع بعضهم، وانعقد الإجماع بعد الآخرين)، وذكر بعيد ذلك في الشَّرح المذكور قال: (وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصَّحابة ومن بعدهم، ثُمَّ انعقد الإجماع على ما ذكرناه [7]) انتهى، واعلم أنَّه منسوخ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ»، وغيره.

(1/538)

تنبيه ثَالِث: قال ابن قيِّم الجوزيَّة في «معاليم [8] الموقعين» في فصل يتعلَّق بالفتوى ما لفظه: (والنَّسخ الواقع في الأحاديث التي أجمعت عليه الأمَّة [9] لا تبلغ عشرة أحاديث ألبتة، بل ولا شطرها) انتهى.

==========

[1] في (ج): (بالسِّين).

[2] (لغة): ليس في (ج).

[3] في (ج): (باب).

[4] في (ج): (وجمهور).

[5] في (ب): (يخالفهم).

[6] في (ب): (قال).

[7] في (ج): (ذكرنا).

[8] في (ج): (معالم).

[9] في (ب): (الأئمة).

[ج 1 ص 88]

(1/539)

[حديث: إذا أعجلت أو قحطت فعليك الوضوء]

180# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ): كذا في أصلنا، وفي نسخة وهي داخل أصلنا: (ابن منصور بن بهرام [1]، أَخْبَرَنَا النَّضر)، وقد قال أَبُو عليٍّ الغسَّانيُّ في «تقييده»: (وقال _أَي: البخاريُّ_ في «الصَّلاة»، وسورة «البقرة» في موضعين، و «الفضائل»، و «اللِّباس»، و «الأدب»، و «خبر الواحد»: «حَدَّثَنَا إسحاق: حَدَّثَنَا النَّضر»، نسبه ابن السَّكن في بعض هذه المواضع: إسحاق بن إبراهيم، وفي نسخة الأصيلي في باب «من لَمْ يرَ الوضوء إلَّا من المخرجين» _يعني: هذا المكان_ قال البخاريُّ: «حَدَّثَنَا إسحاق بن منصور: أَخْبَرَنَا النَّضر»، وقال أَبُو نصر: «النَّضر بن شميل يروي عنه إسحاق بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم») انتهى ملخَّصًا.

وقال شيخنا الشَّارح: (رواه أَبُو نعيم الأصبهانيُّ في «المستخرج»: «وقال إسحاق بن إبراهيم: أَخْبَرَنَا النَّضر»، ورواه من طريق إِسْمَاعِيل بن إبراهيم عنِ النَّضر، وقال في آخره: (أخرجه _يعني: البخاريُّ_ عن إسحاق الكوسج، عنِ النَّضر)، فهذا يدلُّ على أنَّ الإسحاقين روياه عنِ النَّضر، وأنَّ إسحاق الذي روى عنه [2] البخاريُّ الكوسجُ، كما صرَّح به أَبُو نعيم، ولم يقل أنَّه الذي رواه من طريقه، ويؤيِّد ذلك ما ذكره الجيَّانيُّ: (أنَّ في نسخة الأصيليِّ في هذا السَّند: «إسحاقَ بن منصور: أَخْبَرَنَا النَّضر»، ثُمَّ ذكر كلام الكلاباذيِّ) انتهى، وقد راجعت «أطراف المِزِّيِّ»؛ فرأيته لَمْ ينسبْه، بل قال: (إسحاق) فقط.

قوله: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن شميل، وكذا قال [3] المِزِّيُّ في «أطرافه»، والنَّضر بن شميل هو أَبُو الحسن المازنيُّ البصريُّ النَّحويُّ، شيخ مروَ ومحدِّثها، ثقة، صاحب سنَّة [4]، تقدَّم بعض ترجمته، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنِ الحَكَمِ): هو ابن عُتَيْبة _بِضَمِّ العين، ثُمَّ بمثنَّاة فوقُ مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحتُ ساكنة، ثُمَّ موحَّدة، ثُمَّ تاء التَّأنيث_ الكنديُّ مولاهم، فقيه الكوفة، ثقة، تقدَّم، وتقدَّم أنَّ لهم آخر يقال له: الحكم بن عتيبة، ذكره الذَّهبيُّ في «الميزان» مُتكلَّم فيه، وأنَّ البخاريَّ جعلهما واحدًا، فعُدَّ من أوهامه.

قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ): تقدَّم أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيِّ، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ الخُدْرِيَّ بالدَّال المهملة.

(1/540)

قوله: (أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِن الأَنْصَارِ): هذا الرَّجل هو عتبان بن مالك الأنصاريُّ الخزرجيُّ السَّالميُّ البدريُّ، ولم يذكره ابن إسحاق فيهم، وساق له ابن بشكوال شاهدًا، وقيل: رافع بن خديج، وساق له شاهدًا آخر، وقيل: اسمه صالح، وساق له شاهدًا آخر، وقال الخطيب: (عتبان، وقيل: ابن عتبان)،

[ج 1 ص 88]

قال النوويُّ: (وهو غلط، والصَّواب: عتبان)، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (وفي «مختصر الاستيعاب»: أَبُو عثمان الأنصاريُّ، ذكره ابن السَّكن، وذكر له قصَّة مثل هذه) انتهى.

قوله: (إِذَا أُعْجِلتَ أَوْ قُحِطْتَ): كذا في أصلنا، وفي نسخة وهي في أصلنا في الأصل: (أقحطت) [5]؛ بالهمز، (أُعجِلت أو أُقحطت)؛ بضمِّ الهمزة، وكسر الجيم، و (أُقحِطت)؛ بضمِّ الهمزة، وكسر الحاء، كذا قيَّدناه بالهمزة [6] فيهما، وروي: بحذفها، وعُزِي إلى [7] الأمَّهات، وذكر صاحب «الأفعال»: (أنَّه يقال: أقحط الرَّجل؛ إذا كسل في الجماع عنِ الإنزال)، ولم يذكر: قحط، وقال ابن الجوزيِّ: (أصحاب الحديث يقولون: قَحطت؛ بفتح القاف)، وقال لنا عَبْد الله بن أحمد النَّحويُّ: (الصَّواب: ضمُّ القاف)، وفي «مسلم»: (أَقحَطت)؛ بفتح الهمزة والحاء، وعند ابن بشَّار: بضمِّ الهمزة، وكسر الحاء، والرِّوايتان صحيحتان، ومعنى الإقحاط: عدم إنزال المني، وهو استعارة من قحوط المطر؛ وهو انحباسه، وحَكى الفرَّاء: (قحِط المطر؛ بالكسر، وأصله الفتح)، وهذا مختصر من كلام شيخنا الشَّارح، ولابن قُرقُول وغيره فيه كلام، ولكنَّ هذا أجمع.

قوله: (فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ): بالنصب على الإغراء، ويجوز رفعه [8] على الابتداء.

قوله: (تَابَعَهُ وَهْبٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): الضَّمير في (تابعه) يعود على النَّضر بن شميل، و (وهب) هذا: هو ابن جرير بن حازم الأزديُّ، الحافظ، عنِ ابن عون وهشام بن حسَّان [9]، وعنه: أحمد والدقيقيُّ [10]، ثقة، مات سنة (206 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه غير واحد، وله ترجمة في «الميزان»، ومتابعة وهب عن شُعْبَة لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولا خرَّجها شيخنا، [وقال بعض حفَّاظ العصر: (أخرجها ابن منده عَبْد الوهَّاب بن أبي عَبْد الله، وأبو القاسم القشيريُّ الأستاذ)، وساق سندهما بذلك] [11].

(1/541)

قوله: (لَمْ يَقُل [12] غُنْدرٌ وَيَحْيَى عن شُعْبَةَ [13]): أمَّا (غُنْدر)؛ فهو محمَّد بن جعفر تقدَّم، وتقدَّم مَن لقَّبه بهذا، وأنَّ غُنْدرًا المُشَغِّب، وأنَّ دالَه بالضِّمِّ والفتح، وحديثه عن شُعْبَة أخرجه مُسلم، وأخرجه ابن ماجه، و (يحيى): هو ابن سعيد القطَّان، حافظ الإسلام [14]، تقدَّم الكلام على بعض ترجمته.

==========

[1] في (ج): (مهرا).

[2] (عنه): ليس في (ج).

[3] في (ج): (قاله).

[4] في (ب): (صاحب حديث وسنة).

[5] في (ج): (قحطت).

[6] في (ج): (بالهمز).

[7] (إلى): ليس في (ج).

[8] في (ب) و (ج): (رفعها).

[9] في (ب): (حيان).

[10] في (ب): (والدقيق).

[11] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).

[12] في هامش (ق): (قوله: «ولم يقل ... » إلى آخره: ليس في الأصل).

[13] (عن شعبة): ليس في (ج).

[14] (حافظ الإسلام): ليس في (ج).

(1/542)

[باب الرجل يوضئ صاحبه]

(باب الرَّجُلُ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ) ... إلى (باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ)

ذكر في هذا الباب حديث أسامة، وَحديث المغيرة رضي الله عنهما، قال ابن المُنَيِّر في «تراجمه»: (قاس البخاريُّ توضئة الغير له على صبِّه عليه؛ لاجتماعهما في معنى الإعانة على أداء الطَّاعة، والله أعلم).

==========

[ج 1 ص 89]

(1/543)

[حديث: المصلى أمامك]

181# قوله: (حَدَّثَنِي ابنُ سَلَامٍ): وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (محمَّد بن سلام)، وهو هو، وقد [1] تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ والده الأصحُّ فيه التَّخفيف.

قوله: (عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ): غلب على ظنِّي أنَّه يحيى بن سعيد الأنصاريُّ، فإنْ كان هو؛ فهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاريُّ، أبو سعيد قاضي السَّفاح، عن أنس، وابن المُسَيّب، وعنه: مالك، ويحيى بن سعيد القطَّان، وهو حافظ إمام، فقيه [2] حجَّة، مات سنة (143 هـ)، أخرج له الجماعة، والله أعلم.

قوله: (الشِّعْبِ): تقدَّم أنَّه بكسر الشِّين المعجمة، وإسكان العين، وأنَّه الطَّريق في الجبل.

==========

[1] (قد): ليس في (ج).

[2] (فقيه): ليس في (ج).

[ج 1 ص 89]

(1/544)

[حديث: كان مع رسول الله في سفر وأنه ذهب لحاجة له]

182# قوله: (في سَفَرٍ [1]): هذه السَّفرة كانت غزوة تبوك، كما في «الصَّحيح»، وهي في سنة تسع من الهجرة.

==========

[1] في (ب): (السفر).

[ج 1 ص 89]

(1/545)

[باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره]

[قوله: (بَاب قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيْرِهِ): ثمَّ أخرج حديث ابن عَبَّاس: (أنَّه بات عند ميمونة ... )؛ الحديث، اعترض الإِسْمَاعِيليُّ على البخاريِّ بأنَّه إذا فرَّق بين نوم النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونوم غيره؛ لَمْ يقع هذا الحديث في هذا الباب، أجاب الإمام تقيُّ الدين السُّبكيُّ: (لعلَّ البخاريَّ احتجَّ بفعل ابن عَبَّاس بحضرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو تقول: إنَّ هنا [1] زيادةً على النَّوم وهو اضطجاعه مع أهله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّ [2] اللَّمس ينقض الوضوء) انتهى، وقال شيخنا المؤلِّف: (ووجهه قراءته عليه الصَّلاة والسَّلام العشر الآيات من آخر «آل عمران» بعد قيامه من نومه [3] قبل وضوئه) انتهى، وهذا ماشٍ على قول من قال: إنَّه لا فرق بينه عليه الصَّلاة والسَّلام وبين [4] غيره في النَّوم، وهو وجه ضعيف، والله أعلم] [5].

قوله: (مَنْصُورٌ): هذا هو ابن المعتمر، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): هو ابن يزيد النَّخعيُّ، تقدَّم بعض ترجمته.

[قوله: (لَا بَأْسَ بِالقِرَاءَةِ في الحَمَّام): اعلم أنَّ في قراءة القرآن في الحمَّام للشافعيَّة فيها آراء؛ الكراهة، وخلاف الأدب، والإباحة [6]، والتفرقة بين السِّر والجهر، وبين المكان النَّظيف الخالي عن كشف العورة وغيره، ذكر ذلك تاج الدين السُّبكيُّ في «طبقات الشَّافعيَّة» في ترجمة محمَّد بن منصور ابن السَّمعانيِّ] [7].

قوله: (وَقَالَ حمَّاد عَنْ [8] إِبْرَاهِيمَ): أمَّا (حمَّاد)؛ فهو ابن أبي سُلَيْمَان مُسْلِم الأشعريُّ مولاهم، الكوفيُّ، الفقيه، أبو إِسْمَاعِيل، عن أنس، وابن المُسَيّب، وإبراهيم، وعنه: ابنه إِسْمَاعِيل، ومسعر، وأبو حنيفة، وشُعْبَة، وكان ثقةً إمامًا مجتهدًا كريمًا جوادًا، توفِّي سنة (120 هـ)، أخرج له مسلم والأربعة، له ترجمة في «الميزان» فيها: (تُكلِّم فيه [9] للإرجاء، ولولا ذكر ابن عديٍّ له في «كامله»؛ لما أوردته)، ثُمَّ شرع يتكلَّم عليه، وأمَّا (إبراهيم)؛ فهو ابن يزيد النَّخعيُّ، تقدَّم بعض ترجمته.

==========

[1] في (ب): (هذا).

[2] (أنَّ): ليس في (ب)، وهي سواد في (أ).

[3] في (ب): (النَّوم).

[4] (بين): ليس في (ب).

[5] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[6] في (ب): (والوجه).

[7] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[8] في (ج): (بن)، وهو تحريفٌ.

(1/546)

[9] في النسخ: (فيها)، والمثبت موافق لما في «الميزان».

[ج 1 ص 89]

(1/547)

[حديث ابن عباس: أنه بات ليلة عند ميمونة]

183# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل): تقدَّم غيرمرَّة أنَّه ابن أبي أويس عَبْدِ الله، ابن أخت مالك الإمام المجتهد صاحبِ المذهب.

قوله: (في عَرْضِ الوِسَادَةِ): هو بفتح العين، وكذا في أصلنا بالقلم، قال ابن قُرقُول: (بفتح العين عند أكثر شيوخنا، وهو ضدُّ الطُّول، ووقع عند بعضهم _منهم: الدَّاوديُّ، وحاتم الأطرابُلسيُّ، والأصيليُّ_ في موضع من «البخاريِّ»: بضمِّ العين؛ وهو النَّاحية والجانب، والفتح [1] أظهر).

قوله: (إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ): تقدَّم أنَّ الشَّنَّ _بفتح الشِّين المعجمة، وتشديد النُّون_: القربة البالية.

قوله: (وَأَخَذَ بِأُذُنِي اليُمْنَى يَفْتِلُهَا): تقدَّم أنَّ الذين حَوَّلهُم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الشَّمال إلى اليمين أربعة [2] من الصَّحابة: ابن عَبَّاس في «البخاريِّ» و «مسلم»، وجَابر بن عَبْد الله في «مُسلم»، وجبَّار بن صخر في «مُسند أحمد»، (وحذيفة بن اليماني في «زوائد المعجمين» [3]) [4].

==========

[1] (والفتح): ليس في (ب).

[2] في (ج): (ثلاثة)، وكذا كانت في (أ) قبل الإصلاح.

[3] في (ب): (رواية المعجم).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 89]

(1/548)

[باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل]

قوله: (مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ): يجيء فيه ثلاثة أوجه: يتوضَّ، ويتوضَّأ، ويتوضَّا.

قوله: (إِلَّا مِنَ الغَشِيِّ): هو بكسر الشِّين، وتشديد الياء، ويقال: (الغشْي)؛ بإسكان الشِّين، وهما بمعنًى، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 89]

(1/549)

[حديث: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا]

184# [قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): هذا [1] هو ابن أبي أويس، تقدَّم، ومالك خاله، تقدَّم] [2].

قوله: (عن امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ): تقدَّم أنَّها فاطمة بنت المنذر بن الزُّبير بن العوَّام، زوج هشام، وتقدَّم بعض ترجمتها، وتكلَّمتُ في رواية ابن إسحاق عنها، وأنَّه قد تُكلِّم فيه بسبب ذلك، انتهى [3]، ولا يقدح ذلك فيه، والله أعلم.

قوله: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ): اعلم أنَّه يقال: الكسوف والخسوف جميعًا في الشَّمس والقمر، وفي القرآن: {وَخَسَفَ القَمَرُ} [القيامة: 8]، وقال بعض أهل اللُّغة: لا يقال في الشَّمس إلَّا خُسِفت، وفي القمر إلَّا كُسِف)، وقد انفرد عروة به، والقرآن يردُّه، ولعلَّه [4] خطأ من النَّاقلين عنه، وقال اللَّيث بن سعد: (يقال الخسوف فيهما، والكسوف في الشَّمس فقط)، وقال ابن دريد: (يقال [5]: خسف القمر، وانكسفت الشَّمس)، وقال يعقوب: (لا يقال: انكسفت الشَّمس، وقال بعضهم: لا يقال: انكسف القمر أصلًا، ولا يقال إلَّا: خُسِف القمر، وكُسِفتِ الشَّمس، وكسفها الله؛ فهي مكسوفة، وأكسفها الله إكسافًا، والخسوف: المغيب، والكسوف: التَّغيُّر [6]، والأحاديث تدلُّ على أنَّهما سواء)، وقال الشَّيخ النَّوويُّ: (خسف القمر، وخسفت الشَّمس، وكسفا، وانكسفا، وانخسف، وانخسفتْ، وانكسف، وانكسفتْ، وخسفا، وكُسِفا، كلُّها لغات صحيحة، وثبتت [7] كلُّها في «البخاريِّ» و «مسلم» من لفظ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وقال الأزهريُّ: (قال أَبُو زيد: يقال: خسفتِ الشَّمس، وكسفت، وخسفت بمعنًى واحد)، وقد عقد لذلك البخاريُّ بابًا يأتي.

فائدة: روى عنه عليه الصَّلاة والسَّلام الكسوف نيِّفٌ وعشرون صحابيًّا، عدَّ منهم التِّرمذيُّ سبعة عشر نفرًا، وسيأتي الكلام على حين كسوفها، وما قاله الأئمَّة في ذلك، وأنَّ الصَّحيح: أنَّ الشَّمس لَمْ تنكسف في عهده عليه الصَّلاة والسَّلام إلَّا مرَّة، كذا قاله المحقِّقون؛ كالشَّافعيِّ، وأحمد، وغيرهما، وأنَّه لَمْ يُصلِّ لها إلَّا مرَّة إنْ شاء الله تَعَالَى في بابه.

[تنبيه: كسفتِ الشَّمس في السَّنة السَّادسة في رمضان، وسيأتي مُطوَّلًا في بابه وما فيه] [8].

[ج 1 ص 89]

(1/550)

قوله: (حَتَّى تَجَلَّانِي الغَشْيُ [9]): قال ابن قُرقُول: (هكذا هو في «الموطَّأ»، ولم أجد لهذه اللَّفظة في شيء من كتب اللُّغة ولا من كتب الشُّروح بيانًا، ومعناها عندي _والله أعلم_: غشيني وغطَّاني، وأصله: يجَلِّلُنِي، وجُلُّ الشَّيء وجلالُه: ما غُطِّي به، ومنه: جلال السُّتور والحجال وجُلُّ الدابَّة، فيكون تجلَّى وتجلَّل بمعنًى واحد؛ كما يقال: غطَّى ... ) إلى أنْ قال: (وقد يكون «تجلَّاني»: ذهب بقوَّتي وصبري، من الجلاء، وقد قيل في قوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا} [الشمس: 3]: جلَّى ظلمتها عنِ الدُّنيا، وقيل: {جَلَّاهَا}: أظهر شمسها، فيكون معنى [10] «تجلَّاني»: ظهر بي، وبان عليَّ، وأصله: الظُّهور، وقد ذكر البخاريُّ في هذا الحديث: «حتَّى علاني الغشي»، فيكون «تجلَّاني» بمعنى: علاني) انتهى.

قوله: (الغَشِيُّ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا بلغتيه، وقال ابن قُرقُول: (بكسر الشِّين، وشدِّ [11] الياء، كذا قيَّده الأصيليُّ، ورواه بعضهم: «الغشْي»، وهما بمعنًى واحد؛ يريد: الغشاوة؛ وهو الغطاء، ورُوِّيناه عنِ الفقيه أبي محمَّد عنِ الطَّبريِّ: «العشي»؛ بعين مهملة، وليس بشيء، وقد ذكرت ذلك في باب «من أجاب الفتيا بإشارة [12] اليد والرَّأس»).

قوله: (حَتَّى الجَنَّة وَالنَّار): يجوز فيهما ثلاثة أوجه: الجرُّ، والنَّصب، والرفع [13]، والله أعلم، وقد تقدَّم في الباب المذكور أعلاه.

قوله: (أُوحِيَ إِليَّ): (أُوحِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (تُفْتَنُونَ في القُبُورِ): تقدَّم الكلام على فتنة القبر، هي شائعة في جميع الخلق مؤمنهم، وكافرهم، ومنافقهم، أو هي مختصَّة بالمؤمنين والمنافقين؟ في الباب المشار إليه أعلاه، وتقدَّم فيه: أنَّ الصِّغار هل يُسألون، وتقدَّم الكلام فيه [14] على الأمم قبلنا أيضًا من كلام ابن قيِّم الجوزيَّة، وكذا تقدَّم كلام في رفيعي الخلق مقامًا، والله أعلم [15].

قوله: (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ): تقدَّم الكلام على الدَّجال، (وكلام القرطبيِّ في «تذكرته») [16] في الباب المذكور أعلاه، وسيأتي في (الفتن) الكلام عليه أيضًا بزيادات.

قوله: (أَيَّ ذَلِكَ؟): هو بنصب (أيَّ)، ويجوز في لغة ضمُّها مطلقًا.

قوله: (إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا): (إِنْ) _بكسر الهمزة من (إِنْ)، وتخفيف النُّون_: مخفَّفة من الثَّقيلة، تقدَّم الكلام فيه في الباب المذكور أعلاه.

==========

(1/551)

[1] (هذا): ليس في (ب).

[2] ما بين معقوفين سقط في (ج).

[3] (انتهى): ليس في (ج).

[4] في (ب): (ونقله).

[5] (يقال): ليس في (ج).

[6] في (ب): (البعير).

[7] في (ب): (وبينت).

[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[9] في هامش (ق): (أي: تجللني؛ أي: جعله جُلًّا؛ أي: غطَّاني، من باب تقضِّي البازي).

[10] في (ج): (بمعنى).

[11] في (ج): (وتشديد).

[12] (بإشارة): سقط من (ج).

[13] في (ب): (والرفع والنصب).

[14] (فيه): ليس في (ب) و (ج).

[15] (والله أعلم): ليس في (ج).

[16] ما بين معقوفين ليس في (ج).

(1/552)

[باب مسح الرأس كله]

قوله: (وَقَالَ ابْنُ المُسَيّبِ): هو سعيد بن المُسَيّب، العالم الفرد المشهور، تقدَّم بعض ترجمته، وَتقدَّم الكلام على يائه، وأنَّه بفتحها، وأناس [1] يكسرونها [2]، بخلاف غير أبيه؛ فإنَّه لا يجوز في يائه إلَّا الفتح.

قوله: (أَيُجْزِئُ): قال شيخنا الشَّارح: (قال ابن التِّين: قرأناه غير مهموز، وضُبِط في بعض الكتب بالهمز وضمِّ الياء على أنَّه رباعيٌّ من «أجزأ»)، و (جزى) و (أجزأ) لغتان.

(1/553)

[حديث عبد الله بن زيد في مسح الرأس كله]

185# قوله: (أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ الله بن زَيْدٍ): قال الدِّمياطيُّ: (هذا الرَّجل السَّائل هو عَمرو بن أبي حسن تميم بن عَبْد عَمرو، وأبو حسن له صحبة، وليس بجدٍّ لعمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي حسن، وإنَّما هو عمُّ أبيه يحيى بن عُمارة، وقد جاء مبيَّنًا في الباب بعده، وجاء أيضًا في الباب الثَّامن من هذا الباب، وهو باب «الوضوء من التَّور»: «حَدَّثَنَا خالد عن سُلَيْمَان [1]، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: كان عمِّي يكثر الوضوء ... )، وعُمارة، وعمرو، وعمر أولاد أبي حسن تميم بن عَبْد عَمرو) انتهى.

قوله: (وهو جَدُّ عَمْرِو بنْ يَحيَى): الضَّمير يعود على عَبْد الله بن زيد، و (عبد الله بن زيد): هو جدُّ عَمرو بن يحيى المازنيِّ، أبو أمِّه، ويجوز أنَّ يعود على المبهم _السَّائل الذي قدَّمت اسمه_ ويكون مجازًا، والله أعلم.

قوله: (وَاسْتَنْثَرَ): تقدَّم أنَّه إخراج الماء من الأنف بالنفس، وأنَّه غير الاستنشاق؛ ذاك [2] عكس ما فسَّرته، وقد تقدَّم قول من قال: هما واحد.

قوله: (إلى المِرْفَقَيْنِ): تقدَّم أنَّ المِرفَق؛ بكسر الميم، وفتح الفاء، وبالعكس، لغتان مشهورتان.

قوله: (بَدَأَ): هو بالهمز من الابتداء، وكذا الثَّانية.

==========

[1] في (ج): (سلمان)، وليس بصحيح.

[2] في (ب): (وذاك).

[ج 1 ص 90]

(1/554)

[باب غسل الرجلين إلى الكعبين]

(1/555)

[حديث عبد الله بن زيد في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]

186# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): وفي نسخة: (ابن إِسْمَاعِيل التَّبُوْذَكيُّ)، وهو هو، وقد تقدَّم بعض ترجمته، وعلى النِّسبة إلى تَبُوْذَك، وما هي، وأنَّها بفتح المثنَّاة فوقُ، ثُمَّ موحَّدة مضمومة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ذال معجمة مفتوحة، ثُمَّ كاف، ثُمَّ ياء النِّسبة إلى دار له بتبوذك اشتراها، وقيل: نزل داره [1] قومٌ منها، وقيل: إنَّه نُسِب إلى بيع السَّماد، وقيل: إنَّه نُسِب إلى بيع ما في بطون الدَّجاج من الكبد، والقانصة، والقلب، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): هو تصغير وَهْب، وهو ابن خالد الباهليُّ مولاهم، الكرابيسيُّ الحافظ، تقدَّم.

قوله: (عن عَمْرٍو): هو عَمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازنيُّ، عن أبيه، وعبَّاد بن تميم، وغيرهما، وعنه: مالك، ووهيب، وخلق، ثقةٌ، وقال ابن معين: (ليس بقويٍّ، صويلح)، توفِّي سنة (140 هـ)، وله ترجمة في «الميزان»، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم أنَّ أباه: يحيى بن عمارة بن أبي حسن المازنيُّ، عن عَبْد الله بن زيد بن عاصم، وأبي [2] سعيد، وعنه: الزُّهْرِيُّ، ومحمَّد بن يحيى [بن حَبَّان [3]، ثقةٌ، وثَّقه النَّسائيُّ وابن خِراش، أخرج له الجماعة] [4].

قوله: (شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه في كلام الدِّمياطيِّ، وهو عَمرو بن أبي حسن الأنصاريُّ، ذكره الحافظ أبو موسى في الصَّحابة [5].

قوله: (سَأَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ [6]): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن زيد بن عاصم المازنيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه قتل يوم الحرَّة سنة (63 هـ).

[قوله: (وُضُوءِ): هو بضمِّ الواو، ويجوز فتحها، وقد تقدَّم، وكذا قوله: (وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ [7] صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ)] [8].

قوله: (بِتَوْرٍ): هو بالمثنَّاة فوق؛ مثل: قدح من حجارة.

قوله: (فَأَكْفَأَ): هو رباعيٌّ مهموز الآخر؛ أي: قلب وأمال، قال الجوهريُّ: (كفأت الإناء: كببته، وزعم ابن الأعرابيِّ أنَّ أكفأته لغة) انتهى، فعلى هذا: الأفصح فيه الثُّلاثي، وهو مهموز أيضًا.

[ج 1 ص 90]

قوله: (وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ): تقدَّم الكلام على الاستنشاق والاستنثار، وأنَّ الصَّحيح: أنَّه غيران؛ كهذا الحديث، لأنَّه غاير بينهما.

(1/556)

قوله: (إلى المِرْفَقَيْنِ): تقدَّم مرَّات أنَّ المِرفَق؛ بكسر الميم، وفتح الفاء، وبالعكس؛ لغتان.

==========

[1] في (ج): (دار).

[2] في (ج): (وابن)، وهو تحريفٌ.

[3] في (أ): (حيان).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[5] زيد في (ج): (وثقه النَّسائي وابن خراش).

[6] في هامش (ق): (عم أبيه).

[7] كذا في النسخ و (ق)، وفي هامش (ق) مصحَّحة و «اليونينيَّة»: (وضوء النبي).

[8] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (قدح من حجارة).

(1/557)

[باب استعمال فضل وضوء الناس]

(باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاس) ... إلى (باب المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ)

قوله: (وَضُوءِ): هو بفتح الواو، ويجوز ضمُّها، تقدَّم مرارًا [1].

سؤال: إن قيل: ترجم البخاريُّ رحمه الله على (استعمال فضل الوَضوء)، ثُمَّ ذكر حديث السِّواك؛ أعني: أثر جرير والمجَّة، فما وجهه؟

والجواب: ذكره ابن المُنَيِّر فقال: (قلت: مقصوده الرَّدُّ على من زعم أنَّ الماء المستعمل في الوضوء لا يُتطهَّر به؛ لأنَّه ماء الخطايا، فبيَّن أنَّ ذلك لو كان صحيحًا وأنَّ الخطايا تحدث في عين الماء شيئًا ينافي الاستعمال؛ لكان نجسًا؛ لأنَّ النَّجس المبعد، والخطايا يجب إبعادُها شرعًا، ومع ذلك فيجوز استعماله لغير الطَّهارة؛ كالتبرُّك، والتعوُّذ، ونحوه، هذا إن احتجُّوا بأنَّه ماء الخطايا، وإن احتجُّوا بأنَّه مضاف؛ فهو مضاف إلى طاهر لم يتغيَّر به؛ لأنَّ الرِّيق الذي يخالطه عند المضمضة مثلًا طاهر؛ بدليل حديث السِّواك والمجَّة، وكذلك ما لعلَّه [2] يخالطه من غبرات الأعضاء بطريق الأولى؛ لأنَّها موهومة لا محقَّقة، والله أعلم) انتهى.

قوله: (وَأَمَرَ جَرِيرُ بن عَبْد الله): هو البجليُّ جرير بن عَبْد الله بن جَابِر بن الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عوف أبو عَمرو البجليُّ، واختلفوا في بجيلة؛ فمنهم من جعلهم من اليمن، وهو الأكثر، وقيل: هم من نزار بن [3] معدٍّ، قاله مصعب الزُّبيريُّ، وبجيلة: اسم أمِّهم، وكان جَرير مليحًا، بديع الجمال، قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «على وجهه مسحة ملك»، وعن عُمر رضي الله عنه قال: (جَرير يوسف هذه الأمَّة)، وهو سيِّد قومه، ولما دخل على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أكرمه، وقال: «إذا أتاكم كريم قوم؛ فأكرموه»، أسلم جَرير قبل وفاته عليه الصَّلاة والسَّلام، ووفد عليه قبل موته بأربعين يومًا فيما قيل، وهذا لا يصحُّ؛ لما في «البخاريِّ» وَ «مسلم» عنه: قال لي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حجَّة الوداع: «استنصتِ النَّاس»، وإنَّما قدم سنة عشر في رمضان فبايعه وأسلم، كما قاله ابن قتيبة، وقد جزم بعض المصنِّفين بأنَّه قدم في رمضان _كما قاله ابن قتيبة_ فأرسله عليه الصَّلاة والسَّلام إلى ذي الخلصة في مئة [4] وخمسين راكبًا فحرقها، وقال: يا رسول الله؛ إنِّي لا أثبت على الخيل، فصكَّه في صدره، وقال: «اللهمَّ؛ اجعله هاديًا مهديًّا».

(1/558)

روى عنه: قيس، والشَّعبيُّ، وهمَّام بن الحارث، وأبو زرعة حفيدُه، وأبو وائل، سكن الكوفة، ثمَّ قرقيسا فمات بها بعد الخمسين، قال [5] النَّوويُّ في «تهذيبه»: (سنة أربع وخمسين)، نقله عنِ ابن قتيبة، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكذا في «الكاشف» للذهبيِّ.

واعلم أنِّي اجتمعت باثنين في مكَّة من طلبة الحديث، ذكر لي أحدهما أنَّه من بجيلة، وأنَّه خادم قبر جَرير هناك، وسألني عن مندفنه أين هو، فلعلَّه نُقِل بعد دفنه في قرقيسا، أو أنَّه لَمْ يُدفَن بها، بل حُمِل منها ودُفِن ببجيلة، والله أعلم، أخرج له الجماعة.

==========

[1] في (ج): (مرات).

[2] في (ب): (لغسله).

[3] زيد في (ب): (بني).

[4] في (ج): (ثمانية).

[5] في (ب): (وقال).

[ج 1 ص 91]

(1/559)

[حديث أبي جحيفة في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم]

187# قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم مرَّات أنَّه ابن أبي إياس، وَتقدَّم الكلام على عدم صرفه، وأنَّ بعضهم صرفه، وَتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا الحَكَمُ): تقدَّم مرَّات أنَّه [1] ابن عُتيبة الإمام، وتقدَّم ضبط عُتيبة، وأنَّ لهم شخصًا آخر يقال له: الحكم بن عتيبة، وأنَّ البخاريَّ جعلهما واحدًا، فعُدَّ من أوهامه.

قوله: (أَبَا جُحَيْفَةَ): هو بجيم مضمُّومة، ثُمَّ حاء مهملة مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء، ثُمَّ تاء التَّأنيث، واسمه وهب بن عَبْد الله السوائيُّ، ويقال فيه: وهب بن وهب من [2] [بني] سُواءة [3] بن عامر بن صعصعة، ويقال: وهب الخير، توفِّي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مراهق، ووُلِّيَ بيت المال لعليٍّ، روى عنه: ابنه عون، وأبو إسحاق، وابن أبي خالد، وغيرهم، توفِّي سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (بِالهَاجِرَةِ): هي نصف النَّهار، وقال بعضهم: هي شدَّة الحرِّ.

قوله: (فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ): (أُتِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، والوَضوء؛ بفتح الواو: الماء، ويجوز فيه الضمُّ، وقد تقدَّم، وكذا (من فضل وَضوئه)؛ بالفتح.

قوله: (عَنَزَةٌ): تقدَّم الكلام عليها ضمن (باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور) قبيل (باب الاستنجاء بالحجارة)؛ فانظر ذلك إنْ أردته.

188# قوله: (وَقَالَ أَبُو مُوسَى): هو الأشعريُّ عَبْد الله بن قيس، تقدَّم بعض ترجمته، صحابيٌّ جليل رضي الله عنه، وتعليقه هذا أسنده البخاريُّ في (الطَّهارة) مختصرًا، وفي (المغازي) مُطوَّلًا، ومُسلم في (الفضائل).

قوله: (ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: اشْرَبَا مِنْهُ): الضَّمير المثنَّى لأبي موسى وبلال رضي الله عنهما، كما ساقه البخاريُّ في (غزوة الطَّائف) مُطوَّلًا.

==========

[1] (أنَّه): مثبت من (ج).

[2] في (ب) و (ج): (بن).

[3] في (أ): (سواء).

[ج 1 ص 91]

(1/560)

[حديث: وإذا توضأ النبي كادوا يقتتلون على وضوئه]

189# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تقدَّم أنَّ هذا ابن المدينيِّ، حافظ الإسلام، وتقدَّم بعض ترجمته، ولماذا نُسِب.

قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو ابن كيسان المدنيُّ، تقدَّم أنَّه رأى ابن عُمر، وسمع عروة والزُّهْرِيَّ، وأنَّ الجماعة أخرجوا له، وتقدَّم [1] بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله العالم المشهور.

قوله: (أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ): هو محمود بن الرَّبيع بن سراقة الخزرجيُّ الأنصاريُّ، من بني عَبْد الأشهل، وقيل: إنَّه من بني الحارث بن الخزرج، وقيل: إنَّه من بني سالم بن عوف، يكنى أبا نعيم، وقيل: أبا محمَّد، معدود في أهل المدينة، قال إبراهيم بن المنذر: (توفِّي سنة «99 هـ»، وهو ابن ثلاث وتسعين)، عقل عنه عليه الصَّلاة والسَّلام المجَّة من بئرهم، وحفظ ذلك وهو ابن أربع سنين أو خمس، روى عنه أنس بن مالك حديث عتبان، وقيل: مات محمود سنة (96 هـ)، روى عنه: ابن شهاب ورجاء بن حيوة أَبُو المقدام رضي الله عنه.

[ج 1 ص 91]

قوله: (مَجَّ): المجُّ: رمي الشَّخص الماء أو غيره من فِيه، وقد تقدَّم.

قوله: (وَقَالَ عُرْوَةُ عنِ المِسْوَرِ وَغَيْرِه)؛ فذكره: اعلم أنَّ هذا تعليق مجزوم به، وقد أخرجه مسندًا فيما يأتي، وأراد بقوله: (وغيره): مروان بن الحكم، كما صرَّح به فيما يأتي، وقد أخرجه في عدَّة أماكن، وفي بعض طرقه عن صحابة غير مُسمَّين، وأنَّ ذلك أهمله المِزِّيُّ في «أطرافه» والله أعلم.

ولنتكلَّم هنا على (المِسْوَر): وهو بكسر الميم، وسكون السِّين، وفتح الواو، وهو ابن مخرمة بن نوفل بن أُهيب الزُّهْرِيُّ، صحابيٌّ صغير، وله عن عمر وخاله عَبْد الرَّحمن بن عوف؛ لأنَّ أمَّه عاتكة أخت عَبْد الرَّحمن، وعنه: عروة، وابن أبي مليكة، مات سنة (64 هـ) [2]، أخرج له الجماعة.

(1/561)

وأمَّا (مروان)؛ فهو ابن الحكم بن أبي العاصي بن أميَّة بن عَبْد شمس بن عَبْد مناف القرشيُّ الأمويُّ، يكنى أبا عَبْد الملك، ولد على عهده عليه الصَّلاة والسَّلام، قيل: سنة ثنتين من الهجرة، وقيل: عام الخندق، وقال مالك: (ولد يوم أُحُد)، وقال غيره: ولد بمكَّة، ويقال: بالطَّائف، فعلى قول مالك توفِّي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ابن ثماني سنين أو نحوها ولم يره؛ لأنَّه خرج إلى الطَّائف طفلًا لا يعقل، وذلك أنَّه [3] عليه الصَّلاة والسَّلام كان قد نفى أباه الحكم إلى الطَّائف، فلم يزل بها حتَّى وُلِّي عثمان؛ فردَّه، فقدم المدينة هو وولده [4] في خلافة عثمان، وهذا قد أنكره أَبُو العَبَّاس ابن تيمية في «الرَّد على ابن [5] المطهَّر الرَّافضيِّ»، انتهى، وتوفِّي أبوه فاستكتبه عثمان وضمَّه إليه، فاستولى عليه إلى أنْ قُتِل عثمان رضي الله عنه، ترجمته معروفة فلا نطوِّل بها، وقد وُلِّيَ الخلافة فكانت خلافته تسعة أشهر، وقيل: عشرة أشهر، وتوفِّي في صدر رمضان سنة (65 هـ)، وهو ابن ثلاث وستِّين، وقيل: ابن ثمان وستِّين، وقيل: أربع وستِّين، وهو معدود فيمن قتله النِّساء، روى عنه جماعة من التَّابعين، وروى عنه من الصَّحابة سهل بن سعد، وممَّن روى عنه من التَّابعين: عروة، وعليُّ بن الحسين، قال عروة: (كان مروان لا يُتَّهم في الحديث)، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: (قال البخاريُّ: لَمْ ير النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قلت: له أعمال موبقة، نسأل الله السَّلامة، رمى طلحة بسهم وفعل وفعل) انتهى، أخرج له البخاريُّ والأربعة.

قوله: (على وَضُوئِهِ): هو بفتح الواو: الماء، ويجوز ضمُّها، وقد تقدَّم مرارًا.

==========

[1] في (ب): (وقد تقدَّم).

[2] في (ب): (24 هـ)، وليس بصحيح.

[3] في (ب): (لأنَّه).

[4] في (ب): (ووالده).

[5] (ابن): ليس في (ج).

(1/562)

[حديث السائب: ذهبت بي خالتي إلى النبي فقالت: يا رسول الله]

190# قوله: (عَنِ الجَعْدِ): هو ابن عَبْد الرَّحمن، ويقال له: الجُعَيْد؛ بالتَّصغير، عنِ السَّائب بن يزيد وجماعة، وعنه: يحيى القطَّان ومكِّيٌّ، وهو ثقةٌ، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.

قوله: (السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ): هو السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ بن سعيد أبو يزيد، المعروف بابن أخت نمر، قيل: إنَّه ليثيٌّ كنانيٌّ، وقيل: أزديٌّ، وقيل: كنديٌّ، وقيل: هذليٌّ، حليف بني أميَّة، ولد في السَّنة الثَّانية من الهجرة، وخرج في الصبيان إلى ثنيَّة الوداع يتلقَّى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مقدمه من تبوك، وشهد حجَّة الوداع، وذهبت به خالته _و لا أعرف اسمها، [ورأيت في كلام بعض حفَّاظ العصر: أنَّ اسمها فاطمة، انتهى، قد رأيت في «تجريد» الذَّهبيِّ: (فاطمة بنت شريح)، قال: ذكرها أبو عبيدة في الزوجات، كذا قال ابن [1] بشكوال، انتهى] [2]، وأمُّه اسمها عليَّة بنت شريح_ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فدعا له ومسح برأسه، وقال: (نظرت إلى خاتم النُّبوَّة)، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المُسند»، توفِّي سنة (91 هـ)، وقيل: سنة (86 هـ).

قوله: (ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي): تقدَّم أعلاه أنِّي لا أعرف اسمها، [وتقدَّم ما رأيته عن بعض حفَّاظ العصر من أنَّ اسمها فاطمة] [3] وهي مذكورة في الصَّحابيَّات بخالة السَّائب [4]، وتقدَّم أعلاه أنَّ أمَّه اسمها عليَّة بنت شريح، وهي صحابيَّة مشهورة رضي الله عنها وعن خالته وعنه [5].

قوله: (وَجِعٌ): هو بفتح الواو، وكسر الجيم، كذا في النُّسخة التي سمعت منها على شيخنا العراقيِّ، قال ابن قُرقُول: («وجع»: كذا لأكثرهم، وعند ابن السَّكن في باب «استعمال وضوء النَّاس»: «وَقِعٌ»، وهو بمعنى: وجع؛ أي: مشتكٍ مريضٌ)، وقال شيخنا الشَّارح: (كذا رواه ابن السَّكن، وقال الإِسْمَاعِيليُّ: كذا هو في «البخاريِّ»، والأكثرون يقولون: «وجِع»، وفي رواية أبي ذرٍّ: «وقع» على لفظ الماضي، وقال ابن بطَّال: «وقع»: معناه في المرض)، قال: (وإنْ كان روي بكسر القاف؛ فأهل اللُّغة يقولون: وقِعَ الرَّجلُ؛ إذا اشتكى لحم قدمه ... ) إلى أنْ قال: (والمعروف عندنا: «وقَعَ»؛ بفتح القاف والعين، وقوَّاه شيخنا الشَّارح بما هو مذكور في «ابن سيده»؛ فذكره [6]) انتهى.

(1/563)

قوله: (مِثْل زِرِّ الحَجَلَةِ [7]): هو بجرِّ (مثل) صفة لـ (خاتم)، ونصبها على الحال؛ أي: مشبهًا زرَّ الحجلة.

قوله: (زِرِّ الحَجَلَةِ): هو ما يدخل في عراها، قال ابن قُرقُول: (كذا في «مسلم»، وفي «البخاريِّ» مثله في «باب خاتم النُّبوَّة»، وجاء للقابسيِّ في موضع [8] آخر: بسكون الجيم، فقال البخاريُّ في تفسيره: «الحُجْلة: من حُجَل الفرس الذي بين عينيه»، كذا قيَّده بعضهم بضمِّ الحاء وسكون الجيم في الأوَّل، وبضَمِّها وفتح الجيم من الثَّاني، وبعضهم: بكسر الحاء، وبفتح الجيم أيضًا، فإنْ كان البخاريُّ سمَّى البياض بين عيني الفرس: حُجْلة؛ لكونه بياضًا، كما سُمِّي بياض القوائم [تحجيلًا]؛ فما معنى ذكر (الزر) مع هذا؟ لا يتَّجه لي فيه وجه، وفسَّر التِّرمذيُّ في كتابه (الزرَّ) بالبيض، فقال: (زرُّ [9] الحُجْلة: بيضها)، فـ (الحُجْلة) عنده: الطائر الذي يُسمَّى القَبْج، وقال الخطَّابيُّ بتقديم الرَّاء على الزاي، كأنَّه [10] أخذه من رَزِّ الجراد؛ وهو بيضها، فاستعاره للطَّائر، وأمَّا تسمية البيض بـ «زرٍّ»؛ فلا أعرف له وجهًا، وإنَّما الزِّرُّ واحدُ الأزرار التي تدخل في العُرى؛ كأزرار القميص، و «الحَجَلَة»: إحدى الحجال؛ وهي سُتُور، وهذا أولى ما قيل، وكأنَّ من فسَّر الزرَّ بالبيض؛ نظر إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث: «مثل بيضة الحمامة»، ثُمَّ رأى: «زِرَّ الحجلة»؛ ففسَّره ببيضها؛ اعتمادًا على ما وجد من ذكر بيضة الحمامة) [11] انتهى، وسيأتي الكلام فيه أيضًا إنْ شاء الله تَعَالَى مع زيادة إبراهيم بن حمزة كيف النُّطق بها في (باب خاتم النُّبوَّة) إنْ شاء الله تَعَالَى وقدَّره.

مسألة: سئلت عن خاتم النُّبوَّة: هل هو من خصائصه أو أنَّ كلَّ نبيٍّ مختوم بخاتم النُّبوَّة؟

فأجبت: بأنِّي لا أستحضر في ذلك شيئًا، ولكن الذي يظهر لي أنَّه من خواصِّه؛ لأنَّه خُتِم به لمعانٍ؛ أحدها: أنَّه إشارة إلى أنَّه خاتم النَّبيِّين، وليس كذلك غيره، ولأنَّ باب النُّبوَّة قد خُتِم به، فلا يُفتَح بعده.

وممَّا يسأل عنه أيضًا: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام ولد من بطن أمِّه مختومًا بخاتم النُّبوَّة، أو جُعِل الخاتم بين كتفيه بعدما ولد عندما شُقَّ صدره عند ظئره حليمة أو حين نبِّئ؟

(1/564)

وجوابه: أنَّه روى ابن أبي الدُّنيا وغيره بإسناد يرفعه إلى أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: (قلت: يا نبيَّ الله؛ كيف علمت أنَّك نبيٌّ وبِم علمت حتَّى استيقنت؟ قال: «يا أبا ذرٍّ؛ أتاني مَلَكان وأنا ببطحاء مكَّة، فوقع أحدهما بالأرض»؛ فذكر قصَّة، وأنَّه وُزِن برجل، ثُمَّ بعشرة، ثُمَّ بمئة، ثُمَّ بألف ... إلى أنْ قال: «وجُعِل الخاتم بين كتفيَّ كما هُوَ الآن، ووَلَّيا عنِّي، فكأَنِّي أعاين الأمر معاينة»، وفي «سيرة مغلطاي الصُّغرى»: (وقيل: وُلد وهو به)، وسيأتي في (باب خاتم النُّبوَّة) الرِّوايات في صفة هذا الخاتم والمسألة والسُّؤال [12] إنْ شاء الله تَعَالَى وقدَّره.

(1/565)

[باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة]

[ج 1 ص 92]

قوله: (مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ): اعلم أنَّ الغرفة في أصلنا هنا: بفتح الغين بالقلم، وهي بالضِّمِّ: ما اغتُرِف، وبالفتح: الفعل، وقيل: هما بمعنًى، وقال يعقوب: الغَرف: مصدر غرفتُ الماء والمرق، وقيل: الغُرفة: ملء اليد، والغَرفة: المرَّة الواحدة، وفي «الصِّحاح»: (الغَرفة _يعني: بالفتح_: المرَّة الواحدة، والغُرفة؛ بالضَّمِّ: للمفعول مِنْهُ؛ لأنَّك ما لَمْ تغرفه لا تسمِّيه غُرفة، والجمع غِراف؛ مثل: نُطفة ونِطاف).

(1/566)

[حديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي وفيه أنه أفرغ ... ]

191# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله): هذا هو الواسطيُّ الطَّحان، أحد العلماء، عن حصين، وبيان بن بشر، وعنه: مُسَدَّد، وابنه محمَّد، ثقة عابد، يقال: اشترى نفسه من الله ثلاث مرَّات يتصدَّق بزنة نفسه فضَّة، توفِّي سنة (179 هـ)، وقيل: سنة (172 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى): تقدَّم قريبًا في الباب قبله.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم قريبًا في الباب قبله.

قوله: (سَأَلَ [1] عَبْدَ الله بْنَ زَيْدٍ): تقدَّم أنَّه ابن عاصم المازنيُّ قريبًا في الباب قبله.

قوله: (مِنْ كفَّةٍ وَاحِدَةٍ): كذا في أصلنا، وفي طرة النُّسخة التي سمعتُ فيها على شيخنا العراقيِّ ما لفظه: (قال الأصيليُّ: صوابه: من كفٍّ واحد) انتهت، قال ابن [2] قرقول: («من كُفٍّ واحدة»: هو بالضَّمِّ والفتح؛ مثل: غَرفة وغُرفة؛ أي: ملء كفِّه من ماء) انتهى.

واعلم أنَّ الكفَّ مؤنَّثة، ولعلَّ الأصيليَّ أو ما قد جاء في رواية ذكر واحدًا على إرادة العضو، وقال شيخنا الشَّارح: (قال ابن التِّين: هو بفتح الكاف _يعني: كَفًّا_، أي: غرفة، فاشتُقَّ ذلك من اسم الكفِّ، سُمِّي الشَّيء باسم ما كان فيه، قال بعضهم: ولا يُعرَف في كلام العرب إلحاق تاء التَّأنيث في الكفِّ، ولا يبعد أنْ يكون منزَّلًا منزلة الغرفة، فتكون الكفَّة بمعنى: فَعلة؛ أي: كفَّ كَفَّة لما كان يتناولها بكفِّه، ودخلت الهاء، كما تقول: ضربت [3] ضربة)، وكأنَّه أشار بقوله: (وقال بعضهم) إلى ابن بطَّال، فإنَّه قال ذلك، وقال: (أراد غرفة واحدة، أو حفنة واحدة، ثُمَّ ذكر كلام ابن قُرقُول) انتهى.

قوله: (وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (وُضوء)؛ بضمِّ الواو، ويجوز فتحها، تقدَّم مرارًا.

==========

[1] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] (ابن): ليس في (ب).

[3] في (ب): (ضربته).

[ج 1 ص 93]

(1/567)

[باب مسح الرأس مرة]

قوله: (باب مَسْحِ الرَّأْسِ مرَّةً [1] واحدةً): اعلم أنَّ الكلام في مسح الرَّأس هل يُستحبُّ تكراره أم لا؟ معروف، وكذا الأحاديث التي وردت بالتثليث، ولم أرَ فيها حديثًا صحيحًا فيه، بل التَّثليث مأخوذ من عموم قوله: (توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا)، وقد روى أَبُو داود حديث عثمان، وفيه: (ومسح برأسه ثلاثًا)، ثُمَّ قال في آخره: (أحاديث عثمان الصِّحاح كلُّها تدلُّ على مسح الرَّأس أنَّه مرَّة، فإنَّهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: «ومسح رأسه»، لَم [2] يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره) انتهى، وقد قال التِّرمذيُّ لمَّا ذكر المسح مرَّة: (إنَّ العمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصَّحابة فمن بعدهم، وبه يقول جعفر بن محمَّد، وسفيان، وابن المبارك، والشَّافعيُّ، وأحمد، وإسحاق؛ رأوا مسح الرَّأس مرَّة واحدة)، وقال شيخنا الشَّارح: (وأغرب من أوجب الثَّلاث) انتهى، وقد نقلت من خطِّ شيخنا المشار إليه على هامش أصله بـ «شرح [3] البخاريِّ» له: (حكاه شيخنا في شرحه) انتهى، فيحتمل أنَّه أراد شيخه مغلطاي، ويحتمل أنْ يكون الشَّيخ قطب الدِّين عَبْد الكريم بن عَبْد النور الحلبيَّ، وعبد الكريم لَمْ يقرأ عليه شيخنا فيما أعلم، وإنَّما ذكر لي أنَّه عرض عليه «العمدة» لعبد الغنيِّ، وأنَّه أجازه في سنة (734 هـ)، وأراني خطَّه، وفي تلك السَّنة توفِّي عَبْد الكريم، وشيخنا إلى الآن في الكتَّاب؛ لأنَّه قرأ القرآن، و «العمدة»، و «المنهاج»، والظَّاهر أنَّه كان إذ ذاك في الكتَّاب عند الملقِّن، والله أعلم.

(1/568)

[حديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي وفيه: ومسح برأسه]

192# قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تقدَّم في الباب قبله أنَّه ابن خالد؛ فانظره.

قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى): تقدَّم الكلام عليه في الباب قبله.

[قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم الكلام على أبيه في الباب قبله] [1].

قوله: (عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ): تقدَّم الكلام عليه في الباب قبله، وأنَّه صحابيٌّ.

قوله: (عَبْدَ الله بْنَ زَيْدٍ): تقدَّم أنَّه ابن عاصم المازنيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه قتل في الحرَّة رضي الله عنه في الباب قبله.

قوله: (عَنْ وُضُوءِ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز فتحها، تقدَّم مرارًا.

قوله: (وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ): تقدَّم الكلام على ذلك، وأنَّ الصَّحيح: أنَّهما متغايران.

قوله: (إِلَى المِرْفَقَيْنِ): تقدَّم أنَّ المِرفَق؛ بكسر الميم، وفتح الفاء، والعكس مرَّات.

قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): تقدَّم أنَّه ابن إِسْمَاعِيل التَّبُوْذَكيُّ، وتقدَّم الكلام على تَبُوْذَك ما هي، وبعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ وقَالَ: مَسَحَ برَأْسِهِ مرَّة): تقدَّم أنَّه ابن خالد، وأشار بذلك إلى أنَّه رواه كذلك عن موسى عن وهيب، وهو المذكور في السَّند قبله، عن عَمرو، عن أبيه، عن عَبْد الله بن زيد باللَّفظ، غير أنَّه خالف موسى بنُ إِسْمَاعِيل التَّبُوْذَكيُّ سُلَيْمَانَ بن حرب في قوله: (مَرَّةً واحدةً)، فإنَّ سُلَيْمَان [2] في روايته ذلك: (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا)، ولم يقل: مرَّة واحدة، فزاد موسى عن وهيب: (مرَّة واحدة)، وهو صريح فيما بوَّب له، وإنْ كان الأوَّل مقتضاه ذلك، والله أعلم.

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[2] (فإنَّ سليمان): ليس في (ب).

[ج 1 ص 93]

(1/569)

[باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة]

قوله: (بَاب وُضُوءِ الرَّجُلِ): هو بضمِّ الواو الفعل، ويجوز فتحها، وقد تقدَّم مرارًا.

قوله: (وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ): هذا بالفتح؛ لأنَّ المراد: الماء، ويجوز ضمُّها، كما تقدَّم مرارًا.

قوله: (وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالحَمِيمِ): أمَّا (عُمر)؛ فهو ابن الخطَّاب، أحد العشرة رضي الله عنهم، ترجمته معروفة، كيف وقد روي عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «لو كان بعدي نبيٌّ؛ لكان عمر»، ومناقبه جليلة رضي الله عنه.

وأمَّا قوله: (بالحَمِيم)؛ هو _بفتح الحاء، وكسر الميم_ الماء المسخَّن، فعيل بمعنى مفعول، ومنه سمِّي الحمَّام حمَّامًا؛ لإسخانه من دخله، قال ابن المنذر: (أجمع أهل الحجاز جميعًا على الوضوء بالماء المسخَّن غير مجاهد، فإنَّه كرهه [1]).

فائدة: (الحَمِيم): تقدَّم أنَّه الماء الحارُّ، هذا هو المشهور، وحَكى الصَّغانيُّ أَبُو الحسن اللُّغويُّ: (أنَّه من الأضداد)، ذكر ذلك في كتاب له في اللُّغة، فيه لغات زائدة على كتب عدَّة، وفيه أيضًا قراءات شواذٌّ وفوائد.

(1/570)

[باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه]

قوله: (وَضُوءَهُ عَلَى المُغْمَى عَلَيْهِ): (وَضوءه)؛ بفتح الواو، تقدَّم [1] مرارًا؛ وهو الماء، وأنَّه يجوز ضمُّها.

==========

[1] في (ج): (وتقدم).

[ج 1 ص 93]

(1/571)

[حديث: جاء رسول الله يعودني فتوضأ وصب علي من وضوئه]

194# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تقدَّم مرَّات [1] أنَّه هشام بن عَبْد الملك الطَّيالسيُّ.

[ج 1 ص 93]

قوله: (مِنْ وَضُوئِهِ): هو بفتح الواو، ويجوز ضمُّها، تقدَّم مرارًا.

قوله: (كَلَالَةٌ): فيها أقوال؛ أصحُّها: ما عدا الوالد والولد، وفيه حديث صحيح من طريق البراء بن عازب، وقيل: ما عدا الولد خاصَّة، وقيل: الأخوة للأمِّ، وقيل: بنو العمِّ وما أشبههم، وقيل: العصبات كلُّهم وإنْ بعدوا، ثُمَّ قيل: للورثة، وقيل: للميِّت، وقيل: لهما، وقيل: للمال الموروث.

قوله: (آيَةُ الفَرَائِضِ): هي: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلالَةِ} [النساء: 176]، وسيأتي إنْ شاء الله تعالى وقدَّره تنبيهٌ على شيء وقع في «صحيح البخاريِّ [2]» في (التَّفسير) في سورة (النِّساء).

==========

[1] في (ج): (مرارًا).

[2] (البخاري): ليس في (ج).

(1/572)

[باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة]

قوله: (بَاب الْغَسْلِ وَالوُضُوءِ): (الغَسل)؛ بفتح الغين: الفعل، وبالضَّمِّ: الماء الذِي يغتسل به، و (الوُضوء)؛ بضمِّ الواو: الفعل، وبالفتح: الماء، ويجوز في كلٍّ منهما الضَّمُّ والفتح في الماء والفعل على قول، و (الغُسل) في أصلنا مضبوط: بالضَّمِّ، والأفصح فيه: الفتح، و (الوُضوء) في أصلنا: بالضَّمِّ، وهذا هو الأفصح [1].

قوله: (في المِخْضَبِ [2]): هو [3] بكسر الميم، وإسكان الخاء، وفتح الضَّاد المعجمتين، ثُمَّ موحَّدة، قال ابن قُرقُول: (وهو شبه الإجانة؛ وهي القصريَّة، تُغسل فيها الثِّياب)، قال أَبُو حاتم: (هو المركن)، وكذا قال غيره، وجاء في بعض الرِّوايات: (ركوة)، قال الخليل: (هو تور من أدم)، وجاء: (بمخضب من حجارة، فصغُر أنْ يبسط يدَه فيه)، فدلَّ على أنَّه يقع على الصَّغير والكبير، كما جاء: (وأجْلِسوني في مِخْضَبٍ).

==========

[1] في (ج): (الأصح).

[2] في (ب): (المخضبة).

[3] في (ب): (هي).

[ج 1 ص 94]

(1/573)

[حديث أنس: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار]

195# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُنِيْرٍ): (مُنِيْر) بِضَمِّ الميم، ثُمَّ نون مكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء: المروزي أبو عَبْد الرَّحمن الحافظ الزَّاهد، عنِ النَّضر بن شميل، ويزيد بن هارون، وغيرهما، وعنه: البخاريُّ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وعبدان المروزيُّ، وغيرهم، توفِّي سنة إحدى وأربعين ومئتين، وقيل: سنة ثلاث وأربعين، وثَّقه النَّسائيُّ وغيره.

قوله: (حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عن أَنَسٍ): (حميد): هذا بالتَّصغير، وهو حميد بن أبي حميد الطَّويل أبو عبيدة البصريُّ، وهو حميد بن تير، ويقال: تيرويه، وقيل: ابن عَبْد الرَّحمن، وقيل: داود، قال [1] بعضهم: صوابه: داور، وتقدَّم الكلام عليه وبعض ترجمته.

قوله: (فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ [2] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (النَّبيُّ): مرفوع قائم مقام [3] الفاعل.

قوله: (بِمِخْضَبٍ): تقدَّم ضبطه أعلاه، والمراد به هنا: القدح، ولهذا قال في الحديث: (فصغر المخضب أنْ يبسط فيه كفَّه).

قوله: (ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً): تقدَّم أنَّ نبع الماء اتَّفق له عليه الصَّلاة والسَّلام مرَّات، هذه مرَّة منها، وقد تقدَّم كلام ابن حبَّان كم من مرَّة، وكم كانوا كلَّ مرَّة في (باب التماس النَّاس [4] الوضوء إذا حانت الصَّلاة)؛ فانظره إنْ أردته.

==========

[1] في (ب): (وقال).

[2] في النسخ: (النبي)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] في النسخ: (مفاعل)، ولعله تحريف.

[4] (الناس): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 94]

(1/574)

[حديث: أن النبي دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه]

196# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة الكوفيُّ الحافظ، مولى بني هاشم، حجَّة عالمٌ أخباريٌّ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن بُرَيْدٍ): هو بضمِّ الموحَّدة، وفتح الرَّاء، تقدَّم أنَّه بريد بن عَبْد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريِّ، عن جدِّه، صدوق، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ): تقدَّم أنَّه الحارث أو عامر، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه من نبلاء العلماء.

قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): تقدَّم مرَّات أنَّه عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار الأشعريُّ رضي الله عنه.

قوله: (وَمَجَّ فِيهِ): تقدَّم أنَّ المجَّ دفعُ الماء من الفم والرمي به.

==========

[ج 1 ص 94]

(1/575)

[حديث: أتانا رسول الله فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ]

197# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى): تقدَّم الكلام عليه، وتقدَّم بعض ترجمته قريبًا.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن زيد بن عاصم المازنيُّ؛ مازن الأنصار صحابيٌّ، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (فِي تَوْرٍ): تقدَّم أنَّه بالمثنَّاة فوقُ، وأنَّه مثل قدح من حجارة [1].

قوله: (مِنْ صُفْرٍ): هو _بِضَمِّ الصَّاد المهملة، ثُمَّ فاء ساكنة، ثُمَّ راء، وأبو عبيدة: بكسر الصَّاد، قاله الجوهريُّ_ النُّحاس، سمِّي بذلك؛ لصفرته، يقال له: الشَّبه؛ لأنَّه يشبه الذَّهب، وقال القزَّاز [2]: (هو النُّحاس الجيِّد).

==========

[1] في (ب): (الحجارة).

[2] في (ب): (الفراء).

[ج 1 ص 94]

(1/576)

[حديث: هريقوا عليَّ من سبع قرب]

198# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَان): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه أبو بكر [1] محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب العالم المشهور.

قوله: (ثقُلَ): هو بفتح الثَّاء المثلَّثة، ثُمَّ قاف مضمومة، ومعناه معروف.

قوله: (اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ): تقدَّم أنَّ أزواجه كنَّ تسعًا رضي الله عنهنَّ، وهنَّ معروفات مشهورات [2]، وهنَّ: عائشة، وسودة، وحفصة، وأمُّ سلمة هند، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأمُّ حبيبة بنت أبي سفيان رملة، وصفيَّة بنت حُييِّ بن أخطب من [3] سبط هارون عليه السَّلام، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وأمَّا ريحانة؛ فاختُلِف فيها: هل وطئها بالزوجية أو بملك اليمين، والأوَّل أثبت عند الواقديِّ، وأمَّا ابن عبد البَرِّ؛ فقال: سريَّة، وهي ريحانة بنت زيد بن عَمرو بن خنافة بن سمعون [4] [بالعين والغين معًا] بن زيد، من بني النَّضير، وبعضهم يقول: من بني قريظة.

قوله: (فَخَرَجَ [النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] بَيْنَ رَجُلَيْنِ ... ) إلى قوله: (بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ): وقال في آخره: (إنَّ الرَّجُلُ الآخَر: عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِب): سمَّاه كذلك ابن عَبَّاس، وجاء في «مسلم»: (بين الفضل بن عَبَّاس ورجل آخر)، وفي رواية: (بين رجلين، أحدهما أسامة).

وقال شيخنا الشَّارح في باب [5] (حَدِّ المَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَة): (وفي رواية لابن حبَّان في صحيحه: «أنَّه خرج بين بريرة ونوبة»؛ بالنُّون، وبعد الواو موحَّدة، وهو عَبْد أسود، كما قاله سيف في «الرِّدة»، وفي «مسلم»: «ويده على الفضل [6]، والأخرى على رجل آخر، سمَّاه ابن عَبَّاس: عليًّا»، وفي «الدَّارقطنيِّ»: «بين أسامة والفضل»، فلعلَّ ذلك كان نوبًا؛ مرَّة هذا ومرَّة هذا، أو بُريرة ونُوبة من البيت إلى الباب، والباقي خارج الباب، وإنْ كان مسافة ما بين الحجرة والصَّلاة ليست بعيدة؛ لالتماس البركة وزيادة الإكرام، والعَبَّاس ألزمهم بيده [7]، وغيره يتناوب، فاقتصرت عائشة رضي الله عنها عليه لذلك، وهذا أولى من قول من قال:

[ج 1 ص 94]

إنَّما لَمْ تذكر الآخر _وهو عليٌّ_؛ لشيء كان بينهما، أو كان ذلك ليس حالة واحدة، كما ستعلمهو كان ذلك ليس حالة واحدة كما أو) انتهى.

(1/577)

وقول شيخنا: إنَّ نوبة عبد؛ فاعلم أنَّ الذَّهبيَّ ذكره في الرِّجال وفي النِّساء، وقد ذكره في الرِّجال بعد (نوفل)، ومقتضى التَّرتيب أنْ يكون (نونة)؛ بنون بعد الواو أو [8] بالمثنَّاة [9] تحتُ، وكما قيَّده شيخنا قيَّده ابن ماكولا في «إكماله»، ولفظه: (وأمَّا نُوْبَة _أوَّله نون مضمومة، وبعدها واو ساكنة، وباء مفتوحة معجمة بواحدة_؛ فهو في حديث زائدة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «مرض رسول الله واشتدَّ مرضه ... »؛ فذكر الحديث، وقالت في آخره: «فوجد رسول الله من نفسه خفَّة فخرج بين بريرة [10] ونوبة») انتهى لفظه، وظاهر كلام ابن ماكولا أنَّه رجل، وفي «مبهمات» ابن شيخنا أبي زرعة ابن العراقيِّ عنِ الخطَّابيِّ وغيره: (بين عليٍّ وأسامة)، وقد تقدَّم من كلام شيخنا: (بين [11] أسامة والفضل) وعزاها للدَّارقطنيِّ، انتهى.

فالحاصل من الرِّوايات في الآخذ باليد: العَبَّاس، وعليٍّ، والفضل، وأسامة، وبريرة، ونوبة، والله أعلم، وأفاد [12] ابن شيخنا البلقينيِّ: أنَّ في «طبقات ابن سعد»: (أنَّه خرج متوكِّئًا على الفضل بن عَبَّاس وثوبان غلامه حتَّى دخل المسجد).

قوله: (هَرِيقُوا عَلَيَّ): كذا في هذه الرِّواية، قال شيخنا الشَّارح: (وذكره ابن التِّين: «أهريقوا»، ثُمَّ قال: صوابه: «أريقوا أو هريقوا» على أنَّ تبدل من الهمزة هاء، فأمَّا [13] الجمع بينهما؛ ففيه بُعد، وإنَّما يجتمعان في الفعل المستقبل، وقال الجوهريُّ: (هراق الماء يُهريقه هِراقة: صبَّه، وأصله: أراق يُريق إراقةً، وإنَّما قالوا: أنا [14] أهريقُه، ولا يقولون: أنا أُريقُه؛ لاستثقاله الهمزتين، وقد زال ذلك بعد الإبدال، ثُمَّ حكى فيه لغتين أخريين؛ وهما: أهْرَق [15] الماء يُهْرقه إهراقًا، على أفعَلَ يفعِل، وفيه لغة ثَالِثة: أَهْرَاق يُهْريق [16] إهْرِياقًا) انتهى.

(1/578)

قوله: (مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ): قال شيخنا الشَّارح: (إنَّما أمر _والله أعلم_ بأنْ يهراق عليه من سبع قرب على وجه التَّداوي، كما صبَّ عليه الصَّلاة والسَّلام وَضوءه على المغمى عليه، وكما أمر المعين أن يغتسل، وليس كما ظُنَّ وزُعم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اغتسل من إغمائه، نبَّه عليه المهلَّب)، وعن الحسن: (أنَّ الغسل واجب على المغمى عليه)، وعن ابن حبيب: (إنْ طال ذلك)، والعلماء متِّفقون _ غير هؤلاء_ أنَّ من أغمي عليه؛ فلا غسل عليه إلَّا أنَّ يُجنب، وقصده عليه الصَّلاة والسَّلام إلى السَّبع؛ تبرُّكًا بهذا العدد؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ خلق كثيرًا من مخلوقاته سبعًا، وقد أفرد ذلك الشَّيخ الأستاذ صلاح الدِّين خليل بن أيبك الصَّفديُّ، ومراده عليه الصَّلاة والسَّلام بأنَّ أَوكيتهنَّ لَمْ تحلل يحتمل ثلاثة أشياء _كما نبَّه عليه ابن الجوزيِّ_: التَّبرُّك عند ذكر الله عند شدِّها وحلِّها، وطهارة الماء إذا لَمْ تمسَّه يدٌ قبل حلِّ الوكاء فيكون أطيب للنفس، وبرده إذ لَمْ يسخن بحرارة الهواء.

قوله: (أَوْكِيَتُهُنَّ): جمع وِكاء، وقد تقدَّم أنَّه الخيط الذِي يُربَط به الوعاء.

قوله: (وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ [17]): تقدَّم الكلام على ضبط المخضب قريبًا، وما هو، قال شيخنا الشَّارح: (جاء أنَّه من نحاس، رواه عَبْد الرَّزاق، وساق سنده إلى عائشة رضي الله عنها) انتهى [18]، وقد رأيته في «المستدرك» في (الطَّهارة) عن عروة عنها، والله أعلم لكن بغير شكٍّ؛ لأنَّ شيخنا الرِّواية التي ساقها عن عروة أو غيره، عن عائشة رضي الله عنها.

قوله: (فطَفِقْنَا) [19]: أي: جعلنا [20]، طفِق: بكسر الفاء وفتحها، ولا يكاد يقولونها بالنَّفي، لكن في الإيجاب، ولا يقال: ما طفق يفعل.

==========

[1] (أبو بكر): ليس في (ب).

[2] (مشهورات): ليس في (ج).

[3] في (ج): (ابن).

[4] في (ب) و (ج): (سمغون).

[5] (باب): ليس في (ج).

[6] في (ج): (الفضيل)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب) و (ج): (أكرمهم لسيده).

[8] في (ج): (و).

[9] في (ب): (بالياء المثناة).

[10] في (ب): (بريدة)، وهو تحريفٌ.

[11] (بين): ليس في (ج).

[12] في (ب): (وأورد).

[13] في (ب): (وأمَّا).

[14] (أنا): ليس في (ج).

[15] في (ج): (إهراق).

[16] في (ج): (ييريق).

[17] في هامش (ق): (المخضب هنا: الإجانة).

[18] (انتهى): ليس في (ب).

[19] في (ب): (فطفقا).

[20] في (ب): (جعلتا).

(1/579)

[باب الوضوء من التور]

قوله: (باب الوُضُوءِ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الواو: الفعل، وأمَّا الماء؛ فبالفتح، ويجوز في كلٍّ منهما اللغتان: الضَّمُّ والفتح.

قوله: (مِنَ التَّوْرِ): تقدَّم أنَّه بالمثنَّاة فوقُ، وتقدَّم ما هو قريبًا.

==========

[ج 1 ص 95]

(1/580)

[حديث ابن زيد: رأيت النبي يتوضأ فدعا بتور من ماء]

199# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هو ابْنُ بِلَالٍ أبو محمَّد، مولى أبي بكر، عن زيد بن أسلم، وعبد الله بن دينار، وعنه: ابنه أيُّوب، والقعنبيُّ، ولُوين، ثقة إمامٌ تقدَّم، أخرج له الجماعة.

قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى): [تقدَّم الكلام عليه، وَتقدَّم شيء من ترجمته قريبًا.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم أنَّه يحيى] [1] بن عُمارة بن أبي حسن، وتقدَّم الكلام على شيء من ترجمته قريبًا.

قوله: (كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ الوُضُوءِ): تقدَّم أنَّ عمَّه عَمرو بن أبي حسن، تقدَّم مرَّات قريبًا وبعيدًا؛ فانظره.

قوله: (لِعَبْدِ الله بن زَيْدٍ): تقدَّم، ابن [2] عاصم المازنيُّ؛ مازن الأنصار، وتقدَّم الكلام على بعض ترجمته رضي الله عنه.

قوله: (بِتَوْرٍ): تقدَّم أعلاه الكلام عليه، وأنَّه قد تقدَّم مرَّاتٍ.

قوله: (فَكَفَأَ): هو بهمزة في آخره؛ أي: قلب، تقدَّم، وتقدَّم أنَّ فيه لغتين، ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وكلاهما مهموز الآخر، والثُّلاثيُّ [3] أفصح.

قوله: (مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ): هي بفتح الغين في أصلنا، وقد تقدَّم أنَّ الغُرفة؛ بالضَّمِّ: اسم ما اغتُرف، وبالفتح: الفعل، وقيل: هما بمعنًى، وقيل: الغَرفة: المرَّة الواحدة.

قوله: (إِلَى المِرْفَقَيْنِ): تقدَّم أنَّ المِرفَق؛ بكسر الميم، وفتح الفاء، وبالعكس.

قوله: (فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ [بِهِ] وَأَقْبَلَ): قال شيخنا الشَّارح: (احتجَّ به الحسن ابن حيٍّ على البداءة بمؤخَّر الرَّأس، وعنها أجوبة؛ أحدها: أنَّ الواو لا تدلُّ على التَّرتيب، ثانيها: أنَّ الإقبال من جهة الشَّعر من جهة القفا، والإدبار إليه، ثَالِثها: أنَّ المراد إقبال الفعل لا غير) انتهى.

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[2] في (ج): (أنَّه)، ولا يصح.

[3] في (ج): (والثاني).

[ج 1 ص 95]

(1/581)

[حديث: أن النبي دعا بإناء من ماء]

200# قوله: (حَدَّثَنَا حمَّادٌ [1]): هو ابن زيد بن درهم الأزديُّ أبو إِسْمَاعِيل البصريُّ، أحد الأعلام، أُضِرَّ، وكان يحفظ حديثه كالماء، عن أبي عمران الجونيِّ، وثابت، وأبي [2] جمرة [3]، وعنه: مُسَدَّد، وابن المدينيِّ، قال ابن مهديٍّ: (ما رأيت أحدًا لم يكتب أحفظ مِنْهُ، وما رأيت بالبصرة أفقه مِنْهُ، ولم أرَ أعلم بالسُّنَّة مِنْهُ)، عاش إحدى وثمانين سنة، توفِّي في رمضان سنة (179 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (فَأُتِيَ بِقَدَحٍ): (أُتِي): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (رَحْرَاحٍ) [4]: هو براءين؛ الأولى مفتوحة، وحاءين مهملتين؛ الأولى ساكنة، يقال: قدح رحراح، ورحرح [5] أيضًا، لكنَّ الرِّواية بالألف؛ وهو الواسع، وقيل: القريب القعر، القصير الجوانب.

[قوله: (يَنْبعُ): تقدَّم أنَّه مُثلَّث الباء] [6].

قوله: (مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ): تقدَّم أنَّ نبع الماء اتفق للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّاتٍ، وتقدَّم كلام ابن حبَّان، كم كان عددهم في كلِّ مرَّة؛ فانظره [في (باب التماس النَّاس [7] الوضوء إذا حانت الصَّلاة)] [8].

==========

[1] (حماد): ليس في (ب).

[2] (وأبي): ليس في (ب).

[3] في (ب): (وحمزة).

[4] في هامش (ق): (الرَّحْراح: القصير الواسع الخشن).

[5] في (ج): (أو رحرح).

[6] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[7] (الناس): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[8] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[ج 1 ص 95]

(1/582)

[باب الوضوء بالمد]

[ج 1 ص 95]

قوله: (الوُضُوءِ بِالمُدِّ): اعلم أنَّ المُدَّ مختلف فيه؛ فقيل: رطل وثلث بالعراقيِّ، وبه يقول الشَّافعيُّ وفقهاء الحجاز، وقيل: هو رِطْلَان، وبه أخذ أَبُو حَنفية وفقهاء العراق، فيكون الصَّاع على الأصحِّ، وهو قول أهل الحجاز خمسة أرطال وثلثًا، وعلى الثَّاني: ثمانية أرطال، والرطل: مئة وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم، وقيل: بلا أسباع، وقيل: مئة وثلاثون، فعلى الأصحِّ: الصَّاع: ستُّ مئة درهم وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم.

(1/583)

[حديث: كان النبي يغسل بالصاع إلى خمسة أمداد]

201# قوله: (حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه الفضل بن دُكَين، وأنَّ دُكَينًا؛ بالدَّال المهملة، وتقدَّم بعض ترجمة أبي نُعيم.

قوله: (حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ): هو بكسر الميم، ثُمَّ سين ساكنة، ثُمَّ عين مفتوحة مهملتين، ثُمَّ راء، وهو ابن كدام أبو سَلمة الهلاليُّ الكوفيُّ، العَلَم، عن عطاء، وسعيد بن أبي بردة، وقيس بن مسلم، وعنه: القطَّان، ويحيى بن آدم، وله ألف حديث، قال القطَّان: (ما رأيت مثله)، وقال شُعْبَة: (كنا نسمِّيه المصحف من إتقانه) انتهى، وكان من [1] العُبَّاد القانتين [2]، توفِّي سنة (155 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكر في «الميزان» لأجل إرجائه.

قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ): هو بفتح الجيم، وإسكان الموحَّدة، وقيل: جابر، واسمه: عَبْد الله بن عَبْد الله بن جبر _أو ابن جَابِر_ بن [3] عتيك [4] الأنصاريُّ المدنيُّ، عن أبيه، وجدِّه لأمِّه عتيك بن الحارث، وعبد الله بن عُمر، وأنس، وعنه: شُعْبَة، ومسعر، ومالك، وجماعة، ضعَّفه ابن مَعِين وغيره، قال ابن منجويه [5]: (أهل العراق يقولون في جدِّه: جَبْر، ولا يصحُّ، إنَّما هو جابر)، أخرج له الجماعة، وليس له ترجمة في «الميزان».

قوله: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ [6] يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ): قال شيخنا الشَّارح: (الظَّاهر أنَّ هذا الشَّكَّ من البخاريِّ؛ لأنَّ الطُّرق إلى ابن [7] جبر ليس فيها ذلك، وقد رواه مُسْلِم [8] عن قتيبة، عن وكيع، عن مسعر، وعن أبي نعيم _ يعني: شيخ البخاريِّ عَبْدُ الله بن محمَّد الطَّحان_ وغيرُه) انتهى؛ يعني: ورواه عن أبي نعيم عَبْدُ الله بن محمَّد الطَّحَّانُ وغيرُه من غير شكٍّ، قال شيخنا: (ويجوز أنْ يكون أَبُو نعيم رواه للبخاريِّ على الشَّكِّ، ولغيره؛ يعني: كما رواه عَبْد الله بن محمَّد الطَّحَّان عن أبي نعيم بدونه، والله أعلم).

[قوله: (بِالصَّاعِ): تقدَّم الكلام على الصَّاع أعلاه كم هو، وكذا على المدِّ] [9].

(1/584)

قوله: (وَيَتَوَضَّأُ بِالمُدِّ): اعلم أنَّه روى الحاكم في «مستدركه» كما رأيته في «تلخيص الذَّهبيِّ» عن عَبْد الله بن زيد: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أُتِي بثلثي مُدٍّ من ماء فتوضَّأ، فجعل يدلِّك ذراعيه، ثُمَّ قال: على شرطهما، وأخرجه من حديث عَبْد الله بن زيد ابنُ حبَّان، وأخرجه [10] من حديث أمِّ [11] عمارة أبو داود والنَّسائيُّ.

فائدة: قال الدِّمياطيُّ ما لفظه: (روى الطَّبرانيُّ في «المعجم الكبير» بإسناده إلى أبي أمامة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأ بنصف مُدٍّ) انتهى.

قال شيخنا الشَّارح في «تخريج أحاديث الرَّافعيِّ» وقد ذكر هذا الحديث: (رواه الطَّبرانيُّ والبيهقيُّ من رواية أبي أمامة بإسناد ضعيف) انتهى.

==========

[1] (من): ليس في (ب).

[2] زيد في (ب): (انتهى).

[3] (بن): سقط من (ب).

[4] في (ب): (عبيد)، وفي (ج): (حنبل)، وكلاهما تحريف.

[5] زيد في (ب): (قال).

[6] (كان): ليس في (ج).

[7] (ابن): ليس في (ب).

[8] (مسلم): ليس في (ب).

[9] ما بين معقوفين جاء في (ب) بعد قوله: (قوله: «حدثني ابن جبر» ... في «الميزان»).

[10] (وأخرجه): ليس في (ب).

[11] في (ج): (ابن).

[ج 1 ص 96]

(1/585)

[باب المسح على الخفين]

(باب المَسْحِ على الخُفَّيْنِ) ... إلى (باب الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ)

==========

[ج 1 ص 96]

(1/586)

[حديث سعد في مسح النبي على الخفين]

202# قوله: (عَنِ ابْنِ وَهْبٍ): هو عَبْد الله بن وهب أبو محمَّد الفهريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، عنِ ابن جريج، ويونس، وعنه: أحمد بن صالح، والرَّبيع، وحرملة، وأمم، قال يحيى ابن بكير: (هو أفقه من ابن القاسم)، قال ابن يونس: (طُلِب للقضاء، فجنَّن نفسه وانقطع) توفِّي سنة (197 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تقدَّم الكلام عليه، وهو أحد الأثبات.

قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرٌو): هو ابن الحارث بن يعقوب أَبُو أميَّة الأنصاريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، عن أبي [1] يونس مولى أبي هريرة، وابن أبي مليكة، والزُّهْرِيِّ، وخلق، وعنه: اللَّيث، ومالك، وابن وهب، وخلق، حجَّة، توفِّي سنة (148 هـ)، وله غرائب، وله ترجمة في «الميزان»، أخرج له الجماعة.

قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ): هو بالضَّاد المعجمة، وقد تقدَّم أنَّه لا حاجة إلى تقييده؛ لأنَّه لا يرد إلَّا بالألف واللَّام؛ بخلاف نصر، وهو سالم بن أبي [2] أميَّة المدنيُّ، عن أنس، وكتب إليه ابنُ أبي أوفى، وعنه: مالك، واللَّيث، ثقة نبيل [3]، وثَّقه ابن مَعِين والنَّسائيُّ، توفِّي سنة (129 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تقدَّم أنَّ هذا أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل.

قوله: (وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ): هو بفتح الهمزة، معطوف على (أنَّه) التي قبلها.

قوله: (وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ [4] سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ ... ) إلى آخره: قال شيخنا الشَّارح: (إِنَّمَا أنكر ابن عُمر رضي الله عنهما على سعد رضي الله عنه المسح في الحضر كما هو مبيَّن في بعض الرِّوايات، وأمَّا في السفر؛ فقد كان ابن عُمر يعلِّمه ويرويه مرفوعًا، كما رواه ابن أبي شيبة وغيره).

قوله: (وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ... ) إلى آخره: إِنَّمَا أتى بهذا التَّعليق لفائدة؛ وهي تصريح أبي النَّضر بأنَّ أبا سلمة أخبره بخلاف السَّند الأوَّل، فإنَّه عنعن وإنْ كان أَبُو النَّضر سالم سالمًا من التَّدليس، لكن ليخرج من الخلاف من عنعنة غير المدلِّس، والله أعلم.

(1/587)

وتعليق موسى بن عقبة أخرجه النَّسائيُّ، عن قتيبة، عن إِسْمَاعِيل بن جعفر، عن موسى، عن أبي النَّضر، عن أبي سلمة، عن سعد عنه عليه السَّلام «المسح على الخفَّين لا بأس به»، ولم يذكر ابن عمر.

==========

[1] في (ج): (ابن).

[2] (أبي): ليس في (ج).

[3] في (ب): (يقبل).

[4] زيد في (ب): (هو بفتح الهمزة)، وهو تكرار في غير محله، فقد سبق في سطر فوقه.

[ج 1 ص 96]

(1/588)

[حديث المغيرة في المسح على الخفين]

203# قوله: (فَاتَّبَعَهُ): هو بتشديد التَّاء، ويجوز سكونها؛ لغتان.

قوله: (بِإِدَاوَةٍ): تقدَّم أنَّها إناء صغير من جلد؛ كالسطيحة، وجمعها أداوى، واعلم أنَّ هذه القصَّة كانت في غزوة تبوك، كما في «الصَّحيح».

==========

[ج 1 ص 96]

(1/589)

[حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على الخفين]

204# قوله: (حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه الفضل بن دُكَين، وتقدم أنَّ دُكَينًا؛ بالدَّال المهملة، وتقدَّم بعض ترجمة أبي نُعيم.

قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): هو ابن عَبْد الرَّحمن، النَّحويُّ المؤدِّب، أبو معاوية مولى بني تميم البصريُّ، سمع الحسن، ويحيى بن أبي كثير، وعنه: ابن مهديٍّ، وعليُّ بن الجعد، وكان صاحب حروف وقراءات، تقدَّم.

وتقدَّم أنَّ النَّحويَّ نسبة إلى قبيلة، وكذلك يزيد بن أبي سعيد، قال ابن الأثير في كتاب «الأنساب» ما معناه: (إنَّه لَمْ يرو الحديث من القبيلة إلَّا اثنان؛ أحدهما هذا، والآخر: يزيد، والباقون إلى العربيَّة)] [1].

[تنبيه: ذكر الذَّهبيُّ في ترجمة شيبان هذا _والظَّاهر أنَّه في أصله_ ما نصُّه: (قال ابن أبي داود وغيره: إنَّ المنسوب إلى القبيلة يزيد بن أبي سعيد النَّحويُّ لا شيبان النَّحويُّ هذا) انتهى] [2].

[قوله: (عن يَحْيَى عن أَبِي سَلَمَةَ): هو يحيى بن أبي كَثِير؛ بفتح الكاف، وبالثَّاء المثلَّثة، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته] [3].

[ج 1 ص 96]

قوله: (عَن أَبِي سَلَمَةَ): هو ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف، وتقدَّم قريبًا أنَّه أحدُ الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتقدَّم أنَّ اسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل، وتقدَّم بعض ترجمته بعيدًا.

قوله: (وَتَابَعَهُ حَرْبٌ [4] وَأَبَانُ عن يَحْيَى): أمَّا الضَّمير في (تَابعَهُ)؛ فيعود على شَيْبَانَ _يعني: ابن عَبْد الرَّحمن_؛ أي: تابع هذان [5] شَيْبَانَ في رواية هذا الحديث عن يحيى؛ هو ابن أبي كثير.

وأمَّا (حرب)؛ فهو ابن شدَّاد أبو الخطَّاب، عنِ الحسن، وشهر [6]، وعنه: ابن مهديٍّ، وعمرو بن مرزوق، وثَّقه أحمد، توفِّي سنة (161 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

ومتابعة حرب أخرجها النَّسائيُّ في (الطَّهارة): عن عَبَّاس العنبريِّ، عن عَبْد الرَّحمن بن مهديٍّ، عن حرب بن [7] شدَّاد به.

(1/590)

وأمَّا (أَبانُ)؛ فقد تقدَّم أنَّ الصَّحيح أنَّه مصروف، و (أَبان) هذا: هو ابن يزيد العطَّار البصريُّ، عنِ الحسن، وأبي عمران الجونيِّ [8]، وعدَّة، وعنه: القطَّان، وعفَّان، وهدبة، قال أحمد: (ثَبتٌ في كلِّ المشايخ)، وذكره ابن حبَّان في «الثِّقات»، توفِّي سنة بضع وستِّين ومئة، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود [9]، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، ومتابعته لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، والله أعلم، قال شيخنا: (أخرجها الطَّبرانيُّ في «أكبر معاجمه» من حديث موسى [10] بن إِسْمَاعِيل عنه).

==========

[1] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب) و (ج).

[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[4] في (ب): (حارث)، وهو تحريف.

[5] في (ج): (هذا).

[6] في (ج): (وبهز)، وهو تحريفٌ.

[7] (بن): ليس في (ج).

[8] في (ب): (الجويني)، وهو تحريفٌ.

[9] في (ب): (وابن ماجه)، وليس بصحيح، وانظر «تقريب التهذيب».

[10] (موسى): ليس في (ب).

(1/591)

[حديث عمرو بن أمية: أنه رأى النبي يمسح على عمامته وخفيه]

205# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرَّات أنَّه عَبْد الله بن عثمان، وتقدَّم بعض ترجمته، ولماذا لُقِّب (عبدان).

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك، العالم الرَّبَّانيُّ الفرد في عدَّة فنون رحمة الله عليه.

قوله: (أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ): تقدَّم أنَّه أبو عَمرو عَبْد الرَّحمن بن عَمرو العالم المشهور [1].

قوله: (عَنْ يَحْيَى): هذا هو ابن أبي [2] كَثِير؛ بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، تقدَّم.

[قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف] [3]، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عَبْد الله [4]، وقيل: إِسْمَاعِيل أعلاه.

قوله: (يَمْسَحُ على عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ): فائدة: اختلف العلماء في المسح على العمامة بدلًا عنِ الرَّأس على قولين، وقال بكلٍّ منهما جماعة من الصَّحابة، وممَّن كان يراه: أحمد وأبو ثور، وممَّن كان لا يراه: مالك، وأبو حنيفة، والشَّافعيُّ.

وقال أبو محمَّد ابن حزم الظَّاهريُّ: (ستَّة من الصَّحابة روَوا ذلك عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأسانيد لا معارض لها، ولا مطعن فيها: المغيرة، وبلال، وعمرو بن أميَّة، وسلمان [5]، وكعب بن عجرة، وأبو ذرٍّ، وبهذا يقول جمهور الصَّحابة والتَّابعين، وقد قال الشَّافعيُّ: إنْ صحَّ الخبر؛ فبه أقول، وقد صحَّ؛ فهو قوله [6]) [7] انتهى.

وفي «البحر» عن محمَّد بن نصر المروزيِّ _من كبار الشَّافعيَّة_: أنَّه يكفي المسح على العمامة سواء وضع العمامة على طهر أم لا، وأجاب أصحاب الشَّافعيِّ: بأنَّ هذه الأحاديث وقع فيها اختصار، والمراد مسح النَّاصية والعمامة؛ بدليل رواية المغيرة بن شُعْبَة: (مسح بناصيته وعلى عمامته)، أخرجها مُسْلِم، ورواية بلال: (أنَّه عليه السَّلام مسح على الخفَّين، وبناصيته، وعلى [8] العمامة)، قال البيهقيُّ: (إسنادها حسن) [9]، وقالوا أيضًا: فإنَّ العمامة لا تسمَّى رأسًا، واشترط أحمد وضعها على طهارة، وأنْ يكون محنَّكًا بها، فإنْ لَمْ يكن محنَّكًا بها، وكان لها ذؤابة؛ فوجهان لأصحابه، وفي مسح المرأة على مقنعتها روايتان عندهم، والله أعلم.

(1/592)

قوله: (وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عن يَحْيَى [10]، عن أَبِي سَلَمَة، َ عن عَمْرِو [11] قَالَ: رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): الضَّمير في (تَابعَهُ) يعود على الأَوْزَاعِيِّ، وهو بإسكان العين، وهو ابن راشد، وقد تقدَّم بعض ترجمته، ومتابعة معمر لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وقال شيخنا: (وأمَّا متابعة معمر [12]؛ فمرسلة، وليس فيها ذكر العمامة، ورواه عَبْد الرزَّاق عن معمر بدونها) انتهى [13]

وحديث أبي سلمة عن عَمرو بن أميَّة أخرجه ابن ماجه في (الطَّهارة)، عن دحيم [14]، عنِ الوَلِيد بن مُسْلِمٍ، عنِ الأَوْزَاعِيِّ، عن يَحْيَى، عن أَبِي سَلَمَةَ، عن عَمْرِو بن أُمَيَّةَ به، زاد المِزِّيُّ في «أطرافه»: (تابعه معمر، عن يحيى، وقال شيبان وغير واحد: عن يَحْيَى، عن أَبِي سَلَمَةَ، عن جعفر بن عمرو بن أُمَيَّةَ، عن أبيه، وكذلك قال عَبْد الله بن المبارك، عنِ الأَوْزَاعِيِّ، وقد مضى) انتهى.

قوله: (عَنْ يَحْيَى): هو ابن أبي كَثِير، تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه ابن [15] عَبْد الرَّحمن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتقدَّم بعض ترجمته.

تنبيه: الحاصل من هذه المتابعات: أنَّ الأربعة _وهم: شيبان؛ هو ابن [16] عَبْد الرَّحمن، وحرب؛ هو ابن شدَّاد، وأبان؛ هو ابن يزيد، والأوزاعيُّ_ روَوه عن يحيى هو ابن أبي كَثِير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عَمرو بن أميَّة، (عن عَمرو بن أميَّة) [17]، وأنَّ معمرًا رواه عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عَمرو بن أميَّة، فأسقط جعفرًا، والله أعلم.

==========

[1] (العالم المشهور): ليس في (ب).

[2] (أبي): ليس في (ج).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[4] في (ج): (الرحمن)، وكذا كان في (أ) قبل الإصلاح.

[5] في (ج): (وسليمان).

[6] في النسخ: (قول)، والمثبت موافق لما في «المحلى».

[7] «المحلَّى».

[8] في (ب): (على).

[9] «السنن الصغرى» (107).

[10] (عن يحيى): ليس في (ج).

[11] في (ج): (عمر)، وليس بصحيح.

[12] في (أ) و (ب): (عمرو)، وكذا في «التوضيح» (4/ 355)، والمثبت من (ج) وسائر الشروح، ولعله هو الصواب.

[13] «التوضيح» (4/ 355).

[14] في (ب): (الحكم)، وفي (ج): (دحم)، وكلاهما تحريف.

[15] (ابن): سقط من (ج).

[16] (ابن): ليس في (ج).

(1/593)

[17] ما بين قوسين ليس في (ب) و (ج).

[ج 1 ص 97]

(1/594)

[باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان]

(1/595)

[حديث: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين]

206# قوله: (حَدَّثَنَا أبو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ دُكَينًا؛ بالدَّال المهملة.

قوله: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ): هو بالمدِّ والقصر، ويجوز من حيث اللُّغة: زكريُّ وزكري؛ بتشديد الياء وتخفيفها، حكاهما ابن دريد وآخرون، وخامسة: زَكَر؛ كقَلَمٍ، حكاها أبو البقاء، وزكريَّا هذا هو ابن أبي زائدة الهْمدانيُّ الوادعيُّ الحافظ، عنِ الشَّعبيِّ، وسماك، وعنه: القطَّان، وأبو نعيم، ثقة، يدلِّس عنِ الشَّعبيِّ، توفِّي سنة (149 هـ)، أخرج له الجماعة، قال أبو زرعة: (صويلح)، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ عَامِرٍ): هو ابن شراحيل الشَّعبيُّ أحد الأعلام، ولد في خلافة عُمر رضي الله عنه، وروايته عن عليٍّ في «البخاريِّ»، ورَوى عن أبي هريرة، والمغيرة، وخلق، وعنه: منصور، وحُصين، وابن عون، وأمم، قال: (أدركت خمس مئة من الصَّحابة)، وقال: (ما كتبت سوادًا في بياض، ولا حُدِّثت بحديث إلَّا حفظته)، وقال مكحول: (ما رأيت أفقه من الشَّعبيِّ)، وقال غيره: الشَّعبيُّ في زمانه كابن عَبَّاس في زمانه، مات سنة ثلاث أو أربع [1] ومئة، أخرج له الجماعة.

قوله: (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ): تقدَّم أنَّ هذا السَّفر كان [2] غزوة تبوك، كما في «الصَّحيح»، وكانت في السَّنة التَّاسعة من الهجرة.

[فائدة: قال البزَّار في «مسنده» عن حديث المغيرة في المسح: روي من نحو ستِّين طريقًا] [3].

قوله: (لِأَنْزِعَ): هو بكسر الزَّاي؛ أي: أخلع.

قوله: (دَعْهُمَا): الضَّمير في (دع) يعود على الخفَّين.

قوله: (أَدْخَلتُهُمَا): الضَّمير في (أدخل) يعود على الرِّجلين، فالضَّميران مختلفان.

==========

[1] (أو أربع): ليس في (ب).

[2] زيد في (ب): (في).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 97]

(1/596)

[باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق]

قوله: (لَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم أنَّ فيه ثلاثةَ مذاهب للنحاة: يتوضَّأ، ويتوضَّ، ويتوضَّا، وقد قال شيخنا الشَّارح: (يجوز في «من لَمْ يتوضَّأ» روايتان: إثبات الهمزة وسكونها علامة الجزم، وهو الأشهر في اللُّغة، وحذف الألف علامة [1] الجزم؛ مثل: لَمْ يخشَ) انتهى.

وإنَّ شيخنا الأستاذ الإمام أبا جعفر الأندلسيَّ قال في «شرح الألفيَّة» لابن عَبْد المعطي في النَّحو: (فإنْ كانت الألف والياء والواو في الفعل المضارع ليست بأصل، وإنَّما [2] هي مبدلة من همزة؛ نحو: «يقراْ»؛ بسكون الألف، والأصل: «يقرأ»؛ بالهمز، و «يُقريْ»؛ بسكون الياء، والأصل: «يقرئ»؛ بالهمز، و «يَوْضَوْ»؛ بسكون الواو، والأصل: «يوضَأ»؛ بالهمز؛

[ج 1 ص 97]

فاختلف النَّحويُّون في جزم ذلك؛ فذهب ابن عصفور أنَّ لك في ذلك وجهين: أحدهما: إبقاء حروف العلَّة، وعلامة الجزم بسكون هذه الحروف؛ لأنَّها كانت متحرِّكة، الثَّاني: حذف هذه الحروف تشبيهًا لها بالحروف الأصليَّة، وذهب الأستاذ أبو الحسن ابن [3] الضَّائع _ يعني: بالضَّاد المعجمة، وقد ذكرت أنا فيما مضى اسمه ونسبه_ أنَّه لا [4] يجوز في جزم هذا النَّوع من الفعل حذف حروف العلَّة، وإنَّما علامة الجزم التَّسكين؛ لأنَّ تسهيل الهمزة؛ لتخفيفها [5]) انتهى ملخَّصًا، وقد تقدَّم.

فائدة: حديث ابن عَبَّاس: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ... )؛ الحديث، قال شيخنا الشَّارح: (إنَّ ذلك كان في بيت ضباعة بنت الحارث، كذا في «مسند إِسْمَاعِيل» القاضي، وقال يزيد بن هارون: بنت الزُّبير).

==========

[1] (علامة): ليس في (ج).

[2] في (ب): (إنَّما).

[3] (ابن): سقط من (ج).

[4] (أنَّه لا): سقط من (ج).

[5] في (ج): (كتخفيفها).

(1/597)

[حديث: رأى رسول الله يحتز من كتف شاة]

208# قوله: (عن عُقَيْلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وتقدَّم [1] أنَّه ليس في «البخاريِّ» عُقيل؛ بالضَّمِّ سواه، وأنَّه ابن خالد، وتقدَّم من له ذكر في «مسلم» من هذه المادَّة.

قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.

==========

[1] في (ج): (وقد تقدَّم).

[ج 1 ص 98]

(1/598)

[باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ]

قوله: (ولَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.

==========

[ج 1 ص 98]

(1/599)

[حديث سويد بن النعمان: أنه خرج مع رسول الله عام خيبر]

209# قوله: (عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [1]): هذا هو الأنصاريُّ، وهو يحيى بن سَعِيد بن قيس بن عَمرو الأنصاريُّ، أبو سعيد، قاضي السَّفَّاح، عن أنس وابن المُسَيّب، وعنه: مالك، والقطَّان، حافظٌ فقيهٌ، إمامٌ حجَّةٌ، توفِّي سنة (143 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» تمييزًا [2].

قوله: (عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ): (بُشَيْرِ)؛ بضمِّ الموحَّدة، وفتح الشِّين المعجمة؛ مصغَّر، و (يَسَارٍ): بالمثنَّاة تحتُ، ثُمَّ سين مهملة، روى عن أبي بردة بن نِيَار [3]، ورافع بن خديج، وعدَّة، وعنه: يحيى بن سعيد، وابن إسحاق، وجماعة، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين، وقال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا، قد أدرك عامَّة الصَّحابة.

قوله: (عَامَ خَيْبَرَ): كانت خيبر في السَّنة السَّابعة، وقيل: آخر السَّادسة، قال مالك: (في السَّادسة)، وقال الجمهور: في السَّابعة، وقطع ابن حزم: بأنَّها كانت في السَّادسة بلا شكٍّ، انتهى، ولعلَّ الخلاف مبنيٌّ على أوَّل التَّأريخ هل هو من شهر ربيع الأوَّل شهر مقدمه عليه الصَّلاة والسَّلام المدينة، أو من أوَّل المحرَّم من أوَّل السَّنة، وللناس طريقان، والجمهور على أنَّ التَّأريخ وقع من المحرَّم، وابن حزم يرى أنَّه في شهر ربيع الأوَّل حين قدم عليه الصَّلاة والسَّلام، وستأتي المسألة في خيبر والاختلاف في أوَّل التَّأريخ من أيِّ وقت أرَّخوا إن شاء الله تَعَالَى في مكانه.

قوله: (بِالصَّهْبَاءِ): هي _بفتح الصَّاد المهملة، ثُمَّ هاء ساكنة، ثُمَّ موحَّدة، وفي آخره همزة ممدودة_ على روحة من خيبر.

قوله: (بِالسَّوِيقِ): هو قمح أو شعير يقلى، ثُمَّ يطحن فيُتزوَّد به، ويُستفُّ بماء يُثرى به، أو بسمن، أو بعسل [4] وسمن، قال ابن دريد: (بنو العنبر يقولونه بالصَّاد).

قوله: (فَثُرِّيَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، مشدَّد، قال الدِّمياطيُّ: (ثرَّيت السَّويق؛ إذا بللته، والموضع أيضًا: رششته) انتهى، وكذا قال غيره ممَّن تقدَّم، ولكنِّي قصدي المحافظة على ذكر حواشيه، والله أعلم، وعن القرطبيِّ أنَّه قال [5]: قيَّدناه بتشديد الرَّاء وتخفيفها.

قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه، وقبل ذلك أيضًا.

(1/600)

فائدة: مقصود البخاريِّ رحمه الله بالبابين المتقدِّمين ترك الوضوء ممَّا مسَّت النَّار، وقد صحَّت أحاديث بالوضوء مِنْهُ، وهي عند جمهورَي [6] الصَّحابة والتَّابعين منسوخة، وبذلك قال الأئمَّة الأربعة، وعدم الوضوء هو آخر الأمرين، وقد كان فيه خلاف لبعضهم في الصَّدر الأوَّل، ثُمَّ وقع الإجماع على خلافه، وحمل بعضهم الوضوء على اللُّغويِّ؛ وهو غسل الفم والكفَّين دون الشَّرعيِّ.

ثانية: صحَّ الأمر بالوضوء من لحم الإبل من حديث البراء وجَابِر بن سمرة رضي الله عنهم، وقال به أحمد وجماعة أهل الحديث، وهو قول الشَّافعيِّ في القديم، واختاره من أصحابه من المتأخِّرين النَّوويُّ، وهو مختار، وعامَّة الفقهاء على خلافه، وأنَّ المراد به النَّظافة ونفي الزهومة، والله أعلم.

(1/601)

[حديث ميمونة: أن النبي أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ]

210# قوله: (وحَدَّثَنَا أَصْبَغُ): هو ابن الفرج المصريُّ الفقيه، قال ابن معين: (كان أعلم خلق الله برأي مالك)، وهو مشهور جدًّا؛ فلا نطوِّل به.

قوله: (أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ): هو عَبْد الله بن وهب المصريُّ، أبو محمَّد الفهريُّ مولاهم، قال يحيى ابن بكير: (هو أفقه من ابن القاسم)، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (أَخْبَرَنِي عَمْرٌو): هذا هو ابْنُ الحَارِثِ بن يعقوب أبو أميَّة الأنصاريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، تقدَّم.

قوله: (عَنْ بُكَيْرٍ): هو بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف؛ مصغَّر، وهو بُكَيْر بن عَبْد الله بن الأشجِّ، عن أبي أمامة بن سهل، وابن المُسَيّب، وغيرهما، وعنه: ابنه مخْرمة، واللَّيث، وأمم، إمامٌ ثبتٌ، توفِّي في [1] سنة (127 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ مَيْمُونَةَ): هي بنت الحارث، زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما قيَّدتها؛ لأنَّ في الصَّحابيَّات من اسمها: ميمونة، تسع نسوة منهنَّ من له رواية ثلاث، وهي ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلاليَّة، أمُّ المؤمنين، خالة خالدٍ وابنِ عَبَّاس وعبدِ الله بن شداد ويزيدَ بن الأصمِّ، توفِّيت بعد الخمسين في سنة (51 هـ) بسرف، أخرج لها الجماعة، وأحمد في «المسند»، مناقبها كثيرة رَضِيَ اللهُ عنها [2].

قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم الكلام على النُّطق به أعلاه، وقبله أيضًا.

==========

[1] (في): ليس في (ب).

[2] (مناقبها كثيرة رضي الله عنها): تكرر في (ب) في غير محله.

[ج 1 ص 98]

(1/602)

[باب: هل يمضمض من اللبن]

قوله: (هَل يُمَضْمِضُ مِن اللَّبَنِ): هو مبنيٌّ للفاعل وللمفعول.

==========

[ج 1 ص 98]

(1/603)

[حديث: أن رسول الله شرب لبنًا فمضمض]

211# قوله: (عَنْ عُقَيْلٍ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وأنَّه ليس في «البخاريِّ» عُقيل؛ بالضَّمِّ غيره، وقد تقدَّم من هو [1] مذكور في «مسلم».

قوله: (عَنْ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهْرِيُّ الإمام الفرد.

قوله: (تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عنِ الزُّهْرِيِّ): الضَّمير في (تابعه) يعود على (عقيل) الرَّاوي عنِ ابن شهاب _وهو الزُّهْرِيُّ_ ومتابعة يونس أخرجها مُسْلِم في (الطَّهارة)، [و (يونس): هو ابن يزيد الأيليُّ، تقدَّم] [2].

و (صالح بن كيسان): هو مدنيٌّ، رأى ابن عُمر، وسمع عروة والزُّهْرِيَّ، وعنه: ابن عيينة، والدراورديُّ، وإبراهيم بن سعد، وكان جامعًا للفقه والحديث والمروءة، قال أحمد: (هو أكبر من الزُّهْرِيِّ بخ بخ)، أخرج له الجماعة، قال الواقديُّ: (توفِّي بعد الأربعين ومئة، رُمي بالقدر، ولم يصحَّ ذلك عنه)، ذكره في «الميزان» كذلك، وصحَّح عليه، وقد تقدَّم، ومتابعة صالح لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجها شيخنا.

[ج 1 ص 98]

==========

[1] في (ج): (وقد مرَّ هو).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ج)، وجاء في (ب) بعد قوله: (وهو الزُّهري).

(1/604)

[باب الوضوء من النوم]

(بَاب الوُضُوءِ مِن النَّوم) قوله: (الوُضُوءِ): هو بضمِّ الواو: الفعل، وأمَّا الماء؛ فبالفتح، ويجوز فيهما [1] الضَّم والفتح، تقدَّم ذلك مرارًا.

سؤال: إن قيل: كيف مخرج هذه التَّرجمة من الحديث، ومضمونها أنَّه لا يتوضَّأ من النُّعاس الخفيف، ومضمون الحديث النَّهي عنِ الصَّلاة مع النُّعاس؟

والجواب: ما قاله ابن المُنَيِّر ولفظه: (قلت: إمَّا أنْ يكون تلقَّاهَا من مفهوم تعليل النَّهي عنِ الصَّلاة حينئذٍ بذهاب العقل المؤدِّي إلى أنْ يعكس الأمر؛ يريد أنْ يَدعوَ، فيسبَّ نفسه، دلَّ أنَّه إنْ لَمْ يبلغ هذا المبلغ؛ صلَّى به، وإمَّا أنْ يكون تلقَّاها من كونه إذا بدأ به النُّعاس وهو في النَّافلة؛ اقتصر على إتمام ما هو فيه، ولَمْ يستأنف أخرى، فتماديه على ما كان فيه يدلُّ على أنَّ النُّعاس اليسير لا ينافي الطَّهارة، وليس بصريح في الحديث، بل يحتمل قطع الصَّلاة التي هو فيها، ويحتمل النَّهي عنِ استئناف شيء آخر، والأوَّل أظهر) انتهى.

قوله: (مِن النَّعْسَةِ): هي _بفتح النُّون_ السِّنَة، بخلاف النَّوم؛ فإنَّه الغلبة على العقل، وسقوط حاسَّة البصر وغيرها من الحواسِّ، والنُّعاس: تغيُّر الحواسِّ من غير سقوطها، وفي بعض كتب اللُّغة: (النُّعاس: النَّوم)، وفيه تجوُّز.

قوله: (أَو الخَفْقَةِ): هي بفتح الخاء المعجمة، ثُمَّ فاء ساكنة، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، يقال: خفق الرَّجل؛ إذا حرَّك رأسه وهو ناعس.

قوله: (وُضُوءًا): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بضمِّ الواو: الفعل، وأنَّه يجوز فيه الفتح.

(1/605)

[حديث: إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم]

212# قوله: (إِذَا نَعَسَ): هو بفتح العين، ومضارعه بِضَمِّها، وحكي فتحها فيه [1].

قوله: (يَسْتَغْفِرُ): (يستغفر) هنا؛ أي: يدعو، قاله القاضي عياض، انتهى، ويدلُّ لذلك ما جاء في بعض طرقه، لعلَّه يريد أنَّ يستغفر فيدعُو على نفسه.

قوله: (فَيَسُبَّ نَفْسَهُ): هو بنصب (يسبَّ)، ويجوز رفعها، وكذا هو في أصلنا بالقلم.

==========

[1] في (ج): (في المضارع)، وكذا كانت في (أ) قبل الإصلاح.

[ج 1 ص 99]

(1/606)

[حديث: إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ]

213# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): هو بفتح الميمين، بينهما عين ساكنة، واسمه عَبْد الله بن عمرو بن ميسرة، وكنية ميسرة أبو الحجَّاج، الِمنْقَريُّ الحافظ المُقعَد البصريُّ، عن أبي الأشهب العطارديِّ وعبد الوارث، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، وأبو حاتم، وغيرهم، حجَّةٌ، مات سنة (224 هـ)، أخرج له الجماعة، وليس له في الكتب السِّتَّة عن غير عَبْد الوارث شيء، وهو أثبت النَّاس [1] فيه.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ): هو عَبْد الوَارِث بن سعيد بن ذكوان التَّيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ البصريُّ أبو عُبيدة الحافظ، عن أيُّوب، ويحيى البكَّاء، وعنه: ابنه عَبْد الصَّمد، وأبو معمر المُقعَد _المقدَّم ذكره أعلاه_ ومُسَدَّد، وكان مقرئًا فصيحًا مفوَّهًا [2] ثبتًا صالحًا، رمي بالقدر، مات سنة (180 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» للاعتقاد.

قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ): قال الدِّمياطيُّ: (عَبْد الله بن زيد بن عَمرو الجرميُّ) انتهى، وهذا ظاهر، وهو من أئمَّة التَّابعين، روى عن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، ومعاوية، وسمرة، وذلك في «النَّسائيِّ» وهو مرسل، وعن ثابت بن الضَّحَّاك، ومالك بن الحويرث، وأنس في «الصِّحاح»، وعنه: قتادة، ويحيى بن أبي كثير، وأيُّوب، وخلق، هرب من القضاء فسكن داريَّا، توفِّي سنة (104 هـ)، أو سنة (107 هـ)، وقيل غير ذلك [3]، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان»؛ للتدليس، وهو ليس بقادح، إِنَّمَا القادح منه تدليس التَّسوية، وباقي أنواعه ليست بقدح، والله أعلم.

قال الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (عن عائشة وذلك في «مسلم» و «النَّسائيِّ»، وعمر في «النَّسائيِّ» ولم يدركه، وعن حذيفة في «أبي داود»، وسمرة في «النَّسائيِّ»، وابن عَبَّاس في «التِّرمذيِّ»، وأبي هريرة، ومعاوية، والنُّعمان بن بشير، وأبي ثعلبة الخشنيِّ، وقيل: روايته عن هؤلاء وعن غيرهم مرسلة، وروايته عن ثابت بن الضَّحَّاك ومالك بن الحويرث وأنس في الكتب السِّتَّة [4]) انتهى، وكذا قال العلائيُّ بعد أنْ ذكر من أرسل عنه، والاختلاف في ذلك، ثُمَّ قال: (نعم؛ روايته عن مالك بن الحويرث وأنس بن مالك وثابت بن الضَّحَّاك متَّصلة، وهي في الكتب السِّتَّة) انتهى.

(1/607)

قوله: (إِذَا نَعَسَ): تقدَّم أعلاه أنَّه بفتح العين في الماضي، وأنَّ المضارع بِضَمِّها، ويفتح أيضًا؛ لغتان.

فائدة: في النَّوم عشرة أقوال للنَّاس:

أحدها: غير ناقض بحال، وهو محكيٌّ عن أبي موسى الأشعريِّ، وابن المُسَيّب، وأبي مَخْلَد، وحميد بن عَبْد الرَّحمن الأعرج، والشِّيعة، قال ابن حزم: (وإليه ذهب الأوزاعيُّ، وهو قول صحيح عن جماعة من الصَّحابة وغيرهم؛ منهم: مكحول، وعَبيدة السَّلْمانيُّ)، قال: (وادُّعي الإجماع [5] على خلافه جهلًا وجرأة)، ثُمَّ ساق من حديث أنس: (كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينتظرون الصَّلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام، ثُمَّ يقومون إلى الصَّلاة) [6]، وإسناده صحيح، وفي «مسلم» من هذا الوجه: (كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَنَامُونَ، ثُمَّ يصلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّؤونَ)، وعند البزَّار: (يضعون جنوبهم، فمنهم من يتوضَّأ، ومنهم من لا يتوضَّأ)، زاد أحمد بن عبيد في «مسنده»: (على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وعند البيهقيِّ: (كان الصَّحابة يُوقَظُون للصلاة، وإنِّي لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثُمَّ [7] يصلُّون ولا يتوضَّؤون)، قال ابن المبارك: (هذا عندنا وهم جلوس)، قال البيهقيُّ: (وعلى هذا حمله ابن مهديٍّ والشَّافعيُّ) انتهى، وزاد بعضهم: هشيمًا [8]، كما أفاده الطَّبريُّ في «تهذيبه».

الثَّاني: ناقض مطلقًا، وهو مذهب الحسن البصريِّ، والمزنيِّ، وأبي عبيد [9] بن سلام، وابن راهويه، وحكي عن الشَّافعيِّ، وهو غريب، قال ابن المنذر: (وبه أقول).

الثَّالث: لا ينقض إلَّا نوم المضطجع فقط، وبه قال داود، وروي عن عُمر وابن عَبَّاس، ولم يصحَّ عنهما، وعن ابن عُمر، وصحَّ عنه، وعن النَّخعيِّ، واللَّيث، والثَّوريِّ، والحسن ابن حيٍّ، وابن المبارك، وأحمد.

الرَّابع: أنَّ كثيره ينقض مطلقًا دون قليله، وهو مذهب الزُّهْرِيِّ، وربيعة، والأوزاعيِّ، ومالك في إحدى الرِّوايتين، واختُلِف في حدِّ الكثير الذي ينقض، وفي كلام ابن قدامة تحديده.

الخامس: إذا نام على هيئة من هيئات المصلِّين كالراكع والسَّاجد والقائم والقاعد؛ لا ينتقض وضوءه سواء كان في الصَّلاة أم لَمْ يكن، فإنْ نام مضطجعًا أو مستلقيًا على قفاه؛ انتقض، وهو قول أبي حنيفة، وداود، وغيرهما، وحكي عنِ الشَّافعيِّ أيضًا، وهو غريب.

السَّادس: لا ينقض إلَّا نوم الرَّاكع والسَّاجد، رُوِي عن أحمد.

(1/608)

السَّابع: لا ينقض إلَّا نوم السَّاجد، رُوِي أيضًا عن أحمد.

الثَّامن: النَّوم في الصَّلاة غير ناقض، وخارجها ناقض، وحكي عنِ الشَّافعيِّ.

التَّاسع: أنَّه إنْ نام ساجدًا في مصلَّاه؛ فليس عليه وضوء، وإنْ نام ساجدًا في غير صلاة؛ توضَّأ، فإنْ تعمَّد النَّوم ساجدًا في الصَّلاة؛ فعليه الوضوء، وهو قول ابن المبارك، وقد تقدَّم في المذهب الثَّالث ما يخالفه، فلعلَّه عنه قولان.

العاشر: إنْ نام جالسًا مُمكِّنًا مقعدته [10] من الأرض؛ فلا نقض، وإلَّا؛ نقض [11] قلَّ أو كثر، في الصَّلاة أو خارجها، وهو الصَّحيح من مذهب الشَّافعيِّ، قاله شيخنا الشَّارح برمَّته لكنِّي اختصرته.

تنبيه:

[ج 1 ص 99]

ما تقدَّم كلُّه في حقِّنا، فأمَّا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فلا ينتقض وضوءه بالنَّوم مطلقًا.

==========

[1] (النَّاس): ليس في (ب).

[2] (مفوَّهًا): ليس في (ب).

[3] (وقيل غير ذلك): ليس في (ج).

[4] (السِّتة): ليس في (ج).

[5] (الإجماع): ليس في (ج).

[6] «المحلى».

[7] (ثم): ليس في (ب).

[8] في (ج): (هيمًا).

[9] زيد في (ج) اسم الجلالة.

[10] في (ج): (مقعده).

[11] (وإلَّا نقض): ليس في (ج).

(1/609)

[باب الوضوء من غير حدث]

(بَاب الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ) ... إلى (بَاب مَا يَقَعُ مِن النَّجَاسَاتِ في السَّمْنِ وَالمَاءِ)

قال ابن المُنَيِّر: (ساق حديث سُوَيْد _ يعني: ابْنَ النُّعْمَانِ الصَّحابيَّ_ عقيب الحديث الأوَّل؛ لينبِّه على أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأخذ بالأفضل في تجديد الوضوء من غير حدث، لا أنَّه واجب عليه؛ بدليل حديث سويد) انتهى.

==========

[ج 1 ص 100]

(1/610)

[حديث: كان النبي يتوضأ عند كل صلاة]

214# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن سعيد الثَّوريُّ، العلمُ المشهورُ المعروف التَّرجمة، رحمة الله عليه.

قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا [1]): اعلم أنَّ هذا عمرو بن عامر الأنصاريُّ الكوفيُّ، قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (وليس بوالد أسد بن عَمرو) انتهى، يروي صاحب التَّرجمة عن أنس، وعنه: شُعْبَة، ومسعر، وسفيان، وجماعة، وثَّقه أَبُو حاتم، أخرج له الجماعة، وأمَّا الذِي احترز [2] عنه المِزِّيُّ في «أطرافه»؛ فهو عمرو بن عامر الكوفيُّ، والد القاضي أسد بن [3] عَمرو البجليِّ، صاحب الرَّأي، عنِ الحسن، وعمر بن عَبْد العزيز، ووهب بن مُنَبِّه، وعنه: ابن عيينة، والمحاربيُّ، وأبو نعيم، وجماعة، ذكره في «التهذيب» المِزِّيُّ للتمييز، وكذا ذكره الذَّهبيُّ في «تذهيبه»، ثُمَّ قال: (وأمَّا أَبُو داود وحده؛ فقال: هو الرَّاوي عن أنس، وإنَّما ذاك أنصاريٌّ لا بجليٌّ)؛ يعني: الذي قدَّمت ترجمته، وهذا الثَّاني لَمْ يخرِّج له أحد من أصحاب الكتب شيئًا، والله أعلم.

قوله: («ح» [قال]: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ): تقدَّم الكلام في أوَّل هذا التَّعليق على (ح) ما معناه، وكيف النُّطق بها؛ فانظره.

قوله: (حَدَّثَنَا [4] يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد، كما نسبه التِّرمذيُّ في «جامعه»، وهو القطَّان.

قوله: (عَنْ [5] سُفْيَانَ): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن سعيد الثَّوريُّ.

تنبيه: إن قلت: ما الحكمة في ذكر البخاريِّ هذا السَّند الثَّاني نازلًا بعد أنْ ذكره عاليًا؟

وجوابه: أنَّ السَّند الأوَّل عالٍ بلا شكٍّ، لكن سفيان _ هو [6] الثَّوريُّ_ قد عنعن فيه، وفي السَّند الثَّاني النَّازل صرَّح سفيان فيه بالتحديث من [7] عَمرو بن عامر، وسفيان الثَّوريُّ وكذا ابن عيينة أيضًا مدلِّسان، فأراد بالطَّريق الثَّاني تصريح سفيان الثَّوريِّ فيه بالتحديث؛ لأنَّ عنعنة المدلِّس لا تقبل، والله أعلم.

قوله: (يَجْزِي [8] أَحَدَنَا الوُضُوءُ): أمَّا (يَجْزِي) [9]؛ فثلاثيٌّ غير مهموز، ورباعيٌّ مهموز؛ لغتان، وأمَّا (أَحَدَنَا)؛ فمنصوب، مفعول مقدَّم، و (الوُضُوءُ): مرفوع فاعل [10]، وهو بضمِّ الواو: الفعل، وتفتح واوه أيضًا؛ لغتان، تقدَّم مرارًا.

==========

[1] في النسخ: (عامر عن أنس)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ب): (أخبر).

[3] (بن): سقط من (ب).

(1/611)

[4] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[5] في النسخ: (حدثنا)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[6] (هو): ليس في (ب).

[7] في (ج): (عن).

[8] في حاشية (ق): (أجزأَ الشيءُ؛ بالهمز: كفى، وفلان عنك؛ مثله، وجزأت بالشيء جزأً: اكتفيت به، قاله ابن القوطية في كتاب «الأفعال».

[9] (أمَّا يجزئ): ليس في (ج).

[10] (فاعل): ليس في (ج).

[ج 1 ص 100]

(1/612)

[حديث سويد بن النعمان: خرجنا مع رسول الله عام خيبر]

215# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): (مَخْلَد): بإسكان الخاء مع فتح الميم، القَطَوانيُّ _ (بفتح القاف والطَّاء المهملة) [1]_ الكوفيُّ، أبو الهيثم، عن أبي الغُصن ثابت بن قيس، وسُلَيْمَان بْن بلال، ومالك، وعنه: البخاريُّ، والدوريُّ، وابن كرامة، قال أبو داود: (صدوق فيه تشيُّع)، وقال أحمد وغيره: (له مناكير)، توفِّي سنة (213 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

فائدة [2]: قال ابن قُرقُول: (قال البخاريُّ: القطوانيُّ: معناه: البقَّال، وقال أبو ذرٍّ الهرويُّ: منسوب إلى قرية بباب الكوفة، وفي «تاريخ البخاريِّ»: قطوان: موضع، وكان يغضب من ذلك).

قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو ابْنُ بِلَالٍ أبو محمَّد، مولى أبي بكر، ثقةٌ إمامٌ، تقدَّم مرَّاتٍ.

قوله: (حَدَّثَنِي [3] يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تقدَّم أنَّه الأنصاريُّ، وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عَمرو، قاضي السَّفَّاح، تقدَّم غير مرَّة.

قوله: (بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ): تقدَّم قريبًا أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الشِّين المعجمة، وأنَّ يسارًا؛ بالياء المثنَّاة تحتُ، ثُمَّ السِّين المهملة.

قوله: (عَامَ خَيْبَرَ): تقدَّم قريبًا متى كانت خيبر في الباب الذي قبل هذا.

قوله: (بِالصَّهْبَاءِ): تقدَّم في الباب قبل هذا ضبطه، وأنَّها على مرحلة من خيبر.

قوله: (إِلَّا بِالسَّوِيقِ): تقدَّم الكلام عليه في الباب قبل هذا ما هو.

قوله: (فَأَكَلنَا وَشَرِبْنَا): هذه اللَّفظة قال الدَّاوديُّ: (قوله: «وَشَرِبْنَا»: [ما أُرَاهُ محفوظًا؛ لأنَّه كان يجزئ من المضمضة، ولكن قد لا يبلغ الشَّرب ما بلغه المضمضة عند أكل السَّويق)] [4].

قوله: (وَلَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم الكلام عليه مُطوَّلًا قريبًا وبعيدًا.

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ب).

[2] في (ب) و (ج): (قوله).

[3] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 100]

(1/613)

[باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله]

قوله في التَّرجمة: (أَلَّا يَسْتَتِرَ): هو بتاءين فوقُ، من السُّترة، وسيأتي ما في الحديث من اختلاف الرُّواة.

تنبيه: جرى مثل هذه القصَّة في قبرين آخرين بغزوة بواط، كما رواه مُسْلِم في آخر «صحيحه» من حديث جابر، وهذه من حديث ابن عَبَّاس، فهما قضيَّتان [1] لا واحدة، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (قصتان).

[ج 1 ص 100]

(1/614)

[حديث: مر النبي بحائط من حيطان المدينة]

216# قوله: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ): هو ابن أبي شيبة، وهو عثمان بن محمَّد بن أبي شيبة، أخو أبي بكر وأخيه، وكنيته أبو الحسن العبسيُّ _بالموحَّدة_ مولاهم، الكوفيُّ الحافظ، عن شريك، وأبي الأحوص، وجرير، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وابنه محمَّد، وأبو يعلى، والبغويُّ، وأمم، مات في المحرَّم سنة (239 هـ)، قال يحيى: (ثقةٌ مأمونٌ)، وسُئل عنه أحمد [1]، فقال: (لا أعلم إلَّا خيرًا)، وأثنى عليه، وله ترجمة في «الميزان»، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم بعيدًا.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عَبْد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، عن منصور، وحُصين، وعبد الملك بن عُمير، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وله مصنَّفات مات سنة (188 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو صدوقٌ مُحتَجٌّ به في الكتب، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، تقدَّم.

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر السُّلميُّ الكوفيُّ أبو عتَّاب، من أئمَّة الكوفة، عن أبي وائل، وزيد بن وهب، وعنه: شُعْبَة، والسُّفيانان، وخلق، قال: (ما كتبت حديثًا قطُّ)، مناقبه جمَّةٌ، توفِّي سنة (132 هـ)، أخرج له الجماعة، قال ابن مهديٍّ: (أثبتُ أهل الكوفة منصورُ بن المعتمر)، وأثنى عليه غيره رحمه الله، وقد تقدَّم بعيدًا.

قوله: (بِحَائِطٍ): الحائط: البستان من النَّخيل إذا كان عليه حائط، وهو الجدار.

قوله: (مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ أَوْ مكَّة): قال الدِّمياطيُّ: (الصَّحيح [3] المدينة) انتهى، وما قاله ظاهر صحيح، وقد ذكره في كتاب «الأدب» على الصَّواب، فقال: (بالمدينة) من غير شكٍّ [4].

[ج 1 ص 100]

قوله: (فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا): ذُكِر أنَّ صاحبي هذين القبرين من غير أهل القبلة، قال شيخنا الشَّارح: (وفيه بُعد، وقد عيَّن بعضُهم صاحبَ أحد القبرين بما لا أوثر ذكره وإن ذكره القرطبيُّ في «التَّذكرة» حكاه ووهاه، انتهى، وقد رأيتُه في «التَّذكرة» للقرطبيِّ، وقال: (إنَّه باطل) انتهى.

(1/615)

وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: (في «الأوسط» للطَّبرانيِّ: عن أنس رضي الله عنه قال: مرَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقبرين لبني النَّجَّار يعذَّبان بالنَّميمة والبول)، قال: (فهذا نوع تعيين) انتهى، ولا شكَّ أنَّ هذا الحديث يبطل قولَ من عيَّن أحد صاحبي القبرين؛ لأنَّ في هذا تصريحًا أنَّهما من بني النَّجَّار، والمعيَّن من الأوس ليس من بني النَّجَّار.

فائدة: تقدَّم قريبًا [5] اتفق مثل هذه القصَّة للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّة أخرى، وهو في غزوة بُوَاطَ، كما رواها مُسْلِم في أواخر «صحيحه» من حديث جابر، وجَابِر قطع الغصنين من النَّخلة، وأرسل واحدًا يمين نفسه، وآخر عن شماله، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي [6] أَنْ يُرَفَّهَ ذاك عنهُمَا مَا دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ»، وهذه القصَّة كانت في غزوة بواط، كما هو مصرَّح به في «مسلم» كما تقدَّم أعلاه، وقد تفقَّه القرطبيُّ في «التَّذكرة» بأنَّهما قضيَّتان، وقد وافق المنقول في ذلك، وقد جعل ابن إسحاق بواط في ربيع الأوَّل بعد الأبواء، والأبواء على رأس اثني عشر شهرًا من الهجرة، والقصَّة الأولى كانت بالمدينة، والله أعلم.

قوله: (وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ): هو بالموحَّدة، هذا ممَّا لا أعرف فيه خلافًا، وقد رأيت الآن في أصلنا عُمِل بالوجهين؛ (كبير وكثير)؛ بالموحَّدة _كما أحفظه_ وبالمثلَّثة [7]، وما أظنُّ المثلَّثة إلَّا طارئة على ما كنت أعرف، والله أعلم، وحَلُّ النَّاسِ الحديثَ يأبى ذلك، و (في) هنا: لِلسبب، وكذا في قوله: «أُدخِلت امرأة النَّار في هرَّة [8]»، وهما حجَّة على من أنكر مجيئها له، والله أعلم.

وقوله: «في كبير»؛ أي: في كبير في زعمهما، وقيل: كبيرٌ تركُه عليهما؛ بدليل قوله: (بلى؛ إنَّه كبير)، وقال شيخنا الشَّارح في (الأدب): (أي: هو شيء حقير لِيَسارِة التَّحرُّز مِنْهُ، وقوله: «وإنَّه لكبير»؛ لورود الشَّرع بالوعيد فيها إذا لَمْ يعفُ الله) انتهى، وحَكى القاضي عياض تأويلًا ثَالِثًا: (أي: ليس بأكبر الكبائر)، قال النوويُّ: (فعلى هذا: يكون المراد بهذا: الزَّجْر وَالتَّحْذِير لغيرهما [9]؛ أي: لا يتوهَّم أحد أنَّ التَّعذيب لا يكون إلَّا في أكبر [10] الكبائر الموبقات فإنَّه يكون في غيرها) انتهى.

(1/616)

قوله: (لَا يَسْتَتِرُ [11] مِنْ بَوْلِهِ): قال ابن قُرقُول: (لاَيَسْتَبْرِئ؛ أي: لا يستقصي نفسه أو ما عنده، ويروى: «يَسْتَتِر»: من السُّترة، وفي كتاب «مسلم» من حديث أحمد بن يوسف: «لا يَسْتَنْزِه»؛ أي: لا يَبعد ويتحفَّظ، وهو بمعنى: يستتر؛ أي: لا يجعل بينه وبينه سترة، وقيل: معناه: لَمْ يستر عورته عنِ النَّاس عند بوله) انتهى، وقد روي: (يستنتر)، وعن الإِسْمَاعِيليِّ: (أنَّ أشبه الرِّوايات: «يَسْتَبْرِئ») انتهى، وإنَّما كان عدم التنزُّه من البول كبيرة؛ لأنَّه يلزم منه بطلانُ الصَّلاة، وتركها كبيرة.

قوله: (بِالنَّمِيمَةِ): هي نقل الكلام بين النَّاس على جهة الإفساد، قاله العلماء، وقال الإمام أبو حامد الغزاليُّ في «الإحياء»: (واعلم أنَّ النَّمِيمَة تُطلق في الأكثر على مَنْ ينمُّ قول الغير إلى المَقول فيه، وليست النَّمِيمَة مخصوصة بهذا، بل حَدُّ النَّمِيمَة كشف ما يُكرَه كشفه، سواء كرهه المقول عنه أو المنقول إليه أو ثَالِث، وسواء كان الكشف بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء، فحقيقة النَّميمة إفشاء السِّرِّ وهتك السِّتر عمَّا يُكرَه كشفُه، فلو رآه يُخفي مالًا لنفسه فذكره؛ فهو نميمة) قال: (وكلُّ من حُمِلت إليه نميمة؛ فعليه ستَّة أمور: لا تصدِّقه؛ لأنَّ النَّمام فاسق، الثَّاني: أنْ تنهاه، الثَّالث: أنْ تُبغضه في الله، الرَّابع: ألَّا تظنَّ بأخيك الغائب السُّوء، الخامس: ألَّا يحمله ما حُكي له على التَّجسُّس والبحث عن ذلك، السَّادس: ألَّا يرضى لنفسه ما نهى عنه النَّمَّام؛ فلا يحكي نميمة عنه) انتهى ملخَّصًا، كلُّ ذلك إذا لَمْ يكن فيها مصلحة شرَّعَيَّة، فإنْ دعت حاجة إليها؛ فلا منع منها، والله أعلم.

قوله: (ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ [12]): رأيت بخطِّ بعض الفُّضلاء: (أنَّ الآتي بها أبو بكرة [13] رضي الله عنه، رواه الطَّبرانيُّ في «الأوسط»، وهو في «مسند أحمد» أيضًا) انتهت، وأمَّا الآتي في غزوة بواط بالغصنين؛ فهو جابر، كما هو مُصرَّح به في آواخر «مسلم».

[قوله: (كِسْرَتَيْنِ): هي بكسر الكاف؛ أي: قطعتين] [14].

قوله: (لَعَلَّهُ .. ) إلى آخره: قال شيخنا الشَّارح: (قد حصل مَا ترجَّاه، فأورقا من ساعتهما، ففرح [15] بذلك، وقال: «رُفِع عنهما العذابُ بشفاعتي [16]») انتهى.

(1/617)

وقال النوويُّ في «شرح مسلم»: (وأَمَّا وَضْعه صلَّى الله عليه وسلَّم الجَريد على القَبْرين؛ فقال العلماء: هو محمول على أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم سأل الشَّفاعة لهما، فأجيبت شفاعته صلَّى الله عليه وسلَّم بالتخفيف عنهما إلى أنْ يَبِسَا، وذكر مُسْلِم في آخر الكتاب في الحَدِيث الطَّويل في صاحبي القبرين: «فَأُجِيبَتْ [17] شَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ [18] عنهُمَا ذَلِكَ مَا دَامَ القَضِيبَانِ رَطْبَيْنِ»، وقيل: يحتمل أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان يدعو لهما تلك [19] المدَّة، وقيل: لكونهما يسبِّحان ما داما رَطْبَين، وليس لليابس تسبيح، وهذا مذهب كثيرين أو الأكثرين من المفسِّرين في قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]، قالوا: معناه: وإنْ مِنْ شيءٍ حيٍّ، ثُمَّ قالوا: وحياة كلِّ شيء بحسبه، والمحقِّقون من المفسِّرين وغيرهم أنَّه على عمومه، وتسبيحه حقيقة لا مجاز، قاله المحقِّقون) انتهى ملخَّصًا ببعض تلخيص.

قوله: (مَا لَمْ يَيْبَسَا أَوْ إلى أَنْ يَيْبَسَا): ظاهره شكٌّ من الرَّاوي، (يَيْبِسَا)؛ بمثنَّاتين تحتُ، ثمَّ موحَّدة، مفتوح الأوَّل، ساكن الثَّاني، مفتوح الثَّالث، ويجوز كسره، وفي أصلنا الآن: بمثنَّاة فوقُ، ثُمَّ مثنَّاة تحتُ، ثُمَّ موحَّدة، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (ابن حنبل).

[2] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] في (ب): (على).

[4] زيد في (أ) و (ب): (وقد تقدَّم ذلك أعلاه)، والصواب حذفها؛ إذ قد كُتِب ذلك سابقًا في (أ)، ثمَّ جعل عليها علامة الزيادة.

[5] (تقدم قريبًا): ليس في (ج).

[6] (بشفاعتي): ليس في (ج).

[7] (وبالمثلَّثة): ليس في (ج).

[8] في (ج): (امرأة)، وليس بصحيح.

[9] في (ج): (بغيرهما).

[10] في (ب): (كبير).

[11] في هامش (ق): (أي: لا يتوارى، وفي موضعٍ: يستر).

[12] في (ج): (جريدة).

[13] في (ج): (بكر).

[14] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[15] زيد في (ب): (من ساعتهما).

[16] في (ب): (لشفاعتي).

[17] في (ج): (فأجيب)، وفي «مسلم»: (فأحببت).

[18] في (ب): (يرقد)، وفي (ج): (ترقد)، وكلاهما تحريف.

[19] في (ج): (بذلك).

(1/618)

[باب ما جاء في غسل البول]

قوله: (سِوَى بَوْلِ النَّاسِ): أراد البخاريُّ رحمه الله أنْ يبيِّن أنَّ معنى روايته في هذا الباب: «أمَّا أحدهما؛ فكان لا يستتر من البول»: أنَّ المراد بَوْلُ النَّاس لا بَوْل سائر الحيوانات؛ لأنَّه قد روى الحديث في الباب قبل هذا وغيره: «لَا يَسْتَتِرُ من بَوْلِهِ»، فلا تعلُّق في حديث هذا (الباب لمن احتجَّ على نجاسة بول الحيوان، كذا قاله ابن بطَّال في «شرحه»، قاله شيخنا الشَّارح) [1].

==========

[1] ما بين قوسين ليس في (ب).

[ج 1 ص 101]

(1/619)

[حديث: كان النبي إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به]

217# قوله: (إذا تَبَرَّزَ): أي: خرج إلى البَراز؛ وهو الفضاء الواسع.

[ج 1 ص 101]

قوله: (فَيَغْسِلُ [1] بِهِ): هذا صريح في الاستنجاء بالماء، وعن [2] مالك: أنَّه لَمْ يصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم استنجى بالماء عمره كلَّه، وكأنَّه لَمْ يقف عليه، وكذا رأيته في كلام شيخنا الشَّارح عن أحمد، وقد تقدَّم في (باب الاستنجاء بالماء)، والله أعلم.

==========

[1] في (ج): (فيغتسل)، وكلاهما مرويٌّ.

[2] في (ب): (عن).

(1/620)

[حديث: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين]

218# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِم): هو _بالخاء المعجمة_ أبو معاوية الضَّرير الحافظ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (قَالَ ابْنُ المُثَنَّى): هو محمَّد بن المثنَّى المذكور في الأوَّل أبو موسى العنزيُّ، الحافظ، عنِ ابن عيينة، وعبد العزيز العمِّيِّ، وغُنْدر، وعنه: الجماعة، وأبو عروبة، والمحامليُّ، ثقة ورع، مات سنة (252 هـ)، له ترجمة في «الميزان»، وإنَّما ذكره هنا يقال: لأنَّه أخذه عنه في حال المذاكرة، وقد تقدَّم نظيره، وتكلَّمت عليه وعلى قول البخاريِّ: (قال فلان) وفلان شيخه، أو (قال لنا) أو (قال لي)، وإنَّما أتى بهذا الطَّريق؛ لأنَّ الطَّريق الأولى عنعن فيها الأعمش، وهو مدلِّس، فلا تُقبَل [1]، فأتى بهذه الطَّريق الثَّانية؛ لأنَّ فيها تصريح الأعمش بالسَّماع من مجاهد، والله أعلم.

وحكمة أخرى: وهو أنَّ شيخه ابن المثنَّى له في الحديث شيخان؛ وكيع وأبو معاوية الضَّرير محمَّد بن خازم، فقُوِّي، وتعليقه هذا أخرجه البخاريُّ في (الطَّهارة).

==========

[1] في (ب): (يقبل).

[ج 1 ص 102]

(1/621)

[باب ترك النبيِّ والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله فِي المسجد]

قوله: (وَالنَّاسِ الأَعْرَابِيَّ): (النَّاسِ): مجرور معطوف على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، و (الأعرابيَّ): منصوب مفعول المصدر وهو (ترك)، والله أعلم، وهذا الأعرابيُّ هو المذكور في الحديث المبوَّب عليه (رأى أعرابيًّا)، قال شيخنا الشَّارح: (هو ذو الخويصرة اليماني، كما ساقه أَبُو موسى المدنيُّ [1] في «معرفة الصَّحابة»؛ فاستفده) انتهى، وكذا ذكره في أماكن من مؤلَّفاته، انتهى، قال الذَّهبيُّ في «تجريده» في الصَّحابة ما لفظه: (ذو الخويصرة اليماني يُروى في حديث مرسل أنَّه هو الذي بال في المسجد) انتهى، وصدق؛ لأنَّه عن سُلَيْمَان بْن يسار.

تنبيه: لهم آخر يقال له: ذو الخويصرة، وهو الذي قال لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اعدل»، قتل في الخوارج يوم النَّهروان [2]، اسمه حُرقوص بن زهير، رأس الخوارج، ورأيت بخطِّ بعض الفضلاء أنَّ في بعض «أمالي أحمد بن فارس اللُّغويِّ» بسنده أنَّه عيينة بن حصن؛ يعني: البائل في المسجد، ورأيت بخطِّه تجاه قوله: (الأعرابيَّ) مَا لفظه: (واسمه عيينة بن حصن، وقيل: ذو الخويصرة) انتهى.

==========

[1] في (ب): (المديني)، وزيد فيها: (في مرسل أنَّه هو الذي بال في المسجد).

[2] في (ج): (السروان)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 102]

(1/622)

[حديث: أن النبي رأى أعرابيًا يبول في المسجد]

219# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): كذا في أصلنا، وعلى (ابن إِسْمَاعِيل) علامة نسخة، وهو التَّبُوْذَكيُّ الحافظ، تقدَّم عليه بعض الكلام، وعلى نسبته لماذا نُسِب.

قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو ابن يحيى العَوْذيُّ البصريُّ، وهو بفتح العين المهملة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ذال معجمة، ثُمَّ ياء النِّسبة إلى [2] عوذ بن سُوَد بطن من الأزد، الحافظ، عنِ الحسن، وعطاء، وقتادة، وعنه: ابن مهديٍّ، وهدبة، وشيبان، قال أحمد: (ثبت في كلِّ المشايخ)، مات سنة (163 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ): هو إسحاق بن عَبْد الله بن أبي طلحة، وهو ابن أخي أنس بن مالك لأمِّه أمِّ سليم، روى إسحاق عن عمِّه أنس، وأبيه عبد الله، وعدِّة، وعنه: مالك، وابن عيينة، وجمع، حجَّة، توفِّي سنة (132 هـ)، أو سنة (134 هـ)، أخرج له الجماعة.

(1/623)

[باب صب الماء على البول في المسجد]

قوله: (في المَسْجِدِ): بكسر الجيم، ويجوز فتحها.

==========

[ج 1 ص 102]

(1/624)

[حديث: دعوه وهريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء]

220# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وَتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه أبو بكر محمَّد بن مُسْلِم [1] بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب العالم المشهور.

قوله: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (قَامَ أَعْرَابِيٌّ في المَسْجِدِ فَبَالَ): تقدَّم اسم هذا الأعرابيِّ أعلاه؛ فانظره [2].

قوله: (وَهَرِيقُوا): قَالَ الجوهريُّ: (وهَراق الماء يُهريقه _بفتح الهاء_ هِراقة؛ أي: صبَّه، وأصله: أراق يُريق إراقة ... ) إلى أنْ قال: (وفيه لغة أُخرى: أَهْرَقَ [3] الماء يُهْرِقُه إهْراقًا على أَفْعَلَ يُفْعِلُ ... ) إلى أنْ قال: (وفيه لغة ثَالِثة: أَهْرَاقُ يُهْرِيق إهْرِياقًا؛ فهو مُهْريق، والشَّيء مُهْراق ومُهَراق أَيضًا بالتحريك، وهذا شاذٌّ)، وقد قدَّمت أنا ذلك.

قوله: (سَجْلًا): هو بفتح السِّين المهملة، ثُمَّ جيم ساكنة، قال الدِّمياطيُّ: (السَّجل: الدَّلو الممتلئ، وكذا الذَّنوب) انتهى، وكذا قال غيره، ثُمَّ قال: (وفيه من الفقه: أنَّ الماء إذا غلب على النَّجاسة ولم يظهر فيه شيء منها؛ فقد طهَّرها، ولا يضرُّه [4] ممازجة الماء لها إذا غلب عليها، سواء كان الماء قليلًا أو كثيرًا، وقال بعض المالكيَّة: هذا الحديث يردُّ حديث القلَّتين) انتهى.

قوله: (أَوْ ذَنُوبًا): هو بفتح الذَّال المعجمة، ثُمَّ نون، وبعد الواو موحَّدة، وقد تقدَّم تفسيره أعلاه في كلام الدِّمياطيِّ، وكذا قاله غيره، وهي تؤنَّث وتذكَّر، ويحتمل أنْ تكون (أو) للشَّكِّ من الرَّاوي، ولا يحتمل أنْ تكون للتخيير، قلتُه ولم أر ذلك لأحد، والله أعلم.

قوله: (فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ): هما مبنيَّان لما لَمْ يسمَّ فاعلهما [5].

(1/625)

[حديث أنس في قصة الأعرابي]

221# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جبلة [1] بن أبي روَّاد، وتقدَّم بعض ترجمته، ولماذا قيل له: عبدان.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): هذا هو ابن المبارك، العالم الرَّبانيُّ مشهور التَّرجمة، رحمة الله عليه.

قوله: (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تقدَّم أنَّه الأنصاريُّ قاضي السَّفَّاح، وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاريُّ، وتقدَّم بعض ترجمته [2].

==========

[1] (بن جبلة): ليس في (ب).

[2] زيد في (ب): (ولماذا نسب)، وهو سبق نظر من ترجمة خالد بعده.

[ج 1 ص 102]

(1/626)

[باب يهريق الماء على البول]

(1/627)

[حديث أنس: جاء أعرابي فبال]

221 م# قوله: (وحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تقدَّم أنَّ مَخْلَدًا؛ بإسكان الخاء، وأنَّ خالدًا: هذا هو القطوانيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، ولماذا نُسِب.

قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): تقدَّم مرارًا أنَّ هذا هو ابن بلال، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه الأنصاريُّ، وتقدَّم أيضًا أعلاه نسبه، وتقدَّم قبله بعض ترجمته.

[ج 1 ص 102]

قوله: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ): تقدَّم قبيله [1] اسمه، والاختلاف فيه.

قوله: (في طَائِفَةِ المَسْجِدِ): الطَّائفة: القطعة من الشَّيء.

قوله: (فَزَجَرَهُ النَّاسُ): أي: منعوه ونهَوه.

قوله: (فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ): قال شيخنا الشَّارح: (قال ابن التِّين: هذا إِنَّمَا يصحُّ على ما قاله سيبويه؛ لأنَّه فعل ماض، وهاؤه ساكنة، وأمَّا على الأصل؛ فلا تجتمع الهمزة والهاء في الماضي، قال: ورُوِّيناه بفتح الهاء، ولا أعلم له وجهًا) انتهى.

وقد تقدَّم الكلام عليه في (باب الغسل والوضوء من المخضب) وبظاهرها أيضًا.

(1/628)

[باب بول الصبيان]

قوله: (الصّبْيَانِ): هو بكسر الصَّاد وضمِّها.

==========

[ج 1 ص 103]

(1/629)

[حديث: أتي رسول الله بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه]

222# قوله: (أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (رَسُولُ [1]): مرفوع قائم مقام الفاعل.

قوله: (بِصَبِيٍّ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ): قال شيخنا الشَّارح: (الصَّبيُّ المذكور في حديث عائشة _ يعني: هذا _ يحتمل أنْ يكون عَبْد الله بن الزُّبير، أو الحسن، أو الحسين؛ لروايات في ذلك سقتها في «تخريجي لأحاديث الرَّافعيِّ»؛ فلتراجع منه) انتهى، والمراد بهذا التَّخريج التخريج [2] الكبير، واسمه «البدر المنير»، وأمَّا مختصره _وهو «الخلاصة» _؛ فقد قرأته عَلَيه، وليس فيه هذا، وذكر ابن شيخنا البلقينيِّ ما ذكره شيخنا الشَّارح، ثُمَّ قال: (وفي «الدَّارقطنيِّ» أنَّه عَبْد الله بن الزُّبير، وفي «أُسْد الغابة» في ترجمة مخارق الشَّيباني أنَّه الحسين، وفي «أسد الغابة» في ترجمة سُلَيْمَان بن هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عَبْد شمس عنِ ابن إسحاق عن إِسْمَاعِيل بن محمَّد: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أتي بسُلَيْمَان _ونسبه_ فوضعه في حجره، فبال عليه) انتهى ملخَّصًا.

(تنبيه: وابن أمِّ قيس بنت محصن بال عليه عليه الصَّلاة والسَّلام، ولا أعرف له ترجمة) [3].

(1/630)

[حديث أم قيس: أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل]

223# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الزُّهْرِيُّ، وهو محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب.

قوله: (عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ): (أمُّ قيس): هذه أسَديَّة _بفتح السِّين_ وهي أخت عكاشة بن محصن، قال السُّهيليُّ: (اسمها آمنة بنت وهب بن محصن) انتهى، وقد رأيت ذلك في «الرَّوض»، قال شيخنا: (وقال ابن عبد البَرِّ: اسمها جدامة) انتهى، كذا قال شيخنا الشَّارح، ولم أره في «الاستيعاب»، فلعلَّه ذكره في غيره، ولأمِّ قيس بنت محصن [1] ترجمة في «الاستيعاب»، ولم يسمِّها، وفي الأسماء ذكر: (جدامة بنت وهب الأسديَّة، أسلمت بمكَّة، وبايعتِ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهاجرت مع قومها إلى المدينة، وكانت تحت ابن قتادة بن ربيعة من بني عَمرو بن عوف، روت عنها: عائشة حديث الغيلة) انتهى، وجدامة هذه المذكورة في حديث الغيلة روى لها مُسْلِم، والأربعة، وأحمد في «المسند»، واختُلف في ضبطها، فيقال: إنَّها بالجيم المضمومة، وبالدَّال المهملة، وقيل: بالمعجمة، والأوَّل الصَّحيح، قاله الزكيُّ المنذريُّ، وكذا قال غيره من المتقدِّمين، والصَّواب: الضَّبط الأوَّل، وأمُّ قيس بنت محصن من المهاجرات الأول، روى عنها: مولياها عديُّ بن دينار وأبو الحسن، ووابصة بن معبد، وعبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة [2]، وغيرهم، معمَّرة رَضِيَ اللهُ عنها، أخرج لها الجماعة.

قوله: (بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ): هذا الابن لا أعرف أحدًا سمَّاه، ولا أعرفه.

تنبيه: مجموع الصِّغار الذين حصل منهم بول عليه عليه الصَّلاة والسَّلام: الحسن، والحسين، وعبد الله بن الزُّبير، وابن أمِّ قيس بنت [3] محصن، وَسُلَيْمَانُ بْنُ هاشم المذكور قبله، قال الذَّهبيُّ: (سُلَيْمَانُ بْنُ هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عَبْد شمس وضعه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حجره) انتهى، ذكره في «تجريد الصَّحابة»، [وفي «زوائد معجمي الطَّبرانيِّ الصَّغير والأصغر» من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: (أنَّ رسول الله أتي بصبيٍّ، فبال عليه فنضحه، وأتي بجارية فبالت عليه فغسله)، وهؤلاء خمسة أشخاص [4]، والله أعلم] [5].

قوله: (في حَجْرِهِ): هو بفتح الحاء، وتكسر، ذكرهما الجوهريُّ.

قوله: (فَنَضَحَهُ): هو _بالحاء المهملة_ الرَّش.

==========

[1] (قيس بنت): سقط من (ج)، وكذا في الموضع اللاحق.

(1/631)

[2] في (ب): (عقبة)، وهو تحريفٌ.

[3] (قيس بنت): ليس في (ج).

[4] (وهؤلاء خمسة أشخاص): ليس في (ب).

[5] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 103]

(1/632)

[باب البول قائِمًا وقاعدًا]

قوله: (بَاب البَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا): إن قيل: إنَّ الحديث الذي ذكره ليس فيه البول قاعدًا، وإنَّما فيه [1] البول قائمًا، وكأنَّه _والله أعلم_ أخذ القعود من المعنى؛ لأنَّه إذا جاز قائمًا؛ فقاعدًا أجوز؛ لأنَّه أمكن.

(1/633)

[حديث: أتى النبي سباطة قوم فبال قائِمًا]

224# قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه ابن أبي إياس، وتقدَّم الكلام على [1] صرف (آدم) وعدم صرفه فيما مضى.

قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ، الحافظ أحد الأعلام.

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): هو شقيق بن سلَمة _بفتح اللَّام_ الأسديُّ، مخضرم، سمع عمر ومعاذًا، وعنه: منصور، والأعمش، قال: (أدركت سبع سنين [2] من سني الجاهليَّة)، توفِّي سنة (82 هـ)، وكان من العلماء العاملين، أخرج له الجماعة، وقد ذكرت المخضرمين في مؤلَّف مفرد، فإنْ أردتهم؛ فانظر المؤلَّف المشار إليه.

قوله: (عَنْ حُذَيْفَةَ): هذا هو ابن اليماني حِسْل _ويقال: حُسيل_ ابن جَابِر بن عمرو بن ربيعة بن [3] جروة، وجروة حالفَ بني عَبْد الأشهل حين أصاب دمًا في قومه، فقيل: اليماني؛ لأنَّ الأنصار من اليمن، وياء (اليماني) وكذا [4] (العاصي) وكذا (ابن أبي الموالي) وكذا (ابن الهادي)، قال النوويُّ: (الصَّحيح إثباتها)، شهد حذيفة وأخوه صفوان وأبوهما أحُدًا، فقتل المسلمون أباه خطأ، وسيأتي من قتل أباه خطأ إنْ شاء الله تعالى وقدَّره، وقد منع حذيفةَ وأباه شهودَ بدر استحلافُ الجاهليَّة لهما، روى عنه: الأسود، وربعيُّ بن حراش، وأبو إدريس، وطائفة، وهو صاحب السِّرِّ الذي لا يعلمه غيره، توفِّي سنة (36 هـ)، أخرج له الجماعة رضي الله عنه.

قوله: (سُبَاطَةَ قوم): هي بضمِّ السِّين، ثُمَّ موحَّدة مخفَّفة، وبعد الألف طاء مهملتين، ثُمَّ تاء التَّأنيث؛ وهي المزبلة، وأصلها الكناسة التي يُلقى فيها، وكانت هذه السُّباطة بالمدينة، كما ذكره محمَّد بن طلحة بن مُصرِّف عنِ الأعمش.

فائدة: في سبب بوله صلَّى الله عليه وسلَّم قائمًا اختلاف:

فقيل: إنَّ العرب كانت تستشفي لوجع الصُّلب به [5]، فلعلَّ ذلك كان به.

ثانيها: أنَّه فعل ذلك لجرح بمأبضه، وهو باطن الرُّكبة، ورواه [6] الحاكم في «مستدركه»، وقال: (رواته [7] كلُّهم ثقات)، وقد ضعَّفه البيهقيُّ وغيره، وقد تعقَّب الذَّهبيُّ الحديث في «تلخيصه» بأنْ قال: (حمَّاد _يعني: ابن غسَّان المذكور في سنده_ ضعَّفه الدَّارقطنيُّ) انتهى.

ثَالِثها: أنَّه لم يجد مكانًا للقعود فاضطر إلى القيام؛ لكون الطَّرف الذي يليه من السُّباطة كان عاليًا مرتفعًا.

(1/634)

رابعها: أنَّه فعل ذلك؛ لأنَّها حالة يؤمن فيها [8] خروج الحدث من السَّبيل الآخر بخلاف القعود، ومنه قول عمر رضي الله عنه:

[ج 1 ص 103]

(البول قائمًا أحصن للدُّبر).

قال النوويُّ: (ويجوز [9] وجه خامس: أنَّه فعله بيانًا للجواز، وعادته المستمرَّة القعود، دليله حديث عائشة رضي الله عنها: «من حدَّثكم أنَّه عليه السَّلام كان يبول قائمًا؛ فلا تصدِّقوه، ما كان يبول إلَّا قاعدًا»، رواه أحمد، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه بإسناد جيِّد، لا جرم صحَّحه ابن حبَّان والحاكم).

سادسها: لعلَّه كان في السُّباطة نجاسات رطبة، وهي رخوة، فخشي أنْ يتطاير عليه، أبداه المنذريُّ، وقد يقال: القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد.

==========

[1] (على): مثبت من (ج).

[2] في (ج): (وستين)، وهو تحريفٌ.

[3] (ربيعة بن): ليس في (ب) و (ج).

[4] (كذا): ليس في (ج).

[5] (به): ليس في (ب).

[6] في (ب): (رواه).

[7] في (ج): (رواتهم).

[8] (فيها): ليس في (ج).

[9] (ويجوز): ليس في (ب).

(1/635)

[باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط]

(1/636)

[حديث حذيفة: رأيتني أنا والنبي نتماشى فأتى سباطة قوم .. ]

225# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عَبْد الحميد، تقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ) [1]: هو ابن المعتمر، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم قريبًا أنَّه شقيق بن سلمة، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (رَأَيْتُنِي): هو بضمِّ التَّاء؛ ومعناه: أخبرك، وهذا ظاهر.

قوله: (أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (النَّبيُّ): بالرفع والنَّصب، وإعرابهما ظاهران، فأمَّا النصب؛ فعلى أنَّ الواو بمعنى (مع).

قوله: (فَأَتَى سُبَاطَةَ): تقدَّم الكلام عليها قريبًا.

قوله: (فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ [2]): أي: بعدت عنه ناحية.

(1/637)

[باب البول عند سباطة قوم]

(1/638)

[حديث حذيفة: ليته أمسك أتى الرسول سباطة]

226# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ): هو _بعينين مهملتين مفتوحتين، وراءين؛ الأولى ساكنة_ ابن البِرِنْد، عن شُعْبَة، وعمر [1] بن أبي زائدة، وطائفة، وعنه: البخاريُّ، وبندار، والكجِّيُّ، توفِّي في سنة (213 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، تقدَّم بعيدًا، قال أَبُو حاتم: (صدوق)، وقال النَّسائيُّ: (ليس به بأس).

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن المعتمر، وتقدَّم بعيدًا بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم أعلاه أنَّه شقيق بن سلمة.

قوله: (كَانَ أَبُو مُوسَى): هو الأشعريُّ عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حَضَّار، الصَّحابيُّ، تقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ): هو بالضَّاد المعجمة؛ أي: قطعه، وفي «مسلم»: «إِذَا أَصَابَ جِلدَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ؛ قَرَضَهُ»، ويعني بالجلد: التي كانوا يلبسونها، كما قاله القرطبيُّ، قال: (وحمله بعض مشايخنا على ظاهره، وأنَّ ذلك من الإصر الذي حُمِّلوه).

قوله: (سُبَاطَةَ): تقدَّم الكلام على ضبطها، وما هي قريبًا.

==========

[1] في (ب): (وعمرو)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 104]

(1/639)

[باب غسل الدم]

(1/640)

[حديث: تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه]

227# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هو ابن سعيد القطَّان حافظ الإسلام، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ): هذه هي زوج هشام بن عروة الرَّاوي عنها، وهي بنت المنذر بن الزُّبير بن العوَّام، روت عن جدِّتها أسماء بنت أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنها، وأمِّ سلمة، وعنها: زوجها هشام، وابن سوقة، وابن إسحاق، قال زوجها: (كانت أكبر منِّي بثلاثَ عشرةَ سنة)، قال العجليُّ: (مدينيَّة ثقة)، أخرج لها [1] الجماعة، وقد تقدَّمت.

قوله: (عَنْ أَسْمَاءَ): تقدَّم أعلاه أنَّها بنت أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنهما، مشهورة التَّرجمة.

قوله: (جَاءَت امْرَأَةٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قال شيخنا الشَّارح: (إنَّ هذه المرأة السَّائلة هي أسماء نفسها، وضعَّفه النَّوويُّ، وليس كما ذكر، كما أوضحته في «تخريج أحاديث الرَّافعيِّ») انتهى.

قال شيخنا المؤلِّف فيما قرأته عليه في «الخلاصة» مختصر «البدر تخريج أحاديث الرَّافعيِّ»: (رواه الشَّافعيُّ في «الأمِّ» و «المسند» عن سفيان بن عيينة، عن هشام، عن فاطمة)، قال: (وهذا إسناد على شرط أهل العلم كلِّهم ... ) إلى أنْ قال: (وفي «الصَّحيحين» من حديث أسماء: «أنَّ امرأة سألت»، والعجب من النَّوويِّ كيف يقول: إنَّ الشَّافعيَّ قال في «الأمِّ»: «إنَّ أسماء هي السَّائلة بسند ضعيف»، وهو كما مرَّ، لكنَّه تبع ابن الصَّلاح في ذلك) انتهى.

قوله: (تَحُتُّهُ): الحتُّ؛ بالحاء المهملة، وبالتَّاء المثنَّاة فوق المشدَّدة: القشر والإزالة بالحكِّ والتَّقليع.

قوله: (ثُمَّ يَقْرُصُهُ): هو بفتح أوَّله، وإسكان ثانيه، وضمِّ ثَالِثه، ويجوز ضمُّ أوَّله، وفتح ثانيه، وكسر ثَالِثه مشدَّدًا، وقد ضبطه ابن قُرقُول بالوجهين، وقال الدِّمياطيُّ في (باب غسل المحيض): (قرصته أقرصه قرصًا؛ إذا غسلتَه بأطراف أصابعك، وقرَّصته تقريصًا؛ إذا قطَّعته تقطيعًا) انتهى.

قوله: (وَتَنْضحُهُ): هو بكسر الضَّاد المعجمة، وهو الذي ذكره الجمهور، ويجوز فيه الفتح، حكاه بعضهم، وقد نظم شيخنا حافظ العصر العراقيُّ هذا الفعل في جملة (أفعال ذكرها صاحب «المحكم»، وقد أنشدني ذلك في الرِّحلة الثَّانية إلى القاهرة) [2]، فقال:

وليس في كلامهم من (فَعَلَا، يَفْعِل) ممَّا لامُه حاءٌ خلا

~…ينكِحه ينطِحه ويمنِحهْ…ويملِح القَدْرَ كذاك ينضِحهْ

(1/641)

~…ينبِح مع يرجِح وهو يأْنِح [3] …فكسروا العين كذاك يأْزِح

وفي بعض ما ذكره الفتحُ [4]، فرأيته في ينكِح، وينطَح، ويمنَح، وينضَح، وينبَح، ويرجَح، بل في [5] يرجح ثلاث لغات.

==========

[1] في النسخ: (له).

[2] ما بين قوسين ليس في (ب).

[3] في (ب): (يألخ).

[4] (الفتح): ليس في (ب).

[5] (في): ليس في (ج).

[ج 1 ص 104]

(1/642)

[حديث: جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي]

228# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ): وفي نسخة هي في أصلنا: (هو ابن سلَام)، وقد تقدَّم أنَّ سلَامًا الأصحُّ فيه: التَّخفيف، ولأبي عليٍّ الغسَّانيِّ كلام في «تقييده» فيما إذا قال البخاريُّ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) من غير أنْ ينسبه، وسأذكره قريبًا في الحديث الآخر: «إِذَا أَقْبَلَت الحَيْضَة» إنْ شاء الله تَعَالَى، وقوله: (هو ابن سلَام): هو من توضيح مَن بعد البخاريِّ، إمَّا الفربريُّ وإمَّا غيره، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ): هو محمَّد بن خازم _بالخاء المعجمة_ الضَّرير، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ): (حُبَيْشٍ): بحاء مهملة مضمومة، ثُمَّ موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ شين معجمة، قال الدِّمياطيُّ: (أبو حبيش قيس بن المطَّلب بن أسد بن عَبْد العزَّى بن قصيٍّ، وليست بفاطمة بنت قيس بن خالد الفهريِّ، التي طلَّقها زوجها) انتهى، وما قاله معروف مشهور، وإنَّما أريد أنَّ آتي على حواشيه إنْ شاء الله تَعَالَى، كانت فاطمة بنت أبي حبيش من المهاجرات، روى حديثها عروةُ عن عائشة، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: (وروى اللَّيث عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن الأشجِّ، عنِ المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزُّبير: أنَّ فاطمة حدَّثته، ورواه مالك، وجماعة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنَّ فاطمة ... ، وهو الصَّواب) انتهى.

وقد [1] أخرجه النَّسائيُّ وأبو داود من حديث عروة عنها نفسها، ذكر إبراهيم الحربيُّ: (أنَّها [2] تزوَّجت بعبد الله بن جحش، فولدت له محمَّدًا) انتهى، ولمحمَّد هذا صحبة.

قوله: (إِنَّمَا ذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث.

قوله: (عِرْقٌ): هو بكسر العين، وإسكان الرَّاء؛ ومعناه: إنَّ الاستحاضة تخرج من عرق يسمَّى: العاذِل؛ بكسر الذَّال المعجمة، (وحكى شيخنا إهمالها [3]، وبدل اللَّام راء، وسيجيء الكلام عليه [4]) [5]، بخلاف الحيض، فإنَّه يخرج من قعر الرَّحم.

قوله: (فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ): قال شيخنا: (يجوز فيه فتح الحاء وكسرها، وهو بالفتح: الحيض، وبالكسر: الحالة) انتهى، وقال النوويُّ في «تهذيبه» في قوله: «إذا أقبلت الحيضة»:

[ج 1 ص 104]

(1/643)

(قال الخطَّابيُّ: المحدِّثون يقولونها بالفتح، وهو خطأ، والصَّواب: الكسر؛ لأنَّ المراد الحالة، وردَّ القاضي عياض وغيره قول الخطَّابيِّ، وقالوا: الأظهر الفتح؛ لأنَّ المراد إذا أقبل الحيض) انتهى.

قوله: (عَنْكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث.

قوله: (وَقَالَ أَبِي): قائل ذلك هو هشام، وأبوه: هو عروة بن الزُّبير.

قوله: (ذَلِكِ الوَقْتُ): تقدَّم أنَّ الخطاب إذا كان لمؤنَّث؛ فإنَّ الكاف تُكسَر أعلاه.

==========

[1] (وقد): ليس في (ج).

[2] في النسخ: (أنه)، ولعل المثبت هو الصواب.

[3] في (ب): (إهمال الدَّال).

[4] في (ب): (عليها).

[5] ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (من قعر الرحم).

(1/644)

[باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة]

قوله: (وَفَرْكِهِ): إن قلت: ترجم هنا (باب غَسْلِ المَنِيِّ وَفَرْكِهِ)، وَلَمْ يذكر في الحَدِيث الذي أخرجه الفرك.

وجوابه: أنَّه قد [1] أخرجه مُسْلِم من حَدِيث الأسود وهمَّام عن عائشة رضي الله عنها: (كُنْتُ أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم) قال أبو عمر: (وَحَديث همَّام والأسود في الفرك أثبت من جهة الإسناد) انتهى

قوله في التَّرجمة: (وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِن المَرْأَةِ): وجه استنباطه ممَّا ذكره أنَّ منيه صلَّى الله عليه وسلَّم إِنَّمَا كان من جماع؛ لأنَّ الاحتلام ممتنع في حقِّه، وستأتي المسألة في احتلامه عليه الصَّلاة والسَّلام، وإذا [2] كان كذلك؛ فلا بدَّ أنْ يكون قد خالط الذَّكر الذي خرج منه المنيُّ شيئًا من رطوبة فرج المرأة، والله أعلم.

==========

[1] (قد): ليس في (ب).

[2] في (ج): (وإنَّما)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 105]

(1/645)

[حديث: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي فيخرج إلى الصلاة]

229# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرَّاتٍ أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد.

قوله: (عن سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ): تقدَّم أنَّ (يسار) بالمثنَّاة تحتُ وبالسِّين المهملة، وتقدَّم الكلام على (سُلَيْمَان).

==========

[ج 1 ص 105]

(1/646)

[حديث: كنت أغسله من ثوب رسول الله]

230# قوله: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ [1]): قال الدِّمياطيُّ: (قال أَبُو مسعود: هو ابن هارون، وليس بابن زريع، وجميعًا قد روياه) انتهى.

وقال شيخنا: (وقد رواه الإِسْمَاعِيليُّ من طريق جماعة عن يزيد بن هارون، وكذا رواه أَبُو نعيم، وأبو نصر السَّجزيُّ في «فوائده»، وقال: (خرًّجه البخاريُّ من حديثه، والحديث محفوظ لابن هارون)، وكذا ساقه الجيَّانيُّ من حديثه أيضًا، وقال المِزِّيُّ: (الصَّحيح: أنَّه يزيد بن زُرَيع، فإنَّ قتيبة مشهور بالرِّواية عنِ ابن زريع دون ابن هارون، قلت: وكذا نسبه ابن السَّكن، فقال: يزيد؛ يعني: ابن هارون، وأشار إليه الكلاباذيُّ) انتهى، فقوله: (فقال: يزيد؛ يعني: ابن هارون): كذا قرأته عليه في الشَّرح، وهو سبق قلم؛ لأنَّ مقتضى التَّصنيف أنْ يكون ابن زريع، وكذا ذكره الجيَّانيُّ منسوبًا إلى ابن السَّكن، وأنَّه أشار إليه أبو نصر الكلاباذيُّ، فالصَّواب [2] في هذا الموضع المنسوب لابن السَّكن: ابن زريع لا ابن هارون، وعنى شيخنا بأبي نصر السَّجزيِّ عبيد الله بن سعيد في «فوائد أبي الحسن بن صخر»، وقد راجعت كلام المِزِّيِّ، فرأيته ذكر ما لفظه: (قال أَبُو مسعود في كتاب الفربريِّ وحمَّاد _ يعني: ابن [3] شاكر أيضًا_: «يزيد» مطلق _يعني: شيخ قتيبة_ يقال: إنَّه ابن هارون وليس بابن زريع، وجميعًا قد روياه، زاد المِزِّيُّ: (الصَّحيح: أنَّه يزيد بن زريع، فإنَّ قتيبة مشهور بالرِّواية عنهُ دون ابن هارون) انتهى.

قوله: («ح»: وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ): تقدَّم الكلام على (ح)، وعلى النُّطق بها وكتابتها في أوَّل هذا التَّعليق؛ فانظره إنْ أردته.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِد): هذا هو ابن زياد العبديُّ مولاهم، البصريُّ، عن عاصم الأحول، والأعمش، وعنه: ابن مهديٍّ، ومُسَدَّد، وقتيبة، قال النَّسائيُّ: (ليس به بأس)، وقال أحمد وغيره: (ثقة، وله مناكير نُقِمت عليه، اجتنبها صاحبا «الصَّحيح»)، أخرج له الجماعة، توفِّي سنة (176 هـ)، وله ترجمة في «الميزان»، وقد تقدَّم.

قوله: (بُقَعُ): هو بالرَّفع، وهذا ظاهر، وهو جمع بقعة.

==========

[1] في (ب): (بريد)، وكذا في المواضع اللاحقة، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (والصواب).

[3] (ابن): ليس في (ج).

[ج 1 ص 105]

(1/647)

[باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره]

قوله: (أَوْ غَيْرَهَا): قال شيخنا الشَّارح: (يعني بذلك: رطوبة الفرج).

قوله: (أَثَرُهُ): قال شيخنا الشَّارح: (ظاهر إيراده أنَّ المراد أثر المنيِّ، ولهذا أورد عقبه الحَدِيث: أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَغْسِلُ [المنيَّ] مِنْ ثَوْبِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ أَرَاهُ فيه بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا»، ورجَّحه ابن بطَّال؛ إذ قال: قوله: «وأثر الغسل»: يحتمل أنْ يكون معناه: بلل الماء غسل به الثَّوب، والضَّمير راجع فيه إلى أثر الماء، فكأنَّه قال: وأثر الغسل بالماء بقع الماء فيه؛ يعني: لا بقع الجنابة، ويحتمل أنَّ يكون معناه: وأثر الغسل؛ يعني: أثر الجنابة التي غُسِلت بالماء فيه بقع الماء الذِي غُسِلت به الجنابة، والضَّمير فيه راجع إلى أثر الجنابة لا إلى أثر الماء، وكلا الوجهين جائز، لكنَّ قوله في الحديث الآخر: «أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ المَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثُمَّ أَرَاهُ فيه بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا»؛ يدلُّ أنَّ تلك البقع كانت بقع المنيِّ وطبعه لا محالة؛ لأنَّ العرب أبدًا تردُّ الضَّمير إلى أقرب مذكور، وضمير المنيِّ في الحَدِيث أقرب من ضمير الغسل) انتهى.

(1/648)

[حديث: كنت أغسله من ثوب رسول الله ثم يخرج إلى الصلاة]

231# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ): تقدَّم أعلاه أنَّه ابن زياد، وتقدَّم بعض ترجمته أعلاه، وقبله أيضًا.

==========

[ج 1 ص 105]

(1/649)

[حديث عائشة: أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي ثم أراه .. ]

232# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هو ابن معاوية، فيما ظهر لي وهو زهير بن معاوية بن حُديج، الحافظ، أبو خيثمة الجعفيُّ، كوفيٌّ شيخ الجزيرة، ثقة حجَّة حافظ، عن زياد بن عِلاقة، ومنصور، وعنه: القطَّان، وعليُّ بن الجعد، ويحيى بن يحيى، توفِّي سنة (173 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (ثُمَّ أَرَاهُ): هو بفتح الهمزة؛ لأنَّه من رؤية العين.

==========

[ج 1 ص 105]

(1/650)

[باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها]

قوله في التَّرجمة: (وَمَرَابِضِهَا): المرابض للغنم؛ كالمعاطن للإبل، واحدها: مَرْبِض؛ مثل مَجلِس، قَالَه الجوهريُّ.

والمَعطِن _بالكسر أيضًا_ والعَطَن _بفتحهما_ واحد الأعطان والمعاطن؛ وهي مبارك [1] الإبل عند الماء لتشرب عللًا بعد نهل، فإذا استوفت؛ رُدَّت إلى المرعَى.

قوله: (وَصَلَّى أَبُو مُوسَى): تقدَّم أنَّه الأشعريُّ عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حضَّار، الصَّحابيُّ رضي الله عنه.

قوله: (فِي دَارِ البَرِيدِ [2]): هو الموضع الذِي ينزل فيه البريد، ومواضعها يكون فيه روث الدَّوابِّ غالبًا.

قوله: (وَالسِّرْقِينِ): هو _بكسر السِّين المهملة، وحَكى شيخنا الشَّارح [3] فتحها أيضًا عنِ ابن سيده، وإسكان الرَّاء، وكسر القاف_ زبل الدَّوابِّ،

[ج 1 ص 105]

وهو بالفارسيَّة: (سِرجين)، وكذا قال ابن قتيبة، وهذه الكلمات العجميَّة فيها حروف ليست بمحضة خالصة كألفاظ العربيَّة فتُنطَق بها، وتُكتَب بالحروف التي تقرُبُ منها، و (السِّرقين): مجرور معطوف على (دار).

قوله: (وَالبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ): (البَرِّيَّةُ): بالرَّفع على الابتداء، وهذا ظاهر، و (إلى جنْبه): الخبر.

قوله: (وَثَمَّ سَوَاءٌ): (ثَمَّ)؛ بفتح الثَّاء؛ أي: هناك، وقد تقدَّم.

(1/651)

[حديث: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم]

233# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ فيما يظهر، واسم أبي تميمة كيسان، وأيُّوب كنيته أبو بكر الإمام، روى عن عَمرو بن سلمة الجرميِّ، ومعاذة، ومحمَّد بن سيرين، وخلق، وعنه: شُعْبَة، وابن عليَّة، وأمم، قال ابن عُليَّة: (كنَّا نقول عنده ألفا حديث)، وقال شُعْبَة: (ما رأيت مثله كان سيِّد الفقهاء)، توفِّي سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ حجَّةٌ ثبت، وقد تقدَّم.

قوله: (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ): هو بكسر القاف، وبعد اللَّام ألف موحَّدة، واسمه عَبْد الله بن زيد الجَرْمِيُّ، تقدَّم.

قوله: (قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ): (عُكْلٍ)؛ بضمِّ العين المهملة، وإسكان الكاف، ثُمَّ لام: قبيلة معروفة، و (عُرَيْنَةَ)؛ بضمِّ العين المهملة، ثُمَّ راء مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحتُ ساكنة، ثُمَّ نون مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث: بطن من بَجِيلَةَ، وعن السَّفاقسيِّ _وهو ابن التِّين_: (أنَّ عكلًا وعرينة واحد)، وقال شيخنا المؤلِّف في «تخريج أحاديث الوسيط»: (وقع في «مصنَّف عَبْد الرَّزَّاق»: أنَّهم من بني فزارة، قد ماتوا هزلًا)، وفي «أحكام ابن الطلَّاع»: (من بني سليم) انتهى.

واعلم أنَّه جاء: (أنَّ نفرًا من عرينة)، وروي: (من عكل أو عرينة) _كما هنا_ على الشَّكِّ، ورُوِي: (من عكل وعرينة) بغير شكٍّ، ورُوِي: (أنَّ نفرًا قدموا)، ولم يذكر من أيِّ قبيلة هم، والكلُّ في «الصَّحيح» من حديث أنس.

فائدة: عددهم ثمانية، كما في هذا «الصَّحيح» في (باب إذا أحرق المشركُ المسلم)، وفي «مسلم» في (الحدود)، فقول النَّوويِّ في «مبهماته»: (إنَّهم كانوا [1] ثمانية) وعزاه لأبي يعلى لا يُحتَاج إليه، والله أعلم، وقيل: كانوا سبعة؛ أربعة من عرينة، وثلاثة من عكل، فقيل [2]: العُرنيُّون؛ لأنَّ أكثرهم من عُرينة.

قوله: (فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ): بالجيم السَّاكنة، ثُمَّ مثنَّاة فوق مفتوحة؛ أي: استوبلوها، ومعناه: استوخموها؛ وَمعناه: كرهوا لمرض أصابهم بها، وفرَّق بعضهم بين الاجتواء والاستوبال، فجعل الاجتواء: كراهة الموضع وإنْ وافق، والاستوبال: إذا لَمْ يوافق وإنْ أحبَّه، ونحوه في «غريب [3] المصنَّف»، قاله ابن قُرقُول.

(1/652)

قوله: (بِلِقَاحٍ): في بعض طرقه أنَّها للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي «مسلم»: «أنْ تخرجوا إلى إبل الصَّدقة»، وكلاهما صحيح، وكأنَّ بعض الإبل للصَّدقة، وبعضها للنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قاله النَّوويُّ، واللِّقاح _بكسر اللَّام_: ليس غير، جمعُ لقحة؛ بكسرها وفتحها، واللَّقاح: ذوات الدُّر من الإبل، يقال لها ذلك بعد الولادة بشهر وشهرين وثلاثة، ثُمَّ هي لبون، واللَّقحة اسم لها في تلك الحال لا صفة، فلا يقال: ناقة لقحة، ولكن يقال: هذه لقحة، وقد جاء في الحديث: (اللَّقحة) في البقر والغنم كما جاءت في الإبل، قاله ابن قُرقُول.

فائدة: عدد هذه اللَّقاح خمسَ عشرةَ، وقد أخذوها أجمع، ثُمَّ رُدَّت إلى المدينة غير لقحة تدعى: الحَنَّاء، فسأل عنها، فقيل: نحروها.

قوله: (وأَبْوَالِهَا): في هذا الحديث: طهارة بول ما يُؤكَل لحمه، وهو مذهب مالك، وأحمد، وقول الإصطخريِّ، وابن خزيمة، والرُّويَانِيِّ، وقيَّد ذلك المالكيَّة بما إذا كانت لا تستعمل النَّجاسة، فإنْ كانت تستعملها؛ فإنَّه نجس على المشهور.

وأجاب المخالفون لهم _وهم [4] الحنفيَّة وجمهور الشَّافعيَّة_ القائلون بالنجاسة: بأنَّ شربهم للأبوال كان للتداوي، وهو جائز بكلِّ النَّجاسات سوى الخمر والمسكرات، وعند الشَّافعيَّة بشرطين؛ أحدهما: خبر طبيب مسلم، أو معرفة المتداوي إنْ عرف، ويشترط [5] ألَّا يجد ما يقوم مقامها من الطَّاهرات، ومسألة (التداوي بالأشياء النَّجسة) عقد لها ابن القيِّم بابًا في «الهَدْي» في المنع منها، واعتُرض على الشَّافعيَّة: بأنَّها لو كانت نجسة محرَّمة الشُّرب ما جاز التَّداوي بها؛ لحديث: «إنَّ الله لَمْ يجعل شفاءكم [6] فيما حرَّم عليكم»، رواه البيهقيُّ من رواية أمِّ سلمة، وصحَّحه ابن حبَّان، وهو في «البخاريِّ» موقوفًا على ابن مسعود، وقد يجاب عنه بأنَّ الضَّرورة جوَّزته.

وفي المسألة قول ثَالِث: أنَّ بول [7] كلِّ حيوان وإنْ كان لا يؤكل لحمه طاهرٌ غير بول ابن آدم، وهو قول ابن عليَّة وأهل الظَّاهر، وروي مثله عنِ الشَّعبيِّ، ورواية عنِ الحسن، وظاهر [8] إيراد البخاريِّ يوافقه حيث ذكر الدَّوابَّ مع الإبل والغنم.

تنبيه: حديثا جَابِر والبراء مرفوعان: «ما أُكِل لحمه؛ فلا بأس ببوله»: ضعيفان، كما بيَّنه الدَّارقطنيُّ وغيره.

(1/653)

قوله: (قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): اسم هذا الرَّاعي يسار؛ بمثنَّاة تحت، ثُمَّ سين مهملة، وكان نوبيًّا، فأعتقه عليه الصَّلاة والسَّلام.

قوله: (فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ): بعث عليه الصَّلاة والسَّلام سعيد بن زيد، قاله [9] ابن عقبة، وقيَّده بعضهم عنِ ابن عقبة بأنَّه أحد العشرة، وقال ابن سعد: (وبلغ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الخبر، فبعث في إثرهم عشرين فارسًا، واستعمل كرز بن جَابِر الفهريَّ) انتهى، وكان ذلك سنة ستٍّ في شوَّال، ولعلَّ سعيدًا وابن [10] جَابِر كانا في السريَّة.

تنبيه: وقع عند محمَّد بن جرير الطَّبريِّ هذه القصَّة من حديث جرير، وفيه أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام بعثه في إثرهم، وفيه نظر؛ لأنَّ إسلامه كان في العاشرة على المشهور، وقد قال بعضهم: إنَّه أسلم قديمًا، فعلى هذا: يزول الإشكال، ووقع عند ابن عَبْد [11] البَرِّ عن جرير نفسه أنَّه أسلم قبل موته عليه الصَّلاة والسَّلام بأربعين يومًا، [وهذا لا يصحُّ، وفي «الصَّحيحين»: (في حجَّةِ الوَدَاعِ: «اسْتَنْصِت النَّاس»)، وهذا يردُّ قول من قال: (إسلامه قبل وفاته عليه السَّلام بأربعين يومًا)] [12]، وقد ذكرته فيما سلف.

تنبيه: المعروف عَزْو ما تقدَّم لمحمَّد بن جرير الطَّبريِّ، وكذا عزاه شيخنا إليه فيما قرأته عليه، ووقع في «تخريج أحاديث الوسيط» له عزوه لمحمَّد بن الفضل الطَّبرانيِّ [13]، وفيه نظر، ويُحتمَل أنَّه منقول عنهما، ومحمَّد بن جرير الطبريُّ ليس في آبائه من اسمه الفضل ولا هو طبرانيٌّ؛ بزيادة ألف ونون، ومحمَّد بن الفضل الطَّبرانيُّ لا أستحضر من هو الآن، والله أعلم.

قوله: (وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ): هو بتخفيف الميم، وقد تشدَّد؛ أي: كحلت بمسامير، وفي «البخاريِّ» في موضع آخر: (فأمر بمسامير فأحميت، فكحلهم بها)، وفعل ذلك بهم؛ لأنَّهم سملوا أعين الرُّعاة كما ثبت في «صحيح مُسْلِم»، وقد غفل أبو الفتح اليعمريًّ في «سيرته» عن عزوه لمسلم، فعزاه لغيره.

قوله: (وَأُلقُوا): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (في الحَرَّةِ): هي بفتح الحاء المهملة، وتشديد الرَّاء، ثُمَّ تاء؛ وهي خارج المدينة، وللمدينة حرَّتان؛ شرقيَّة وغربيَّة، والحرّضة: أرض تركبها حجارة سود.

قوله: (فَلَا يُسْقَوْنَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/654)

إن قيل: قام الإجماع على أنَّ من وجب عليه القتل فاستسقى؛ فإنَّه لا يمنع مِنْهُ؛ لئلَّا يجتمع عليه عذابان؟!

وجوابه: أنَّهم [14] إنَّمَا لَمْ يسقوهم هنا معاقبة بجنايتهم وكفرهم سقيَهم ألبان تلك الإبل، فعوقبوا بذلك [15] فلم يُسقَوا، ولأنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام

[ج 1 ص 106]

دعا عليهم، فقال: «عطَّش الله من عطَّش آل محمَّد اللَّيلة» أخرجه النَّسائيُّ، وأجيب دعاؤه، وأيضًا فهؤلاء ارتدُّوا، فلا حرمة لهم.

قوله: (سَرَقُوا): هذا لا يُسمَّى سرقة، وإنَّما هي حرابة، ولكن لما أخذوا الإبل من حِرز مثلها، وهو وجود الرَّاعي معها ويراها أجمعَ [16]؛ أطلق أبو قلابة عليها: سرقة، والله أعلم.

==========

[1] (كانوا): ليس في (ب).

[2] في (ب): (وقيل).

[3] في (ج): (تجريد)، وهو تحريف.

[4] في النسخ: (وهي).

[5] في (ج): (وبشرط).

[6] في (ج): (شفاء).

[7] في (ب): (يؤكل)، وهو سبق نظر.

[8] في (ب): (ورواية الظَّاهر).

[9] في (ب): (قال).

[10] (ابن): ليس في (ج).

[11] (عبد): ليس في (ج).

[12] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[13] في (ج): (الطبري).

[14] في (ب): (أنَّه).

[15] (بذلك): ليس في (ب).

[16] (أجمع): ليس في (ب).

(1/655)

[حديث: كان النبي يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم]

234# قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ): هو بالمثنَّاة فوق المفتوحة [1]، ثُمَّ مثنَّاة تحت مشدَّدة، واسمه يزيد بن حميد _ (كذا في نسخة تسميته ونسبه لأبيه) [2]_ الضَّبعيُّ، أحد الأعلام، عن أنس، ومطرِّف، وعنه: عَبْد الوارث، وابن عليَّة، ثقةٌ عابدٌ، مات سنة (128 هـ)، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة.

قوله: (يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ): (يُبنى): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (المسجدُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، واعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أقام بالمدينة، إذ قدمها شهر ربيع الأوَّل إلى صفر من السَّنة الدَّاخلة يُبنى له فيها مسجده ومساكنه.

قوله: (في مَرَابِضِ الغَنَمِ): تقدَّم الكلام على المرابض قريبًا ما [3] هي.

==========

[1] (المفتوحة): ليس في (ب).

[2] ما بين قوسين ليس في (ب).

[3] في (ج): (وما).

[ج 1 ص 107]

(1/656)

[باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء]

(بَاب مَا يَقَعُ مِن النَّجَاسَاتِ في السَّمْنِ وَالمَاءِ) ... إلى (بَاب السِّوَاكِ)

ذكر ابن المُنَيِّر الآثار والأحاديث التي ذكرها البخاريُّ، ثُمَّ قال: (مقصود التَّرجمة أنَّ المعتبر في النَّجاسات الصِّفات، فلمَّا كان ريش الميتة لا يتغيَّر بتغيرها؛ لأنَّه لا تحُلُّه الحياة، وكذلك العظام، وكذلك الماء؛ إذا خالطته [1] نجاسة ولم تغيِّره [2]، وكذلك السَّمن البعيد عن موقع الفأرة إذا لم يتغيَّر، ووجه الاستدلال بحديث دم الشَّهداء: أنَّه لمَّا تغيَّرت صفته إلى صفة طاهر وهو المسك بطل حكم النَّجاسة فيه، على أنَّ القيامة ليست دار أعمال ولا أحكام، وإنَّما لما عُظِّم الدَّمُ بحيلولة صفته إلى صفة ما هو مستطاب معظَّم في العادة؛ علمنا أنَّ المعتبر الصِّفات لا الذَّوات) انتهى.

قوله: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه [3] العالم الفرد محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن [4] شهاب.

قوله: (وَقَالَ حمَّاد [5]): هو ابن أبي سُلَيْمَان مسلم مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعريِّ، الكوفيُّ الفقيه أبو إِسْمَاعِيل، عن أنس، وابن المُسَيّب، وإبراهيم، وعنه: ابنه [6] إِسْمَاعِيل، ومسعر، وأبو حنيفة، وشُعْبَة، وكان ثقة إمامًا مجتهدًا كريمًا جوادًا، قال أبو إسحاق الشَّيبانيُّ: (هو أفقه من الشَّعبيِّ) انتهى، لكن الشَّعبيَّ أثبتُ مِنْهُ، توفِّي سنة (120 هـ)، أخرج له مُسْلِم والأربعة، وقد تقدَّم مرَّة قبل هذه، وأنَّ له ترجمة في «الميزان».

قوله: (نَحْوِ الفيلِ): هو بجرِّ (نحوِ)، ويجوز نصبه.

قوله: (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ): هو محمَّد بن سيرين، الإمام أحد الأعلام، أبو بكر، عن أبي هريرة، وعمران بن حصين، وطائفة، وعنه: ابن عون، وهشام بن حسَّان، وداود بن أبي هند، وجرير، وقرَّة، وخلائق، وكان ثقةً حجةً كثير العلم ورعًا بعيد الصِّيت، توفِّي في شوَّال سنة (110 هـ)، وكان يصوم يومًا ويومًا، وله سبعة أوراد في اللَّيلة، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم مرَّة قبل هذه أو أكثر.

قوله: (وَإِبْرَاهِيمُ): الظَّاهر أنَّه ابن يزيد النَّخعيُّ الفقيه الكوفيُّ، أحد الأعلام، تقدَّم.

(1/657)

قوله: (بِتِجَارَةِ العَاج): قال الجوهريُّ: (والعاج: عظم الفيل، الواحدة: عاجة)، وفي «النهاية»: (العاج: الذَّبْل، وقيل: شيء يُتَّخذ من ظَهْر السُّلَحْفاة البَحْرِيَّة، فأمَّا العاجُ الذّي هو عَظْم الفيل؛ فنَجِس عند الشَّافعيِّ، وطاهِرٌ عند أبي حنيفة)، وفي «القاموس» لشيخنا مجد الدِّين: (والعاج: الذَّبل ... ) إلى أنْ قال: (وعظم الفيل، وفي العاج الذي هُوَ عظم الفيل مذاهب؛ النَّجاسة مذهب الشَّافعيِّ، الطَّهارة مذهب أبي حنيفة، إنْ أُخِذ من مذكًّى؛ كان طاهرًا، وإلَّا؛ فلا، وهذا مذهب مالك، وهو بناء على أنَّه مأكول، والرَّابع: إنْ خرط؛ طهر)، وفي حفظي: أنَّ النَّوويَّ حكاه في «شرح المهذَّب» عنِ النَّخعيِّ [7]، والله أعلم.

==========

[1] في (ج): (خالطه).

[2] في (ب) و (ج): (يغيره).

[3] (أنَّه): مثبت من (ج).

[4] زيد في (ب): (محمد بن)، وليس بصحيح.

[5] في هامش (ق): (شيخ أبي حنيفة رضي الله عنهما).

[6] (ابنه): ليس في (ج).

[7] في (ب): (النَّووي)، وهو سبق نظر.

[ج 1 ص 107]

(1/658)

[حديث: ألقوها وما حولها فاطرحوه]

235# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تقدَّم مرَّات أنَّه ابن أبي أويس ابن أخت الإمام مالك صاحب المذهب.

قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه الزُّهْرِيُّ.

قوله: (عن فَأْرَةٍ): هي مهموزة، بخلاف فارة المسك، فإنَّها ليست مهموزة، قَالَه الجوهريُّ، انتهى، والصَّحيح: الهمز فيهما والتسهيل، قاله النَّوويُّ في «تهذيبه».

قوله: (أَلقُوهَا): هو بهمزة [1] القطع؛ لأنَّه رباعيٌّ.

==========

[1] في (ب): (بضم الهمزة)، ولا يصح.

[ج 1 ص 107]

(1/659)

[حديث: خذوها وما حولها فاطرحوه]

236# قوله: (حَدَّثَنَا مَعْنٌ): هو ابن عيسى القزَّاز أبو يحيى، أحد الأئمَّة، عنِ ابن أبي ذئب، ومالك، ومعاوية بن [1] صالح، وعنه: ابن المدينيِّ، واِبْن مَعِين، ومحمَّد بن رافع، قال أبو حاتم: (هو أثبت أصحاب مالك)، توفِّي في شوَّال سنة (198 هـ)، أخرج له الجماعة.

==========

[1] زيد في (ب): (أبي)، ولا يصح.

[ج 1 ص 107]

(1/660)

[حديث: كل كلْم يكلمه المسلم في سبيل الله]

237# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ [قَالَ]: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): هذا اختُلف فيه؛ قال أَبُو عَبْد الله النَّيسابوريُّ: (هو أحمد بن محمَّد بن موسى المروزيُّ، يكنى أبا العَبَّاس، يُلقَّب مردويه)، وقال الدَّارقطنيُّ: (أحمد بن محمَّد عن عَبْد الله بن المبارك هو أحمد بن محمَّد بن ثابت، يُعرَف بابن [1] شبُّويه)، قاله أَبُو عليٍّ الغسَّانيُّ.

ونقل فيه شيخنا في شرحه ثلاثة أقوال؛ القولين اللَّذين ذكرتهما، والثَّالث: أنَّه لا يُعرَف، نقله عن أبي أحمد بن عديٍّ أحمد بن محمَّد، عن عَبْد الله، عن معمر لا يُعرف) انتهى.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): هذا هو ابن المبارك، العالم الرَّبَّانيُّ، مشهور التَّرجمة، تقدَّم.

[قوله: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ): هو بإسكان العين، وفتح الميم قبلها، هو ابن راشد أبو عروة الأزديُّ مولاهم،، عالم اليمن، تقدَّم] [2].

قوله: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن [3] صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (كَلْمٍ): هو _بفتح الكاف، وإسكان اللَّام_ الجرح.

قوله: (يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ): (يُكلم): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (المسلمُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

قوله: (تَفَجَّرُ): هو بفتح التَّاء، وتشديد الجيم، مرفوع، وهو محذوف إحدى التَّاءين.

قوله: (وَالعَرْفُ عَرْفُ): (العَرْف)؛ بفتح العين المهملة، وإسكان الرَّاء، وبالفاء: ريح الطِّيب.

==========

[1] (بابن): ليس في (ج).

[2] ما بين معقوفين جاء في (ب) و (ج) بعد قوله: (أخرج له الجماعة).

[3] (بن): سقطت من (ب).

[ج 1 ص 107]

(1/661)

[باب الماء الدائم]

(1/662)

[حديث: نحن الآخرون السابقون]

238# 239# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتقدَّم بعض ترجمته.

[ج 1 ص 107]

قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ): هو بالنُّون، واسمه عَبْد الله بن ذكوان أَبُو عَبْد الرَّحمن، الإمام، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ): قال العلماء: معناه: الآخرون في الزمان، السَّابقون بالفضل ودخول الجنَّة، فتدخل هذه الأمَّة قبل الأمم الجنَّةَ، وقال شيخنا المؤلِّف في أواخر شرحه: (السَّابقون يوم القيامة في الحساب ودخول الجنَّة) انتهى، ورأيت أنا [1] في جواز الصراط أيضًا، والله أعلم، وكون [2] هذه الأمَّة أوَّل من يُحاسَب؛ فكذلك هو في «مسند أبي داود الطيالسيِّ» من حديث ابن عَبَّاس، وكذا جواز الصراط، فهو [3] في «الصَّحيح».

قوله: (وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: لَا يَبُولَنَّ .. ) إلى آخره: قال شيخنا: (وجه إدخال البخاريِّ الحديث الأوَّل في هذا الباب، وهو حديث: «نحن الآخرون ... » إلى آخره: أنَّ أبا هريرة رواه كذلك، وذكر مثل هذا في كتاب «الجهاد»، و «المغازي»، و «الأيمان والنُّذور»، و «قصص الأنبياء»، و «الاعتصام» ذكر في أوائلها كلِّها: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ»، قال ابن بطَّال في «شرحه»: يمكن أنْ يكون همَّام فعل ذلك؛ لأنَّه سمع من أبي هريرة [أحاديث ليست بكثيرة، وفي أوائلها: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ»، فذكرها على الرُّتبة التي سمعها من أبي هريرة، ويمكن _والله أعلم_ أنَّ يكون سمع أَبُو هريرة] [4] ذلك في نسق واحد، فحدَّث بهما جميعًا كما سمعهما).

(1/663)

قال شيخنا: (قلت: ساق البخاريُّ الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة _كما ذكرته لك_ لا من حديث همَّام عنه، وتلك تعرف بصحيفة همَّام، وعادة مُسْلِم يقول فيها: فذكر أحاديث ومنها كذا، وهذه أيضًا صحيفة رواها بشر بن شعيب بن أبي حمزة، عن أبيه [5]، عن أبي الزِّناد عنه، عن أبي هريرة، وأحاديثها تقرب من صحيفة همَّام، وأوَّلها: «نحن الآخرون السَّابقون»، وفيها حديث البول في الماء الدَّائم)، ثُمَّ أخذ يعترض على ابن بطَّال في قوله: (إنَّ همَّامًا سمع من أبي هريرة أحاديث ليست [6] بكثيرة)؛ ليس بجيِّد؛ لأنَّ الدَّارقطنيَّ جمعها في جزء مفرد، فبلغت فوق المئة، ثُمَّ اعترض عليه في قوله: (ويمكن أنَّ يكون سمعه من رَسُول اللِّه صلَّى الله عليه وسلَّم في نسق واحد)؛ فيه بعدٌ، قال [7] شيخنا [8]: (وقد وقع لمالك في «موطَّأيه» مثل هذا في موضعين)؛ فذكرهما، والله أعلم.

قوله: (في المَاءِ الدَّائِمِ الذِي لَا يَجْرِي): اعلم أنَّ الدَّائم هو الرَّاكد، كما جاء في روايةٍ أخرى، وقوله: (الذي لا يجري) تأكيد لمعناه وتفسير له، وقيل: للاحتراز عن راكد يجري بعضه؛ كالبرك ونحوها.

قوله: (ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيه): الرِّواية بالرَّفع [9]، وجوَّز ابن مالك جزمه على النَّهي، ورفعُه بتقدير: ثُمَّ هو يغتسل، ونصبه على إعطاء (ثمَّ) حكم واو الجمع، وقد منعه القرطبيُّ والنَّوويُّ، قال النوويُّ: (لا يجوز النَّصب؛ لأنَّه يقتضي أنَّ المنهيَّ عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما، وهذا لَمْ يقله أحد، بل البول منهيٌّ عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا) انتهى.

وقال [10] ابن هشام الأستاذ النحويُّ المصريُّ في «مغنيه»: (وإنَّما أراد ابن مالك إعطاءها حكمها في النصب، لا في المعيَّة أيضًا ... ) إلى آخر كلامه.

(1/664)

[باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته]

قوله: (إِذَا أُلْقِيَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (قَذَرٌ): مرفوع قائم مقام الفاعل، وكذا (أو جيفة).

قوله: (وَقَالَ ابْنُ المُسَيّبِ): هو سعيد، وقد تقدَّم الكلام عليه، وعلى ياء أبيه [1] أنَّها مفتوحة ومكسورة، وأنَّ غيره لا يجوز فيه غير الفتح، وهو عالم فرد.

قوله: (وَالشَّعْبِيُّ): هو _بفتح الشِّين المعجمة_ عامر بن شراحيل، الإمام، تقدَّم الكلام عليه.

==========

[1] في (ج): (وعلى يائه)، ولا يصح.

[ج 1 ص 108]

(1/665)

[حديث: أن النبي كان يصلي عند البيت وأبو جهل]

240# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبِي): تقدَّم أعلاه أنَّه عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وهو عتكيٌّ مروزيٌّ، يروي عن قرَّة، وشُعْبَة، وعنه: ابناه عبدان، وعبد العزيز شاذان، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وثَّقه أبو حاتم.

قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): هذا هو السَّبيعيُّ، وهو المذكور في الطَّريق الثَّاني من رواية ابن ابن ابنه إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، عن أبيه [1] يوسف، عن أبي إسحاق، وهو عَمرو بن عَبْد الله أبو إسحاق الهمْدانيُّ السَّبيعيُّ الكوفيُّ، أحد الأعلام، عن جرير، وعديٍّ بن حاتم، وزيد بن أرقم، وابن عَبَّاس، وعدَّة من الصَّحابة، وأمم من التَّابعين، وعنه: ابنه يونس، وإسرائيل حفيده، وشُعْبَة، والسُّفيانان، وأبو بكر بن عيَّاش، وخلائق، وله نحو ثلاث مئة شيخ، وهو يشبه الزُّهْرِيَّ في الكثرة، وقد غزا عشر مرَّاتٍ، وكان صوَّامًا قوَّامًا، مات سنة (127 هـ) وله خمس وتسعون سنة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تقدَّم الكلام عليه قبل هذا، لكن طال الفصل، والله أعلم.

قوله: (عن عَبْدِ الله): هذا هو ابن مسعود الهذليُّ رضي الله عنه.

قوله: («ح»: [قَالَ]: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ): أمَّا (ح)؛ فقد تقدَّم الكلام عليها في أوَّل هذا التَّعليق.

وأمَّا (أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ)؛ فهو أحمد بن عثمان بن حَكيم بن ذُبيان الأوديُّ، أبو عَبْد الله الكوفيُّ، عن أبيه، وجعفر بن عون، وأبي نعيم، وعبيد [2] الله بن موسى، وخالد بن مَخْلَد، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وعبد الرَّحمن بن يوسف بن خراش، ومطين، وأبو عوانة، وخلق، وثَّقه النَّسائيُّ، وابن خراش، مات يوم عاشوراء سنة (261 هـ) [3]، أخرج له من الأئمَّة مَن أخذ عنه.

قوله: (حَدَّثَنَا [4] شُرَيْحُ): هو بالشِّين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة.

قوله: (وَأَبُو جَهْلٍ): اسم أبي جهل: عَمرو بن هشام بن المغيرة، ترجمته معروفة، فرعون هذه الأمَّة، قُتِل ببدر كافرًا.

قوله: (وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ): الظَّاهر [5]_والله أعلم_ أنَّهم المذكورون في آخر الحديث المدعوُّ عليهم، وسيأتي الكلام عليهم.

(1/666)

قوله: (إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ): القائل هو أبو جهل، كما هو مصرَّح به في «مسلم» في (كتاب الجهاد) بعد (غزوة أحُد).

قوله: (بِسَلَى): هو _بفتح السِّين المهملة، مقصور_ الجلدة الرَّقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، إنْ نُزعت عن وجه الفصيل ساعة يولد، وإلَّا؛ قتلته، وكذلك إذا انقطع السَّلَى في البطن، فإذا خرج السَّلى؛ سلمت النَّاقة، وإن انقطع في بطنها؛ هلكت وهلك الولد، قاله في «الصِّحاح»، وقال الدِّمياطيُّ في «حواشيه»: (السَّلى: الجلدة التي يكون فيها الولد، وقيل: السَّلى: في الماشية، والمشيمة: في النَّاس، وهي ههنا نجسة؛ لأنَّ ذبح المشركين كالميتة، ولو ذبحها مُسْلِم أو كتابيٌّ؛ لكانت لا تخلو من دم أو فرث، قال بعض المالكيَّة: وفيه من الفقه: أنَّ غسل النجاسة في الصَّلاة سُنَّة، ولو كان واجبًا؛ لقطع الصَّلاة) انتهى، فقوله: (إنَّ ذبح المشركين ميتة): أمَّا الآن؛ فنعم، وأمَّا إذ ذاك؛ فكان [6] قبل تحريم ذبائح أهل الأوثان كما كانت تجوز مناكحتهم، وهذا ظاهر لا خفاء به، وأمَّا مسألة (غسل النجاسة في الصَّلاة سنَّة)؛ فمحلُّه كتب الفقه، وكذا [7] الرَّدُّ عليهم.

قوله: (فَيَضَعَهُ): هو بنصب (يَضَعَ)، ويجوز رفعه.

قوله: (فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ): أمَّا (انْبَعَثَ)؛ فقام بسرعة، وأمَّا (أَشْقَاهم)؛ فهو عقبة بن أبي معيط، كما صرَّح به في «مسلم»، وكذا هو في «صحيح البخاريِّ» في (باب ما لقي النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه من المشركين بمكَّة)، وقال شيخنا الشَّارح عنِ الدَّاوديِّ: (إنَّه أبو جهل).

[ج 1 ص 108]

قوله: (لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (لَا أُغْنِي) نسخة، أمَّا [8] (أغني)؛ فكذا للنسفيِّ [9] والحمُّوي، وعند غيرهم: (لا أغيِّر)، قال ابن قُرقُول: (قال القاضي: والأوَّل أوجه وإنْ كان معناهما يصحُّ).

قوله: (لَوْ كَانَت لِي مَنَعَةٌ): قال ابن قُرقُول: («مَنَعة»؛ بفتح الميم والنُّون؛ أي: جماعة يمنعونه، وهو جمع مانع، وهو أكثر الضَّبط فيه، ويقال: بسكون النُّون أيضًا، عزَّة امتناع يمتنع بها، اسم الفعلة من منع، أو الحال بتلك الصِّفة، أو مكان تلك الصِّفة، وبفتح النُّون ضبطه الأصيليُّ، وكذا «في عزٍّ ومنعة»، وأنكر أَبُو حاتم الإسكان) [10].

وقال شيخنا الشَّارح: (في «المحكم» [11]: فيها ثلاث لغات، منَعة ومنْعة ومِنعة).

(1/667)

قوله: (وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ): قال الدِّمياطيُّ: (أَيْ: يميل، وكذا جاء في «مسلم» يُميل بعضُهم إلى بعض من كثرة الضَّحك) انتهى.

وقال شيخنا الشَّارح: (كذا هو بالحاء في نسخ «البخاريِّ»، قال ابن بطَّال: ينسب ذلك بعضُهم إلى بعض من قولكَ: أحلتُ الغريم؛ إذا جعلتَ له أنْ يتقاضى ماله عليك من غيرك)، قال: (ويُحتمل أنْ يكون من قول العرب: حال الرَّجل على ظهر الدابَّة حولًا وأحال: وثب).

وقال ابن الأثير: («ويحيل بعضهم على بعض»؛ أي: يقبل عليه ويحيل إليه، وجاء في بعض الرِّوايات: «وجعل بعضُهم يميل إلى بعض»، وكذا أورده شيخنا في كتاب «الصَّلاة» في باب «المَرْأَةِ تَطْرَحُ عنِ المُصَلِّي شَيْئًا مِن الأَذَى»، ولفظه: «حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ») انتهى، وقد راجعت كلام ابن الأثير؛ فوجدته كما ذكره عنه.

قوله: (وَكَانُوا يُرَوْنَ): (يُرون)؛ بضمِّ أوَّله؛ بمعنى: يظنُّون ويعتقدون [12]، وبفتح أوَّله أيضًا، ومعناه معروف.

قوله: (اللهمَّ؛ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ): تقدَّم بظاهرها.

قوله: (وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ): هذا كافر معروف، قُتِل ببدر كافرًا.

قوله: (وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ): هذا كان [13] من سادات قريش، قُتِل يوم بدر كافرًا.

قوله: (وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ): هو بالمثنَّاة فوق، ووقع في بعض نسخ «مُسْلِم»: بالقاف، وهو خطأ، والصَّواب ما هنا، والوليد قُتِل يوم بدر كافرًا.

قوله: (وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ): هذا كافر معروف، قُتِل ببدر على كفره، وفي «صحيح البخاريِّ» من حديث ابن مسعود: أنَّ سعد بن معاذ قال [14] له: (إنِّي سمعت محمَّدًا يزعم أنَّه قاتلك) وذكر الخبر ... إلى أنْ ذكر: أنَّه قُتِل ببدر، وعن ابن الجوزيِّ: (أنَّ ظاهر الحديث أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قتله، وفيه أيضًا في [15] «الوكالة»، وفي «السِّير» من حديث عَبْد الرَّحمن بن عوف: «أنَّ بلالًا خرج إليه ومعه نفر من الأنصار فقتلوه»، وقيل: قتله غير من ذُكِر، فقيل: معاذ بن عفراء، وخارجة بن زيد، وحبيب بن إساف اشتركوا فيه، وقيل: قتله بلال، وقيل: رجل من الأنصار من بني مازن) انتهى، وسيأتي في (الوكالة) الاختلاف في قاتله، وأذكر فيها خمسة أقوال، ولعلَّهم اشتركوا فيه، والله أعلم.

(1/668)

قوله: (وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ): هو بالقاف [16]، واسم أبي معيط أبان بن أبي عَمرو ذكوانَ بن أميَّة بن عَبْد شمس، قتل كافرًا، وسيأتي في أيِّ مكان قتله عليه الصَّلاة والسَّلام، وذكر شيخنا في (باب طرح جيف المشركين في البئر): (قال الدَّاوديُّ: إنَّه لَمْ يكن من أنفس قريش، وإنَّما كان ملصقًا فيهم، وتعقَّبه ابن التِّين، فقال: ظاهر قوله: «اللَّهمَّ؛ عليك الملأَ من قريش» أنَّه من أشرافهم؛ لأنَّ الملأ: الأشرافُ إلَّا أنْ يريد أكثر من ذكر) انتهى، (وللنَّاس كلام في نسب ذكوان لا أحبُّ أن أذكره، وفي حفظي: أنَّ السهيليَّ وغيره ذكره أيضًا وأنَّ ذكوان عبد أميَّة أو ابنه، وظهر لي من كلامه الآن في حفظي أنَّه عبده لا ابنه) [17]، والله أعلم.

قوله: (وَعَدَّ السَّابِعَ [18]، فَلَمْ يَحْفَظْه): هذا من قول أبي إسحاق، وهو عمرو بن عَبْد الله السَّبيعيُّ، كما في «مسلم»، وقد ذكره البخاريُّ في (باب المَرْأَةِ تَطْرَحُ عنِ المُصَلِّي شَيْئًا مِن الأَذَى) في (كتاب الصَّلاة) أنَّه عُمارة بن الوليد، وسيأتي بُعيد هذا ما جرى لعمارة [19].

قوله: (فَوَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ الذِينَ عَدَّ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرْعَى [20] فِي القَلِيبِ): أي: رأيت أكثرهم، وذلك لأنَّ عقبة بن أبي معيط لَمْ يُقتَل ببدر، بل حمل منها أسيرًا، وقُتِل بعرق الظُّبية.

وأمَّا عُمارة؛ فقصَّته مع النَّجاشيِّ مشهورة، وأنَّه سحر فصار متوحِّشًا، وهلك بأرض الحبشة زمن عُمر.

(1/669)

وأمَّا أميَّة بن خلف؛ فإنَّه لَمْ يُلقَ في البئر، وسيأتي في هذا «الصَّحيح»: (وأميَّة بن خلف أو أُبيُّ بن [21] خلف _شُعْبَة الشَّاكُّ_؛ فرأيتهم قُتِلوا يوم بدر، فأُلقوا في البئر غير أميَّة أو أُبيٍّ، تقطَّعت أوصاله، فلم يُلق في البئر)، ذكر ذلك في (باب مَا لَقِيَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وَأَصْحَابُهُ مِن المُشْرِكِينَ بِمكَّة في المبعث)، والصَّواب: من أحد الشَّكَّين أنَّه أميَّة، وأمَّا أُبَيٌّ؛ فإنَّه هلك بعد ذلك عقيب أحُد بسبب ضربة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم له بأحُد، فحمل وهلك بسرف في رجوعهم إلى مكَّة، وقال ابن إسحاق عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا أمر بالقتلى أنْ يُطرَحوا في القليب؛ طُرِحوا فيه إلَّا ما كان من أميَّة بن خلف، فإنَّه انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليحرِّكوه [22] فتزايل، فأقرُّوه، وألقوا عليه ما غيَّبه من التُّراب والحجارة)، وهذا موافق لما في «البخاريِّ»، وفي أواخر [23] «مسلم»، وقد بوَّب عليه مبوَّب (باب كلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لقتلى بدر بعد موتهم) ما ظاهره أنَّ أميَّة أُلقي في القليب، ولكنَّ تأويله ممكن؛ بأنَّه [24] كان ذلك بقرب القليب جدًّا بحيث إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لمَّا وقف على القليب؛ بقي أميَّة بقربه جمعًا بين الرِّوايتين، والله أعلم، أو أنَّه بعد أنْ رضخوه بالحجارة والتُّراب؛ أُخرج وأُلقي في البئر، والله أعلم.

قوله: (في القَلِيبِ): هو _بفتح القاف، وكسر اللَّام، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ موحَّدة_ بئر غير مطويَّة.

==========

[1] (عن أبيه): سقطت من (ج).

[2] في (ج): (وعبد)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (161 هـ)، وليس بصحيح.

[4] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[5] زيد في (ب): (وسيأتي).

[6] (فكان): سقطت من (ب).

[7] (كذا): ليس في (ب).

[8] في (ب): (وأمَّا).

[9] في (ب): (الدمشقي).

[10] «المطالع».

[11] في (ج): (العلم).

[12] (ويعتقدون): ليس في (ج).

[13] في (ج): (كافر).

[14] في (ج): (قاله).

[15] في (ج): (وفي).

[16] (هو بالقاف): ليس في (ب).

[17] ما بين قوسين ليس في (ج).

[18] في هامش (ق): (أي: الراوي الأول، السابع: هو عُمارة بن الوليد).

[19] في (ب): (بعمارة).

[20] (صرعى): سقطت من (ج).

[21] (بن): سقطت من (ب).

(1/670)

[22] في (ب): (ليحربوه)، وفي (ج): (ليجردوه).

[23] في (ب): (آخر).

[24] في (ج): (بأن).

(1/671)

[باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب]

قوله: (بَاب البُزَاقِ): يقال فيه: بالزاي، وبالسِّين، وبالصَّاد، وهو معروف، والسِّين أضعفها.

اعلم أنَّ هذا التَّبويب والحديث يردَّان قول سُلَمَان والنَّخعيِّ؛ فإنَّهما قالا بنجاسة البزاق.

قوله: (وقَالَ عُرْوَةُ عنِ المِسْوَرِ وَمَرْوَانَ .. ) إلى آخِرِه: هذا قطعة من حديث طويل في «صلح الحديبية»، وقد تقدَّم أنَّ (المِسْوَر)؛ بكسر الميم، ثُمَّ سين ساكنة، ثُمَّ واو مفتوحة، ثُمَّ راء، صحابيٌّ صغير، وأنَّ (مروان) ليس بصحابيٍّ، وسيأتي التَّنبيه في وهم وقع في سنِّ [1] المسور في «الصَّحيحين»، وسيأتي أيضًا، وتقدَّم أيضًا أنَّهما روياه عن بعض الصَّحابة، وهذه الطَّريق التي فيها أنَّهما روياه عن بعض الصَّحابة أهملها المِزِّيُّ في «أطرافه»، والله أعلم.

[ج 1 ص 109]

قوله: (زَمَنَ الحُدَيْبِيَةَ): هي بتخفيف الياء ضبطها المتقنون، وعامَّة الفقهاء والمحدِّثين يشدِّدونها؛ وهي قرية ليست بالكبيرة سمِّيت ببئر هناك عند مسجد الشَّجرة، وبين الحُدَيْبِيَة والمدينة تسع مراحل، وبينها وبين مكَّة مرحلة، وكان خروجه عليه الصَّلاة والسَّلام إليها في السَّنة السَّادسة في ذي القعدة، كما قاله ابن إسحاق، وعند ابن سعد: لهلال ذي القعدة يوم الاثنين.

قوله: (نُخَامَةً): قال الدِّمياطيُّ: (النُّخامة والنُّخاعة: ما يطرحه الفم من الصَّدر أو الرَّأس من رطوبة لزجة، ومنهم من فرَّق بينهما، فجعله من الصَّدر بالعين، ومن الرَّأس بالميم).

==========

[1] في (ج): (سين).

(1/672)

[حديث: بزق النبي صلى الله عليه وسلم في ثوبه]

241# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا هُوَ الفِرْيَابِيُّ لا البخاريُّ البيكنديُّ، وقد ذكرت الفرق بينهما في أوائل هذا التَّعليق، وذكرت الأماكن التي روى فيها البخاريُّ عنِ البيكنديِّ وعدَّتها، [وقد قال شيخنا في هذا: (إنَّه الفريابيُّ، فإنَّ أبا نعيم رواه عنِ الطَّبرانيِّ، عنِ ابن أبي مريم: حَدَّثَنَا الفريابي: حَدَّثَنَا سفيان، قال: ورواه _يعني: البخاريُّ_ عن [1] الفريابيِّ، وكذا صرَّح به خلف في «أطرافه») انتهى] [2]

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن سعيد الثَّوريُّ، العالم المشهور، تقدَّم، وكذا قال شيخنا: وسفيان هو ابن سعيد الثَّوريِّ؛ كما صرَّح به الدَّارقطنيُّ.

قوله: (قَالَ أَبُو عَبْد الله): هو البخاريُّ، ولكن لا يضرُّ التَّنبيه عليه؛ لأنَّ في بلدنا أناسًا لا يعرفون هذا القدر، ويعزون [3] البخاريَّ في الأماكن.

قوله: (طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ): هو سعيد بن الحكم بن محمَّد مولى بني جمُح، أبو محمَّد المصريُّ الحافظ، عن مالك، ونافع [4] بن عُمر، وعنه: البخاريُّ، وأحمد بن حمَّاد، قال أبو حاتم: (ثقة)، وكذا وثَّقه غيره، توفِّي سنة (224 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد رقم عليه المِزِّيُّ تعليقًا، والظَّاهر أنَّ البخاريَّ أخذه عنِ ابن أبي [5] مريم هذا مذاكرة؛ كما تقدَّم، والله أعلم، وما طوَّله ابن أبي مريم؛ انفرد البخاريُّ بتعليقه فيما أعلم من بين أصحاب الكتب السِّتَّة.

قوله: (يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ): هذا هو الغافقيُّ، أبو العَبَّاس المصريُّ، أحد العلماء، عن يزيد بن أبي حبيب، وجعفر بن ربيعة، وعنه: ابن وهب، وسعيد بن أبي مريم، وهو صالح الحديث، وقال أبو حاتم: (لا يُحتجُّ به)، وقال النَّسائيُّ: (ليس بالقويِّ)، توفِّي سنة (168 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان».

وأتى بهذه الطَّريق؛ لأنَّ سفيان تقدَّم أنَّه الثَّوريُّ، وتقدَّم فيما مضى أنَّه وابن عيينة أيضًا مدلِّسان، وقد عنعن عن حميد، ويحيى بنُ أيُّوب صرَّح بالتحديث، وكذا حميد في الطَّريق الأولى عنعن، وهنا صرَّح بالتحديث، وحميد أيضًا مدلِّس، فأتى بهذه الطَّريق؛ لما فيها من الفائدة.

==========

[1] في (ج): (يعني).

[2] ما بين معقوفين جاء في (ج) بعد قوله: (كما صرح به الدارقطني).

[3] في (ب): (ويقرون).

[4] زيد في (ب): (عن).

(1/673)

[5] في (ج): (يحيى)، وكذا في الموضع اللاحق، وليس بصحيح.

[ج 1 ص 110]

(1/674)

[باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر]

قوله: (بَاب لَا يَجُوزُ الوُضُوءُ [بِالنَّبيذِ وَلَا المُسْكِرِ): وجه إيراد البخاريِّ هذا الحديث هنا مع هذه التَّرجمة قيل: وجهه هنا أنَّ المسكر واجب الاجتناب؛ لنجاسته، حرام استعماله في كلِّ حال، ومن جملة ذلك الوُضوء، وما يحرم شربه؛ يحرم الوضوء به؛ لخروجه عنِ اسم الماء لغة وشرعًا، وكذلك النَّبيذ أيضًا غير المسكر في معنى المسكر من جهة أنَّه لا يقع عليه اسم الماء، ولو جاز أنْ يسمَّى النَّبيذ ماء؛ لأنَّ فيه ماء [1]؛ لجاز أنْ يسمَّى الخلُّ ماء؛ لأنَّ فيه ماء، والله أعلم.

قوله: (الوُضُوءُ)] [2] في التَّرجمة: هو بضمِّ الواو؛ لأنَّه الفعل، وتقدَّم مرارًا أنَّه يجوز فتحها.

قوله: (وَكَرِهَهُ الحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، تقدَّم مرَّاتٍ.

قوله: (وَأَبُو العَالِيَةِ): هذا هو رُفَيع بن مهران، وهو من أئمَّة التَّابعين، وقد تقدَّم أنَّ أبا العالية اثنان؛ هذا، وزياد بن فيروز، وهذا أعلمهما وأكبرهما، أدرك الجاهليَّة، ودخل على أبي بكر، وصلَّى خلف عُمر، وحفظ القرآن في خلافته، أسلم بعد موته عليه السَّلام [3] بعامين، وهذا كان ابن عَبَّاس يرفعه على السَّرير، وقريش أسفل من السَّرير، قال: (فتغامزني قريش، وقالوا: يرفع هذا العبد علينا، ففطن لهم، فقال: إنَّ هذا العِلم يزيد الشَّريف شرفًا، ويُجلس الملوك على الأسرة)، وثناء النَّاس عليه كَثِير، وترجمته معروفة، توفِّي سنة (90 هـ)، وقال البخاريُّ: (سنة «93 هـ»)، وقيل: سنة (111 هـ)، والأوَّل أصحُّ، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم الكلام عليه ولكن طال الفصل، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): هذا هو ابن أبي رباح، قال شيخنا الشَّارح: (صرَّح به ابن حزم)، ثُمَّ ذكر مستنده في ذلك، وقد تقدَّم الكلام عليه.

==========

[1] (لأنَّ فيه ماء): سقط من (ج).

[2] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[3] في (ب): (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم).

[ج 1 ص 110]

(1/675)

[حديث: كل شراب أسكر فهو حرام]

242# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، كما صرَّح به مُسْلِم في «صحيحه».

قوله: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب العالم المشهور.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل، وتقدَّم بعض ترجمته.

==========

[ج 1 ص 110]

(1/676)

[باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه]

قوله: (بَابُ غَسْلِ المَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عن وَجْهِهِ): (الدَّمَ): منصوب؛ لأنَّه مفعول المصدر الذِي هو (غَسْل)، و (أَبَاهَا): منصوب بنزع الخافض؛ أي: عن أبيها، والله أعلم.

قوله: (وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ): هو العالم المشهور، رُفَيع بن مهران الذِي تقدَّم أعلاه، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 110]

(1/677)

[حديث سهل: ما بقي أحد أعلم به مني]

243# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ): (محمَّد) هذا: هو ابن سلَام _بالتخفيف_ على الأصحِّ، كذا جاء منسوبًا في بعض النُّسخ، قال شيخنا الشَّارح: (ورواه ابن ماجه عن محمَّد بن الصَّبَّاح، وهشام بن عمَّار، عن سفيان)، وقال الإِسْمَاعِيليُّ أيضًا: (عن محمَّد بن الصَّبَّاح عن سفيان به) انتهى، وقال الجيَّانيُّ في «تقييده» _وقد ذكر هذا المكان، فقال_: (وذكر أبو نصر محمَّد بن سلام فيمن روى عنِ ابن عيينة) انتهى.

قوله: (عن أَبِي حَازِمٍ): تقدَّم أنَّه بالحاء المهملة، واسمه سلمة بن دينار.

قوله: (دُووِيَ جُرْحُ): هو بضمِّ الدَّال، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ واو أخرى مكسورة، ثُمَّ ياء مفتوحة، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (جُرْحُ): مرفوع، قائم مقام الفاعل.

قوله: (مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَم): (أعلم): بضمِّ الميم وفتحها، إنَّما قال ذلك؛ لأنَّ بين الواقعة _وهي في أحُد، وأحُد في الثَّالثة_ ووفاة سهل نحو خمس وثمانين سنة؛ لأنَّه توفِّي سنة ثمان وثمانين، وهو ابن بضع وتسعين سنة، وقال الواقديُّ وجماعة: (توفِّي سنة إحدى وتسعين)، فعلى هذا: يكون بين الواقعة ووفاته نحوُ ثمان وثمانين سنة.

تنبيه: قال ابن هشام في «السِّيرة»: (ذكر لي رُبَيح بن عَبْد الرَّحمن بن أبي سعيد الخُدْرِيِّ عن أبيه، عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ: أنَّ عتبة بن أبي وقَّاص رمى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومئذ فكسر رُباعيته اليمنى السُّفلى، وجرح شفته السُّفلى، وأنَّ عَبْد الله بن شهاب الزُّهْرِيَّ شجَّه في وجهه، وأنَّ ابن قمئة [1] جرح وجنته، فدخلَ من المغفر حلقتان في وجنته)، وسيأتي الكلام في ذلك بأبسط من هذا إن شاء الله تعالى وقدَّره في (أُحُد)، وأتكلَّم هناك على من أسلم من هؤلاء الثَّلاثة، وأذكر غير ذلك.

قوله: (وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عن وَجْهِهِ الدَّمَ): تنبيه: تقدَّم أنَّ هذه القصَّة كانت يوم أحُد، وزعم ابن سعد أنَّ عتبة بن أبي وقَّاص شجَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وجهه وأصاب رباعيته، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الدَّم، وكذا هو في «تفسير الزمخشري»

[ج 1 ص 110]

في (آل عمران) أنَّ الذي غسل الدَّم سالم، فلعلَّهما غسلا معًا، أو واحدًا [2] بعد واحد، وقصَّة «الصَّحيح» صحيحة لا شكَّ فيها.

(1/678)

قوله: (فَأُخِذَ [3] حَصِيرٌ): (أُخِذَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (حَصِيرٌ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

تنبيه: قال ابن قيِّم الجوزيَّة في أوائل «الطِّبِّ» (فصل في علاج الجُرح) بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه: (برماد [4] الحصير المعمول من البرديِّ، [وله] فعلٌ قويٌّ في حبس الدَّم؛ لأنَّ فيه تجفيفًا قويًّا وقلَّةَ لذع ... ) إلى آخر كلامه، ففيه: أنَّ الحصير التي أُحرقت كانت من برديٍّ، وهذا لا يقال في تعيينها إلَّا بالنقل، والله أعلم [5].

==========

[1] في (ج): (حميد)، وليس بصحيح.

[2] زيد في (ب): (منهما).

[3] في النسخ: (وأخذ)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[4] في النسخ: (كرماد)، والمثبت موافق لما في «الطب النبوي» لابن القيم.

[5] زيد في (ب): (بالصواب).

(1/679)

[باب السواك]

(باب السِّوَاكِ) ... إلى (كتاب الغُسْل)

[تنبيه: روى أبو نعيم من حديث الحميديِّ عن سفيان، عن منصور، عنِ الزُّهْرِيِّ، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «ركعتان بسواك أفضل من سبعين ركعة بلا سواك»، وهذا إسنادٌ كلُّ رجاله ثقات] [1].

فائدة: في السِّواك فوائد؛ منها: أنَّه يطهِّر الفم، ويرضي الرَّبَّ عزَّ وَجَلَّ، ويبيِّض الأسنان، ويطيِّب النَّكهة، ويشدُّ اللِّثة، ويصفِّي الحلق، ويُجري اللِّسان، ويذكي الفطنة، ويقطع الرُّطوبة، ويحدُّ البصر، ويبطئ الشَّيب، ويسوِّي الظَّهر، ويُضاعف به [2] الأجر، وقد ذكر له شيخنا العلامة البلقينيُّ في «منار المهتدي في شرح التِّرمذيِّ» فوائد كثيرة؛ منها: أنَّه يسهِّل النَّزع، ويذكِّر الشَّهادة عند الموت.

قوله: (فَاسْتَنَّ)، وكذا قوله في الحديث الآتي: (يَسْتَنُّ): الاستنان: الاستياك؛ وهو دلك الأسنان وحكُّها بما يجلوها.

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[2] (به): سقطت من (ج).

[ج 1 ص 111]

(1/680)

[حديث: أتيت النبي فوجدته يستن بسواك بيده]

244# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن الفضل السَّدوسيُّ، عارم الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم معنى عارم، وأنَّه بعيد منها.

قوله: (عن أَبِي بُرْدَةَ): تقدَّم مرَّات أنَّه قاضي الكوفة، الحارث أو عامر، وأنَّه أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ أَبِيهِ): تقدَّم أنَّ أباه أبو موسى الأشعريُّ عَبْد الله بن قيس بن سُليم بن حضَّار، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

قوله: (وهو يَقُولُ: أُعْ أُعْ): هما بضمِّ الهمزة في أصلنا، وسكون العين المهملة، قال الدِّمياطيُّ: (لفظ أبي داود: «وهو يقول: أُهْ أُهْ»، ولفظ النَّسائيِّ: «وهو يقول: عَا عَا»، وكلُّهم روَوه من حديث غيلان) انتهى، و (أع أع): حكاية صوت المتهوِّع؛ وهو الذي يتقيَّأ، وقال بعضهم: بفتح الهمزة، وسكون العين، وعن أبي ذرٍّ: بِضَمِّها، قاله السَّفاقسيُّ _وهو ابن التِّين_، وذكره [1] بضمِّ الهمزة وسكون العين وهي مهملة، وفي أصل الحافظ ابن عساكر: بالمعجمة، والضَّمير للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم [2]؛ فيكون حقيقة، أو للسِّواك؛ فيكون مجازًا.

قوله: (يَتَهَوَّعُ): هو بمثنَّاة تحت، ثُمَّ مثنَّاة فوق أيضًا، ثُمَّ واو مشدَّدة مفتوحات، ثُمَّ عين مهملة؛ أي: يتقيَّأ، وقد تقدَّم أعلاه.

==========

[1] في (ب): (وذكر).

[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[ج 1 ص 111]

(1/681)

[حديث: كان النبي إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك]

245# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وقد تقدَّم مرَّات أنَّه ابن عَبْد الحميد الضَّبِّيُّ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر، تقدَّم مرَّاتٍ [1]، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي وَائِلٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (عَنْ حُذَيْفَةَ): تقدَّم أنَّه ابن اليماني حِسْل، ويقال: حُسَيل رضي الله عنه، تقدَّم بعض ترجمته، وإنَّما عيَّنته؛ لأنَّ في الصَّحابة من اسمه حذيفة به [2] سبعة أشخاص؛ الرُّواة منهم ثلاثة هو أحدهم، والآخر: حذيفة الأزديُّ، أخرج له النسائيُّ [3]، روى عن جنادة الأزديِّ في (صوم الجمعة)؛ وذلك غلط، والثَّاني: حذيفة بن أَسِيد بن خالد أبو سَرِيحة، روى له مُسْلِم والأربعة.

قوله: (يَشُوصُ فَاهُ): قال الدِّمياطيُّ: (الشَّوص _يعني: بالشِّين المعجمة، وبالصَّاد المهملة_: الغسل والتنظيف، وقيل: يشوص: يستاك عرضًا) انتهى، وقال ابن قُرقُول: («يشوص»: قال الحربيُّ: يستاك عرضًا، وهو قول أكثر أهل اللُّغة، قال غيره: «يشوص»: يغسل، قال أبو عبيد: شُصت الشَّيء: نقيَّته، قال القاضي: أصله: التَّنظيف، والشَّوص: الغسل، وقال وكيع: الشَّوص بالطُّول، والسِّواك بالعرض، وعرض الفم: من الأضراس إلى الأضراس، وقال ابن حبيب: الشَّوص: الحكُّ، وقال ابن الأعرابيِّ: هو الدَّلك، والموص [4]: الغسل) [5] انتهى.

(1/682)

[باب دفع السواك إلى الأكبر]

(1/683)

[معلق ابن عمر: أراني أتسوك بسواك]

246# قوله: (وَقَالَ عفَّان): هو عفَّان بن مُسْلِم الصَّفَّار أبو عثمان الحافظ، عن هشام الدَّستوائيِّ، وهمَّام، والطَّبقة، وعنه: البخاريُّ، وإبراهيم الحربيُّ، وأبو زرعة، وأمم، وكان ثبتًا، من حكَّام الجرح والتعديل، مات سنة (220 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان» [1]؛ منها الذي يقول فيه يحيى القطَّان _وما أدراك ما يحيى القطَّان_: إذا وافقني عفَّان؛ لا أبالي من خالفني، فآذى ابن عديٍّ نفسه بذكره له في «كامله»، وأجاد ابن الجوزيِّ في حذفه ... إلى آخر كلامه فيه [2].

تنبيه: قد تقدَّم نظيره إذا قال البخاريُّ: (قال فلان) وذاك شيخه، وكذا (قال لي) أو (لنا)، تقدَّم محمول على السَّماع بشرط سلامة قائل ذلك من التَّدليس، وقد تقدَّم أنَّ البخاريَّ سالم مِنْهُ، وأنَّه أخذه عنه في حال المذاكرة، وقد قدَّمت ذلك مُطوَّلًا؛ فراجعه.

قوله: (أَرَانِي أَتَسَوَّكُ [3]): قال ابن قُرقُول: (رآني أتسوَّك [4])، كذا للمستملي، وهو خطأ، إنَّمَا هو (أَراني) كما للكافَّة بهمزة مقدَّمة مفتوحة؛ لأنَّه إنَّمَا أخبر عمَّا [5] رآه في النوم، انتهى.

قوله: (فَجَاءَنِي رَجُلَانِ): لا أعلم أنَّه جاء في رواية تسميتهما، والله أعلم من هما، [وقال بعض حفَّاظ العصر: القائل له هو جبريل، كما بيَّناه في رواية نعيم بن حمَّاد التي علَّقها، انتهى وقال في تعليق نعيم عنِ ابن المبارك: وصلها الطَّبرانيُّ في «الأوسط»، ورُوِّيناها في «الغيلانيَّات» باختصار، انتهى] [6]

(1/684)

قوله: (اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ): هو ابن حمَّاد الخزاعيُّ، الحافظ الأعور، ذو التَّصانيف، عن أبي حمزة السُّكريِّ، وإبراهيم بن سعد، وعنه: البخاريُّ مقرونًا، والدارميُّ، وحمزة الكاتب، مُختلَف فيه، امتُحن وقُيِّد فمات بسامرَّاء محبوسًا سنة (229 هـ)، أخرج له البخاريُّ مقرونًا كما ذكرت، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان»، وأشدُّ [7] ما قيل فيه ما قاله الأزديُّ: كان ممَّن يضع الحديث في تقوية السُّنَّة وحكايات مزوَّرة في ثلب النُّعمان كلُّها كذب، وقال الذَّهبيُّ في «تلخيص المستدرك» في (الفتن والملاحم) _عقب حديث ذكره [8] له الحاكم وقال: صحيح_ قال الذَّهبيُّ: هو من أوابد نعيم، وقد ذكرت ذلك غير هذه المرَّة، والله أعلم، والذي اختصره نعيم انفرد البخاريُّ به، ولم يخرِّجه غيره، وإنَّما أخرجه البخاريُّ هنا وقال: عفَّان عن صخر، وأخرجه مُسْلِم في (الرؤيا) في آخر الكتاب: عن نصر [9] بن عليٍّ، عن أبيه، عن صخر بن جويرية به، والله أعلم.

قوله: (عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله، العلم الفرد الرَّبَّانيُّ شيخ خراسان.

قوله: (عَنْ أُسَامَةَ): هو أسامة بن زيد اللَّيثيُّ، أبو زيد المدنيُّ، عن إبراهيم بن عَبْد الله بن حنين، وبعجة بن عَبْد الله الجهنيِّ، والمقبريِّ، وابن المُسَيّب، وغيرهم،

[ج 1 ص 111]

وعنه: أبو ضمرة، وأيُّوب بن سُوَيْد، وخلق، قال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: كان يحيى القطَّان يضعِّفه، ثُمَّ قال ابن معين: هو ثقة، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، وقال ابن عديٍّ: ليس به بأس، وفيه كلام غير ما ذكرت، توفِّي سنة (153 هـ)، علَّق له البخاريُّ كما ترى، ورَوى له مُسْلِم، وَالأربعة، وله ترجمة في «الميزان».

==========

[1] (في «الميزان»): سقطت من (ب).

[2] (فيه): ليس في (ج).

[3] في (ج): (السِّواك).

[4] في (ج): (السِّواك).

[5] في (ب): (بما).

[6] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[7] في (ج): (وأشذ).

[8] في (ب) و (ج): (ذكر).

[9] في (ب): (صخر)، وكذا فوقها في (أ) من غير تصحيح، والمثبت هو الصواب.

(1/685)

[باب فضل من بات على الوضوء]

قوله: (عَلَى وُضُوءِ): هو بضمِّ الواو: الفعل، وبالفتح: الماء، ويجوز في كلٍّ منهما الفتح والضَّم، وقد تقدَّم مرارًا.

==========

[ج 1 ص 112]

(1/686)

[حديث: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة]

247# قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): هو ابن المبارك، العلم الفرد، مشهور التَّرجمة رحمة الله عليه.

قوله: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ): قال شيخنا الشَّارح: هو الثَّوريُّ كما صرَّح به أبو العَبَّاس أحمد بن ثابت الطرقيُّ وإنْ كان ابن عيينة روى عن منصور، وعنه ابن المبارك؛ لاشتهار الثَّوريِّ بمنصور، وهو أثبت النَّاس فيه، انتهى.

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر، تقدَّم مرارًا، وتقدَّم بعض ترجمته مرَّة.

قوله: (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ): هو بضمِّ العين، وهو سعد بن عُبيدة السُّلميُّ الكوفيُّ، عنِ ابن عُمر، والبراء، وعنه: الأعمش، وفطر، ثبتٌ، أخرج له الجماعة، توفِّي في ولاية عمر بن هُبيرة.

قوله: (مَضْجَعَكَ [1]): هو بفتح الجيم، ورأيت في كلام شيخنا في هذا الشَّرح في (الجنائز) أنَّه ذكرها بالكسر أيضًا، قال الدِّمياطيُّ: ضجَع يضجَعُ على وزن (نفَع ينفَعُ نفْعًا)، وكذا قال غيره ممَّن تقدَّمه.

قوله: (فَتَوَضَّأْ): تقدَّم ما في ذلك من اللُّغات الثَّلاث التي ذكرها شيخنا أبو جعفر في المجزوم؛ مثل: لَمْ يتوضَّأ، ولم يقرأ، والله أعلم.

قوله: (وُضُوءَكَ): هو بضمِّ الواو: الفعل، وبالفتح: الماء، وهذا الفعل، وتقدَّم أنَّه يجوز في كلٍّ منهما الضَّم والفتح.

قوله: (رَغْبَةً): الرَّغبة: المسألة، وهي تتعدَّى بـ (إلى).

قوله: (وَرَهْبَةً إِلَيْكَ): الرَّهبة: الخوف، وهي تتعدَّى بـ (مِن)، والأصل: رغبة إليك، ورهبة منك، والله أعلم.

قوله: (لَا مَلجَأَ): هو مهموز الآخر، والملجأ: المعاذ.

قوله: (وَلَا مَنْجَى): هو غير مهموز، من النَّجاة.

قوله: (وَبِنَبِيِّكَ الذِي أَرْسَلتَ): هو محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا ظاهر جدًّا.

قوله: (على الفِطْرَةِ): هي دين الإسلام.

قوله: (قَالَ: لَا [2] وَنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلتَ): سأذكر الكلام على هذا إنْ شاء الله تعالى وقدَّره [3] في (الدعاء) [4].

==========

[1] في هامش (ق): (ضجع يضَّجع ضجعًا على وزن: نفع ينتفع نفعًا).

[2] (قال: لا): ليس في (ج).

[3] (وقدره): ليس في (ب).

[4] زيد في (ب): (مستقبلًا).

[ج 1 ص 112]

(1/687)

((5)) (كِتَاب الغَسْلِ) ... إلى (بَابٌ: هَل يُدْخِلُ الجُنُبُ [1] يَدَهُ في الإِنَاءِ ... إلى آخره)

قوله: (كِتَاب الغَسْلِ): الأفصح فيه فتح الغين، ويجوز ضمُّها، ويأتي الكلام في ذلك قريبًا جدًّا.

==========

[1] (الجنب): سقطت من (ج).

[ج 1 ص 112]

(1/688)

[باب الوضوء قبل الغسل]

قوله: (بَاب الوُضُوءِ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز فتحها، وقد تقدَّم أنَّ الأفصح أنَّ الفعل: بالضَّمِّ، والماء: بالفتح، وأنَّ في كلٍّ منهما لغتين.

قوله: (قَبْلَ الغَسْلِ): قال الدِّمياطيُّ: (الغسل)؛ بالفتح: اسم الفعل، وبالضَّمِّ: اسم الماء، وهو قول أبي زيد، وقيل: فيهما معًا: اسم الفعل؛ وهو قول الأصمعيِّ، و (الوَضُوء)؛ بالفتح؛ إذا أردت الماء، وبالضَّمِّ؛ إذا أردت الفعل، وقال الخليل: الفتح في الوجهين، ولم يعرف الضَّمُّ، وكذلك: الطُّهور والطَّهور، والغُسل والغَسل، انتهى، وقد قدَّمت الكلام في (الوَضوء) و (الطَّهور) بزيادة، وقصدي [1] أنْ أذكر في (الغسل) شيئًا، ولكن اقتصرت على كلام الدِّمياطيِّ، والله أعلم.

==========

[1] في (ب) و (ج): (وكان قصدي)، وضرب على (كان) في (أ).

[ج 1 ص 112]

(1/689)

[حديث: أن النبي كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه]

248# قوله: (بَدَأَ): هو مهموز الآخر؛ أي: ابتدأ.

قوله: (ثَلَاثَ غُرَفٍ): وفي نسخة: (غَرَفات)، قال الدِّمياطيُّ: قال أبو عليٍّ: الغُرفة؛ بالضَّمِّ: اسم ما يُغرَف، والجمع: غُرُفات في القليل، وغُرَف في الكثير، وقال الجوهريُّ: غُرْفة وغِراف؛ كنُطفة ونِطاف، وأمَّا بفتح الغين _وهو المصدر_؛ فجمعه: غرفات في القليل، وفي الكثير: غِراف؛ كقصْعة وقِصاع، انتهى.

قوله: (ثُمَّ يُفيضُ المَاءَ): هو بضمِّ أوَّله رباعيٌّ، وهذا ظاهر جدًّا.

==========

[ج 1 ص 112]

(1/690)

[حديث: توضأ رسول الله وضوءه للصلاة غير رجليه وغسل فرجه]

249# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفريابيُّ لا البيكنديُّ، وقدَّمت الأماكن التي روى فيها البخاريُّ عنِ البيكنديِّ مُحَمَّدِ بن يُوسُفَ، والله أعلم، وكذا قال شيخنا: هو الفريابيُّ؛ كما صرَّح به أبو نعيم، انتهى.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوريُّ، العالم المشهور، تقدَّم، وكذا قال شيخنا: إنَّه الثَّوريُّ.

قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ، العلم المشهور.

قوله: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ): تقدَّم مرارًا أنَّه بضمِّ الواو: الفعل، وأنَّه يجوز فيه الفتح.

[قوله: (هَذا غَسْلُهُ مِن الجَنَابَةِ): (غَسْلُهُ): بفتح الغين: الفعل، وقد تقدَّم أعلاه أنَّه يجوز فيه الفتح والضَّمُّ] [1]، والله أعلم.

==========

[1] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[ج 1 ص 112]

(1/691)

[باب غسل الرجل مع امرأته]

قوله: (بابُ غَسْلِ الرَّجُلِ): هو بفتح الغين أيضًا، ويجوز الضَّمُّ، وقد تقدَّم أعلاه.

==========

[ج 1 ص 112]

(1/692)

[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد]

250# قوله: (حدَّثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه محمَّد بن عَبْد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب العامريُّ، أحد الأعلام رحمه الله تَعَالَى.

قوله: (عن الزُّهْرِيِّ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، العلم المشهور، شيخ الإسلام.

قوله: (أَنَا وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (النَّبيُّ) [1]: مرفوع، ويجوز نصبه على أنَّ الواو بمعنى (مع)، والله أعلم.

قوله: (الفَرَقُ): هو بفتح الفاء والرَّاء، وفي «مسلم»: (قال سفيان _يعني: ابن عيينة_: والفرق: ثلاثة آصع) انتهى، قال الدِّمياطيُّ: (الفرق): بفتح الرَّاء وإسكانها، قال أبو عبيد: (الفرق): ثلاثة آصع، ستَّةَ عشرَ رطلًا، انتهى، وفي «النِّهاية» لابن الأثير: (الفرق؛ بالتحريك: مكيال يسع ستَّةَ عشرَ رطلًا، [وهي اثنا عشر مدًّا، وثلاثة آصع عند أهل الحجاز، وقيل: الفرق: خمسة أقساط، والقِسط: نصف صاع، وأمَّا [2] الفرْق _بالسُّكون_؛ فمئة

[ج 1 ص 112]

وعشرون رطلًا) انتهى، ولفظ «الصِّحاح»: (والفَرْق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستَّةَ عشرَ رطلًا] [3]، وقد يحرَّك) انتهى.

==========

[1] (النَّبيُّ): سقطت من (ب).

[2] في (ج): (فأمَّا).

[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).

(1/693)

[باب الغسل بالصاع ونحوه]

قوله: (باب الغَسْلِ بِالصَّاعِ): أمَّا (الغسل)؛ فبالفتح: الفعل، وبالضَّمِّ: الماء، ويجوز العكس، تقدَّم، وهو مضموم في أصلنا بالقلم.

==========

[ج 1 ص 113]

(1/694)

[حديث أبي سلمة: دخلت أنا وأخو عائشة]

251# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ [قَالَ]: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ): [الظَّاهر أنَّه عَبْد الله بن محمَّد المسنديُّ، وذلك لأنَّ من روى عنه البخاريُّ واسمه [1] عَبْد الله بن محمَّد أربعة أشخاص تقدَّموا؛ أحدهم المسنديُّ، وقد رأيت عَبْد الغنيِّ في «الكمال» قال: إنَّه يروي عن عَبْد الصَّمد [2] بن عَبْد الوارث، والله أعلم] [3].

و (عبد الصَّمد): هو ابن عبد الوارث أبو سهل التَّنُّوريُّ، حافظ حجَّة، تقدَّم.

قوله: (حَدَّثَنِي [4] أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ): قال الدِّمياطيُّ: (هو عَبْد الله بن حفص بن عُمر بن سعد بن أبي وقَّاص) انتهى، الزُّهْرِيُّ المدنيُّ، مشهور بكنيته، عن أبيه، وأنس، وابن عمر، وسُلمان الأغرِّ، وجماعة، ورَوى عنِ الزُّهْرِيِّ، وعبد الله بن حسن بن حسن، وعنه: زيد بن أبي أنيسة، ومحمَّد بن سوقة، وشُعْبَة، والمسعوديُّ، وأبو غسَّان محمَّد بن مطرِّف، وجماعة، وثَّقه النَّسائيُّ وغيره، أخرج له الجماعة، له ذكر في «الميزان»؛ للتمييز.

قوله: (أَبَا سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف، واسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل.

قوله: (دَخَلتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها [5]): أخوها هو من الرَّضاعة، كما صُرِّح به في «مسلم» و «النَّسائيِّ»، واسمه فيما قيل: عَبْد الله بن يزيد، قاله النَّوويُّ، وكذا قال مُسْلِم في «الطبقات»: عَبْد الله بن يزيد رضيع عائشة، وقال الدَّاوديُّ في «شرحه» على ما نقله شيخنا: إنَّه أخوها عَبْد الرَّحمن، قال شيخنا: وَهذا وهم مِنْهُ، وما قاله شيخنا ظاهر.

قوله: (عن غَسْلِ): هو بفتح [6] الغين؛ لأنَّه الفعل، ويجوز الضَّمُّ، وقد تقدَّم، وهو في أصلنا: مضموم الغين بالقلم.

قوله: (فَدَعَتْ بِإِنَاء نَحْوٍ مِنْ صَاعٍ): هو بجرِّ (نحوٍ) مع التَّنوين على النَّعت، وروي: بالنصب، وكان في أصلنا مجرورًا، فأُصلِح على النَّصب، وعُمِل في الطُّرَّة نسخة (نحوٍ)؛ بالجرِّ؛ لأنَّ الباء دخلت على المفعول؛ نحو: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: 25].

(1/695)

قوله: (مِنْ صَاعٍ): الصَّاع: مكيال يسع أربعة أمداد، ويقال: صوع وصُواع، ويجمع على أصؤُع وصيعان، وهو خمسة أرطال، وثلث برطل بغداد [7]، هذا قول أهل الحجاز، وهو الصَّحيح، وجاء في كَثِير من الرِّوايات: (آصع)، والصَّواب: أصؤع، قاله ابن قُرقُول، وقد تقدَّم في (باب الوضوء بالمدِّ) كم المدُّ؟ وكم الصَّاع؟ وكم رطل بغداد؟ فأغنى عن ذكره هنا.

قوله: (قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالجُدِّيُّ [8] عن شُعْبَةَ): أمَّا (يزيد بن هارون)؛ فهو مشهور التَّرجمة، وهو يزيد بن هارون أبو خالد السُّلميُّ الواسطيُّ، أحد الأعلام، قال أحمد: حافظ متقن، وقال ابن المدينيِّ: ما رأيت أحفظ مِنْهُ، وقال العجليُّ: ثبت، متعبِّد، حسن الصَّلاة جدًّا، يصلِّي الضُّحى ستَّ عشرةَ ركعة، وقد عُمي، مات سنة (206 هـ)، أخرج له الجماعة.

وأمَّا (بهز)؛ فهو ابن أسد العمِّيُّ أبو الأسود النَّصريُّ، عن شُعْبَة، وأبي بكر النَّهشليِّ، وحمَّاد بن سلمة، وطبقتهم، وعنه: أحمد، وبندار، ويعقوب الدَّورقيُّ، قال أحمد: إليه المنتهى في الثبت، وقال أبو حاتم: إمام ثقة، وقال: ما رأيت رجلًا خيرًا من بهز، توفِّي قبل يحيى القطَّان، وتوفِّي القطَّان سنة (198 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

وأمَّا (الجُدِّيُّ)؛ فهو بضمِّ الجيم، وتشديد الدَّال المهملة، واسمه عَبْد الملك بن إبراهيم أبو عَبْد الله المكِّيُّ، من أهل جُدَّة، أخرج له البخاريُّ مقرونًا، وأخرج له أبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، قال أبو زرعة: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ، قال البخاريُّ: مات سنة أربع أو خمس ومئتين.

وما قاله يزيد وبهز والجُدِّيُّ عن شُعْبَة؛ ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وقال شيخنا: وطريق بهز رواها الإِسْمَاعِيليُّ، عنِ المنيعيِّ، عن يعقوب وأحمد ابني إبراهيم؛ قالا: حَدَّثَنَا بهز بن أسد به، ولم يتعرَّض لتعليق يزيد، ولا لتعليق الجُدِّيِّ، والله أعلم.

قوله: (قَدْرِ صَاعٍ): هو بجرِّ (قدرٍ)، وجرُّه معروف.

==========

[1] في (ب): (وأنَّه).

[2] في (ب): (عبد الله)، وليس بصحيح.

[3] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[4] (حدثني): ليس في (ب).

[5] الترضية: ليست في «اليونينيَّة»، وجاءت في (ق) لاحقًا بعد قوله: (على عائشة).

[6] في (ج): (بضم).

[7] في (ب): (البغدادي).

(1/696)

[8] في هامش (ق): (منسوب إلى جده، والجدي اسمه عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله المكي من أهل جدة، مات سنة (254 هـ)، قال البخاريُّ: توفي سنة أربع أو خمس ومئتين؛ فتحرر ما كتب أعلاه، وكذا أرخه سنة خمس الذهبي أيضًا).

[ج 1 ص 113]

(1/697)

[حديث: كان يكفي من هو أوفى منك]

252# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ): [هذا هو المسنديُّ وإنْ كان المسنديُّ وابن أبي شيبة رويا عن يحيى بن آدم؛ لأنَّ المسنديَّ روى عن يحيى بن آدم عند البخاريِّ، وابن أبي شيبة روى عنه عند مُسْلِم، كما قاله ابن طاهر في كتابه] [1].

قوله: (أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ): هو زهير بن معاوية بن حُدَيج الحافظ أبو خيثمة، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن أَبِي إِسْحَاقَ): هو عَمرو بن عَبْد الله أبو إسحاق السَّبيعيُّ، تقدَّم غير مرَّة.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ): هو محمَّد بن عليِّ بن الحسين الباقر، قاله الدِّمياطيُّ، انتهى، وهذا ظاهر.

قوله: (هُوَ وَأَبُوهُ): أمَّا هو؛ فقد تقدَّم أنَّه الباقر، وأمَّا والده؛ فهو زين العابدين عليُّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب الهاشميُّ، يروي عن أبيه، وعائشة، وأبي هريرة، وجمع، وعنه: بنوه محمَّد وزيد وعمر، والزُّهْرِيُّ، وأبو الزناد، وخلق، قال الزُّهْرِيُّ: ما رأيت قرشيًّا أفضل مِنْهُ، مات سنة (94 هـ)، أخرج له الجماعة، رحمة الله عليه وعلى آبائه.

قوله [2]: (فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفينِي): الرَّجل: هو الحسن بن محمَّد ابن الحنفيَّة، وكذا يجيء مسمًّى في هذا «الصَّحيح» قريبًا، وتقدَّم أنَّ الحنفيَّة اسمها خولة بنت جعفر، وتقدَّم نسبها.

فائدة: الحسن هذا هو أوَّل المرجئة، وله فيه مصنَّف، وقد قدَّمت ذلك في (كتاب الإيمان) [خ¦48] بما فيه.

قوله: (يَكْفينِي): هو بفتح أوَّله، ثلاثيٌّ.

قوله: (وَخَيْرًا مِنْكَ): هو بالنصب في طرَّة أصلنا، وفي الأصل: (وخيرٌ)، أمَّا الرَّفع؛ فظاهر، وسيأتي توجيهه، وأمَّا النَّصب؛ فبالعطف على مفعول (يكفي) أو على (شعرًا)، والرفع على أنَّه معطوف على (أَوْفَى)، أو أنَّه خبر مبتدأ محذوف، والله أعلم.

(1/698)

[حديث: أن النبي وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد]

253# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه الفضل بن دُكَين، الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.

==========

[ج 1 ص 113]

(1/699)

[باب من أفاض على رأسه ثلاثًا]

(1/700)

[حديث: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا]

254# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هو ابن معاوية بن حُدَيج، كما تقدَّم أعلاه، وتقدَّم قبل ذلك بعض ترجمته.

قوله: (عن أَبِي إِسْحَاقَ): تقدَّم أعلاه أنَّه عَمرو بن عَبْد الله أبو إسحاق السَّبيعيُّ، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ): هو بضمِّ الصَّاد، وفتح الرَّاء، وبالدَّال المهملتين، وإنْ شئت؛ قلت: المهملات، مصروف، صحابيٌّ، ستأتي ترجمته

[ج 1 ص 113]

رضي الله عنه في (الأذان).

قوله: (كِلتَيْهِمَا): كذا في أصلنا، وإعرابها ظاهر، وفي بعض النُّسخ: (كلتاهما) على لغة بلحارثِ.

(1/701)

[حديث: كان النبي يفرغ على رأسه ثلاثًا]

255# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): هو بفتح الموحَّدة، ثُمَّ شين معجمة مشدَّدة، وهو بندار الحافظ، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا غُنْدرٌ): تقدَّم أنَّه بالغين المعجمة المضمومة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ دال مهملة مضمومة ومفتوحة، ثُمَّ راء، واسمه محمَّد بن جعفر، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّ ابن جريج لقَّبه بذلك؛ لأنَّه شغب عليه، والغندر في لغة أهل الحجاز: المشغِّب.

قوله: (مُخَوَّلِ بْنِ رَاشِدٍ): هو بضمِّ الميم، ثُمَّ خاء معجمة مفتوحة، ثُمَّ واو مشددة مثلها، ثُمَّ لام، كذا للكافَّة، وكذا ذكره الباجيُّ والحاكم، وضبطه الأصيليُّ: بكسر الميم، وسكون الخاء، النَّهديُّ مولاهم، الكوفيُّ، عن أبي جعفر الباقر، ومسلم البطين، وعنه: شُعْبَة، وأبو عوانة، ثقةٌ، أخرج له الجماعة، وثَّقه اِبْن مَعِين والنَّسائيُّ.

تنبيه شارد: ابن ابنِ هذا الرَّجل اسمه مخوَّل بن إبراهيم بن مخوَّل بن راشد النَّهديُّ، الكوفيُّ رافضيٌّ بغيض، صدوق في نفسه، روى عنه إسرائيل، قال أبو نعيم: سمعته، ورَأى رجلًا من المسوِّدة، فقال [1]: هذا عندي أفضل من أبي بكر وعمر، وقد ذكره ابن حبَّان في «ثقاته».

قوله: (يُفْرِغُ): هو بضمِّ أوَّله، رباعيٌّ.

==========

[1] في (ج): (يقال).

[ج 1 ص 114]

(1/702)

[حديث: كان النبي يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه]

256# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ): هذا الرَّجل في أصلنا: بفتح الميم، وسكون العين، انتهى، وقد اختلف فيه؛ فقيَّده البخاريُّ في «تاريخه»، وكذا غير البخاريِّ: بإسكان العين، وقيل: معمَّر؛ بالتشديد، وعن الحاكم أنَّه قيَّده به، وقد ذكره ابن ماكولا في المختلف فيه بعد (المُشَدَّد)، فقال: (ومُعمَّر بن يحيى بن سام، وله أخ يقال له: أبان، حدَّث عنه، كذاك يقوله غير واحد، وجعله البخاريُّ في باب مَعمر؛ بفتح العين) انتهى، وأمَّا أبو عليٍّ الغسانيُّ؛ فإنَّه ذكره، وقال: (يقال فيه: معْمر ومعمَّر؛ بالتخفيف والتشديد، وكذا فعل [1] بعض الحفَّاظ؛ ذكره بالتخفيف، ثُمَّ قال: وقيل: معمَّر) انتهى، وهو معمَّر بن يحيى بن سام الضَّبِّيُّ، عن فاطمة بنت عليٍّ، والباقر، وعنه: وكيع، وأبو نعيم، وأبو أسامة، وثَّقه أبو زرعة، انفرد [2] البخاريُّ بالإخراج له، قال الدِّمياطيُّ: وليس له في كتابه غيره، انتهى، وصدق، لَم [3] نَذْكُر أنَّه ذكره إلَّا هنا، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ): قال الدِّمياطيُّ: محمَّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، انتهى، هذا الباقر، يروي عن أبويه، وجَابِر، وابن عُمر، وطائفة، وعنه: ابنه جعفر الصَّادق، والزُّهْرِيُّ، وابن جريج، والأوزاعيُّ، وآخرون، ولد سنة ستٍّ وخمسين، ومات سنة (118 هـ) على الأصحِّ، أخرج له الجماعة، قال ابن سعد: ثقةٌ كَثِير الحديث، وقد تقدَّم، قال سالم بن أبي حفصة: سألت أبا جعفر محمَّد بن عليٍّ عن أبي بكر وعمر، فقال: (أتولَّاهما، وأبرأ إلى الله من عدوِّهما، فإنَّهما كانا إمامي هدًى)، وقال بسَّام الصَّيرفيُّ: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: (والله إنِّي لأتولَّاهما، وأستغفر لهما)، كان سيِّد بني هاشم [4] في زمانه علمًا وفضلًا وسؤددًا ونبلًا، والباقر من قولهم: (بقر العِلم)؛ أي: شقَّه، فعرف أصله وخفيَّه، توفَّانا الله على حبِّ أهل البيت وجميع الصَّحابة.

قوله: (كَيْفَ الغَسْلُ): تقدَّم أنَّه بالفتح، والمراد به: الفعل، وأنَّ الماء: بالضَّمِّ، وهو هنا في أصلنا مضموم الغين.

قوله: (وَيُفيضُهَا): تقدَّم قريبًا أنَّه مضموم الأوَّل، رباعيٌّ.

(1/703)

[باب الغسل مرةً واحدةً]

قوله: (بَاب الغَسْلِ مرَّة وَاحِدَةً): إن قلت: ما موضع التَّرجمة من الحديث؟

فالجواب: أنَّه في [1] قوله: (ثمَّ أفاض على جسده)، ولم يذكر مرَّة ولا مرَّتين، فحمل على أقل ما يسمَّى غسلًا، وهو مرَّة واحدة، وتقدَّم أنَّه بالفتح، وفي أصلنا مضموم الغين بالقلم، وهو لغة، وقد قُدِّمت.

(1/704)

[حديث: وضعت للنبي ماءً للغسل فغسل يديه مرتين]

257# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تقدَّم مرَّات أنَّ هذا هو التَّبُوْذَكيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، والكلام على نسبته.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ): هذا هو ابن زياد العبديُّ مولاهم، البصريُّ، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليٌّ الإمام.

قوله: (لِلغَسْلِ): هو بفتح الغين: الفعل، وهو في أصلنا مضمومها، وهي لغة، تقدَّمت.

قوله: (مَذَاكِيرَهُ): هو جمع ذكر على غير قياس، وقد جمعه مع أنَّه ليس في الجسد منه إلَّا واحد، وذلك باعتبار ما يتَّصل به، وقيل: إنَّه من الجمع الذي لا واحد له؛ كعباديد، وشماطيط [1].

(1/705)

[باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل]

قوله: (بَاب مَنْ بَدَأَ): هو بالهمز في آخره، من الابتداء.

قوله: (بِالحِلَابِ [1] أَو الطِّيبِ): (الحِلَاب)؛ بكسر الحاء المهملة، وتخفيف اللَّام، وفي آخره باء بواحدة [2]؛ وهو إناء يُملأُ قدر حلبة ناقة، ويقال له: المِحلب أيضًا، وفي هذا الحديث: (فأُتِيَ [3] بِشَيْءٍ نَحْوَ الحِلَابِ)؛ يعني: بإناء، وهو المِحْلَب، قال في «المطالع»: ترجم البخاريُّ عليه بـ (باب الطِّيب عند الغسل) يدل على أنَّه عنده ضربٌ من الطِّيب، وهذا لا يعرف، وإنَّما المعروف حَبُّ المَحْلَب _بفتح الميم واللَّام_: نوع من العقاقير الهنديَّة يقع في الطِّيب، وقد رواه بعضهم في غير «الصَّحيحين»: (بشيء نحو الجُلَّاب)، قال الأزهريُّ: الجُلَّاب؛ بالجيم: ماء الورد، وهو فارسيٌّ معرَّب، [والصَّواب ما بدأنا به، انتهى، وفي «النهاية»: في (الجيم): («دعا بشيء مثل الجُلَّاب وأخذ بكفِّه»: قال الأزهريُّ: أُراه أراد بالجُلَّاب: ماء الورد، وهو فارسيٌّ معرَّب] [4]، والله أعلم) [5]، ثُمَّ ذكره في (الحاء)، فقال: (مثل الحلاب، وقد رويت بالجيم، وتقدَّم ذكرها، قال الأزهريُّ: قال أصحاب المعاني: الحلاب: هو ما تحلب فيه الغنم؛ كالمحلب سواء، فصُحِّف؛ يعْنُون: أنَّه كان يغتسل في ذلك الحلاب؛ أي: يضع فيه الماء الذي يغتسل منه [6]، واختار الجُلَّاب بالجيم، وفسَّره بماء الورد [7]، [وفي هذا الحديث في كتاب «البخاريِّ» إشكال، وربَّما ظُنَّ أنَّه تأوَّله على الطِّيب، فقال: «باب من بدأ بالحلاب والطِّيب عند الغسل»، وفي بعض النُّسخ: «أو الطِّيب»، ولم يذكر في الباب غير هذا الحديث: «أنَّه كان إذا اغتسل دعا بشيء نحو الحلاب»، وأمَّا مُسْلِم؛ فجمع الأحاديث الواردة في] [8] هذا المعنى في موضع واحد، وهذا الحديث منها، وذلك [من فعْله يَدُلُّك على أنَّه أراد الآنِية والمقادير، والله أعلم، ويحتمل أن يكون البخاريُّ ما أراد إلَّا الجُلَّاب بالجيم؛ ولهذا تَرْجَم] [9] الباب به، وبالطِّيب، ولكن الذي يُروى في كتابه إنَّمَا هو بالحاء، وهو بها أشبه؛ لأنَّ الطِّيب لمن يغتسل بعد الغسل أليق به قبله وأولى؛ لأنَّه إذا بدأ به ثُمَّ اغتسل؛ أذهبه الماء) [10] انتهى.

وللنَّاس كلام كَثِير في ذلك، ويكفي هذا مع أنَّه طويل، والله أعلم.

[ج 1 ص 114]

قوله: (عِنْدَ الغَسْلِ): هو بفتح الغين: الفعل، ويجوز ضمُّها [11]، وقد تقدَّم.

==========

(1/706)

[1] في هامش (ق): (ظن البخاري أنَّ الحلاب هو الطيب؛ فلهذا جعله ترجمة، الحلاب والمحلب الذي يحلبه فيه الألبان).

[2] في (ب): (موحدة).

[3] كذا في النسخ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فدعا).

[4] ما بين معوفين سقط من (ب).

[5] «النهاية» مادَّة (جلب).

[6] في النسخ: (فيه)، والمثبت موافق لما في «النهاية».

[7] في (ج): (وفسرها الورد).

[8] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[9] ما بين معقوفين سقط من النسخ، واستُفيد من «النهاية» مادَّة (حلب).

[10] «النهاية» مادَّة (جلب).

[11] في (أ) و (ب): (فتحها)، والتصحيح من (ج).

(1/707)

[حديث: كان النبي إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب]

258# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): هو الضَّحَّاك بن مَخْلَد الشَّيبانيُّ النَّبيل، بصريٌّ حافظ، عن يزيد بن أبي عبيد، وابن عجلان، وبهز، والكبار، وعنه: البخاريُّ، وعبد، وعَبَّاس الدُّوريُّ، وخلق، قال عمر بن شبَّة: والله ما رأيت مثله قطُّ، وقال أبو عاصم: ما دلَّست قطُّ، ولا اغتبت أحدًا منذ عقلت تحريم الغيبة، مات في ذي الحجَّة سنة (212 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عَنْ حَنْظَلَةَ): هذا هو ابن أبي سفيان بن عَبْد الرَّحمن بن صفوان بن أميَّة الجمحيُّ المكِّيُّ، من الأثبات، عن طاووس، والقاسم، وعنه: القطَّان، وأبو عاصم، توفِّي سنة (151 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (فَقَالَ بِهِمَا): أُجري (قَال) مُجرى (فَعل)، وهو من باب إطلاق القول على الفعل مجازًا.

قوله: (على وَسَطِ [1] رَأْسِهِ): هو بتحريك السِّين، وربَّما سكِّن، وليس بالوجه، قَالَ الجوهريُّ: جلست وسْط القوم؛ بالتسكين؛ لأنَّه ظرف، وجلست وسَط الدَّار؛ بالتحريك؛ لأنَّه اسم، وكلُّ موضع صلح فيه (بين)؛ فهو وسْط، وإن لم يصلح فيه (بين)؛ فهو وسَط؛ بالتحريك، وربَّما سكِّن، وليس بالوجه، انتهى.

==========

[1] في هامش (ق): (الوسْط؛ بالسكون: يقال فيما كان متفرق الأجزاء، غير متصل؛ كالناس، والدواب، وغير ذلك، تقول: قعدتُ وسْط الناس؛ بالسكون، فإذا كان متصل الأجزاء؛ كالدار والرأس؛ فهو بالفتح، وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر، وبأنَّه الأشبه، وقيل غير ذلك).

[ج 1 ص 115]

(1/708)

[باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة]

(1/709)

[حديث: صببت للنبي غسلًا فأفرغ بيمينه]

259# قوله [1]: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): هو بالغين المعجمة المكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحت مخفَّفة، وفي آخره ثاء مثلَّثة، مشهور التَّرجمة، تقدَّم.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] الأَعْمَشُ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ، الإمام، مشهور التَّرجمة، وقد تقدَّم بعضها.

قوله: (حَدَّثَنِي سَالِمٌ): هو ابن أبي الجعد الأشجعيُّ مولاهم، الكوفيُّ، عن عمر وعائشة مرسلًا، وعن ابن عبَّاس، وابن عمر، وعنه: منصور، والأعمش، توفِّي سنة (100 هـ)، ثقةٌ، أخرج له الجماعة، لكنَّه له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (غُسْلًا): هو بضمِّ الغين: الماء، وكذا هو مضبوط في أصلنا، ويجوز الفتح، وهو لغة في الماء، كما أنَّ الضَّم لغة في الفعل.

قوله: (على يَسَارِهِ): هو بفتح الياء، وتكسر على لغة، قال ابن عزيز في «غريبه»: (ليس في العربيَّة كلمة أوَّلها ياء مكسورة إلَّا «يِسار» لغة في اليد) انتهى، واستُدرك عليه: يِساف.

قوله: (ثُمَّ أُتِيَ): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، الذي أتى به هو ميمونة، وسيأتي من حديثها: (فَنَاوَلْتُه خُرْقَةً) [خ¦266].

قوله: (بِمِنْدِيلٍ): هو بكسر الميم، معروف.

قوله: (فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا): أنَّث على إرادة الخرقة، وكان الأصل (به)، كما في رواية مُسْلِم: (فردَّه)، ولكن أتى به مؤنَّثا على إرادة الخرقة؛ كما ذكرنا.

==========

[1] (قوله): سقطت من (أ).

[2] (حدثنا): ليس في (ب).

[ج 1 ص 115]

(1/710)

[باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى]

(1/711)

[حديث: أن النبي اغتسل من الجنابة فغسل فرجه بيده]

260# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، الإمام المشهور، العلم الفرد، الذي قال فيه الشَّافعيُّ: لولا مالك وسفيان؛ لذهب علم الحجاز.

قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ القارئ.

قوله: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز فيه الفتح على لغة [1]، تقدَّم مرارًا.

قوله: (مِنْ غَسْلِهِ): هو بفتح الغين: الفعل، ويجوز فيه الضَّمُّ على لغة، وقد تقدَّم مرارًا، وهو في أصلنا: مضموم الغين بالقلم.

==========

[1] زيد في (ب): (وقد).

[ج 1 ص 115]

(1/712)

[باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء]

(بابٌ: هَل يُدْخلُ الجُنُبُ يَدَهُ في الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَغْسِلَهَا ... ) إلى آخر التَّبويب ... إلى (بَاب مَنْ تَوَضَّأَ في الجنابة، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ... ) إلى آخرها

سؤال: إن قلت: أين موضع التَّرجمة التي ذكرها البخاريُّ من الأحَادِيْث، وأكثرها لا ذكر فيه لغسل اليد، وإنَّما جاء ذكر اليد في حديث هشام عن أبيه عن عائشة؟

والجواب من وجوه؛ أحدها: أنَّ حديث هشام مفسِّر لمعنى [1] الباب، وذلك أنَّه حمل غسل اليد قبل إدخالها الإناء _الذي رواه هشام_ إذا خشي أنْ يكون قد علق بها شيء من أذى الجنابة أو غيرها، وما لا ذكر فيه لغسلها من الأحاديث؛ حملها على تعيُّن طهارة اليد، فاستعمل من اختلاف الأحاديث فائدتين جمع بينهما بين [2] معانيها، وانتفى بذلك التَّعارض عنها، وقد روي هذا المعنى عنِ ابن عُمر.

وجواب آخر أجاب به ابن المُنَيِّر: لمَّا علم أنَّ الغسل إمَّا لحدث حكميٍّ أو لحادث عينيٍّ، وقد فرض الكلام فيمن ليس في يده حادث نجاسة ولا قذر؛ بقي [3] أنْ يكون بيده حدث حكميٌّ يمنع إدخالها الإناء [4]، لكنَّ الحدث ليس بمانع؛ لأنَّ الجنابة لو كانت تتَّصل بالماء؛ لما جاز للجنب أنْ يُدخل يده في الإناء حتَّى يكمِّل طهارته ويزول حدث الجنابة عنه، فلمَّا تحقَّق جواز إدخالها في الإناء في ابتداء الغسل؛ عُلِم أنَّ الجنابة ليست تؤثِّر في منع مباشرة الماء باليد، فلا مانع إذًا في إدخالها أوَّلًا؛ كإدخالها وسطًا، وحقَّق [5] ذلك أنَّ الذِي ينتضح من بدن الجنابة طاهر لا تضرُّ [6] مخالطته لماء الغسل؛ فتفهَّمه، واعلم أن الشَّارح _يعني: ابن بطَّال_ أبعد عن مقصوده، والله أعلم.

الثَّالث: أنَّ الحديث الثَّاني ظاهر فيه، وأمَّا الأول؛ فقولها: (تختلف أيدينا فيه)؛ إذ لو غسلا أيديهما قبل إدخالها [7] الإناء؛ لقالت: (تختلف أيدينا منه)، أو [8] بيَّنت أنَّ في البعض: (تختلف أيدينا فيه)، والبعض: (تختلف أيدينا مِنْهُ)، وباقي الباب مستطرد لبقيَّة أسانيد الحديث.

الرَّابع: أنَّه يحتمل أنَّه لمَّا ذكر جلَّ الأحاديث بدون غسل اليد؛ علم أنَّ تركه كافٍ في الغسل؛ إذ لو لَمْ يكن كافيًا؛ لذكره في كلِّها.

(1/713)

ويحتمل خامسًا: وهو أنَّ البخاريَّ لمَّا ذكر في بعض طرق حديث عائشة غسل اليد ولم يذكرها [9] في الباقي؛ جريًا على عادته في ذكر أصل الحديث، وترك اللَّفظ المستنبَط منه المعنى المحتاج إليه فيه، ويكون مراده تبحُّر [10] المستنبِط مِنْ طرق الأحاديث واستخراج المقصود مِنْهُ، وقد روى مُسْلِم من حديث أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا اغتسل؛ بدأ بيمينه، فصبَّ عليها الماء فغسلها)، وفي آخره: (وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد)، ذكر ذلك شيخنا الشَّارح برمَّته، غير أنَّ كلام ابن المُنَيِّر لَمْ أنقله من الشَّرح وهو فيه، وإنَّما ذكرته من «تراجم ابن المُنَيِّر» رحمهما الله تَعَالَى.

قوله في التَّبويب: (غَيْرُ الجَنَابَةِ): (غيرُ): بالرفع، وهذا ظاهر.

قوله: (وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ): أي: أدخل كلُّ واحد منهما يده.

قوله: (مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ): هو بضمِّ الغين: الماء، ويجوز فتحها، وبهما ضُبِط في أصلنا.

(1/714)

[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد تختلف]

261# قوله: (حَدَّثَنَا أَفْلَحُ): هذا لا ينصرف؛ للعلميَّة ووزن الفعل، وهو ابن حُمَيد _بِضَمِّ الحاء، وفتح الميم_ الأنصاريُّ، عنِ القاسم، وجماعة، وعنه: أبو نعيم والقعنبيُّ، صدوق، توفِّي سنة (158 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (عن القَاسِمِ): هو ابن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه، ابن أخي عائشة رضي الله عنها، التَّيميُّ الفقيه [1]، أحد الفقهاء السَّبعة، عن عمِّته [2]، وأبي هريرة، وفاطمة بنت قيس، وغيرهم، وعنه: الزُّهْرِيُّ، وأبو الزناد، وعدَّة، وله نحوُ مئتي حديث، مات سنة (107 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (أَنَا وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (النَّبيُّ): بالرفع، ويجوز نصبه على أنَّ الواو بمعنى (مع).

==========

[1] (الفقيه): ليس في (ج).

[2] في (ج): (عميه)، وهو تصحيف.

[ج 1 ص 115]

(1/715)

[حديث: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يده]

262# قوله: (حَدَّثَنَا حمَّادٌ): هذا هو ابن زيد بن درهم، الإمام، أبو إِسْمَاعِيل الأزديُّ الأزرق، أحد الأعلام، أضرُّ، وكان يحفظ حديثه كالماء، عن أبي عمران الجونيِّ [1]، وثابت، وأبي جمرة، وعنه: مُسَدَّد، وابن المدينيِّ، قال ابن مهديٍّ: ما رأيت أحدًا لم يكتب أحفظ منه، وما رأيت بالبصرة أفقه مِنْهُ، ولم أر أعلم بالسُّنَّة مِنْهُ، عاش إحدى وثمانين سنة، توفِّي في رمضان سنة (179 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، لكن طال العهد به.

==========

[1] في (ب): (الجويني)، وكلاهما صحيح.

[ج 1 ص 115]

(1/716)

[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد من جنابة]

263# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تقدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عَبْد الملك الطَّيالسيُّ.

قوله: (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ): هذا معطوف على السَّند الذِي قبله، وليس تعليقًا، وإيَّاك أنْ تظنَّه تعليقًا كما قد غلط في نظيره بعضهم، ويحتمل أنَّه غلط في هذا أيضًا، وقد روى هذا الثَّاني [1] البخاريُّ عن أبي الوليد _وقد قدَّمت تسميته_: حَدَّثَنَا شُعْبَة عن عَبْد الرَّحمن بن القاسم به؛ فاعلمه، واجتنب قولك أنْ يكون تعليقًا، وقد تقدَّم له غيره، وقد ذكرته، والله أعلم.

قوله: (مِثْلَهُ): هو مرفوع في أصلنا، والصَّواب: نصبه على أنَّه مفعول لـ (حدَّثنا)، قد ذكرناه أنَّه معطوف على السَّند الذي قبله؛ فتقدير الكلام: حَدَّثَنَا أبو الوليد: حَدَّثَنَا شُعْبَة عن عَبْد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة مثلَه، ولو كان تعليقًا؛ لكان (مثلُه) مرفوعًا، والله أعلم.

==========

[1] في (ج): (الباب)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 115]

(1/717)

[حديث: كان النبي والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد]

264# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ): تقدَّم أعلاه تسميته.

[ج 1 ص 115]

قوله: (ابْنِ جَبْرٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الجيم، ثُمَّ موحَّدة ساكنة، وقد تقدَّم أنَّ ابن منجويه قال: أهل العراق يقولون في جدِّه: جَبْر، ولا يصحُّ، إنَّمَا هو جابر، وقد تقدَّم بعض ترجمته، وقد روى عن أبيه عن جدِّه لأمه عتيك بن الحارث، وعبد الله بن عَمرو، وأنس، وعنه: شُعْبَة، ومسعر، ومالك، وجماعة، أخرج له الجماعة، ضعَّفه ابن مَعِين وغيره، ليس له ترجمة في «الميزان»، وينبغي أنْ يُستدرَك عليه، وقد استدركتُه [1] في ذيل عليه.

قوله: (زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ عن شُعْبَةَ): أمَّا (مُسْلِم)؛ فهو ابن إبراهيم الأزديُّ الفراهيديُّ، (نسبة إلى جدِّه فُرْهُود، والنِّسبة إليه: فرهوديٌّ وفراهيديٌّ) [2]، الحافظ أبو عمرو، عنِ ابن عون، وعن قرَّة، وهشام الدَّستوائيِّ، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، والدارميُّ، وعبد، ومحمَّد بن الضُّريس، وأبو خليفة، ولم يسمع بغير البصرة، قال ابن معين: ثقة، مأمون، مات في صفر سنة (222 هـ)، أخرج له الجماعة.

و (زاد): هي مثل: (قال)، وإذا كان كذلك؛ فهي كـ (حَدَّثَنَا)؛ لأنَّه شيخه، ويكون أخذه عنه في حال المذاكرة، والله أعلم.

وأمَّا (وهب)؛ فهو ابن جرير، (كذا نسبه المِزِّيُّ في «أطرافه»، وهو وهب بن جرير) [3] بن حازم الأزديُّ الحافظ، عنِ ابن عون، وهشام بن حسَّان، وعنه: أحمد، والدقيقيُّ، ثقةٌ، مات سنة (206 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، [وزيادته لا أعرف من خرَّجها، ولا عرفه شيخنا] [4].

==========

[1] في (ج): (استدركه).

[2] في (ب) جاء ما بين قوسين بعد قوله: («222 هـ»، أخرج له الجماعة)، وزيد قبلها: (له ترجمة في «الميزان»).

[3] ما بين قوسين ليس في (ج).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج).

(1/718)

[باب تفريق الغسل والوضوء]

قوله: (بَاب تَفْرِيقِ الغَسْلِ وَالوُضُوءِ): أمَّا (الغَسل)؛ فهو بفتح الغين: الفعل، وبالضَّمِّ: الماء، هذا الأصحُّ، ويجوز العكس، وهو في أصلنا: مضموم الغين، و (الوُضوء)؛ بالضَّمِّ في الواو: الفعل، ويجوز الفتح، وفي أصلنا: مضموم الواو.

قوله: (وَيُذْكَرُ عنِ ابْنِ عُمَرَ): (يُذكَر): مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ليس من شرطه، لأنَّه [1] علَّقه بصيغة تمريض، وكذا إذا قال: (يُروى) أو (رُوي)، وكذا (يُقال) و (يُنقل)؛ أي: ونُقِل، ونحوها؛ لأنَّ هذه الألفاظ استعمالها في الضَّعيف أكثر وإن استعملت في الصَّحيح، وكذا قوله: (وفي الباب)، قال ابن الصَّلاح: (ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصَّحيح مُشعِر بصحَّة أصله إشعارًا يُؤنَس به ويُركَن إليه، وقد قدَّمت ذلك قبل ذلك).

==========

[1] في النسخ: (لأن)، والمثبت هو الصواب.

[ج 1 ص 116]

(1/719)

[حديث: وضعت لرسول الله ماءً يغتسل به فأفرغ على .. ]

265# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ): هذا هو ابن زياد العبديُّ مولاهم، البصريُّ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ الإمام.

قوله: (مَذَاكِيرَهُ): تقدَّم في الورقة التي قبل هذه الكلام عليه.

قوله: (ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ): هذا موضع استدلال البخاريِّ على عدم الموالاة، لكنَّه إلى موضع قريب، ولا يخالف فيه أحد فيما أعلم، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 116]

(1/720)

[باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل]

قوله: (في الغَسْل): هو بفتح الغين: الفعل، ويجوز ضمُّها، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 116]

(1/721)

[حديث: وضعت لرسول الله غسلًا وسترته فصب على يده]

266# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): هو الوضَّاح بن عَبْد الله الحافظ اليشكريُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه مُتقِن لكتابه.

قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تقدَّم أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ، الإمام مرارًا قريبًا وبعيدًا.

قوله: (غُسْلًا): هذا [1] بضمِّ الغين: الماء، ويجوز فتحها، وقد تقدَّم مرارًا.

قوله: (قال سُلَيْمَانُ): هذا هو الأعمش المذكور في السَّند بلقبه.

(1/722)

[باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد]

قوله في التَّرجمة: (في غَسْلٍ وَاحِدٍ): هو بالفتح: الفعل، ويجوز ضمُّها على أنَّه الماء، فإنَّه يحتمل، وعلى كلِّ تقدير؛ ففي كلٍّ منهما اللُّغتان، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 116]

(1/723)

[حديث: يرحم الله أبا عبد الرحمن كنت أطيب رسول الله فيطوف]

267# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم مرَّات أنَّه بالموحَّدة المفتوحة، ثُمَّ شين معجمة مشدَّدة، بندار الحافظ، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): هو محمَّد بن إبراهيم [1] بن أبي عديٍّ السُّلميُّ البصريُّ القَسمليُّ؛ لأنَّه نزل في القساملة، أبو عَمرو، عن حميد الطَّويل، وحسين المعلِّم، وابن عون، وحبيب بن الشَّهيد، وخالد الحذَّاء، وخلق، وعنه: أحمد، وابن مَعِين، والفلَّاس، وأحمد بن سنان [2] القطَّان، وخلق، وثَّقه أبو حاتم، والنَّسائيُّ، وغيرهما، قال ابن سعد: مات بالبصرة سنة (194 هـ)، زاد غيره: في ربيع الآخر، أخرج له الجماعة.

قوله: (وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو القطَّان، تقدَّم مرارًا، حافظ العصر الذي قال فيه أحمد ابن حنبل: ما رأت عيناي مثل يحيى بن سعيد القطَّان.

قوله: (أَبَا عَبْدِ الرَّحمن): هذا المشار إليه هو عَبْد الله بن عُمر بن الخطَّاب أبو عَبْد الرَّحمن، وسيأتي في (باب من تطيَّب، ثُمَّ اغتسل وبقي أثر الطِّيب) ما يوضِّحه لك.

(1/724)

قوله: (يَنْضَخُ [3] طِيبًا): هو بالضَّاد المعجمة المفتوحة والمكسورة، وكذا إِذَا قلنا: إنَّه بالحاء المهملة؛ ففي ضاده الفتح والكسر، وهو بالخاء المعجمة في أصلنا، قال ابن الأثير: في نضح _يعني: بالحاء المهملة_ ينضح طيبًا؛ أي: يفوح، والنَّضوح؛ بالفتح: ضرب من الطِّيب تفوح رائحته، وأصل النَّضح: الرَّشح، فشبَّه كثرة ما يفوح من لحيته بالرَّشح، قال: ورُوِي: بالخاء المعجمة ... إلى آخر كلامه، وقال في «المطالع»: («ينضخ طيبًا»: النَّضخ؛ بالخاء المعجمة: كاللَّطخ يبقى له أثر، قال ابن قتيبة: وهو أكثر من النَّضح؛ بالحاء المهملة، ولا يقال مِنْهُ: نضخت، وقد يكون معنى الحديث على هذا: يقطر ويسيل منه الطِّيب، كما جاء في حديث محمَّد بن عروة: وقد لطخ لحيته بالغالية، وجعل أبوه يقول له: قطرتْ قطرتْ، وقد ذكرنا قول من قال: إنَّه فيما ثخن بالخاء؛ كالطِّيب، وبالحاء: فيما رقَّ؛ كالماء، وقيل: النَّضخ والنَّضح سواء، وقيل في قوله تعالى: {نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66]: فوَّارتان بكلِّ خير، وحَكى ابن دريد والهرويُّ أنَّ «النَّضخ»؛ بالخاء أقلُّ من «النَّضح»؛ بالحاء؛ خلافًا لابن قتيبة، قال ابن سِراج: وأكثر أهل العلم باللُّغة على خلاف هذا، وقال ابن الأعرابيِّ: النَّضح: ما تعمَّده الإنسان، والنَّضخ: ما لَمْ يتعمَّده؛ مثل: أنَّ تطأ ماء فينتضخ عليك أو بولًا، وقال ابن كيسان: بالمهملة؛ لما رقَّ؛ كالماء، وبالمعجمة؛ لما ثخن؛ كالطيب، قال ابن سِراج: بالمعجمة لما يبقى له أثر؛ كاللطخ) انتهى لفظه.

==========

[1] (بن إبراهيم): سقطت من (ب).

[2] في (ب): (شيبان)، وهو تحريفٌ.

[3] في هامش (ق): (قال الجوهري: نضح؛ بالحاء المهملة، ينضح؛ بالكسر، وينضخ؛ بالخاء المعجمة بالفتح).

[ج 1 ص 116]

(1/725)

[حديث أنس: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة]

268# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بالموحَّدة المفتوحة، وبالشِّين المعجمة المشدَّدة [1]، الملقَّب بندارًا، مشهور التَّرجمة، وقد تقدَّم بعضها.

قوله: (وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ): قال شيخنا الشَّارح: قال ابن خزيمة: لَمْ يقل أحد من أصحاب قتادة: (إحدى عشرة) إلا معاذ بن هشام عن أبيه، وقد ذكر البخاريُّ الرِّواية الأخرى عن أنس: (تسع نسوة)، وجُمع بينهما بأنَّ أزواجه كنَّ تسعًا في هذا الوقت، كما في رواية سعيد وسريَّتاه مارية وريحانة

[ج 1 ص 116]

على رواية من روى أنَّ ريحانة كانت أمة، ورَوى بعضهم: أنَّها كانت زوجة، ورَوى أبو عبيدة [2]: أنَّه كان مع ريحانة فاطمةُ بنت شريح، قال ابن حبَّان: حكى أنس هذا الفعل منه في أوَّل قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة؛ لأنَّ هذا الفعل كان مرارًا لا مرَّة واحدة، ولا يُعلَم أنَّه تزوَّج نساءه كلَّهنَّ في وقت واحد، ولا يستقيم هذا إلَّا في آخر أمره حيث اجتمع عنده تسع نسوة وجاريتان، ولا يُعلَم [3] أنَّه اجتمع عنده إحدى عشرةَ امرأة بالتزويج [4]، فإنَّه تزوَّج بإحدى [5] عشرةَ أوَّلهنَّ خديجة، ولم يتزوَّج عليها حتَّى ماتت، انتهى، وقوله: (فإنَّه تزوَّج بإحدى عشرةَ): أشار إلى أزواجه اللَّاتي توفِّي عنهنَّ وخديجة وزينب بنت خزيمة، وتُوفِّيا [6] في حياته صلَّى الله عليه وسلَّم.

فائدة: أزواجه المدخول [7] بهنَّ خديجة، ثُمَّ سودة، ثُمَّ عائشة، وقيل: بالعكس، والأصحُّ: أنَّه عقد على عائشة قبل، ودخل بسودة قبل، ثُمَّ حفصة، ثُمَّ زينب بنت خزيمة، ثُمَّ أمِّ سلمة، ثُمَّ زينب بنت جحش، ثُمَّ جويرية، ثُمَّ ريحانة _وقيل: هي سريَّة كما تقدَّم_ ثُمَّ أمِّ حبيبة، ثُمَّ صفيَّة، ثُمَّ ميمونة، فهؤلاء نساؤه المدخول بهنَّ اثنا عشرة امرأة، منهنَّ ريحانة، وقد أشرت إلى الخلاف فيها، وتوفِّي عليه الصَّلاة والسَّلام عن تسع منهنَّ، وهنَّ من عدا خديجة وزينب بنت خزيمة وريحانة.

(1/726)

قال الإمام الحافظ شرف الدِّين أبو محمَّد عَبْد المؤمن بن خلف الدِّمياطيُّ شيخ شيوخي: (وأمَّا من لَمْ يدخل بها، ومن وهبت نفسها له، ومن خطبها ولم يتَّفق له تزويجها؛ فثلاثون امرأة على اختلاف في بعضهنَّ، والله أعلم) انتهى، وقد ذكر أبو عَبْد الله الحافظ ابن قيِّم الجوزيَّة في أول «الهدي» ما لفظه: (وأمَّا من خطبها ولم يتزوَّجها، ومن وهبت نفسها له فلم [8] يتزوَّجها؛ فنحو أربع أو خمس، وقال [9] بعضهم: هنَّ ثلاثون امرأة، وأهل العلم بالسِّيرة وأحواله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يعرفون هذا، بل ينكرونه، والمعروف عندهم: أنَّه بعث في الجونيَّة ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت منه، فأعاذها ولم يتزوَّجها، وكذلك الكلبيَّة، وكذلك التي رأى بكشحها بياضًا، فلم يدخل بها، والتي وهبت نفسها له، فزوَّجها [10] غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، والله أعلم) انتهى، ويؤيِّد ما قاله ابن إمام الجوزيَّة ما في «الأحاديث المختارة» للحافظ ضياء الدِّين محمَّد بن عَبْد الواحد المقدسيِّ من حديث أنس رَضِيَ اللهُ عنه قال: (تزوَّج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خمس عشرة امرأة، ودخل منهنَّ بإحدى عشرة، ومات عن تسع)، والله أعلم.

(1/727)

وإذ قد قال الحافظ الدِّمياطيُّ ما قال؛ فأذكر من حضرني ممَّن قيل فيها ذلك _أعني: من الثَّلاثين_: أسماءَ بنت الصَّلت السُّلميَّة، أسماء بنت النُّعمان بن الجون، وقيل في نسبها غير ذلك، أسماء بنت كعب الجونيَّة، وقيل: هي والتي قبلها واحدة، جمرة بنت الحارث الغطفانيِّ؛ بالجيم، أميمة بنت شراحيل، حبيبة بنت سهل الأنصاريَّة، خولة بنت الهذيل بن هبيرة، خولة أو خويلة بنت حكيم السُّلميَّة، سناء بنت الصَّلت، وهي عند أبي عُمر: أسماء بنت الصَّلت، سودة القرشيَّة، شراف، صفيَّة بنت بشَّامة، العالية بنت ظبيان، عمرة بنت يزيد بن الجون الكلابيَّة، عمرة بنت معاوية، أمَّ شريك العامريَّة؛ واسمها غزية، أمَّ شريك بنت جَابِر الغفاريَّة، فاختة بنت أبي طالب، فاطمة بنت الضَّحَّاك، فاطمة بنت شريح، قُتَيْلَة بنت قيس، ليلى بنت الخطِيم، مليكة بنت داود، مليكة بنت كعب، هند بنت يزيد بن البرصاء [11]، وعمرة بنت معاوية الكنديَّة، قال الشَّعبيُّ: تزوَّجها عليه الصَّلاة والسَّلام فجيء بها بعدما مات، وابنة جندب بن ضمرة الجندعيَّة، وقال بعضهم: تزوَّجها عليه الصَّلاة والسَّلام، وأنكر بعضهم وجود ذلك، والغفاريَّة، قال بعضهم: تزوَّج عليه الصَّلاة والسَّلام امرأة من غفار، فأمرها فنزعت ثيابها، فرأى بياضًا، فقال: «الحقي بأهلك»، ويقال: إِنَّمَا رأى البياض بالكلابيَّة، وضُباعة بنت عامر بن قرط، خطبها عليه الصَّلاة والسَّلام إلى ابنها سلمة بن هشام، فقال: حتَّى أستأمرها، وقيل له عليه السَّلام: إنَّها كبرت، فلمَّا جاء ابنها إِلَيها؛ قالت: ارجع إليه فزوِّجه، فرجع إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فسكت عنها عليه الصَّلاة والسَّلام، وهي القائلة: (اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه)، وامرأة لَمْ يُذكَر اسمها، قال مجاهد: خطب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم امرأة، فقالت: أستأمر أبي، فلقيت أباها، فأذن لها، فلقيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: قد التحفنا لحافًا غيرك، وبقي غير من ذكرت، ولكن لَمْ أنبسط لذكرهنَّ.

(1/728)

وأمَّا من عرضت عليه نفسها [12]؛ فأباها: أمامة بنت حمزة ويقال اسمها عمارة، والصَّواب: أنَّ عمارة [13] ولدٌ ذكر لحمزة، فقال: «تلك ابنة أخي من الرَّضاعة»، وعرض عليه الضَّحَّاك بن سفيان ابنته، ووصف جمالها، وأنَّها لَمْ تُصدَع قطُّ، فقال: «لا حاجة لي بها»، وقيل: إنَّ هذه هي الكلابيَّة، قال أبوها: هذا فطلَّقها ولم يبنِ بها، وقد ذكرهنَّ الحافظ مغلطاي شيخ شيوخي في «سيرته الصُّغرى» وزاد ونقص؛ فانظر ذلك إنْ أحببت من «سيرته»، والله أعلم، وكذا ذكرهنَّ ابن سيد النَّاس في «سيرته»؛ فانظر ذلك، فإنَّه ذكر بعض من ذكرته.

وأمَّا سراريه؛ فكنَّ أربعًا: مارية، وريحانة على خلاف في ذلك تقدَّم أعلاه، وأخرى جميلة أصابها في السَّبي، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش، وقيل غير من ذَكرتُ، والله أعلم.

قوله: (أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ): كذا هنا، وفي «صحيح الإِسْمَاعِيليِّ» من حديث معاذ: (قوَّة أربعين)، وفي «الحلية» لأبي نعيم عن مجاهد: (أعطي قوَّة أربعين من رجال أهل الجنَّة)، قاله شيخنا الشَّارح، فنقلته ملخَّصًا، انتهى، وفي «الطَّبرانيِّ الأوسط» بسند ضعيف من حديث عَبْد الله بن عَمرو: «أُعطِيتُ قوَّة أربعين في البطش والجماع»، واعلم أنَّ في «التِّرمذيِّ» في رجال الجنَّة: كلُّ رجل بقوَّة سبعين، وصحَّحه، [ولابن حبَّان «مئة رجل»، ولفظه: «يعطى المؤمن في الجنَّة قوَّة كذا وكذا من الجماع»، فقيل: أوَيطيق ذلك؟ قال: «يعطى قوَّة مئة»، وهذا في «التِّرمذيِّ»] [14] عن أنس رَضِيَ اللهُ عنه، وفي «سنن الدَّارميِّ» المشهور بـ «مسند الدَّاراميِّ» عن زيد بن أرقم مرفوعًا: «إنَّ الرَّجل من أهل الجنَّة ليعطى قوَّة مئة رجل في الأكل والشَّرب والجماع والشَّهوة»، وهو في «المسند» و «النَّسائيِّ»، ورواه الحاكم.

قوله: (وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ): أمَّا (سعيدٌ)؛ فهو ابن أبي عروبة، وتعليقه هذا أخرجه البخاريُّ في (الطَّهارة)، كما سيأتي قريبًا، وفي (النِّكاح): عن عَبْد الأعلى بن حمَّاد وعن مُسَدَّد قال: وقال لي خليفة، وأخرجه النَّسائيُّ فيهما: عن إِسْمَاعِيل بن مسعود؛ أربعتهم عن يزيد بن زُرَيع، عن سعيد بن أبي عَروبة به [15].

==========

[1] زيد في (ب): (المفتوحة).

[2] في (أ) و (ج): (عبيد)، وكذا في «التوضيح»، وصححها المصنف في الهامش.

[3] في (ب): (نعلم).

(1/729)

[4] في (ب): (بالتَّزوج).

[5] في (ج): (إحدى).

[6] في (ب) و (ج): (توفيا).

[7] في (ج): (اللَّاتي دخل).

[8] في (ج): (ولم).

[9] في (ج): (قال).

[10] في (ج): (فتزوجها).

[11] في (ب) و (ج): (الرضا)، وهو تحريفٌ.

[12] في (ج): (نفسها عليه).

[13] (والصواب: أنَّ عمارة): ليس في (ج).

[14] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[15] (به): سقط من (ج).

(1/730)

[باب غسل المذي والوضوء منه]

قوله: (بَاب غَسْلِ المَذْيِ): تقدَّمت لغات (المذْيِ)، وهو بإسكان الذَّال، وتخفيف الياء، و (المذِيِّ)؛ بكسر الذَّال، وتشديد الياء، و (المذِي)؛ بالكسر والتخفيف، والفعل منه: مذى، ومذَّى _بتخفيف الذَّال وتشديدها_ وأمذى؛ ثلاث لغات، الأولى أفصح، وكذلك يقال في الودي، وكذا في المني، والأوَّل أفصح في كلِّ ذلك.

[ج 1 ص 117]

قوله: (وَالوُضُوءِ مِنْهُ): هو بضمِّ الواو: الفعل، ويجوز الفتح على لغة، تقدَّمت مرارًا.

(1/731)

[حديث علي: كنت رجلًا مذاء فأمرت رجلًا]

269# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ): تقدَّم مرارًا أنَّه هشام بن عَبْد الملك الطَّيالسيُّ.

قوله: (حَدَّثَنَا زَائِدَةُ): هو ابن قدامة أبو الصَّلت، الثَّقفيُّ الكوفيُّ الحافظ، عن زياد بن عِلاقة، وسماك، وعنه: ابن مهديٍّ، وأحمد ابن يونس، ثقة حجَّة صاحب سنَّة، توفِّي غازيًا بالرُّوم سنة (161 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عن أَبِي حَصِينٍ): هو بفتح الحاء، وكسر الصَّاد المهملتين، واسمه عثمان بن عاصم الأسَديُّ، عنِ ابن عَبَّاس، وشريح، وطائفة، وعنه: شُعْبَة، والسُّفيانان، وخلق، وكان ثقة ثبتًا، صاحب سنَّة، تُوفِّي سنة (121 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم.

قوله: (عن أبي عَبْد الرَّحمن): هو السُّلميُّ؛ بِضَمِّ السِّين وفتح اللام، واسمه عَبْد الله بن حبيب بن رُبيِّعة، ورُبيِّعة بضمِّ الرَّاء: تصغير رَبيعة، الإمام مقرئ الكوفة، عن عمر [1]، وعثمان، وعنه: عاصم بن أبي النَّجود وأبو إسحاق، وأقرأ دهرًا، توفِّي سنة (73 هـ) تقريبًا مع ابن الزُّبير، أخرج له الجماعة، مشهور التَّرجمة جدًّا.

قوله: (فَأَمَرْتُ رَجُلًا): تقدَّم مسمًّى أنَّه المقداد، وجاء في رواية عمَّار، وتقدَّمت الرِّوايات في ذلك، والجمع بينها في (باب من استحيا فأمر [2] غيره بالسُّؤال).

قوله: (تَوَضَّأْ): تقدَّم الكلام على نظيره فيما مضى فيما إذا دخل على الفعل المضارع المهموز جازم، وأنَّ فيه ثلاثةَ أوجه.

==========

[1] في (ج): (عمرو)، وليس بصحيح.

[2] في (أ): (فأمره).

[ج 1 ص 118]

(1/732)

[باب من تطيب ثم اغتسل وبقى أثر الطيب]

(1/733)

[حديث عائشة: أنا طيبت رسول الله ثم طاف في نسائه]

270# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن الفضل عارم، وتقدَّم بعض ترجمته، وما هو العارم، وأنَّه كان بعيدًا من العرامة.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): تقدَّم قريبًا أنَّه الوضَّاح بن عَبْد الله اليشكريُّ.

قوله: (أَنْضَخُ طِيبًا): هو بالخاء المعجمة في أصلنا، وتقدَّم الكلام عليه مُطوَّلًا في الورقة التي قبل هذه.

==========

[ج 1 ص 118]

(1/734)

[حديث: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي وهو محرم]

271# قوله: (حَدَّثَنَا الحَكَمُ): تقدَّم أنَّه ابن عتيبة الإمام، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن إِبْرَاهِيمَ): تقدَّم أنَّه [1] إبراهيم بن يزيد النَّخعيُّ الإمام، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الأَسْوَدِ): تقدَّم أنَّه الأسود بن يزيد النَّخعيُّ الكوفيُّ، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (وَبِيصِ الطِّيبِ [2]): هو _بفتح الواو، ثُمَّ موحَّدة مكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ صاد مهملة_ البريق واللَّمعان.

قوله: (فِي مَفْرقِ): هو _بفتح الميم والرَّاء، وبفتح الميم، وكسر الرَّاء_ وسط الرَّأس، وهو الذي يفرق فيه الشَّعر.

==========

[1] (أنَّه): سقطت من (ب).

[2] في (ج): (طيب)، ولم تُروَ هكذا في «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 118]

(1/735)

[باب تخليل الشعر حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه]

(1/736)

[حديث: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ]

272# 273# [قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): هو عَبْد الله بن عثمان أبو عَبْد الرَّحمن، تقدَّم الكلام عليه.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله): هذا هو ابن المبارك، تقدَّم] [1].

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 118]

(1/737)

[باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده]

(بَاب مَنْ تَوَضَّأَ في الجَنَابَةِ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ... ) إلى آخر الترجمة ... إلى (بَاب نَفْضِ اليَدَيْنِ مِن غُسْلِ الجَنَابَةِ)

قال ابن المُنَيِّر: (إن قلت: كيف تستفاد التَّرجمة من الحديث وإنَّما قالت: «ثُمَّ توضَّأ»، «ثُمَّ أفاض على رأسه»، «ثُمَّ غسل جسده»، فدخل في قولها: «ثمَّ غسل جسده» الأعضاءُ التي تقدَّم غسلها؛ لأنَّها من جملة الجسد؟)

ثمَّ قال: (قلت: استخراجها منه بعيدٌ لغةً، ومحتملٌ عرفًا؛ إذ لم تذكر إعادة غسلها، وذكر الجسد بغير ذكر الأعضاء المعيَّنة يفهم عرفًا بقيَّة الجسد لا جملته؛ لأنَّ الأصل عدم التِّكرار، والله أعلم)، ثُمَّ ذكر كلامًا آخر متعلِّقًا بابن بطَّال.

قوله: (الوُضُوءِ): يحتمل أنَّ يكون بالفتح، وأنْ يكون بالضَّمِّ، وهو في أصلنا: مضموم، وكلاهما جائز، كما تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 118]

(1/738)

[حديث ميمونة: وضع رسول الله وضوءًا لجنابة فأكفأ بيمينه]

274# قوله: (أَخْبَرَنَا [1] الأَعْمَشُ): تقدَّم مرارًا أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ القارئ.

قوله: (وَضُوء الجنَابَة): هو بفتح الواو: الماء، وتقدَّم أنَّه يجوز الضَّمُّ، [وفي نسخة: (وُضِع لرسول [2] الله صلَّى الله عليه وسلَّم وضوءه للجنابة)، قال شيخنا: قال الإِسْمَاعِيليُّ: بيَّن زائدة أنَّ قوله: (للجنابة) من قول سالم الرَّاوي عن كريب لا من قول ابن عَبَّاس ولا من قول ميمونة، وفي حديث زائدة ذكرُ سترته حتَّى اغتسل، انتهى] [3]

قوله: (فَأَكْفَأَ): تقدَّم أنَّه مهموز الآخر، وهو هنا رباعيٌّ، وتقدَّم أنَّ الثُّلاثيَّ [4] أفصح، وقال الدِّمياطيُّ: قال الجوهريُّ: كفأت الإناء: كببته وقلبته؛ فهو مكفوء، وزعم ابن الأعرابيِّ أنَّ أكفأته لغة، وحَكى عنِ الكسائيِّ: كفأت الإناء: قلبته، وأكفأته: أملته، انتهى، وقد رأيت ما نقله الدِّمياطيُّ في «الصِّحاح».

==========

[1] في النسخ: (ثنا)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ب): (رسول).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[4] في (ب): (الثاني).

[ج 1 ص 118]

(1/739)

[باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو ولا يتيمم]

(1/740)

[حديث: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قيامًا]

275# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنَديُّ، قاله شيخنا، وهو [1] الحافظ المشهور [2]، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ): هذا هو عثمان بن عمر بن فارس العبديُّ البصريُّ، عن يونس بن يزيد، وابن جريج، وطائفة، وعنه: أحمد، والرماديُّ، والحارث بن أبي أسامة، وخلق، وكان من الصَّالحين الثِّقات، مات في ربيع الأوَّل سنة (209 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ): تقدَّم مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، أحد الأثبات.

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم أنَّه أبو بكر [3] محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب العالم المشهور.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه [4] أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، ابن عَبْد الرَّحمن [بن عوف، واسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل، تقدَّم.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن] [5] بن صخر على الأصحِّ من نحو [6] ثلاثين قولًا.

قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى): الضَّمير في (تابعه) يعود على عثمان بن عُمر؛ أي: تابع عَبْدُ الأعلى عثمانَ بن عُمر، فرواه عثمان عن يونس عنِ الزُّهْرِيِّ،

[ج 1 ص 118]

كما تقدَّم، ورواه عَبْد الأعلى عن معمر عنِ الزُّهْرِيِّ.

و (عبد الأعلى) المتابع: هو عَبْد الأعلى بن عَبْد الأعلى السَّاميُّ؛ بالسِّين المهملة، إلى سامة بن لؤيٍّ، عنِ الحذَّاء، والجُريريِّ، وعنه: إسحاق، وبندار، ثقة لكنَّه قدريٌّ، توفِّي سنة (189 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تقدَّم ببعض ترجمته، ومتابعته لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ومتابعة معمر تأتي قريبًا.

قوله: (عن مَعْمَرٍ): هو بفتح الميمين [7]، وإسكان العين بينهما [8]، وهو ابن راشد، تقدَّم مرارًا، ومتابعة معمر أخرجها أبو داود في (الطَّهارة) عن مَخْلَد بن خالد، عن إبراهيم بن خالد، عن رباح بن زيد، عن معمر به.

قوله: (عن الزُّهْرِيِّ): تقدَّم قريبًا جدًّا وبعيدًا [9].

(1/741)

قوله: (وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ): تقدَّم أنَّه أبو عَمرو عَبْد الرَّحمن بن عَمرو الأوزاعيُّ، وتقدَّم بعض ترجمته، ولماذا نسب، رحمة الله عليه [10]، ورواية الأوزاعيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ أخرجها البخاريُّ [11] في (الصَّلاة)، ومسلم فيها، وأبو داود والنَّسائيُّ في (الطَّهارة).

قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تقدَّم قريبًا وبعيدًا.

==========

[1] (قاله شيخنا، وهو): ليس في (ب) و (ج).

[2] (المشهور): سقط من (ج).

[3] (أبو بكر): ليس في (ب).

[4] (أنَّه): ليس في (أ).

[5] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[6] (نحو): مثبت من (ب).

[7] في (ج): (الميم).

[8] (بينهما): سقطت من (ج).

[9] (وبعيدًا): ليس في (ج).

[10] (رحمة الله عليه): ليس في (ج).

[11] (البخاري): سقطت من (ب).

(1/742)

[باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة]

(بَاب نَفْضِ اليَدَيْنِ مِن الغُسْلِ عنِ الجَنَابَةِ) ... إلى (كِتَابُ الحَيْضِ)

قال ابن المُنَيِّر: (إن قلت: ما وجه دخول هذه التَّرجمة في الفقة؟).

ثُمَّ قال: (قلت: مقصوده هنا ألَّا يُتخيَّل أنَّ مثل هذا الفعل اطِّراح لأثر العبادة ونقضٌ له، فبيَّن أنَّ هذا جائز، ونبَّه أيضًا على بطلان قول من زعم أنَّ تركه للمنديل من قبيل إيثار آثار العبادة عليه ألَّا يمسحها، وقد ظنَّ الشَّارح _يعني: ابن بطَّال_ هذا، وترجمة البخاريِّ تأباه، وتبيِّن أنَّ هذا ليس مغزاه، وإنَّما ترك المنديل _والله أعلم_ خوفًا من الدَّخول في أحوال المترفِّهين، والله أعلم) انتهى.

قوله: (مِن الغُسْلِ عنِ الجَنَابَةِ): (الغُسل)؛ بضمِّ الغين؛ لأنَّه الماء، وكذا: (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا)، ويجوز الفتح، وهما لغتان، وقد تقدَّمتا مرارًا.

(1/743)

[حديث ميمونة: وضعت للنبي غسلًا]

276# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): قال الدِّمياطيُّ: (هو عَبْد الله بن عثمان بن جَبَلَة) انتهى، وهذا ظاهر معروف، وقد تقدَّم مرارًا.

قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو [1] حَمْزَةَ): هو بالحاء المهملة وبالزاي، قَالَ الدِّمياطيُّ: (محمَّد بن ميمون السُّكريُّ) انتهى، وهذا مثل ما قبله ظاهر، وتقدَّم.

قوله: (سَمِعْتُ الأَعْمَشَ): هو سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَان، وهذا أظهر منهما، تقدَّم مرارًا.

قوله: (عن سَالِمِ): هو سالم بن أبي الجعد الأشجعيُّ مولاهم، الكوفيُّ، عن عمر وعائشة مرسلًا، وعن ابن عَبَّاس، وابن عُمر، وعنه: منصور والأعمش، توفِّي سنة (100 هـ)، وهو ثقة، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان»؛ لكونه يدلِّس ويرسل، وهذا سهل، وقد صحَّح عليه.

قوله: (غُسْلًا): هو بضمِّ الغين؛ لأنَّه الماء، وتقدَّم أنَّه يجوز الفتح في الماء.

==========

[1] في النسخ: (عن أبي)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 119]

(1/744)

[باب من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل]

قوله: (مَنْ بَدَأَ): هو مهموز الآخر، من الابتداء.

قوله: (في الغَسْلِ): هو بفتح الغين، وتضمُّ أيضًا، وقد تقدَّم، وهو في أصلنا: مضموم.

==========

[ج 1 ص 119]

(1/745)

[حديث: كنا إذا أصابت إحدانا جنابة أخذت بيديها ثلاثًا.]

277# قوله: (عن صَفيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ): هي بنت شيبة الحاجب، ابن عثمان بن أبي طلحة عَبْد الله [1] بن عَبْد العزَّى بن عثمان بن عَبْد الدَّار بن قصيٍّ العبدريَّة، يقال: لها رؤية، وحديثها عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في «أبي داود»، و «النَّسائيِّ»، و «ابن ماجه»، قال الذَّهبيُّ: وأُراه مرسلًا، انتهى، وروت عن عائشة، وأمِّ حبيبة، وأسماء بنت أبي بكر، وأمِّ سلمة، وجماعة، وعنها: ابنها منصور بن عَبْد الرَّحمن، وابن أختها عَبْد الحميد، وإبراهيم بن مهاجر، والحسن بن مُسْلِم بن يَنَّاق، وآخرون، ذكرها ابن حبَّان في «الثِّقات»، وقد أخرج أبو داود وابن ماجه من طريق ابن إسحاق: أنَّها رأتِ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الفتح دخل الكعبة وبها حمامة [2] من عَيْدان فكسرها، وقد تأخَّرت حتَّى أدركها ابن جريج، لكنَّه لَمْ يسمع منها، قال الذَّهبيُّ: وأظنُّها عاشت إلى قريب سَنَة تسعين، انتهى.

(1/746)

فائدة هي تنبيه: في «صحيح البخاريِّ» في (باب الإِذْخِرِ وَالحَشِيشِ في القَبْرِ) ما لفظه: (وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عن صَفيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِثْلَهُ)؛ فانظر هذه العبارة، فإنَّها صريحة في أنَّها صحابيَّة، وقد ضعَّف المِزِّيُّ الحافظ أبو الحجَّاج شيخ شيوخنا في «أطرافه» أبانَ بن صالح في ترجمتها، وانفرد بتضعيفه فيما أعلم، ولها في «البخاريُّ»: (أَوْلَمَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ)، وفي حديث ابن مهديٍّ: (بصاعين)، أخرجه النَّسائيُّ أيضًا، ولكن اختلف فيه على الثَّوريِّ، فقال أبو أحمد الزُّبيريُّ ومؤمَّل بن إِسْمَاعِيل ويحيى بن يمان [3]: عنِ الثَّوريِّ، عن منصور ابن صفيَّة، عن أمِّه، عن عائشة، وقال وكيع وابن مهديٍّ والفريابيُّ وروح بن عبادة: عنِ الثَّوريِّ، عن منصور، عن أمِّه: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ... ، ليس فيه: عن عائشة، قال البرقانيُّ: وهذا القول أصحُّ؛ لأنَّ البخاريِّ أخرجه من حديث الفريابيِّ، عنِ الثَّوريِّ، عن منصور، عن أمِّه) [4]، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يخرِّج خلافه، ومن الرُّواة من غلط فيه، فقال: عن منصور ابن صفيَّة، عن صفيَّة بنت حييٍّ، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال البرقانيُّ [5]: (وصفيَّة بنت شيبة ليست بصحابيَّة، وحديثها مرسل، وإنْ كان البخاريُّ أخرجه)، قال: (ورأيت في «كتاب النَّسائي» قد نصر قول من لَمْ يقل: عن عائشة، فأورده من حديث بندار عنِ ابن مهديٍّ، وقال: إنَّه مرسل) انتهى.

(1/747)

وقد أخرج لها أيضًا البخاريُّ تعليقًا: «إنَّ الله حرم مكَّة ... »؛ الحديث في (الحجِّ) عقيب [6] حديث ابن عَبَّاس وأبي هريرة، وقال: (أبان بن صالح عنِ الحسن بن مُسْلِم عن صفيَّة بنت شيبة قالت: سمعت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مثله)، وابن ماجه أيضًا، قال المِزِّيُّ: لو صحَّ هذا الحديث؛ لكان صريحًا في سماعها من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لكن في إسناده أبان بن صالح، وهو ضعيف، وقد أخرج له أبو داود وابن ماجه الحديث الذي فيه الحمامة، وقد ذكرته، قال المِزِّيُّ عقيبه [7]: (هذا الحديث يضعِّف قول من أنكر أنَّ لها رؤية، فإنَّه إسناد حسن) انتهى، وقد ذكر في «الأطراف» أنَّ لها رؤية، قال: (وقيل: لا رؤية لها) انتهى، وقد أطلت فيها الكلام، ولكن لما فيه من الفائدة.

(1/748)

[باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل]

قوله في التَّبويب: (والسَّتْرُ أَفْضَلُ): هو بفتح السِّين، المصدر، وهو المراد هنا، وبالكسر: هو السِّتر نفسه، واحد السُّتور.

قوله: (وَقَالَ بَهْزٌ عن أَبِيهِ، عن جَدِّهِ ... ) إلى آخره: قال الدِّمياطيُّ ما لفظه: (روى ابن أبي شيبة في «مسنده» عن يزيد، عن بهز بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن جدِّه قال: قلت: يا رسول الله؛ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك»، قلت: أرأيت القوم يكون بعضهم في بعض؟ قال: «إن استطعت ألَّا يراها أحد؛ فلا تريها»، قلت: أحدنا إذا كان خاليًا؟ قال: «فالله أحقُّ أنْ يستحى [1] منه من النَّاس»،

[ج 1 ص 119]

ورواه أيضًا عن أبي أمامة عن بهز، ورواه ابن ماجه [2] عنهما [3] بسندهما، ورواه التِّرمذيُّ من حديث يحيى بن سعيد عن بهز، وقال: حديث حسن) انتهى، وحديث بهز هذا رواه أصحاب السُّنن الأربعة، والله أعلم.

وأمَّا بهز بن حكيم؛ فهو ابن معاوية بن حَيْدة أبو عَبْد الملك، عن أبيه، وزُرارة بن أوفى، وعنه: القطَّان، ومكِّيٌّ، وثَّقه جماعة، وقال ابن عديٍّ: لم أر له حديثًا منكرًا، انتهى، علَّق له البخاريُّ كما ترى، وأخرج له الأربعة، وله ترجمة في «الميزان».

وأمَّا والده حَكِيم؛ فهو _بفتح الحاء، وكسر الكاف_ القشيريُّ، عن أبيه، وعنه: ابنه بهز، والجُريري [4]، قال النَّسائيُّ: ليس به بأس، وذكره ابن حبَّان في «الثِّقات»، أخرج له الأربعة، وعلَّق له البخاريُّ [5].

وأمَّا معاوية بن حَيْدة جدُّ بهز؛ فبصريٌّ روى عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعنه: ابنه أبو بهز حكيم، وحميد [6] المِزِّنيُّ، مات غازيًا، أخرج له البخاريُّ تعليقًا، والأربعة في الأصول.

==========

[1] في (ج): (تستحيي).

[2] في (ج): (ورواه عثمان).

[3] (عنهما): سقطت من (ج).

[4] في (ب): (والجرير).

[5] زيد في (ب): (تعليقًا، والأربعة في الأصول).

[6] في (ج): (وحزام)، وليس بصحيح.

(1/749)

[حديث: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض]

278# 279# قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): هو بفتح الميم، وإسكان العين، تقدَّم أنَّه ابن راشد، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ): هو اسم فاعل، مشهور التَّرجمة.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً): يحتمل أنَّ هذا كان جائزًا في شرعهم، وكان موسى صلَّى الله عليه وسلَّم يتركه تنزُّهًا وحياءً واستحبابًا، ويحتمل أنَّه كان حرامًا كما هو حرام عندنا، وكانوا يتساهلون فيه كما يتساهل فيه بعض النَّاس اليوم، والله أعلم.

قوله: (إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ): هو بفتح الهمزة الممدودة، وبالدَّال المهملة المفتوحة أيضًا، وبالرَّاء على وزن: آدم، والأُدرة؛ بالضَّمِّ: نفخة في الخصية، يقال: رجل آدر بيِّن الأَدَر، وهي التي يسمِّيها النَّاس: القيلة.

قوله: (فَخَرَجَ مُوسَى في إِثْرِهِ): وفي نسخة: (فجمح)، ومعنى جمح: ذهب يجري.

قوله: (في إِثْرِهِ): حكى شيخنا الشَّارح تثليث [1] الهمزة، وقال غيره: بفتح الهمزة والثَّاء، وكسر الهمزة وسكون الثَّاء.

قوله: (يَا حَجَرُ): ناداه مناداة من يعقل؛ لفعله فعلَهم.

قوله: (فَطَفِقَ): هو بكسر الفاء، ويجوز فتحها؛ أي: جعل، وقد تقدَّم.

فائدة: يحتمل أنْ يكون موسى أراد بضرب الحجر إظهار معجزة لقومه بأثر الضَّرب في الحجر، ويحتمل أنَّه [2] أوحي إليه بأنْ يضربه؛ لإظهار المعجزة، والله أعلم، قاله النَّوويُّ.

قوله: (لَنَدَبٌ): قال ابن قُرقُول: (لندْب): كذا رُوِّيناه بسكون الدَّال، وكذا يقوله المحدِّثون، ورُوِّيناه عنِ الأسدي والصَّدَفَيِّ وغيرهما: بفتحها [3]، وهو الصَّواب، انتهى، ولم يذكر ابن الأثير وكذا النَّوويُّ في «شرح مسلم» سواه، قال ابن قُرقُول: (وهو الأثر من الجرح والضَّرب إِذَا لَمْ يرتفع عن [4] الجلد، والجمع ندوب [5] وأنداب، وقيل: النَّدَب: جمع ندَبة؛ مفتوح الدَّال، فأمَّا إِذَا سكِّنت؛ فهو الحضُّ والدعاء إلى الشيء) انتهى، وقال النوويُّ: (الندَب: الأثر).

قوله: (سِتَّة أَوْ سَبْعَة): هما مرفوعان منوَّنان، ويجوز نصبهما، ورأيته [6] في بعض النُّسخ الصَّحيحة مضبوط بهما، وكذا هو في أصلنا الآن.

(1/750)

قوله: (وَعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه [7] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا ... )؛ الحديث إلى أنْ قال: (وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عن مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَيُّوبُ ... )؛ الحديث: اعلم أنَّ المِزِّيَّ قد علَّم عليه (خت)؛ يعني: أنَّ البخاريَّ أخرجه تعليقًا، ثُمَّ قال: (البخاريُّ [8] في «الطَّهارة» رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بن طهمان، عن مُوسَى بْنِ عُقْبَة، عن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ به، وأخرجه النَّسائيُّ فيه، عن أحمد بن حفص، عن أبيه، عن إبراهيم به؛ يعني: عن مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عن صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ؛ يعني: عن عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) انتهى.

وإبراهيم بن طهمان ليس هو من مشايخه، فالحديث معلَّق كما رقم عليه المِزِّيُّ، وقال شيخنا الشَّارح: حديث أبي هريرة هذا معطوف على سند حديث أبي هريرة الأوَّل، وقد صرَّح به أبو مسعود الدِّمشقيُّ وخلف، فقالا: إنَّ البخاري رواه هنا عن إسحاق ابن نصر، وفي (أحاديث الأنبياء): عن عَبْد الله بن محمَّد الجعفيِّ؛ كلاهما عن عَبْد الرَّزَّاق، وذكر عن أبي نعيم أنَّ البخاريَّ لَمْ يذكر اسم شيخه وأرسله، ثُمَّ ذكر وصله من عند الإِسْمَاعيليِّ.

فحاصل كلام شيخنا: أنَّه ذكر فيه قولين؛ أحدهما: أنَّه معطوف على السَّند قبله، والثَّاني: أنَّه تعليق، ولا شكَّ أنَّه تعليق، لكن عكَّر [9] عليَّ قولُه فيه: (ورواه)؛ بالواو، وعلى: (ورواه) بجملتها علامة نسخة، ولو حُذِفتِ الواو؛ كان ظاهرًا في التَّعليق، والله أعلم، ولكنَّ إبقاء الواو دليل على أنَّه [10] معطوف على الحديث قبله، ومن قوله: (وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ ... ) إلى (عُرْيَانًا): هو مُخرَّج في أصلنا الدِّمشقيِّ في الهامش، وعليه ما صورته (هـ).

و (إبراهيم): تقدَّم أنَّه ابن طهمان، و (صَفْوَان بْنِ سُلَيْم)؛ بضمِّ السِّين وفتح اللَّام، و (عَطَاء بْن يَسَار)؛ بالمثنَّاة تحتُ والسِّين المهملة، وكلُّ هذا ظاهر، والله أعلم.

(1/751)

[باب التستر في الغسل عند الناس]

قوله: (فِي الغَسْلِ): هو بفتح الغين؛ لأنَّه الفعل، وبالضَّمِّ [1]: الماء، والمراد الأوَّل، ولكن قد ضُبِط في أصلنا: بِضَمِّها، وقد تقدَّم أنَّها لغة.

==========

[1] في (أ) و (ب): (وبالفتح)، وهو سبق نظر.

[ج 1 ص 120]

(1/752)

[حديث: ذهبت إلى رسول الله عام الفتح فوجدته يغتسل]

280# قوله: (عن أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ الله): (أبو النَّضر)؛ بالضَّاد المعجمة، وهذا [1] لا يُحتَاج تقييدٌ كما قدَّمته؛ لأنَّه لَمْ يأت بالألف واللَّام إلَّا المعجم بالضَّاد، ونصر؛ بالصَّاد المهملة لا يأتي بالألف واللَّام، و (أبو النَّضر) هذا: هو سالم بن أبي أميَّة، أخرج له الجماعة، ووثَّقه اِبْن مَعِين والنَّسائيُّ، توفِّي سنة (129 هـ)، ثقة نبيل، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (أَنَّ أَبَا مَرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ): اسم (أبي مرَّة): يزيد مولى عَقِيل أو مولى أمِّ هانئ، روى عنهما، وعن أبي الدرداء، وعنه: زيد بن أسلم، وأبو حازم، ثقة، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم.

قوله: (مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ): (أم هانئ)؛ بهمزة في آخرها، اختُلف في اسمها؛ فقيل: فاختة، أو هند، أو فاطمة، أو عاتكة، أو جمانة، أو رملة أقوال؛ أشهرها أوَّلها، أسلمت يوم الفتح، ترجمتها معروفة رَضِيَ اللهُ عنها، أخرج لها الجماعة، قال الذَّهبيُّ: ولعلَّها توفِّيت بعد الخمسين، انتهى [2]، كنيت بابنها هانئ بن هبيرة، ولها من هبيرة ابنٌ آخر، يقال له: جعدة، وآخر يقال له: يوسف.

تنبيه: رأيت في كلام شيخنا الشَّارح في (باب ما جاء في «زعموا»): أنَّ أمَّ هانئ قيل: كانت أخت النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الرَّضاعة) انتهى، وهذا غريب جدًّا، فإنَّها ذُكرت فيمن خطبها عليه الصلاة والسَّلام، ولم يتَّفق له زواجها، كما تقدَّم، وفي «صحيح مُسْلِم» في (الفضائل)

[ج 1 ص 120]

بوَّب عليه مبوَّب: (باب ما ذُكِر في نساء قريش): أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خطب بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله؛ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلِي عِيَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإبل».

==========

[1] في (ب): (هذا).

[2] (انتهى): ليس في (ب).

(1/753)

[حديث: سترت النبي وهو يغتسل من الجنابة]

281# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي روَّاد، وتقدَّم بعض ترجمته في أوائل هذا التَّعليق.

قوله: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ): هو ابن المبارك _تقدَّم مرارًا [1]_ شيخ الإسلام، العالم الرَّبَّانيُّ، تقدَّم، وأنَّه شيخ خراسان.

قوله: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ): تقدَّم أنَّه الثَّوريُّ سفيان بن سعيد العالم الفرد.

قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم أنَّه سُلَيْمَان بْنُ مِهْرَانَ أبو محمَّد الكاهليُّ الإمام القارئ.

قوله: (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ): هو [2] بضمِّ الواو الفعل، وأمَّا بالفتح؛ فإنَّه الماء، وتقدَّم أنَّه يجوز في كلٍّ منهما الفتح والضَّمُّ مرارًا.

قوله: (تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ في التَّستُّرِ): أمَّا الضَّمير في (تابعه)؛ فإنَّه يعود على سفيان _ يعني: الثَّوريَّ_ قال المِزِّيُّ في «الأطراف»: (تابعه أبو عوانة وابن فضيل؛ يعني: عنِ الأعمش) انتهى، و (أبو عوانة): تقدَّم أنَّه الوضَّاح بن عَبْد الله.

وأمَّا (ابن فضيل)؛ فهو محمَّد بن فُضَيل؛ بالتَّصغير، وهو ابن غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ مولاهم، الحافظ، أبو عَبْد الرَّحمن، عن أبيه، ومغيرة، وحصين، وعنه: أحمد، وإسحاق، والعطارديُّ، ثقة شيعيٌّ، مات سنة (194 هـ)، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان».

والحكمة في هذه المتابعة: أنَّ سفيان الثَّوريَّ عنعن في السَّند الأوِّل، وهو مدلِّس، فتابعاه على روايته عنِ الأعمش؛ لتقوية الحديث، والله أعلم، ومتابعة أبي عوانة عنِ الأعمش أخرجها البخاريُّ في (الطَّهارة): عن موسى، عن أبي عوانة، ومتابعة ابن فُضَيل لَمْ أرها في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولَم [3] يخرِّجها ولا التي قبلها [4] شيخُنا.

==========

[1] في (ب): (مرات).

[2] في (ب): (وهو)، وسقطت (هو) من (ج).

[3] في (أ): (لم).

[4] (ولا التي قبلها): ليس في (ب).

[ج 1 ص 121]

(1/754)

[باب إذا احتلمت المرأة]

(1/755)

[حديث: نعم إذا رأت الماء]

282# قوله: (عَن أُمِّ سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّها أمُّ المؤمنين، وأنَّ اسمها هند بنت أبي أميَّة رَضِيَ اللهُ عنها، وتقدَّم شيء من ترجمتها، وأنَّها آخر أمَّهات المؤمنين وفاة.

قوله: (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ): تقدَّم أنَّها بضمِّ السِّين، وفتح اللَّام، في اسمها أقوال: سهلة، وقيل: رميلة، أو رميثة [1]، أو مليكة، أو أنيفة، أو الرُّمَيصاء، أو الغُمَيْصَاء، زوج أبي طلحة، تقدَّم بعض ترجمتها، وهي أمُّ أنس رَضِيَ اللهُ عنهما.

فائدة: تقدَّم أنَّ جماعة من الصَّحابيَّات سألن [2] كسؤال [3] أمِّ سليم، وقد تقدَّم ما في ذلك؛ فانظره في (باب الحياء في العلم).

==========

[1] في (ج): (رمية).

[2] في (ج): (سألت).

[3] في (ج): (بسؤال).

[ج 1 ص 121]

(1/756)

[باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس]

قوله: (وَأنَّ المُؤْمِنَ [1]): (أنَّ)؛ بفتح الهمزة، كذا هو في أصلنا بالقلم، وظهر لي أنَّه يجوز الكسر، أو يُترجَّح؛ لحكاية: «إنَّ المؤمن لا ينجس» في الحديث.

[قوله: (لَا يَنْجَسُ): هو بفتح الجيم _وكذا في متن الحديث_ في المضارع، وكسر الجيم في الماضي، كذا اقتصر عليه الجوهريُّ، وفي «أفعال ابن القطَّاع»] [2]: (نَجِس الشَّيء ونجُس نجسًا ونجاسة، ضدُّ «طهر»)، فقوله: (نجِس) الأولى مكسورة بالقلم، وهذه ذكرها الجوهريُّ، واللُّغة الثَّانية: (نجُس)؛ بضمِّ الجيم بالقلم، فعلى هذه: يقال في المستقبل: ينجُس؛ بضمِّ الجيم، فتحرَّر [3] فيه لغتان، ينجَس؛ بفتح الجيم، وهي التي ذكرها الجوهريُّ، والثَّانية: ينجُس؛ بضمِّ الجيم، وهي التي ذكرها مع ما قبلها ابنُ القطَّاع، وقد صرَّح النَّوويُّ في «شرح مسلم» في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه: بأنَّ في [4] الماضي لغتين؛ كسر الجيم وضمِّها، قال: فمن كسرها في الماضي؛ فتحها في المضارع، ومن ضمَّها في الماضي؛ ضمَّها في المضارع أيضًا، قال: وهذا قياس مُطَّرد معروف عند أهل اللُّغة إلا أحرفًا مستثناة من المكسور، والله أعلم، انتهى.

(1/757)

[حديث: سبحان الله إن المؤمن لا ينجس]

283# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى): هو ابن سعيد القطَّان، حافظ الإسلام، تقدَّم بعض ترجمته رحمه الله [2].

قوله: (حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ): هو بضمِّ الحاء وفتح الميم، وهو ابن تير أو تيرويه الطَّويل، وقد تقدَّم الخلاف في اسم أبيه، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا [3] بَكْرٌ): هو مُكبَّر، وهو بكر بن عَبْد الله المزنيُّ، يروي عنِ ابن عَبَّاس، وابن عُمر، وعنه: سُلَيْمَان التَّيميُّ، ومبارك، وخلق، ثقة إمَام، توفِّي سنة (108 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (عن أَبِي رَافِعٍ [4]): اسمه نُفَيع، مدنيٌّ نزل البصرة، عن عمر، وعثمان، وأُبيٍّ، وعنه: قتادة، وبكر المزنيُّ، ثقة نبيل، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (فَانْخَنَسْتُ [5] مِنْهُ): هو بالخاء المعجمة، ثُمَّ نون، ثُمَّ سين مهملة؛ أي: تأخَّرت، ورجعت، وَانقبضت، وفي هذه الكلمة سبع روايات: انبجست، انتجست، انبخست، اختنست، انبجشت، انبحشت، اختنست، وكلُّها راجعة إلى الانفصال والمزايلة على وجه التَّعظيم له، ولفظ ابن قُرقُول في الباء مع الجيم ذكره: كذا لابن السَّكن والحمُّوي، ولابن الهيثم [6] وعند الأصيليِّ: (فانبخست)؛ بخاء معجمة بعد الباء، وكذا لسائرهم، قال بعضهم: صوابه: فانخنست؛ ومعناه: انقبصت عنه وتأخَّرت، وأمَّا انبجست؛ فمعناه: اندفعت عنه وزايلته، ومثله في الحديث الآخر: (فانسللت مِنْهُ)، وأمَّا انبخست؛ من البخس: وهو النَّقص والظُّلم، وهو بعيد من هذا، قال ابن قُرقُول: (إِذَا صحت الرِّواية؛ فله وجه، وهو أنَّه ظهر له نقصانه عن مماشاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لما اعتقده في نفسه من النَّجاسة في حال جنابته [7] فرأى أنَّه لا يقاومه ما دام في تلك الحال، ألا تراه كيف قال له: «إنَّ المؤمن لا ينجس»، وقد روي: (فانتجست منه)؛ أي: اعتقدت النَّجاسة بجسمي حكمًا شرعيًّا، انتهى وقد [8] ذكر الرشيد العطَّار من هذه الرِّوايات خمس روايات، وضبطها بالحروف في «الغرر المجموعة على صحيح مسلم»، وهي: انبجست، انخنست، اختنست، انتجست، انتجشت، والله أعلم.

قَوْلِهِ: (سُبْحَانَ اللهِ!): المراد بها التَّعجب من أنَّ أبا هريرة اعتقد نجاسة نفسه بسبب الجنابة.

(1/758)

فائدة: الذي جرى له [9] مثل هذه القصَّة مجموعهم ثلاثة أشخاص؛ وهم: أبو هريرة في «البخاريِّ» و «مسلم»، وحذيفة أخرجه مسلم، وابن مسعود أخرجه النَّسائيُّ من حَدِيث أبي وائل عنِ ابن مسعود، ذكر شيخنا في مكان (أنَّه [10] أخرجه النَّسائيُّ) انتهى، ولم أره أنا في «أطراف المِزِّيِّ» في ترجمة أبي وائل شقيق بن سلمة عنهُ، والله أعلم.

قوله: (لَا يَنْجسُ): تقدَّم أنَّ فيها لغتين؛ فتح الجيم وضمِّها أعلاه؛ فانظره.

(1/759)

[باب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره]

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): هذا هو عطاء بن أبي رَباح مفتي أهل مكَّة، تقدَّم.

[ج 1 ص 121]

قوله: (وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ): تقدَّم أنَّه يجوز فيه يتوضَّ ويتوضَّأ يتوضَّا [1]؛ فانظره، فإنَّه مفيد.

==========

[1] في (ب): (يتوضا، ويتوضأ، يتوض).

(1/760)

[حديث: أن النبي كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة]

284# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ): هو ابن أبي عَروبة مهران أبو النَّضر اليشكريُّ مولاهم، البصريُّ، أحد الأعلام، عنِ الحسن، ومحمَّد، وأبي رجاء العطارديِّ، وقتادة، وعنه: شُعْبَة، والقطَّان، وغُنْدر، قال أحمد: كان يحفظ لم يكن له كتاب، وقال ابن معين: هو من أثبتهم، وقال أبو حاتم: هو قبل أنْ يختلط ثقة، توفِّي سنة (156 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

[تنبيه: قال شيخنا في «القاموس»: (وابن أبي العروبة؛ باللَّام، وتركُها لحنٌ أو قليل) انتهى] [1]

قوله: (وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ): تقدَّم عدد التِّسع قبل هذا بيسير، وتقدَّم الكلام على أزواجه وسراريه، وعلى الوهم الذِي وقع: (وهنَّ إحدى [2] عشرة) [خ¦268]؛ فانظره.

(1/761)

[حديث: سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس]

285# قوله: (حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى): (عيَّاش): هذا بالمثنَّاة تحت، وبالشِّين المعجمة، وهو عيَّاش بن الوليد الرَّقام [1] أبو الوليد البصريُّ، عن معتمر، وابن فضيل، والوليد بن مُسْلِم، وطبقتهم، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، قال أبو داود: صدوق، قالوا: توفِّي سنة ستٍّ وعشرين ومئتين، أخرج له البخاريُّ وأبو داود، والنَّسائيُّ في «عمل اليوم واللَّيلة».

تنبيه هو فائدة: قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: (عيَّاش بن الوليد وعَبَّاس بن الوليد كلاهما من شيوخ البخاريِّ [2]، فالأوَّل: عيَّاش بن الوليد الرَّقام أبو الوليد البصريُّ؛ بياء معجمة باثنتين من تحت، وشين معجمة، تفرَّد به البخاريُّ روى عنه فأكثر عن عَبْد الأعلى، ووكيع، وابن فضيل، والوليد بن مسلم، والثَّاني: عَبَّاس بن الوليد بباء معجمة بواحدة وسين مهملة، روى عنه البخاريُّ في موضعين في باب «علامات النُّبوَّة»، والثَّاني في «المغازي» في باب «بعث النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم معاذًا وأبا موسى إلى اليمن»، عن معتمر بن سُلَيْمَان وعبد الواحد بن غياث، وقال في «الفتن» بعد حديث خرَّجه من طريق هِشَام الدَّستوائيِّ، عن قَتَادَةَ، عن أَنَسٍ [3] قال: سَأَلُوا رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أَحْفَوْهُ بِالمَسْأَلَةِ، ثُمَّ قال: وقال عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ: أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حديث: من أبي يا رسول الله؟ قال: «حذافة»)، قال: (وما أعلم له في «الصَّحيح» أكثر من هذا، وقد روى عنه مُسْلِم في «كتابه» ... ) إلى آخر كلامه.

قوله: (حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ): هو تصغير أحمد، وهو ابن تير أو تيرويه الطَّويل، تقدَّم.

قوله: (بَكْرٍ): هو بكر بن عَبْد الله المزنيُّ، تقدَّم.

قوله: (عن أَبِي رَافِعٍ): تقدَّم أنَّه نُفَيع الصَّائغ البصريُّ.

قوله: (عن أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا مرارًا.

قوله: (الرَّحْلَ): هو _بالحاء المهملة_ المنزل والمأوى.

قوله: (يَا أَبَا هِرٍّ): هو ترخيم هريرة، وهو مضبوط في النُّسخة التي سمعت فيها على العراقيِّ شيخنا الحافظ بتشديد الرَّاء بالقلم، وسيأتي في (الأدب) ضبطه مُطوَّلًا.

(1/762)

قوله: (سُبْحَانَ الله!): تقدَّم قريبًا الكلام عليه.

قوله: (لَا يَنْجسُ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا، وأنَّ فيه لغتين؛ فتح الجيم وضمَّها.

(1/763)

[باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل]

قوله: (بَاب كَيْنُونَةِ): هي مصدر: كان يكون كونًا وكينونة أيضًا، شبهوه بالحَيْدُوْدَة والطَّيْرُوْرَة، وحيدودة: مصدر حاد عنِ الطَّريق؛ إِذَا مال عنِ الطَّريق [1]، والطَّيرورة: مصدر طار يطير طيرورة وطَيَرَانًا، وهما من ذوات الياء، ولم يجئ من الواو هذا إلَّا أحرفٌ: كينونة، وكَيْعُوعة، ودَيْمُوْمَة، وقَيْدُوْدَة، وأصله: كيِّنونةٌ؛ بتشديد الياء، فحذفوا كما حذفوا من هيِّن وميِّت، ولولا ذلك؛ لقالوا: كونونة ... إلى آخر كلام الجوهريِّ؛ فانظره إنْ أردته.

==========

[1] (عن الطريق): سقطت من (ب).

[ج 1 ص 122]

(1/764)

[حديث: أكان النبي يرقد وهو جنب؟]

286# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم أنَّه الفضل بن دُكَين مرارًا، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ): أمَّا (هشام)؛ فهو [1] هشام بن أبي [2] عَبْد الله الدَّستوائيُّ، الحافظ، ودستوى: من كور الأهواز، هذا الذِي ظهر لي أنَّه هو، فإنْ كان هو _وهو الظَّاهر_؛ فقد تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

وأمَّا (شيبان)؛ فهو ابن عَبْد الرَّحمن النَّحويُّ، (وتقدَّم أنَّه منسوب إلى قبيلة لا إلى العربيَّة، قاله ابن الأثير، وتقدَّم ما قال فيه ابن أبي داود) [3]، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن يَحْيَى): هو ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ؛ بفتح الكاف، وكسر المثلَّثة، تقدَّم.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، واسمه عَبْد الله بن عَبْد الرَّحمن بن عوف، وقيل: اسمه إِسْمَاعِيل، تقدَّم بعض ترجمته.

==========

[1] في (ج): (وهو).

[2] (أبي): سقطت من (ج).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 122]

(1/765)

[باب الجنب يتوضأ ثم ينام]

(1/766)

[حديث: كان النبي إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ]

288# قوله: (عن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمن): هذا هو محمَّد [1] بن عَبْد الرَّحمن بن نوفل بن الأسود أبو الأسود، يتيم عروة الأسَديِّ، عن عروة، وطبقته، وعنه: شعبة، ومالك، واللَّيث، وخلق، وثَّقه أبو حاتم والنَّسائيُّ، مات بعد الثَّلاثين ومئة، أخرج له الجماعة.

==========

[1] (محمد): سقطت من (ب).

[ج 1 ص 122]

(1/767)

[حديث: استفتى عمر النبي أينام أحدنا وهو جنب]

289# قوله: (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ): هذا هو ابن أسماء بن عبيد بن مخارق الضَّبعيُّ البصريُّ، عن نافع، والزُّهْرِيِّ، وعنه: ابن أخيه عَبْد الله بن محمَّد بن أسماء، وابن أخته سعيد بن عامر، ومُسَدَّد، ثقة، توفِّي سنة (173 هـ)، وكان محدِّثًا عالمًا أخباريًّا، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه.

==========

[ج 1 ص 122]

(1/768)

[حديث: توضأ واغسل ذكرك ثم نم]

290# قوله: (تَوَضَّأَ): تقدَّم الكلام عليه فيما مضى في النُّطق به.

==========

[ج 1 ص 122]

(1/769)

[باب إذا التقى الختانان]

(1/770)

[حديث: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل]

291# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ [1] بْنُ فَضَالَةَ): تقدَّم أنَّه بفتح الفاء، وهذا ظاهر، إلَّا أنِّي رأيت من ينطق بها مضمومة ممَّن يقرأ هذا «الصَّحيح» على النَّاس.

قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ): هو ابن أبي عَبْد الله الدَّستوائيُّ، وقد تقدَّم أعلاه.

قوله: («ح»: وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): أمَّا (ح)؛ فقد تقدَّم الكلام عليها أوَّل هذا التَّعليق.

وأمَّا (أبو نعيم)؛ فهو الفضل بن دُكَين، تقدَّم مرارًا.

قوله: (عَنِ الحَسَنِ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ العالم المشهور، وقد [2] تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي رَافِعٍ): تقدَّم أنَّه نُفَيع الصَّائغ قريبًا، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): تقدَّم مرارًا [3] أنَّه عَبْد الرَّحمن بن صخر، على الأصحِّ من [4] ثلاثين قولًا.

قوله: (شُعَبِهَا الأَرْبَعِ): قال الدِّمياطيُّ: (أي: بين يديها ورجليها، وقيل: بين رجليها [5] وشفريها) انتهى، وكذا ذكره غير واحد، ويتحصَّل من الأقوال في [6] ذلك خمسة، وقيل: إنَّ المراد نواحي الفرج الأربع، والشَّعب: النَّواحي، وقيل: المراد الرِّجلان والفخذان، وبقي قول آخر لا أستحضره الآن، قال ابن دقيق العيد العلامة أبو الفتح بعد أنْ ذكر فيه أربعة أقوال: (والأقرب عندي أنْ يكون المراد اليدين والرِّجلين، أو الرِّجلين والفخذين، ويكون الجماع مكنًيا عنه بذلك

[ج 1 ص 122]

يكتفى بما ذكر عنِ التَّصريح، وإنَّما رجَّحنا هذا؛ لأنَّه أقرب إلى الحقيقة، وهو حقيقة في الجلوس بينهما ... ) إلى آخر كلامه.

قوله: (ثُمَّ جَهَدَهَا): هو بفتح الهاء، قال الدِّمياطيُّ: (وجهدها: بالغ في معاناة [7] ذلك العمل فيه كناية عن بلوغ الغاية في ذلك، قال الخطَّابيُّ: الجهد: اسم من أسماء النِّكاح، فمعنى (جَهدها): وطئها، انتهى.

قال ابن دقيق العيد العلامة أبو الفتح بعد عزو هذا إلى الخطَّابيِّ: (وعلى هذا؛ فلا يحتاج أنْ يجعل قوله: «ثمَّ جلس بين شعبها الأربع» كناية عنِ الجماع، فإنَّه صرَّح به بعد ذلك) انتهى.

(1/771)

قوله: (تَابَعَهُ عَمْرٌو): الضَّمير في (تابعه) يعود على هشام؛ أي: تابع عَمرو _هو [8] ابن مرزوق_ هشامًا فرواه عن شُعْبَة؛ يعني: عن قتادة مثله، و (عَمرو): هو ابن مرزوق الباهليُّ، روى عن شُعْبَة، ومالك بن مغول، وعكرمة بن عمَّار، وغيرهما [9]، وعنه: البخاريُّ مقرونًا بغيره، وأبو داود، وإِسْمَاعِيل القاضي، وأبو خليفة، وخلق، ثقة فيه بعض الشَّيء، مات سنة (224 هـ) [10]، أخرج له البخاريُّ [11] مقرونًا _كما تقدَّم_ وأبو داود.

والحكمة في هذه المتابعة: أنَّ هشامًا عنعن _وقد تقدَّم أنَّه [12] هشام بن أبي عَبْد الله الدَّستوائيُّ_ عن قتادة، فأتى بمتابعة شُعْبَة عن قتادة، وإنْ كان شُعْبَة عنعن عن قتادة، فإنَّ المِزِّيَّ قال في «أطرافه»: (وتابعه عَمرو _يعني: ابن مرزوق_ عن) [13] شُعْبَة عن قتادة إلَّا أنَّ شُعْبَة من أشدِّ النَّاس قولًا في التَّدليس، فإنَّه قال: (لأنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ أدلِّس)، وهذا قاله على سبيل المبالغة، وقال أيضًا: (التَّدليس أخو الكذب)، فلا فرق بين أنْ يعنعن، أو يصرِّح بالتحديث أو الإخبار أو السَّماع، ومتابعة شُعْبَة أخرجها مُسْلِم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.

قوله: (وَقَالَ مُوسَى): الذي ظهر لي أنَّه موسى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوْذَكيُّ، شيخه، وقد تقدَّم الكلام على بعض ترجمته ونسبته، ويكون قد [14] أخذه عنه في حال المذاكرة؛ فلهذا أتى به على صورة التَّعليق، وقد قدَّمت أنَّ هذا وأمثاله محمول على السَّماع؛ لأنَّه شيخه، والبخاريُّ غير مدلِّس، وقد أطلت الكلام عليه فيما مضى؛ فانظره إنْ أردته، وتعليق موسى قال شيخنا: (أخرجه البيهقيُّ من حديث عفَّان بن مُسْلِم وهمَّام بن يحيى عنه بلفظ: «ثمَّ أجهد نفسه؛ فقد وجب الغسل أنزل أو لَمْ ينزل») [15].

قوله: (حَدَّثَنَا أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: أَخْبَرَنَا الحَسَنُ مِثْلَهُ): الذي ظهر لي أنَّه أبان بن يزيد العطَّار البصريُّ، عنِ الحسن، وأبي [16] عمران الجونيِّ، وعِدَّة، وعنه: يحيى بن سعيد القطَّان، وعفَّان، وهدبة، قال أحمد: (ثبتٌ في كلِّ المشايخ)، وقد قدَّمت الكلام في ترجمته، أخرج له البخاريُّ، ومُسْلِم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ.

(1/772)

والحكمة في مجيئه بهذا الذي صورته صورة التَّعليق الذي أخذه عن موسى في المذاكرة: أنَّ أبانًا قد صرَّح فيه بالتحديث من قتادة، وأنَّ قتادة صرَّح بالإخبار من الحسن، وفي السَّند الأوَّل عنعن هشام _هو الدَّستوائيُّ_ وإنْ لَمْ يكن مدلِّسًا إلَّا أنَّ في العنعنة مطلقًا خلافًا، فصرَّح أبان بالتحديث من قتادة، وقتادة مدلِّس، وعنعنة المدلِّس لا تُقبَل، فأتى بهذا؛ لتصريح [17] قتادة بالإخبار من الحسن، والله أعلم.

(1/773)

[باب غسل ما يصيب من فرج المرأة]

(1/774)

[حديث زيد: أنه سأل عثمان: أرأيت إذا جامع امرأته فلم يمن]

292# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الميم، وإسكان العين، واسمه عَبْد الله بن عمرو بن أبي الحجَّاج ميسرة المقعد المنقريُّ البصريُّ، عن أبي الأشهب العطارديِّ، وعبد الوارث، وعنه: البخاريُّ، وأبو داود، وأبو حاتم، والبِرتيُّ [1]، حجَّة، مات [2] سنة (224 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد طال العهد به، فلهذا ترجمْتُه بعض الشَّيء، وقد قدَّمت أنَّه ليس له في الكتب السِّتَّة عن غير عَبْد الوارث، وهو أثبت النَّاس فيه [3].

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ): تقدَّم أنَّه ابن سعيد بن ذكوان التَّميميُّ العنبريُّ مولاهم، التَّنوريُّ البصريُّ أبو عبيدة الحافظ، عن أيُّوب، وأبي التَّيَّاح، ويحيى البكَّاء، وعنه: ابنه عَبْد الصَّمد، وأبو معمر المقعد، ومُسَدَّد، وكان مقرئًا فصيحًا مفوَّهًا ثبْتًا صالحًا، رُمِي بالقدر، مات سنة (180 هـ)، وقد أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»؛ للاعتقاد، وقدَّمت ذلك، ولكن طال العهد به.

قوله: (عن الحُسَيْنِ: قَالَ يَحْيَى): (الحسين) هذا: هو ابن ذكوان، المعلِّم البصريُّ الثِّقة، عنِ ابن بريدة، وعطاء، وعمرو بن شعيب، وعنه: القطَّان، وغُنْدر، ويزيد، توفِّي سنة (145 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به.

وقوله: (قَالَ [4]: قَالَ يَحْيَى): اعلم أنَّ الحسين يرويه عن يحيى _هو ابن أبي كثير_ كما سيأتي تحته، وقال شيخنا الشَّارح: (قال يحيى: كذا [وقع هنا، ووقع في «مسلم» بدل «قال»: «عن»، وقال أبو مسعود وخلف: رُوِّيناه من طريق حسين عن يحيى] [5]، وقوله: «قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي ... » إلى آخره: هو معطوف على الإسناد الأوَّل)، وما أدري ما أراد بالإسناد الأوَّل إلَّا أنْ يكون أراد حديثين أو أكثر رواها البخاريُّ بهذا الطَّريق إلى يحيى، ويحيى رواهما أو رواها عن أبي سلمة، أو أنَّ يحيى روى حديثين أو أكثر عن أبي سلمة، هذا واحد منها، وليس هو الأوَّل، فأتى به معطوفًا على ما هو عنده، والله أعلم.

(1/775)

قال شيخنا: (وقال الدَّارقطنيُّ: فيه وهم؛ لأنَّ أبا أيُّوب لَمْ يسمعه من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّما سمعه من أُبيِّ بن كعب عنه عليه الصَّلاة والسَّلام، قال ذلك هشام عن أبيه، عن أبي أيُّوب، عن أُبيٍّ، وأعلَّه ابن العربيِّ فقال: «حديث ضعيف؛ لأنَّ مرجعه إلى الحسين [6] بن ذكوان المعلِّم، والحسين لَمْ يسمعه من يحيى، وإنَّما نقله له يحيى، ولذلك أدخله البخاريُّ عنه بصيغة المقطوع، قال: وهذه علَّةٌ، وقد خولف حسين فيه عن يحيى، فرواه عنه غيره [7] موقوفًا على عثمان، ولم يذكر فيه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذه علَّة ثانية، وقد خولف فيه أيضًا أبو سلمة، فرواه زيد بن أسلم عن عطاء عن زيد بن خالد: أنَّه سأل خمسة أو أربعة من الصَّحابة، فأمروه بذلك، ولم يرفعه، فهذه ثَالِثة، وكم من حديث ترك البخاريُّ ذِكْرَه بواحدة من هذه العلل الثَّلاث، فكيف بحديث اجتمعت فيه؟!» هذا كلامه)، قال شيخنا: (وقد أخرج البخاريُّ حديث عثمان من غير طريق الحسين بن ذكوان، رواه عن سعد بن حفص، عن شيبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عطاء، عن زيد، كما سلف في «باب مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِن المَخْرَجَيْنِ»، وقال الدَّارقطنيُّ: حدَّث به عن يحيى حسينُ المعلِّم وشيبانُ، وهو صحيح عنهما، ورواه ابن شاهين من حديث معاوية بن سلَّام عن يحيى به، فقد تابعه [اثنان ... ) إلى آخر كلامه [8]، وهو مفيد؛ فانظره إنْ أردته] [9].

قوله: (قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ): [(يحيى) هذا: هو ابن أبي كثير، الإمَام أبو نصر اليمامي مولى طيِّئ، أحد الأعلام، تقدَّم الكلام عليه.

قوله: (وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ)] [10]: هذا تقدَّم مرارًا [11]، أبو سلمة بن [12] عَبْد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، واسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل، وهذا مَعطوف على السَّند الذِي قبله الذِي قال فيه: حَدَّثَنَا أبو معمر: حَدَّثَنَا عَبْد الوارث عنِ الحسين، عن يحيى، عن أبي سلمة، فالأوَّل رواه عن أبي سلمة عن عطاء، والثَّاني أبو سلمة عن عروة بن الزُّبير، والله أعلم، وليس تعليقًا، وهذا ظاهر جدًّا.

قوله: (فَلَمْ يُمْنِ): هو بضمِّ أوَّله، وقد تقدَّم أنَّه يقال: أمنى ومَنَى ومَنَّى، والأولى أفصح.

(1/776)

قوله: (يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاة ... ) إلى آخره: قال الدِّمياطيُّ ما لفظه: (روى سعيد بن المُسَيّب عن عثمان بخلاف هذا في «الموطَّأ» و «مصنَّف سعيد بن منصور») انتهى.

قد [13] قدَّمت الكلام في هذه المسألة، ومن وافق هذا من الصَّحابة والتَّابعين، وأنَّه انعقد الإجماع على الغسل وإنْ لم ينزل في (باب مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِن المَخْرَجَيْنِ؛ القُبُلِ وَالدُّبُرِ)، وهو في هذا التَّعليق ضمن (باب التِمَاسِ النَّاس [14] الوَضُوءِ إِذَا حَانَت الصَّلاة)، فأغنى عن ذكره هنا.

==========

[1] في (ب): (والبرقي)، وفي (ج): (والبرني)، وكلاهما تحريف.

[2] في (ب): (توفي).

[3] (فيه): سقطت من (ج).

[4] (قال): ليس في (ب) و «اليونينية» و (ق)، وهي في (أ) ملحقة مصحَّح عليها.

[5] ما بين معقوفين غير ظاهر في (أ).

[6] في (ج): (الحسن)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (فرواه غيره عنه).

[8] (إلى آخر كلامه): ليس في (ب).

[9] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[10] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[11] زيد في (ج): (أنَّه).

[12] (بن): سقط من (ب).

[13] في (ج): (وقد).

[14] (الناس): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 123]

(1/777)

[حديث: يغسل ما مس المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي]

293# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القطَّان محدِّث الإسلام، تقدَّم مرارًا [2].

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ): هو خالد بن زيد [أبو] أيُّوب الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه، تقدَّم.

قوله: (قَالَ أَبُو عَبْد الله رَحِمَهُ اللهُ [3]: الغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخِرُ [4] إِنَّمَا بَيَّنَّاه [5]؛ لِاخْتِلَافِهِمْ): أمَّا (أبو عَبْد الله)؛ فهو البخاريُّ صاحب «الصَّحيح» محمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إبراهيم، حافظ الإسلام.

وأمَّا قوله: (الغَسْلُ أَحْوَطُ)؛ فـ (الغَسل)؛ بفتح الغين: الفعل، وقد تقدَّم أنَّ الفعل بالفتح، والماء بالضَّمِّ، وأنَّ في كل منهما لغتين [6].

وأمَّا قوله: (وَذَاكَ الآخِرُ)؛ فهو بكسر الخاء في أصلنا الذِي سمعنا منه على الحافظ العراقيِّ؛ أي [7]: الآخر من فعله [8]، فهو ناسخ لما قبله، وقال شيخنا: (بفتح الخاء كما قال ابن التِّين رُوِّيناه به، قال [9]: وضُبِط في بعض الكتب بكسرها، كأنَّه يقول: هذا الآخر من فعله عليه الصَّلاة والسَّلام، فهو ناسخ لما قبله) انتهى.

وقوله: (إِنَّمَا بَيَّنَّاه؛ لاِخْتِلاَفِهِمْ): هذا منه ميلٌ لمذهب داود ومن نقلنا عنه ذلك فيما تقدَّم، والجمهور على أنَّه منسوخ، بل قد حكى النَّوويُّ الإجماع على أنَّه منسوخ، كما تقدَّم، وفي حفظي أنَّ التِّرمذيَّ في «جامعه» حكى [10] (أنَّ العمل عند أكثر أهل العلم على أنَّه إذا جامع امرأته في الفرج؛ وجب عليهما الغسل وإن لم ينزلا) [11]، والله أعلم.

==========

[1] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] في (ج): (مرات).

[3] (رحمه الله): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في النسخ و (ق).

[4] في هامش (ق): (قيل: الوجه: وذلك الآخَر؛ بفتح الخاء كما قاله ابن التِّين).

[5] في (ب) و (ج): (بيَّنا).

[6] في (ب): (تعيين).

[7] في (ب) و (ج): (إن).

[8] زيد في (ج): (عليه السلام).

[9] (قال): ليس في (ج).

[10] في (ب): (حكى في «جامعه»)، وزيد في (ج): (الإجماع على نسخه)، وضرب عليها في (أ).

[11] ما بين قوسين سقط من (ج).

[ج 1 ص 123]

(1/778)

((6)) (كِتَاب الحَيْضِ) ... إلى (بَاب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ)

فائدة: الحيض له عدَّة أسماء: الحيض، والطَّمث، والضَّحك، والإعصار، والإكبار، والأكدار، والدَّرْس، والنفاس، والعراك _بالعين_ والفراك _بالفاء_[1] والطمس، ذكرهما ابن العربيِّ في «الأَحوذيِّ شرح التِّرمذيِّ»، وهو يختصُّ بالأرنب، والخفَّاش، والضَّبع، والنِّساء، ورأيت عن كتاب «الحيوان» للجاحظ أنَّ الكلبة تحيض.

==========

[1] زيد في (ب): (بالعين، والقذال؛ بالقاف).

[ج 1 ص 123]

(1/779)

[باب كيف كان بدء الحيض]

قوله: (بَدْءُ الحَيْضِ): هو بهمز [1] (بدء) [2]؛ أي: ابتداء، كذا هو في أصلنا: مهموز، والظَّاهر أنَّه يجوز فيه: بدوُّ؛ كـ (قعودٍ)؛ أي: ظهور، لكنَّ الذِي في أصلنا: مهموز.

[ج 1 ص 123]

قوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ): (بعضهم) لا أعرفه، وقد سمعت بعض الفضلاء في درسه فسَّره، ولكن الآن [3] لا يحضرني من هو، وقد ذكر النَّوويُّ في «تهذيبه» قول البخاريِّ، ولم يبيِّن من أراد، وكذا شيخنا الشَّارح، [وقال بعض الحفَّاظ المتأخِّرين: إنَّه ابن مسعود، كذا في «الطَّبرانيِّ» وغيره، انتهى ما كتبه على نسخة من هذا التَّعليق] [4].

قوله: (كَانَ أَوَّلُ): هو برفع (أوَّل)، وكذا في أصلنا، ورأيت بخطِّ شيخنا الإمَام العلَّامة الأستاذ أبي جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرُّعينيِّ الأندلسيِّ الغرناطيِّ ما لفظه: (كان) هنا يحتمل أنْ تكون ناقصة، فيكون (أوَّلُ): الاسم، و (ما): مصدريَّة، و (عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ): الخبر؛ التَّقدير: كان أوَّل إرسال الحيض كائنًا على بني إسرائيل، ويحتمل أن تكون تامَّة، و (عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ): متعلِّق بـ (كان)؛ التَّقدير: وقع على بني إسرائيل [5] أوَّلُ إرسال الحيض، انتهى.

قوله: (وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ): قال الدَّاوديُّ: (ليس في الحديث مخالفة لهذا القول، فإنَّ نساء بني إسرائيل من بنات آدم).

فائدة: روى محرز بن عَبْد الله عنِ ابن المُسَيّب قال: سمعت عُمر بن الخطَّاب يقول: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «أخبرني جبريل: أنَّ الله تَعَالَى بعثه إلى أمِّنا حواء حين دميت، فنادت ربَّها: جاء منِّي دم لا أعرفه، فناداها: لأُدمينَّك وذريَّتك، ولأجعلنَّه لكنَّ كفَّارةً وطهورًا»، قال الدَّارقطنيُّ: (حديث غريب) انتهى، ذكره النَّوويُّ في «تهذيبه» في (حوَّاء)، انتهى.

وفي «مستدرك الحاكم» في (تفسير طه): (عن ابن عَبَّاس قال: «لما أكل آدم من الشَّجرة التي نُهِي عنها؛ قال الله تعالى: ما حملك على أنْ عصيتني؟ قال: يا ربِّ؛ زيَّنته لي حوَّاء، قال: فإنِّي أعقبتها [6] ألَّا تحمل إلا كرهًا، ولا تضع إلا كرهًا، ودميتها في الشَّهر مرَّتين، فلمَّا سمعت بذلك حواء؛ رنَّت، فقال: لها عليك الرَّنَّة وعلى بناتك»، صحيح) انتهى، لَمْ يتعقَّبه [7] الذَّهبيُّ في «تلخيصه».

==========

[1] في (ب): (بهمزة).

(1/780)

[2] (بدء): سقط من (ب).

[3] (الآن): ليس في (ج).

[4] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[5] زيد في (ب): (بل)، ثم زيد في النسخ: (كان)، ولعل حذفها هو الصواب.

[6] في النسخ: (أعقبها)، وكُتِب فوقها في (أ): (كذا)، والمثبت موافق لما في «المستدرك».

[7] في (ب): (ثم تعقبه).

(1/781)

[حديث: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج]

294# [قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة لا الثَّوريُّ، وكذا جعله المِزِّيُّ في (مسند سفيان بن عيينة) عن عَبْد الرَّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة] [1].

قوله: (لَا نَرَى إِلَّا الحَجَّ): هو بفتح أوَّله؛ أي: لا نعتقد، وكذا هو في أصلنا، ورأيته في بعض النُّسخ بِضَمِّها أيضًا، وهما صحيحان.

قوله: (بِسَرِفَ): هي [2]_بفتح السِّين المهملة، وكسر الرَّاء، وبالفاء، غير مصروف، وحُكِي صرفه_ موضع قريب من مكَّة على أميال منها، قيل: ستَّة، أو سبعة، أو تسعة، أو عشرة، أو اثني عشرَ.

قوله: (أَنفِسْتِ [3]؟): هو بفتح النُّون، وكسر الفاء، وبضمِّ النُّون مع كسر الفاء أيضًا، لغتان مشهورتان، أفصحهما: فتح النُّون؛ أي: أحضتِ؟

==========

[1] ما بين معقوفين جاء في (ب) سابقًا بعد قوله: (من بنات آدم).

[2] في (ج): (هو).

[3] في هامش (ق): (نفست المرأة ونفست؛ إذا ولدت؛ بفتح النون وضمها، وأمَّا إذا حاضت؛ فبفتح النون لا غير).

[ج 1 ص 124]

(1/782)

[باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله]

قوله: (وَتَرْجِيلِهِ): ترجيل الشَّعر: تسريحه، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 124]

(1/783)

[حديث عروة: أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل رأس رسول الله]

296# قوله: (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ): هو عَبْد الملك بن عَبْد العزيز بن جُرَيج أبو الوليد وأبو خالد، القرشيُّ مولاهم، المكِّيُّ الفقيه أحد الأعلام، عن مجاهد، وابن أبي مليكة، وعطاء، وعنه: القطَّان، وروح، وحجَّاج بن محمَّد، قال ابن عيينة: (سمعته يقول: ما دوَّن العلمَ تدويني أحدٌ)، توفِّي سنة (150 هـ)، وكان يبيح المتعة ويفعلها، وقد تزوَّج نحوًا من سبعين امرأة نكاح المتعة، أخرج له الجماعة، وهو أحد الثِّقات، ذكره في «الميزان»، وقد تقدَّم.

قوله: (كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ): (كلُّ) مرفوعة، ورفعها إعرابه ظاهر على الابتداء.

[قوله: (هَيِّنٌ): بالتشديد والتخفيف؛ لغتان معروفتان] [1].

قوله: (وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي): (كلُّ) هذه: بالرفع، ويجوز نصبها على الظَّرف [2]، أو [3] يكون مفعولًا لـ (تخدمني)، كذا قيل، وفي هذا الإعراب أنَّه مفعول لـ (تخدمني) نظر، والله أعلم.

قوله: (تُرَجِّلُ): تقدَّم أعلاه أنَّ التَّرجيل: تسريح الشَّعر.

قوله: (مُجَاوِرٌ): أي: معتكف.

قوله: (وَهِيَ حَائِضٌ): بالهمز.

(1/784)

[باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض.]

قوله: (بَاب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ في حَجْرِ امْرَأَتِهِ): قال الدِّمياطيُّ: (قال ابن بطَّال: غرض البخاريِّ في هذا الباب الدَّلالةُ على جواز حمل الحائض المصحف وقراءتها القرآن؛ لأنَّ المؤمن الحافظ له [1] أكبر أوعيته، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل المؤمنين بنبوَّته وحرمة ما أودعه الله من طيب كلامه في حجر [2] حائض تاليًا للقرآن) انتهى، وفي [قوله: (وقراءتها القرآن): أخذُه من هذا فيه نظرٌ] [3].

قوله: (في حجْرِ امْرَأَتِهِ): هو بفتح الحاء وكسرها، وكذا قوله في المتن: (فِي حجْرِي)، وقوله في المتن: (في حجْرِي): كذا الصَّحيح، ووقع للعذريِّ في «مُسْلِم»: (في حجرتي)، قال ابن قُرقُول: (وليس بشيء).

قوله: (وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ): هذا هو شقيق بن سلمة، تابعيٌّ، تقدَّم.

قوله: (خَادِمَهُ): خادم أبي وائل لا أعرف اسمها، والخادم الذَّكر والأنثى، قَالَه الجوهريُّ، والمراد هنا الأنثى؛ لقوله: (وهي [4] حائض).

قوله: (إِلَى أَبِي رَزِينٍ): هو بتقديم الرَّاء المفتوحة على الزاي [5]، واسمه مسعود بن مالك، مولى أبي وائل شقيق بن سلمة، كوفيٌّ، يروي عن عليٍّ، وابن مسعود، ومعاذ، وعمرو بن أمِّ مكتوم، وأبي هريرة، وابن عَبَّاس، وجماعة، وعنه: ابنه عَبْد الله، وعاصم بن أبي النَّجود، وعطاء بن السَّائب، والأعمش، وآخرون، وثَّقه أبو زُرعة، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها، أخرج له البخاريُّ في كتاب «الأدب»، ومسلم، والأربعة.

==========

[1] (له): سقطت من (ب).

[2] زيد في (ج): (حجر امرأته)، وضرب عليها في (أ).

[3] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[4] في (ج): (وآخر).

[5] زيد في (ب): (المكسورة).

[ج 1 ص 124]

(1/785)

[حديث: أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن]

297# قوله: (سَمِعَ زُهَيْرًا): هو زهير بن معاوية بن حُدَيْج، تقدَّم أنَّه شيخ الجزيرة، حافظ، وأنَّه أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفيَّةَ): تقدَّم أنَّه منصور بن عَبْد الرَّحمن بن طلحة بن الحارث العبدريُّ الحجبيُّ المكِّيُّ، ابن صفيَّة بنت شيبة، عنها، وعن سعيد بن جبير، وعنه: السُّفيانان، ووهيب، وغيرهم، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وكان خاشعًا بكَّاءً عابدًا، توفِّي سنة (137 هـ)، أخرج له البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقد تقدَّم، ولكن [1] طال العهد به، وأنَّ له ترجمةً في «الميزان».

قوله: (أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ): تقدَّم أنَّ أمَّه هي صفيَّة بنت شيبة الحاجب بالبيت ابن عثمان بن أبي طلحة، يقال: لها رؤية، وقد تقدَّم الكلام عليها مُطوَّلًا، وعلى أنَّها هل [2] صحابيَّة أو تابعيَّة، وعلى ما وقع لها في «صحيح البخاريِّ» ممَّا يقتضي أنَّ لها صحبة قبل هذا؛ فانظره، فإنَّه مفيد، وهو غير بعيد من هنا.

قوله: (يَتَّكِئُ): هو بهمزٍ في آخره، وهذا ظاهر جدًّا.

قوله: (في حجْرِي): تقدَّم أعلاه على ما وقع فيه أعلاه وعلى لغتيه.

قوله: (وَأَنَا حَائِضٌ): تقدَّم أعلاه أنَّه بالهمز.

==========

[1] في (ب) و (ج): (لكن).

[2] زيد في (ج): (هي).

[ج 1 ص 124]

(1/786)

[باب من سمى النفاس حيضًا]

قوله: (بَاب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا [1]): قال الدِّمياطيُّ رحمه الله: (كان حقُّ التَّرجمة أن يقول: باب من [2] سمَّى الحيض نفاسًا، فلمَّا لَمْ يجد نصًّا في النُّفساء وسُمِّي الحيض نفاسًا؛ فُهِمَ منه أنَّ حكمَ النَّفاس حكمُ الحيض في ترك الصَّلاة؛ لأنَّه إِذَا كان الحيض نفاسًا؛ وجب أنْ يكون النَّفاس حيضًا من حيث اللُّغة؛

[ج 1 ص 124]

لأنَّ الدَّم هو النَّفاس) انتهى [3]

وأمَّا ابن المُنَيِّر؛ فإنَّه قال: (فإن قلت: ما فقه التَّرجمة، وكيف تطابق [4] الحديث، وإنَّما فيه تسمية الحيض نفاسًا لا تسمية النَّفاس حيضًا؟)، ثُمَّ قال: (قلت: أمَّا فقهها؛ فالتَّنبيه على أنَّ حكم النَّفاس والحيض في منافاة الصَّلاة ونحوها واحد، وألجأه إلى ذلك أنَّه لم يجد حديثًا على شرطه في حكم النَّفاس، فاستنبط من هذا الحديث أنَّ حكمهما واحد، وظنَّ الشَّارح _ يعني: ابن بطَّال_أنَّه يلزم من تسمية الحيض نفاسًا تسمية النَّفاس حيضًا، وليس كذلك؛ لجواز أنْ يكون بينهما عموم وخصوص [5]؛ كالإنسان والحيوان، والعَرَض واللَّون، وإنَّما أخذه البخاريُّ من غير هذا وهو أنَّ الموجب لتسمية الحيض نفاسًا أنَّه دم والنَّفس الدَّم، فلمَّا اشتركا في المعنى الذِي سُمِّي لأجله النَّفاس نفاسًا؛ وجب تسمية الحيض نفاسًا، وفُهِم أنَّه دم واحد، وهو الحقُّ، فإنَّ الحمل يمنع خروج الدَّم المعتاد، فإن وضعتْ؛ خرج دفعة، وهذا تبيين على أنَّ تسمية النَّفاس لَمْ يكن لخروج النَّفْس التي هي النَّسمة [6]، وإنَّما كان لخروج الدَّم، والله أعلم) [7] انتهى، وقد رأيت أنا في نسخة: (باب من سمَّى الحيض نفاسًا)، كذا في هامشها، وفي الأصل كما في بقيَّة الأصول.

تنبيه: مذهب الشَّافعيِّ الصَّحيح من القولين: أنَّ الحامل تحيض، والله أعلم.

==========

[1] في هامش (ق): (كان حق الترجمة أن يقول: باب من سمى الحيض نفاسًا، فلما لم يجد نصًا في النفساء وسمى الحائض نفاسًا؛ فهم منه أنَّ حكم النفاس حكم الحائض في ترك الصلاة؛ لأنَّه إذا كان الحيض نفاسًا؛ وجب أن يكون النفاس حيض من جهة اللغة؛ لأنَّ الدم هو النفاس).

[2] (من): سقطت من (ج).

[3] (انتهى): ليس في (ج).

[4] في (ب) و (ج): (يطابق).

[5] (وخصوص): استدركها المصنِّف في الهامش، وسقطت من «المتواري»، وزيد في (ب): (من وجه).

[6] في (ب) و (ج): (التسمية).

[7] «المتواري».

(1/787)

[حديث أم سلمة: بينا أنا مع النبي مضطجعة في خميصة إذ حضت]

298# قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ): هو ابن أبي عَبْد الله الدَّستوائيُّ، وقد تقدَّم، ولماذا نُسِب.

قوله: (عن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم أنَّه بالثَّاء المثلَّثة غير مرَّة.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّه ابن عَبْد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتقدَّم أنَّ اسمه عَبْد الله أو إِسْمَاعِيل؛ قولان.

قوله: (أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ): وهي بنت أبي سلمة عَبْد الله بن عَبْد الأسد المخزوميَّة، وأمُّها أمُّ سلمة إحدى زوجاته صلَّى الله عليه وسلَّم، تقدَّم الكلام على أمِّها [1]، وزينب هذه ربيبة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، عنه عليه الصَّلاة والسَّلام، وعن أمِّها، وعنها: عروة وأبو سلمة، توفِّيت سنة (73 هـ)، أخرج لها الجماعة.

قوله: (مُضْطَجِعَة): يجوز رفعها منوَّنة ونصبها كذلك، وكذا هما مضبوطان في أصلنا.

قوله: (فِي خَمِيصَةٍ): هي بفتح الخاء وكسر الميم، ثُمَّ مثنَّاة تحتُ ساكنة، ثُمَّ صاد مهملة، ثُمَّ تاء التَّأنيث، قال ابن قُرقُول: (كساء من صوف أو خزٍّ معلَّمة، كانت من لباس النَّاس)، قال غيره: هو البَرْنَكَان الأسود، وقال أبو عبيد: هو كساء مربَّع له علمان، وقال الجوهريُّ: هو كساء رقيق أصفر، أو أحمر، أو أسود، انتهى، وهذا ليس بالجوهريِّ [2] صاحب «الصِّحاح»، والذي في «الصِّحاح»: (كساء أسود مربَّع، له علمان، فإنْ لَمْ يكن معلَّمًا؛ فليس بخميصة)، ثُمَّ أنشد بيتًا للأعشى، ثُمَّ قال: (قال الأصمعيُّ: شبَّه شعرَها بالخميصة، والخميصة سوداء) انتهى.

قوله: (ثِيَابَ حِيضَتِي): قال ابن قُرقُول: (بكسر الحاء قيَّدناه عن أهل الإتقان، وهي الحالة التي هي عليها)، وقال النوويُّ في «تهذيبه»: (وفي الحديث: «خذي ثياب حِيضتك»: هذا بالكسر) انتهى، وقال في «شرح مسلم» في هذا الحديث: (هي بكسر الحاء؛ وهي حالة الحيض)، هذا هو الصَّحيح المشهور المعروف في (حيضتي) في هذا الموضع، قال القاضي عياض: ويحتمل فتح الحاء هنا أيضًا؛ أي: الثِّياب التي ألبسها في حال حيضتي، فإنَّ (الحَيضة) بالفتح: هي الحيض، انتهى، وقال بعد ذلك بقليل [3] في حديث آخر [4] عنِ القاضي ما لفظه: (هذا بخلاف حديث أمِّ سلمة: «فأخذت ثياب حِيضتي»، فإن الصَّواب فيه: الكسر) انتهى.

(1/788)

قوله: (فقَالَ أَنُفِسْتِ): تقدَّم أنَّ فيها لغتين قبل هذا بقليل.

قوله: (في الخَمِيْلَةِ [5]): هي _بفتح الخاء، ثُمَّ ميم مكسورة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة_ كساء ذو خمل، وهي كالقطيفة أو هي القطيفة، قاله ابن قُرقُول، وقال النوويُّ: (الخميلة والخميل؛ بحذف الهاء: هي القطيفة، وكلُّ ثوب له خمل من أيِّ شيء كان، وقيل: هي الأسود من الثِّياب).

==========

[1] في (ب): (أنها).

[2] في (ج): (في الجوهري).

[3] في (ب): (تعليل).

[4] في (ب): (أخبر).

[5] في هامش (ق): (كساء له خملة).

[ج 1 ص 125]

(1/789)

[باب مباشرة الحائض]

(1/790)

[حديث: كنت أغتسل أنا والنبي من إناء واحد.]

299# 300# 301# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): هو بفتح القاف، ثُمَّ موحَّدة مكسورة، وهو ابن عقبة السُّوائيُّ أبو عامر، عن قطر بن خليفة، ومسعر، والطَّبقة، وعنه: البخاريُّ، وأحمد، وعبد، والحارث بن أبي أسامة، وأمم، وكان من العابدين الحفَّاظ، مات سنة (215 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوريُّ سفيان بن سعيد فيما ظهر لي، والله أعلم، فإنْ كان؛ فقد تقدَّم رحمه الله، ثُمَّ إنِّي رأيت شيخنا قال: إنَّه الثَّوريُّ أيضًا.

قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ): هو ابن المعتمر السُّلَميُّ، من أئمَّة الكوفة، تقدَّم مرارًا.

قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن يزيد النَّخعيُّ أبو عمران الكوفيُّ، الفقيه، تقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عَنِ الأَسْوَدِ): هو ابن يزيد النَّخعيُّ الكوفيُّ، عن عمر، وعليٍّ، ومعاذ، وعدد، وعنه: ابن أخته إبراهيم، ومحارب بن دِثار، وأبو إسحاق، وله ثمانون حجَّة وعمرة، وكان يصوم حتَّى يخضرَّ، ويختم في ليلتين، مات سنة (74 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم غير هذه المرَّة رحمة الله عليه، وثَّقه ابن مَعِين والنَّاس.

قوله: (كِلَانَا جُنُبٌ): هذه هي اللُّغة الفصيحة أنْ يقال في الواحد والاثنين والجمع: جنب، والأنثى: جنب، وكذلك الأنثيان، والجميع بلفظ واحد، وبهذا جاء القرآن، وفي لغة مشهورة يثنَّى ويجمع، فيقال: جُنُبان، وجُنُبون، وجُنُبات، والله أعلم.

(1/791)

قوله: (وَكَانَ [1] يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ): كذا اشتُهر في الرِّواية، وعن المطرِّزيِّ: أنَّه عامِّيٌّ، والصَّواب: (ائتزر)؛ بهمزتين؛ الأولى للوصل، والثَّانية فاء الفعل، وعن الزمخشريِّ: أنَّه نصَّ على خطأ من قال: (اتَّزر)؛ بالإدغام، وأمَّا ابن مالك؛ فحاول تخريجه على وجه يصحُّ، وقال: (إنَّه مقصور على السَّماع)، ونظَّره بقراءة ابن محيصن [2]: {اتُّمن} [البقرة: 283]؛ بألف وصل وتاء مشدَّدة، وقال بعض أصحابنا: (فأَأْتزر): فاؤه همزة ساكنة بعد همزة المضارعة المفتوحة، فإنْ شئتَ؛ حقَّقتَ، فقلت: (أَأْتَزِر)، وإنْ شئت؛ خفَّفتها، فقلتها [3] ألفًا وقلت: (أاتزر)، وهي التي نصَّ عليها ابن هشام في «التوضيح» وجزم به؛ لأنَّ الأولى إِذَا كانت متحرِّكة والثَّانية ساكنة؛ أبدلت الثَّانية حرف علَّة من جنس حركة الأولى، وهذا هو الرَّاجح، وهو من الأزر، فأمَّا (فأتَّزِر) بتشديد التَّاء؛ فخطأ؛ لأنَّه (أفتعل) من الوزر؛ فافهم، انتهى.

==========

[1] في (ب): (فكان).

[2] في (ج): (محيص)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ج): (فقلت).

[ج 1 ص 125]

(1/792)

[حديث عائشة: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا فأراد .. ]

302# قوله: (أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ): (أبو إسحاق) هذا: هو سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فيروز الشَّيبانيُّ؛ بالشِّين المعجمة، وقِيلَ في اسم والد أبي إسحاق: خاقان الشَّيبانيُّ مولاهم، الكوفيُّ، ثقة، أخرج له الجماعة، توفِّي سنة تسع وثلاثين ومئة، وقيل: سنة ثمانٍ وثلاثين ومئة، وغلط في وفاته الواقديُّ وابن بكير، فقالا: سنة تسع وعشرين، أخرج له الجماعة.

قوله: (في فَوْرِ حَيْضَتِهَا): هو بفتح الفاء، وإسكان الواو، وبالرَّاء؛ أي: ابتدائها ومعظمها.

[ج 1 ص 125]

قوله: (يَمْلِكُ إِرْبَهُ): قال النوويُّ ما ملخَّصه [1]: (أكثر الرِّوايات فيه بكسر الهمزة وسكون الرَّاء؛ ومعناه: عضوه الذي يستمتع به؛ أي: الفرج، ورواه جماعة: بفتح الهمزة والرَّاء؛ ومعناه: حاجته؛ وهو شهوة الجماع، واختارها الخطَّابيُّ، وأنكر الأولى وعابها على المحدِّثين) انتهى، وقال غيره: أكثر المحدِّثين يروونه بفتح الهمزة والرَّاء، وعن النَّحَّاس والخطَّابيِّ تصويبه: يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الرَّاء، وله تأويلان؛ أحدهما: الحاجة، يقال فيها: الأرب والأربة والمأربة، والثَّاني: أرادت به العضو، وعنت [2] به من الأعضاء الذَّكر خاصَّة، انتهى.

قوله: (تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عنِ الشَّيْبَانِيِّ): الضَّمير في [3] (تابعه) يعود على عليِّ بن مُسْهِر.

وأمَّا (خالد)؛ فالذي ظهر لي أنَّه ابن [4] عَبْد الله الواسطيُّ [5] الطَّحَّان، أحد العلماء، عن حصين، وبيان بن بشر، وعنه: مُسَدَّد، وابنه محمَّد، ثقة عابد، تقدَّم، وتقدَّم أنَّه اشترى نفسه من الله ثلاث [6] مرَّات يتصدَّق بزنة نفسه فضَّة، توفِّي سنة (179 هـ)، أخرج له الجماعة، طال العهد به، فلهذا ترجمته بعض الشَّيء رحمه الله [7]، ومتابعة [8] خالد ليست في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولا أخرجها شيخنا.

وأمَّا (جَرِير)؛ فإنَّه بفتح الجيم، وكسر الرَّاء، وهو ابن عَبْد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، عن منصور، وحُصين، وعبد الملك بن عمير، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وله مصنَّفات، مات سنة (188 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم، ومتابعته أخرجها أبو داود في (الطَّهارة): عن عثمان ابن أبي شيبة، عن جرير، عنِ الشَّيبانيِّ به، ولم يخرِّجها ابن ماجه، لا كما قاله شيخنا.

(1/793)

وأمَّا (الشَّيبانيُّ)؛ فإنَّه أبو إسحاق الذِي تقدَّم قريبًا، وذكرت له بعض ترجمة.

==========

[1] في (ب): (يلخصه)، وفي (ج): (تلخيصه).

[2] في (ب): (وعنيت).

[3] (في): سقط من (أ).

[4] (ابن): سقط من (ب).

[5] في (ج): (الوسطي)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (ثمان).

[7] (رحمه الله): ليس في (ب).

[8] في (ب): (أمَّا متابعة).

(1/794)

[حديث ميمونة: كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه]

303# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تقدَّم مرارًا أنَّه محمَّد بن الفضل عارم، وتقدَّم ما معنى عارم، وأنَّه بعيد منها.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ): الذِي ظهر لي أنَّه عَبْد الواحد بن زياد، فإنْ كان هو _وهو الظَّاهر_؛ فهو عبديٌّ مولاهم، البصريُّ، عن عاصم الأحول، والأعمش، وعنه: ابن مهديٍّ، ومُسَدَّد، وقتيبة، قال النَّسائيُّ: ليس به بأس، مات سنة (176 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تقدَّم أنَّ له مناكيرَ نُقِمت عليه اجتنبها صاحبا «الصَّحيح»، وأن له ترجمةً في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ): تقدَّم أعلاه أنَّه أبو إسحاق سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان [1] فيروز، وقِيلَ: خاقان؛ فانظره، فإنَّه قريب جدًّا.

قوله: (وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عنِ الشَّيْبَانِيِّ): أمَّا (سفيان) هذا؛ فلا أعرفه بعينه، وقد روى السُّفيانان عن أبي إسحاق هذا، وهو الشَّيبانيُّ أبو إسحاق، وقد تقدَّم قريبًا وأعلاه [2]، وما رواه سفيان عنِ الشَّيبانيِّ لَمْ أره _إلَّا ما هنا_ في شيء من الكتب السِّتَّة، ولم يخرِّجه شيخنا.

==========

[1] في (ج): (سليمان بن مهران)،وليس بصحيح، وسقطت (سليمان بن أبي سليمان) من (ب).

[2] زيد في (ب): (سليمان بن أبي سليمان).

[ج 1 ص 126]

(1/795)

[باب ترك الحائض الصوم]

(1/796)

[حديث: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار]

304# قوله: (أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، ويأتي عليه سؤال وجوابه في (باب صلاة الكسوف جماعة) إنْ شاء الله تَعَالَى؛ فانظره، وفي رواية: (رأيتكنَّ أكثر أهل النَّار)، قال النَّوويُّ: (أكثرَ): منصوب إمَّا على الحال على [مذهب ابن السَّرَّاج والفارسيِّ وغيرهما ممَّن قال: إنَّ (أفعل) لا يتعرَّف بالإضافة، وقيل: هو بدل من الكاف في (رأيتكنَّ)] [1] انتهى، وإمَّا على أنَّ رؤية العين تتعدَّى إلى مفعولين.

قوله: (وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ): أي: تجحدن إحسان الزَّوج، وكذا فسَّره البخاريُّ في (النِّكاح)، فقال: (باب كفران العشير وهو الزَّوج، وهو الخليط من المعاشرة) انتهى، وقيل: كلُّ مخالط.

قوله: (لِلُبِّ): اللُّبُّ: العقل.

قوله: (الحَازِمِ): هو _بالحاء المهملة وبالزاي_ المحترز في الأمور المستظهر فيها.

قوله: (وَعَقْلِنَا): العَقْل معروف، واختلف في محلِّه على قولين؛ القلب أو الرَّأس، وقيل: أراد الدِّية، فإنَّها على نصف الرَّجل، وهذا خلاف الظَّاهر، والله أعلم.

قوله: (فَذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث، وكذا الثَّانية.

(1/797)

[باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت]

أ/152 (بَاب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ) ... إلى (بَاب إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ)

[قال ابن المُنَيِّر: (المقصود الذي يشتمل على جميع ما ذكره في التَّرجمة أنَّ هذا الحدث الأكبر وما في معناه من الجنابة لا ينافي كلَّ عبادة، بل صحَّت معه عبادات بدنيَّة من [1] أذكار وتلاوة وغيرهما، فمناسك الحجِّ من جملة ما لا ينافيه الحدث الأكبر إلا الطَّواف، فمن ههنا طابقت الآثار التَّرجمة) انتهى] [2]

قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ): هذا [3] هو ابن يزيد النَّخعيُّ الكوفيُّ، الفقيه، تقدَّم بعض الشَّيء من ترجمته.

قوله: (وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالقِرَاءَةِ لِلجُنُبِ بَأْسًا): اعلم أنَّ قراءة الجنب والحائض مذهب الشَّافعيِّ: أنَّها حرام عليهما قليلها وكثيرها حتَّى بعض آية، وبه قال أكثر العلماء، كما حكاه الخطَّابيُّ وغيره عنِ الأكثرين، وحكاه أصحاب الشَّافعيِّ عن عُمر بن الخطَّاب، وعليٍّ، وجَابِر، والحسن، والزُّهْرِيِّ، والنَّخعيِّ، وقتادة، وأحمد، وإسحاق، وقال داود: يجوز للجنب والحائض قراءة كلِّ القرآن، ورُوِي هذا عنِ ابن عَبَّاس كما جزم به البخاريُّ عنه وابن المُسَيّب، قال القاضي أبو الطَّيِّب وابن الصَّبَّاغ وغيرهما: واختاره ابن المنذر، وقال مالك: يقرأ الجنب الآيات اليسيرة للتَّعوُّذ، وفي الحائض روايتان عنه [4]؛ إحداهما: تقرأ، والثَّانية: لا تقرأ، وقال أبو حنيفة: يقرأ الجنب بعض آية، ولا يقرأ آية، وله رواية كمذهب الشَّافعيِّ، والله أعلم.

قوله: (أَحْيَانِهِ): الأحيان: الأوقات.

قوله: (وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ): هذه هي نُسَيبة _بِضَمِّ النُّون، وفتح السِّين على الأصحِّ فيها_ بنت كعب، وقيل: بنت الحارث، صحابيَّة جليلة، عنها: محمَّد وحفصة ابنا سيرين، وعبد الملك بن عمير، تعدُّ في أهل البصرة، كانت من كبار نساء الصَّحابة، (وكانت تغزو كثيرًا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، تُمرِّض المرضى، وتُداوي الجرحى، وكان جماعة من الصَّحابة) [5] وعلماء التَّابعين يأخذون عنها رَضِيَ اللهُ عنها.

(1/798)

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ): تقدَّم في أوَّل هذا التَّعليق [أنَّه صخر بن حرب بن أميَّة بن عَبْد شمس، وتقدَّم شيء من ترجمته رَضِيَ اللهُ عنه، وهو والد معاوية، وحمو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ابنته أمُّ حبيبة رَضِيَ اللهُ عنها، وتقدَّم متى توفِّي؛ فانظره إنْ أردته.

قوله: (أَنَّ هِرَقْلَ): تقدَّم ضبطه وما فيه ومتى هلك في أوَّل هذا التَّعليق] [6]، [وشيء من ترجمته.

قوله: (و {يَا أَهْلَ الكِتَابِ}) [آل عمران: 64]: تقدَّم الكلام على هذه الواو في أوَّل التَّعليق] [7]؛ فانظر ذلك إنْ شئت.

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ عن جَابِرٍ): هذا هو عطاء بن أبي رَباح المكِّيُّ أبو محمَّد، الفقيه، تقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (وَقَالَ الحَكَمُ): هذا هو ابن عتيبة، الإمام، تقدَّم [8] بعض ترجمته [9]، وأنَّ لهم حكمًا آخر، يقال له: ابن عتيبة، وهو متكلَّم فيه، وأنَّ البخاريَّ جعلهما واحدًا، فعُدَّ من أوهامه.

(1/799)

[حديث: خرجنا مع النبي لا نذكر إلا الحج فلما جئنا]

305# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، الحافظ، وتقدَّم بعض الشَّيء من ترجمته.

[ج 1 ص 126]

قوله: (فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ): تقدَّم قريبًا ضبطها وبُعْدُها من مكَّة.

قوله: (طَمِثْتُ): تقدَّم أنَّها بكسر الميم وفتحها؛ لغتان، وضمُّ التَّاء على المتكلِّم، أي: حضتُ.

[فائدة: لا خلاف أنَّ حيض عائشة رَضِيَ اللهُ عنها كان بسرف، وأمَّا موضع طهرها؛ فقد اختُلف فيه؛ فقيل: بعرفة، كذا رواه عنها مجاهد، وفي سماع مجاهد منها اختلاف، والصَّحيح سماعه منها، ويقال: يوم النَّحر، ذكر هذا القاسم، وحديثه في «مسلم»، وقد اتَّفق القاسم وعروة أنَّها كانت يوم عرفة حائضًا، وهما أقرب النَّاس منها، وقد روى أبو داود في «سننه» بإسناده عنها قالت: (خَرَجْنَا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مُوَافينَ [1] لهِلَالَ ذِي الحِجَّةِ) ... ؛ فذكرتِ الحديث، وفيه: (فلمَّا كانت لَيْلَةُ البَطْحَاءِ؛ طَهُرَتْ عَائِشَةُ)، وهذا إسناد صحيح، لكن قال أبو محمَّد ابن حزم: إنَّه حديث منكر، وهو قوله: (إنَّها طَهُرَتْ لَيْلَةَ البَطْحَاءِ)، وليلة البطحاء كانت بعد يوم النَّحر بأربع ليال، وهذا محال، لكنَّ هذه اللَّفظة ليست من كلام عائشة، فهي غلط ممَّن دون عائشة، وهي أعلم بنفسها، وقد روى حديث حمَّاد هذا وهيب بن خالد وحمَّاد بن زيد، فلم يذكرا هذه اللَّفظة، والظَّاهر ما اتَّفق عليه القاسم وعروة، والله أعلم، وكذا قال ابن حزم في حجَّةِ الوداع، ولفظه: (وطافت أيضًا عائشة [2] ذلك اليوم؛ يعني: يوم النَّحر، قال: وفيه طهرت، وكانت رَضِيَ اللهُ عنها حَائضًا يوم عرفة) انتهى] [3]

قوله: (لَوَدِدْتُ): تقدَّم أنَّه بكسر الدَّال الأولى.

قوله: (نفِسْتِ؟): تقدَّم قريبًا أنَّه بفتح النُّون وضمِّها؛ لغتان، الأولى [4] أفصح، والفاء مكسورة فيهما؛ أي: أحضتِ؟

قوله: (فَإِنَّ ذَلِكِ): هو بكسر الكاف، خطاب لمؤنَّث، وتقدَّم مرَّات قريبًا وبعيدًا.

(1/800)

[باب الاستحاضة]

(1/801)

[حديث: إنما ذلك عرق وليس بالحيضة]

306# قوله: (قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ): تقدَّم أنَّ حبيشًا؛ بضمِّ الحاء المهملة، ثُمَّ موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ شين معجمة، وتقدَّم بعض ترجمتها في (باب غسل الدَّم) رَضِيَ اللهُ عنها.

قوله: (إِنَّمَا ذَلِكِ [1]): تقدَّم أنَّه بكسر الكاف، خطاب لمؤنَّث.

قوله: (عِرْقٌ): تقدَّم أنَّه يقال له: العاذل؛ بالذَّال المعجمة، تقدَّم، وسيأتي مُطوَّلًا قريبًا في بابه.

قوله: (وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ) وكذا: (فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ): هما بكسر الحاء في أصلنا، وقد طرأ عليهما الفتح أيضًا، والفتح فيهما أظهر، وقد [2] قال النوويُّ كما تقدَّم في «تهذيبه»: (قال الخطَّابيُّ: المحدِّثون يقولونها بالفتح، وهو خطأ [3]، والصَّواب الكسر؛ لأنَّ المراد الحالة، وردَّ القاضي عياض وغيره قوله، وقال: الأظهر الفتح؛ لأنَّ المراد: إذا أقبل الحيض) انتهى.

==========

[1] زيد في (ج): (هو)، وليس بصحيح.

[2] في (ج): (وبه).

[3] (وهو خطأ): في (ب).

[ج 1 ص 127]

(1/802)

[باب غسل دم المحيض]

(1/803)

[حديث: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه]

307# قوله: (عَنْ هِشَامٍ): تقدَّم مرارًا [1] أنَّه ابن عروة بن الزُّبير بن العوَّام بن خويلد، وتقدَّم شيء من ترجمته، وهو مشهور ثقة.

قوله: (عن فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنْذِرِ): تقدَّم أنَّها بنت عمِّه، وهو المنذر بن الزُّبير بن العوَّام بن خويلد، وتقدَّم بعض ترجمتها، وهي زوج هشام، وأسنُّ مِنْهُ.

قوله: (سَأَلَتِ امْرَأَةٌ): تقدَّم الكلام على هذه المرأة من هي في (باب غسل الدَّم).

قوله: (مِن الحَيْضَةِ): تقدَّم في الباب المذكور أعلاه، وكذا الثَّانية.

قوله: (فَلْتَقْرُصْهُ): تقدَّم ضبطه في الباب المذكور أعلاه، وقال الدِّمياطيُّ هنا: (قرصتُه أقرُصُه قرصًا؛ إِذَا غسلته بأطراف أصابعك، وقرَّصته تقريصًا؛ إذا قطَّعته تقطيعًا).

قوله: (ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ): تقدَّم الكلام عليه في الباب المذكور أعلاه.

==========

[1] في (ج): (قريبًا).

[ج 1 ص 127]

(1/804)

[حديث: كانت إحدانا تحيض ثم تقترص الدم من ثوبها]

308# قوله: (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ): تقدَّم أنَّه ابن الفرج المصريُّ، الفقيه، وتقدَّم أنَّ ابن مَعِين قال: كان أعلمَ خلق الله برأي مالك رحمه الله.

قوله: (أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تقدَّم أنَّه عَبْد الله بن وهب أبو محمَّد الفهريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ): تقدَّم أنَّه عَمرو بن الحارث بن يعقوب أبو أميَّة الأنصاريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام.

قوله: (عن عَبْدِ الرَّحمن بْنِ القَاسِمِ): هو عَبْد الرَّحمن بن القاسم بن محمَّد بن أبي بكرٍ الصِّدِّيق التَّيميُّ أبو محمَّد، الفقيه بن الفقيه [1]، ولد في زمان عائشة، وسمع أباه، وابن المُسَيّب [2]، وأسلم العمريَّ، وعنه: شُعْبَة، ومالك، وابن عيينة، ثقة مُكثِر، ورِعٌ إمَام، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكذلك أبوه، توفِّي سنة (126 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (وَتَنْضَحُ على سَائِرِهِ): هو بكسر الضَّاد المعجمة، وبالحاء المهملة، ويجوز فتح الضَّاد، وقليل من تعرَّض لحكايته، وقد تقدَّم.

==========

[1] (ابن الفقيه): ليس في (ب).

[2] في (ب): (المسلم).

[ج 1 ص 127]

(1/805)

[باب الاعتكاف للمستحاضة]

(1/806)

[حديث: أن النبي اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم]

309# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله): كذا في أصلنا، وبعد (إسحاق): (ابن شاهين)، وعليه مكتوب: (زائد)، قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: (قال البخاريُّ في «الحيض»، وفي «المغازي» في موضعين في «بعث معاذ إلى اليمن»، و «غزوة ذات السَّلاسل»، وفي «{اقتربت}»، و «المرضى»، و «الأدب»، و «الاستئذان»، و «التَّعبير»: حَدَّثَنَا إسحاق: حَدَّثَنَا خالد، فإسحاق هذا في المواضع كلِّها هو ابن شاهين أبو بشر الواسطيُّ عن [1] خالد بن عَبْد الله الطَّحان، وكذلك نسبه ابن السكن في أكثر هذه المواضع، وقال الكلاباذيُّ: إسحاق بن شاهين الواسطيُّ سمع خالد بن عَبْد الله، روى عنه: البخاريُّ في «الصَّلاة»، وفي غير موضع، فلم يزد على أنْ قال: «حَدَّثَنَا إسحاق الواسطيُّ»، ولم ينسبه إلى أبيه، وكذا قال الحاكم في «المدخل») انتهى.

وقد قدَّمت أنَّه كذا هو منسوب في أصلنا، لكن كُتِب عليه: (زائد)، وكذا قال شيخنا الشَّارح: (إنَّه ابن شاهين) انتهى، وكذا قال المزِّيُّ: إنَّه الواسطيُّ، ولفظه: (إسحاق الواسطيُّ)، ولم يذكر توضيحه من عنده، وكأنَّه وقع له منسوبًا إلى واسط، والله أعلم، وهو هو [2].

وابن [3] شاهين كنيته أبو بشر، عن خالد بن عبد الله الطَّحَّان، وهشيم، وعنه: البخاريُّ، والنَّسائيُّ، وأحمد بن يحيى التَّستريُّ، وخلق، صدوق، جاوز المئة، توفِّي بعد الخمسين ومئتين، (قاله ابن عساكر في «النَّيل»، وكذا في «التَّذهيب») [4].

وأمَّا الدِّمياطيُّ؛ فقال في (سورة {اقتربت}): (مات [5] سَنَة إحدى أو اثنتين ومئة)، كذا قال النَّاقل عن خطِّه، وهو غلط من الدِّمياطيِّ أو [6] من النَّاقل، وهو الظَّاهر [7]؛ لأنَّ الدِّمياطيَّ لَمْ يقل [8] في شخص روى عنه البخاريُّ: إنَّه توفِّي سَنَة إحدى ومئة، بل ولا يقول: ومئتين؛ لعلمه بمولد البخاريِّ وطلبه، لكن كيف أرَّخه على تقدير ثبوت (ومئتين)؟! هو [9] غلط محض، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله): تقدَّم أعلاه أنَّه الطَّحَّان، وهو واسطيٌّ، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه اشترى نفسه من الله ثلاث مرَّات بزنته فضَّة، تصدَّق [10] بها.

قوله: (عَنْ خَالِدٍ): خالد الثَّاني هو ابن مهران الحذَّاء، الحافظ البصريُّ، تقدَّم بعض ترجمته، ولماذا عرف بالحذَّاء رحمه الله.

(1/807)

قوله: (عن عِكْرِمَةَ، عن عَائِشَةَ): (عكرمة) هذا: هو عكرمة مولى ابن عبَّاس، وهو عكرمة بن عَبْد الله المفسِّر، عن مولاه، وعائشة، وأبي هريرة، وطائفة، وعنه: أيُّوب، وخالد الحذَّاء، وعبد الرَّحمن ابن الغسيل، ثبْتٌ، لكنَّه إباضيٌّ يرى السَّيف، وتحايده مالك إلَّا في حديث أو حديثين، وقد وثَّقه جماعة، واعتمده البخاريُّ، وأمَّا مُسْلِم؛ فتجنَّبه، ورَوى له قليلًا مقرونًا بغيره [11]، مات سنة ستٍّ أو سبع ومئة، روى له مُسْلِم مقرونًا، وقد تُكلِّم فيه لرأيه، له ترجمة في «الميزان»، وأخرج [12] له الجماعة، غير أنَّ مسلمًا كما تقدَّم قرنه.

فائدة هي تنبيه: قال ابن المدينيِّ: عكرمة مولى ابن عَبَّاس لا أعلمه سمع من أحد من أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال العلائيُّ شيخ شيوخي: وقال أبو حاتم: لَمْ يسمع من سعد بن أبي وقَّاص ولا من عائشة، وقد أخرج له البخاريُّ عنها في «الصَّحيح» هذا الحديث وحديثين آخرين؛

[ج 1 ص 127]

الجملة ثلاثة أحاديث، وقد تقدَّم الأوَّل، والثَّاني: (لمَّا فتحت خيبر؛ قلنا: الآن نشبع من التَّمر)، أخرجه في (المغازي)، والثَّالث: (أنَّ رفاعة طلَّق امرأته، فتزوَّجها عَبْد الرَّحمن بن الزَّبير ... )؛ الحديث، أخرجه [13] البخاريُّ في (اللِّباس)، والظَّاهر أنَّ البخاريَّ ثبت عنده سماعُه منها، والله أعلم، ولا يكتفي بوجود المعاصرة، وعكرمة ليس مدلِّسًا، والله أعلم، وقد راجعت «التَّجريح والتَّعديل» لابن [14] أبي [15] حاتم؛ فرأيت فيه: (سمع ابن عَبَّاس، وابن عُمر، وأبا سعيد الخدريَّ، وأبا هريرة، وعائشة، قيل لأبي: سمع من عائشة؟ فقال: نعم) انتهى، وهذا يخالف ما نقله العلائيُّ عنه، والله أعلم.

قوله: (بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ): هي سودة، وسيأتي بزيادة في (باب اعتكاف المستحاضة) إنْ شاء الله تَعَالَى وقدَّره، وقيل: إنَّها زينب بنت جحش، وفي هذه الرِّواية والتي بعدها ردٌّ على ابن الجوزيِّ فيما [16] حكاه شيخنا الشَّارح عنه؛ حيث قال: (ما نعلم في زوجاته عليه الصَّلاة والسَّلام مستحاضة، وكأنَّ عائشة أرادت من (نسائه)؛ أي: من النِّساء [17] المتعلِّقات به بسبب صهارة وشبهها)، والرِّواية الآتية: (امرأة من نسائه) صريحة في ردِّه، وكذا الرِّواية التي بعدها: (أنَّ بعض أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اعتكفت معه وهي مستحاضة).

(1/808)

فائدة: المستحاضات على عهده صلَّى الله عليه وسلَّم من الصَّحابيَّات: بنات جحش؛ زينب، وحمنة، وأمُّ حبيبة أو أمُّ حبيب على الخلاف في ذلك، وسيأتي في الورقة بعد هذا، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت أبي حُبيش قيس بن المطَّلب بن أسَد، وزينب بنت أمِّ سلمة، وسودة أمُّ المؤمنين، وبادية بنت غيلان، وسهلة بنت سهيل، فهؤلاء تسع نسوة، وقد ذكرهنَّ بعض الحفَّاظ _وهو المحبُّ الطَّبريُّ_ ستًّا فأسقط ثلاثًا، وقد سمَّى السِّتَّ: (زينب، وحمنة، وأمُّ حبيبة، وسودة، وبنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل) انتهى.

قوله: (الطّسْتَ): هو بفتح الطَّاء وكسرها، وإسكان السِّين، ويقال: طسٌّ _بتشديد السِّين وحذف التَّاء_ وطِسَّةٌ، وجمعها: طساس وطُسوس وطسَّات، وهي مؤنَّثة، وقال بعض المحدِّثين: قد يؤنَّث؛ لأنَّه يقال في تصغيره [18]: طُسَيسة.

قوله: (كأنَّ هذا شَيْءٌ كَانَتْ [19] تَجِدُهُ فُلَانَةُ): (كأنَّ): التي للتَّشبيه، و (شيءٌ): خبره مرفوع منوَّن، والإشارة اسمها منصوبة، و (فلانة): قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (فلانة هذه [20] رملة أمُّ بيبة بنت أبي سفيان)، قال: (ويظهر أنَّ هذا انتقال من أمِّ حبيبة بنت جحش إلى هذه) انتهى.

==========

[1] في (ج): (على).

[2] (وهو هو): ليس في (ب).

[3] في (ب): (وهو ابن).

[4] ما بين قوسين ليس في (ب).

[5] زيد في (ج): (في).

[6] في (ج): (و).

[7] (وهو الظاهر): ليس في (ب).

[8] (يقل): سقطت من (ج).

[9] (هو): ليس في (ب).

[10] في (ج): (يتصدق).

[11] (بغيره): ليس في (ب).

[12] في (ب): (أخرج).

[13] في (ب): (أخرج له).

[14] (لابن): سقطت من (ج).

[15] في (ج): (لأبي).

[16] في (ب): (على ما).

[17] في (ب): (أي: أزواج النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم).

[18] في (ج): (التَّصغير).

[19] (كانت): سقطت من (ج).

[20] (هذه): ليس في (ج).

(1/809)

[حديث: اعتكفت مع رسول الله امرأة من أزواجه فكانت ترى الدم]

310# قوله: (عن خَالِدٍ، عن عِكْرِمَةَ): تقدَّم أنَّ هذا هو ابن مهران الحذَّاء، وقد تقدَّم قبل ذلك بعض ترجمته.

قوله: (عن عِكْرِمَةَ، عن عَائِشَةَ): تقدَّم بعض ترجمة عكرمة، وهو مولى ابن عَبَّاس، وتقدَّم الكلام في سماعه من [1] عائشة قريبًا جدًّا.

قوله: (امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.

قوله: (وَالطّسْتُ): تقدَّم أعلاه ما فيها من اللُّغات، وأنَّها مؤنَّثة.

==========

[1] في (ب): (عن).

[ج 1 ص 128]

(1/810)

[حديث: أن بعض أمهات المؤمنين اعتكفت وهي مستحاضة]

311# قوله: (عن خَالِدٍ): تقدَّم أنَّه ابن مهران الحذَّاء، وَتقدَّم بعض شيء من ترجمته.

قوله: (عن عِكْرِمَةَ): تقدَّم قبيله [1] أنَّه مولى ابن عَبَّاس، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن عَائِشَةَ): تقدَّم قريبًا الكلام في سماعه منها ومن أنكره.

قوله: (أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.

==========

[1] في (ب) و (ج): (قبله).

[ج 1 ص 128]

(1/811)

[باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟]

(1/812)

[حديث: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه]

312# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتقدَّم شيء من ترجمته.

قوله: (عَنِ ابْنِ [1] أَبِي نَجِيحٍ): عَبْد الله بن يسار؛ بالمثنَّاة تحتُ وبالسين المهملة، مولى الأخنس [2] بن شريق، الثَّقفيُّ أبو يسار؛ كاسم أبيه ضبطًا، عن طاووس، ومجاهد، وعطاء، وأبيه أبي نجيح، وعبد الله بن كثير القارئ، وسالم بن عَبْد الله، وجماعة، وعنه: عمرو بن شعيب وهو أكبر منه، وهشام الدَّستوائيُّ، وابن إسحاق، والسُّفيانان، وابن عليَّة، وطائفة، وثَّقه أحمد وابن مَعِين وجماعة، قال ابن عيينة: مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وقال ابن المدينيِّ: سنة اثنتين، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»؛ من جهة الاعتقاد.

قوله [3]: (عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ): (مجاهد) هذا: هو ابن جبر، وجَبْر؛ بالجيم المفتوحة، ثُمَّ موحَّدة ساكنة، كنية مجاهد أبو الحجَّاج، وهو مولى السَّائب بن أبي السَّائب المخزوميِّ، عن أبي هريرة، وابن عَبَّاس، وسعد، وعنه: قتادة، وابن عون، وسيف بن سُلَيْمَان، وحديثه عن عائشة رضي الله عنها في «البخاريِّ» و «مسلم»، وابن مَعِين يقول: لم يسمع منها، وفي «البخاريِّ» و «مسلم» ما يدلُّ على سماعه منها من رواية منصور عنه قال: (دَخَلتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبير المَسْجِدَ؛ فَإِذَا عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إلى حُجْرَةِ عَائِشَةَ والنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى ... )؛ الحديث [4]، وفيه: (وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ [5] عَائِشَةَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: أَلَا تَسْمَعِينَ؟)، ولهذا أخرجه البخاريُّ، ولو لَمْ يكن عنده دالًّا على السَّماع؛ لما أخرجه، وذلك لما عُرِف من شرطه، وقد أخرج النَّسائيُّ في «سننه» من رواية موسى الجُهنيِّ عن مجاهد قال: (أُتِيَ مُجَاهِدٌ بِقَدَحٍ حَزَرْتُهُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، فَقَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ رَضِيَ الله عنهَا: أَنَّ النَّبيَّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كَانَ يَغْتَسِلُ بِمِثْلِ هذا)، وهذا صريح في سماعه منها، وقال العلائيُّ في «المراسيل»: (وقد صرَّح _يعني: مجاهدًا_ في غير حديث بسماعه منها).

(1/813)

واعلم أنَّ الذي أنكر سماعه منها يحيى بن سعيد، قال: لَمْ يسمع منها، قال: وسمعت شُعْبَة ينكر أنْ يكون سمع منها، وتبعهما على ذلك ابن مَعِين كما قدَّمت نقله عنه وأبو حاتم الرَّازيُّ، قال شيخنا حافظ الوقت العراقيُّ: (في «العلل» لابن المدينيِّ: أنَّه سمع من عائشة، وابن عُمر، وابن عَبَّاس، وأبي هريرة، وابن عَمرو، وعبد الله بن السَّائب، وفي «الصَّحيحين» ما يدلُّ على سماعه منها)، فذكر ما ذكرتُه، قال: (وفي «النَّسائيِّ» صرَّح بالتَّحديث منها)، فذكر ما ذكرتُه، والله أعلم.

قوله: (فَقَصَعَتْه [6] بِظُفْرِهَا): قال ابن قُرقُول: (أي: فركته وقطعته، ومنه: قصعت القملة؛ إِذَا قطعتها وقتلتها، والقصع: فضخ الشَّيء بين الظُّفرين) انتهى، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (فمصعته) [7]، قال ابن قُرقُول: («فمصعته بظفرها»؛ أي: أذهبته، وأصل المصع: التَّحريك في الأرض، وأمصَع: ذهب، ومصَع بالشَّيء: رمى به، ورواه الحميديُّ: «فقصعته»، وهو قريب، قصعت الشَّيء: فضختَه بين ظفريك) انتهى [8]

قوله: (بِظُفْرِهَا): هو واحد الأظفار، وجماعة الأظفار: أظافير، ويقال للظفر: أظفور، وجمعه: أظافير، ويقال: ظفْر وظفُر، وأمَّا قراءة من قرأ: {كلَّ ذي ظِفر} [الأنعام: 146] بالكسر؛ فشاذٌّ غير مأنوس، قاله في «المحكم»؛ إذ لا يعرف (ظِفر)؛ بالكسر، انتهى، وقد قرأ الحسن: {ظِفْر}؛ بكسر الظَّاء، ساكن الفاء، وقرأ أبو السَّمَّال _وهو بالسِّين المهملة المفتوحة [9]، وتشديد الميم، وباللَّام في آخره العدويُّ، واسمه قعْنب، روى عنه: أبو زيد النَّحويُّ حروفًا، قال الذَّهبيُّ في «الميزان»: (أبو السَّمال العدويُّ المقرئ، بصريٌّ له حروف شاذَّة، لا يُعتمَد على نقله، ولا يُوثَق به، اسمه قعْنب بن هلال) انتهى_ بكسر الظَّاء والفاء، وهي لغة، قال أبو البقاء في إعرابه: {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}: الجمهور على ضمِّ الظَّاء والفاء، ويُقرَأ بإسكان الفاء، ويُقرَأ بكسر الظَّاء والإسكان، انتهى، وقَالَ الجوهريُّ: الظُّفر جمعه: أظفار، وأظفور، وأظافير.

==========

[1] (ابن): سقطت من (ب).

[2] زيد في (ج): (ابن قيس).

[3] (قوله): سقطت من (أ).

[4] (الحديث): ليس في (ب).

[5] في (ج): (استئذان)، وليس بصحيح.

[6] في هامش (ق): (حكته وأذهبته، وأقصع لبن الناقة: ذهب).

[7] في (ج): (فمسعته)، وتحريف.

[8] في (ب): (والله أعلم).

[9] (المفتوحة): ليس في (ب).

[ج 1 ص 128]

(1/814)

[باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض]

قوله: (عِنْدَ غَسْلِهَا): هو بفتح الغين؛ لأنَّه الفعل، ويجوز الضَّمُّ، وقد تقدَّم.

==========

[ج 1 ص 128]

(1/815)

[حديث: كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث]

313# قوله: (عن أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ [1]، واسم أبي تميمة كيسان، وكنية أيُّوب أبو بكر، الإمَام، تقدَّم، قال شُعْبَة: ما رأيت مثله كان سيِّد الفقهاء.

قوله: (عن حَفْصَةَ): هي بنت سيرين، أخت محمَّد بن سيرين وإخوته، كنيتها أمُّ الهذيل، بصريَّة فقيهة، روت عن مولاها أنس بن مالك، وأمِّ عطية، وعنها: أيُّوب، وخالد الحذَّاء، قال إياس بن معاوية: ما أدركت أحدًا أفضِّله عليها، توفِّيت في حدود المئة.

فائدة: اعلم أنَّ أفضل التَّابعيَّات كما روى ابن أبي داود بإسناد [2] إلى إياس بن معاوية قال: (ما أدركت أحدًا أفضِّله على حفصة _يعني: بنت سيرين_ فقيل له: الحسن وابن سيرين؟ فقال: أمَّا أنا؛ فما أفضِّل عليها أحدًا)، وقال أبو بكر بن أبي داود: (سيِّدتا التَّابعين من النِّساء: حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عَبْد الرَّحمن، وثَالِثتهما وليست كهما: أمُّ الدَّرداء _يريد الصُّغرى_ هُجَيمة أو جُهَيمة بنت حُييٍّ الأوصابيَّة، فأمَّا أم الدَّرداء الكبرى؛ فهي صحابيَّة، واسمها خَيْرَة، والله أعلم.

قوله: (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ): تقدَّم أنَّ اسمها [3] نُسيبة؛ بضمِّ النُّون على الأصحِّ، وتقدَّم بعض ترجمتها رَضِيَ اللهُ عنها.

(1/816)

قوله: (قَالَ أَبُو عَبْد الله أَوْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عن حَفْصَةَ): (هشام): بالجرِّ معطوفًا على (أيُّوب)، وهو مجرور، كذا في أصلنا القاهريِّ والدمشقيِّ، ولم أر أحدًا تكلَّم على هذا، والذي ظهر لي أنَّ البخاريَّ شكَّ: هل هذا الحديث عن أيُّوب عن حفصة أو عن هشام بن حسَّان عنها، وترجَّح عنده أنَّه أيُّوب، وقد أخرجه البخاريُّ في (الجنائز): عن محمَّد بن عَبْد الله الوهاب الثَّقفيِّ، وعن حامد بن عُمر عن حمَّاد بن زيد؛ كلاهما عن أيُّوب، عن حفصة، عن أمِّ عطيَّة، وحديث الثَّقفيِّ أتمُّ، وأخرجه مُسْلِم والنَّسائيُّ عن قتيبة عن حمَّاد بن زيد به، وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة عنِ الثَّقفيِّ به، وأخرج البخاريُّ أيضًا هذا الحديث من طريق هشام بن حسَّان عن حفصة في (الطَّلاق)، عن أبي نعيم، عن عَبْد السَّلام بن حرب قال: وقال الأنصاريُّ، وأخرجه مُسْلِم فيه عنِ الحسن بن الرَّبيع عن عَبْد الله بن إدريس، وعن أبي بكر ابن أبي شيبة عن عَبْد الله بن [4] نمير، وعن عَمرو النَّاقد عن يزيد بن هارون، وأخرجه أبو داود فيه عن هارون بن عَبْد الله ومالك بن عَبْد الواحد المسمعيِّ؛ كلاهما عن يزيد بن هارون، وعن عَبْد الله بن الجراح عن عَبْد الله بن بكر، وعن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، وأخرجه النَّسائيُّ فيه عنِ الحسين بن محمَّد، عن خالد _وهو ابن الحارث_؛ ثمانيتهم عن هشام بن حسَّان به، وأخرجه ابن ماجه فيه [5] عن أبي بكر ابن أبي شيبة به [6].

فالحاصل: أنَّ الحديث رواه أيُّوب وهشام بن حسَّان؛ كلاهما عن حفصة، فرواية أيُّوب أخرجها البخاريُّ ومسلم، ورواية هشام أخرجها البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وأنَّ ثمانية أشخاص روَوه عن هشام عن حفصة، وأنَّ واحدًا _وهو حمَّاد بن زيد_ رواه عن أيُّوب، فبقي الشأن مَن أحفظُ الرَّجلين أحمَّادُ بن زيد أو أيُّوب؟ والله أعلم.

(1/817)

ورأيت في هامش أصلنا نسخة بعد الفراغ من الحديث صورتها: (رواه هشام بن حسَّان عن حفصة، عن أمِّ عطيَّة، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، (وكذا هي في أصلنا الدِّمشقيِّ في الأصل عقيب [7] الحديث) [8]، وهذه حسنة لا كلام عليها، وفيها فائدة أخرى، وهو [9] أنَّ أمَّ عطيَّة صرَّحت برفعه، وإنْ كان قول الصَّحابيِّ: (أُمِرْنا بكذا) و (نُهِينا [10] عن كذا) مرفوعًا على الصَّحيح عند أكثر أهل العلم، قاله ابن الصَّلاح؛ لأنَّ مطلق ذلك ينصرف بظاهره [11] إلى مَن إليه الأمر والنَّهي، وقد خالف في ذلك فريق؛ منهم: أبو بكر الإِسْمَاعِيليُّ، وعن أبي بكر الصَّيرفيِّ الجزم به في «الدلائل»، وقد رأيت بعض العلماء قال: إنَّ الخلاف [12] في غير الصِّدِّيق، أمَّا إذا قال أبو بكرٍ الصِّدِّيق ذلك؛ فإنَّه يكون مرفوعًا بلا خِلاف، ومَا قاله حسنٌ صحيح متعيَّن، والله أعلم.

ومَا رواه هشام بن حسَّان به أخرجه البخاريُّ، ومُسلم، والتِّرمذيُّ [13]، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، قال المِزِّيُّ [14] عقيب تطريف [15] حديث هِشام هذا: (وقد ذكرنا أنَّه وقع في بعض النُّسخ مِن كتاب أبي مسعود: «عن عيسى بن يونس عن عاصم» بدل «هشام»، وهو [16] وهم) انتهى، وقال في ترجمة عاصم بن سُلَيْمَان عن حفصة، عن أمِّ عطيَّة: («خ م د»، البخاريُّ في «العيدين» عن عُمَر بْنِ حَفْصٍ بْنِ غِيَاثٍ [17]، عن أَبِيهِ، ومسلم فيه [18] عن يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عن أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ؛ كِلَاهُمَا عن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ به؛ يعني: عن حفصة، عن أمِّ عطيَّة، وأبو داود في «الصلاة» عنِ النفيليِّ [19]، عن زهير به، زاد المِزِّيُّ في بعض النُّسخ [من كتاب أبي مسعود: عن محمَّد بن عَمرو بن حفص، وكذلك في بعض النُّسخ من «البخاريِّ»، وفي بعض النُّسخ] [20] من كتابه في طرق هذا الحَدِيْث: «وعن عَمرو النَّاقد، عن عيسى بن يونس، عن عاصم»، وهو وهم، وفي بعض النُّسخ: «عن النَّاقد، عن عيسى، عن هشام»، وهو الصَّواب، وسيأتي) انتهى، وقد ذكرتُه قبل هذا.

(1/818)

قوله: (أَنْ نُحِدَّ على مَيِّتٍ): (نُحِدَّ): هو بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه، رباعيٌّ، ويجوز فتح النُّون وضمُّ الحاء، ثلاثيٌ، يقال: حِدتُ وأحدتُ حِدادًا وإحدادًا؛ إِذَا امتنعت من الطِّيب والزينة، وأصله المنع، قال شيخنا الشَّارح: (وأغرَبَ بعضهم، فحكاه بالجيم، من جددت الشَّيءَ؛ إِذَا قطعته، وكأنَّها قد انقطعت عنِ الزينة وعمَّا كانت عليه قبل ذلك).

قوله: (إِلَّا على زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا): (أربعةَ): منصوب على الظَّرف، والعامل فيه (نُحِدَّ)، و (عشرًا): معطوف عليه، وخصَّ بهذا؛ لأنَّ الغالبَ تَبَيُّنُ [21] حركةِ الحملِ تلك المدَّة، وأنَّثتِ العشر؛ لأنَّه أراد الأيَّام بلياليها، والله أعلم.

قوله: (إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ [22]): هو بفتح العين، وإسكان الصَّاد المهملتين، ثُمَّ موحَّدة، قال الدِّمياطيُّ: (العَصْب: الذِي صُبِغ غزلُه قبل نسجه) انتهى، وفي «النِّهاية»: (العَصْب: برود يمنيَّة يُعصَب غزلُها؛ أي: يُجمَع ويُشَدُّ، ثُمَّ يُصبَغ ويُنسَج، فيأتي مُوشَيًا؛ لبقاء ما عُصِب أبيض لم يأخذه صبغٌ، يقال: بُردٌ عَصْبٌ، وبُرُودُ عَصْبٍ؛ بالتَّنوين والإضافة، وقيل: هي برود مُخطَّطة، والعَصْب: [الفتل] [23]، والعَصَّاب: الغَزَّال، فيكون [النهي] [24] للمعتدَّة عمَّا صُبِغ بعد النَّسج) [25] انتهى، وقال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي»: (وأمَّا العصب؛ فالصَّحيح أنَّه نَبْتٌ تُصبَغ به الثِّياب، قال السُّهيليُّ: الورس والعصب نبتان باليمن لا ينبتان إلَّا به) انتهى.

تنبيه: وقع في رواية البيهقيِّ: (ولا ثوب عصب)، لكن قال: (إنَّها غير محفوظة) انتهى، وقد رأيتها في «النَّسائيِّ الصَّغير» في (الإحداد).

قوله: (وَقَدْ رُخِّصَ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/819)

قوله: (في نُبْذَةٍ): بضمِّ النُّون، ثُمَّ موحَّدة ساكنة، ثُمَّ ذال معجمة مفتوحة، ثُمَّ تاء؛ وهي القطعة والشَّيء اليسير، وفي بعض النُّسخ: بفتح النُّون بالقلم، وعليه تصحيح، قَالَ الجوهريُّ: (ذهب ماله وبقي نبذ منه، وبأرض كذا نبذٌ من مال ومن كلأ، وفي رأسه نبذٌ من شيب، وأصاب الأرض نبذٌ من مطر؛ أي: شيء يسير) انتهى، وفي «النِّهاية» لما ذكر [26] حديث أنس: (إنَّما كان البياض في عنفقته وفي الرَّأس نبذٌ؛ أي: يسير من شيب)، فذكر نحو كلام الجوهريِّ، ثُمَّ قال: (وذهب ماله وبقي منه نبذٌ ونبذةٌ؛ أي: شيء يسير)، و (نبذةٌ) في كلامه ما أدري هل هي بضمِّ النُّون أو فتحها؟ والله أعلم.

قوله: (مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ): الكست: بَخُور معروف، وكذا القُسْط مثله، و (كُسْط) حكاها البخاريُّ في هذا «الصَّحيح» وابن الأثير في «نهايته»، وقال: (والكاف والقاف يُبدَل أحدهما من الآخر)، فهذه ثلاث لغات: كُست، وقُسط، وكُسط، وحَكى شيخنا الشَّارح رابعة، ولفظه: (وحكاها _يعني: قسطًا_ ابن الجوزيِّ في «غريبه»)، قال: ومن خطِّه نقلت، لكنَّه قال بدل (كُست): (كُشط)، وأعجم الشِّين، وصحَّح على الطَّاء، انتهى، فتحصل [27] أربع لغات، وفي ثبوت الأخيرة وقفة، والله أعلم، فإنَّه يحتمل أنَّها سبق قلم إلى الإعجام.

قوله: (أَظْفَارٍ): كذا في أصل سماعنا على العراقيِّ بالألف مضافًا إليه، والآن أُصلِحت على (كستٍ أظفارٍ)؛ بتنوينهما، وكذا رأيتهما منوَّنتين [28] بخطِّ شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ، ووقع في غيرها: (ظفارِ)؛ بحذفها مكسور [29] الرَّاء، و (ظفار): مكان من سواحل عدن، وعن ابن بطَّال أنَّه الصَّواب، وقال ابن قُرقُول: («من قسط وأظفار»، وكذا في رواية بعضهم، وكذا في حديث الحادَّة عند جميعهم، وعند بعض الرُّواة: «أو أظفار»: على التَّخيير أو الشَّكِّ، ورواه أكثر رواة «الصَّحيح» في أكثر الأبواب: «من قسط أظفار»، والأوَّل هو الصَّحيح، وهما نوعان من البَخُور) انتهى.

قوله: (وَكُنَّا نُنْهَى): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

==========

[1] في (ج): (السجستاني)، وليس بصحيح.

[2] في (ج): (بإسناده).

[3] (اسمها): مثبت من (ج).

[4] (بن): سقط من (ب).

[5] (فيه): سقط من (ب).

[6] (به): ليس في (ب).

[7] في (ب): (عقب).

[8] ما بين قوسين ليس في (ب).

[9] في (ب): (وهي).

[10] في (ج): (أو نهينا).

[11] في (ج): (لظاهره).

[12] في (ب): (المشهور).

(1/820)

[13] (والترمذي): ليس في (ب).

[14] في (ج): (وقال المزني)، وهو تحريفٌ.

[15] (تطريف): ليس في (ب).

[16] في (ب): (وقد).

[17] في (ب): (عتاب)، وهو تصحيف.

[18] في (ج): (منه).

[19] في (ب): (المتيع)، وليس بصحيح.

[20] ما بين معقوفين ليس في (ب).

[21] في (ج): (يتبين).

[22] في هامش (ق): (العصب: برود اليمن يعصب غزلها).

[23] (الفتل): مثبت من مصدره.

[24] (النهي): مثبت من مصدره.

[25] «النهاية» مادة (عصب).

[26] في (ج): (دخل).

[27] في (ب): (فيحصل).

[28] في (ج): (بتنوينين).

[29] في (ب): (مكسورة).

(1/821)

[باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض]

[ج 1 ص 129]

قوله: (وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً): أمَّا الفرْصة؛ فهي مثلَّثة الفاء، ساكنة الرَّاء، وبالصَّاد المهملة، كذا حكاه شيخنا المؤلِّف عنِ ابن سيده، ولم يذكر ابن الأثير وكذا النَّوويُّ إلَّا الكسر، والله أعلم، ة وقال الدِّمياطيُّ: الفرصة: القطعة من الصُّوف أو القطن، وفرصت الشَّيء: قطعته، والمَسك؛ بفتح الميم: الجلد؛ أي: من جلد فيه شعر، ومن رواه بكسر الميم؛ أراد به: الطِّيب، وأمَّا قوله: (ممسَّكةً)؛ أي: مطيَّبةً بالمسك، وقيل: ذات مَسك؛ أي: جلد؛ قطعة صوف بجلدها؛ لأنَّه أضبط لها، ولم يذكره تجاه هذا المكان، لكن نقلته أنا إلى هنا، وللناس كلام كثير في ذلك، وقد اقتصرت أنا على كلام من ذكرت [1] وكلام النَّوويِّ، قال النوويُّ في «شرح مسلم»: (الفِرْصة؛ بكسر الفاء، وإسكان الرَّاء، وبالصَّاد المهملة؛ وهي القطعة، والمِسك؛ بكسر الميم، هو الصَّحيح المختار الذي قاله ورواه المحقِّقون، وعليه الفقهاء وغيرهم من أهل العلوم، وقيل: مَسك؛ بفتح الميم؛ وهو الجلد؛ أي: قطعة من جلد فيه شعر، وذكر القاضي عياض: أنَّ فتح الميم هي رواية الأكثرين، وقال أبو عبيد وابن قتيبة: إنَّها قُرضة من مَسك؛ بقاف مضمومة، وضاد معجمة، ومَسك؛ بفتح الميم؛ أي: قطعة من جلد، وهذا كلُّه ضعيف، والصَّواب ما قدَّمناه، ويدلُّ عليه الرِّواية الأخرى المذكورة في الكتاب: «فرصة مُمَسَّكة»، وهي بضمِّ الميم الأولى، وفتح الثَّانية، وفتح السِّين المشدَّدة؛ أي: قطعة من قطن أو صوف أو خرقة مطيَّبة بالمسك، كما قدَّمنا بيانه، والله أعلم) انتهى، وقد ذكر هذه اللَّفظة ابن الأثير وابن قُرقُول قبله بما فيها من الاختلاف، وما قاله النَّوويُّ ملخَّص حسن.

==========

[1] في (ج): (نقلت).

(1/822)

[حديث: خذي فرصة من مسك فتطهري بها]

314# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى [قَالَ]: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ): كذا هو في أصلنا غير منسوب، بل (يحيى) فقط، قال [1] أبو عليٍّ الغسَّانيُّ: (وقال _يعني: البخاريُّ_ في [2] «الحيض» و «الاعتصام»: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، [نَسَب ابنُ السَّكن الذي في «الحيض»: يحيى بن موسى، وأهمل الذي في «الاعتصام»، وذكر أبو نصر: أنَّ يحيى بن جعفر يروي عنِ ابن عيينة] [3]، فالله أعلم) انتهى.

قال شيخنا الشَّارح بعد أنْ ذكر كلام الجيَّانيِّ: (ووقع في شرح بعض شيوخنا: حَدَّثَنَا يحيى؛ يعني: ابن معاوية بن أعين، ولا أعلم في «البخاريِّ» من اسمه كذلك) انتهى، وقد نظرت أنا «الأطراف» للمزِّيِّ؛ فلم أره قيَّده بشيء، بل [4] قال: (يحيى عن سفيان)، ولم أر أحدًا في الكتب السِّتَّة ولا في مصنَّفاتهم يقال له: يحيى بن معاوية بن أعين، ولا يحيى بن معاوية، لكن روى مُسْلِم ليحيى بن محمَّد بن معاوية المروزيِّ اللُّؤلؤيِّ، نزيل بُخارى، عنِ النَّضر بن شميل وغيره، وعنه: مُسْلِم، وعبيد [5] الله بن واصل، وعمر بن محمَّد بن بجير، وجماعة، قال مهديُّ بن سليم: رأيت محمَّد بن إِسْمَاعِيل كلَّما جاء في «كتابه»: حَدَّثَنَا يحيى: حَدَّثَنَا النَّضر؛ يقول: اضرب عليه، وهو يحيى بن محمَّد اللُّؤلؤيُّ المروزيًّ، كان يروي عنِ النَّضر أربعة آلاف حديث، قِيلَ: مات في رجب سنة (257 هـ)، انفرد بالإخراج له مسلم، له ترجمة في «الميزان»، وليس في «ثقات ابن حبَّان» يحيى بن معاوية بن أعين [6]، ولا في «الجرح والتَّعديل» لابن أبي حاتم، ولا في «رجال مسند أحمد»، ولا في «ثقات العجليِّ»، ولا في «الميزان»، والله أعلم.

قوله: (عن مَنْصُورِ ابنِ صَفيَّةَ): تقدَّم أنَّه منصور بن عَبْد الرَّحمن، وتقدَّم بعض ترجمته، [قال الدِّمياطيُّ في منصور: (ابن عَبْد الرَّحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة عَبْد الله بن عَبْد العزَّى بن عثمان بن عَبْد الدَّار بن قصيٍّ، وأمُّه: صفيَّة بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة المذكور) انتهى] [7]

قوله: (عَنْ أُمِّهِ): تقدَّم أنَّها صفيَّة بنت شيبة، وتقدَّم الكلام [8] في أنَّها [9] تابعيَّة أو صحابيَّة، وتقدَّم شيء من ترجمتها، وتقدَّم نسبها.

(1/823)

قوله: (أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ): هذه المرأة السَّائلة هي أسماء بنت يزيد بن السَّكن، خطيبة الأنصار، قاله الخطيب البغداديُّ، وكذا قال غيره، وفي رواية في «مُسْلِم» [10]: (أسماء بنت شَكَل)، وشَكَل؛ بفتح الشِّين المعجمة، وبالكاف المفتوحة أيضًا، ويقال بإسكانها، فيجوز أنْ تكون القصَّة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين، قاله النَّوويُّ، وقال ابن بشكوال: (هي أسماء بنت شكل)، وعن العلَّامة تقيِّ الدِّين عليِّ بن عَبْد الكافي السُّبكيِّ في «شرح المنهاج» عن شيخه الدِّمياطيِّ: أنَّ أسماء بنت شكل نسبة إلى جدِّها، وتُصحِّف في اسمه، والله أعلم، ورأيت في «حواشيه على مُسْلِم»: (قوله: «بنت شكل» وهم، ولعلَّها نُسِبت إلى جدِّها سكن، فصُحِّف؛ لأنَّها أسماء بنت يزيد بن سكن بن رافع، وليس في نسب الأنصار «شكل»؛ بالشِّين المعجمة واللام؛ فلتعلم ذلك) انتهى.

قوله: (عن غَسْلِهَا): تقدَّم مرارًا أنَّه بفتح الغين الفعل، وأنَّه بالضَّمِّ الماء، والمراد هنا: الفعل، وأنَّه يجوز في كلٍّ منهما الضَّمُّ والفتح.

قوله: (فِرْصَةً [11]): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.

قوله: (مِنْ مَسْكٍ [12]): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.

==========

[1] في (ج): (وقال).

[2] (في): سقطت من (ج).

[3] ما بين معقوفين سقط من (ج).

[4] (بل): ليس في (ج).

[5] في (ب): (وعبد).

[6] في (ب): (الحسين).

[7] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[8] (الكلام): ليس في (ج).

[9] في (أ): (أنَّه).

[10] في (ب): (لمسلم).

[11] في هامش (ق): (الفرصة: القطعة من الصوف أو القطن، وفرصت الشيء: قطعته).

[12] في هامش (ق): (والمَسك؛ بفتح الميم: الجلد من جلد فيه شعر، وبالكسر: قطعة من مسك، وأمَّا ممسَكة؛ فبفتح السين: قيل: مطيَّبة بالمسك، وقيل: ذات مسك؛ أي: جلد؛ أي: قطعة صوف بجلدها؛ لأنَّه أضبط لها).

[ج 1 ص 130]

(1/824)

[باب غسل المحيض]

(1/825)

[حديث: خذي فرصةً ممسكةً، فتوضئي ثلاثًا]

315# قوله: (حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ): هو ابن إبراهيم الأزديُّ الفَراهيديُّ؛ نسبة إلى جدِّه فُرْهُود، والنِّسبة إليه: فرهوديٌّ وفراهيديٌّ، الحافظ أبو عمرو، تقدَّم فيما مضى شيء من ترجمته، أخرج له الجماعة، وقد روى البخاريُّ عنه، وكذا أبو داود والباقون بواسطة، قال ابن معين: ثقة مأمون.

قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): هو ابن خالد الباهليُّ مولاهم، الكرابيسيُّ، الحافظ، تقدَّم بعض ترجمته، قال ابن مهديٍّ: كان أبصرهم بالحديث والرِّجال، وقال أبو حاتم: ثقة، يقال [1]: لم يكن بعد شُعْبَة أعلم بالرِّجال مِنْهُ، أخرج له الجماعة.

قوله: (حَدَّثَنَا [2] مَنْصُورٌ): تقدَّم أعلاه أنَّه [3] ابن [4] عَبْد الرَّحمن، وتقدَّم فيما مضى نسبه والكلام عليه، وقال الدِّمياطيُّ هنا في منصور: (ابن عَبْد الرَّحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة عَبْد الله بن عَبْد العزَّى بن عثمان بن عَبْد الدَّار بن قصيٍّ، وأمُّه صفيَّة بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة المذكور) انتهى.

قوله: (عن أُمِّهِ): تقدَّم أنَّها صفيَّة بنت شيبة، وتقدَّم الكلام عليها [5] هل تابعيَّة أو صحابيَّة مُطوَّلًا.

قوله: (أَنَّ امْرَأَةً مِن الأَنْصَارِ): تقدَّم الكلام أعلاه على هذه المرأة، وما وقع فيها؛ فانظره.

قوله: (فِرْصَةً): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.

قوله: (مُمَسَّكَةً): تقدَّم الكلام عليها أعلاه.

==========

[1] في (ب): (قال).

[2] في النسخ: (عن)، والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة» و (ق).

[3] (تقدم أعلاه أنَّه): سقط من (ج).

[4] (ابن): سقطت من (أ) و (ب).

[5] (عليها): ليس في (ج).

[ج 1 ص 130]

(1/826)

[باب امتشاط المرأة عند غسلها من المحيض]

قوله: (عِنْدَ غَسْلِهَا): تقدَّم مرارًا أنَّه بفتح الغين؛ لأنَّه الفعل، وأنَّه يجوز الضَّمُّ، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 130]

(1/827)

[حديث: انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك]

316# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ): هذا هو ابن سعد بن إبراهيم بن عَبْد الرَّحمن بن عوف الزُّهْرِيُّ، أبو إسحاق المدنيُّ، عن أبيه، والزُّهْرِيِّ، وطائفة، وعنه: ابن مهديٍّ، وأحمد، ولُوين، وخلق، توفِّي سنة (183 هـ)، أخرج له الجماعة، وثَّقه أحمد، وابن مَعِين، وغيرهما، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد تقدَّم، ولكن طال العهد به.

قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا كثيرة أنَّه محمَّد بن مُسْلِم بن عَبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، أحد الأعلام.

قوله: (وَأَمْسِكِي): هو بقطع الهمزة من الرُّباعيِّ، ويجوز فيه الثُّلاثيُّ على لغة، وقد تقدَّمت.

قوله: (أَمَرَ عَبْدَ الرَّحمن): هذا هو أخوها شقيقها، يكنى أبا عَبْد الله، وقيل: يكنى أبا محمَّد بابنه محمَّد الذي يقال له: أبو عتيق والد عَبْد الله بن أبي عتيق،

[ج 1 ص 130]

وأدرك أبو عتيق محمَّد بن عَبْد الرَّحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة هذا وأبوه وجدُّه وأبو جدِّه النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وسيأتي الكلام في محمَّد بن عَبْد الرَّحمن وما يتعلَّق به، هل هو [1] صحابيٌّ أم لا في مكانه؟ شهد عَبْد الرَّحمن هذا [2] بدرًا وأحُدًا مع قومه كافرًا، ودعا إلى البراز، فقام إليه أبوه ليبارزه، فذكر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: «متِّعني بنفسك»، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، وصحب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هدنة الحديبية، هذا قول أكثر أهل السِّير، قالوا: وكان اسمه عَبْد الكعبة، فغيَّره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسمَّاه: عَبْد الرَّحمن، شهد الجمل مع عائشة، وكان أخوه محمَّد يومئذ مع عليٍّ، مناقبه مشهورة، يقولون: مات فجأة بموضع يقال له: الحُبْشيُّ على نحو عشرة أميال من مكَّة، وحُمِل إلى مكَّة، ودُفِن بها، ويقال: إنَّه تُوفِّي في نومة نامها، وكانت وفاته سنة (53 هـ)، وقيل: سنة (55 هـ) بمكَّة، والأوَّل أكثر، أخرج له أحمد في «المسند» والجماعةُ رَضِيَ اللهُ عنه.

قوله: (لَيْلَةَ الحَصْبَةِ): هي بفتح الحاء، وإسكان الصَّاد المهملتين، ثُمَّ موحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التَّأنيث؛ أي: ليلة نزول المُحصَّب، وهو الشِّعب الذِي مخرجه إلى الأبطح بين مكَّة ومنًى، وهو خيف بني كنانة، وربما سُمِّي الأبطح والبطحاء؛ لقربه مِنْهُ، وليلة الحصبة: هي اللَّيلة التي بعد أيام التَّشريق.

(1/828)

قوله: (مِن التَّنْعِيمِ): هو بفتح التَّاء، هو عند طرف مكَّة من جهة [3] المدينة الشَّام [4] على ثلاثة أميال من مكَّة، وقيل: أربع، سُمِّي بذلك؛ لأنَّ عن يمينه جبلًا يقال له: نعيم، وعن شماله جبل يقال له: ناعم، والوادي: نعمان.

تنبيه شارد: قول صاحب «التَّنبيه» من الشَّافعيَّة: (الأفضل [5] أنْ يُحرِم من التَّنعيم) ممَّا أُنكِر عليه، والصَّواب أنْ يقال: من الجعرانة، فإنْ لَمْ يكن؛ فمن التَّنعيم، وكذا [6] قاله في «المهذَّب»، وأمَّا الأصحاب؛ فإنَّهم قالوا: وبعد التَّنعيم الحديبية، وسيأتي أيضًا، واعلم أنَّ أقرب الثَّلاثة من مكَّة: التَّنعيم؛ فإنَّها على ثلاثة أميال، وقيل: أربعة، ثُمَّ الجعرانة؛ فإنَّها على ستَّة فراسخ، وكذا الحديبية على ما قاله الرَّافعيُّ) انتهى، وهي على نحو مرحلة من مكَّة، وقال الرُّويانيُّ والبندنيجيُّ: الجعرانة أبعدها، وقال ابن يونس وابن الرِّفعة: الحُدَيْبِيَة أبعدها.

فائدة: اعتبر بعض العلماء ما [7] بين باب المسجد ومحلِّ الإحرام من التَّنعيم؛ فوجده ستَّة عشر ألف خطوة، فيكون الذَّهاب والإياب اثنين وثلاثين ألف خطوة.

فائدة: أفضل بقاع الحلِّ لمن أراد العمرة: الجعرانة، ثُمَّ التَّنعيم، ثُمَّ الحديبية، وقدَّم الشَّيخ أبو حامد والغزالي على ما نقله ابن يونس عنه الحُدَيْبِيَة على التَّنعيم، وهو غريب.

قوله: (مَكَانَ عُمْرَتِي التي نَسَكْتُ): كذا هو في أصلنا، قال شيخنا الشَّارح: ووقع عند الشَّيخ أبي الحسن كما نقله ابن التِّين: (شكيت)، قال: وإنَّما وجه الكلام شكوت، قال شيخنا: والياء لغة، قال _يعني: ابن التِّين_: والذي رُوِّيناه: (سكنت)؛ من السُّكون؛ أي: سكنت عنها وتركت التَّمادي عليها، قال: وروي أنَّها: شكت بسرف، وروي: بعرفة، وروي: بمكَّة، قال: والمعنى: أنَّها أعادت الكلام وكرَّرته في كلِّ موضع) انتهى، ورأيت في نسخة ذكر في هذه اللَّفظة روايات؛ الأولى: (نسكت)، الثَّانية: (شكت)؛ من الشَّكوى، الثَّالثة: (سكت)؛ من السُّكوت، وعُلِّمَ عليها (فـ حـ)؛ يعني: أنَّ الفربريَّ والحمُّوي روياها كذلك، وقد تعقَّب شخص هذه الرِّواية بأنْ قال: الظَّاهر أنَّها تصحَّفت [8] على الصَّغانيِّ، فكتبها بالمهملة، يدلُّ عليه: (كذا وكذا)، فذكره [9]؛ يعني: الرِّواية التي قبلها، والله أعلم.

==========

[1] (هو): سقطت من (ب).

[2] (هذا): ليس في (ب).

[3] (من جهة): سقطت من (ج).

(1/829)

[4] في (ب): (جهة الشام والمدينة).

[5] في (ج): (والأفضل).

[6] في (ب) و (ج): (فكذا).

[7] (ما): سقطت من (ب).

[8] في (ج): (تصحيف).

[9] في (ج): (وذكره).

(1/830)

[باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض]

قوله: (عِنْدَ غَسْلِ المَحِيضِ): هو بفتح الغين الفعل، وفي أصلنا بالقلم مضمومة، وقد تقدَّم أنَّها لغة.

==========

[ج 1 ص 131]

(1/831)

[حديث: دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي]

317# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة الكوفيُّ، الحافظ، مولى بني هاشم، عن [1] هشام بن عروة، والأعمش، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، وكان حجَّة عالمًا أخباريًّا، عنده ستُّ مئة حديث عن هشام، وعاش ثمانين سنة، توفِّي سنة (201 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد تقدَّم.

قوله: (خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحِجَّةِ): فيه نظر، وقال أبو محمَّد بن حزم: (إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج يوم الخميس لستٍّ بقين من ذي القعدة)، ووهمه بعض العلماء _وهو ابن القيِّم_ في ذلك، وقال: (الظَّاهر أنَّ خروجه كان يوم السَّبت لخمس بقين)، ثُمَّ برهن على ذلك، وكذا قال مغلطاي في «سيرته»: إنَّه خرج يوم السَّبت [لخمس ليال بقين من ذي القعدة، وقال ابن حزم: (لست بقين) انتهى، (موافين [لهلال] ذي [2] الحجَّة): كذا في «البخاريِّ» و «مسلم» من حديثها أرادت المقاربة؛ بدليل حديثها الآخر المؤرَّخ الذِي يجيء: (خرجنا] [3] لخمس بقين من ذي القعدة)، روته [4] عمرة عنها، أخرجه البخاريُّ ومسلم.

قوله: (فَلْيُهلَّ): هو رباعيٌّ وثلاثيٌّ، والإهلال: رفع الصَّوت بالتَّلبية.

[قوله: (وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ): سيجيء في (كتاب الحجِّ) اختلاف العلماء فيما أهلَّت به عائشة رَضِيَ اللهُ عنها] [5].

قوله: (لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ): تقدَّم أعلاه الكلام عليها.

قوله: (أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحمن بْنَ أَبِي بَكْرٍ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه.

[قوله: (فَخَرَجْتُ إلى التَّنْعِيمِ): تقدَّم الكلام عليه أعلاه] [6].

قوله: (قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا صَدَقَةٌ): قال شيخنا الشَّارح: (ظاهره [7] مُشكِل، فإنَّها إنْ كانت قارنة؛ فعليها هدي للقران عند كافَّة العلماء إلَّا داود، وإنْ كانت متمتِّعة؛ فكذلك، لكنَّها كانت فاسخة؛ لأنَّها حين خرجت؛ أحرمت بالحجِّ، ثُمَّ نوت فسخه في عمرة، فلمَّا حاضت ولم يتمَّ لها ذلك؛ رجعت إلى حجِّها [8]، فلمَّا أكملته؛ اعتمرت عمرة متبدأة، نبَّه عليه القاضي، لكن يعكِّر عليه قولها: «وكنت فيمن أهلَّ بعمرة»، وقولها: «ولم أُهلَّ إلَّا بعمرة».

(1/832)

وأجيب عنه: بأنَّ هشامًا لمَّا لم يبلغه شيء من ذلك؛ أخبر بنفسه، ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر، ويحتمل أنْ يكون لم يأمر به، بل نوى أنْ يقوم به عنها، بل [9] روى جَابِرٌ: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام أهدى عن عائشة بقرةً) انتهى.

وقول هشام هو موقوف عليه لَمْ يسنده، والله أعلم، [وسيجيء أيضًا في (كتاب الحجِّ) الخلافُ بما أحرمت به عائشة، وكذا الكلام على قول هشام، وأنَّه من كلامه كما رواه مسلم، (وكما جاء هنا ويجيء) [10]، وأنَّه وهم] [11].

(1/833)

[باب: {مخلقة وغير مخلقة}]

قوله: (بَاب مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [1]): قال الدِّمياطيُّ ما لفظه: (لعلَّ البخاريَّ أراد بهذا التَّبويب ما روى علقمة في تأويل هذه الآية: «إذا وقعت النُّطفة في الرَّحم؛ قال الملَك: مخلَّقة أو غير مخلَّقة؟ فإن قال: غير مخلَّقة؛ مجَّتِ الرَّحم دمًا، وإن قال: مخلَّقة؛ قال: أذكر أم أنثى»؟ فغرضه في هذا الباب _والله أعلم_ أنَّ الحامل لا تحيض، على ما ذهب إليه أهل الكوفة والأوزاعيُّ، وهو أحد قولي الشَّافعيِّ، وفي الآية تأويل آخر؛ تقديم وتأخير؛ لأنَّها في الحالة الأولى غير مخلَّقة، ثُمَّ تخلق بعد ذلك، والواو لا توجب التَّرتيب) انتهى، وأظهر قولي الشَّافعيِّ: أنَّ الحامل تحيض، وقد قدَّمت ذلك.

==========

[1] في هامش (ق): (فائد: نطفة وما بعده، لعل البخاري أراد بهذا ما روى علقمة في تأويل هذه الآية: تمت إذا وقعت النطفة في الرحم، قال الملك: مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال: غير مخلقة؛ مجت الرحم دمًا، وإن قال: مخلقة؛ قال: أذكر أو أنثى؟ فغرضه في هذا الباب: أنَّ الحامل لا تحيض على ما ذهب إليه أهل الكوفة والأوزاعي، وهو أحد قولي الشافعي، وفي الآية تقديم وتأخير؛ لأنَّها في الحالة غير مخلقة، ثم تخلق بعد ذلك، والواو لا توجب الترتيب).

[ج 1 ص 131]

(1/834)

[حديث: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة]

318# قوله: (حَدَّثَنَا حمَّاد): هذا هو ابن زيد بن درهم، أبو إِسْمَاعِيل الأزديُّ الأزرق، أحد الأعلام، تقدَّم، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ): كلُّها مرفوعة منوَّنة على أنَّه خبر مبتدأ مُضمَر، وعند القابسيِّ: منصوب على إضمار فعل.

[ج 1 ص 131]

قوله: (مُضْغَةٌ): هي قطعة لحم تملأ الفم بقدر ما يُمضَغ.

قوله: (فَيُكْتَبُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

(1/835)

[باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة]

[قوله: (كَيْفَ تُهِلُّ الحَائِضُ بِالحَجِّ): (تُهلُ): رباعيٌّ، والإهلال: رفع الصَّوت بالتَّلبية] [1].

==========

[1] ما بين معقوفين ليس في (ج).

[ج 1 ص 132]

(1/836)

[حديث: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل]

319# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): هو ابن سعد، العالم المشهور، تقدَّم مرارًا.

قوله: (عن عُقَيْلٍ) [1]: تقدَّم مرارًا [2] ابنُ خالد، وأنَّه بضمِّ العين، وأنَّه ليس في «البخاريِّ» بضمِّ العين سواه، وتقدَّم بعض ترجمته، وتقدَّم أنَّ في «مُسْلِم» يحيى بن عقيل، وعُقيل: القبيلة المعروفة.

قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم مرارًا أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عَبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العالم المشهور.

قوله: (فَليُحْلِلْ): وكذا بعده: (فَلَا يُحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ [3] هَدْيَهُ): هما بضمِّ الأوَّل في أصلنا، يُقَال: حلَّ وأحلَّ من إحرامه؛ لغتان ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وأنكر الأصمعيُّ (أَحلَّ) الرُّباعيَّ، وقد جاءت الأحاديث بالوجهين، وكذا إذا خرج من الحرم، فدخل الحلَّ.

قوله: (مِن التَّنْعِيمِ): تقدَّم الكلام عليه قريبًا.

(1/837)

[باب إقبال المحيض وإدباره]

(باب إِقْبَالِ المَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ) ... إلى (بَاب الصَّلاة على النُّفَسَاءِ)

قوله: (وَكُنَّ نِسَاءٌ): (نساءٌ): مرفوع منوَّن، وكذا في أصلنا، ورأيت في نسخة صحيحة: منصوبًا منوَّنًا بالقلم، ولم يتعرَّض للرفع بالكليَّة.

قوله: (بِالدُّرَجَةِ): قال ابن قُرقُول: بكسر الدَّال _ يعني: المهملة_، وفتح الرَّاء؛ يعني: وبالجيم، جمع دُرْج؛ وهي كالسَّفط الصَّغير، تضع فيه المرأة طيبها، وحُلِّيها، وخِفَّ متاعها، ورواه أبو عُمر: «بالدُّرْجة»، قال: وهو تأنيث دُرْج، وقال أبو عبيد: الدُّرْجة: الخرقة التي تلفُّ وتُدخَل في حَياء النَّاقة إِذَا [1] عطفت على ولد ناقة أخرى، وإذا كان هذا مع هذه الرِّواية؛ فهي أشبه، كما ضبط أبو عُمر، وشبَّهوا الخرق التي تحشي بها المرأة أيَّام حيضها محشوَّة بالكرسف [2] بتلك الدُّرْجة، ورواه الباجيُّ: بفتح الدَّال والرَّاء، وهي بعيدة من الصَّواب، انتهى.

قوله: (الكُرْسُفُ): هو _بِضَمِّ الكاف، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ سين مهملة مضمومة، ثُمَّ فاء_ القطن، وهو العُطبُ والبِرْس؛ أعني [3]: من أسمائه.

قوله: (القَصَّةَ البَيْضَاءَ): (القَصَّة)؛ بفتح القاف، وحُكِي كسرها، وتشديد الصَّاد المهملة، كناية عنِ النَّقاء؛ وهو ماء أبيض يرخيه الرَّحم آخر الحيض عند ارتفاعه؛ كالخيط الأبيض، قال الحربيُّ: القَصَّة: القطعة من القطن؛ لأنَّها بيضاء، يقول: تخرج نقيَّة بيضاء غير مغيَّرة، ويدلُّ عليه قوله في الحديث الآخر: «حَتَّى تَرَيْنَ القَصَّة البَيْضَاء»، وقيل: هو خروج ما تحشي به أبيض؛ كالقصة؛ وهو الجِيْر.

تنبيه: ممَّا ينبغي أنْ يعتنى به معرفة علامة انقطاع الحيض، وقلَّ [4] من أوضحه، وحاصله: أنَّ علامة انقطاع الحيض، والحصول في الطُّهر: أنْ ينقطع خروج الدَّم والصُّفرة والكدرة، وسواء خرجت رطوبة بيضاء أم لَمْ تخرج أصلًا، والله أعلم.

قوله: (وَبَلَغَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ): قال شيخنا المؤلِّف: (يشبه أن تكون أمَّ سعد، وهي صحابيَّة)، قال الدِّمياطيُّ: (إنَّ له من البنات: أمَّ إسحاق، وحسنة، وعمرة، وأمَّ كلثوم، وأمَّ حسن، وقريبة، وأمَّ محمَّد)، وهذا رأيته في كلام شيخنا المؤلف، ولم أره في الحواشي التي للدمياطيِّ، وفي «التَّذهيب»: (بنت زيد بن ثابت، استشهد بها البخاريُّ في «الحيض») انتهى، ولم يزِد، ونحوُه في «الكاشف».

==========

[1] في (ب): (وإذا).

(1/838)

[2] في (ج): (بأكرفس)، وليس بصحيح.

[3] في (ج): (يعني).

[4] في (ب) و (ج): (وقيل).

[ج 1 ص 132]

(1/839)

[حديث: ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة]

320# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ): الذِي ظهر لي _والله أعلم_ أنَّه الحافظ المسنديُّ [1] عَبْد الله بن محمَّد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُوَاسْتَى، العبسيُّ الكوفيُّ، صاحب التَّصانيف، عن شريك، وابن المبارك، وهشيم، وعنه: البخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والفريابيُّ، وأبو يعلى، والباغنديُّ، قال الفلَّاس: ما رأيت أحفظ مِنْهُ، وقال صالح [2] جزرة: أحفظ من أدركت عند المذاكرة أبو بكر ابن أبي شيبة، توفِّي سنة (235 هـ)، أخرج له من روى عنه من الأئمَّة السِّتَّة، والنَّسائيُّ أيضًا له، وهو حجَّة كبير الشَّأن، وله ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عيينة، الإمام العلَّامة، الذي قال فيه الشَّافعيُّ: لولا سفيان ومالك؛ لذهب علم الحجاز، تقدَّم في أوَّل التَّعليق وبعده مرارًا.

قوله: (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ): تقدَّم الكلام على نسبها، وضبط (حُبيش)، وأنَّها من جملة المستحاضات التِّسع قبل هذا؛ فانظره في (الحيض).

قوله: (ذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب لمؤنَّث، تقدَّم.

قوله: (عِرْقٌ): تقدَّم، ويأتي.

قوله: (وَلَيْسَ بِالحَيْضَةِ): تقدَّم الكلام عليها [3]، وأنَّ [4] الفتح فيها أظهر فيما مضى؛ فانظره، فإنَّه مطوَّل هناك في هذا الباب، وهو هنا مفتوح في أصلنا بالقلم ومكسورٌ.

قوله: (فَإِذَا أَقْبَلَت الحَيْضَةُ): تقدَّم أنَّ الفتح فيها أظهر، وقد تقدَّم مُطوَّلًا، وهو هنا في أصلنا مفتوحًا بالقلم.

==========

[1] في (ج): (أبو بكر)، و (المسندي): ليس في (ب).

[2] (صالح): سقطت من (ب).

[3] (الكلام عليها): ليس في (ج).

[4] في (ج): (أنَّ).

[ج 1 ص 132]

(1/840)

[باب لا تقضي الحائض الصلاة]

قوله: (وَأَبُو سَعِيدٍ): هو سعد بن مالك بن سنان الخدريُّ صحابيُّ، تقدَّم بعض ترجمته، وأنَّه بالدَّال المهملة رَضِيَ اللهُ عنه.

==========

[ج 1 ص 132]

(1/841)

[حديث: كنا نحيض مع النبي فلا يأمرنا به]

321# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تقدَّم أنَّه التَّبُوْذَكيُّ الحافظ غير مرَّة، وتقدَّم الكلام على نسبته.

قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو ابن يحيى فيما ظهر لي العَوْذيُّ، وعَوْذ؛ بفتح العين المهملة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ذال معجمة، ابن سُوْد؛ بطن من [1] الأزد، (وقد تقدَّم الكلام عليه؛ فانظره، وهو حافظ كبير، أخرج له الجماعة) [2]، (وكذا قال بعض حفَّاظ العصر أنَّه العَوْذيُّ أيضًا، وبرهن عليه) [3].

قوله: (عن قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ): اعلم أنَّ الحافظ أبا سعيد العلائيَّ شيخ شيوخي قال في «مراسيله» ما لفظه: (قال أبو بكر بن خلَّاد: وسمعت يحيى _يعني: القطَّان_ يقول: قتادة عن معاذة _ يعني: العدويَّة_ لم يصحَّ)، ولم يتعقَّب ذلك العلائيُّ، ورأيت بخطِّي تجاه ذلك ما لفظه: (ووافق القطَّان على ذلك شُعْبَة، وأحمد، واِبْن مَعِين، وغيرهم، وفي ذلك نظر؛ إذ في «البخاريِّ» في «باب لا تقضي الحائض الصَّلاة»)، فذكرت هذا المكان، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ): تقدَّم أعلاه أنَّها العدويَّة، وهي أمُّ الصَّهباء البصريَّة الزَّاهدة، زوج صلة بن أشيم، عن عليٍّ، وعائشة، وعنها: قتادة، وأيُّوب،

[ج 1 ص 132]

وعمر بن ذرٍّ، قيل: كانت تحيي اللَّيل، توفِّيت سنة (83 هـ)، أخرج لها الجماعة.

قوله: (أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا [4]): هذه المرأة السَّائلة لعائشة [5] هي معاذة العدويَّة نفسُها راويةُ الحديث، وذلك لأنَّ في «صحيح مسلم» عن معاذة قالت: (سألتُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ما بال الحائض تقضي الصَّوم .... )؛ الحديث، قوله: (أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلَاتَهَا): (تَجزي)؛ بفتح أوَّله؛ أي: أتقضي؟ و (إحدانا): فاعل (تجزي)، و (صلاتَها): منصوبة مفعول، و (تجزي)؛ بمعنى: تقضي، كما تقدَّم، وجاء في رواية: (أتقضي [6] إحدانا صلاتها)، وليس (تُجزِي) هنا [7] بمعنى: تكفي الرُّباعيِّ، ولا يصحُّ أنْ تكون الصَّلاة فاعلًا؛ بمعنى: تقضي عنها؛ فإنَّها لَمْ تُصَلَّ [8] بعدُ، وإنَّما سألت عن قضائها.

قوله: (إِذَا طَهرَتْ): هو بفتح الهاء وضمِّها؛ لغتان في «الصِّحاح».

(1/842)

قوله: (أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟): الحرورويَّة: منسوبون إلى خوارج حروراء؛ بالمدِّ والقصر؛ وهي قرية تعاقدوا بها على رأيهم، وهي بقرب الكوفة على ميلين منها، ومعنى قولها: (أحروريَّة أنت؟): أنَّ [9] طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصَّلاة الفائتة في زمن الحيض، وهو مخالف للإجماع [10].

مسألة: لو قالت الحائض بعد طهرها: أنا أتبرَّع بقضاء الصَّلاة، فهل لها ذلك؟

قال الرُّويانيُّ من الشَّافعيَّة: يُكرَه، وقال أبو بكر محمَّد بن أحمد بن العَبَّاس البيضاويُّ الفارسيُّ الشَّافعيُّ أحد أصحاب الوجوه: لا يجوز، قال ذَلِكَ في كتاب «الأدلَّة في تعليل مسائل التَّبصرة»، واحتجَّ بهذا الحَدِيث: (أحروريَّة أنت؟).

==========

[1] (من): سقطت من (ب).

[2] ما بين قوسين جاء في (ب) بعد قوله: (وبرهن عليه).

[3] ما بين قوسين ليس في (ج).

[4] في هامش (ق): («صلاتها»: منصوب مفعول نقض؛ لأنَّ تجزئ معناه: نقض، و «إحدانا»: فاعل؛ فاعلمه).

[5] (لعائشة): ليس في (ج).

[6] في (ج): (تقضي).

[7] (هنا): سقطت من (ج).

[8] في (ب) و (ج): (تقبل).

[9] في (ج): (أي).

[10] في (ب): (وهو يخالف الإجماع).

(1/843)

[باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها]

(1/844)

[حديث: حضت وأنا مع النبي في الخميلة فانسللت]

322# قوله: (حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ): هذا طلحيٌّ كوفيٌّ، يقال له: الضَّخم، روى عن شيبان النَّحويِّ فقط، وعنه: البخاريُّ، والدارميُّ، وسنجة [1] ألف _كذا لقبه [2]، واسمه حفص بن عُمر، مشهور_ الرَّقِّيُّ [3]، توفِّي سنة (215 هـ)، انفرد به البخاريُّ.

قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): تقدَّم أعلاه أنَّه النَّحويُّ، وتقدَّم قبله أنَّه شيبان بن عَبْد الرَّحمن النَّحويُّ المؤدِّب، وتقدَّم أنَّه منسوب إلى قبيلة غير مرَّة، (وتقدَّم ما قال فيه ابن أبي داود) [4]، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (عن يَحْيَى): هو ابن أبي كَثِير، بكسر الثَّاء المثلَّثة، وفتح الكاف، تقدَّم مرارًا.

قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم مرارًا أنَّه أبو سلمة بن عَبْد الرَّحمن بن عوف، أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، واسمه عَبْد الله، وقيل: إِسْمَاعِيل، مشهور جدًّا.

قوله: (عن زَيْنَبَ بِنْتِ أمِّ [5] سَلَمَةَ): تقدَّم بعض ترجمتها رَضِيَ اللهُ عنها، ربيبة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

قوله: (أَنَّ [6] أُمَّ سَلَمَةَ): تقدَّم أنَّها زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، واسمها هند، وتقدَّم بعض ترجمتها، وهي آخر أمَّهات المؤمنين موتًا رَضِيَ اللهُ عنها.

قوله: (في الخَمِيلَةِ): هي _بفتح الخاء، وكسر الميم، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ لام، ثُمَّ تاء [7] التَّأنيث_ كساء ذو خمل، وهي كالقطيفة، أو هي هي، تقدَّمت.

قوله: (فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي): تقدَّم في أوائل (الحيض) [8] الكلامُ عليه مُطوَّلًا، وأنَّه بالكسر، قيَّده ابن قُرقُول عن أهل الإتقان.

قوله: (أَنفِسْتِ): تقدَّم أنَّ فيه لغتين؛ فتح النُّون وضمِّها، الفتح أفصح، ذكر ذلك في أوائل (الحيض).

(1/845)

[باب من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر]

(1/846)

[حديث أم سلمة: بينا أنا مع النبي مضطجعة في خميلة]

323# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ): تقدَّم أنَّه بفتح الفاء غير مرَّة.

قوله: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ): هذا هو هشام بن أبي عَبْد الله الدَّستوائيُّ، تقدَّم غير مرَّة، ولماذا نسب.

قوله: (عن يَحْيَى): تقدَّم مرارًا [1]، هو ابن أبي كَثِير.

قوله: (عن أَبِي سَلَمَةَ): تقدَّم أعلاه وقبله مرارًا.

قوله: (عن زَيْنَبَ بِنْتِ أمِّ [2] سَلَمَةَ): تقدَّمت أعلاه وقبله مرَّاتٍ.

قوله: (عَن أُمِّ سَلَمَةَ): تقدَّمت أنَّها هند، وتقدَّم بعض ترجمتها، رَضِيَ اللهُ عنها.

قوله: (مُضْطَجِعَة): هي بالرَّفع مع التَّنوين، وبالنَّصب معه، وهما ظاهران.

قوله: (في خَمِيلَةٍ): تقدَّم أعلاه ما هي، وضبطُها.

قوله: (ثِيَابَ حِيضَتِي): تقدَّم الكلام عليه أعلاه وقبله مُطوَّلًا في أوَّل (الحيض).

قوله: (أَنفِسْتِ): تقدَّم أعلاه.

==========

[1] زيد في (ج): (أنَّه).

[2] كذا في النسخ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أبي).

[ج 1 ص 133]

(1/847)

[باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين ويعتزلن المصلى]

(1/848)

[حديث حفصة: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين]

324# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ [قَالَ]: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ): كذا في أصلنا، وفيه أيضًا: (ابن سلَام)، ولكن عليه علامة نسخة، قال الجيَّانيُّ في «تقييده»: (وقال _يعني: البخاريُّ_ في «الصَّلاة»، و «الجنائز»، و «المناقب»، و «الطَّلاق»، و «التَّوحيد»، وغير ذلك: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ»، نسبه ابن السَّكن في بعضها: «ابن سلَام»، وقد صرَّح البخاريُّ باسمه في «الأضاحي»، وفي غير موضع، فقال: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بن سلَام: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ»، وذكر أبو نصر أنَّ البخاريَّ يروي في «الجامع» عن محمَّد بن سلَام، وبندار محمَّد بن بشار، وأبي موسى محمَّد بن المثنَّى، ومحمَّد بن عَبْد الله بن حوشب الطَّائفيِّ، عن عَبْد الوهاب الثَّقفيِّ) انتهى، وقد تقدَّم أنَّه منسوب في نسخة في [1] أصلنا داخلها، وليس في الهامش، وفي النُّسخة التي شرح شيخنا منها، وهي نسخة الدِّمياطيِّ، فيها: (محمَّد بن سلَام)، وكذا قال المِزِّيُّ في «تطريفه»: عن محمَّد بن سلَام عنِ الثَّقفيِّ، وتقدَّم أنَّ سلَامًا الأصحُّ فيه: التَّخفيف مُطوَّلًا.

قوله: (عَوَاتِقَنَا): العواتق: الجواري اللَّاتي أدركن، وفي «البارع»: العاتق: التي لم تبن عن أهلها، وقال أبو زيد: هي التي أدركت ما لَمْ تَعنَس، والعاتق: التي لم تتزوَّج، قال ثعلب [2]: سُمِّيت به؛ لأنَّها عتقت من ضرِّ [3] أبويها ولم تُملَك بعدُ بنكاح، وقال الأصمعيُّ: هي فوق المُعصِر، وقال ثابت: هي البكر التي لم تَبِن إلى زوج، وقال الخليل: جارية عتيق؛ أي: شابَّة، وقال الخطَّابيُّ: هي التي أدركت، وقال غيره: هي التي أشرفت على البلوغ، انتهى كلام «المطالع».

قوله: (فَقَدِمَت امْرَأَةٌ): هذه المرأة لا أعرفها، ولا أعرف اسمها، وكذا لا أعرف أختها، ولا زوج أختها [4]، وسيأتي كلام شيخنا الشَّارح في ذلك وأتعقَّبه [5].

قوله: (قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ): بالبصرة، يُنسَب إلى خلف جدِّ طلحة الطَّلحات بن عَبْد الله بن خلف الخزاعيِّ، قاله شيخنا الشَّارح.

قوله: (عن أُخْتِهَا): قال شيخنا الشَّارح: أختها هي أمُّ عطيَّة الأنصاريَّة، ثُمَّ قال بعيده: أورده الإِسْمَاعِيليُّ من حديث حفصة عن أمِّ عطيَّة وعن امرأة أخرى) انتهى.

(1/849)

قال ابن شيخنا البلقينيِّ: (وقِيلَ: إنَّ لأمِّ عطيَّة أختًا [6] اسمها ضباعة، روى حديثها الطَّبرانيُّ في «الأوسط» فيمن اسمه: عليُّ بن عَبْد العزيز، لكنَّ كونَها أختَها وهمٌ، وضباعة هي بنت الزُّبير) انتهى، وكذا فعل الذَّهبيُّ، فإنَّه ذكر ضباعة بنت الحارث أخت أمِّ عطيَّة، روت عن أختها في (الوضوء)، كذا ذكرها اِبْن عبد البَرِّ مختصرًا، وأمَّا ابْن منده وأبو نعيم فلم يفرداها، بل ذكرا حديثها لضباعة بنت الزُّبير مع حديث الأشراط في (الحجِّ)، ثُمَّ صحَّح أنَّ الحديث لضباعة بنت الزُّبير، وأنَّ [7] تلك وهم، وقد راجعت «الاستيعاب»؛ فوجدته كما ذكره الذَّهبيُّ عنه، والله أعلم، وقد قدَّمت أنِّي لا أعرف أختها ولا زوجها.

قوله: (وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ غَزْوَةً): تقدَّم أنِّي لا أعرفه بعينه، ولا أعرف اسمه، ولا المرأة،

[ج 1 ص 133]

ولا زوج أختها بعينه، والذي قاله شيخنا الشَّارح من أنَّ الأخت أمُّ عطية فيه نظر؛ فيُحرَّر [8]. وقد تقدَّم كلام الإِسْمَاعِيليِّ، وكذا كلام ابن شيخنا البلقينيِّ، واِبْن عبد البَرِّ، والذَّهبيِّ، وزوج أمِّ عطيَّة لا أعرفه أيضًا، والمرأة التي قدمت فحدَّثت لا حجَّة فيها؛ لأنَّها مجهولة، وأختها صحابيَّة لا يضرُّ الجهل بعينها، وقد قالوا في مثل هذه الرِّواية: إنَّها منقطعة، وفي الأصول نعت ذلك بالمرسل، والصَّحيح: أنَّه موصول في سنده [9] مجهول، والحجَّة في رواية حفصة _وهي بنت سيرين_ عن أمِّ عطيَّة، والله أعلم، (لا في المرأة التي حدَّثت عن أختها؛ لأنَّها مجهولة وليست بصحابيَّة، والله أعلم) [10].

قوله: (وَكَانَتْ أُخْتِي معهُ فِي سِتٍّ): كذا هنا، قال شيخنا: (وفي «الطَّبرانيِّ»: أنَّها غزت معه سبعًا) انتهى.

قوله: (الْكَلْمَى): أي: الجرحى.

قوله: (فَسَأَلَتْ أُخْتِي): تقدَّم أنَّ شيخنا قال: إنَّ أختها أمُّ عطيَّة، وأنِّي قلت: إنِّي لا أعرفها؛ فيُحرَّر.

(1/850)

قوله: (جِلْبَابٌ): هو بكسر الجيم، وإسكان اللَّام، ثُمَّ باءين موحَّدتين، بينهما ألفٌ، قال ابن شميل: هو ثوب أقصر من الخمار وأعرض، وهي المقنعة [11] تغطِّي بها المرأةُ رأسَها، وقال غيره: هو ثوب واسع دون الرِّداء تغطِّي به المرأة ظهرها وصدرها، قال ابن الأعرابيِّ: هو الإزار، وقال غيره: هو الخمار، وقيل: هو كالمُلاءة والملحفة، وحَكى النَّوويُّ في «شرح المهذَّب» وغيره أقوالًا؛ أصحَّها: أنَّها الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها.

قوله: (مِنْ جِلبَابِهَا): حمله بعضهم على المواساة فيه، وأنَّه واحد، وقيل: المراد به الجنس؛ أي: لتُعِرْها من جلبابها، أو يكون على طريق المبالغة في الحضِّ على أنْ تخرج ولو اثنتان في جلباب، وقد رواه أبو داود: (من جلابيبها)، فهذا يدلُّ أنَّه الجنس، والله أعلم.

قوله: (بِأَبِي): قال ابن قُرقُول: (كذا للقابسيِّ والأصيليِّ، ولغيرهما: «بِيَبِي»، وقد ضبطه الأصيليُّ مرَّة هكذا، وضبطه أبو ذرٍّ في «كتاب العيدين»، و «كتاب الحيض»: «بأبي»، وعنه: أيضًا: «بِيَبَى»، وضبطه بعض الرُّواة عنِ الأصيليِّ: «بابا»؛ بألف ساكنة بينهما، ووقع عند القابسيِّ في «باب خروج الحُيَّض إلى المصلَّى»: «أمرنا نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم»)، قال في «المطالع»: (وكلُّ ذلك صحيح في اللُّغة، قال ابن الأنباريِّ: «معناه: بأبي هو، ثُمَّ حذف؛ لكثرة الاستعمال، قال: وهي ثلاث لغات: بأبي، وبِيَبِي _وهو تسهيل الهمزة_ وبَيْبى، كأنَّه جعله اسمًا واحدًا، وجعله مثل: غَضْبَى وسَكْرَى ... ) إلى آخر كلامه، وفي «النِّهاية»: (وذكر الحديث: (قالت: بأباه): أصله: بأبي هو، يقال: بأبأت الصَّبيَّ؛ إِذَا قلت له: بأبي أنت وأمِّي، فلمَّا سُكِّنت الياء؛ قلبت ألفًا؛ كما قِيلَ: يا ويلتى! وفيها ثلاث لغات: بهمزة مفتوحة بين الباءين، وبقلب الهمزة ياء مفتوحة، وبإبدال الياء الآخرة ألفًا، وهي هذه، والباء الأولى في (بأبي أنت وأمِّي): متعلِّقة بمحذوف، قيل: هو اسم، فيكون ما بعده مرفوعًا؛ تقديره: أنت مُفدًّى بأبي وأمِّي، وقيل: هو فعل، وما بعده منصوب؛ أي: فديتك بأبي وأمِّي، وحذف هذا المقدَّر تخفيفًا؛ لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به، انتهى.

قوله: (الحُيَّضُ): هو بهمزة ممدودة، وهي همزة الاستفهام، و (الحُيَّضُ)؛ بضمِّ الحاء، ثُمَّ ياء مشدَّدة مفتوحة، جمع (حائض).

==========

[1] في (ب): (من).

[2] في (ج): (تغلب).

(1/851)

[3] في «المطالع» (&): (عن خدمة).

[4] (ولا زوج أختها): ليس في (ج).

[5] في (ب): (والعقبة).

[6] في النسخ: (أخت)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.

[7] في (ج): (فإنَّ).

[8] (فتحرر): ليس في (ج).

[9] زيد في (ج): (هو).

[10] ما بين قوسين ليس في (ج).

[11] في (ج): (المقنعنة)، وهو تحريفٌ.

(1/852)

[باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض]

قوله: (وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ): (يُصدَّق)؛ بضمِّ أوَّله، وتشديد الدَّال، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (النِّساءُ): قائم مقام الفاعل.

قوله: (وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ): أمَّا (عليٌّ)؛ فهو ابن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنه، مشهور التَّرجمة، وأمَّا (شريح)؛ فهو بالشِّين المعجمة المضمومة وفي [1] آخره حاء مهملة، وهو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم بن معاوية، القاضي أبو أميَّة الكنديُّ، ولَّاه عُمر رَضِيَ اللهُ عنه القضاء بالكوفة، ووُلِّيَ قضاء البصرة وقتًا، سمع عمر وعليًّا، وعنه: إبراهيم، وأبو حَصِين، وقيل: إنَّه تعلَّم من معاذ باليمن، تُوفِّي سنة (78 هـ)، وقيل: سنة (80 هـ)، أخرج له من أصحاب الكتب النَّسائيُّ، قال ابن معين: كان في زمنه عليه الصَّلاة والسَّلام ولم يسمع منه، وهو مشهور التَّرجمة، فلا نطوِّل بها رحمه الله تَعَالَى.

قوله: (وَيُذْكَرُ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وهو صيغة تمريض.

قوله: (مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا): البطانة: دخلاء الشَّخص ومن يختصُّ به، والبطانة أيضًا: السَّريرة، فسُمِّي من يطَّلع على السَّريرة: بطانة.

قوله: (مِمَّنْ يُرْضَى [2] دِينُهُ): (يُرضَى) [3]: مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، و (دينُه): مرفوع قائم مقام الفاعل.

قوله: (صُدِّقَتْ): هو بضمِّ الصَّاد، وكسر الدَّال المشدَّدة، مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله.

قوله: (وَقَالَ عَطَاءٌ): تقدَّم أنَّه عطاء [4] بن أبي رَباح، مُفتِي أهل مكَّة، وهو مشهور جدًّا، وكذا في قوله بعده: (وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحَيْضُ): هو ابن أبي رَباح.

قوله: (وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ): هو ابن يزيد النَّخعيُّ الكوفيُّ الفقيه، تقدَّم.

(1/853)

قوله: (وَقَالَ مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ): أمَّا (مُعتمِرٌ)؛ فهو ابن سُلَيْمَان بن طرخان، يروي المعتمر عن أبيه، ومنصور، وعبد الملك بن عمير، وعنه: ابن مهديٍّ، وعفَّان، ومُسَدَّد، وابن عرفة، وُلِد سنة (106 هـ)، وتُوفِّي سنة (187 هـ)، وكان رأسًا في العلم والعبادة؛ كأبيه، أخرج له الأئمَّة السِّتَّة، قال ابن حِراش: صدوق يُخطِئ من حفظه، وإذا حدَّث من كتابه؛ فهو ثقة، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: (قلت: هو ثقة مطلقًا، ونقل ابن دحية عنِ ابن معين: ليس بحجَّة) انتهى لفظ «الميزان»، ووالده سُلَيْمَان بن طرخان التَّيميُّ، نزل فيهم بالبصرة، من السَّادة، سمع أنسًا وأبا عثمان النَّهديَّ، وعنه: أبو عاصم، ويزيد بن هارون، والأنصاريُّ، ومناقبه جمَّة، تُوفِّي سنة (143 هـ)، أخرج له الجماعة، قال في «الميزان»: (الإمام، أحد الأثبات، قيل: كان يدلِّس عنِ الحسن وغيره ما لَمْ يسمعه) انتهى لفظه.

وهذا ليس بجرح، إِنَّمَا الجرح تدليس التَّسوية، وأمَّا هذا؛ فلا، والله أعلم.

قوله: (بَعْدَ قرْئِهَا): القرْء؛ بِفتح القاف وضمِّها؛ لغتان، حكاهما القاضي عياض، وأبو البقاء، وغيرهما، أشهرهما الفتح، وهو الذي قاله جمهور أهل اللُّغة، واقتصروا عليه، وممَّن حكى اللُّغتين الخطَّابيُّ في «معالمه» في (الحيض)، وجمعه في القلَّة: أَقْرُءٌ، وفي الكثرة: قُرُوءٌ، قال الواحديُّ: هذا الحرف من الأضداد، يقال للحيض والطُّهر [5]، والعرب تقول: أقرأت المرأة، في الأمرين جميعًا، وعلى هذا: يونس، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيد،

[ج 1 ص 134]

وأبو عبيدة: أنَّها من الأضداد، وهي في لغة العرب مُستعمَلة في المعنيين جميعًا، وكذلك في الشَّرع، ومن هذا الاختلاف [6] في اللُّغة؛ وقع الخلاف في (الأقراء) بين الصَّحابة وفقهاء الأمَّة؛ فعند عليٍّ، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعريِّ، ومجاهد، ومقاتل، وفقهاء الكوفة: أنَّها الحيض، وعند زيد بن ثابت، وابن عُمر، وعائشة، ومالك، والشَّافعيِّ، وأهل المدينة: أنَّها الأطهار، وهذا الخلاف فيما ذكر منها في العدَّة، فأمَّا كونها حيضًا وطهرًا، وأنَّ اللَّفظ صالح لهما جميعًا؛ فممَّا لم يختلف فيه أحدٌ، وأصل هذا اللَّفظ واشتقاقه مختلفٌ فيه أيضًا، والله أعلم.

(1/854)

[حديث: لا إن ذلك عرق]

325# قوله: (أَبُو أُسَامَةَ): هو حمَّاد بن أسامة _تقدَّم مرارًا_ الكوفيُّ الحافظ، رحمه الله.

قوله: (أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ): تقدَّم الكلام عَلَيها رَضِيَ اللهُ عنها، وأنَّها إحدى المستحاضات، وتقدَّم قريبًا ضبط (أَبِي حُبَيْشٍ)، واسمه ونسبه.

قوله: (إِنَّ ذَلِكِ): تقدَّم أنَّه بكسر الكاف، خطاب لمؤنَّث.

قوله: (عِرْقٌ): تقدَّم أنَّه العاذل، وأنَّه يأتي الكلام عليه [1] مُطوَّلًا قريبًا.

==========

[1] (عليه): مثبت من (ج).

[ج 1 ص 135]

(1/855)

[باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض]

قوله: (بَاب الصُّفْرَةِ وَالكُدْرَةِ في غَيْرِ أَيَّامِ الحَيْضِ [1]): ذكر فيه كلام أُمِّ [2] عَطِيَّةَ: (كُنَّا لَا نَعُدُّ ... ) إلى آخره، كذا [3] هو في «الصَّحيح»، وفي رواية لأبي داود والحاكم على شرطهما: (بعد الطُّهر شيئًا)، والذي صنعه البخاريُّ صنيع حَسَنٌ لَطِيف.

==========

[1] في هامش (ق): (وفي كتاب ابن داود: كُنَّا لا نعد الصُّفرة والكُدرة بعد الطهر شيئًا).

[2] في (ج): (ابن)، وليس بصحيح.

[3] في (ج): (وكذا).

[ج 1 ص 135]

(1/856)

[باب عرق الاستحاضة]

قوله: (بَاب عِرْقِ الاسْتِحَاضَةِ): تقدَّم أنَّ العِرْق: بكسر العين، وإسكان الرَّاء، وبالقاف، وأنَّه يقال له: العاذل؛ بالذَّال المعجمة مكسورة، وباللَّام، وتُبدَل اللَّامُ راء، حكاها الجوهريُّ، وقال: أو هي لثغة، وهذا العرق فمه في أدنى الرَّحم.

==========

[ج 1 ص 135]

(1/857)

[حديث: أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين]

327# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تقدَّم مرارًا [1]، محمَّد بن عَبْد الرَّحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، العالم المشهور.

قوله: (عن ابْنِ شِهَابٍ): تقدَّم أنَّه الزُّهْرِيُّ محمَّد بن مُسْلِم بن عبيد الله بن عَبْد الله بن شهاب، العَلَمُ المَشْهُور.

قوله: (عن عُرْوَةَ وَعن عَمْرَةَ، عن عَائِشَةَ): اعلم أنَّ الزُّهْرِيَّ روى هذا الحديث عنِ الاثنين: عروة بن الزُّبير، وعمرة بنت عَبْد الرَّحمن؛ كلاهما عن عائشة، ولكن ظهر لي في كَونه [2] أَتَى بالواو وحرف الجر؛ لفائدة؛ وهي أنَّه سَمِعَهُ مِنْ كُلِّ واحد في مَجْلس، ولَمْ يَسْمعه مِنْهُمَا في مَجلسٍ وَاحد؛ فَلهذا أَتَى به كذلك، وأنَّه لو كان سمعه منهما في مجلس؛ لقال: عن عروة وعمرة، أو أنَّه حدَّث به مرَّة: عن عروة عن عائشة، ومرَّة: عن عمرة عن عائشة، فجاء البخاريُّ أو من قبله، فجمع بينهما، فصار كذلك، والله أعلم.

قوله: (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ [3] اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ): (أُمُّ حَبِيبَةَ): هذه [4] هي بنت جحش، إحدى [5] المستحاضات التِّسع المذكورات فيما تقدَّم، ويقال لها: أمُّ حبيب؛ بلا هاء، قال شيخنا الشَّارح: (وصحَّحه الحربيُّ والدَّارقطنيُّ، وصحَّح إثباتها الغسَّانيُّ، ونقله الحميديُّ عن سفيان، وابن الأثير عنِ الأكثر، قال أبو عُمر: والصَّحيح: أنَّها وأختها زينب مستحاضتان، ووهَّاه ابن العربيِّ، وحَكى القاضي عن بعضهم: أنَّ بنات جحش الثَّلاث كلٌّ منهنَّ اسمها زينب، ولقب إحداهنَّ: حمنة، وكنية الأخرى: أمُّ حبيبة، وإذا كان هكذا؛ فقد سلم مالكٌ من الخطأ في تسمية أمِّ حبيبة: زينب، انتهى، وللناس كلام في بنات جحش وفي هذه هل هي «أمُّ حبيبة» أو محذوفة التَّاء؟ أكثرُ من هذا، ويكفي هذا القدر، والله أعلم، واعلم أنَّ في الصَّحابيَّات من يكنى بأمِّ حبيبة؛ بالتَّاء: زوج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بنت أبي سفيان، وهذه المستحاضة على الصَّحيح، وقيل فيها [6]: أمُّ حبيب؛ بغير تاء، وأمُّ حبيبة [7] بنت نباتة الأسَديَّة، أسلمت بمكَّة وهاجرت، قاله ابن سعد.

(1/858)

وأمَّا من يقال لها: أمُّ حبيب؛ بغير تاء؛ فبنت العاصي بن أميَّة بن عَبْد شمس، قال الذَّهبيُّ: في إدراكها الإسلامَ بُعْدٌ، وأمُّ حبيب بنت العَبَّاس: لها ذكر في حديث لأخيها عَبْد الله بن عَبَّاس، لها رؤية [8]، وقد حَمَّرَ عَلَيْها الذَّهبيُّ؛ فالصَّحيح [9] عنده: أنَّها تابعيَّة، وذلك لأنَّ شرط الرُّؤية التي يُعَدُّ بها الشَّخص صحابيًّا مع الإسلام: التَّمييزُ، وهذه لَمْ تكن مميِّزة، فلهذا قال: (لها رؤية)؛ وحَمَّرَ عَلَيْها، وأمُّ حبيب مولاة لأمِّ عطيَّة، روى لها الطَّبرانيُّ حديثًا، وأمُّ حبيب بنت جحش على قول، والصَّحيح خلافه، كما تقدَّم، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ج): (أنَّه).

[2] في (ج): (أنَّه).

[3] في هامش (ق): (صوابه: أنَّ أم حبيبٍ بنت جحش أخت زينب، وعبد الله، وعبيد الله، قال أحمد: عبد أو عبيد بن جحش و بنته حبيبة أخته، قوله: (أنَّ أم حبيبة): قال ابن سيد الناس في «سيرته»: بنات جحش وكان اسمها برة، فسماها رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زينب التي كانت عند زيد بن حارثة، ونزل فيها: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، وكان زيد بن حارثة مولى النَّبيِّ؛ طلقها، فلما حلت؛ زوجها إياها من السماء سنة أربع، وقيل: سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، وهي يومئذٍ بنت خمس وثلاثين سنة، وحمنة التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأم حبيبة قال السهيليُّ: وأم حبيب، وكذا قال ابن عبد البَرِّ قال: وهو قول الأكثر، وأمَّا الحافظ أبو القاسم بن عساكر؛ فعنده أم حبيبة، واسمها حمنة إيهامًا على هذا فقط، والسهيلي يقول: كانت زينب تحت زيد بن حارثة، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة تحت مصعب بن عُمير).

[4] (هذه): ليس في (ج).

[5] زيد في (ب): (الصَّحابيات).

[6] في (ج): (إنَّها).

[7] (وأم حبيبة): سقطت من (ج).

[8] في (ج): (رواية).

[9] في (ج): (والصَّحيح).

[ج 1 ص 135]

(1/859)

[باب المرأة تحيض بعد الإفاضة]

قوله: (بَعْدَ الإِفَاضَةِ): يعني: بعد طواف الإفاضة، واعلم أنَّ طواف الإفاضة يقال له ذلك، ويقال له أيضًا: طواف الزيارة، وطواف الرُّكن، وقد يُسمَّى أيضًا: بطواف الصَّدَر، والأشهر: أنَّ طواف الصَّدَر طوافُ الوداع، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 135]

(1/860)

[حديث: لعلها تحبسنا؟! ألم تكن أفاضت معكن]

328# قوله: (إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ): هذه زوجه [1] عليه الصَّلاة والسَّلام رَضِيَ اللهُ عنها، وأبوها (حُيَيٌّ)؛ بضمِّ الحاء المهملة وتكسر [2]، ثُمَّ ياء باثنتين من تحت مفتوحة، ثُمَّ أخرى مشدَّدة، وزانُ (عُلَيٍّ) المصغَّر، و (حُيَيٌّ): هو ابن أَخْطَب؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ خاء معجمة ساكنة، ثُمَّ طاء مهملة، ثُمَّ موحَّدة، وهي نَضَرِيَّة من بني النَّضِير، من ولد هارون بن عمران أخي موسى بن عمران صلَّى الله علَيْهِما وَسَلَّم، وأمُّها: برَّة بنت سموءل [3]، ترجمتها معروفة، تُوفِّيت سنة (50 هـ)، وقيل: سنة (52 هـ)، وقيل: سنة (36 هـ)، وهذا غريب ضعيف، وهي مدفونة بالبقيع بالاتِّفاق، تزوَّجها عليه الصَّلاة والسَّلام وهي بنت سبعَ عشرةَ سنة، سَبَاهَا في رمضان من خيبر، في آخر السَّادسة أو في أوَّل السَّابعة، على ما تقدَّم من القولين في فتحها، وتقدَّم مدركهما، ثُمَّ أعتقها وتزوَّجها رَضِيَ اللهُ عنها.

==========

[1] في (ب): (زوجته).

[2] (وتكسر): ليس في (ج).

[3] في (ج): (شموال).

[ج 1 ص 135]

(1/861)

[حديث ابن عباس: رخص للحائض أن تنفر إذا حاضت]

329# 330# قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): هو تصغير: وَهْب، وقد تقدَّم أنَّه ابن خالد الباهليُّ مولاهم، الكرابيسيُّ [1]، الحافظ، وتقدَّم بعض ترجمته.

قوله: (رُخِّصَ لِلحَائِضِ): هو مبنيٌّ لما لم يُسَمَّ فاعله، وأمَّا الثَّانية؛ فإنَّها بالفتح، مبنيَّة للفاعل، وهذا ظاهر جدًّا.

قوله: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2]): (إنَّ): بكسر الهمزة، وكذا هي في أصلنا.

==========

[1] في (ج): (الكرابيشي).

[2] (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم): مثبت من (ب).

[ج 1 ص 135]

(1/862)




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقد أبطل الله كل طلاق سبق علي تنزيل طلاق سورة الطلاق 5هـ

  المقدمة الأولي /التفصيل القريب و الصواب في التفصيل الاتي 1= نزلت أحكام الطلاق في ثلاث سور قرانية أساسية تُشرِّع قواعده علي المُدرَّج ال...