سورة الطلاق مشاري

**

 المصحف المرتل ختمة كاليفورنيا

** ///

طلاق سورة الطلاق  إعجازٌ وضعه الله في حرفٍ.حيث وضع الله الباري إعجاز تبديل أحكام الطلاق التي كانت  في سورة البقرة 2هـ  إلي أحْكَمِ  أحكامها  في  سورةِ الطلاقِ 5هـ لينتهي كل متشابهٍ  وظنٍ وخلافٍ واختلافٍ  إلي الأبد وحتي يوم القيامة ..وسورة الطلاق5هـ نزلت بعد سورة البقرة2هـ بحوالي عامين ونصف تقريباً يعني ناسخة لأحكام طلاق سورة البقرة2هـ .

الأربعاء، 5 أبريل 2023

ج13و ج14.التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح) لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

 ج13وج14.

 ج13. : التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع ال صحيح) لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل

الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

[حديث: والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة ... ]

3248# قوله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ): هذا هو ابن عبد الرَّحْمَن النَّحْويُّ المؤدِّب، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ): (أُهديَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (جبَّةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، والذي أهدى هذه الجبَّة: هو صاحب دومةِ الجَنْدل أُكَيدر بن عبد الملك، وقد قَدَّمْتُ الكلام عليه، وفي «طبقات ابن سعد»: منسوجةٌ بالذهب، وكذا قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ) [خ¦3249]؛ هو هذه الجبَّة، و (أُتيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا): إن قيل: لم خصَّ المنديل دون غيره؟ فالجواب: أنَّ المنديل يُمتَهن غالبًا، ولا يكون غالبًا إلَّا دون ثياب الشخص في الرِّقَّة والحُسن، وإذا كان كذلك ممَّا يُمتَهن، وهو دون ثياب الشخص؛ فما ظنُّك بثيابه؟! والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (رَسُولُ اللهِ).

[ج 1 ص 841]

(1/6234)

[حديث: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا]

3249# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا [1] هو القَطَّان شيخ الحُفَّاظ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) هذا: هو الثَّوْريُّ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): هو عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ.

[ج 1 ص 841]

قوله: (أُتِيَ رَسُولُ اللهِ): تَقَدَّمَ قريبًا جدًّا أنَّه مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

(1/6235)

[حديث: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها]

3250# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن [1] المدينيِّ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) هذا: هو ابن عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ (أَبُو حَازِم) أنَّه سلَمة بن دينار.

==========

[1] (ابن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 842]

(1/6236)

[حديث: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها]

3251# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي عروبة، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ [1] مِئَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا): هذه الشجرة: الظاهر أنَّها طُوْبَى، هكذا جاء في «مسند أحمد» و «أبي يعلى الموصليِّ» من حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أنَّ رجلًا قال له: يا رسول الله؛ طوبى لمن رآك وآمن بك؟ قال: «طوبى لمن رآني وآمن بي» ... إلى أن قال: قال رجلٌ: وما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنَّة مسيرة مئة عامٍ، ثياب أهل الجنَّة تخرج من أكمامها»، وفي «مسند عبد» في (مسند أبي هريرة): قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنَّ في الجنَّة لَشجرةً يسير الراكب في ظلِّها مئة عام أو سبعين [2] عامًا»، قال شعبة: ولا [3] أُراه إلَّا (مئة عام)، ثمَّ قال: «مئة عام لا يقطعها، شجرة الخلد»، انتهى.

قوله: (فِي ظِلِّهَا): قال ابن قرقول: أي: في ذراها وكنفها، أو راحتها ونعيمها، ونحوه لابن الأثير.

فإن قلت: وما أحوجَهم إلى هذا التأويل؟ وهلَّا قالا بظاهره؟ والجواب: أنَّ الظلَّ المتعارَفَ عندهم إنَّما هو وقاية حرِّ الشمس وأذاها، وليس في الجنَّة شمسٌ، وإنَّما هي أنوارٌ متوالية لا حرَّ فيها ولا قرَّ، بل لَذَّات متوالية، ونِعَمٌ متتابعة، والله أعلم.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (فِي ظِلِّهَا).

[2] في (ب): (ستين)، وهو تحريفٌ.

[3] زيد في (ب): (أعلم).

[ج 1 ص 842]

(1/6237)

[حديث: إن في الجنة لشجرةً يسير الراكب في ظلها مائة سنة]

3252# 3253# قوله: (وَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا.

قوله: (وَلَقَابُ قَوْسِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

==========

[ج 1 ص 842]

(1/6238)

[حديث أبي هريرة: أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر]

3254# قوله: (كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ): (أحسنِ): مجرورٌ بالكسر؛ لأنَّه أُضيف.

قوله: (دُرِّيٍّ): (الدرِّيُّ): الثاقب المضيء، نُسِب إلى الدُّرِّ؛ لبياضه، يُقال بضَمِّ الدال، وقد تُكسر.

قوله: (إِضَاءَةً): تَقَدَّمَ قريبًا، وأنَّه مَنْصُوبٌ على التمييز.

قوله: (لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ): كذا (زوجتان) وهي لغة، تَقَدَّمَت، والأفصح: زوجان.

إن قلت: ما الجمع بين هذا وبين الذي في بعض «السُّنن»: «ما من أحدٍ يُدخِلُه الله الجنَّة إلَّا زوَّجه ثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النَّار» _قال هشام بن خالد: (من ميراثه من أهل النار)؛ يعني: رجالًا دخلوا النار، فورث [1] أهلُ الجنَّة نساءهم؛ كما وُرِّثت امرأة فرعون، وكذا الحديث الآخر المتضمِّن: «سبعين من الحور العين»، على تقدير صحَّة ما في بعض «السنن»، فإنَّ في [2] سنده خالد بن يزيد، ضعَّفوه_ وبين الحديث الذي في «أبي يعلى» من رواية أبي هريرة قال: حدَّثنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو في طائفةٍ من أصحابه ... ؛ فذكر حديثًا طويلًا وفيه: «فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجةً ممَّا يُنشِئ الله، وثنتين من ولد آدم»، وهذا قطعة من حديث الصُّوْر الطويل، ولا يُعرَف إلَّا من حديث إسماعيل بن رافع، وقد ضعَّفه أحمد، (ويحيى، وجماعة، وقال الدَّارَقُطْنيّ) [3] وغيره [4]: متروك الحديث، ولكن إذا روى مثل هذا ممَّا يخالف الأحاديث الصحيحة؛ لم يُلتفَت إليه، وأيضًا الرجل الذي روى عنه القرطبيُّ لا يُدرى من هو، وظاهر الكلام: ثبوت ثنتين من الحور العين فقط، ولم يُتعرَّض فيه كم للمؤمن من نساء الدنيا، غير أنَّهن أقلُّ أهل الجنَّة بالأحاديث الثابتة؟

(1/6239)

والجواب: أنَّه ليس في قوله: «زوجتان من الحور العين» _وكذا حديث أبي يعلى [5]_ ما ينفي [6] الزيادة على الذي له، على طريق الأصالة والإرث، ولا ينفي رواية: (سبعين)؛ لأنَّه ليس في ذكر القليل ما ينفي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، ولا يُعمَل به عند جمهور الأصوليِّين، وفي «المسند» من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّ له من الحور العين لَاثنتين وسبعين زوجةً سوى أزواجه من الدنيا»، فيه: مسكين بن عبد العزيز ضعَّفه النَّسائيُّ، وشهر بن حَوْشَب ضعْفُه مشهور، وهو منكَر مخالف للأحاديث الصحيحة، فإنَّ طولَ ستِّين ذراعًا لا يحتمل أن تكون صاحبته مقعدها بقدر ميل من الأرض، والذي في «الصحيح»: «أوَّل زمرةٍ تَلِجُ الجنَّة لكلِّ امرئٍ منهم زوجتان من الحور العين»، فكيف يكون لأدناهم ثنتان وسبعون من الحور العين، وأقلُّ ساكني الجنَّة نساءُ الدنيا؟ فكيف يكون لأدنى أهل الجنَّة جماعةٌ منهنَّ؟! وذكر شيئًا آخر في الحديث منكرًا.

ثمَّ اعلم أنَّه جاءت أحاديثُ بزيادةٍ على ثنتين وسبعين، فورد: (ثلاث وسبعون)، وفي سنده: أحمد بن حفص هو السعديُّ، له مناكير، والحجَّاج بن أرطاة، وجاء: (أنَّ الشخص يُفضي إلى مئة عذراء)، رواه الطَّبَرانيُّ، ثمَّ [7] قال: لم يروه عن هشام إلا زيادة، تفرَّد به الجعفيُّ؛ يعني: عليَّ بن حسين الجُعفيَّ، قال الضياء مُحَمَّد بن عبد الواحد المقدسيُّ الحافظ: رجال هذا الحديث عندي على شرط «الصحيح»، وروى أبو الشيخ من حديث ابن عَبَّاسٍ: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «والذي نفسي بيده؛ إنَّ الرجل يُفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء»، في سنده: زيد بن الحواريِّ مُختلَف فيه.

(1/6240)

قال ابن إمام الجوزيَّة: والأحاديث الصحيحة إنَّما فيها: «لكلٍّ منهم زوجتان»، وليس في «الصحيح» زيادةٌ على ذلك، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظةً؛ فإمَّا أن يُراد بها ما لكلِّ واحدٍ من السراري زيادةً على الزوجتين، ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلَّة والكثرة، وإمَّا أن يراد به: أنَّه يُعطى قوَّة من يُجامع هذا العدد، ويكون هذا هو المحفوظ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى، فقال: له كذا وكذا زوجة، وقد روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» من حديث قتادة عن أنس عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «يُعطى المؤمن في الجنَّة قوَّة كذا وكذا من الجماع»، قيل: يا رسول الله؛ أوَيطيق ذلك؟ قال: «يعطى قوَّة مئة»، هذا حديث صحيح، فلعلَّ من روى: (يُفضي إلى مئة عذراءَ) رواه بالمعنى، أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات، والله أعلم، ولا ريب أنَّ للمؤمن في الجنَّة أكثرَ من اثنتين؛ لما في «الصحيحين»، ثمَّ ذكر حديث أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ للعبد المؤمن في الجنَّة لَخيمةً من لؤلؤة مجوَّفة، طولها ستُّون ميلًا، للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، لا يرى بعضهم بعضًا»، انتهى.

وقد روى أبو الشيخ ابن حيَّان الحافظ أبو مُحَمَّد في كتاب «طبقات المحدِّثين»، وفي كتاب «العظَمة» من حديث ابن [8] أبي أوفى بسند ضعيف: «إنَّ الرجل من أهل الدنيا لَيتزوَّج خمس مئة حوراء، وأربعةَ آلافِ بكرًا، وثمانية آلاف بنتًا، يعانق كلَّ واحدةٍ منهنَّ مقدار عمرِه في الدنيا»، والله أعلم.

تنبيه: روى المُسَيَّب بن شريك عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} [الواقعة: 35 - 36]، قال: هنَّ [9] عجائز الدنيا، أنشأهنَّ الله خلقًا جديدًا، كلَّما أتاهنَّ أزواجهنَّ؛ وجدوهنَّ أبكارًا، فلمَّا سمعت عائشة رضي الله عنها؛ قالت: وا وجعاه! [10] فقال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ليس هناكِ وجع»، المُسَيَّب بن شريك أبو سعيد التميميُّ السعديُّ الكوفيُّ _عن الأعمش_ ليس بشيء، وقال مسلم وجماعة: متروك، له ترجمة في «الميزان».

(1/6241)

ورُويَ عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما أنَّه قال: «إنَّ الرجل من أهل الجنَّة لَيعانق الحوراء سبعين سنةً، لا يملُّها ولا تملُّه، كلَّما أتاها؛ وجدها بكرًا، وكلَّما رجعت إليه؛ عادت شهوته [11]، فيجامعها بقوَّة سبعين رجلًا، لا يكون بينهما منيٌّ، يأتي من غير منيٍّ منه ولا منها»، وقال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]: أي: مطهَّرةٌ من الحيض، والغائط، والبول، والنُّخام، والبصاق، والمنيِّ، والولد، ذكره ابن المبارك.

قوله: (يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ): (يُرى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مُخُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وإن شئت؛ فقل: (يَرى)؛ مَبْنيٌّ للفاعل، و (مُخَّ): مَنْصُوبٌ مفعول.

==========

[1] في (ب): (فورثوا).

[2] زيد في (ب): (السنن في).

[3] ما بين قوسين سقط من (ب).

[4] زيد في (ب): (منكر)، وهو سبق نظر.

[5] (وكذا حديث أبي يعلى): ليس في (ب).

[6] في (ب): (يبقي)، وكذا في الموضع اللاحق، وهو تصحيف.

[7] (ثم): ليس في (ب).

[8] (ابن): سقط من (ب).

[9] في (ب): (من)، وهو تحريفٌ.

[10] في (ب): (واوجعتاه).

[11] في (ب): (تنويه)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 842]

(1/6242)

[حديث البراء: إن له مرضعًا في الجنة]

3255# قوله: (لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ): تَقَدَّمَ متى مات إبراهيم ابن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، والخلاف في مبلَغ عمره في (الجنائز).

فائدة: إن قيل: فهل يولد لأهل الجنَّة؟

فالجواب: أنَّ التِّرْمِذيَّّ روى من حديث أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنَّة؛ كان حمله ووضعه وسنُّه في ساعةٍ كما يشتهي»، قال التِّرْمِذيُّ: حسن، وأخرجه ابن ماجه وقال: (في ساعة واحدة)، قال التِّرْمِذيُّ: وقد اختلف أهل العلم في هذا؛ فقال بعضهم: في الجنَّة جِماعٌ ولا يكون ولد، هكذا يُروى عن طاووس، ومجاهد، وإبراهيم النَّخَعيِّ، وقال مُحَمَّد: وقال إسحاق بن إبراهيم في حديث النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم «إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنَّة؛ كان في ساعة كما يشتهي»: ولكن لا يشتهي، وقد روي عن أبي رزين العُقيليِّ [1] عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «إنَّ أهل الجنَّة لا يكون لهم فيها ولد»، انتهى.

[ج 1 ص 842]

قوله: (إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وهو بضَمِّ الميم، وكسر الضاد، وقال الخَطَّابيُّ: (مَرضَعًا)؛ بفتح الميم والضاد؛ أي: رَضاعًا، ورأيت بخطِّ الحافظ فتح الدين ابن سيِّدِ النَّاسِ على «الاستيعاب» ما لفظُه: فيه ثلاثة أوجه: مَرْضَعٌ، ومُرْضَعٌ _وهما مصدران_ ومُرضِع، انتهى.

فائدة: تَقَدَّمَ أنَّ في «مسلم»: (لَظئرين).

ثانية: قال شيخنا: قال ابن التين: ولعلَّ ولدان المؤمنين مثله، انتهى.

==========

[1] في (ب): (أبي زر ابن العقلي)، وهو تحريفٌ.

(1/6243)

[حديث: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم]

3256# قوله: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ السين، وفتح اللام، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان، و (الخُدْرِيُّ): بالدال المُهْمَلَة بلا خلاف، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

قوله: (الدُّرِّيَّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الدال وكسرها قريبًا.

قوله: (الْغَابِرَ): هو بالغين المُعْجَمَة، وبعد الألف مُوَحَّدة، قال ابن قرقول: معناه: البعيد، وقيل: الذاهب الماضي، كما قال في الرواية الأخرى: (الغابر: العازب)، وفي كتاب ابن الحَذَّاء: (العائر)، وقال في (العين مع الزاي): (الكوكب العازب)؛ أي: البعيد، كذا للأصيليِّ، ومنه: رجل عَزْب؛ لبعده عن النساء، و «اشتدَّت علينا العزوبة»، وفي رواية أخرى: (الغارب)؛ وهو الذي تغرَّب للغروب، وقد قال قوم: معنى: (الغارب): الغائب، ولا يحسنُ في هذا الحديث، وإنَّما المراد: ما بين المنازل في الارتفاع، شُبِّه ببعد الكوكب من الأرض، وعند أبي الهيثم: (الغابر)، وابن الحَذَّاء: (الغائر) انتهى.

وقد ذكر ابن الأثير اللَّفظة في «نهايته» في (العين _يعني: المُهْمَلَة_ والزاي)، فقال: (العازب): هكذا جاء في رواية؛ أي: البعيد، والمعروف: (الغارب)؛ بالغين المُعْجَمَة والراء، و (الغابر)؛ بالموحَّدة.

قوله: (فِي الأُفُقِ، مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى [2] الْمَغْرِبِ): وقال شيخنا: في الأفق الشرقيِّ أو الغربيِّ، قال ابن التين: وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الناحية ليس يكون الغروب فيها، وإنَّما يكون فيها المطالع، انتهى.

(1/6244)

قوله: (بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ): قيل: إنَّهم بلغوا درجات الأنبياء، وهذا ظاهِرُ اللفظ، وهو مشكلٌ إلَّا أن يؤوَّل، وقيل: بل يبلغون هذه المنازل الموصوفة، وإنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، والقول الأوَّل فيه نظر إلَّا إذا أُوِّل [3]، والله أعلم، وقال شيخنا: يريد أنَّهم لم يبلغوا درجات الأنبياء قبل، هكذا ظاهره، وقال الداوديُّ: [يعني: يبلغون هذه المنازل التي وصف، وأنَّ منازل الأنبياء فوق ذلك، فعلى ما عند أبي ذرٍّ: (بل ... ) إلى آخره الأمر بيِّنٌ كما ذكره الداوديُّ] [4]، وعلى ما عند الشيخ أبي الحسن: (بلى) يكون كما تَقَدَّمَ أنَّهم يبلغون درجات الأنبياء، وقال القرطبيُّ: كذا وقع هذا الحرف (بلى) الذي أصله [5] حرفُ جوابٍ وتصديق، وليس هذا موضعَها؛ لأنَّهم لم يستفهموا، وإنَّما أُخبروا أنَّ تلك [6] منازل الأنبياء لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون (بل) [7] التي هي للإضراب عن الأوَّل، وإيجاب المعنى [8] الثاني، فكأنَّه تُسومِح فيها، فوُضِعَت (بلى) موضع (بل)، انتهى.

و (رجالٌ): مَرْفُوعٌ بالابتداء المحذوف؛ تقديره: هم رجالٌ، ورواية: (بل) فيها توسُّعٌ؛ أي [9]: تلك المنازل منازل رجالٍ آمنوا بالله حقَّ إيمانه وصدَّقوا المرسلين؛ أي: حقَّ تصديقهم، وإلَّا؛ فكلُّ من يدخل الجنَّة؛ آمن بالله وصدَّق رسلَه، انتهى.

تنبيه: سيأتي كلام الحكيم التِّرْمِذيِّ والجواب عنه: أنَّ الغبطة: أن يتمنَّى مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وليس بحسدٍ، ويُطلَق لغةً أيضًا على حسن الحال، قال الجوهريُّ: والاسم: الغبطة؛ وهو حسن الحال، فلمَّا استحسن الأنبياء والشهداء حالهم؛ قال فيهم ذلك، والله أعلم.

==========

[1] في هامش (ق): (الدري: شديد البياض).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أَوِ).

[3] (إلا إذا أوَّل): ليس في (ب).

[4] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[5] في النُّسخَتَينِ: (أَصلُها)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[6] في (ب): (باب)، وهو تحريفٌ.

[7] (بل): سقط من (ب).

[8] في (ب): (معنى).

[9] في (ب): (إلى)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 843]

(1/6245)

[باب صفة أبواب الجنة]

قوله: (باب صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ): قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة: لمَّا كانت الجنَّاتُ درجاتٍ بعضُها فوق بعضٍ؛ كانت أبوابها كذلك، وباب الجنَّة العالية فوق باب الجنَّة التي تحتها، وكلَّما علتِ الجنَّة؛ اتَّسعت، فعاليها أوسعُ ممَّا دونه، وسَعَة الباب بحسْب وُسع الجنَّة، ولعلَّ هذا وجه الاختلاف الذي جاء في مسافة ما بين مصراعَي الباب، فإنَّ أبوابها بعضُها أعلى من بعض؛ كالبساتين الممتدَّة من رأس الجبل إلى ذيله، انتهى.

تنبيه: في كتاب «الإحياء» للإمام أبي حامد الغزاليِّ في آخر (كتاب الصبر والشكر) حديث: «أبواب الجنَّة كلُّها بمصراعَين [1] إلا باب الصبر، فإنَّه بابٌ واحد ... »؛ الحديث، قال شيخنا الحافظ العِرَاقيُّ في «تخريج أحاديث الإحياء»: لم أجد له أصلًا، ولا في الأحاديث الواردة في مصاريع الجنَّة تفرقة [2]، انتهى.

فائدة: ذكر القرطبيُّ في «التذكرة» أبواب الجنَّة، فوصلها إلى ستَّة عشر بابًا، فإن أردته [3]؛ فانظر «التذكرة»، والظاهر أنَّ الأبواب العِظَام ثمانية، والثمانية الباقية صغارٌ، والله أعلم.

قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه؛ فانظره في (الزكاة).

==========

[1] في (ب): (مصراعَين)، وهي محتملة في (أ)، وفي مصدره: (مصراعان).

[2] في (ب): (نعرفه).

[3] في (ب): (أردتها).

[ج 1 ص 843]

(1/6246)

[حديث: في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان]

3257# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّمَ أنَّه سعيد بن أبي مريم الحكمِ بن مُحَمَّد.

قوله: (حَدَّثَنِي [1] مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ): هو بكسر الراء المُشَدَّدة، وبالفاء، اسم فاعل، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله جدًّا.

قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سلمة بن دينار، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

(1/6247)

قوله: (فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ ... ) إلى آخره: اعلم أنَّ (الريَّان): (فعلان)، من الرِّيِّ، وتفتح الراء في (الرِّيِّ) الذي هو نقيض [2] العطش، وسمِّي بذلك؛ لأنَّه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، واكتفى بذكر الرِّيِّ عن الشِّبَع؛ لأنَّه يدلُّ عليه من حيث إنَّه يستلزمه، وأُفرِد لهم هذا البابُ؛ ليُسرعوا إلى الرِّيِّ من عطش الصيام في الدنيا؛ إكرامًا لهم واختصاصًا، وليكون دخولُهم إلى الجنَّة هيِّنًا [3] من غير زحمة عند أبوابها، فإنَّ الزحام قد يؤدِّي إلى نوع من العطش، وأمَّا أسماء هذه الأبواب؛ فعن «نوادر الأصول» للحافظ أبي عبد الله مُحَمَّد بن عليِّ بن الحسن بن بشر، الزاهد المؤدِّب الحكيم التِّرْمِذيِّ صاحب التصانيف _قال السُّلميُّ: نفَوه من تِرمِذ؛ بسبب تأليفه كتاب «ختم الولاية»، وكتاب «عِلَل الشريعة»، قالوا: زعم أنَّ للأولياء خاتمًا، وإنَّه يُفضِّل الولايةَ، واحتجَّ بقوله: «يغبطهم النَّبيُّون والشهداء»، وقال: لو لم يكونوا أفضلَ منهم؛ لمَا غبطوهم، فجاء إلى بَلْخ، فأكرموه لموافقته إيَّاهم في المذهب، وقد رأيتُ بعض كلامه في «ختم الولاية» في كلام أبي العَبَّاس ابن تيميَّة ذكره، وفيه كلامٌ منكر، لا شكَّ في إنكاره، ومن رآه من طلبة العلم؛ أنكره، روى الحكيم [4] عن أبيه، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن موسى ختٍّ، وطبقتهم، وعُنِيَ بهذا الشأن، ورحل فيه، روى عنه: يحيى بن منصور القاضي، والحسن بن عليٍّ، وعلماء نَيْسابور، فإنَّه قدمها سنة خمس وثمانين ومئتين، عاش نحوًا من ثمانين سنةً، عفا الله عنه_: من أبواب الجنَّة: باب مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهو باب الرحمة، وهو باب التوبة، وهو منذ خلقه الله مفتوحًا لا يُغلَق، فإذا طلعت الشمس من مغربها؛ أُغلِق فلم يُفتَح إلى يوم القيامة، وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البرِّ؛ باب الزكاة، العمرة، الحجِّ، الصلة ... ، وعند عياض _في «شرح مسلم» للنوويِّ_: باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، باب الراضين، الباب الأيمن الذي يدخل منه مَن لا حساب عليه، وفي كتاب «الصوم» لابن أبي عاصم

[ج 1 ص 843]

(1/6248)

بإسناد جيِّد _كما قاله شيخنا_ عن أبي هريرة [5] مرفوعًا: «لكلِّ عملٍ بابٌ من أبواب الجنَّة يُدْعَون منه بذلك العمل»، قال: وذكره ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفي كتاب الآجُرِّيِّ عن أبي هريرة مرفوعًا: «إنَّ في الجنَّة بابًا يُقال له: باب الضُّحى، فإذا كان يوم القيامة؛ ينادي منادٍ: أين الذين كانوا يدومون على صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا»، انتهى، وقد عزا هذا الحديثَ الدِّمْيَاطيُّ الحافظ في «كشف المعْطي» للطَّبرانيِّ، انتهى.

وفي «الفردوس» مرفوعًا: «للجنَّة بابٌ يُقال له: باب الفرح، لا [6] يدخل منه إلا مُفرِّح الصبيان»، وفي «التحبير» للقُشيريِّ: عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الخلُق الحسن طوقٌ من رضوان الله في عنق صاحبه، والطوق مشدودٌ إلى سلسلة من الرحمة، والسلسلة مشدودةٌ إلى حَلْقة من باب الجنَّة، حيثما ذهب الخلق الحسن؛ جرَّته السلسة إلى نفسها حتَّى يدخل من ذلك الباب إلى الجنَّة»، انتهى، وهذا المتن في «موضوعات ابن الجوزيِّ» في (كتاب معاشرة الناس) من [7] حديث أبي موسى، وعند أبي عيسى التِّرْمِذيِّ: باب الذكر.

وفي كتاب «الروضة» عن أحمد ابن حنبل بسنده إلى الحسن قال: (إنَّ لله بابًا في الجنة لا يدخله إلَّا عفَّاء عن [8] مظلمةٍ).

ومنها: باب الحافظين فروجَهم المستعفِّين بالحلال عن الحرام غير المتَّبعين للشهوات، قال شيخنا: ذكره ابن بَطَّالٍ، وذكر منها: باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، وساق حديث الحسن.

ومنها: باب الصابرين لله على المصائب المحتسبين الذين يقولون عند نزولها: {إنَّا لله ... }؛ الآية، وأكثرُه من كلام شيخنا، وفيه زيادةٌ عليه، لكن ليست الزيادة في الأبواب، وقد ذكرتُ لك أوَّلًا أنَّ القرطبيَّ وصَّلها لستَّة عشر بابًا، وحديث: «فُتِحَت له أبواب الجنَّة الثمانية» لا ينافي أن يكون لها أكثر؛ لأنَّ في «التِّرْمِذيِّ»: «فُتِحت له من أبواب الجنَّة ثمانية أبواب»، أو أنَّ الأبواب [9] الكبار ثمانية، والباقي أصغر من الكبار، والله أعلم.

(1/6249)

تنبيه: سَعة أبوابها كما رواه أبو هريرة: (إنَّ ما بين المصراعَين من مصاريع الجنَّة لَكَما بين مكَّة وهَجَر، أو هجر ومكَّة)، وفي لفظ: (لَكَما بين مكَّة وهجر، أو لَكَما بين مكَّة وبصرى)، متَّفق عليه، وفي لفظ خارج «الصحيح» بإسناده: (أنَّ ما بين عضادَتَي الباب لَكَما بين مكَّة وهجر)، وفي خطبة عتبة بن غزوان فيما ذُكِر له: (أنَّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرةَ [10] أربعين سنةً)، وقد روى الإمام أحمد في «مسنده» من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه: أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «أنتم توفون سبعين أمَّةً، أنتم خيرُها وأكرمُها على الله، وما بين مصراعَين من مصاريع الجنَّة مسيرة أربعين عامًا»، وقد روى ابن أبي داود: حدَّثنا إسحاق بن شاهين: حدَّثنا خالد عن الجريريِّ، عن حكيم بن معاوية، عن أبيه يرفعه: «ما بين كلِّ مصراعين من مصاريع الجنَّة مسيرة سبعِ سنين»، ورواه عبد في «مسنده» من حديث أبي سعيد عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «إنَّ ما بين مصراعَين من مصاريع الجنَّة لمسيرة أربعين سنةً»، في سنده ابن لَهيعة، ودرَّاج أبو السمح، وحديث أبي هريرة أصحُّ، وروى أبو الشيخ ابن حيَّان الحافظ أبو مُحَمَّد بإسناده إلى عُمر [11] أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «الباب الذي يدخل منه أهل الجنَّة مسيرةُ الراكب المُجوِّد ثلاثًا، ثمَّ إنَّهم ليُضعفون عليه حتَّى تكاد مناكبهم تزول»، رواه أبو نعيم عنه، وهذا مطابق لحديث أبي هريرة المتَّفق عليه: «كما بين مكَّة وبصرى»، فإنَّ الراكب المجوِّد غايةَ الإجادة على أسرع جوادٍ لا يفتر ليلًا ولا نهارًا، يقطع هذه المسافة في هذا القدر أو قريب منه، وحديث حكيم بن معاوية قد اضطرب رواته، فحَمَّاد بن سلمة ذكر عن الجريريِّ التقدير بأربعين عامًا، وخالد ذكر عنه التقدير بسبع سنين، وحديث أبي سعيد قد ذكرت أنَّ فيه ابن لهيعة ودرَّاجًا، فإذن الصحيح هو المرفوع السالم من الاضطراب على أنَّ حديث حكيم بن معاوية ليس التقديرُ فيه بظاهر الرفع، ويحتمل أنَّه مدرج موقوف، فيكون كحديث عتبة، وحديث عتبة ليس بموقوف وإن قال بعضهم: إنَّه موقوف، وإنَّما [12] لفظه فيما ذُكِر لنا، والله أعلم.

(1/6250)

تنبيه ثانٍ: مسيرة ما بين الباب والباب كما رواه الطَّبَرانيُّ من حديث لَقِيط بن عامر ... ، فذكر حديثًا، وفيه: «وإنَّ للجنَّة ثمانيةَ أبواب، ما بين الباب والباب إلَّا يسير الراكبُ بينهما سبعين عامًا»، وهو حديث طويل، وهذا الظاهر منه أنَّ هذه المسافة بين الباب والباب؛ لأنَّ ما بين مكَّة وبصرى لا يحتمل التقدير بسبعين عامًا [13]، ولا يمكن حملُه على باب معيَّن؛ لقوله: «ما منهنَّ باب»، والله أعلم، وقد بوَّب على هذا الحديث ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّة في «حادي الأرواح»: الباب الثاني عشر في ذكر مسافة ما بين الباب والباب، ففُهِم هذا الفهم أيضًا، والله أعلم.

(1/6251)

[باب صفة النار وأنها مخلوقة]

قوله: (بابُ صِفَةِ النَّارِ، وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام على خلقها، وخلق الجنَّة في باب: (صفة الجنَّة)، فانظره، وقوله: و (أنَّها): بالفتح.

تنبيه: تَقَدَّمَ في أوَّل (باب صفة الجنَّة) كلامٌ هو قولان في فنائهما عند فناء الخلق من عند القرطبيِّ في «التذكرة» وغيره، فانظره، والله أعلم.

فائدة: روى إسماعيل بن أبي زياد في «تفسيره» _على ما قاله شيخنا_ بإسناده إلى معاذ قال: سُئِل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: من أين يُجاء بجهنَّم؟ قال: «يُجاء بها يوم القيامة من الأرض السابعة، لها سبعون ألف زمام ... »؛ الحديث، انتهى.

وكونُها لها سبعون ألف زمامٍ، مع كلِّ زمام سبعون ألف مَلَك يجرُّونها؛ هو في «مسلم».

تنبيه: بُعْدُ أبواب جهنَّم: قال وهب بن منبِّه: بين كلِّ بابين مسيرة سبعين سنةً، كلُّ باب أشدُّ حرًّا من الذي فوقه بسبعين ضعفًا، قاله القرطبيُّ في «تذكرته».

قوله: (وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ)؛ هو بكسر السين كذا أحفظُه، وكذا هو في أصلنا، وكذا رأيته مضبوطًا بالقلم في بعض كتب اللغة الصحيحة المقروءة على بعض أهل اللُّغة، وقد رأيته في نسخة بـ «البُخاريِّ» مضبوطًا بالقلم بالفتح، فيُحرَّر.

قوله: (وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ): (كان): هي التي من أخوات (إنَّ) مُشَدَّدة، وقد ذكر ابن قرقول كلام البُخاريِّ ومعناه: انغسقت عينُه؛ إذا سالت ودمعت، وغسق الجرح؛ إذا سال ماءً أصفر؛ يريد: أنَّهم يُسقون ذلك، وقال السُّدِّيُّ: هو ما يغسق من دموعهم يُسقَونه مع الحميم، وقال أبو عُبيدة: هو ما سال من جلود أهل النَّار، وقال غيره: من الصديد، وقيل: الغسَّاق: البارد يُحرِق ببرده، وقُرِئ بالتخفيف والتشديد، قال الهرويُّ: فمن خفَّف؛ فأراد: البارد المُحرِق ببرده، وقيل: {غسَّاقًا}: منتنًا، انتهى.

قال الجوهريُّ: قرأ أبو عَمرو بالتخفيف، والكسائيُّ بالتشديد، انتهى، وقول الجوهريِّ غيرُ تمام، فقد قرأ حفصٌ، وحمزة، والكسائيُّ: بتشديد السين، والباقون بتخفيفها في (النبأ) و (ص).

قوله: (وَالدَّبَرِ): هو بفتح الدال المُهْمَلَة والموحَّدة، و (الدَّبَر): جمعٌ، واحدُه (دَبَرة)، ويجمع أيضًا على أدبار؛ مثل [1]: شجرة وأشجار وشجر، تقول منه: (دبِر البعير)؛ بالكسر، و (أدبره القتب)؛ أي: جرحه.

(1/6252)

قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: {حَاصِبًا} [الإسراء: 68]): (غيره): هو قول أبي عبيدة قاله في (سورة سبحان)، قاله بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين.

قوله: (مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ): (تَرمي): مَبْنيٌّ للفاعل، و (الريحُ): بالرفع فاعل (ترمي)، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

[ج 1 ص 844]

قوله: ({خَبَتْ} [الإسراء: 97]): طَفِئَت؛ هو بفتح الطاء وكسر الفاء [2]، ثمَّ همزة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث الساكنة.

قوله: (وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ): (القِيُّ): بكسر القاف، ثمَّ ياء مُشَدَّدة لا همزة، و (القَفْر): بفتح القاف وإسكان الفاء، ثمَّ راء، وهي أرضٌ لا نبْتَ فيها ولا ماء، وهي المفازة، ويقال في القَفْر: القِيُّ، والقَواءُ، والقَوى؛ بالمدِّ والقصر، والله أعلم.

قوله: (مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ)؛ هو بفتح راء (مرَج)، (يمرُج) بضمِّها، وسيجيء.

قوله: (مَرِجَ [3] أَمْرُ النَّاسِ): اختلط، هو بكسر الراء.

قوله: ({مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19]): هو بفتح الراء، وهذا لا يحتاج إلى ضبط؛ لأنَّي لا أضبط التلاوة؛ لمعرفة الناس بها، إنَّما أضبط ما قد يستشكل من تفسيرها، والله أعلم.

قوله: (مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا): هو بفتح الراء في الماضي، تقول: مرَجتُ الدابة؛ بفتح الراء، أمرُجها؛ بضمِّها، مرْجًا؛ بإسكانها؛ إذا أرسلتَها ترعى [4].

==========

[1] في (ب): (مثيل).

[2] في (ب): (الهاء)، وهو تحريفٌ.

[3] رواية «اليونينيَّة» و (ق): (مرَجَ).

[4] (ترعى): ليس في (ب).

(1/6253)

[حديث أبي ذر: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم]

3258# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو ذَرٍّ): جندب بن جنادة الزاهد المشهور رضي الله عنه.

قوله: (أَبْرِدْ): هو بقطع الهمزة، وكسر الراء، مجزومٌ على الأمر، وكذا التي بعده، وقد تَقَدَّمَ، والإبراد: التأخير؛ ومعناه: أخِّرْها عن وقت الهاجرة إلى حين برد النهار وانتشار وهج الحرِّ، يُقال: أبردَ بالشيء؛ إذا دخل به في برد النهار، وأبردْتُ كذا؛ إذا فعلْتَه حينئذٍ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الإبراد: أن يؤخِّر الظهر حتى [1] يصير للحيطان فيءٌ يُظِلُّ الماشي، ولا يؤخَّر عن النصف الأوَّل من الوقت، وقيل: المعتبَر أن ينصرف منها [2] قبل آخر الوقت، قال في «الكفاية»: وهو ظاهِرُ النص، ويؤيِّده حديث أبي ذرٍّ في «البُخاريِّ»: «حتَّى ساوى الظلُّ التلولَ».

قوله: (حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ): (فاء): بهمزة ممدودة، فعلٌ ماضٍ، و (الفيء): بهمزة في آخره، وهذا كلُّه ظاهرٌ.

قوله: (مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الفاء، وإسكان المُثَنَّاة تحت، وبالحاء المُهْمَلَة، وهو انتشار حرِّها وقوَّتُه، وأنَّ عند أبي ذرٍّ: فَوْح، وهما بمعنًى، ومنه: فَوْح الطيب، وهو سطوعُ ريحه وانتشارُه.

==========

[1] في (ب): (إلى أن).

[2] في (ب): (عنها).

[ج 1 ص 845]

(1/6254)

[حديث: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم]

3259# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أمَّا (مُحَمَّد بن يوسف)؛ فهو الفِرْيَابيُّ [1]، و (سفيان) بعده الظاهر: أنَّه الثَّوْريُّ؛ لأنَّه مكثرٌ عنه، وقد روى أيضًا عن ابن عُيَيْنَة، والله أعلم، و (الأَعْمَش): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، و (ذَكْوَان): هو أبو صالح السمان الزيَّات، و (أَبُو سَعِيدٍ): هو سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيِّ رضي الله عنه.

قوله: (أَبْرِدُوا): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بقطع الهمزة مفتوحةً، وكسر الراء، وتَقَدَّمَ أيضًا ما (الإبراد).

==========

[1] زيد في (ب): (الحافظ).

[ج 1 ص 845]

(1/6255)

[حديث: اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا]

3260# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.

قوله: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا): تَقَدَّمَ أنَّه بلسان الحال، أو بلسان المقال، وهو الأصحُّ؛ إذ لا مانعَ من الحقيقة.

قوله: (بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ ... ) إلى آخره: كلُّه بفتح الفاء، و (نفَسٍ): مجرورٌ بدلٌ من (نفَسين)؛ بدل بعضٍ من كلٍّ.

==========

[ج 1 ص 845]

(1/6256)

[حديث ابن عباس: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء]

3261# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المسنديُّ، وذلك لأنَّ عَبْد الغَنيِّ في «الكمال» لم يذكر عن أبي عامر راويًا اسمه عبد الله بن مُحَمَّد إلَّا المسنديَّ، ونسبه إلى المسند، و (أَبُو عَامِرٍ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّ اسمه عبد الملك بن عَمرو القيسيُّ [2] البصريُّ، الحافظ المشهور، أخرج له الجماعة، وقد قَدَّمْتُ بعض ترجمته، و (هَمَّامٌ): هو ابن يحيى العَوْذيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (أَبُو جَمْرَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بالجيم والراء، وأنَّ اسمه نصر بن عمران الضُّبَعيُّ.

قوله: (ابْرُدُوهَا [3])، وكذا (فَابْرُدُوهَا [4]) هما بضَمِّ الراء مع الوصل، وهي اللغة الفصيحة، ويقال: بالقطع وكسر الراء، وهي في أصلنا بالقطع وكسر الراء.

قوله: (مِنْ فَيْحِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه أعلاه.

قوله: (فَأَبْرِدُوهَا [5] عَنْكُم [6] بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ، شَكَّ هَمَّامٌ): والصحيح من أحد الشكَّين: ماءُ زمزم، وقد أخرج الحديث أبو حاتم البُستيُّ والدارِميُّ، وقالا: «الحُمَّى من فيح جهنَّم، فابرُدوها بماءِ زمزمَ» من غير شكٍّ، وأخرجه الحافظ ضياء الدين مُحَمَّد بن عبد الواحد المقدسيُّ في (كتاب الطبِّ) من غير شكٍّ أيضًا، قاله المحبُّ الطَّبَريُّ.

وقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «الهدْي»: وقوله: (بالماء) فيه قولان؛ أحدهما: أنَّه كلُّ ماء، وهو الصحيح، الثاني: أنَّه ماء زمزم، واحتجَّ أصحاب هذا القول بما رواه البُخاريُّ ... ؛ فذكر هذا الحديث إلى أن قال: وراوي الحديث قد شكَّ فيه، ولو جزم به؛ لكان أمرًا لأهل مكَّة بماء زمزم؛ إذ هو متيسِّرٌ عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء، ثمَّ اختلف من قال: إنَّه على عمومه؛ هل المراد: الصدقة بالماء أو استعماله؟ على قولين، والصحيح: أنَّه استعماله، قال: وأظنُّ أنَّ الذي حمل مَن قال: المراد الصدقة به؛ أنَّه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمَّى، ولم يفهم وجهه، مع أنَّ لقوله وجهًا حسنًا؛ وهو أنَّ الجزاء من جنس العمل، فلمَّا أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد؛ أخمد الله عنه لهيب الحمَّى جزاءً وِفاقًا، ولكن هذا يُؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأمَّا المراد به؛ فاستعماله ... إلى آخر كلامه، يستدلُّ فيه على أنَّ المراد الاستعمال، لا الصدقة.

==========

(1/6257)

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثَني).

[2] في (ب): (العبسي)، وهو تحريفٌ.

[3] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَبْرِدْهَا).

[4] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فأَبْرِدوهَا).

[5] في (ق): (فأبردوها بالماء)، وفي هامشها: («فابرُدوها»؛ بضَمِّ الراء مع الوصل، قاله القالي، ويقال: بقطع الألف، وكسر الراء، وكلاهما في نسخة الأصل).

[6] (عَنكم): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 845]

(1/6258)

[حديث رافع: الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء]

3262# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): هو بالموحَّدة، وبالسين [2] المُهْمَلَة، تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، فإياك أن تُصَحِّفَه، و (عَبْدُ الرَّحْمَنِ): بعده هو ابن مهديٍّ، أحد الأعلام، و (سُفْيَانُ): هو ابن سعيد بن مسروق الثَّوْريُّ، عن والده، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ): أنَّه بفتح الخاء المُعْجَمَة، وكسر الدال المُهْمَلَة، وفي آخره جيم، مشهور.

قوله: (مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ): هو بفتح الفاء، وإسكان الواو، وبالراء؛ أي: من انتشار حرِّها.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (والسين).

(1/6259)

[حديث عائشة: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء]

3263# قوله: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ): هذا هو زهير بن معاوية، أبو خيثمة، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

تنبيه: لهم زهير آخرُ يروي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، لكنَّ الثانيَ هو زهير بن مُحَمَّد التميميُّ، ليس له بهذا الطريق في «البُخاريِّ» و «مسلم» شيءٌ، إنَّما روى له بها التِّرْمِذيُّ وابن ماجه، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 846]

(1/6260)

[حديث ابن عمر: الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء]

3264# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، وكذا تَقَدَّمَ (عُبَيْد اللهِ): أنَّه ابن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (عَنْ).

[ج 1 ص 846]

(1/6261)

[حديث: ناركم جزء من سبعين جزءًا كلهن مثل حرها]

3265# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أخت مالك بن أنس الإمام، واسم أبي أُويس: عبد الله، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.

قوله: (إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً): (إن): هنا مُخَفَّفة من الثقيلة عند البصريِّين، نظيره: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143]، قاله القرطبيُّ في «تذكرته»، وفي «ابن ماجه» من حديث أنسٍ: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنَّم، ولولا أنَّها أطفئت بالماء مرَّتين؛ ما انتفعتم بها ... »؛ الحديث، وخرَّجه ابن عُيَيْنَة من حديث أبي هريرة: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ناركم هذه ... »؛ الحديث نحوه، وفي خبرٍ آخرَ عن ابن عَبَّاس: (وهذه النار ضُرِبَ بها البحر سبعَ مَرَّاتٍ)، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ، وقال ابن مسعود: (ناركم هذه جزءٌ من نار جهنَّم، ولولا أنَّها ضُرِبَ بها بالبحر [1] عشرَ [2] مَرَّاتٍ؛ ما انتفعتم بشيءٍ منها)، وسُئِل ابن عَبَّاس عن نار الدنيا: ممَّ خُلقت؟ قال: خُلقت من نار جهنَّم غير أنها طُفِئت بالماء سبعين مَرَّةً، ولولا ذلك؛ ما قُرِبَت؛ لأنَّها من نار جهنَّم، ذكره القرطبيُّ في «تذكرته».

قوله: (لَكَافِيَةً): هو بفتح المُثَنَّاة تحت، منصوبة مُنَوَّنة، خبر كان.

(1/6262)

[حديث: سمع النبي يقرأ على المنبر: {ونادوا يا مالك}]

3266# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه ابن عُيَيْنَة؛ لأنَّ الحافظ عَبْد الغَنيِّ في «الكمال»: ذكر أنَّ قُتَيْبَة روى عنه، ولم يذكر في مشايخه الثَّوْريَّ، والذَّهَبيُّ لم يذكر أحد السفيانَين، و (عَمْرو): هو ابن دينار المَكِّيُّ، لا قهرمان آل الزُّبَير، وقد قَدَّمْتُ ذلك مرارًا، و (عَطَاء): هو ابن أبي رَباح، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (يَعْلَى): رضي الله عنه.

==========

[ج 1 ص 846]

(1/6263)

[حديث: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه ... ]

3267# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ): هو ابن عبد الله ابن المَدينيِّ، و (سُفْيَانُ): هو ابن عُيَيْنَة، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، و (أَبُو وَائِلٍ): شقيق بن سلمة.

قوله: (قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ) أمَّا (أسامة): فهو الحِبُّ ابن الحِبِّ رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن جدِّه حارثة، فإنَّهم ذكروه في الصَّحَابة، وإنَّما قيَّدته؛ لأنَّ في الصَّحَابة مَن اسمه (أسامة) شُبِّه به؛ منهم اثنان الصحيح أنَّهما تابعيَّان، وفلان المشار إليه هو عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، كذا في آخر «مسلم»، وعزاه شيخنا إلى المهلَّب ولا حاجة إلى ذلك، وإنَّما قيل: لأسامة ذلك؛ لأنَّه كان من خواصِّ عثمان رضي الله عنهما، وأرادوا أن يكلِّمَه في شأن الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيطٍ، أخي عثمان لأمِّه أروى.

قوله: (لَترَوْنَ): هو بضَمِّ التاء وفتحها.

قوله: (إِلَّا أُسْمِعُكُمْ): هو مَرْفُوعٌ؛ لعدم تَقَدُّمِ عامل نصب أو جزم.

قوله: (إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ): (إنِّي): بكسر الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا): (أَنْ): بفتح الهمزة، وسكون النون، كذا قيَّدَه بالفتح ابن قرقول، فقال: بمعنى: من أجل أن كان عليَّ أميرًا، وبخطِّ شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ: بفتح الهمزة وكسرها بالقلم، وما قاله ابن قرقول هو الذي يظهر.

قوله: (إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ): (إنَّه): بكسر الهمزة بعد القول، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَيُلْقَى فِي النَّارِ): (يُلقى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ): (تندلقُ): بفتح المُثَنَّاة فوق، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ دال مهملة مفتوحة، ثمَّ قاف؛ أي: تخرج، و (أقتابُهُ): بفتح الهمزة، ثمَّ قاف ساكنة، ثمَّ مُثَنَّاة فوق، وبعد الألف مُوَحَّدة، ثمَّ هاء الضمير، وهو جمع (قَتب)؛ وهي حوايا البطن، ومصارينه، وأمعاؤه، وفي «الصحاح»: و «القِتب» أيضًا؛ بالكسر: واحدة «الأقتاب»؛ وهي الأمعاء، مؤنَّثة، هذا قول الكسائيِّ، وقال الأصمعيُّ: واحدها «قِتبة»؛ بالهاء، وتصغيرها: قُتَيْبَة ... إلى أن قال: وقال أبو عُبيدة: والقتب: ما تحوَّى [1] من البطن؛ يعني: استدار، وهي الحوايا.

قوله: (بِرَحَاهُ): (الرَّحى) مقصورة: الطاحونة.

(1/6264)

قوله: (رَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ): أمَّا (غُندر): فتقدَّم مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن جعفر، وتَقَدَّمَ ضبط (غُنْدَر)، ومعناه، ومن لقَّبه به، و (شعبة): شعبة، و (الأعمش): سليمان بن مِهْرَان تَقَدَّمَ أعلاه، وما رواه غندر عن شعبة أخرجه البُخاريُّ في (الفتن) عن بشر بن خالد عن غندر عن شعبة به، والحكمة في الإتيان [2] بهذه المتابعة: أنَّ سفيان تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة مُدلِّس، وقد عنعن في السند الأوَّل عن الأعمش، فجاء بمتابعة شعبة وإن عنعن شعبة _للعلم بكراهته للتَّدليس، حتى إنَّه قال: إنَّه أخو الكذب، وبالغ فيه، وقال: (لَأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أدلِّس) _؛ فعنعنته كـ (حدَّثنا، وأخبرنا، وسمعت)، والله أعلم.

(1/6265)

[باب صفة إبليس وجنوده]

قوله: (بَابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ): عن ابن عَبَّاس: أنَّ (إبليس) كان اسمه الحارث، وعنه أيضًا: أنَّ اسمه كان عزازيل، قال شيخنا: وقال ابن خالويه في كتاب «ليس»: إبليس يكنَّى أبا الكُردوس [1]، ويقال: أبو مُرَّةَ، انتهى، وأبو مُرَّةَ في «الصحاح» للجوهريِّ، قال شيخنا: ومن أسمائه العلب، والسفيه [2]، والحارث، وإبليس، وقيل: كان يسمَّى الحكم، انتهى.

وفي كلام السُّهَيليِّ في «روضه»: لمَّا صرخ إبليس في بيعة العقبة ... ؛ فذكر عن الحسن: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «هذا أبو لُيينى قد أنذَركم، فتفرَّقوا»، انتهى.

فتحرَّر في كنيته أبو مُرَّةَ، وأبو الكردوس، وأبو لُيينى، وفي اسمه الحارث، وعزازيل، والعلب، والسفيه، وإبليس، والحكم.

تنبيه: إنَّما ذكر البُخاريُّ في هذا الباب حديثَ عائشة: (سُحِر النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)؛ للعلم بأنَّ السحر من تعليم الشياطين.

[ج 1 ص 846]

قوله: ({وَيُقْذَفُونَ} [3] [الصافات: 8]: يُرْمَوْنَ): هما مبنيَّان لما لم يسمَّ فاعلهما، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: ({دُحُورًا} [الصافات: 9]: مَطْرُودِينَ): اعلم أنَّ (الدُّحور)؛ بالضَّمِّ [4]: الإبعاد، وهو مصدر، وقد فسَّره هنا بما رأيت، وكان من حقِّه أن يقول: طرْدًا، وفي تفسير عَبْد بن حُمَيدٍ _على ما قاله شيخنا_: {دحورًا}: قذفًا في النَّار، وكأنَّه فسَّره البُخاريُّ باللازم.

==========

[1] في (ب): (الفردوس).

[2] (والسفيه): سقط من (ب).

[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي هامش (ق): (التلاوة بإثبات الواو)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» {يُقذفون} بلا واو.

[4] (بالضم): سقط من (ب).

(1/6266)

[حديث: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي أتاني رجلان]

3268# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى): هذا هو الرازيُّ الفرَّاء الحافظ، يروي عن أبي الأحوص، وعبد الوارث، وخالد الطحَّان، وأُممٍ، وعنه: البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، ومن بقي بواسطة، وأبو حاتم، قال أبو زُرعة: كتبت عنه مئةَ ألفِ حديث، وهو أتقنُ من أبي بكر بن أبي شيبة وأصحُّ حديثًا، لا يحدِّث إلا من كتابه، وقد تَقَدَّمَ، أخرج له الجماعة، وثَّقهُ النَّسائيُّ وغيره، تَقَدَّمَ، ولكن طال العهد به.

قوله: (حَدَّثَنَا [1] عِيسَى): هذا هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، أحد الأعلام في الحفظ والعبادة، يروي عن أبيه، وهشام بن عروة، والأعمش، وخلق، وعنه: حَمَّاد بن سلمة مع تقدُّمه وجلالته، وعليُّ ابن المَدينيِّ، وإسحاق، وابن عرفة، وأُممٌ، وكان يحجُّ سنةً، ويغزو سنةً، مات سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، وكان ثقةً ثبتًا، ذكره في «الميزان» تمييزًا؛ لئلَّا يشتبه بعيسى بن يونس شيخ البُخاريِّ [2]، روى عن مالك، قال الدَّارَقُطْنيُّ: مجهول، وقد قَدَّمْتُ ترجمة ابن [3] ابن أبي إسحاق هذا، ولكن طال العهد بها، والله أعلم.

قوله: (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (سُحِر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الذي سحرَه لَبيد بن الأعصم من يهودَ، وسيأتي.

فائدة: كان هذا السحرُ إحدى عشرة عقدةً، فأنزل الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، إحدى عشرة آيةً، فجعل كلَّما قرأ آيةً؛ انحلَّت عقدةٌ، وفي الفلق: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ} [الفلق: 4]، ولم يقل: النفَّاثين، وجوابه: أنَّ زينب بنت الحارث أعانت لَبيدًا في ذلك، ولأنَّ الغالب أنَّ السحر من عمل النساء، وسأذكر كم أقام هذا السحرُ به، والصواب: ثلاثةَ أيَّام أو أربعة، وأذكر المدَّة المذكورة في التفاسير، وما ذكره السُّهَيليُّ في المدَّة عن «جامع معمر»، إن شاء الله تعالى.

(1/6267)

قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ [4] ... ) إلى آخره: هذا تعليق، و (اللَّيث): هو ابن سعد [5]، وفيه جواز الرواية بالكتابة، وقد تَقَدَّمَ ذلك، فإن أجاز معها؛ جازت، وإن لم يجز معها؛ جازت على الصحيح؛ كهذه، فإنَّه لم يذكر فيها إجازةً، وما كتبه هشام إلى الليث لم يكن في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة، إلا ما هنا، ولم يخرِّجه شيخنا.

قوله: (حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في «الجهاد»، ويأتي أيضًا.

قوله: (أَشَعَرْتِ؟)؛ أي: أعلمْتِ؟

قوله: (أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي)؛ أي: أجابني.

قوله: (أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ): في سيرة شيخ شيوخنا الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدِّمْيَاطيِّ _وقد سمعتُها بحلبَ غَيْرَ مَرَّةٍ على بعض أصحابه بسماعه منه [6]، وقرأتها بالقاهرة بالإجازة على بعض أصحابه_: أنَّ أحدهما جبريل، والآخر ميكائيل، فإن قيل: من كان عند رأسه؛ فلعلَّ الجواب [7]: أنَّه جاء في حديثٍ آخرَ غير هذا في «التِّرْمِذيِّ»: أنَّ جبريل جلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، ولأنَّ جبريل أفضل من ميكائيل، والله أعلم، والمناسب: أن يقعد الكبير الفاضل عند الرأس؛ كما يفعله الناس اليوم في مرضاهم، والله أعلم.

قوله: (مَطْبُوبٌ): يعني: مسحورًا، وقد فُسِّر كذلك في بعض طرقه، و (مَنْ طَبَّهُ؟) أي: مَن سحرَه؟ كَنَّوا بالطبِّ عن [8] السحر؛ تفاؤلًا بالطِّبِّ الذي هو العلاج، كما كَنَّوا بـ (السليم) عن اللَّديغ.

قوله: (لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ): تَقَدَّمَ أنَّه وقع في مكانٍ أنَّه يهوديٌّ، وفي آخر: حليف ليهود، وفي آخر: منافق، أمَّا يهوديٌّ وحليف ليهود؛ فلا تغايرَ، وأمَّا منافق؛ فلم أر له ذكرًا في المنافقين إلَّا ما في بعض طرق هذا الحديث، والظاهر أنَّه كان يهوديًّا يُداهن المسلمين.

تنبيه: لَبيد هذا لم يقتله عليه الصَّلاة والسَّلام كما تَقَدَّمَ، وقد حكى عياض في «الشفا» فيه قولين؛ الثاني: أنَّه قتله، وحكى في آخر «الشفا» قولًا: أنَّه أسلم، وهذان غريبان تقدَّما، ولكن قد [9] تَقَدَّمَ أنَّ نسخ «الشفا» اختلفت، ففي بعضها: رجاء إسلامه، والظاهر أنَّ هذه هي الصحيحة، وفي نسخة: وجاء إسلامه.

(1/6268)

قوله: (وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ): (جُفِّ)؛ بضَمِّ الجيم، وتشديد الفاء: وعاء الطلْعِ؛ وهو الغشاء الذي يكون عليه، و (طلعةِ): مخفوض بالإضافة غير مُنَوَّن، و (ذكرٍ): مُنَوَّن مخفوض، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: (وجفِّ الطلع): يعني: وعاء طلع النخل الذي يكون عليه، ويُطلَق على الذكر والأنثى؛ فلهذا قيَّدَه في الحديث بقوله: (طلعةِ ذكرٍ)؛ بإضافة طلعة إلى ذكر، والله أعلم، انتهى [10]، وتنوينهما رأيته في غير نسخة، ورأيت بعضهم قيَّدَه به.

قوله: (فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ): هو بفتح الذال المُعْجَمَة، ثمَّ راء [11] ساكنة؛ بئر في بني زُرَيق؛ بتقديم الزاي المضمومة على الراء المفتوحة، قال ابن قرقول: كذا جاء في «الدعوات» من البُخاريِّ؛ يعني: ذَرْوان، قال: وفي غير موضعٍ: بئر ذرْوان، وعند مسلم: بئر ذي أرْوان، وقال الأصمعيُّ: هو الصواب، وقد صُحِّف بـ «ذي أوان»، وقد ذكرناه، وقد ذكر في الهمزة ما لفظه: أرْوان، ويقال: ذروان، وهو اسم بئر بالمدينة، ويقال لها أيضًا: ذو أرْوان، وكلُّ ذلك قد رُويَ، انتهى.

وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: قوله: «في بئر ذي أرْوان» هكذا في جميع نسخ «مسلم»: ذي أرْوان، وكذا وقع في بعض روايات البُخاريِّ، وفي معظمها: ذرْوان، وكلاهما صحيح مشهور، والأوَّل أجود وأوضح، وادَّعى ابن قُتَيْبَة أنَّه الصواب، وهو قول الأصمعيِّ، وهي [12] بئر بالمدينة في بستان لبني زُريق، انتهى.

قوله: (أَسْتَخْرَجْتَهُ؟ [13]): هو بفتح الهمزة، وهو على الاستفهام.

قوله: (ذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّث، وهي عائشة، كذا كان في أصلنا، ثمَّ أُصلِحت بالقلم بالفتح.

قوله: (شَرًّا): قال ابن بَطَّالٍ: كره أن يخرجَه؛ فيتعلَّم منه بعض الناس، فذلك الشرُّ الذي كرهه، قال السُّهَيليُّ: ويجوز أن يكون الشرُّ غيرَ هذا،

[ج 1 ص 847]

وذلك أنَّ الساحر كان من بني زُريق، فلو أظهر سحره للنَّاس، وأراهم إيَّاه؛ لأوشك أن يريد طائفةٌ من المسلمين قَتْلَه، ويتعصَّب آخرون من عشيرته، فيثور شرٌّ؛ كما ثار في حديث الإفك من الشرِّ ما سيأتي بيانه، انتهى، وسيأتي في كتاب «الطِّبِّ» هل استخرجه أم لا؟ وترجيحُ أحدهما على الآخر، أو الجمع بينهما، والله أعلم.

قوله: (ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ): (دُفِنَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (البئرُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

==========

(1/6269)

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أَخْبَرَنَا).

[2] (البخاري): سقط من (أ).

[3] (ابن): سقط من (ب).

[4] في هامش (ق): (ابن عروة).

[5] زيد في (ب): (الإمام).

[6] (لسماعه منه): سقط من (ب).

[7] في (ب): (فالجواب لعله).

[8] في (ب): (عند)، وهو تحريفٌ.

[9] (قد): ليس في (ب).

[10] (انتهى): ليس في (ب).

[11] في (ب): (وراء).

[12] في (ب): (وهو).

[13] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (اِستخرَجْتَهُ).

(1/6270)

[حديث: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد]

3269# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي أُويس عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت مالك الإمام، وتَقَدَّمَ أيضًا (أَخُوهُ): عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وما قيل فيه من كلام الأزديِّ، والله أعلم.

قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هو ابن بلال، وكذا في أصلنا منسوبٌ مخرَّجٌ، وعليه صحَّ، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (يَحْيَى بْن سَعِيدٍ): أنَّه الأنصاريُّ، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، بخلاف ياء غير أبيه، فإنَّه لا يجوز فيها إلَّا الفتح.

قوله: (قَافِيَةِ): تَقَدَّمَ أنَّها آخر الرأس، وضبطها في (الصلاة).

قوله: (عُقَدُهُ كُلُّهَا): هذه جمع (عقدة)، ويدلُّ له [1]: (كلُّها)، وقد تَقَدَّمَ الاختلاف فيها حين جاءت بغير (كلُّ)، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (لها).

[ج 1 ص 848]

(1/6271)

[حديث: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه]

3270# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو جَرِير _بفتح الجيم، وكسر الراء_ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، وتَقَدَّمَ (مَنْصُور): أنَّه ابن المعتمر، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة، و (عَبْد اللهِ): أنَّه ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، رضي الله عنه.

قوله: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ): (ذُكر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رجلٌ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وهذا الرجل لا أعرفه.

قوله: (ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: [1] أُذُنِهِ) تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة).

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (في).

[ج 1 ص 848]

(1/6272)

[حديث: أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله اللهم جنبنا ... ]

3271# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو: التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ عليه الكلام، وعلى نسبته هذه، و (هَمَّامٌ): تَقَدَّمَ [أنَّه] ابن يحيى العوْذيُّ الحافظ، و (مَنْصُور): تَقَدَّمَ أنَّه ابن المعتمر.

قوله: (أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ): (أَمَا): بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، وقد تَقَدَّمَ أنَّها بمعنى (ألا)؛ التي للاستفتاح، و (إنَّ) مكسور [1] الهمزة بعدها.

قوله: (لَمْ يَضُرّهُ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الراء، وهو الذي نصَّ عليه سيبويه، وأنَّه ضبط بالفتح، وتَقَدَّمَ الكلام على قوله: «لم يضرَّه الشيطان»، وذكرت فيه أقوالًا في (الوضوء).

==========

[1] في (ب): (مكسورة).

[ج 1 ص 848]

(1/6273)

[حديث: إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز]

3272# 3273# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [1] عَبْدَةُ): قال الجَيَّانيُّ: وقال _أي: البُخاريُّ_ في (الاعتكاف)، و (الجهاد)، و (صفة إبليس)، و (الأنبياء)، و (مناقب الأنصار)، و (سورة البقرة)، و (يوسف)، و (النكاح)، و (اللباس)، و (الأدب)، و (الأيمان والنذور)، و (الأحكام)، و (التمنِّي): (حدَّثنا مُحَمَّد: أخبرنا عبْدة)، هكذا أتى «مُحَمَّد» غيرَ منسوب عن عبْدة، وفي بعض هذه المواضع، وقد نسبه ابن السكن في بعضها: ابن سلَام، وكذلك صَرَّحَ البُخاريُّ في بعض المواضع باسمه، فقال: حدَّثنا مُحَمَّد بن سلَام: حدَّثنا عبدة، وذكر أبو نصر: أنَّ مُحَمَّد بن سلَام يروي عن عبدة، انتهى.

و (عبْدة): هذا هو ابن سليمان، وهو بإسكان المُوَحَّدة، وقد قَدَّمْتُ هذا [2] الكلام على (مُحَمَّد عن عبْدة) فيما مضى، ولكن طال الفصل، وقال شيخنا: هو ابن سلام، كما قاله أبو نعيم، وأبو عليٍّ [3]؛ يعني: الجَيَّانيَّ الذي قَدَّمْتُ كلامه.

قوله: (حَاجِبُ الشَّمْسِ): (حاجبُها): هو حرفها الأعلى من قرصها، و (حواجبُها): نواحيها، وقيل: سُمِّي بذلك؛ لأنَّه أوَّلُ ما يبدو؛ كحاجب الإنسان، وعلى هذا يختصُّ الحاجب بالحرف الأعلى البادي، ولا تُسمَّى جميع نواحيها حواجبَ، وقد تَقَدَّمَ ذلك.

قوله: (بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ؟): (أيَّ): مشدد الياء مفتوح، و (هشام): هو ابن عروة المذكور في السند.

(1/6274)

[حديث: إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فليمنعه]

3274# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الميمين بينهما عين مهملة، وأنَّه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجَّاج، وتَقَدَّمَ (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد بن ذكوان التيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ، أبو عبيدة الحافظ.

قوله: (عَنْ [1] يُونُس): هذا هو ابن عُبيد، أحد أئمَّة البصرة، عن الحسن وأبي بردة، وعنه: عبد الوهاب الثقفيُّ وابن عُلَيَّة، وهو من العلماء العاملين الأثبات، مات سنة (139 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تَقَدَّمَ، ولكن بعُد العهد به.

قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه ذكوان الزيَّات السَّمَّان، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ [2]): أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ الصَّحَابيُّ رضي الله عنه، وكون هذا الحديث من مسند أبي سعيد؛ فلذا هو في أصلنا، وكذا ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه» في مسنده، وفي هامش أصلنا عوض (أبي سعيد): (عن أبي هريرة)، ولم يذكره المِزِّيُّ إلا في مسند أبي سعيد، لم يذكره في مسند أبي هريرة، وليس في الكُتُب السِّتَّة روايةٌ لحُميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي هريرة، فضلًا عن البُخاريِّ، إنَّما في «البُخاريِّ»، و «مسلم»، و «أبي داود» رواية حُميد هذا عن أبي صالح عن أبي سعيد هذا الواحدَ فقط.

تنبيه: هذا الحديث أخرجه البُخاريُّ سندًا ومتنًا في (الصلاة) وهنا؛ فليُعلم، وقد ذكرت في هذا التعليق في (الحجِّ) أحاديثَ من هذا النمط.

قوله: (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

(1/6275)

[معلق ابن الهيثم: صدقك وهو كذوب ذاك شيطان]

3275# قوله: (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ ... ) إلى آخره: (عثمان) هذا تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه مؤذِّن البصرة، عن عوف وابن جُرَيجٍ، وعنه: البُخاريّ، والكَجِّيُّ، وأبو خليفة، مات سنة (218 هـ)، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له، قال أبو حاتم: كان يُلقّن بأَخَرةٍ، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: صدوق، كثير الخطأ، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان)، وفلان المسندُ إليه القولُ شيخُه؛ كهذا؛ فإنَّه يكون قد [1] أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وهذا الحديث قد أخرجه البُخاريُّ في (الوكالة)، وهنا في (صفة إبليس) وفي (فضائل القرآن) كما هنا، وقال عثمان بن الهيثم: حدَّثنا عوف _وهو عوف بن أبي جَميلة الأعرابيُّ_ عن مُحَمَّد بن سيرين عن أبي هريرة سندًا ومتنًا، والله أعلم، وقلَّ أن يقع [2] له مثل ذلك، وقد تَقَدَّمَ ذلك في (الوكالة)، وقد ذكرت فيما مضى أحاديثَ ميَّزتُ عليها وقعتْ له متكرِّرة [3] سندًا ومتنًا، وهي قابلة [4] للزيادة، ذكرتُ ذلك في كتاب (الحجِّ).

قوله: (إذا أَوَيْتَ): تَقَدَّمَ أنَّه بقصر الهمزة، هذا الأفصح، وهي لغة القرآن؛ أنَّه إذا أتى (أوى) لازمًا كهذا؛ يكون بقصر الهمزة، وإذا كان متعدِّيًا؛ يكون بالمدِّ، ويجوز العكس في كلٍّ منهما، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وهذا مَعْرُوفٌ.

==========

[1] (قد): ليس في (ب)، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[2] في (ب): (يقطع)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (مكررة).

[4] في (ب): (حاصلة)، وهو تحريفٌ.

(1/6276)

[حديث: يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا]

3276# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، نُسب إلى جدِّه، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد [1]، وتَقَدَّمَ (عُقَيْل): أنَّه بضَمِّ العين وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وتَقَدَّمَ (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ): (الشيطانُ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (أحدَكم): مَنْصُوبٌ مفعول، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] زيد في (ب): (الإمام).

[ج 1 ص 849]

(1/6277)

[حديث: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة]

3277# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ): (ابن أبي أنس) هذا: هو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحيُّ، عمُّ الإمام مالك المجتهدِ، وقد تَقَدَّمَ غير هذه المرَّة كذا.

قوله: (فُتِّحَتْ): تَقَدَّمَ أنَّه بالتخفيف والتشديد، و (أَبْوَابُ السَّمَاءِ) أو (أَبْوَابُ الجَنَّةِ) الروايتان تقدَّمتا، والجمع بينهما، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (سُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) بسؤال وأجوبة.

==========

[ج 1 ص 849]

(1/6278)

[حديث: إن موسى قال لفتاه: آتنا غداءنا قال أرأيت إذ أوينا ... ]

3278# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبَير في أوَّل هذا التعليق، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته هذه، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (سُفْيَان) هذا وأنَّه ابن عُيَيْنَة، و (عَمْرو): أنَّه ابن دينار.

قوله: (إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ): تَقَدَّمَ أنَّ فتاه: يوشع بن نون، وقد قَدَّمْتُ نسبه، وأنَّ (نونًا) مصروف، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على ({أَوَيْنَا} [الكهف: 63])، وأنَّ الأفصح أنَّه بالقصر، وفي أعلاه أيضًا، وكذا الكلام على (الصَّخْرَةِ)، وكذا (النَّصَب) وأنَّه التعب.

==========

[ج 1 ص 849]

(1/6279)

[حديث: ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن ... ]

3279# قوله: (مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه [1].

==========

[1] (عليه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 849]

(1/6280)

[حديث: إذا استجنح فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ]

3280# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، وتَقَدَّمَ مَرَّةً مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (عَطَاءٌ): أنَّه ابن أبي رباح، وأنَّ (جَابِرًا): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام؛ بالراءِ، وهذا كلُّه معروف عند أهلهِ.

قوله: (إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ): سيأتي.

قوله: (أَوْ قَالَ [1]: كَانَ جنْحُ [2] اللَّيْلِ): يقال: جُنْح وجِنْح؛ بالضَّمِّ والكسر، وجنحه: أوَّله، وقيل: قطعة منه، وقيل: نصف النصف، والأوَّل أشبه.

قوله: (فَكُفُّوا): أي: ضُمُّوا.

قوله: (صِبْيَانَكُمْ): إنَّما خيف على الصبيان؛ لأنَّ النَّجاسة التي يلوذ بها الشيطان موجودةٌ معهم، ولأنَّ الذِّكْرَ الذي يُسْتَعْصَم به معدوم عندهم، والشياطين عند انتشارهم يتعلَّقون بما يمكنهم التعلُّق به، فإذا ذهبت ساعةٌ من العشاء؛ اشتغل كلٌّ منهم بما اكتُتِبَ [3]، ومضى إلى ما قُدِّر له التشاغل به، نبَّه عليه ابن الجوزيِّ، قاله شيخنا.

قوله: (فَحُلُّوهُمْ): بحاء مهملة [4] للحمُّوي، وهذا في أصلنا، وللكافَّة: بالخاء المُعْجَمَة، وهذا هو [5] نسخة في هامش أصلنا.

قوله: (وَأَغْلِقْ بابكَ): هو بفتح الهمزة، رُباعيٌّ، ساكن الآخر، فعل أمر، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَأَطْفِئْ): هو بقطع الهمزة، وفي آخره همزة ساكنة، على الأمر.

قوله: (وَأَوْكِ سِقَاءَكَ): هو بقطع الهمزة، وكسر الكاف، على الأمر.

قوله: (وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا): هو بفتح أوَّله _لأنَّه ثُلاثيٌّ_ وبضمِّ الراء، وكذا في أصلنا، قال ابن قرقول: كذا رويناه، وكذا قاله الأصمعي، ورواه أبو عُبيد: بفتح التاء مع كسر الراء، والأوَّل أشهر، وهو أن يضعه عليه عرضًا في قِبْلَته، كذا ضبطناه، وكذا قيَّدَه الأصيليُّ، وقيَّدَه بعضُهم: (تَعرُض)، والأوَّل أوجه.

(1/6281)

[حديث: على رسلكما إنها صفية بنت حيي]

3281# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، وكذا هو منسوب في نسخة على هامش أصلنا، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام، الحافظ الكبير المشهور، و (مَعْمَرٌ): بفتح الميمين، وإسكان العين، ابن راشد تَقَدَّمَ مرارًا، و (الزُّهْرِي): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عَلِيُّ بْن الحُسَيْنِ [2]): هو زين العابدين، و (صَفِيَّة بِنْت حُيَيٍّ): هي زوج النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، أمُّ المؤمنين، و (حُييٌّ): بضَمِّ الحاء وكسرها، تَقَدَّمَ، رضي الله عنها، وأبوها قُتِل في بني قريظة.

[ج 1 ص 849]

قوله: (فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذين الرَّجُلَين مَن هما، وما إخاله يصحُّ عنهما، والله أعلم.

قوله: (عَلَى رِسْلِكُمَا): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الراء وكسرها باختلاف المعنى؛ فانظره.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حُسَيْنٍ).

(1/6282)

[حديث: إني لأعلم كلمةً لو قالها ذهب عنه ما يجد]

3282# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، و (عَبْدان): تَقَدَّمَ أنَّه لقب له، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو حَمْزَةَ): أنَّه بالحاء والزاي، وأنَّه مُحَمَّد بن ميمون السُّكريُّ، وأنَّه [1] إنَّما قيل له: السُّكريُّ؛ لحلاوة كلامه، وتَقَدَّمَ [2] أنَّ (الأَعْمَش): سُليمان بن مِهْرَان، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُلَيْمَانَ بْن صُرَدٍ): صَحَابيٌّ في (الأذان)، وأنَّ (صردًا) مصروفٌ ليس معدولًا، وهو سُليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون، وكنيته: أبو مطرِّف، وهو خزاعيٌّ، رضي الله عنه، أمير التَّوَّابِين.

قوله: (وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ): هذان الرجلان لا أعرفهما.

قوله: (وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ): إنَّما هما ودجان، ذكرهما بلفظ الجمع؛ كقوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78]، أو لأنَّ كلَّ قطعة من الوَدَج تسمى وَدَجًا، كما جاء في الحديث: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان أزجَّ الحواجب)، والله أعلم.

==========

[1] (أنَّه): ليس في (ب).

[2] (تَقَدَّمَ): ليس في (ب).

[ج 1 ص 850]

(1/6283)

[حديث: لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال اللهم جنبني الشيطان]

3283# قوله: (حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ): هو ابن المعتمر، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ): تَقَدَّمَ أنَّه يقال بضَمِّ الراء المُشَدَّدة؛ وهو أفصح، ويقال بفتحها، وكذا كلُّ فعل مضعَّف إذا دخل عليه الجازم.

قوله: (لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه وما قيل فيه.

قوله: (وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ... ) إلى آخره: قائلُ ذلك هو شعبة، وهو عند البُخاريِّ بالسند المتقدِّم: آدم، عن شعبة، عن الأعمش به، وإنَّما أتى بهذا البُخاريُّ؛ ليذكر لك الطريقَ الأولى أنَّها بالرفع، والثانية بالوقف [1] على ابن عَبَّاس، وقولُه: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ)؛ يعني: من قول ابن عَبَّاس موقوفًا لا مرفوعًا، و (مثلَه): مَنْصُوبٌ مفعول [2]، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (بالتوقف)، وهو تحريفٌ.

[2] زيد في (ب): (حدثنا).

[ج 1 ص 850]

(1/6284)

[حديث: إن الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي]

3284# قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّمَ، و (شَبَابَةُ): هو ابن سوَّار؛ بتشديد الواو، تَقَدَّمَ.

قوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الشيطان، وأنَّه هو إبليس أو غيره، فإنَّ في بعض طرقه: «إنَّ عدوَّ الله إبليس»، فيحتمل أنَّهما قضيتان، والأصل عدم التعدُّد، ويحتمل أنَّهما واحدة، وتَقَدَّمَ أنَّه جاءه في صورة هِرٍّ، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 850]

(1/6285)

[حديث: إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط]

3285# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هو الفِرْيَابيُّ، محدِّث قَيساريَّة، لا البيكنديُّ، وقد تَقَدَّمَ الفرق بينهما في أوائل هذا التعليق مُطَوَّلًا، وتَقَدَّمَ (الأَوْزَاعِيُّ)، وأنَّه عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، أبو عمرو، أحد الأعلام، و (يَحْيَى بْن أَبِي كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، و (أَبُو سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _أو إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحدُ الفقهاء [1] السبعة على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (فَإِذَا قُضِيَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا الثانية، وكذا (فَإِذَا ثُوِّبَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وتَقَدَّمَ (التثويب) هنا: الإقامة.

قوله: (حَتَّى يَخْطِرَ): تَقَدَّمَ، وأنَّ ابن قرقول قال: (بكسر الطاء ضبطناه عن المتقِنِين، وقد سمعنا من أكثر الرواة: «يخطُر»؛ بضَمِّ الطاء، والكسر هو الوجه في هذا؛ يعني: يوسوس ... ) إلى أن قال: (وأمَّا بضَمِّ الطاء؛ فمن السلوك والمرور؛ أي: يدنو منه فيمرُّ بين نفسه وبينه، وبهذا فسَّره الشارحون لـ «المُوَطَّأ» وغيره، وفسَّره الخليل بالأوَّل)، انتهى، وتَقَدَّمَ كلام الجوهريِّ وغيره، والله أعلم.

(1/6286)

[حديث: كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد]

3286# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وتَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) أعلاه [1] وبعيدًا مرارًا [2].

قوله: (يَطْعنُ): هو بضَمِّ العين وفتحها، وكذا (ذَهَبَ يَطْعنُ) بهما، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (غَيْرَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ): ظاهر الحديث اختصاصُ عيسى بهذا، والذي ينبغي أن يكون جميعُ الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه [3] كذلك، وقد قال النَّوويُّ رحمه الله في قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ما من مولود يولد إلَّا نخسه الشيطان، فيستهلُّ صارخًا من نخسة الشيطان، إلَّا ابنَ مريم وأمَّه»: هذه فضيلة ظاهرة، فظاهر الحديث اختصاصها بعيسى وأمِّه، وأشار القاضي إلى أنَّ جميع الأنبياء يشاركون فيها، انتهى.

قوله: (فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ): (الحجاب) هنا: المشيمة، قاله شيخنا عن ابن الجوزيِّ، ونقل شيخنا عن قتادة: أنَّ إبليس لما وُلِد عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]؛ أراد أن يطعن، فجُعِلَ بينهما حجابٌ، فطعن في الحجاب، انتهى.

==========

[1] (أعلاه): ليس في (ب)، وزيد فيها: (أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصح مرارًا قريبًا).

[2] (مرارًا): ليس في (ب).

[3] في (ب): (وسلامه عليهم أجمعين).

[4] في (ب): (عليه السلام).

[ج 1 ص 850]

(1/6287)

[حديث: الذي أجاره الله على لسان نبيه عمارًا]

3287# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هذا هو ابن [1] يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، تَقَدَّمَ، و (الْمُغِيرَة): هو ابن مِقْسَم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ.

قوله: (قَدِمْتُ الشَّأْمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه نطقًا وطولًا وعرضًا في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه عويمر بن مالك، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن ثعلبة، وقيل غير ذلك، تأخَّر إسلامه، أسلم عَقِب بدر، فرض له عُمر فألحقه بالبدريِّين؛ لجلالته رضي الله عنه، تُوُفِّيَ سنة (32 هـ)، أخرج له الجماعة، تَقَدَّمَ ببعض ترجمة.

[ج 1 ص 850]

قوله: (أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ؟): سيأتي بُعَيدَه؛ يعني: عمَّارًا، قال الدِّمْيَاطيُّ في بابٍ غير هذا الباب، فنقلته أنا إلى هنا؛ لأنَّه أليق به؛ لأنَّه أوَّل مكان وقع فيه ذلك، وسأذكره حيث ذكره، بيانُه: قال عمَّار: نزلت مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منزلًا، فأخذت قِربتي ودلوي لأستقي، فقال لي رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَمَا إنَّه سيأتيك مَن يمنعُك من الماء»، فلمَّا كنت على رأس البئر؛ إذا رجلٌ أسودُ كأنَّه مِرْس، فقال: والله لا يستقي اليوم منها ذَنوبًا واحدًا، فأخذته وأخذني، فصرعتُه، ثمَّ أخذت حجرًا، فكسرت به أنفه ووجهه، ثمَّ ملأت قِربتي، فأتيت بها رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: «هل أتاك على الماء مِن أحد؟»، فقلت: عبدٌ أسودُ، فقال: «ما صنعتَ به؟»، فأخبرتُه، فقال: «أتدري مَن هو؟»، قلت: لا، قال: «ذاك الشيطان، جاء يمنعك من الماء»، روى ابن سعدٍ هذه القصَّةَ عن الحسن، انتهى، و (المِرْس)؛ بكسر الميم، وإسكان الراء المُهْمَلَة [2]: الرجل الشديد العِلَاج، وهو بيِّن المِرْس، وقيل: يجوز أن يكون قاله؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «يدعوهم إلى الجنَّة، ويدعونه إلى النار»، أو يكون شهد له أنَّ الله أجاره من الشيطان، انتهى، قاله شيخنا.

قوله: (عَنِ المُغِيرَة [3]): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه ابن مِقْسَم الضَّبِّيُّ.

(1/6288)

[معلق الليث: الملائكة تتحدث في العنان بالأمر يكون في الأرض]

3288# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ): هذا تعليق، وقد أسنده في (بَدءِ الخلق) عن سعيد بن أبي مريم، عن الليث، عن عُبيد الله بن أبي جعفر، عن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عن عروة، عن عائشة [1]، وهنا: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ: أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عَنْ [2] عُرْوَةُ) به، و (أَبُو الأَسْوَدِ): هو مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن المذكور قُبَيلَه، يتيم عروة، والله أعلم.

قوله: (فِي الْعَنَانِ): هو بفتح العين، تَقَدَّمَ، وهو السَّحابُ، وكذا قاله في الحديث نفسِه: إنَّه الغمامُ، والذي ظهر لي أنَّه مدرج في الحديث، وهو تفسيرٌ لـ (العَنان) من بعضِ رواته.

قوله: (فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ [3]): قال ابن قرقول: (فتَقُرُّها): كذا ضبطه الأصيليُّ بفتح التاء وضمِّ القاف، وعند غيره: بضَمِّ التاء وكسر القاف، وصوَّب بعضُهم رواية الأصيليِّ، وكلاهما صواب على اختلاف التفسير، فقيل على ضمِّ القاف: إنَّ معناه: تُردِّدها كما تُرَدِّد الدجاجة صوتَها، وكذلك على من فسَّره أيضًا: تُصوِّت بها كما تصوِّت الدجاجة؛ يقال منه: قرَّت الدجاجة تقُرُّ قرًّا؛ إذا قطَّعت صوتها، وقرقرت قرقرة؛ إذا ردَّدته أيضًا، وكما تُصَوِّت الزجاجة إذا حرَّكتها على شيء، أو كما يتردَّد ما يُصَبُّ في القارورة في مَدخلها أو جوانبها، وهذا يصحُّ على الضمِّ والكسر في القاف، يقال: قررتُ الماء في الآنية وأقررتُه؛ إذا [4] صببتَه [5]، قاله ابن القوطيَّة، وقيل: معنى (تقرُّها): تودعها في أذنه؛ أي: تجعل أذنه لها قرارًا، وعلى هذا رواية من كسر القاف، من أقرَّ الشيء، وقيل: يقُرُّها؛ بضَمِّ القاف: يسارُّه بها، يقال: قرَّ الخبر في أذنه يقرُّه قرًّا؛ إذا أودعه إيَّاه سرًّا، و (الدجاجة) و (الزجاجة) روايتان، وكذلك (تُقِرُّها) و (تَقُرُّها)؛ كلُّها روايات في «الصحيحين»، و (القارورة) ههنا: الزجاجة، كما في الحديث الآخر، انتهى.

قوله: (فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ): تَقَدَّمَ الكلام على (الكاهن)، وسأذكره أيضًا.

قوله: (كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ): (تُقَرُّ)؛ بضَمِّ أوَّله، وفتح القاف: مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، كذا هو مضبوط في أصلنا، و (الْقَارُورَةُ): مرفوعة قائمة مقام الفاعل.

==========

(1/6289)

[1] زيد في (ب): (رضي الله عنها).

[2] (عن): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

[3] كذا في النُّسخَتَينِ، وهي رواية الحديث (6213)، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ).

[4] زيد في (أ): (إذا)، وهو تكرارٌ.

[5] في (أ): (أصبته)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 851]

(1/6290)

[حديث: التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع]

3289# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئب، وتَقَدَّمَ (سَعِيدٌ الْمَقْبرِيُّ): أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وفتحها.

قوله: (التَّثَاؤُبُ): هو بهمزة مضمومة بعد الثاء المُثَلَّثَة [1]، معروفٌ.

قوله: (فَإِذَا تَثَاءَبَ): هو بهمزة مفتوحة بعد المُثَلَّثَة.

قوله: (إِذَا قَالَ: هَا): هو بفتح الهاء، مقصورٌ، معروفٌ.

قوله: (ضَحِكَ مِنْهُ [2] الشَّيْطَانُ): أي: فرحًا بذلك، وقال الداوديُّ: إن فتح فاه ولم يَصلْه؛ بصق فيه، وإن قال: هَا؛ ضحك منه، انتهى، وإن لم يكظم؛ دخل في فِيه، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (بعد التاء والمُثَلَّثَة).

[2] (منه): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

[ج 1 ص 851]

(1/6291)

[حديث: لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس ... ]

3290# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

قوله: (لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ): يجوز في (يوم) الرفع والنصب، وقد تَقَدَّمَ متى كانت وقعة أُحُد، وسيأتي أيضًا في مكانه.

قوله: (هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ): (هُزِم)؛ بضَمِّ الهاء، وكسر الزاي: مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (المشركون): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ): (اجتلدوا)؛ أي: تقاتلوا بالسيوف.

قوله: (بِأَبِيهِ الْيَمَانِ): كذا هو في أصلنا بغير ياء، وقد قَدَّمْتُ أنَّ الأصحَّ: أنَّه بالياء، وكذا: (العاصي)، و (ابن أبي الموالي)، و (ابن الهادي)، قاله النَّوويُّ، واسم (اليماني) [1] حِسْل، وقيل: حُسَيْل؛ مُصَغَّر، وحِسْل؛ بكسر الحاء وإسكان السين المُهْمَلَتَين، وحُسَيْل؛ بضَمِّ الحاء وفتح السين المُهْمَلَتين أيضًا، ثمَّ مُثَنَّاة ساكنة، ثمَّ لام، ابن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جِرْوة؛ بجيم مكسورة، وراء ساكنة، وباقي نسبه معروف، شهد أُحُدًا وبها استُشْهِد، والذي قتله خطأً هو عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود.

قوله: (بَقِيَّةُ خَيْرٍ): يعني: بقيَّة حُزنٍ على أبيه مِن قتل المسلمين إيَّاه.

(1/6292)

[حديث: هو اختلاس يختلس الشيطان من صلاة أحدكم]

3291# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ): هو بهمزة مفتوحة، ثمَّ حاء ساكنة، ثمَّ واو مفتوحة، ثمَّ صاد، مهملتين، واسمه سلَّام _بتشديد اللام_ ابن سُلَيم؛ بضَمِّ السين، وفتح اللام، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (هُوَ اخْتِلاَسٌ): (الاختلاس): اختطاف الشيء بسُرعة وأخذه على سبيل المخاتلة، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[ج 1 ص 851]

(1/6293)

[حديث: الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان]

3292# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ): اسم هذا عبدُ القُدُّوس بن الحجَّاج، أبو المغيرة الخولانيُّ الحمصيُّ، عن حَريز [1] بن عثمان، وصفوان بن عمرو، والأوزاعيِّ، وطائفةٍ كثيرة، وعنه: البُخاريُّ، وأحمد ابن حنبل، وإسحاق الكوسج، والدارميُّ، ومُحَمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، وثَّقهُ الدَّارَقُطْنيُّ وغيره، وقال أبو حاتم: صدوق، قال البُخاريُّ: مات سنة اثنتي عشرة ومئتين، أخرج له الجماعة، وخُطِّئ مَن أودعه في الضعفاء، له اسم في «الميزان»، لكن لم يذكر فيه كلامًا، إلَّا أنَّه أنكر على مَن ذكره في الضعفاء، ولم يسمِّه، بل جهَّل مَن ذكره فيهم.

قوله: (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، أبو عَمرو، عالم أهل الشام، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ): أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (أَبِي قَتَادَةَ): الحارث بن رِبْعِيٍّ، وقيل: النُّعمان، أو عَمرو، فارس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، رضي الله عنه.

قوله: (وَالْحُلمُ مِنَ الشَّيْطَانِ): (الحلم): يقال بإسكان اللام وضمِّها [2].

قوله: (فَإِذَا حَلَمَ): هو بفتح اللام، وقال شيخنا عن ابن التين: قال: وبضمِّها، من المنام، انتهى، وأمَّا أنا؛ فلم أرَ ذلك، والله أعلم.

قوله: (فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ): تنبيهٌ: أمر رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم النائم في أحاديثَ إذا رأى ما يكره بخمسة أشياء: أن ينفث عن يساره، وأن يستعيذ بالله من الشيطان، وألَّا يخبر بها أحدًا، وأن يتحوَّل عن جنبه الذي كان عليه، وأن يقوم يصلِّي، وذكر شيخنا في (كتاب التعبير) غالب هذه الروايات، ثمَّ قال: وفي أخرى _أي: في رواية أخرى_ ذكرها الداوديُّ: (أو يقرأ آية الكرسيِّ)، والله أعلم، انتهى، وأيًّا فعل مِن ذلك؛ أجزأ عنه، والأكملُ فعلُ الكلِّ.

(1/6294)

[حديث: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد]

3293# قوله: (عَنْ سُمَيٍّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ السين، وفتح الميم [1]، وتشديد الياء، بوزن (عُلَيٍّ) المُصَغَّر، وتَقَدَّمَ الكلام على ترجمته، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان [2].

قوله: (كَانَتْ لَهُ عدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ): (عدل): بفتح العين وكسرها، تَقَدَّمَ الكلام عليها، وهما بمعنى: المِثل، وقيل: بالفتح: ما عادله من جنسه، وبالكسر: ما ليس من جنسه، وقيل بالعكس.

قوله: (وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ): (كُتِبَت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مئةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا: (وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ).

قوله: (وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا): (الحرز): الحافظ، وهذا مَعْرُوفٌ.

==========

[1] في (ب): (اللام)، والمثبت هو الصَّواب.

[2] زيد في (ب): (السمان).

[ج 1 ص 852]

(1/6295)

[حديث: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلا سلك ... ]

3294# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (صَالِح): أنَّه ابن كيسان، وكذا تَقَدَّمَ (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ): الظاهر أنَّ هؤلاء أزواجُه القُرَشيَّات، والله أعلم، وكذا قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين، لكنْ [1] لفظُه: هنَّ أمَّهات المؤمنين: عائشة، وحفصة، وأمُّ سلمة، وزينب بنت جحش، وغيرُهنَّ، انتهى.

قوله: (وَيَسْتَكْثِرْنَهُ [2]): أي: يُكثِرْنَ عليه السؤالَ والكلام؛ أي: يَطْلُبْنَ منه استخراجَ الكثير منه [3] أو من الحوائج، وقال شيخنا: يطلُبْنَ منه كثيرًا من كلامه وجوابه، ويحتمل أن يكون من العطاء، ويؤيِّده أنَّه ورد: أنَّهن يُرِدْنَ النفقة، انتهى.

قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ): وفي (مناقب عمر): (عالية أصواتهنَّ على صوته)، قال النَّوويُّ رحمه الله: قال القاضي _يعني: عياضًا_ يحتمل أنَّ هذا كان قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ويحتمل أنَّ علوَّ أصواتهنَّ إنَّما كان باجتماعهنَّ، لا أنَّ كلام كلِّ واحدةٍ بانفرادِه أعلى من صوته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى، قال شيخنا: أو يكون فيهنَّ مَن هي جهيرة الصوت؛ كنُعيم النَّحَّام، ويحتمل أنَّهنَّ لمَّا عَلِمْن عفوَه وصفحه؛ تسمَّحنَ في رفع الصوت، انتهى.

وقول شيخنا: (كنُعَيمٍ النَّحَّام): كذا قال، والذي أعرفه أنا بجهر الصوت إنَّما هو ثابت بن قيس بن شمَّاس الأنصاريُّ رضي الله عنه.

قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ): (عاليةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن حال، و (أصواتُهنَّ): مَرْفُوعٌ، وهذا مَعْرُوفٌ.

قوله: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ): هما بمعنى شدَّة الخُلُق، وخشونة الجانب، ولم يأتِ (أفعل) هنا للمفاضلة [4] بينه وبين النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، بل بمعنى: أنت فظٌّ غليظٌ، أو يكون للمفاضلة بينهما فيما يجب من الإنكار والخشونة على أهل الباطل؛ كما قال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فيكون عند عمرَ [5] زيادةٌ في غير هذا من الأمور، فيكون أغلظَ بهذا على الجملة، لا على التفصيل فيما يُحمَد من ذلك، والله أعلم.

(1/6296)

قوله: (سَالِكًا فَجًّا): (الفجُّ): الطريق المتَّسعة، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكلام القاضي عياض، وها أنا أذكر لك ذلك: إذا كان هذا حال الشيطان معه في الطريق الواسعة: أنَّه لا يسلكها لسلوكه، فكيف بالضيِّقة؟! وقال القاضي: يحتمل أنَّه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائِه من عمر، وأنَّه لا سبيل له عليه؛ أي: إنَّك إذا سلكت في أمرٍ بمعروف أو نهي عن منكرٍ؛ ينفذ فيه ولا يتركه [6]، فييئس الشيطان من أن يوسوس فيه، فيتركه ويسلك غيره، وليس المراد به الطريقَ على الحقيقة؛ لأنَّ الله تعالى قال: {يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]، فلا يخافه أذًى يصيبه في فجٍّ؛ لأنَّه لا يراه، انتهى.

(1/6297)

[حديث: إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثًا]

3295# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (حَازمًا) بالحاء المُهْمَلَة، واسم (ابن أبي حَازم) عبدُ العزيز بن أبي حَازم المدنيُّ، مولى بني مخزوم، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، ليَّنه [1] ابن سيِّدِ النَّاسِ اليعمريُّ خطيب تونس جدُّ الحافظ فتح الدين، ومِن قَبْلِه العُقيليُّ، والله أعلم، و (يَزِيد) بعده: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان».

قوله: (فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا): تَقَدَّمَ الكلام على (الاستنثار)، وأنَّه غير الاستنشاق، و (الاستنثار): إخراج الماء بالنَّفَس من الأنف.

قوله: (عَلَى خَيْشُومِهِ): هو بفتح الخاء المُعْجَمَة، وإسكان المُثَنَّاة تحت، ثمَّ شين معجمة مضمومة، ثمَّ هاء الضمير؛ وهو أقصى الأنف.

==========

[1] في (ب): (لقبه)، وهو تحريف.

(1/6298)

[باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم]

قوله: (ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ): اعلم أنَّ (الجنَّ) ولدُ إبليسَ، والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب، واختُلِف في دخولهم الجنَّة، والعُمومات تقتضي دخولهم، وبه قال الشَّافِعيُّ وغيره، وأمَّا أبو حنيفة؛ فعنه روايتان؛ الأولى: التردُّد، وقال: لا أدري أين مصيرهم؟ الثانية: يصيرون يوم القيامة ترابًا، ومنهم كافر ومؤمن، ويموتون، والشياطين ليسوا منهم بمؤمنين، ولا يموتون إلَّا مع إبليس، والله أعلم، ويُروَى عن وهب بن مُنَبِّه أنَّه قال: الجنُّ أجناس؛ فخالص الجنِّ لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، ومنهم من يأكل، ويشرب، وينكح، ويُولَد له، ومِن هذا: الغِيلان، والسعالي، والقطاربة، ذكر ذلك المحبُّ الطَّبَريُّ عن وهب، انتهى.

وقد اختُلِف؛ هل يأكلون حقيقة أم لا؟ فزعم بعضهم: أنَّهم يتغذَّون بالشمِّ، ويردُّ هذا ما في الحديث: «يصير العظم كأوفر ما كان لحمًا، والروث لدوابِّهم»، ولا يصير كذلك إلَّا للأكل حقيقة، وهو المرجَّح عند جماعة العلماء، ومنهم من قال: هم طائفتان؛ طائفة تشمُّ، وطائفة تأكل.

مطلب: الجنُّ أيدخلون الجنَّة؟ [1]

(1/6299)

قوله [2] تعالى: ({يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [3]} [الأنعام: 130]): اعلم أنَّ ظاهر هذه الآية أنَّ من الجنِّ رُسُلًا، وهذه المسألة فيها خلافٌ، قيل: بعث الله رسولًا واحدًا من الجنِّ اسمه يوسف، وقيل: رسل الجنِّ هم رسل الإنس، فهم رسل الله بواسطة؛ إذ هم رُسُلُ [4] رُسُلِه، ويؤيِّده قوله: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29]، قاله ابن عَبَّاس والضَّحَّاك، ورُوِيَ: أنَّ قومًا من الجنِّ استمعوا إلى الأنبياء، ثمَّ عادوا إلى قومهم فأخبروهم كما جرى لهم مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيقال لهم: (رسل الله) وإن لم يكونوا رسلَه حقيقةً، وعلى هذين القولين يكون الضمير عائدًا إلى الجنِّ والإنس، وقد تعلَّق قوم بهذا الظاهر فقالوا: بعث الله إلى الجنِّ رُسُلًا منهم، ولم يفرِّقوا بين مكلَّفين ومكلَّفين إلى أن يُبعَث إليهم رسولٌ من جنسهم؛ لأنَّهم به آنسُ وآلفُ، وقال مجاهد، والضَّحَّاك، وابن جُرَيجٍ، والجمهور: الرسل من الإنس دون الجنِّ، ولكن لمَّا كان النداء لهما والتوبيخُ معًا؛ جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوُّز المعهود في كلام العرب؛ تغليبًا للإنس؛ لشرفهم، وتأوَّله الفرَّاء على حذف مضاف؛ أي: مِن أحدكم؛ كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَن: 22]: أي: مِن أحدهما، وهو الملح، وكقوله: {جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 16]: أي: في إحداهنَّ، وهي سماء الدنيا، {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيَّام مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]: أراد بالذكر: التكبير، والأيَّام المعلومات: العَشْر؛ أي: في أحد أيَّام العشر؛ وهو يوم النحر، وقال الكلبيُّ: كانت الرسل يُبعَثون إلى الإنس، وبُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الجنِّ والإنس، ورُويَ هذا أيضًا عن ابن عَبَّاس، وقال بعض المفسِّرين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: 34]: إنَّه يوسف هذا الذي بعثه الله إلى الجنِّ، وقيل: إنَّه غيره، وفي «البزَّار» في «مسنده» عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «كان النَّبيُّ يُبعَث [5] إلى قومه، وبُعِثتُ إلى الجنِّ والإنس»، وسيأتي [6] قريبًا جدًّا بقيَّةٌ منه.

(1/6300)

فائدةٌ: سمعت شيخنا العلَّامة الحافظ شيخ مذهب الشَّافِعيِّ بالبلاد الإسلاميَّة أبا حفص البُلْقينيَّ حين ذكر ما يتعلَّق بالجنِّ، فقال: هل يدخلون الجنَّة أم لا؟ ورجَّح أنَّهم [7] يدخلون، ثمَّ نقل عن الحارث بن أسد المحاسبيِّ: أنَّهم يدخلون الجنَّة ويكونون في أسفلها، وأنَّنا نراهم ولا يروننا، عكس الدنيا، والله أعلم، ورأيت أنا في «تذكرة القرطبيِّ» في (باب ما جاء أنَّ للجنَّة رَبَضًا وريحًا وكلامًا) عن الزُّهْرِيِّ، والكلبيِّ، ومجاهد: أنَّ مؤمني الجنِّ حول الجنَّة في رُبض ورحاب، وليسوا فيها، انتهى.

ورأيت في فتوى سُئِل عنها أبو العَبَّاس ابن تيمية، وفيها ما لفظه: ورُويَ في حديث رواه الطَّبَرانيُّ: أنَّهم _يعني: الجانَّ المؤمنين_ يكونون في رَبَض الجنَّة، يراهم الإنس من حيث لا يرونهم، قال: وذهب أبو حنيفة _فيما نُقِلَ عنه_ إلى أنَّ المطيعين منهم يصيرون كالبهائم، ويكون ثوابهم النجاةَ من النار، قال: وهل فيهم رسل أم ليس فيهم إلا نُذُر؟ على قولين؛ فقيل: منهم رسل؛ لقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}، وقيل: الرسل من الإنس خاصَّةً، والجنُّ فيهم النُّذُر، وهذا أشهر ... إلى أن قال: وأمَّا التكليف بالأمر والنهي، والتحليل والتحريم؛ فدلائله كثيرةٌ ... إلى أن قال: وما [8] في الأحاديث والآثار [مِن] كونِ الجنِّ يحجُّون، ويصلُّون، ويجاهدون، وأنَّهم يُعاقَبُون على الذنب؛ كثيرٌ [9] جدًّا ... إلى آخر كلامه.

(1/6301)

قوله: (وَأُمَّهَاتُهُنَّ [10] بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ): (السَّرَوات)؛ بفتح السين والراء: السَّادات والأشراف، و (سَرَوات): جمع (سراة)، وسراة: جمع (سريٍّ)، وللسُّهيليِّ في «روضه» في قول الناس: (سَرَاةُ الناس: واحدهم: سَرِيٌّ)، فأنكر أن يكون (سريٌّ) مفرد (سراة)، لا على قياس ولا غيره، قال: والعجب كيف خَفِيَ هذا على النَّحْويِّين، قلَّد الخالف منهم السالف، فقالوا: سراة: جمع (سريٍّ)، ويا سبحان الله! كيف يكون جمعًا له وهم يقولون في جمع سراة: سروات؛ مثل: قَطَاة وقَطَوات؟! يقال: هؤلاء من سَرَوات الناس، كما يقال: من رؤوس الناس، وأنشد بيتًا لقيس بن الخَطيم، ثمَّ قال: ولو كان السراة جمعًا؛ ما جُمِع؛ لأنَّه على وزن (فَعَلة)، ومثل هذا البناء في الجموع لا يُجمَع، وإنَّما (سريٌّ): (فعيل)، من السُّرُوِّ؛ وهو الشرف، وإن جُمِع على لفظه؛ مثل: سريٍّ وأسرياء؛ مثل: غنيٍّ وأغنياء، ولكنَّه قليل وجوده، وقلَّة وجوده لا تدفع القياسَ فيه، وقد حكاه سيبويه.

قوله: (سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ): (تُحضَر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ بضَمِّ التاء، وفتح الضاد، وهذا ظاهِرٌ، ويُعرَف من قوله: {مُحْضَرُونَ} [يس: 75]؛ لأنَّه اسم مفعول، ولكنَّ الخشية ممَّن لا يعرف.

==========

[1] جاء هذا العنوان في هامش (أ) بخطٍّ مغاير.

[2] زيد في (ب): (قوله)، وهو تكرارٌ.

[3] {مِنْكُمْ}: ليس في (ب).

[4] (رسل): سقط من (ب).

[5] في (ب): (يبعثه).

[6] (وسيأتي): سقط من (أ).

[7] في (أ): (أنَّه).

[8] في النُّسختين: (وأما)، وهو تحريف.

[9] في (ب): (كثيرة)، وهي في (أ) محتملة للمثبت.

[10] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (وأمهاتهم).

[ج 1 ص 853]

(1/6302)

[حديث: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك ... ]

3296# قوله: (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته رضي الله عنه.

[ج 1 ص 853]

قوله: (مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ): هو بفتح الميم، مقصورٌ، وهو غايته ومنتهاه، ووقع للقابسيِّ وأبي ذرٍّ في (كتاب التوحيد): (نداء [1] صوت المؤذن)، والأوَّل أعرف، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[1] في (ب): (مداء)، وهو تحريفٌ.

(1/6303)

[وقول الله جل وعز: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن}]

قوله: ({وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} [الأحقاف: 29]): اعلم أنَّ الذين وُجِّهُوا من الجنِّ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كانوا من جنِّ نَصِيبِينَ الجزيرةِ، وفي «تفسير عَبْد بن حُمَيدٍ»: أنَّهم من نينَوى، وافَوه بنخلةَ، وقيل: بشعب الحجون، انتهى، وكانوا سبعةً، وقد ذكر شيخنا عن ابن التين: أنَّهم كانوا تسعةً، انتهى.

وقد ذُكِروا بأسمائهم في التفاسير والمسندات؛ وهم: شاصر، وماصر، ومنشي، وماشي، والأحقب، وهؤلاء الخمسة ذكرهم ابن دريد، وسُرَّق، ذكره أبو عليٍّ الغسانيُّ في (مناقب عمر بن عبد العزيز)، وعمرو بن جابر، ذكروه أيضًا.

فائدةٌ: لم يُذكَر في الصَّحَابة من هؤلاء السبعة إلَّا عمرُو بن جابر، قال الذَّهَبيُّ في «تجريده»: عمرو بن جابر: هو الحيَّة التي كفَّنها [1] ودفنها صفوان بن المعطَّل بالعَرْج، انتهى، وقصَّته في «المسند» لأحمد ابن حنبل من حديث صفوان بن المعطَّل، والظاهر من القصَّة أنَّ الذي كفَّنها غير صفوان، انتهى.

وقد رأيت في «الغيلانيَّات» في أوائل الجزء السابع منها حديثًا عن مَنُوس عن سمحج [2]؛ وهو من الجن الذين وفدوا على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وسمَّاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عبدَ الله، وفي «موضوعات ابن الجوزيِّ» في (باب تعبُّد إبليس) حديثٌ وفيه: «امرأة من الجنِّ يقال لها: فارعة»، ثمَّ ذكره من طريق آخرَ اسمها: عفراء بنت الرجل الصالح، وظاهره أنَّها صحابيَّة، ولكنَّ الحديثَ موضوعٌ، ولو صحَّ؛ لعُدَّت في الصَّحَابة، ولم أرَ أحدًا ذكرها في الصَّحَابة ولا عفراء، والله أعلم، وذكر حديثها من طريق آخرَ، وسمَّاها فيه: الفارعة بنت المستورد.

وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «الصَّحَابة»: عَمرًا الجنيَّ، قيل: إنَّه عَمرو بن طارق، روى عنه عثمان بن صالح المصريُّ، أوردناه اقتداءً بأبي موسى، ذكر في ليلةِ الجنِّ في حديث ابن مسعود (س)؛ يعني: ذكره أبو موسى، وظاهر هذا أن يكون مِن الذين استمعوا القرآنَ، فيكونون تسعةً على هذا، وعلى ما ذكرهم ابن التين كما تَقَدَّمَ.

(1/6304)

وقد ذكر الذَّهَبيُّ أيضًا في «تجريده» شخصًا آخرَ اسمه مالك بن مالك، من هواتف الجانِّ الذي ارتجز في ظهور النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إن صحَّ سنده (س)؛ يعني: ذكره أبو موسى، وذكر أيضًا زوبعةَ، من الذين استمعوا القرآن، فعلى صحَّة هذا يكون زوبعةُ لقبًا [3] لواحد من المستمعين، قال ابن الأثير في «الأُسْد»: والعجب أنَّهم يذكرون الجنَّ في الصَّحَابة، ولا يذكرون جبريل ولا ميكائيل، وتعقَّبه الذَّهَبيُّ فقال: لأنَّ الجنَّ آمنوا برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهو مرسلٌ إليهم، والملائكة ليسوا كذلك، بل ينزلون بالرسالة إلى رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، انتهى، وهذا يتمشَّى بأنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ما أُرسِل إلى الملائكة، وقد رأيتُ بعضَهم ينقل عن العلَّامة أبي الحسن عليِّ بن عبد الكافي السُّبكيِّ: أنَّه أُرسِل إليهم، وقد ذكر الذَّهَبيُّ جِنِّيًّا آخرَ اسمه عبد النور وغيرَه، وقد قَدَّمْتُ ذكرهم في (الصلاة).

قوله: ({مَصْرِفًا} [الكهف: 53]): هو بفتح الميم، وكسر الراء، و (مَعْدِلًا) كذلك؛ بفتح الميم، وكسر الدال.

(1/6305)

[باب قول الله تعالى: {وبث فيها من كل دابة}]

قوله: (الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ): فائدةٌ: في «كفاية المتحفِّظ»: من أسماء الحيَّة: الأَيْم، والأرقم، والصِّلُّ، والأصلة [1]، والحُبَاب، والثعبان: ما عَظُم من الحيَّات، والحُفَاث: حيَّة تنفخ ولا تؤذي، والأُفعوان: الذَّكَر من الأفاعي، قال الزمخشريُّ: أبو حيَّان وأبو يحيى كنية الأُفعوان؛ لأنَّه يعيش ألفَ سنة، قال المبرِّد في «الكامل»: الحيَّة تقع على الذَّكَر والأنثى، فإن أردت التمييز؛ قلت: هذا حيَّة؛ للذَّكَر، وهذه حيَّة؛ للأنثى، والحَنَش: الحيَّة العظيمة، والعِرْبدُّ: حيَّة عظيمة تنفخ ولا تؤذي، قال شيخنا عن ابن خالويه _يعني: في كتاب «ليس» _: إنَّه عدَّدها _يعني: الأجناس_ نحو سبعين اسمًا، انتهى.

قوله: (وَالأَسَاوِدُ): هو بفتح الهمزة، وبالسين، وبعد الألف واو مكسورة، ثمَّ دال، مهملتين، جمع (أَسْوَد)؛ وهو العظيم من الحيَّات، وفيه سواد، والجمع: أَساوِد، كما تَقَدَّمَ؛ لأنَّه اسمٌ، ولو كان صفةً؛ لجُمِع على (فُعْل)، ويقال: أسودُ سالِخٌ؛ غيرَ مضافٍ؛ لأنَّه [2] يسلخ جلده كلَّ عام، والأنثى: أسوَدَة، ولا توصف بـ (سالخة).

قوله: (فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ): (مِلكه): بكسر الميم في أصلنا ليس غير، ثمَّ كُتِبَت بعد ذلك نسخةٌ في الهامش: (مُلكِه)؛ بضَمِّ الميم بالقلم، وقد رأيتها كذلك في نسخة أخرى، وكلٌّ منهما له معنًى، ولكنَّ معنى الكسر أظهر؛ لقوله: {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود: 56].

قوله: ({صَافَّاتٍ} [النور: 41]: بُسْطٌ [3] أَجْنِحَتهُنَّ): (بُسْط): بضَمِّ المُوَحَّدة، وإسكان السين وبالطاء المُهْمَلَتين، و (أجنحتهنَّ): بالنصب وبالرفع، وفي نسخة صحيحةٍ: (بُسْطٌ): مضموم الباء، ساكن السين [4]، مُنَوَّن، و (بَسْطُ): مفتوح الباء، ساكن السين، مضموم الطاء، غير مُنَوَّن، و (أجنحتَهنَّ): مَنْصُوبٌ بالقلم مع ذلك، وفي كونه مفتوحَ الباء، ساكنَ الطاء [5]، الأجنحة: منصوبة؛ فيه نظرٌ، وينبغي أن تكون (الأجنحة) مجرورةً بالإضافة، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (والأصيلة).

[2] في النُّسخَتَينِ: (لا)، وهو تحريفٌ.

[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (بُسُطٌ)؛ بضمِّ السين.

[4] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعلَّه: مضموم الباء والسين؛ كما هي رواية «اليونينيَّة».

[5] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعلَّها: (السين).

(1/6306)

[ج 1 ص 854]

(1/6307)

[حديث: اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر]

3297# 3298# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ، و (هِشَامٌ) بعده: هو ابن يوسف الصنعانيُّ القاضي، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، وإسكان العين، وأنَّه ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، العالم المشهور، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ): (الطُّفْيَة): بضَمِّ الطاء، ثمَّ فاء ساكنة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث؛ ومعنى (ذي الطُّفْيَتَين): ذي الخطَّين على ظهره، و (الطُّفْيَة): خَوَصُ المُقَل، شبَّهها بذلك، وقيل: الطُّفْيَتان: نُقطَتان.

تنبيهٌ: إنَّما أمر بقتل ذي الطُّفْيَتَين [1] والأبترِ؛ لأنَّ الجنَّ لا تتمثَّل بهما، ولهذا أدخل البُخاريُّ حديثَ ابن عمر [2] في الباب، ونهى عن قتل ذوات البيوت؛ لأنَّ الجنَّ تتمثَّل بها، قاله الداوديُّ كما نقله شيخنا.

قوله: (وَالأَبْتَرَ): (الأبتر): القصير الذَّنب، وقال النَّضْر: هو صنف من الحيَّات أزرقُ مقطوع الذَّنَب، لا تنظر إليه حاملٌ إلَّا أسقطت، انتهى، وقد تَقَدَّمَ التنبيه أعلاه على قتلهما ما الحكمة فيه.

[ج 1 ص 854]

قوله: (يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ): فيه تأويلان؛ أحدهما: يخطَفان البصر ويطمسانه بمجرَّد نظرهما إليه بخاصَّة جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان، الثاني: أنَّهما يقصدان البصرَ باللسع والنهش، والأوَّل أصحُّ وأشهر، ويؤيِّده رواية: (يخطَفان البصر)، و (يلتمعان البصر)، وكلاهما في «صحيح مسلم».

قوله: (ويُسْقِطَانِ [3] الْحَبَلَ): (يُسقط): رُباعيٌّ مضموم الأوَّل في المستقبل.

قوله: (فَنَادَانِي أَبُو لُبابةَ [4]): قال الدِّمْيَاطيُّ: واسمه بَشِير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زَنْبر، ردَّه رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الرَّوحاء [5] حين خرج إلى بدرٍ، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، تُوُفِّيَ بعد قتل عثمان، وله عَقِبٌ، وأخوه مبشِّر شهد بدرًا، وقُتِل بها، وأخوهما رفاعة شهد العقبة وأُحُدًا، وقُتِل بها، وليس له عَقِب، ذكره ابن سعد في «الطبقات»، انتهى.

(1/6308)

وقيل: اسم أبي لبابة رفاعة، وقال بعضهم في ترجمة أبي لبابة: بدريٌّ جليل، ويقال: ردَّه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حين خرج إلى بدر من الرَّوحاء، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، فكان كَمَن شهدها، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، مات في خلافة عليٍّ، وقيل: بعد الخمسين، انتهى، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وقال أبو عمر في (الأسماء)، وفي (الكنى): إنَّه شهد بدرًا، وعقَّبه بكلام ابن إسحاق: أنَّه رُدَّ، وكذا أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»، وفي أوَّل (غزوة بدر) قال: إنَّه خلَّفَه على المدينة.

قوله: (إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ؛ وَهْيَ الْعَوَامِرُ): اعلم أنَّه لا تُقتَل حيَّات المدينة المشرَّفة إلَّا بإنذار، كما جاء في «صحيح مسلم»: «فإذا رأيتم منها شيئًا؛ فآذِنوه ثلاثةَ أيَّام، فإن بدا لكم بعد ذلك؛ فاقتلوه، فإنَّما هو شيطان»، وأمَّا حيَّات غير مدينته عليه الصَّلاة والسَّلام في جميع الأرض، والبيوت، والدُّور؛ فيندب قتلها من غير إنذار _وسيأتي كيفيَّة الإنذار_ لعموم الأحاديث بقتلها، وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم الأحاديث في حيَّات البيوت بكلِّ بلد حتَّى يُنذَروا، وأمَّا ما ليس في البيوت؛ فيُقتَل من غير إنذارٍ، وما وُجِد في المساجد يُقتَل، قاله مالكٌ، وقال بعض العلماء: الأمر بقتل الحيَّات مطلقًا مخصوصٌ بالنهي عن حيَّات البيوت إلَّا الأبتر وذا الطُّفْيَتَين؛ فإنَّهما يُقتَلان على كلِّ حالٍ، سواء كانا في البيوت أو في غيرها، وإلَّا ما ظهر بعد الإنذار.

فائدةٌ: صفة الإنذار ما رواه ابن حَبِيب عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَنْشُدُكُنَّ بالعهد الذي أخذ عليكم سليمانُ بن داودَ أن [6] تؤذونا، وأن [7] تظهرنَ لنا»، وقال مالكٌ: يكفيه أن يقولَ: أُحَرِّج عليكم بالله واليوم الآخر أن تبدوَ لنا ولا تؤذينا [8]، ولعلَّ مالكًا أخذ لفظ التحريج ممَّا وقع في «صحيح مسلم»: «فحرِّجوا عليها ثلاثًا»، والله أعلم.

تنبيهٌ: في «أبي داود» من حديث عائشة رضي الله عنها: «اقتلوا الحيَّاتِ كلَّهن، فمَن تركهنَّ خيفةَ ثأرِهِنَّ؛ فليس منِّي»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «ما سالمناهُنَّ منذ حاربناهنَّ».

(1/6309)

تنبيهٌ ثانٍ: عن ابن عَبَّاس [9]: سبب العداوة بيننا وبين الحيَّة _فيما ذكر الطَّبَريُّ من حديث أبي صالحٍ وليثٍ عن طاووس عنه_ أنَّ عدوَّ الله إبليس عرض نفسه على دوابِّ الأرض أنَّها تحمله حتَّى يدخل الجنَّة، فكلُّ الدوابِّ أباه، حتَّى كلَّم الحيَّة، فقال لها: أمنعك من بني آدم، وأنتِ في ذمَّتي إن أنتِ أدخلتني إليه، فأدخلته، قال ابن عَبَّاس: اقتلوها حيث وجدتموها، أخفِروا ذمَّة عدوِّ الله، نقله شيخنا.

3299# قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بميمين مفتوحتين، وبينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتعليق عبد الرزَّاق هذا أخرجه مسلمٌ في (الحيوان) عن عَبْد بن حُمَيدٍ، عن عبد الرزَّاق، عن مَعْمَر به.

قوله: (وَتَابَعَهُ يُونُسُ [10] وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ [11]): يعني: أنَّ هؤلاء تابعوا مَعْمَرًا في الرواية عن الزُّهْرِيِّ على الشكِّ في الذي رأى ابنَ عمر؛ أهو أبو لبابة أو زيد بن الخَطَّاب؟ أمَّا (يونس)؛ فهو ابن يزيد، ومتابعته أخرجها ابن ماجه في (الطبِّ) عن أحمد بن عمرو بن السَّرح، عن ابن وهب، عن يونس به، دون القصَّة، ومتابعة ابن عُيَيْنَة أخرجها مسلمٌ في (الحيَوَان) عن عمرٍو الناقد عن سفيان بن عُيَيْنَة، ومتابعة إسحاق الكلبيِّ عن الزُّهْرِيِّ ليست في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ومتابعة الزبيديِّ أخرجها مسلم، وقال شيخنا ما لفظه: ومتابعة يونس فمَن بعده أخرجها مسلمٌ أيضًا، كذا قال، وإسحاق لم يخرِّج له أحد من أصحاب الكُتُب السِّتَّة لا أصلًا ولا غيرَه إلَّا ما عَلَّقَ له البُخاريُّ، والله أعلم.

و (إسحاقُ الكلبيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه إسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبيُّ الحمصيُّ، ويُعرَف بالعوضيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، وعنه يحيى الوحاظيُّ، لا يُعرَف، وقيل: إنَّه قتل أباه، استشهد به البُخاريُّ، و (الزبيديُّ): قال الدِّمْيَاطيُّ [12]: مُحَمَّد بن الوليد، أبو الوليد، انتهى، وهذا مَعْرُوفٌ، وقد تَقَدَّمَ.

وأمَّا (زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ)؛ فهو أخو عُمر، رضي الله عنهما، كان بائن الطول، أسلم قبل عُمر، وقُتِل باليمامة سنة (12 هـ) في خلافة الصِّدِّيق، وحزن عليه عُمر رضي الله عنه حُزنًا كبيرًا [13]، وكان يقول: أسلم قبلي، واستُشهِد قبلي، أخرج له مسلم وأبو داود، مناقبه معروفة، و (أبو لبابة): تَقَدَّمَ قُبَيلَه.

(1/6310)

قوله: (وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ... ) إلى أن قال: (رَآنِي أَبُو لُبابةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ): أمَّا (صالح)؛ فهو ابن كيسان، وتعليق صالحٍ أخرجه مسلم في (الحَيَوَان) عن الحسن بن عليٍّ الحلوانيِّ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح به، وفيه قصَّة أبي لبابة وزيد بن الخَطَّاب، و (ابن أبي حفصة): مُحَمَّد بن [14] ميسرة، أبو سلمة البصريُّ، عن الزُّهْرِيِّ، وأبي جمرة الضُّبَعِيِّ، وقتادة، وجماعةٍ، وعنه: الثَّوْريُّ، وإبراهيم بن طهمان، وابن المبارك، وجماعةٌ، وثَّقهُ أبو داود، وقال عَبَّاس عن ابن معين: ثقة، وقال أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين: صالح، وقال ابن معين مَرَّةً: ضعيف، ومرَّة: ليس بالقويِّ، وضعَّفه النَّسائيُّ، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، وله ترجمة في «الميزان»، وتعليق ابن أبي حفصة لم أرَه في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وقال شيخنا: وكذا مَن بعدَه من قول صالح فمَن بعده أخرجه أيضًا؛ يعني: مسلمًا، ولم أرَ أنا تعليق ابن أبي حفصة في «مسلم»، وقد راجعت نسخة عندي بـ «مسلم» [15] صحيحةً، فلم أرَه فيها.

وأمَّا (ابن مُجمِّع)؛ فهو بضَمِّ الميم الأولى، وكسر الثانية مع تشديدها، واسمه إبراهيم بن إسماعيل بن مُجمِّع الأنصاريُّ المدنيُّ، أبو إسحاق، عن سالم بن عبد الله، ومُحَمَّد بن كعب، وعَمرو بن دينار، والزُّهْرِيِّ، وطائفةٍ، وعنه: عبد العزيز بن أبي حَازم، والدراورديُّ، وأبو نعيم، وآخرون، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: سمعت أبا نعيم يقول: لا يسوى فَلْسَين [16]، وقال النَّسائيُّ وغيره: ضعيف، له ترجمة في «الميزان»، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له ابن ماجه، وتعليق ابن مُجمِّع لم أرَه في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يذكره المِزِّيُّ في مكانه عن الزُّهْرِيِّ، وقد تَقَدَّمَ كلامُ شيخِنا أنَّ مسلمًا أخرجه، ولم أرَه أنا.

==========

[1] في (ب): (الطفيفتين)، وهو تحريفٌ.

[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[3] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (ويستسقطان).

(1/6311)

[4] في هامش (ق): (واسمه بشير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زنبر بن أمية، ردَّه رسول الله من الروحاء حين خرج إلى بدر، واستعمله على المدينة، وضرب له بسهمه وأجره، توفي بعد قتل عثمان، وله عقبٌ، وأخوه مبشر شهد بدرًا، وقُتل بها، وأخوهما رفاعة شهد العقبة وبدرًا وأُحُدًا وقُتل بها، وليس له عقبٌ، ذكره ابن سعد في «الطبقات»).

[5] في (ب): (الرحاء)، وهو تحريفٌ.

[6] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعله: (ألَّا).

[7] كذا في النُّسخَتَينِ، ولعله: (وألَّا).

[8] في (ب): (تؤذونا).

[9] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[10] زيد في (ب): «في الرواية عن الزهري»، ولعلَّه سبق نظرٍ، وفي هامش (ق): («معمر. فائد: يونس ومن بعده ... إلى قوله: «وابن مُجمِّع»: الكلُّ من أصحاب الزهري).

[11] وفي هامش (ق): (مُحَمَّد بن الوليد أبو الهذيل).

[12] (قال الدمياطي): سقط من (ب).

[13] في (ب): (كثيرًا).

[14] زيد في (ب): (أبي)، وليس بصحيحٍ.

[15] في (ب): (لـ «مسلم»).

[16] كذا في النُّسخ، والذي في التَّراجم: (لا يسوى حديثه فلسين).

(1/6312)

[باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال]

قوله في التبويب: (شَعَفَ الْجِبَالِ)، وكذا في الحديث: بفتح الشين المُعْجَمَة، والعين المُهْمَلَة، وبالفاء، وقال ابن قرقول: بفتح السين؛ يعني: المُهْمَلَة [1]، وبالعين المُهْمَلَة، وبالفاء، ذكره في (السين والعين المُهْمَلَتين)، وقال: هذا هو المشهور، وهي رؤوسها وأعاليها، وكذا لابن القاسم، ومطرِّف، والقعنبيِّ، وابن بُكَيْر، وكافِّة الرواة عن يحيى بن يحيى، فإنَّهم رَوَوه: (شعب الجبال)؛ بالباء، والمعنى متقاربٌ، قلت: روايتنا عن يحيى: (سعف الجبال)، قال القاضي: واختلف رواة يحيى في ضبطه بضَمِّ الشين وفتح العين؛ أي: أطرافها ونواحيها، وما انفرج منها، والشعبة: ما انفرج بين الجبلَين؛ وهو الفجُّ، وعن ابن المُرابِط: بفتح الشين: (شَعب)، وهو وَهَمٌ، وعند الطرابلسيِّ: (سَعَف)؛ بالسين المُهْمَلَة المفتوحة، وهو أيضًا بعيدٌ، وإنَّما هو جرائدُ

[ج 1 ص 855]

النخلِ، ورواه ابن القاسم: (شَعَف)، كما تَقَدَّمَ، وذكره أيضًا في (شعف)؛ بالشين المُعْجَمَة مع [2] العين، فقال: (شعف الجبال): رؤوسها وأطرافها، وأشار إليه في الاختلاف في المُعْجَمَة، وأنَّه تَقَدَّمَ في المُهْمَلَة، وأمَّا ابن الأثير؛ فإنَّه ذكر «أَوْ رجل في شعفة من الشعاف» في (الشين المُعْجَمَة، والعين المُهْمَلَة)، ولم يذكره في غيرها، وقال: شعفة كلِّ شيء: أعلاه، وجمعها: شِعَاف؛ يريد به: رأس جبل من الجبال، ومنه قيل لأعلى الرأس: شعفة.

==========

[1] (يعني: المهملة): ليس في (ب).

[2] زيد في (ب): (فتح).

(1/6313)

[حديث: يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال]

3300# قوله: (يُوشِكُ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: يقرب ويسرع، وأنَّه بكسر الشين، وفتحها لغةٌ قليلةٌ.

قوله: (يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ): قال شيخنا: يعني: موت عثمان، التي قال حذيفة: (فتنةٌ تموج كموج البحر)، فحذَّر عليه الصَّلاة والسَّلام مَن التبس عليه الأمر أن يدخل في ذلك، انتهى.

==========

[ج 1 ص 856]

(1/6314)

[حديث: رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل]

3301# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ أنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (وَالْخُيَلاَءُ): هو بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، وفتح المُثَنَّاة تحت، ممدودٌ، وهو التكبُّر واستحقار الناس.

قوله: (وَالْفَدَّادِينَ): هو بالفاء، ودالَين مهملتَين؛ الأولى مُشَدَّدة، ويقال بتخفيفها، بينهما ألف، قال ابن قرقول: هو بتشديد الدال عند أهل الحديث وجمهور أهل اللغة، وكذا قاله الأصمعيُّ، قال: وهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، يقال منه: فدَّ يَفِدُّ فديدًا: اشتدَّ صوته، قال أبو عبيد: هم المكثرون من الإبل، وهم جُفَاةٌ، أهلُ خُيَلاء، وقال المبرِّد: هم الرُّعيان، والحمَّالون، والبقَّارون، زاد ابن الأثير: والحمَّارون، من غير أن يعزوَه للمبرِّد ولا لغيره، قال ابن قرقول: وقال مالكٌ: هم أهل جفاء، وقيل: الأعراب، وقال أبو عمرو بن العلاء: هم الفَدَادون؛ بتخفيف الدال، واحدها: فدَّان؛ بتشديد الدال؛ وهي البقر التي يُحرَث بها، وأهلها أهلُ جفاءٍ؛ لبعدهم عن الأمصار، وقال أبو بكر: أراد: أصحاب الفدادين، ثمَّ حذف، قال أبو الفضل: لا يُحتَاج في هذا إلى حذفٍ على هذا التأويل، وإنَّما يكون على هذا الفدَّادون؛ بالشدِّ: صاحب الفَدَادِين؛ كما يقال: بغَّال، لصاحب البِغَال، و: جمَّال، لصاحب الجِمَال، انتهى.

ونقل فيه شيخنا شيئًا عن الخَطَّابيِّ في معناه بالتشديد والتخفيف، وأنَّه بالتخفيف: جمع «الفَدَّان»؛ وهو آلة الحرث السِّكَّة وأعوادُه، قال: وإنَّما ذمَّ ذلك وكرهه؛ لأنَّه يشغل عن أمر الدين، ويلهي عن الآخرة، فيكون معها قساوة القلب.

قوله: (أَهْلِ الْوَبَرِ): هو بفتح المُوَحَّدة، مجرورٌ، بدلٌ من (الفدَّادين).

==========

[ج 1 ص 856]

(1/6315)

[حديث: الإيمان يمان هاهنا ألا إن القسوة وغلظ القلوب]

3302# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القَطَّان الحافظ، شيخ الحُفَّاظ، الذي قال فيه أحمد ابن حنبل: لم ترَ عينايَ مثلَ يحيى بن سعيد، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، تَقَدَّمَ مرارًا، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّمَ كذلك، وكذا تَقَدَّمَ (عُقْبَةُ [1] بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَسْعُودٍ) رضي الله عنه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصحيحَ أنَّه لم يشهد بدرًا، وإنَّما كان ينزلها، وسأذكر التنبيه عليه حيث ذكره البُخاريُّ فيهم، والبُخاريُّ له سَلَفٌ في ذلك.

قوله: (أَشَارَ [2] بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ: «الإِيمَانُ [3] هَهُنَا»): قال ابن قرقول: في قوله عليه الصَّلاة والسَّلام [4]: «الإيمان يمانٍ»؛ يريد: الأنصار؛ لأنَّهم من عَرَب اليمن، وقيل: بل قالها وهو بتبوك ومكَّةُ والمدينةُ حينئذ بينه وبين اليمن، فأراد: مكَّة والمدينة؛ لأنَّ الابتداء بالإيمان من مكَّة؛ لمبعثه منها، ثمَّ ظهر وانتشر من المدينة، وقيل: أراد مكَّة؛ لأنَّ مكَّة مِن أرض تهامة، وتهامة من اليمن، ولابن الأثير نحوه، ونقل النَّوويُّ عن ابن الصلاح في «شرح مسلم»: بأنَّ المراد: اليمنُ وأهلُ اليمن، على ما هو مفهوم مِن إطلاق ذلك؛ إذ مِن ألفاظه: «أتاكم أهل اليمن»، والأنصارُ من جملة المخاطَبِين بذلك، فهم إذن غيرُهم، وكذلك قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «جاء أهل اليمن»، وإنَّما جاء حينئذ غيرُ الأنصار ... إلى أن قال: وهكذا كان حال اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وفي أعقاب موته؛ كأُوَيس القرنيِّ، وأبي مسلم الخَولَانيِّ، وشبههما ... إلى أن قال: ثمَّ المراد بذلك: الموجودون منهم حينئذ، لا كلُّ أهل اليمن في كلِّ زمان، فإنَّ اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحقُّ في ذلك، ونشكر الله على هدايتنا له، انتهى.

ونقل شيخنا أقوالًا في ذلك، ثمَّ قال: وأغربُ منه قولُ الحكيم التِّرْمِذيِّ: إنَّه إشارةٌ إلى أُوَيس القرنيِّ.

(1/6316)

قوله: (أَلَا إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ): قال شيخنا: زعم السُّهَيليُّ أنَّهما لمسمًّى واحدٍ؛ كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: 86]، والبَثُّ: هو الحُزن، قال: ويحتمل _كما قال القرطبيُّ_ أن يقال: إنَّ القسوةَ يراد بها: أنَّ تلك القلوبَ لا تلين ولا تخشعُ لموعظةٍ وُعِظَتْهَا؛ لعدم فهمها، انتهى.

قوله: (حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام على (قرن الشيطان)، وقرنه وقرناه: قيل: أمَّته والمتَّبعون لرأيه من أهل الضلال والكفر، وقيل: قوَّته وانتشاره وتسلُّطه، وقيل: أراد قرنَي رأسه؛ وهما جانباه، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم» في هذا القول: إنَّه أَولى، قال: ومعناه: أنَّه يُدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت؛ ليكون الساجدون للشمس من الكفَّار ساجدين له، وقال شيخنا: وقيل: المراد: ما ظهر بالعراق من الفِتَن؛ كالجمل، وصِفِّين، والخوارج، فإنَّ أصل ذلك ومنبعه بالعراق ومشرق نجد، وهي مساكن ربيعة ومضر [5] إذ ذاك.

قوله: (فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ): هو بدل من (الفدَّادين)؛ أي: إنَّ القسوة وغِلَظ القلوب في ربيعة ومضر الفدَّادين؛ يعني: بالعراق منهما.

==========

[1] زيد في (ب): (أنَّه).

[2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

[3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (يمانٍ).

[4] (الصَّلاة والسَّلام): سقط من (أ).

[5] في (ب): (الفدادين؛ يعني: بالعراق)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[ج 1 ص 856]

(1/6317)

[حديث: إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله]

3303# قوله: (وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ؛ فَتَعَوَّذُوا بِاللهِ ... ) إلى آخره: هذا جاء مقيَّدًا في بعض السُّنن، فيُعمَل به؛ وهو: «إذا سمعتم نهيق الحمار بالليل»، وهذا هو الظاهر، فإنَّ الحمار يرى في النهار أشياء غير شياطين، فينهق لها.

[ج 1 ص 856]

قوله: (فَإِنَّهَا رَأَتْ [1] شَيْطَانًا): كذا وقع في النسخ، والصحيح: (فإنَّه رأى)، وكذا أخرجه إبراهيم بن حمزة بن عُمارة، كذا رأيته في حاشيةِ نسخةٍ صحيحةٍ، انتهى، وفي أصلنا: (فإنَّها رأت) عليها علامة نسخةٍ وراويها، و (فإنَّه رأى)، وعليها (صح)، فهذا موافقٌ للعربيَّة، ولو قال: أنَّث على إرادة الدابَّة _ولا يكون خطأً_؛ كان حسنًا، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (فإنَّه رأى).

(1/6318)

[حديث: إذا كان جنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين]

3304# قوله: أَخْبَرَنَا (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا [1] رَوْحٌ): قال الجَيَّانيُّ: (وقال البُخاريُّ في (ذكر الجنِّ)، و (البقرة)، و (الرِّقاق): (حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا رَوح بن عبادة)، لم أجد إسحاقَ هذا منسوبًا عند أحدٍ من شيوخنا في شيءٍ من هذه المواضع، وقد حدَّث البُخاريُّ في «تفسير الأحزاب» و {ص} عن إسحاق بن إبراهيم، عن رَوح بن عبادة، وحدَّث أيضًا في (الصلاة) في موضعين، وفي (الأشربة)، وغير [2] موضع عن إسحاق بن منصور، عن رَوح بن عبادة) انتهى، قال شيخنا: ونسبه أبو نعيم هنا: ابنَ إبراهيم، انتهى، وقد صَرَّحَ المِزِّيُّ: بأنَّه ابن منصور في «أطرافه» في (الأشربة)، وهو كذلك في أصلنا الذي سمعنا فيه على العِرَاقيِّ منسوبًا في (الأشربة)، وكذا في «مسلم» منسوبًا في (الأشربة) في نسخة عندي مَغرِبيَّة صحيحةٍ، وقد أسقط المِزِّيُّ في «أطرافه» هذه الطريق، وذكر التي في (الأشربة)، فقال فيها: ابن [3] منصور، كما قدَّمته لك.

قوله: (حَدَّثَنَا [4] رَوْحٌ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه ابن عبادة، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، و (عَطَاءٌ): هو ابن أبي رَباح، مفتي مكَّة.

قوله: (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه يقال: (جُنح) و (جِنح)؛ بالضَّمِّ والكسر، وأنَّه أوَّلُه، وقيل غير ذلك، وكذا تَقَدَّمَ: (فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ)، وما الحكمة فيه من عند ابن الجوزيِّ، وكذا (فَحُلُّوهُمْ)، وكذا (وَأَغْلِقُوا): أنَّه بقطع الهمزة.

قوله: (وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ... ) إلى آخره: قائل ذلك هو ابن جُرَيجٍ، و (عَمرو بن دينار): هو المَكِّيُّ، لا قهرمان آل الزُّبَير، هذا ليس له شيءٌ في «البُخاريِّ» و «مسلم»، إنَّما له في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه».

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرنا).

[2] في (ب): (وفي غير).

[3] (ابن): سقط من (ب).

[4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرنا)، كما تقدَّم.

[ج 1 ص 857]

(1/6319)

[حديث: فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت]

3305# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ (وُهَيْبٌ)؛ بالتصغير: أنَّه ابن خالد، وتَقَدَّمَ (خَالِد) بعدَه: أنَّه الحَذَّاء، خالد بن مِهْرَان، و (مُحَمَّد) بعده: هو ابن سيرين، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.

قوله: (فُقِدَتْ أُمَّةٌ): (فُقِدَتْ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (أُمَّةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن قائم مقام الفاعل.

قوله: (لاَ يُدْرَى): هو مَبْنيٌّ أيضًا لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (وَلَا [1] أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأرَ [2]): (أُراها): بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّها، و (الفأر): مهموز، ويجوز تسهيله، وهذا كان مِن قبل أن يُوحَى إليه: «إنَّ الله لم يمسخ شيئًا فيجعلَ له نَسْلًا»، رواه ابن مسعود عنه عليه الصَّلاة والسَّلام، أخرجه مسلم.

قوله: (إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ): (وُضِع): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (ألبانُ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل، وكذا (وُضِعَ) الثاني و (أَلْبَانُ)، لو كان الفأر مِسخًا مِن بني إسرائيل؛ كان المعنى في تركها ألبان الإبل: لأنَّ إسرائيلَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [3]_هو يعقوب_ كان يصيبه عِرْق النَّسا؛ فحرَّم على نفسه أَكْلَ العُرُوق، وقيل: بل تأذَّى بأكل لحوم الإبل فيما كان يشتكيه، فجعل على نفسه ألَّا يأكلها، فقالت اليهود: إنَّما حَرُم ما حَرَّم إسرائيلُ على نفسه، وبه نزلت التوراة، ولم ينزل بذلك، فقال الله: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] أنَّها محرَّمة فيها.

قوله: (فَحَدَّثْتُ كَعْبًا): هو كعب الأحبار، وأبوه اسمه ماتع [4] أبو إسحاق الحِميَريُّ، أسلم في خلافة الصدِّيق [5] أبي بكر، وسمع عمر، وروى عن جماعة، وسكن الشام، روى عنه: أبو هريرة، وجماعة من الصَّحَابة، وسعيد بن المُسَيّب، وآخرون، تُوُفِّيَ زمان عثمان، وهو ثقةٌ بالاتفاق، وسأذكره [6] أيضًا حيث ذكره البُخاريُّ في قول معاوية: وإن كنَّا مع ذلك لنبلو عليه الكذب، وأذكر معناه هناك إن شاء الله تعالى.

(1/6320)

قوله: (أَأَنْتَ [7] سَمِعْتَ): هذا بالاستفهام مثبتًا، و (سمعتَ)؛ بالفتح على الخطاب لأبي هريرة، وفي «مسلم» من حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: «إنَّ الله لم يمسخ شيئًا، فيجعل له نسلًا».

(1/6321)

[حديث: أن النبي قال للوزغ الفويسق]

3306# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ العين المُهْمَلَة، وفتح الفاء، وأنَّ (ابْن وَهْبٍ): هو عبد الله، أحد الأعلام [1]، وأنَّ (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم [2]، الإمام أحد الأعلام.

قوله: (وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ الله [3] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ): قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: قوله: (وزعم سعدٌ ... ) إلى آخره: القائل: (وزعم سعدٌ) هو الزُّهْرِيُّ كما بيَّنه [4] الدَّارَقُطْنيُّ في «غرائب مالك» له، وهو منقطع، وقد وصله مسلمٌ من طريق مَعْمَر، عن الزُّهْرِيِّ، عن عامر بن سعد، عن أبيه، انتهى.

(1/6322)

[حديث: أن أم شريك أخبرته أن النبي أمرها بقتل الأوزاغ]

3307# قوله: (عَنْ سَعِيدِ ابْنِ المُسَيّب): تَقَدَّمَ أنَّ ياء (المُسَيّب)؛ بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيها إلَّا الفتح.

قوله: (أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ): [1] (أمُّ شريك) هذه: قرشيَّةٌ عامريَّةٌ، وفي «صحيح مسلمٍ» في حديث الجسَّاسة: أنَّها أنصاريَّةٌ، وقيل: إنَّها دَوسيَّةٌ، اسمها غُزيْلة أو غزيَّة بنت داود، وقيل غيرُ ذلك، معروفة، روى عنها: جابر وابن المُسَيّب، وقيل: هي من الزوجات، أخرج لها البُخاريُّ، ومسلمٌ، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، رضي الله عنها.

تنبيه: أمُّ شريك من الصَّحَابيَّات: هي، وأمُّ شريك بنت أنس، وأمُّ شريك بنت جابر، وأمُّ شريك بنت خالد، وأمُّ شريك الدَّوسيَّة، والله أعلم.

==========

[1] زيد في النُّسختين: (هي)، ولعلَّ الأَولى حذفها.

[ج 1 ص 857]

(1/6323)

[حديث: اقتلوا ذا الطفيتين فإنه يلتمس البصر]

3308# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

قوله: (اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ): تَقَدَّمَ قريبًا الكلام عليه، وكذا على قوله: (يَلْتَمِسُ البَصَرَ).

قوله: (تَابَعَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ أبا أُسامَةَ) [1]: يعني: فرواه عن هشامٍ به، ومتابعة حَمَّاد بن سلمة ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلا ما هنا [2]، ولم يعزُها شيخنا هنا.

==========

[1] هذا القول ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابتٌ من رواية أبي ذرٍّ الهرويِّ عن الكشميهنيِّ، وبلفظ: (تابعه) برواية أبي ذرٍّ عن الحمُّوي والمستملي.

[2] في (ب): (ههنا).

[ج 1 ص 857]

(1/6324)

[حديث: إنه يصيب البصر ويذهب الحبل]

3309# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (يحيى) هذا: هو ابن سعيد القَطَّان الحافظ.

قوله: (بِقَتْلِ الأَبْتَرِ): تَقَدَّمَ الكلام قريبًا على (الأبتر) [1]، وعلى الحكمة في قتله هو وذو الطُّفْيَتين.

[ج 1 ص 857]

==========

[1] في (ب): (الكلام عليه قريبًا).

(1/6325)

[حديث: إن النبي هدم حائطًا له]

3310# 3311# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس أحد الأعلام الصيرفيُّ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): أنَّه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ.

قوله: (عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ): هذا اسمه حاتم بن أبي صغيرة القشيريُّ، وقيل: الباهليُّ، وأبو صغيرة: هو أبو أمامة، يروي عن عطاء وابن أبي مُلَيْكَة، وعنه: القَطَّان يحيى بن سعيدٍ والأنصاريُّ، ثقةٌ، أخرج له الجماعة، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، و (ابْن أَبِي مُلَيْكَة): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (فَوَجَدَ [2] سِلْخَ حَيَّةٍ): (السِّلخ)؛ بكسر السين: وهو جلدها، وقال شيخنا: (سَلخ): بنصب السين، وكسرُها أَولى، اسمٌ، كما قاله ابن التِّين.

قوله: (فَلَقِيتُ أَبَا لُبابةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا؛ فانظره.

قوله: (لاَ تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ): هو بكسر الجيم، وتشديد النون الأولى: عوامر البيوت، يتمثَّل حيَّةً دقيقةً، قاله ابن وهبٍ، وقيل: (الجِنَّان): ما لا يتعرَّض للإنسان والحَبَل، وقيل: (الجِنَّان): مسخ الجنِّ، وقد تَقَدَّمَ قريبًا الكلام على حَيَّاتِ [3] البيوتِ؛ فانظره.

قوله: (إِلَّا كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثني).

[2] زيد في (ق) و «اليونينيَّة»: (فِيهِ).

[3] في (ب): (جنان).

[ج 1 ص 858]

(1/6326)

[حديث: أن النبي نهى عن قتل جنان البيوت]

3312# 3313# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أنَّ حَازمًا؛ بالحاء المُهْمَلَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

قوله: (فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبابةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا؛ فانظره، وتَقَدَّمَ الكلام على (جِنَّانِ الْبُيُوتِ) أعلاه.

==========

[ج 1 ص 858]

(1/6327)

[باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم]

قوله: (خَمْسٌ مِنَ الدَّوابِّ فَواسِقُ): (فواسقُ): مَرْفُوعٌ غير مُنَوَّن؛ لأنَّه لا ينصرف، وفي الحديث: «خمسٌ فواسقُ»: (خمسٌ): مُنَوَّن، و (فواسقُ): مَرْفُوعٌ غير مُنَوَّن؛ لأنَّه لا ينصرف، انتهى، وكذا ضبطه النَّوويُّ مقتصرًا عليه، وقال بعضهم: المشهور تنوينها؛ يعني: (خمس)، ويجوز الإضافة، انتهى.

وأصل الفسق: الخروج عن الشيء، وسمَّى [1] هؤلاء: فواسقَ؛ لخروجهم عن السلامة منهم إلى الإضرار والأذى، وقيل: سُمِّيَ الغراب فاسقًا؛ لتخلُّفه عن نوح وخروجه عن طاعته، والفأرة؛ لخروجها من جُحرِها على الناس، وقيل: بل ذلك لخروجهم عن الحرمة، والأمر بقتلها، وأنَّه لا فدية فيها، وقيل: لتحريم أكلها؛ كما قال: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] عند ذكر المحرَّمات، واستدلَّ بقول عائشة رضي الله عنها: (من يأكل الغراب وقد سمَّاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فاسقًا؟!)، وقيل: سُمُّوا فواسق؛ لخروجهم عن الانتفاع، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (ويسمى).

[ج 1 ص 858]

(1/6328)

[حديث: خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة]

3314# قوله: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الزاي، وفتح الراء، وفي آخره عينٌ مهملةٌ، وكذا تَقَدَّمَ (مَعْمَرٌ): أنَّه بفتح الميمين، بينهما عينٌ مهملةٌ، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلمٍ ابن شهاب.

قوله: (الْفَأْرَةُ): تَقَدَّمَ أنَّها تُهمَز ولا تُهمَز، وكذا: (فأرة المسك)، وكذا تَقَدَّمَ (الحُدَيَّا): أنَّه تصغير (حِدَأَة)؛ بهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الدال، وزان: (عِنَبَة)، وهي طائرٌ معروفٌ.

==========

[ج 1 ص 858]

(1/6329)

[حديث: خمروا الآنية وأوكوا الأسقية وأجيفوا الأبواب]

3316# قوله: (عَنْ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، ابن شِنْظِيْر؛ بكسر الشين، ثمَّ نون ساكنة، ثمَّ ظاء مكسورة معجمتين، ثمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ راء، الأزديُّ البصريُّ، عن مجاهدٍ وطائفة، وعنه: عبد الوارث وطائفة، قال أبو زرعة: ليِّنٌ، وقال أحمد وغيره: صالح الحديث، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، له ترجمةٌ في «الميزان»، و (عَطَاء): هو ابن أبي رَباح، تَقَدَّمَ أيضًا.

قوله: (خَمِّرُوا): تَقَدَّمَ أنَّه التغطية، وكذا (وَأَوْكُوا): أنَّه بفتح الهمزة، معتلٌّ، غير مهموز الآخر، وهذا ظاهِرٌ، وكذا (وَأَجِيفُوا): تَقَدَّمَ أنَّه بقطع الهمزة؛ أي: أغلقوا، وكذا (وَأَكْفِتُوا [1]): أنَّه بقطع الهمزة، رُباعيٌّ، وكسر الفاء؛ أي: ضمُّوا، وتَقَدَّمَ ما الحكمة في ضمِّ الصبيان من عند ابن الجوزيِّ، وكذا (وَأَطْفِئُوا): أنَّه بقطع الهمزة، وكسر الفاء، مهموزًا.

قوله: (فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ [2]): هي الفأرة.

قوله: (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ) أمَّا (ابن جُرَيجٍ)؛ فهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ، وأمَّا (حَبِيب)؛ فالظاهر أنَّه المعلِّم، أبو مُحَمَّد البصريُّ، وقد تَقَدَّمَ، واعلم أنَّه يروي عن عطاء بن أبي رَباحٍ عن جابر اثنان؛ كلٌّ منهما: حَبِيب، والأوَّل الذي ذكرته حَبِيب المعلِّم، أخرج له البُخاريُّ وأبو داود عنه بهذه الطريق، وأخرج له الأئمَّة السِّتَّة، والثاني: حَبِيب بن أبي مرزوق الرَّقِّيُّ، أخرج له عن عطاء عن جابر النَّسائيُّ، ولم يعلِّق له البُخاريُّ، فالظاهر أنَّه أراد المعلِّم، وحديث ابن جُرَيجٍ عن عطاء عن جابر أخرجه البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ في «عمل اليوم واللَّيلةِ»، البُخاريُّ في (صفة إبليس)، والله أعلم، وتعليق حبيبٍ عن عطاءٍ ليس في الكُتُب السِّتَّة.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وَاكْفِتُوا).

[2] في (ب): (الفواسقة)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 858]

(1/6330)

[حديث: وقيت شركم، كما وقيتم شرها]

3317# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): (عَبْدة): بإسكان المُوَحَّدة، وهو عَبْدة بن عبد الله بن عَبْدة الخزاعيُّ الصَّفَّار، روى عنه: البُخاريُّ، والأربعة، وابن خزيمة، وخلقٌ، ولم يخرِّج له مسلمٌ شيئًا، قيل: تُوُفِّيَ سنة (258 هـ)، قال أبو حاتمٍ: صدوقٌ، وقال النَّسائيُّ: ثقةٌ.

قوله: (عَنْ إِسْرَائِيلَ): هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيِعيُّ، تَقَدَّمَ، و (مَنْصُور) بعده: هو ابن المعتمر، تَقَدَّمَ، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، تَقَدَّمَ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.

قوله: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ): هذا الغار بمِنًى، وقد جاء كذلك في بعض طرقه: (بمنًى)؛ وهو بقرب مسجد الخيف في الجبل، ويُعرَف بغار المرسلات.

تنبيه: وقع في «معجم الطَّبَرانيِّ الصغير»: (حدَّثنا عمر بن عبد الرَّحْمَن السلميُّ، ورواه أبو عليِّ بن الصوَّاف [2]، حدَّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، قالا: حدَّثنا إبراهيم بن الحجَّاج السلميُّ، واللَّفظ لابن الصوَّاف ... ؛ فذكر قصَّة إسلام ابن مسعود، وفيه: «فبينا [3] نحن عنده على حِراء؛ إذ نزلت عليه (سورة المرسلات) [4]، فأخذتُها، وإنَّها لَرطبةٌ بفيهِ، أو إنَّ فاه لَرطْبٌ بها ... »؛ الحديث، ولم أستنكر من السند إلا عاصم بن بهدلة، فإنَّه ثَبتٌ في القراءة، يَهِمُ في الحديث، وله ترجمة في «الميزان»، وحديث «الصحيح»: (أنَّه في غار بمنًى) في «البُخاريِّ»، و «مسلمٍ»، و «النَّسائيِّ»، وتعدُّد القصَّة في إنزال السورة مرَّتين فيه بُعْدٌ كثير، والله أعلم، ولم أر حديث «المعجم» في «مسند أحمد»، ولم أره إلَّا في «معجم الطَّبَرانيِّ الصغير»، ومن طريق ابن الصوَّاف، والله أعلم.

[ج 1 ص 858]

قوله: (وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا): (وُقيت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (وُقِيتُم)، و (شرَّكم) و (شرَّها): منصوبان، كلُّ واحدٍ منهما مفعولٌ ثانٍ، وشرَّكم: قتْلكم إيَّاها؛ لأنَّه شرٌّ بالنسبة إليها وإن كان خيرًا بالنسبة إلينا.

(1/6331)

قوله: (وَعَنْ إِسْرَائِيلَ): قائل ذلك هو يحيى بن آدم، وهذا معطوفٌ على السند الذي قبله، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن عَبْدة بن عبد الله، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، والأوَّل: إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم به، و (إسرائيلُ): هو ابن يونس بن أبي إسحاق، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، والباقي معروفٌ، وقوله: (مِثْلَهُ): هو بالنصب مفعول (حدَّثنا)، ولا يجوز فيه الرفعُ، وقد وقع في أصلنا: (مثلُه)؛ بالضَّمِّ بالقلم، وكتب [5] فوقه بالحمرة [6] بالنصب بالقلم، ولا يجوز الرفع، وإنَّما كان يتحتَّم الرفعُ إن لو كان الحديثُ معلَّقًا، وإنَّما هو مسند، فاعلمه.

قوله: (مِنْ فِيهِ رَطْبَةً)؛ أي: مستطابةً سهلةً؛ كالتمرة الرطبة السهلة، وقيل: إنَّا لنسمعها لأوَّل نزولها كالشيء الرطب في أوَّل أحواله، وبه جزم ابن التين، قاله شيخنا.

قوله: (وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ): يعني: عن إبراهيم به، فأمَّا الضمير في (تابعه): يعود على إسرائيل، و (أبو عوانة) اسمه: الوضَّاح بن عبد الله، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (المغيرة): هو ابن مِقسَم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ أيضًا، متابعة أبي عوانة هذه ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة.

تنبيه: اعلم أنَّ المِزِّيَّّ لم يخرِّجه من حديث سليمان الأعمش عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله إلَّا في هذا المكان في (بدءِ الخلق)، وقد أخرجه البُخاريُّ أيضًا في (التفسير) من هذه الطريق التي ذكرها هنا، فقال: حدَّثنا عَبْدة بن عبد الله: حدَّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن منصورٍ بهذا، وعن إسرائيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله مثلَه، وتابعه أسود بن عامر عن إسرائيل، انتهى.

(1/6332)

قوله: (وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ ابْنُ قَرْمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ): أمَّا (حفصٌ): فهو ابن غِيَاث؛ بالغين المُعْجَمَة المكسورة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت مُخَفَّفةٌ، وبعد الألف ثاء مُثَلَّثَة تَقَدَّمَ، وأمَّا (أبو معاوية): فهو مُحَمَّد بن خازم؛ بالخاء المُعْجَمَة، الضرير، تَقَدَّمَ، وأمَّا (سليمان ابن قَرْم)؛ فبفتح القاف، وإسكان الراء، ثمَّ ميم، وقَرْم: جدُّه، واسم والده معاذ، كنيته _سليمان_ أبو داود، وهو بصريٌّ، روى عن ابن المنكدر، وثابت، والأعمش، وعنه: أبو داود الطيالسيُّ، ويونس المؤدِّب، قال أبو زرعة وغيره: ليس بذاك، أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وعلَّق له البُخاريُّ كما ترى، له ترجمةٌ في «الميزان»، وتعليق حفص أخرجه البُخاريُّ في (الحجِّ [7]) و (التفسير) عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه، ومسلمٌ عن حفص بن غياث به، وفي (الحجِّ) عن أبي كُرَيب عن حفص بن غياث ببعضه، وتعليق أبي معاوية عن الأعمش أخرجه مسلمٌ في (الحيَوان) عن يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كُرَيب، وإسحاق بن إبراهيم؛ أربعتُهم عن أبي معاوية، وتعليق سليمان ابن قَرْم لم أره في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رسولِ الله).

[2] في (ب): (الصواب)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (فبتنا)، وهو تصحيفٌ.

[4] في (ب): ({والمرسلات}).

[5] في (ب): (وكتبت).

[6] في (ب): (بالأحمرة).

[7] في (ب): (الجهاد)، والمثبت هو الصَّواب.

(1/6333)

[حديث: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها]

3318# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الأَعْلَى): هذا هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى الساميُّ _بالسين المُهْمَلَة_ البصريُّ، تَقَدَّمَ، و (عُبَيْدُ اللهِ): هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ): هذه المرأة في «مسلمٍ»: أنَّها من بني إسرائيل، وفيه أيضًا: أنَّها حِميَريَّة، فلعلَّها كانت من بني إسرائيل سكنت مدينة حِميَر، وهي اليمن، ويحتمل أنَّ أباها إسرائيل، وأمَّها حِميَريَّةٌ؛ نسبةً إلى القبيلة، ويحتمل العكس، ويحتمل أنَّ أحدهما بالحِلْف، والآخر بالنسب، تَقَدَّمَ.

تنبيه: هذه المرأة كانت كافرةً، كما رواه أبو نعيمٍ في «تاريخ أصبهان»، والبيهقيُّ في «البعث والنشور»، وقد أبداه عياض احتمالًا، وأنكره النَّوويُّ، وقد قَدَّمْتُ ذلك، والله أعلم.

قوله: (فَلَمْ تُطْعِمْهَا): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ من (أَطْعَم).

قوله: (مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ): (الخشاش)؛ بفتح الخاء المُعْجَمَة وضمها وكسرها: هوامُّ الأرض، تَقَدَّمَ، وهو بشينين معجمتين هوامُّها، وقيل: صغار الطير، وفي «المصنَّف»: شرارُ الطير، لكن في الطير بالفتح ليس غير، وحكى أبو عليٍّ في هوامِّ الأرض: خُشاش؛ بالضَّمِّ، والحاصل: أنَّ (خشاش الأرض) مثلَّث الخاء باتِّحاد المعنى على أنَّه هوامُّها، وقد تَقَدَّمَ، ولكن طال العهد به.

قوله: (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [2]، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِثْلَهُ) قائل: (وحدَّثنا عبيد الله): هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى الساميُّ، المذكور في السند قبله، فروى هذا الحديث الثاني البُخاريُّ عن نصر بن عليٍّ، عن عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن سعيد المقبريِّ، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقوله: (مثلَه): هو مَنْصُوبٌ مفعول (حدَّثنا).

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أَخْبَرَنَا).

[2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[ج 1 ص 859]

(1/6334)

[حديث: نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة]

3319# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): [أنَّه] عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر.

قوله: (نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذا النَّبيِّ أنَّه عزيرٌ، في (الجهاد)، وذكرت هناك من عند أبي داود والحاكم: ما أدري أعزيرٌ نبيٌّ أم لا؟ ورأيت في كلام المحبِّ الطَّبَريِّ عن الحكيم التِّرْمِذيِّ: أنَّه موسى.

قوله: (فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ): يجوز في جيمه الفتح والكسر؛ أي: متاعه.

قوله: (فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا): (أُخرِج): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا (فَأُحْرِقَ).

قوله: (فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً): (نملةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن؛ أي: فهلَّا عاقبت نملةً واحدةً، وهي التي قرصتكَ، وبالنصب ضبطه بعض الحُفَّاظ، وهو النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ»، ورأيته بالرفع مع التنوين بخطِّ شيخنا الأستاذ أبي جعفر في نسخته بـ «البُخاريِّ»، وبالنصب به، وكذا (واحدة)، وما قاله يجوز من حيث العربيَّة، ولكنَّ الذي ضبطه بعض الحُفَّاظ _وهو النَّوويُّ_ بالنصب مع التنوين، و (واحدة): صفةٌ له، والله أعلم.

تنبيه: هذا الحديث محمولٌ على أنَّ شرع ذاك النَّبيِّ كان فيه جوازُ قتل النمل، وجوازُ الإحراق بالنَّار، ولم يُعتَب في أصل القتل والإحراق، بل في الزيادة على نملةٍ،

[ج 1 ص 859]

وأمَّا في شرعنا؛ فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان، إلَّا إذا أحرق إنسان إنسانًا، فمات به، فلوليِّه الاقتصاص به، وأمَّا قتلُ النمل؛ فلا يجوز في مذهب الشَّافِعيِّ، واستُدِلَّ له بحديثٍ رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ على شرطهما: «نُهيَ عن قتل أربعٍ من الدوابِّ: النملة، والنحلة، والهدهد، والصُّرَد».

تنبيه آخر: يحرم قتل النمل؛ لورود النهي عنه، كذا قال الرافعيُّ، وتابعه في «الروضة» على إطلاق تحريم قتل النمل، وهذا في النمل الكبير، وقد ذكر الخَطَّابيُّ في «معالمه»: أنَّ النمل على ضربين؛ أحدهما: مؤذٍ ضرَّارٌ، فدفع عاديته جائزٌ، والضرب الآخر: الذي لا ضرر فيه، وهو الطِّوال الأرجلِ، فلا يجوز قتلُه، انتهى.

(1/6335)

وقال شيخ شيوخنا الفقيه العلَّامة جمال الدين عبد الرحيم الإسنويُّ القاهريُّ: أمَّا النمل الصغير؛ ففي «شرح المهذَّب» المسمَّى بـ «الاستقصاء» نقلًا عن «الإيضاح» للصَّيْمريِّ: أنَّه [لا] [1] يحرم قتله؛ لأنَّه مؤذٍ، وأقرَّه عليه، قال: وقد سئل ابن عَبَّاسٍ عن قتل المُحرِم لها، فقال: تلك ضالَّةٌ لا شيء فيها، وذكر البغويُّ أيضًا في «شرح السُّنَّة»: جوازَ قتلها، انتهى، ذكر ذلك في «المهمَّات» في (الأطعمة)، وقد ذكر في (الحجِّ)، والله أعلم، وقال شيخنا: كره مالكٌ قتله لمن آذاه، وقيل: إنَّما يقتلها من كان قاطنًا غيرَ مسافرٍ، وعسُر عليه الانتقال، ولم يجد ما يزيله به فيقتلها حينئذٍ بغير النار، انتهى.

==========

[1] (لا) سقطت من (ب)، وهي ممحوَّة في (أ)، ولعلَّ الصواب إثباتها.

(1/6336)

[باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه]

(1/6337)

[حديث: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه]

3320# قوله: (فَلْيَغْمِسْهُ): هذا يصدق بغمس مَرَّةً، وفي «الأحاديث المختارة» للحافظ ضياء الدين المقدسيِّ _وقد قرأت بعضها بالصالحيَّة على بعض أصحاب [1] أصحابه_: الأمر بالتثليث بإسناده إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس، قال: كنَّا عند أنس بن مالكٍ، فوقع الذباب في إناءٍ، فقال أنس بإصبعه، فغمسه في ذلك الماء ثلاثًا، وقال: بسم الله، وقال: إنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أمرهم أن يفعلوا ذلك.

قوله: (فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً): رأيت بخطِّ بعض الفضلاء ما لفظُه: الجناح يؤنَّث ويذكَّر، فإنَّهم قالوا في جمعه: أجنحة وأجنُح، فـ (أجنحةٌ): جمع المذكَّر؛ كـ (قَذال وأقذلة)، و (أجنُح): جمع المؤنَّث؛ كـ (شمال وأشمل)، انتهى.

وكذا رأيت بعضهم ذكره كذلك، ورأيت حاشيةً على نسخة بـ «صحيح البُخاريِّ» _وهي صحيحةٌ ذكر كاتبُها أنَّها من الصغانيِّ_ لفظُها: كذا وقع (إحدى ... والأخرى)، والصواب: (أحد ... والآخر)، انتهت.

(1/6338)

[حديث: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث]

3321# قوله: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): (عوفٌ): هو الأعرابيُّ، ابن أبي جميلة، تقدَّم، و (الحسن): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، و (ابن سيرين): مُحَمَّد، والعمدة في هذا الحديث على مُحَمَّد بن سيرين، وذلك لأنَّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة على ما قاله الجمهور، كما قدَّمته في موضعٍ آخرَ، فقال أيُّوب، وعليُّ بن زيد، وبَهْز بن أسد: لم يسمع الحسن من أبي هريرة، وقال يونس بن عبيد: ما رآه قطُّ، وذكر أبو زرعة وأبو حاتمٍ: أنَّ من قال عن الحسن: حدَّثنا أبو هريرة؛ فقد أخطأ، وقال التِّرْمِذيُّ في «جامعه»: والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا، هكذا روي عن يونس، وأيُّوب، وعليِّ بن زيدٍ، وقال النَّسائيُّ في «سننه»: الحسن لم يسمع من أبي هريرة، انتهى، والحاصل: أنَّ العمدة في الحديث رواية ابن سيرين له عن أبي هريرة، والله أعلم.

قوله: (غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ): (غُفِر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا: (فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ).

قوله: (غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ): هي بضَمِّ الميم الأولى، وإسكان الواو [1]، وكسر الميم الثانية، ثمَّ سين مهملة مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث، وهي المجاهرة بالفجور.

==========

[1] (وإسكان الواو): سقط من (ب).

[ج 1 ص 860]

(1/6339)

[حديث: لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة]

3322# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، تَقَدَّمَ مرارًا، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان): بعده هو ابن عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهابٍ، العالم المشهور، و (عُبَيْد اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وتَقَدَّمَ (أَبُو طَلْحَةَ): أنَّ اسمه زيد بن سهل الأنصاريُّ رضي الله عنه، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ): تَقَدَّمَ أنَّ هؤلاء غير الحفظة، وأنَّ الحفظة لا يفارقون الإنسان إلا عند الخلاء والجِماع، كما في «التِّرْمِذيِّ» في (الاستئذان)، وسيجيء أنَّ الكلب الجائز الاتِّخاذ _كالكلاب الثلاثة، وكذا الصورة الجائزة الاتِّخاذ_ هل تدخل الملائكة معه أم لا؟

==========

[ج 1 ص 860]

(1/6340)

[حديث: أن رسول الله أمر بقتل الكلاب]

3323# قوله: (أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ): اعلم أنَّ الكلاب الثلاثة لا يجوز قتلُها؛ لما فيها من المنفعة، وأنَّ العَقور يجوز قتله بلا خلافٍ، وبقي الباقي، فقد اضطرب فيه الرافعيُّ والنَّوويُّ اضطرابًا كثيرًا، ففي مكانٍ يقولان: إنَّه محترمٌ، وفي مكانٍ يقولان: إنَّه ليس بمحترمٍ، وإمام الحرمين أيضًا اختلف كلامه، وبالجملة فمذهب الشَّافِعيِّ: جوازُ قتلها، صَرَّحَ بذلك في «الأمِّ» في (باب الخلاف في ثمن الكلب)، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 860]

(1/6341)

[حديث: من أمسك كلبًا ينقص من عمله كل يوم قيراط]

3324# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة لماذا، وتَقَدَّمَ أيضًا أنَّ (هَمَّامًا) هذا: هو ابن يحيى العَوْذيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى) هذا: أنَّه يحيى بن أبي كثير، و (أَبُو سَلَمَةَ): اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، تَقَدَّمَ.

قوله: (مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ): (ينقصْ): مجزوم جواب الشرط، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ): كذا هنا، وفي حديثٍ آخر: «قيراطان»، يحتمل أن يكون نوعين من الكلاب، أكثرهما أكثر أذًى من الآخر، أو لمعنًى فيهما، أو يكون ذلك مختلفًا باختلاف المواضع، فيكون القيراطان في المدينة المشرَّفة؛ لزيادة فضلها، والقيراط في غيرها، أو القيراطان في المدائن، والقيراط في غيرها، أو القيراطان في المدائن ونحوها من القرى، والقيراط في البوادي، أو يكون ذلك في زمنين [1]، فذكر القيراط أوَّلًا، ثمَّ زاد التغليظ، فذكر القيراطين، قال الرويانيُّ من الشَّافِعيَّة في «بحره»: اختلفوا في المراد بمَا ينقص منه؛ فقيل: ينقص بما مضى من عمله، وقيل: من مستقبله، قال: واختلفوا في محلِّ القيراطين؛ فقيل: ينقص قيراطٌ من عمل الليل، وآخر من عمل النهار، وقيل: قيراطٌ من عمل الفرض، وآخر من عمل النفل.

واختلف العلماء في سبب النقصان باقتناء الكلب؛ فقيل: لامتناع الملائكة من دخول بيته بسببه، وقيل: لِما يلحق المارِّين من الأذى من ترويع الكلب لهم، وقيل: إنَّ ذلك عقوبةٌ لاتِّخاذ ما نهي عنه وعصيانه في ذلك، وقيل: لما يُبتلى به من ولوغه في غفلة صاحبه، ولا يغسله بالماء والتراب، والله أعلم، وسأذكره أيضًا، [وقد سئل الحسن البصريُّ عن سبب نقص الأجر، فقال: لترويعه المسلم، وقال أبو جعفر المنصور: إنَّما ذلك؛ لأنَّه ينبح على الضيف ويروِّعُ السائل، نقل ذلك المحب الطَّبَريِّ، وأوضحه، وحسَّنه.

(1/6342)

مسألة: هل ينقص أجر الشخص بتعدُّد الكلاب؟ قال أبو الحسن السُّبكيُّ العلَّامة: لا، بخلاف صلاته على جنائز، وقد قال الجاحظ [2]_كما قرأتُه [3] على بعض أصحابي_: أنَّه ينقص بكلٍّ منها قيراطٌ من أجره، وقد [4] روي: أنَّ جماعةً من الصَّحَابة ذهبوا إلى بيت رجلٍ من الأنصار؛ ليعودوه من مرضه، فهرَّت في وجوههم كلابٌ من دار الأنصاريِّ، فقال الصَّحَابة رضي الله عنهم: لا تدع هؤلاء من أجر فلانٍ شيئًا، كلُّ كلبٍ من هؤلاء ينقص من أجره كلَّ يومٍ قيراطٌ، والله أعلم] [5].

==========

[1] في (ب): (رتبتين).

[2] في (ب): (الحافظ).

[3] في (ب): (قرأت).

[4] (وقد): ليس في (ب).

[5] ما بين معقوفين ذكر في (ب) بعد قوله سابقًا: (وآخر من عمل النفل).

[ج 1 ص 860]

(1/6343)

[حديث: من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا.]

3325# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال أبو مُحَمَّد، مولى أبي بكرٍ، تَقَدَّمَ، و (يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ): هو بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، وفتح الصاد المُهْمَلَة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثمَّ فاء مفتوحة، ثمَّ تاء التأنيث، مشهورٌ معروفٌ عند أهله.

قوله: (سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَوِيَّ [1]): هو بفتح الشين المُعْجَمَة، ثمَّ نون مفتوحة، ثمَّ واو، ثمَّ ياء النِّسبة، وفي نسخةٍ في طرَّة أصلنا: الشَنائيُّ؛ بفتح الشين أيضًا، وبهمزة مكسورة بعد النون، ثمَّ ياء النسبة، وهو من أزد شَنُوءة، وشَنُوءة: اسمه عبد الله بن [2] كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسْد، وإنَّما قيل: أزد شَنُوءة؛ لشنآنٍ كان بينهم؛ وهو البغض، و (سفيان) هذا: روى عنه عبد الله بن الزُّبَير، والسائب بن يزيد، وعروة، له في الكتب: «من اقتنى كلبًا ... »، وحديث: «والمدينة خيرٌ لهم ... »، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وأحمد في «المسند»، وقد تَقَدَّمَ في (الحجِّ)، ولكن بعُد العهد به.

تنبيه: قال شيخنا: وذكره _يعني ذكر البُخاريِّ_ لها؛ أي [3]: للكلاب في هذا الباب لِما يأتي عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وغيره: أنَّهم من الجنِّ، انتهى، ثمَّ ذكر بعد هذا بقليلٍ قال _يعني: ابن عَبْدِ البَرِّ_: وقد روي عن ابن عَبَّاس: أنَّ الكلاب من الجنِّ، وهم ضَعَفَة الجنِّ، فإذا غشيتكم عند طعامكم؛ فألقوا إليها الشيء، فإنَّ لها أنفسًا؛ يعني: أعينًا، وفي لفظٍ: السُّود منها جنٌّ، والبُقْع منها جنٌّ، قال صاحب «العين»: الحنُّ [4]: حيٌّ من الجنِّ، منهم الكلاب البُهْم [5]، وفي «الباهر»: الحنُّ: ضربٌ من الجنِّ، وقال ابن الأعرابيِّ: هم سَفِلَة الجنِّ وضعفاؤهم، قال ابن عُديسٍ: يقال: كلب حنِّيٌّ، انتهى.

ورأيت في «نهاية ابن الأثير» _وعلَّم عليه: «الغريبَين» للهرويِّ_: حديث ابن عَبَّاس: «الكلاب من الجنِّ، فإن غشيتكم عند طعامكم؛ فألقوا لهنَّ»، والله أعلم، وفي «مسند عَبْد بن حُمَيدٍ» من حديث أبي هريرة [6] حديثٌ، وفي آخره: فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ الله تبارك وتعالى لعن سبطًا [7] من الجنِّ، فمسخهم دوابَّ في الأرض، فهي هذه الكلاب السُّود، هي الجنُّ ... »؛ الحديث.

(1/6344)

((60)) (كِتَابُ الأَنْبِيَاء) ... إلى (بَابِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125])

تنبيه: روى أبو ذرٍّ كما أخرجه ابن حِبَّان كما في حفظي، قال: قلت: يا رسول الله؛ كم الأنبياء؟ قال: «مئة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا»، قلت: يا رسول الله؛ كم الرسل من ذلك؟ قال: «ثلاثُ مئة وثلاثةَ عشرَ، جمٌّ غفيرٌ»، قلت: مَن كان أوَّلهم؟ قال: «آدم»، قلت: يا رسول الله؛ أنبيٌّ مرسلٌ؟ قال: «نعم؛ خلقه الله تعالى بيده، ونفخ فيه من روحه، وسوَّاه قِبَلًا» _وسيأتي معناه قريبًا_ ثمَّ قال: «يا أبا ذرٍّ؛ أربعةٌ سريانيُّون: آدم، وشيث، وخنوخ _وهو إدريس، وهو أوَّل من خط بالقلم_ ونوح، وأربعة من العرب؛ هودٌ، وشعيبٌ، وصالحٌ، ونبيُّك، يا أبا ذرٍّ؛ وأوَّل أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى ... »؛ الحديث بطوله، وقد روى وهبٌ عن ابن عَبَّاس قال: «الرسل ثلاثُ مئةٍ وخمسةَ عشر، خمسةٌ منهم عبرانيُّون؛ وهم: آدم، وشيث، وإدرس، ونوحٌ، وإبراهيم، وخمسةٌ من العرب؛ هودٌ، وصالحٌ، وإسماعيل، ويعقوب، وعيسى، ومُحَمَّد [1]»، قال [2] أبو منصور اللُّغويُّ: وكلُّ أسماء الأنبياء أعجميَّة إلَّا أربعةً؛ آدم، وصالح، وشعيب، ومُحَمَّد، وقوله فيه: (قِبَلًا): هو بكسر القاف، وفتح المُوَحَّدة، وفي روايةٍ: (إنَّ الله كلَّمه قِبَلًا)؛ أي: عيانًا ومقابلةً، لا من وراء حجاب [3]، ومن غير أن يولِّيَ أمرَه أو كلامه أحدًا من ملائكته، وقوله فيه: (إنَّ أوَّل أنبياء بني إسرائيل موسى): فهذا مؤوَّلٌ؛ لأنَّ يوسف نبيٌّ مرسلٌ بنصِّ القرآن إن قلنا: إنَّه المراد في القرآن، وهو ابن يعقوب، ويعقوب هو إسرائيل [4].

(1/6345)

قوله: (باب خَلْقِ آدَمَ): آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] هو أبو البشر، هذه كنيته، ويقال: أبو مُحَمَّد، خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنَّته، وكرَّم ذريَّته، وعلَّمه جميع الأسماء، وجعله أوَّل الأنبياء، بل وأوَّل الرسل، كما سيأتي، وعلَّمه ما لم يعلِّم الملائكة المقرَّبِين، وجعل من نسله الأنبياء، والمرسلين، والأولياء، والصدِّيقين، وفي «مسلمٍ»: «إنَّ الله خلقه يوم الجمعة»، [ونفخ فيه من روحه، وجعله خاتمة خلقه؛ أي: خلقه يوم الجمعة بعد أن خلق الخلق، وقد ابتدأهم من يوم السَّبت، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «خلق الله التُّربة يوم السبت ... »؛ الحديث أخرجه مسلم، وخلقه في أحسن صورة، وأقسم عليه بقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ... } إلى قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 1 - 4]، ولقَّنه الحمد حين عطس، ثمَّ قال: (يرحمك ربُّك يا آدم)، فسبقت رحمتُه غضبَه، وأباح له جميع الجنَّة إلا شجرةً واحدةً، وسيأتي ما هي، والاختلاف فيها، وأمر الملائكة بالتَّلقين منه، وجعله أبا البشر، وجعله في الأرض خليفة عنِ الملائكة وفضَّله بها عليهم، ولعن إبليس من أجله، وهو أوَّل تائب، وأوَّل مجتبًى، وأوَّل مصطفًى، وأوَّلُ خليفة في الأرض، وهو مميِّز الأرواح الخبيثة من الطَّيِّبة، وهو الباعث يوم القيامة الشَّقيَّ من ذرِّيَّته، والله أعلم] [6].

واشتُهِر في كتب التواريخ أنَّه عاش ألف سنةٍ، وجاء معناه في حديث مَرْفُوعٍ، وفي «تاريخ دمشق» في حديثٍ طويلٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت [7]: كان النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «أنا أشبهُ الناس بأبي آدم، وكان إبراهيم أشبهَ الناس بي خَلقًا وخُلقًا».

وأمَّا اشتقاقه؛ فالكلام فيه معروفٌ، وقد تَقَدَّمَ الكلام في صرفه وعدم صرفه في أوائل هذا التعليق، وفي «تاريخ ابن عساكر» أيضًا مرفوعًا: «أهل الجنَّة ليس لهم كنًى إلا آدم؛ يُكنى أبا مُحَمَّد»، وعن كعب: «ليس أحدٌ في الجنَّة له لحيةٌ إلَّا آدم»، وقيل: وموسى، ذكره الطَّبَريُّ، وقيل: هارون، وأمَّا مناقب آدم وفضائله؛ فكثيرةٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [8]، وهو نبيٌّ مرسلٌ على الصحيح، وقيل: ليس بمرسلٍ، وسيأتي ذلك في (نوحٍ) قريبًا.

==========

[1] (ومُحَمَّد): سقط من (ب).

[2] في (ب): (وقد قال).

[3] في (ب): (الحجاب).

(1/6346)

[4] في (ب): (إبراهيم)، والمثبت هو الصَّواب.

[5] في (ب): (عليه السلام).

[6] ما بين معقوفين ليس في (ب) و (ج)، وهي في (أ) بورقة مفردة.

[7] في (ب): (قال)، وهو تحريفٌ.

[8] في (ب): (عليه السلام).

(1/6347)

[باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}]

قوله: ({وَرِيَاشًا} [الأعراف: 26]: الْمَالُ): هذه قراءةٌ شاذَّةٌ، والمتواترة: {وَرِيشًا} [الأعراف: 26]، وقال البُخاريُّ بُعيد هذا: وقال غيره _ يعني: غير مَن فسَّر (الرِّياش) بالمال_: و (الرِّياش والرِّيش واحدٌ ... ) إلى آخره، وسيأتي هذا في (سورة الأعراف)، وغيره هو: أبو عبيدة.

قوله: (السَّمَاءُ شَفْعٌ): هذا ممَّا يَسأل عنه الناس كثيرًا، فيقولون: كيف تكون السماء شفعًا وهي سبعُ سماواتٍ؟ والذي يظهر في الجواب _والله أعلم_: أنَّ كلَّ شيءٍ له مثلٌ ونظيرٌ؛ فهو شفعٌ وإن كان في العدد وِترًا، والله [1] سبحانه وتعالى لا مثل له ولا نظير، فهو وترٌ، وكلُّ شيءٍ خلقه فهو شفعٌ؛ لأنَّ له نظيرًا ومثلًا، والله أعلم، وقد رأيت ابن الأثير في «نهايته» قال في حديث «من حافظ على شفعة الضحى»: يروى بالفتح وبالضَّمِّ؛ كالغُرفة والغَرفة، وإنَّما سمَّاها شفعة؛ لأنَّها أكثر من واحدةٍ، انتهى، فالسماوات إذن أكثر من واحدةٍ؛ فلهذا قال: شفعٌ.

قوله: (وَالْوِتْرُ اللهُ): (الوِتر): بكسر الواو، وتُفتَح، وهما قراءتان في السبع، قرأ حمزة والكسائيُّ بكسر الواو، والباقون بفتحها، فالله تعالى واحدٌ في ذاته، لايقبل الانقسام والتجزئة، واحدٌ في صفاته، فلا شِبْه له ولا مِثْل، واحدٌ في أفعاله، لا شريك له ولا مُعين.

قوله: (فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ): هو بفتح الخاء، وإسكان اللام، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ): الظاهر أنَّه الرياحيُّ الكبير، رُفيع بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ، لا زياد بن فيروز.

قوله: ({حَمَأٍ} [الحجر: 26]: جَمْعُ حَمْأَةٍ): (حمْأَة): بهمزةٍ مفتوحة بعد الميم الساكنة، ويجوز تحريكها، قال الجوهريُّ: الحَمَأُ: الطين الأسود، قال الله تعالى: {مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26]، وكذلك الحمْأة؛ بالتسكين، انتهى، فكلام الجوهريِّ صريحٌ أنَّ (الحمْأ والحمْأة) واحدٌ مفردٌ، لا أنَّه جمع (حمأة)؛ كـ (الحَمَأة) محرَّكةً، وقد رأيت غير البُخاريِّ قد قال ذلك ولفظُه: (حمأٍ: جمع حمأةٍ)، وهو الطين المتغيِّر إلى السواد، والله أعلم.

قوله: (أَخْذُ الْخِصَافِ): (أَخْذُ): بفتح الهمزة، وإسكان الخاء وبالذال المعجمتين، مَرْفُوعٌ، و (الخِصافِ): بكسر الخاء المُعْجَمَة، وتخفيف الصاد المُهْمَلَة، مجرورٌ مضافٌ.

(1/6348)

[حديث: خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا]

3326# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو المسنديُّ الحافظ، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَر): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين بينهما عينٌ مهملة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن منبِّه بن كامل، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا): قال شيخنا: قال ابن التين: قيل: المراد: بذراعنا؛ لأنَّ ذراع كلِّ واحد مِثْلُ رُبعه، ولو كان بذراعه؛ لكانت يده قصيرةً في جنب طول جسمه؛ كالإصبع والظفر، انتهى، وهذا هو الظاهر أو الصواب [2]، وقيل: هي [3] ستُّون بذراعه، وقيل: إنَّه كان يقارب أعلاه السماء، وإنَّ الملائكة كانت تتأذَّى بنَفَسِه، فخفضه الله إلى ستِّين ذراعًا، وظاهر الحديث خلافه، قال الثَّوْريُّ: خلق الله آدم في أوَّل نشأته على صورته، وهي ستُّون

[ج 1 ص 862]

ذراعًا، ولم ينتقل أطوارًا؛ كذرِّيَّته، وكانت صورته في الجنَّة هي صورته في الأرض لم تتغيَّر، وقال القرطبيُّ: إنَّ الله يعيد أهل الجنَّة إلى خِلقةِ أصلهم الذي هو آدم، وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله عليه في الجنَّة، وكان طوله فيها ستِّين ذراعًا بذراع نفسه، قال: ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدَّرًا بأذرعتنا المتعارفة عندنا، وفي حفظي أن يكون عرضُه سبعةَ أذرع، ثمَّ رأيته في «المسند» للإمام أحمد مرفوعًا من حديث أبي هريرة: «إنَّه سبعُ أذرع»، قيل: تفرَّد به حَمَّاد بن سلمة عن عليِّ بن زيد بن جُدعان، والله أعلم.

قوله: (تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ): (تحيَّتُك) و (تحيَّةُ): مرفوعان [4]، وهذا ظاهِرٌ، والأوَّل على أنَّه خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: هي تحيَّتك، ويجوز من حيث العربيَّةُ نصبُهما بدل من (ما)، والله أعلم.

قوله: (فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ): (رحمةُ): مَرْفُوعٌ على الحكاية.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثني).

[2] في (ب): (والصواب).

[3] (هي): ليس في (ب).

[4] زيد في (ب): (هنا).

(1/6349)

[حديث: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر]

3327# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الجيم، وكسر الراء، وأنَّه ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وتَقَدَّمَ (عُمَارَةَ) بعده: أنَّه بضَمِّ العين، وتخفيف الميم، ابن القعقاع الضَّبِّيُّ تَقَدَّمَ، وأنَّه له نحو ثلاثين حديثًا، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هَرِم _وقيل غير ذلك_ ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ.

قوله: (عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ): (أشدِّ): مجرورٌ لأنَّه مضاف، و (دُرِّيٍّ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الدال وكسرها، وتَقَدَّمَ أنَّه الزُّهَرة، وكذا تَقَدَّمَ (إِضاءَةً): مكسور الهمزة الأولى، مفتوح الثانية، ممدودٌ، مَنْصُوبٌ على التمييز.

قوله: (لاَ يَتْفلُونَ): هو بضَمِّ الفاء وكسرها، و (التَّفْل): شُبِّه بالبزق، وهو أقلُّ منه، قال الجوهريُّ: أوَّله البزق، ثمَّ التَّفْل، ثمَّ النَّفْث، ثمَّ النَّفْخ.

قوله: (أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (الرَّشْحُ): أنَّه العرق، وكذا (مَجَامِرُهُمُ): تَقَدَّمَ قريبًا، وكذا (الأَلُوَّةُ): ضبطًا ومعنًى، وأنَّه بفتح الهمزة وضمِّها، حكاهما ابن الأثير، وكذا (الألنجوج): في (صفة الجنَّة)، ولغاته.

قوله: (عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ): هو بفتح الخاء، وإسكان اللام، وبضمِّهما، قال ابن قرقول: بفتح الخاء، وسكون اللام كذا للكافة عن البُخاريِّ، وكذا ضبطه ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «حادي الأرواح»، وقال: إنَّه الرواية، وبضم الخاء واللام عند النَّسَفيِّ، وفي «مسلمٍ» الوجهان جميعًا؛ السكون مع الفتح عن أبي كُرَيب، والضمُّ [1] فيهما عن ابن أبي شيبة، وكلاهما صحيح، وبالضَّمِّ أوجه؛ لقوله: أخلاقهم؛ أي: أنَّهم على خُلقٍ واحدٍ من التودُّد والتوافق، ليس في أحدٍ منهم خُلُق يذمُّ [2]؛ لما في الحديث الآخر: «لا تباغض بينهم ولا اختلاف، قلوبهم على قلبٍ واحدٍ»، وعلى الرواية الأخرى يكون المعنى: أنَّهم على صورة أبيهم آدم.

(1/6350)

[حديث: نعم إذا رأت الماء.]

3328# قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ [1]: حَدَّثَنَا [2] هِشَام عَنْ [3] عُرْوَةَ): كذا في أصلنا، وقد سقط من هذا السند (يحيى بن سعيد) بين مسدَّد وهشام، وصوابه: (حدَّثنا مسدَّد: حدَّثنا يحيى: حدَّثنا هشام)، وقد راجعت «أطراف الحافظ جمال الدين المِزِّيِّ»، فرأيته طرَّفه على ما ذكرته على الصواب، وعلى الصواب رأيته في أصلٍ لنا دمشقيٍّ [4] أيضًا، وأين مسدَّد وأين هشام بن عروة؟! هشامٌ تُوُفِّيَ سنة (145 هـ)، وقال الفلَّاس: سنة (147 هـ)، ومسدَّدٌ تُوُفِّيَ سنة (228 هـ)، ولا أعلم مولده، إلا أنَّه لا يروي عن هشام، بينهما [5] يحيى بن سعيد القَطَّان في هذا السند، والله أعلم.

قوله: (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ [6] سَلَمَةَ): وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، و (زينب) هذه: ربيبة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، تَقَدَّمَت، وكذا تَقَدَّمَت أمُّها (أمُّ سلمة): هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفة، ومتى توفِّيت، وأنَّها توفِّيت بعد مقتل الحسين، وهي آخرهنَّ موتًا رضي الله عنها.

قوله: (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ): تَقَدَّمَت [7] أيضًا، والكلام على اسمها، وهي أمُّ أنسٍ، وأخت أمِّ حرامٍ، وزوج أبي طلحة زيدِ بن سهلٍ.

قوله: (فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غَسْلٍ [8] إِذَا احْتَلَمَتْ؟): تَقَدَّمَ أنَّ (الغَسل) بفتح الغين، ويجوز ضمُّها، وتَقَدَّمَ أنَّ هذا السؤال سأل عنه النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بها أربعُ نسوةٍ: سهلة بنت سهيلٍ، وخولة بنت حكيمٍ، وبُسرة بنت صفوانَ، وأمُّ سُليمٍ في (كتاب العلم).

قوله: (فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وعلى الرواية الأخرى أنَّ المُنكِرة في «مسلم» عائشة، ولعلَّهما أنكرتا ذلك، وقد تَقَدَّمَ ما في ذلك في (كتاب العلم).

قوله: (فَبِمَ [9] يُشْبِهُ الْوَلَدُ؟): كذا في أصلنا، وهو الفصيح؛ حذف الألف مع الاستفهام، ووقع في بعض النسخ: (فبما)، وهو خلاف الفصيح.

وقوله: (يشبه الولدُ): (الولدُ): مَرْفُوعٌ، والمفعول محذوفٌ؛ أي: أخوالَه، والله أعلم.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثنا يحيى).

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (عن).

[3] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (بن)، وفي هامش (ق): (صوابه: ابن، كتبه أبو ذرٍّ، والحديث متقدم في باب «إذا احتلمت المرأة»).

[4] في (ب): (في أصلنا الدِّمَشْقيّ).

[5] في (ب): (منهما)، وهو تحريفٌ.

[6] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَبِي).

[7] في النسختين: (تقدَّم)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[8] كذا في النسختين، وهي رواية الحديث (130)، وفتح الغين رواية (عط)، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (على المرأةِ الْغُسْلُ).

[9] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فَبِمَا).

[ج 1 ص 863]

(1/6351)

[حديث: أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس]

3329# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابْنُ سَلاَمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن سلَامٍ؛ بالتخفيف على الصحيح، وفي أوَّل مَرَّةً قدَّمته مُطَوَّلًا، وهنا في نسخة هي في هامش أصلنا مُحَمَّد بن سلام [2]، وكذا تَقَدَّمَ (الْفَزَارِيُّ): أنَّه إبراهيم بن مُحَمَّدٍ أبو إسحاقَ الفزاريُّ، مشهور الترجمة، وتَقَدَّمَ (حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ): أنَّه بضَمِّ الحاء، وفتح الميم، وأنَّه ابن أبي حميدٍ الطويل، ابن تير، ويقال: تيرويه، وتَقَدَّمَ أنَّ جميع ما في الكُتُب السِّتَّة (حُميدٌ عن أنسٍ)؛ فهو هذا الطويل إلَّا في حديثين؛ الأوَّل منهما: في «البُخاريِّ»، و «النَّسائيِّ»؛ وهو: «أخذ الراية زيدٌ فأصيب ... »؛ الحديث، والحديث الثاني: في «البُخاريِّ»: «كأنِّي أنظر إلى غبارٍ ساطعٍ في سكة بني غنمٍ»، وقد قَدَّمْتُ ذلك غَيْرَ مَرَّةٍ، والله أعلم.

قوله: (بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ النَّبيِّ [3] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (عبدَ الله): مَنْصُوبٌ مفعولٌ، و (مَقْدَمُ): مَرْفُوعٌ فاعلٌ، و (عبد الله بن سلَام)؛ بالتخفيف: ابن الحارث الإسرائيليُّ، من بني قينقاع، وهم [4] ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلَّى الله عليهم وسلَّم، كان اسمه في الجاهليَّة الحصين، فسمَّاه عليه الصَّلاة والسَّلام عبدَ الله، وكان حليفًا للأنصار، أسلم في أوَّل قدومه عليه الصَّلاة والسَّلام المدينةَ، ونزل في فضله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10]، ثمَّ قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: 43]، شهد مع عمر [5] فتحَ بيتِ المقدس والجابية، تُوُفِّيَ سنة (43 هـ) بالمدينة المشرَّفة رضي الله عنه.

[ج 1 ص 863]

قوله: (إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ ... )؛ فذكرها، وأوَّلها: أوَّل أشراط الساعة، قال شيخنا: وفي «دلائل النبوَّة» للبيهقيِّ: سأله عن السواد الذي في القمر بدل أشراط الساعة، وفي آخره: لمَّا قالت اليهود في عبد الله بن سلَام ما قالوا، ثانيًا بعد الأوَّل: فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَجَزْنَا الشهادةَ الأولى، وأمَّا هذه؛ فلا»، انتهى.

وقد رأيت حديثًا في السواد الذي في القمر ذكره شيخنا في شرحه في (باب صفة الشمس والقمر بحسبان) قال: وروى عكرمة عن ابن عَبَّاسٍ فيما ذكره الطَّبَريُّ عن مُحَمَّد بن منصورٍ الأيليِّ: حدَّثنا خَلَف بن واصل: حدَّثنا أبو نعيم، عن مقاتل بن حيَّان، عن تكذيب كعبٍ في قوله ... إلى أن قال: ثمَّ حدَّث عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حديثًا فيه: «إنَّ الله لمَّا أبرم خلقه ... »؛ فذكره ... إلى أن قال: «فأرسل جبريلَ، فأَمَرَّ جناحه على وجه القمر وهو يومئذٍ شمسٌ ثلاث مَرَّاتٍ، فطمس عنه الضوء [6]، وبقي فيه النور، والسواد الذي ترونه شبه الخطوط فهو أثر المحو ... » إلى آخره، فالظاهر أنَّ هذه المسؤولُ عنها، والله أعلم.

قوله: (يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ): (يَنزِع): بكسر الزاي، وفتح أوَّله، وعين مهملة، وكذا (يَنْزِعُ) الثانية؛ ومعناه: يُجذَب، و (الولدُ): مَرْفُوعٌ فاعل.

قوله: (آنِفًا): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بالمدِّ والقصر، وقد قُرِئ بهما في السبع؛ ومعناه: الآن والساعة.

قوله: (ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ): يأتي الكلام عليه في (سورة البقرة) في (التفسير) إن شاء الله تعالى.

قوله: (قَوْمٌ بُهُتٌ): هو بضَمِّ الباء والهاء؛ أي: مواجِهون بالباطل، كذا قاله ابن قرقول، وقال ابن الأثير في الهاء: وقد تُسَكَّن تخفيفًا.

قوله: (بَهَتُونِي عِنْدَكَ): أي: قابلوني وواجهوني من الباطل بما يُحَيِّرُني.

قوله: (وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْبَرِنَا [7]): كذا في الأصل الذي سمعت منه على العِرَاقيِّ: (أخبرنا) في الموضعين بالموحَّدة، وكذا رأيته في هامش نسخةٍ هي في [8] أصلنا الدِّمَشْقيِّ، وفي الأصل كما أعرفه يأتي قريبًا [9]، وقد رأيت بعضهم ضبطه بهما؛ بالموحَّدة، وبالمُثَنَّاة، وفي هامش أصلنا نسخةٌ: (وأخيرنا وابن أخيرنا)؛ بالمُثَنَّاة تحت، وهذا الذي أعرفه أنَّه بالمُثَنَّاة تحتُ، ولا خِبْرَةَ لي بـ (أخبرنا وابن أخبرنا)؛ بالموحَّدة، و (أخير): لُغَتُه في التفضيل: أخيرُ وأشرُّ، والمشهور: خيرٌ وشرٌّ، قال ابن قرقول: وعند الأصيليِّ: (وخيرنا وابن خيرنا)؛ بغير همزة وبالياء، وفي نسخة شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ: (وحَبْرنا [10])؛ بالحاء المُهْمَلَة وبالموحدة، وفي الهامش: (وأخيرنا)؛ بالمُثَنَّاة [11] تحت، وكذا (ابن أخيرنا)، والله أعلم.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليه: (مُحَمَّد).

[2] زيد في (ب): (وكذا تَقَدَّمَ في أصلنا مُحَمَّد بن سلام).

[3] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليه: (رسول الله).

[4] في (ب): (وهو)، وهو تحريفٌ.

[5] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[6] في (ب): (الوضوء)، وهو تحريفٌ.

[7] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أخيرنا)؛ بالياء.

[8] (في): سقط من (أ).

[9] (يأتي قريبًا): ليس في (ب).

[10] في (ب): (وحبر).

[11] في (ب): (بالياء المثناة).

(1/6352)

[حديث: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم]

3330# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر المُوَحَّدة، وإسكان الشين المُعْجَمَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ (عَبْدُ اللهِ) هذا: أنَّه عبد الله بن المبارك، وتَقَدَّمَ (مَعْمَرٌ): أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): تَقَدَّمَ أنَّه ابن مُنَبِّه، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ [1] أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): وذلك لأنَّهم خَبَؤوه فَخَنِزَ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر [2] حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحم؛ ما خَنِز اللحم»، وسيأتي قريبًا بتمامه.

قوله: (نَحْوَهُ؛ يَعْنِي: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ ... »)؛ الحديث: اعلم أنَّ الشيخ إذا حدَّث بحديث بإسناد له، وذكر متن الحديث، ثمَّ أتبعه بإسنادٍ آخرَ، وحذف متنه، وأحال به على المتن الأوَّل بقوله: (مثلَهُ) أو (نحوه)؛ فهل لمن سمع ذلك أن يقتصر على السند الثاني، ويسوقَ لفظ حديث السند الأوَّل؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أظهرها: مَنْعُ ذلك، وهو قول شعبة، والثاني: جواز ذلك إذا عُرِف أنَّ الراوي لذلك ضابطٌ مُتَحفِّظ، يذهب [3] إلى تخيير الألفاظ، وعدِّ الحروف، فإن لم يُعرَف ذلك منه؛ لم يجز، حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم، وقال سفيان الثَّوْريُّ: (قال فلان عن فلان) يجزئ، وإذا قال: نحوه؛ فهو حديثٌ، والثالث: أنَّه يجوز في قوله: (مثله)، ولا يجوز في قوله: (نحوه)، وهو قول ابن معين، وعليه يدلُّ كلام الحاكم أبي عبد الله، قال الخطيب: وهذا على مذهب مَن لم يُجِز الرواية على المعنى، وأمَّا على مذهب مَن أجازها؛ فلا فرق بين (مثله) أو (نحوه)، قال الخطيب: وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا؛ يورد الإسناد ويقول: (مثلَ حديثٍ قبلَه متنُه كذا وكذا)، ثمَّ يسوقه، قال: وكذلك إذا كان المحدِّث قد قال: نحوه، وهذا الذي أختاره، انتهى.

وانظر كيف فعل الإمام البُخاريُّ، فإنَّه ساق سند الحديث الثاني الذي أوَّله شيخه بِشْر بن مُحَمَّد، ثمَّ قال: (نحوه)، وساق الحديث المذكور قبل السند الثاني، فقال: (يعني: «لولا [4] بنو إسرائيل ... »)؛ الحديث، وهذا صنيعٌ حسن، والله أعلم.

تنبيهٌ: هل للمحدِّث الذي سمع الحديث بصيغة: (مثله) حذف (مثله)، ويذكر الحديث الذي يريده؟ لم أرَ فيه كلامًا لأحد، وقد رأيت المؤلِّف رحمه الله ذكر في (الزكاة) في (باب أجر المرأة إذا تصدَّقت أو أطعمت ... ) إلى آخر الترجمة قال: حدَّثنا آدم: حدَّثنا شعبة: حدَّثنا منصور والأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ يعني: «إذا تصدقت المرأة من طعام زوجها ... »، فقد ظهر لي أنَّه عمل ذلك كذلك، وحذف (مثله [5])، والحديث المحال عليه هناك [6] مذكور في «الصحيح» قُبَيل هذا الحديث المذكور هناك [7]، وهذا أولى من حذف (نحوه)، وقد تجوَّز البُخاريُّ في الأمرين الحذفَ؛ أعني: حذف (مثله) و (نحوه)، والله أعلم، وقد أشرت إلى المسألة في (الزكاة)، وأحلتها على هذا المكان، ويحتمل أنَّه كذلك رواه البُخاريُّ رحمه الله، وأنَّ هذا التصرُّف من تصرُّف أحدٍ من رواة ذاك الحديث، والله أعلم.

قوله: (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): (يَخنَز): بفتح أوَّله، وبفتح النون، وتُكسَر أيضًا، يقال: خنَز اللحم يخنِز، وخنِز يخنَز: أنتن، ومثله: خَزِن، وخمَّ، وصلَّ، وأخمَّ، وأصلَّ، وأنتن، قاله ابن قرقول.

قوله: (وَلَوْلاَ حَوَّاءُ [8]): هي بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الواو، وبالمدِّ، ولا يجوز قصرها، وهي أمُّ البشر عليها السلام، وقد اختلف العلماء في الوقت الذي خُلِقَت فيه على قولين: قال ابن عَبَّاس وابن مسعود: دخل آدم الجنَّة وحده، فلمَّا استوحش؛ خُلِقت حوَّاء من ضِلَعه، والثاني قاله أبو إسحاق: أنَّها خُلِقَت مِن ضِلَعه _يعني: القُصيرى اليسرى_ قبل دخوله الجنَّة، ثمَّ أُدخِلا الجنَّة جميعًا، وفي «تاريخ ابن عساكر لدمشقَ»: أنَّها سكنت بيت لَهْيَا؛ قرية معروفة بقرب دمشق من الغوطة، وفيه أيضًا بإسناده عن ابن عَبَّاس: سُمِّيَت حوَّاءُ؛ لأنَّها أمُّ كلِّ حيٍّ، وفيه: أنَّ حوَّاء أُهبِطت من الجنَّة بجُدَّة، وفيه عن عثمان بن السياح [9]: بلغني أنَّ حوَّاء وَلَدَت لآدمَ أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وكانت تلد غلامًا وجارية، وعن ابن إسحاق عن الزُّهْرِيِّ وغيره أنَّهم قالوا: وُلِد لآدمَ في الجنَّة هابيلُ وقابيلُ وأختاهما، وقال ابن إسحاق: وبلغني عن غير هؤلاء: أنَّه لم يُولَد لآدم في الجنَّة، فالله أعلم أيُّ ذلك كان؟ وعن محرز بن عبد الله عن ابن المُسَيّب: سمعت عمر بن الخَطَّاب يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «أخبرني جبريل عليه السلام أنَّ الله بعثه إلى أُمِّنا حوَّاءَ حين دَمِيَت، فنادت ربَّها: جاء منِّي دمٌ لا أعرفه، فناداها: لأُدْمِيَنَّكِ وذُرِّيَّتَكِ، ولأجعلنَّه لَكُنَّ كفَّارةً وطَهُورًا»، قال الدَّارَقُطْنيُّ: حديثٌ غريبٌ، انتهى [10].

ويردُّ هذا ما في «الصحيح»: «هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم»، قال البُخاريُّ في (الحيض) من هذا «الصحيح»: وقال بعضهم: كان أوَّل ما أُرسِل الحيضُ على بني إسرائيل، وقول النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أصحُّ؛ يعني: «هذا أمرٌ كتبه على بنات آدم».

فائدةٌ: اختُلِف في نبوَّة حواءَ، والصحيح: أنَّها ليست نبيَّة، وسأذكر ذلك مع غيره في (باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]).

قوله: (لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا [11]): قال القاضي عياض كما نقله النَّوويُّ عنه: معنى الحديث: أنَّها أمُّ بنات آدمَ فأَشْبَهْنَها، ونزع العِرق؛ لما جرى لها في قصَّة الشجرة مع إبليس، فزيَّن لها [12] أكلَ الشجرة، فأغواها، فأخبرت آدمَ بالشجرة، فأكل منها، انتهى.

وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحمَ؛ ما خَنِز اللحم، ولولا حوَّاء خانت آدمَ في

[ج 1 ص 864]

قولها لإبليس؛ ما خانت امرأةٌ زوجَها»، انتهى، وإنَّما ساقه الذَّهَبيُّ إنكارًا عليه، والله أعلم، وأمَّا شيخنا فنقل عن قتادة: أنَّ المنَّ والسلوى كان يسقط على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ كسقوط الثلج، فيُؤخَذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلَّا يوم الجمعة، فإنَّهم يأخذون له وللسبت، فإن تَعَدَّوا به أكثر من ذلك؛ فَسَدَ ما ادَّخروا، فكان ادِّخارهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، انتهى كلام قتادة، وقال بعضهم: لمَّا نزلت المائدة عليهم؛ أُمِروا ألَّا يدَّخروا، فادَّخروا، وقيل: يحتمل أن يكون مِن اعتدائهم في السبت، انتهى.

==========

[1] زيد في (ب): (أبو هريرة).

[2] في (ب): (نظر)، وهو تحريفٌ.

[3] (يذهب): سقط من (ب).

[4] في النسختين: (لا)، والمثبت هو الصواب.

[5] في (ب): (مثل)، وهو تحريف.

[6] في (ب): (ذلك).

[7] (هناك): سقط من (ب).

[8] في هامش (ق): (لأنَّ إبليس زيَّن لها أكل الشجرة فأغواها، فأخبرت آدمَ بالشجرة، فأكل منها).

[9] كتب فوقها في (أ): (كذا، يُحرَّر)، وفي (ب): (الشماح).

[10] (انتهى): ليس في (ب).

[11] زيد في (أ): (الدهر)، وهي ثابتة في رواية الحديث (3399).

[12] (لها): سقط من (ب).

(1/6353)

[حديث: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع]

3331# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ): أمَّا (أبو كريب)؛ فهو مُحَمَّد بن العلاء، تَقَدَّمَ مرارًا، وأمَّا (موسى بن حزام)؛ فبالزاي، ثقةٌ مشهورٌ، داعيةٌ إلى السُّنَّة، ترمذيٌّ، روى عنه البُخاريُّ، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وابن أبي داود، وقد أخرج له البُخاريُّ مقرونًا كما ترى، وقد وثَّقهُ النَّسائيُّ وغيره.

قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ): هذا هو حُسين بن عليِّ بن الوليد الجعفيُّ، عن خاله الحسنِ بنِ الحُرِّ، وجعفر بن بُرقان، والأعمش، وعنه: أحمد، وعبدٌ، وابن الفرات، قال أحمد: ما رأيت أفضل منه ومن سعيد بن عامر، وقال يحيى بن يحيى: إن بَقِيَ أحدٌ من الأبدال؛ فهو، تُوُفِّيَ في ذي القعدة سنة (203 هـ)، وله أربع وثمانون سنة، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ زَائِدَةَ): هذا هو زائدة بن قُدامة، أبو الصلت الثقفيُّ الكوفيُّ الحافظ، تَقَدَّمَ، و (أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ أيضًا، واسمه سلمان.

قوله: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ): يحتمل أنَّ يكون معناه: أوصوا بهنَّ، وقد جاء (استفعل) بمعنى الفعل، ويحتمل أن يكون (استفعل) على أصله؛ وهو طلب الفعل، فيكون معناه: اطلبوا الوصيَّة من المريض بالنساء؛ لأنَّ عائد المريض يُستَحَبُّ له أن يحثَّ المريضَ على الوصيَّة، ذكرهما ابن الجوزيِّ، قاله شيخنا.

قوله: (مِنْ ضِلَعٍ): هو بكسر الضاد المُعْجَمَة، وفتح اللام، ويجوز تسكينها، والضِّلَع التي خُلِقَت منه المرأة _يعني: حوَّاء_ تَقَدَّمَ أنها القُصَيرى، ويقال لها: القُصْرَى، وكانت في الجانب الأيسر، نام آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نومةً [1]، فاستلَّ المَلَك ضِلَعه، فخلق الله منها حوَّاء عليهما السلام، وجُعِل مكانها لحمٌ، وقد قَدَّمْتُ أنَّهم اختلفوا متى خُلِقَت من ضِلَعه، فقيل: قبل دخوله الجنَّة، فدخلاها، وقيل: خُلِقَت في الجنَّة، وينبغي أنَّا إذا قلنا: (نام، فاستلَّ المَلَك ضِلَعه) أن يكون ذلك قبل الدخول للجنَّة، وأمَّا الجنَّة؛ فلا نوم فيها، ويحتمل أن يقال: إنَّ النوم لا يكون فيها في الدار الآخرة إذا دخلها المؤمنون، والله أعلم.

قوله: (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ): ضربه مثالًا على المرأة؛ لأنَّ فيه اللسان، وهو الذي يُبغَى منها، وقيل في قوله تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90]: إنَّه كان في لسانها طولٌ، فأذهب الله ذلك عنها، ولبعضهم نظمُ معنى الحديث:

~…هِيَ الضِّلَعُ العَوْجَاءُ لَسْتَ تُقِيمُهَا…أَلَا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ انْكِسَارُهَا

~…أَتَجْمَعُ ضَعْفًا واقْتِدَارًا عَلَى الفَتَى…أَلَيْسَ عَجِيبًا ضَعْفُهَا واقْتِدَارُهَا؟!

قال شيخنا هنا: «إنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه»؛ يريد: اللسان، قاله الداوديُّ، وهو غريبٌ، انتهى.

قوله: (أَعْلَاهُ): صوابه: أعلاها، وكذا قوله: (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ): صوابه: عوجاء؛ لأنَّ الضِّلَع مؤنَّثة، اللهمَّ إلَّا أن يُقال: إنَّ هذا ليس له فَرْجٌ حقيقيٌّ، ويحتمل عود (أعوج) إلى (أعلى الضِّلَع)، قاله شيخنا بمعناه.

قوله: (تُقِيمُهُ؛ كَسَرْتَهُ): أي: بالطلاق، وكذا في «مسلم»: «وكسرها طلاقها».

==========

[1] في (ب): (عليه السلام يومه).

[ج 1 ص 865]

(1/6354)

[حديث: إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا]

3332# قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود رضي الله عنه.

قوله: (إنَّ [1] خَلْقَ [2] أحَدِكُمْ): (إنَّ)؛ بكسر الهمزة، كذا ضبطه النَّوويُّ في «شرح مسلم»، وفي أصلنا هنا مفتوح الهمزة، والذي ضبطه النَّوويُّ على الحكاية، وقال بعضهم عن أبي البقاء: لا يجوز هنا إلَّا الفتح؛ لأنَّ قبله «حدَّثنا»، ولو جاز الكسر؛ لجاز في قوله تعالى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا} [المؤمنون: 35] الكسرُ، وردَّ القاضي شمس الدين ابنُ الجَونيِّ، وقال: الكسر واجبٌ؛ لأنَّه الرواية، انتهى.

قوله: (مِثْلَ ذَلِكَ): في الموضعين مَنْصُوبٌ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (مُضْغَةً): هي قطعة لحمٍ بقدر ما يُمْضَغ في الفم، وقد تَقَدَّمَت.

قوله: (فَيَكْتُبُ عَمَلَهُ، وَأَجَلَهُ، وَرِزْقَهُ): (يَكتبُ): مَبْنيٌّ للفاعل، و (عملَه): مَنْصُوبٌ مفعول، والباقي معطوف عليه، ويُقرَأ أيضًا: (فيُكتَب [3]): مبنيًّا لِمَا لمَ يُسَمَّ فاعلُه، و (عملُه): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، والباقي [4] معطوف عليه [5].

قوله: (ثُمَّ [6] يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ): (يُنفَخ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الروحُ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.

==========

[1] في هامش (ق): («إنَّ» أيضًا بالكسر، وقد تَقَدَّمَ ذلك فيما مضى في الهامش في هذه الكراسة، وتَقَدَّمَ أنَّ في الهمزة الفتحَ أيضًا).

[2] (خلق): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

[3] (فيكتب): سقط من (ب).

[4] في (ب): (والثاني).

[5] وهي رواية «اليونينيَّة»، والمثبت أوَّلًا موافق لرواية أبي ذرٍّ، وهي في (ق) معًا.

[6] في (ب): (لم)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 865]

(1/6355)

[حديث: إن الله وكل في الرحم ملكًا فيقول: يا رب نطفة]

3333# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عَارم، وتَقَدَّمَ أنَّ معنى (عَارم): الشِّرِّير أو الشَّرِس، وأنَّه كان بعيدًا منها.

قوله: (يَا رَبِّ؛ نُطْفَةً): هو مَنْصُوبٌ مُنَوَّن، وكذا (عَلَقَةً)، وكذا (مُضْغَةً)، وبخطِّ أبي جعفر مَرْفُوعٌ مُنَوَّن في الثلاثة [1]، وإعرابهما ظاهرٌ.

(1/6356)

[حديث: أن الله يقول لأهون أهل النار عذابًا: لو أن لك ما في الأرض.]

3334# قوله: (عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا اسمُه عبدُ الملك بن حبيب، من علماء البصرة.

قوله: (يَرْفَعُهُ): تَقَدَّمَ أنَّ قوله: (يرفعه)، أو (يبلُغُ به)، أو (روايةً)، أو (يَنْميه) مَرْفُوعٌ كلُّه، قال ابن الصلاح: وحكم ذلك عند أهل العلم حكمُ المرفوع صريحًا، والله أعلم.

قوله: (لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا): (أهون) هنا: مجرورٌ بالكسرة؛ لأنَّه أُضِيف، وظاهر الحديث: أنَّ أهونَهم عذابًا أبو طالبٍ؛ أعني: المُخَلَّدِين.

==========

[ج 1 ص 865]

(1/6357)

[حديث: لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها]

3335# قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (غِياثًا) بالغين المُعْجَمَة المكسورة، ثمَّ مُثَنَّاة تحت، وفي آخره ثاء مُثَلَّثَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ القارئ، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.

قوله: (إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ): تَقَدَّمَ اسمه في (الجنائز).

قوله: (كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا): أي: نصيب، وقال الخليل: ضِعْفٌ، يُستَعمَل في الأجر والوِزْرِ، قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: 28]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} [النساء: 85].

قوله: (لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجنائز)، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 865]

(1/6358)

[باب: الأرواح جنود مجندة]

[ج 1 ص 865]

قوله: (بَابٌ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، [فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا؛ ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا؛ اخْتَلَفَ] [1]): أي: جموع مجتَمِعة، وقيل: أجناسٌ مختلفةٌ، قاله ابن قرقول، وفي «النهاية»: مُجَنَّدة؛ أي: مجموعةٌ؛ كما يقال: ألوفٌ مُؤَلَّفةٌ، وقناطيرُ مُقَنْطَرَةٌ؛ ومعناه: الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدُّمِها الأجسادَ؛ أي: أنَّها خُلِقَت أوَّلَ خَلْقِها على قسمين مِن ائتلاف واختلاف؛ كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت؛ ومعنى تقابل الأرواح: ما جعلها عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق، يقول: إنَّ الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا، فتأتلف وتختلف على حسب ما خُلِقَت عليه؛ ولهذا ترى الخيِّر يحبُّ الأخيار ويميلُ إليهم، والشِّرِّير يحبُّ الأشرار ويميلُ إليهم.

==========

[1] ما بين معقوفين هو من لفظ الحديث اللاحق، لا من لفظ الباب.

(1/6359)

[حديث: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف]

3336# قوله: (وَقَالَ [1] اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ مجزومٌ به، و (الليث): هو ابن سعد، و (يحيى بن سعيد): هو الأنصاريُّ، و (عَمْرَةُ): هي بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زرارة، وجدُّها سعد بن زرارة هو أخو أسعد بن زرارة، الأنصاريَّة، وهي من أجلِّ التابعيَّات، هي وحفصةُ بنت سيرين وأمُّ الدرداء الصغرى، وقد قَدَّمْتُ ذلك، وتعليق الليث ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا مَا هُنا، وقال شيخنا: رواه الإسماعيليُّ عن عبد الله بن صالح: حدَّثنا مُحَمَّد بن إسماعيل، وليس بـ «البُخاريِّ»: حدَّثنا عبد الله بن صالح: حدَّثنا الليث به، انتهى.

وعبد الله بن صالح هو كاتب الليث، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه عَلَّقَ له البُخاريُّ، واستشهد به في «الصحيح»، وقيل: إنَّه روى عنه [2] في «الصحيح»، وهذا هو الصحيح على قول المِزِّيِّ، وقد تَقَدَّمَ، ويجيء في (الفتح) في (التفسير)، وسيجيء قريبًا من كلام الإسماعيليِّ: أنَّه ليس من شرط هذا الكتاب، وفيه نظرٌ على ما صحَّحه المِزِّيُّ.

قوله: (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا): (يحيى بن أيُّوب) هذا: ليس هو ابنَ أبي زرعة بن عمرو بن جرير البَجَليَّ الكوفيَّ الذي يروي عن جدِّه، والشعبيِّ، وغيرِهما، وعنه: ابن المبارك، وأبو أسامة، وأبو أحمد الزبيريُّ، ومُحَمَّد بن يوسف الفِرْيَابيُّ، وآخرون، وثَّقهُ أبو داود، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: هو أحبُّ إليَّ من أخيه جرير بن أيُّوب، وإنَّما هو يحيى بن أيُّوب الغافقيُّ، أبو العَبَّاس المصريُّ، مولى بني أُمَيَّة، وأحد علماء مصر، عن جعفر بن ربيعة، وبُكَيْر بن الأَشَجِّ، وسهل بن معاذ الجُهَنِيِّ، ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ، وخلقٍ، وعنه: جرير بن حازم، والليث بن سعد، وابن المبارك، وابن وَهْب، وخلقٌ، قال ابن معين: صالح، وقال مَرَّةً: ثقةٌ، وقال أبو حاتم: محلُّه الصدق، ولا يُحتَجُّ به، وقال النَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، تُوُفِّيَ سنة ثمان وستِّين ومئة، أخرج له الجماعة، له ترجمةٌ في «الميزان»، وتعليقه هذا ليس في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، قال شيخنا ما معناه: أخرجه الإسماعيليُّ من حديث سعيد بن الحكم [3] أبي مريم: حدَّثنا يحيى ... ، فذكره، قال الإسماعيليُّ: ابن صالحٍ ليس من شرط الكتاب، وكذا يحيى بن أيُّوب المصريُّ، وهو عنده ممَّن لا يخرِّجه في هذا الكتاب في الرواية إلَّا استشهادًا، ثمَّ جاء بهذا الحديث، وهما رَوَيَاه مُرسلًا بلا خبر، صارَ أقوى لو ذكرهما، وبنحوه ذكره أبو نعيم، ثمَّ قال: كلتا الروايتين ذَكَرَهُما مرسلًا بلا رواية، وأُراه كان عنده عن أبي صالحٍ عن الليث، فكفَّ عن ذكره، ثمَّ ذكر شيخنا شيئًا طويلًا يتعلَّق بذلك، انتهى.

وقول الإسماعيليِّ عن يحيى بن أيُّوب: (ليس من شرط الكتاب) فيه نظرٌ، فقد أخرج له البُخاريُّ وبقيَّة الأئمَّة السِّتَّة، وقدَّمت أعلاه ما قيل فيه، وأمَّا (ابن صالح)؛ فقد قَدَّمْتُ الكلام؛ هل أخرج له في الأصول، أم لا؟ وأنَّ الصحيحَ عند المِزِّيِّ: أنَّه أَخرَج له، ولا خلاف أنَّه عَلَّقَ له واستشهد به، والله أعلم، وإنَّما أتى بالتعليق الثاني؛ لأنَّ الليث عنعن عن يحيى بن سعيد _وهو الأنصاريُّ_ فأتى بهذا؛ لتصريحه بالتحديث من يحيى، وإن حُوشِيَ الليث من التدليس، إلَّا ليخرج من خلافِ مَن خَالَف.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

[2] في (ب): (إنه بدري)، وهو تحريفٌ.

[3] زيد في النسختين تبعًا لما في «التوضيح» (19/ 291): (بن)، وليس بصحيح.

[ج 1 ص 866]

(1/6360)

[باب قول الله عز وجل: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى [1]: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح: 1]): (نوحٌ) النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2] اسمه أعجميٌّ، والمشهور صرفه، وقيل: يجوز صرفه وعدمه، والآيات [3] والأحاديث في ذكره والثناء عليه معلومةٌ، وهو نوح بن لمَك بن مَتُّوشَلَخ بن أخنُوخ بن يَرْد بن مهلائيل بن قَيْنان بن أنوش [4] بن شيث بن آدم، أرسله الله إلى ولد قابيل ومَن تابعهم من ولد شيث، عاش صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] ألفَ سنةٍ، وأحواله مشهورةٌ، واسمه عبد الغفَّار، قاله السُّهَيليُّ، وقيل: يسكن [6]، وقيل: يشكر [7]، وأمُّه اسمها سمحاء بنت أنوش، وسيأتي أيضًا في النسب الشريف إن شاء الله تعالى.

قوله: ({بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27]: مَا ظَهَرَ لَنَا): {بَادِيَ} هنا [8]: بغير همزٍ، مفتوح الياء؛ لتتَّفق القراءة [9] مع التفسير، وفي {بَادِيَ} قراءتان؛ قرأ أبو عمرو: بهمزة مفتوحة بعد الدال، والباقون: بياء مفتوحة، والتفسير المذكور هنا على قراءة الباقين، لا على قراءة أبي عمرٍو، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: ({أَقْلِعِي} [هود: 44]: أَمْسِكِي): هما بقطع الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: ({الْجُودِيِّ} [هود: 44]: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ): يعني: جزيرة ابن عمر من ناحية المَوْصِل، وجزيرة ابن عمر منسوبةٌ إلى الرئيس عبد العزيز بن عمر البرقعيديِّ الذي [10] بناها، قاله ابن خَلِّكان، وذكر ابن المستوفي مؤرِّخِ (إربل): أنَّ الذي أنشأها أوس وكامل ابنا عُمر بن أوس الثعلبيِّ، وقيل: هي منسوبة إلى أمير العراق يوسفَ بنِ عُمرَ الثقفيِّ، قاله الذَّهَبيُّ في «طبقات الحُفَّاظ» في ترجمة ابن الأثير، والله أعلم.

تنبيهٌ: قال شيخنا مجد الدين في «قاموسه»: والجوديُّ: جبلٌ بالجزيرة استوت عليه سفينة نوح عليه السلام، وجبلٌ بأَجَأَ، انتهى.

(1/6361)

[باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه ... }]

(1/6362)

[حديث: إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه]

3337# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلَة بن أبي رَوَّاد، وأنَّ لقبه عبدان، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد اللهِ) بعده: ابن المبارك، أحد الأعلام، وأنَّ (يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ (الزُّهْرِيَّ): هو مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أحد أعلام الإسلام.

قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ): أشهر من أن يُذكَر، وقد ذكرت فيه بعض كلام، وسأذكره أيضًا في (الفتن) حيث ذكره البُخاريُّ، وقد أحلت فيما مضى الكلامَ فيه على «التذكرة» للقرطبيِّ، فإنَّه أطال فيه.

قوله: أَنْذَرَ (لَقَدْ أَنْذَرَهُ [1] نُوْحٌ قَوْمَهُ): سُئِلتُ: لمَ خصَّ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نوحًا بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ والذي يظهر أنَّ نبيَّنا أنذر أُمَّته بمثل ما أَنذَرَ به نوحٌ قومَه؛ فلهذا خصَّه بالذِّكْرِ وإنْ كان جميع الأنبياء أنذروا قومَهم، لكن لم ينذَروا ويخبَروا بصفته على الكيفيَّة التي ذكرها النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ولم يذكرها كذلك إلَّا نوح؛ فلهذا خصَّه بالذِّكْرِ، وقد زاد عليه الصَّلاة والسَّلام عليهم: بأنَّ الدَّجَّال أعورُ، وأنَّ الله ليس بأعور، فإن قيل: لمَ لمْ يَقُل: إنَّما خصَّه بالذِّكْرِ لطول المُدَّة الماضية عليه؟ فالجواب: أنَّ آدم أقدمُ منه، ولم يخصَّه، وكذا لم يذكر إدريس _على القول بأنَّه خنوخ_ بالذِّكْرِ، وظهر لي جوابٌ آخرُ؛ وهو أنَّ نوحًا أطولُ الرُّسُل في قومهم مكثًا، وإذا كان كذلك؛ فالظاهر تكرار الإنذار منه لقومه بهذه الفتنة العظيمة [2]، ومع هذا المكث الطويل والإنذار الكثير لم يَقُلْ ما قلتُه مِن كونه أعور، وأنَّ الله ليس بأعور، فإنَّ هذه الصفة في غاية الوضوح؛ لأنَّ العَوَر في العين ظاهرٌ لكلِّ مَن يراه، فلم يُحِلْ أمَّتَه على علامةٍ باطنةٍ، ولا على قرينةٍ، ولا صفةٍ خَفِيَّة، بل وصفه بأوضح الصفات، والله أعلم.

قوله: (تَعْلَمُونَ): هو بإسكان العين، وأمَّا (تَعَلَّمُوا)؛ فذاك فيه عملٌ آخرُ؛ بالتشديد في اللام، واتَّفق الرواة عليه؛ بمعنى: اعلموا.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَنْذَرَ).

[2] (العظيمة): ليس في (ب).

[ج 1 ص 866]

(1/6363)

[حديث: ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه]

3338# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دكين، وكذا تَقَدَّمَ (شَيْبَانُ): أنَّه [ابن] عبد الرَّحْمَن، و (يَحْيَى): أنَّه ابن أبي كَثِير، و (أَبُو سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

[ج 1 ص 866]

قوله: (إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ): (إنَّه): بكسر الهمزة في الموضِعَين.

(1/6364)

[حديث: يجيء نوح وأمته فيقول الله تعالى: هل بلغت؟ فيقول: نعم]

3339# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ [1]، وقد تَقَدَّمَت [2] ترجمته، والكلام على نسبته، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ)، وأنَّه سليمان بن مِهْرَان الكاهليُّ، وتَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه ذكوان الزيَّاتُ السَّمَّان، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيْدٍ): أنَّه سعد [3] بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ رضي الله عنه.

(1/6365)

[حديث: أنا سيد القوم يوم القيامة]

3340# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد المُثَنَّاة تحت [1]، واسمه يحيى بن سعيد بن حَيَّان، وجدُّه [2] ككنيته، يروي عن أبي زرعة والشعبيِّ، وعنه: يحيى بن سعيد القَطَّان وأبو أسامة، مات سنة (145 هـ)، إمامٌ ثبت، أخرج له الجماعة.

قوله: (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه اسمه هرم، وقبل ذلك، ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ.

قوله: (فِي دَعْوَةٍ): هي بفتح الدال: الطعام المدعوُّ إليه، ودِعوة النَّسَب: بالكسر، كذا لكافَّة العرب إلَّا عديَّ الرِّباب _بكسر الراء_ فإنَّهم يعكسون الأمر، فيكسرون دِعوة الطعام، وتفتح في النسب.

قوله: (فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ): (الذراع): يؤنَّث ويُذَكَّر، وجاء هنا: (فرُفِعَ) على التذكير، وأيضًا لو لم يجز إلَّا التأنيث؛ لكان هذا جائزًا؛ لأنَّ الفعل تَقَدَّمَ، وليس للمذكور فَرْجٌ حقيقيٌّ، والله أعلم.

قوله: (فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً): هما بالسين المُهْمَلَة، والمُعْجَمَة [3] للأصيليِّ، ومعناهما واحدٌ، وقيل: بالمُهْمَلَة: الأخذ بأطراف الأسنان، وبالمُعْجَمَة: بالأضراس، وقال الخَطَّابيُّ بالعكس، وقال ثعلبٌ: النهس: سرعة الأكل.

قوله: (بِمَ [4]؟ يَجْمَعُ): كذا في هامش أصلنا، وعليها علامة راويها، وفي الأصل (بمَن)، ولها وجهٌ؛ وهو أن يكون على الاستفهام، والله أعلم.

قوله: (فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ): (الصَّعيد): وجه الأرض.

قوله: (فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ): (يُبصِرهم): بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه رُباعيٌّ، و (الناظرُ): مَرْفُوعٌ فاعلٌ، والضمير في (يبصرهم): مفعول.

قوله: (وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي): (يُسمعهم): بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ أيضًا، و (الداعي): فاعلٌ، والضمير في (يُسمعهم): مفعولٌ.

قوله: (أَلَا تَرَوْنَ): هي التي للاستفتاح، بفتح الهمزة، وتخفيف اللام.

قوله: (إِلَى مَا بَلَغَكُمْ): الظاهر أنَّه يجيء فيه ما يأتي [في]: (وَمَا بَلَغَنَا).

قوله: (وَمَا بَلَغَنَا): هو بفتح الغين، هذا هو الصحيح، وكذا هو مضبوطٌ في أصلنا بالقلم ليس غير، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: وضبطه بعض المُتَأخِّرين بالفتح والسكون، وله وجهٌ، لكنَّ الصحيح ما تَقَدَّمَ؛ يعني: الفتح.

قوله: (وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ): (الشجرة): هي المذكورة في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35]؛ أي: الضَّارِّين بأنفسكم، و (الظلم [5]): وضع الشيء في غير موضعه، وهي شجرة الكَرْم، وقيل: السنبلة، وقيل: شجرة العلم، عليها معلوم الله من كلِّ لون وطعم، وقال شيخنا: ذكر الماورديُّ: أنَّها البُرُّ [6]، وقيل: التين، وقيل: الكافور، وقيل: الكَرْم، وقيل: العلم؛ وهو علم كلِّ شيء، وقيل: ما لم يُعلَم، وقيل: شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة، انتهى، وقوله: (تأكل منها الملائكة) فيه وقفةٌ، وقد قَدَّمْتُ ذلك _والله أعلم_ في (ذكر الملائكة).

قوله: (فَعَصَيْتُهُ): اعلم أنَّه اختَلَف العلماءُ؛ هل وقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين [7] بعد النبوَّة صغائرُ الذنوب يؤاخَذُون بها، ويعاتَبون عليها، ويُشفِقُون على أنفسهم منها، أم لا؟ بعد اتِّفاقهم على أنَّهم معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي تُزرِي بفاعلها، وتحطُّ منزلته، وتُسقِط مروءَته، إجماعًا عند القاضي أبي بكر، وعند الأستاذ أبي بكر: أنَّ [8] ذلك مقتضى دليل المعجزة، وعند المعتزلة: أنَّ ذلك مقتضى دليل العقل، على أصولهم، وقال الطَّبَريُّ وغيره من الفقهاء والمتكلِّمين والمحدِّثين: تقع الصغائر منهم، خلافًا للرافضة؛ حيث قالوا: إنَّهم معصومون من جميع ذلك كلِّه، واحتجُّوا بما وقع من ذلك في التنزيل، وثبت من تنصُّلهم من ذلك في الحديث، وهذا ظاهِرٌ لا خفاء به، وقال جمهورٌ من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشَّافِعيِّ: إنَّهم معصومون من الصغائر كلِّها؛ كعصمتهم من الكبائر أجمعِها؛ لأنَّا أُمِرنا باتِّباعهم في أفعالهم وأقوالهم وآثارهم وسيَرهم أمرًا مطلقًا من غير التزام قرينةٍ، فلو جوَّزنا عليهم الصغائرَ؛ لم يمكن الاقتداءُ بهم؛ إذ [9] ليس كلُّ فعلٍ مِن أفعالهم يتميَّز بقصده من القربة، والإباحة والحظر، أو المعصية، ولا يصحُّ أن يُؤمَر المرءُ بامتثال أمرٍ لعلَّه معصيةٌ، لا سيَّما مَن يرى تَقَدُّمَ الفعل على القول إذا تعارضا مِن الأصوليِّين.

قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراينيُّ: واختلفوا في الصغائر، والذي عليه الأكثرون: أنَّ ذلك غير جائز عليهم، وصار بعضهم إلى تجويزها، ولا أصل لهذه المقالة، وقال بعض المُتَأخِّرين ممَّن ذهب إلى القول الأوَّل: والذي ينبغي أن يُقال أنَّ الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بها عن أنفسهم، وتنصَّلوا منها [10]، واستغفروا منها، وكلُّ ذلك ورد في مواضعَ كثيرةٍ لا تقبل التأويل جملتُها وإن قبل ذلك آحادها، وكلُّ ذلك ممَّا لا يزري بمناصبهم، وإنَّما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي إلى غيرهم حسنات، وفي حقِّهم غيرُ ذلك بالنسبة إلى مناصبهم وعلوِّ أقدارهم؛ إذ [11] قد يُؤاخَذ الوزير بما يُثَاب عليه السائس، فأشفَقُوا من ذلك في موقف القيامة مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة، وقال: هذا هو الحقُّ، ولقد أحسن الجُنَيد رحمة الله عليه [12] حيث قال: حسنات الأبرار سيِّئات المُقَرَّبين، فهم صلى الله عليهم وسلم [13] وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع شيءٍ منهم؛ فلم يُخِلَّ ذلك بمناصبهم، ولا قَدَحَ في رُتَبِهم [14]، بل قد تلافاهم، واجتباهم [15]، وهداهم، ومدحهم، وزكَّاهم، واختارهم، واصطفاهم، صلوات الله وسلامه عليهم، والذي ينبغي أن يُعتَقدَ [16]: أنَّهم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوَّة وبعدها، وأنَّ ما ورد في ظاهر القرآن أو السُّنَّة كلُّه [17] قد أُجِيب عنه، وكان الأَولى والأحسنُ بنا الكفَّ [18] عن الكلام والخوضِ في هذه المسألة، والله [19] المُوَفِّق.

تنبيهٌ: هذا القول في الشفاعة العظمى في إراحة الناس إلى الحساب، وإلَّا؛ فقد جاء أنَّ الله عزَّ وجلَّ يُشَفِّع آدمَ يوم القيامة في ذرِّيته في مئةِ ألفِ ألفٍ وعَشَرة آلافِ ألفٍ؛ كما رواه الطَّبَرانيُّ من حديث أنسٍ بإسناد ضعيف، والله أعلم، وقد ذكره الذَّهَبيُّ [20] في «ميزانه» في ترجمة يزيد بن أبان الرَّقاشيِّ، قال الذَّهَبيُّ: لا نعرف هذا إلَّا عند التَّبُوذكيِّ _يعني: موسى بن إسماعيل_: حدَّثنا نوح بن [21] قيس عن يزيدَ الرَّقاشيِّ، عن أنسٍ مرفوعًا ... ؛ فذكره، انتهى.

قوله: (أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ [22] الأَرْضِ): قال المازريُّ: قد ذكر المؤرِّخون أنَّ إدريسَ جدُّ نوحٍ، فإن قام دليلٌ على أنَّ إدريسَ أُرسِل أيضًا؛ لم يصحَّ قولُ النسَّابين: إنَّه قبل نوح؛ لإخبار النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن آدم أنَّ نوحًا أوَّلُ رسول بعثه الله، وإن لم يَقُمْ دليلٌ؛ جازَ ما قالوه، وصحَّ أن يُحمَل أنَّ إدريسَ كان نبيًّا غيرَ مُرسَل، قال القاضي عياض: وقد قيل: إنَّ إدريس هو إلياس، وإنَّه كان نبيًّا في بني إسرائيل_كما جاء في بعض الأخبار_ مع يوشع بن نون، فإن كان هكذا؛ سقط الاعتراض، وبمثل هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى مَن معهما وإن كانا رسولين، فإنَّ آدم إنَّما أُرسِل لبنيه، ولم يكونوا كُفَّارًا، بل أُمِرَ بتبليغهم الإيمان وطاعةَ الله، وكذلك خَلَفَه شيث بعده فيهم، بخلاف رسالة نوحٍ إلى كُفَّار أهل الأرض، قال القاضي: وقد رأيت أبا الحسن بن بَطَّالٍ ذهب إلى أنَّ آدم ليس برسول؛ ليسلم من هذا الاعتراض، وحديث أبي ذرٍّ الطويل ينصُّ على أنَّ آدمَ وإدريسَ رسولان، هذا آخر كلام القاضي، وحديث أبي ذرٍّ المشار إليه قال شيخنا: أخرجه بطوله ابن حِبَّانَ، انتهى، وقد تَقَدَّمَ ذلك في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ): إن قيل: كم مقدار هذه السجدة؟ فالجواب: أنَّها مقدار جمعة، كذا في «مسند أحمد» من حديث أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، ولفظه: (فيخرُّ ساجدًا قدر جمعة، [ويقول الله عزَّ وجلَّ: ارفع رأسك، وقُلْ؛ يُسمَع، واشفَعْ؛ تُشفَّع، قال: فيرفع رأسه، فإذا نظر إلى ربِّه عزَّ وجلَّ؛ خرَّ ساجدًا قدر جمعة أخرى] [23]، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ارفعْ رأسك، وقُلْ؛ يُسمَع، واشفَعْ؛ تُشفَّع، فيذهب ليقع ساجدًا، فيأخذ جبريل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [24] بضَبْعَيه، فيفتح الله عليه من الدعاء ما لم يفتحه على بشرٍ ... )؛ الحديث، ففي هذا الحديث: أنَّ مقدار السجدة الأولى والثانية كلُّ واحدةٍ مقدار جمعة، وقد جاء في بعض الأجزاء زيادة؛ وهو: مقدار كلِّ يوم مقدارُ عشر سنين، وسأذكره بعد هذا، وأمَّا الثالثة؛ فلا أحفظ في مقدارها شيئًا، وخُذْ ما ذكرتُ لك هيِّنًا [25]، وقد قال لي الإمام الحافظ زين الدين عمر القرشيُّ الدِّمَشْقيُّ يعرِّض ببعض الكبار أن يُمتَحَن بمقدار هذه السجدة، ولم يذكر مقدارها لي القرشيُّ، وإنَّما رأيتها أنا في «المسند»، والله أعلم.

==========

[1] (تحت): ليس في (ب).

[2] في (أ) مضبوطًا: (كجدُّه)! وفي (ب): (بجده)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[3] في (ب): (وبالمعجمة).

[4] كذا في النسختين، وهي رواية الكشميهني وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (بمن).

[5] في (ب): (والضُّر).

[6] في (ب): (البرد)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).

[8] في (أ): (أتى)، وهو تحريفٌ.

[9] (إذ): سقط من (ب).

[10] في (ب): (بها).

[11] في (ب): (أو)، وهو تحريفٌ.

[12] في (ب): (رحمه الله).

[13] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).

[14] في (ب): (ولا يقدح في رتبتهم).

[15] في (ب): (واختارهم).

[16] في (ب): (نعتقد).

[17] (كله): ليس في (ب).

[18] في (ب): (والأحسن بالكف).

[19] زيد في (ب): (أعلم وهو).

[20] (الذهبي): سقط من (ب).

[21] في (ب): (عن)، وهو تحريفٌ.

[22] (أهل): سقط من (ب).

[23] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[24] في (ب): (عليه السلام).

[25] في (ق): (هنا).

[ج 1 ص 867]

(1/6366)

[حديث: أن رسول الله قرأ: {فهل من مدكر}]

3341# قوله: (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا [1] أَبُو أَحْمَدَ): (أبو أحمد) هذا: هو مُحَمَّد بن عبد الله بن الزُّبَير بن عمر بن درهم الزبيريُّ، [الأسديُّ] مولاهم، وليس من [2] ولد الزُّبَير بن العَوَّام، وقد تَقَدَّمَ، وله ترجمة في «الميزان».

تنبيهٌ: وقع في أصلنا تحت (أبي أحمد) ما لفظه: (الزُّبَير بن عمر بن درهم [3])، انتهى، وفي ذلك نظرٌ، إنَّما اسمه مُحَمَّد بن عبد الله، كما ذكرت لك نَسَبَه، والله أعلم.

قوله: (عَنْ سُفْيَانَ): الظاهر أنَّه سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريُّ؛ وذلك لأنَّ الحافظ عَبْد الغَنيِّ في «الكمال» والذَّهَبيَّ في «التذهيب» لم يذكرا في ترجمة الزبيريِّ روايته عن ابن عُيَيْنَة، إنَّما ذكرا في ترجمته الثَّوْريَّ، و (أَبُو إِسْحَاق): عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، روى عنه السفيانان، وقد تَقَدَّمَ [4] مرارًا، و (الأَسْوَد بْن يَزِيدَ): هو [5] النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ) بعده: هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.

قوله: (مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ): يعني: بالدال المُهْمَلَة، وفيها قراءة شاذَّة سأذكرها في (التفسير) في (القمر).

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا)، وزيد قبلها في «اليونينية» وهامش (ق): (بن نصر)، وهي ساقطة من رواية أبي ذرٍّ.

[2] في (ب): (وليس مولًى، بل)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (إبراهيم)، وهو تحريفٌ.

[4] زيد في (ب): (قريبًا وبعيدًا).

[5] في (ب): (والأسود هو ابن يزيد).

[ج 1 ص 867]

(1/6367)

[باب: {وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون ... }]

[ج 1 ص 867]

قوله: (بَابُ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 123]): {إِلْيَاسَ}: قرأه [1] الجمهور بتحقيق الهمزة المكسورة، وعن ابن ذكوان وصلُها، وهو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون، وقيل: هو إدريس، وقد نقل ذلك البُخاريُّ هنا عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، ولو ترجَّح عند البُخاريِّ أنَّه ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون؛ لم يذكره هنا قبل إبراهيم وغيره [2]، ولكنَّه لمَّا احتمل عنده أن يكون إدريس، واحتمل أن يكون آخرَ في حدود وقته؛ ذكره قُبَيل إدريس، وعقَّبه بما ذكره عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، والذي يظهر من حال البُخاريِّ اختيارُ أنَّه إدريس، والله أعلم، وقال شيخنا عن ابن التين عن ابن عَبَّاس [3]: إنَّ إدريس هو اليسع، انتهى.

أُرسِل إلياسُ إلى بَعْلَبَك؛ مدينة، و (بك): اسمُ صنمٍ، و (البعل): الربُّ.

تنبيهٌ: ذكر شيخنا عن الحاكم حديثًا صحَّح إسنادَه الحاكمُ عن أنس: أنَّ إلياس اجتمع مع النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في بعض السَّفرات، قال شيخنا: وخالفه ابن الجوزيِّ في تصحيحه، انتهى، بل ذكره في «موضوعاته»، ثمَّ قال في آخره: هذا حديثٌ موضوعٌ لا أصل له، ويزيد المَوْصِليُّ وأبو إسحاقَ الجُرشيُّ لا يُعرَفان، وقد روى أبو بكر النَّقَّاش: أنَّ مُحَمَّد بن إسماعيل البُخاريَّ سُئِل عن الخضر وإلياس؛ هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لا يبقى على رأس مئة سنة ممَّن هو على ظهر الأرض أحد»؟! انتهى.

ويزيدُ المَوْصِليُّ: هو يزيد بن يزيد [4] الموصليُّ التيميُّ مولاهم، كذا في سند الحديث المذكور، وأبو إسحاق الجُرشيُّ رواه عن الأوزاعيِّ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ يزيدَ بن يزيد في «ميزانه»، فقال: يزيد بن يزيد البلويُّ الموصليُّ، عن أبي إسحاق الفزاريِّ بحديثٍ باطلٍ، خرَّجه الحاكم في «مستدركه» فقال: حدَّثنا أحمد بن سعيد المعْدانيُّ ببخارى: حدَّثنا عبد الله بن محمود: حدَّثنا عبدان بن سيَّار: حدَّثنا أحمد بن عبد الله البرقيُّ: حدَّثنا يزيد بن يزيد البلويُّ: حدَّثنا أبو إسحاق الفزاريُّ عن الأوزاعيِّ، عن مكحول، عن أنس ... ؛ فذكره، قال الإمام الذَّهَبيُّ عَقِيبه: فما استحيا [5] الحاكم من الله يصحِّح مثلَ هذا! انتهى.

وقد رأيت هذا الحديثَ في «المستدرك» في (دلائل النبوة)، قال الذَّهَبيُّ عقيبه في «تلخيصه»: (وقول الحاكم: «صحيح الإسناد»، بل موضوعٌ، قبَّح الله مَن وضعه، وما كنت أحسب ولا أجوِّز أنَّ الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحِّح هذا)، ثمَّ ساق الذَّهَبيُّ سنده إلى يزيد البلويِّ، ثمَّ [6] قال: فإمَّا هذا افتراه، وإمَّا [7] ابن سيَّار، انتهى.

وقد ذُكِرَ الخضرُ وإلياسُ أنَّهما رويا عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حديث: «مَن كذب عليَّ ... »، رواه ابن الصلاح في بعض تخاريجه، قال الذَّهَبيُّ: وهو حديثٌ باطلٌ، وقد ذكر هذا الحديثَ المشارَ إليه في «ميزانه» في ترجمة مُحَمَّد بن عبد الله بن الخَيَّام، ثمَّ قال: قال ابن الصلاح: هذا وقع لنا في نسخة من حديث الخضر وإلياس، قال الذَّهَبيُّ: ولا أدري مَن وضعها، انتهى.

قوله: (يُذْكَرُ بِخَيْرٍ): (يُذكَر) [8]: مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ): مَبْنيٌّ أيضًا لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

==========

[1] في (ب): (قراءة).

[2] في (ب): (ولا غيره).

[3] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[4] في (ب): (بريد)، وهو تصحيفٌ.

[5] في (ب): (استحى).

[6] (ثم): ليس في (ب).

[7] في (ب): (وإنما)، وهو تحريفٌ.

[8] (بخير يذكر): سقط من (ب).

(1/6368)

[باب ذكر إدريس عليه السلام]

قوله: (بَابُ ذِكْرِ إِدْرِيسَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه هل هو أبٌ للنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أم لا [1]، في أوَّل هذا التعليق، وفي ظاهر هذه الورقة [2]، وفي حديث الإسراء؛ فراجعه، وتَقَدَّمَ أعلاه الكلام على (إلياس) في أنَّه إدريس، ولو كان عند البُخاريِّ أنَّ إدريس في النسب الشريف؛ لذكره قبل نوح، والله أعلم.

==========

[1] (لا): سقط من (ب).

[2] في (ب): (التعليق، وفي الورقة التي قبل هذه).

[ج 1 ص 868]

(1/6369)

[حديث: فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل]

3342# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا انَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وأنَّ لقبه عَبدان، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد اللهِ) بعده: هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (ح): تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابةً ونطقًا في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (كَانَ أَبُو ذَرٍّ [2] يُحَدِّثُ): تَقَدَّمَ الكلام على (أبي ذرٍّ)، وأنَّه جُندب بن جُنادة، وقيل غير ذلك، وبعض ترجمته، وسيأتي.

قوله: (وَأَنَا بِمَكَّةَ): هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا إلَّا ما ذكرت لك عن تفسير ابن عبد السلام العلامة عزِّ الدين في «تفسيره الصغير» في (سورة سبحان)، ولعلَّه سبق قلم، والله أعلم.

قوله: (ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ): تَقَدَّمَ الكلام بِلُغَاتِه في حديث الإسراء في أوَّل (الصلاة)، وكذا (مِنْ ذَهَبٍ)، وكذا (مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا)، وذكرت ما استنبطه بعضهم من قوله: (من ذهب)، وهو استنباطٌ حسنٌ، وقدَّمت سؤالًا وجوابه [3] في أنَّ الحكمة والإيمان ليسا بجسم [4]، وكذا قوله: (لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ)، تَقَدَّمَ أنَّ اسمه إسماعيل، وعزوت ذلك للكتاب الذي هو فيه، وكذا ذكرت: (أُرْسِلَ إِلَيْهِ) ما معناه، وكذا (الأَسْوِدَة)، وكذا (النَّسَمُ)، وكذا ذكرت في حديث الإسراء في أوَّل (الصلاة) الحكمةَ في اختصاص هؤلاء الأنبياء المذكورين برؤيته عليه الصَّلاة والسَّلام دون غيرهم، وذكرت اختصاص كلِّ سماء بذلك النَّبيِّ الذي هو فيها من عند السُّهَيليِّ؛ فانظره.

قوله: (وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ): (يُثبِت): بضَمِّ أوَّله، وكسر المُوَحَّدة.

قوله: (وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ): كذا هنا، وسيأتي الكلام على ذلك مع ذكر موسى في السابعة آخر «الصحيح».

قوله: (فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ؛ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه وجوابه، وأنَّه جاء في بعض طرقه: (والابن الصالح).

قوله: (ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى ... ) إلى أن قال: (ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى): المعروف المشهور أنَّ عيسى في الثانية، وكذا يحيى، كما سلف في الحديث [5].

قوله: (قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ): تَقَدَّمَ في (الصلاة) أنَّه أبو بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، وتَقَدَّمَ الخلاف في اسمه، وقائل ذلك هو الزُّهْرِيُّ، كما تَقَدَّمَ في (الصلاة).

قوله: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ): تَقَدَّمَ الكلام على رواية أبي بكر ابن حزم عن ابن عَبَّاس في (الصلاة)، وأنَّها ممكنة.

قوله: (وَأَبَا حَبَّةَ [6]): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوَّل (الصلاة) في (الإسراء) أنَّ رواية ابن حزم عن أبي حبَّة لا شكَّ في عدم اتِّصالها؛ لأنَّ أبا حبَّة قُتِل يوم أُحُد، وكانت في الثالثة، وأبو بكر تُوُفِّيَ سنة عشرين ومئة، وهو ابن أربع وثمانين سنة، فيما ذكر غير واحد من العلماء، وسيأتي بعضُ هذا قريبًا من كلام الدِّمْيَاطيِّ حيث ذكره، فإنَّه لم يذكره هنا، بل بُعَيده، وذكرت هناك في (الصلاة) في (أبي حبَّة) ثلاثةَ ضُبُوطٍ، وذكرت الخلاف في اسمه؛ فانظره.

[ج 1 ص 868]

قوله: (حَتَّى ظَهَرْتُ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: علوتُ، وكذا تَقَدَّمَ (لِمُسْتَوًى)؛ وهو الصعيد والمكان العالي، وتَقَدَّمَ ضبطه، وكذا (صَرِيفَ الأَقْلاَمِ) تَقَدَّمَ.

قوله: (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة) في (الإسراء)؛ فانظره، وأنَّ قائله هو الزُّهْرِيُّ، وأنَّ (أنسًا) مَرْفُوعٌ على ما يظهر، والله أعلم، وقد قال الدِّمْيَاطيُّ هنا ما لفظه: (ابن حزم: هو أبو بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، قاضي المدينة زمانَ الوليد وأميرُها من سليمان وابن عمِّه عمر، مات سنة (120 هـ) [7]، وقد بلغ (84) سنة، قُتِلَ أبوه يوم الحَرَّة، ورواية أبي بكرٍ عن أبي حبَّة بن ثابت منقطعة؛ لأنَّه قُتِلَ يوم أحُد)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ ذلك في غضون كلامي بزيادةٍ في حديث الإسراء في (الصلاة) من هذا التعليق.

قوله: (فَرَجَعْتُ [8] حَتَّى أَمُرّ): يجوز في (أمرّ) النصب والرفع، وهما ظاهران.

قوله: (مَا الَّذِي فرضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟): (فرض): مَبْنيٌّ للفاعل وللمفعول، وكذا التي بعدها، وعلى البناء لِمَا لمْ يُسَمَّ فاعله في نسخةٍ: (خمسون)؛ بالرفع، وهو نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (فَوَضَعَ شَطْرَهَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة)، وأنَّ المراد بـ (الشطر): الجزء، وبذلك يُجمَع بين الأحاديث.

قوله: (فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهُنَّ [9] خَمْسُونَ، لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ): في هذا نظرٌ، والذي يظهر أنَّما أمره بالمراجعة قبل الخمس، وقبل قوله: (لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)، وكيف يكون هذا؟! اللهمَّ إلَّا أن يكون موسى لم يعلم بقوله تعالى: (لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ)، والله أعلم، وسيأتي بأطولَ من [10] هذا مع غيره، وتَقَدَّمَ في كلامي أنَّه جاء في روايةٍ: أنَّه قاله بعد العلم بقوله: (لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ).

قوله: (حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وما الحكمة في أنَّها سدرة، في (الصلاة) في (الإسراء).

قوله: (جَنَابِذُ): تَقَدَّمَ الكلام عليها [11] في (الصلاة)، وأنَّ هذه هي الصواب، لا (حبائل) التي وقعت هناك، والله أعلم.

(1/6370)

[باب قول الله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله}]

قوله: ({وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65]): قال ابن هشام: هودٌ: اسمه عابر _وقيل: عيبر_ ابن أرفخشذ _ويقال: الفخشذ_ ابن سام بن نوح، وقال قتادة فيما ذكره عَبْد بن حُمَيدٍ: كانت عادٌ أحياء باليمن أهل رملٍ مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشحر، وقال ابن قُتَيْبَة: هود هو عبد الله بن رياح بن محارب بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكان أشبهَ ولد آدم بآدم خلا يوسف، وكانت عليه ثلاثة عشر قبيلةً ينزلون الرمل، وبلادهم أخصب بلاد، وبلادهم بالدَّوِّ، والدهناء، وعالج، ويَبْرين، ووبار، وعُمَان إلى حضرموت، إلى اليمن، فلمَّا سخط الله عليهم؛ جعلها مفاوزَ وغيطانًا، فلمَّا هلكوا؛ لحق هود بمكَّة حتى تُوُفِّيَ بها، نقله شيخنا.

قوله: ({إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} [الأحقاف: 21]): (الأحقاف) في اللغة: جمع (حِقْفٍ)؛ وهو المعوجُّ من الرمل، ويُجمَع أيضًا على حِقاف، و (الأحقاف): ديار عاد، وقال بعضهم: (الأحقاف): جمع «حِقْفٍ»، وقيل: جمع «حِقاف»؛ الذي هو جمع «حِقْف»؛ وهو ما اعوجَّ من الرمل وعَظُم كهيئة الجبال، وهي منازلهم برمالٍ مشرفة بالشَّحَر من اليمن، وقيل: جبال بالشام، وقيل: وادٍ بين عُمَان ومُهْرة، وقيل: بين عُمَان وحضرموت، وعن عليٍّ رضي الله عنه: شرُّ وادٍ بين الناس وادي الأحقاف، ووادٍ بحضرموت يُدعَى برهوت، تُلقَى فيه أرواح الكفَّار، وخيرُ وادٍ بمكَّة، ووادٍ نزل به آدم عليه السلام بأرض الهند.

قوله: (فِيهِ: عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أمَّا حديث عطاء _وهو ابن أبي رَباح المَكِّيُّ_ عن عائشة؛ فسبق في (بَدء الخلق) مسندًا: (كان النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا رأى مخيلة في السماء ... )؛ الحديث، وأمَّا حديث سليمان _وهو ابن يسار_ عن عائشة؛ هو ما يذكره في (تفسير سورة الأحقاف) مسندًا [1] عنه عنها، وفي (الأدب) أيضًا، لكن لا يذكر الريح وعاد، بل أصل الحديث، والله أعلم.

==========

[1] (مسندًا): ليس في (ب).

[ج 1 ص 869]

(1/6371)

[باب قول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر}]

(1/6372)

[حديث: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.]

3343# قوله: (عَنِ الْحَكَمِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن عتيبة [1] القاضي، وقدَّمت فيه غلطًا للبخاريِّ؛ فانظره.

قوله: (نُصِرْتُ بِالصَّبَا): (نُصِرت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (وَأُهْلِكَتْ): مَبْنيٌّ مثله، و (عَادٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (الصَّبا): بالقصر، وفتح الصاد، تَقَدَّمَ الكلام عليها، وكذا على (الدَّبُورِ)، وأنَّه بفتح الدال المُهْمَلَة، وتخفيف الباء المُوَحَّدة، والأُولى: الريح الشرقيَّة، ونُصِر بها في الخندق، والدَّبُور: الريح الغربيَّة.

==========

[1] في (ب): (عتبة)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 869]

(1/6373)

[حديث: من يطع الله إذا عصيت أيأمنني الله على أهل الأرض ... ]

3344# قوله: (وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): أمَّا (ابن كثير)؛ فقد طرَّف هذا الحديثَ المِزِّيُّ [1] فقال: البُخاريُّ في (التفسير)، وفي (أحاديث الأنبياء) _يعني: هذا المكان_ عن مُحَمَّد بن كَثِير، وفي (التفسير) مختصرًا، وفي (التوحيد) بتمامه عن قَبِيصة بن عقبة، وفي (التوحيد) عن إسحاق ابن نصر، عن عبد الرَّزَّاق؛ ثلاثتهم عن سفيان بن سعيد بن مسروق الثَّوْريِّّ عن أبيه، وفي (المغازي) عن قُتَيْبَة، عن عبد الواحد بن زياد، عن عمارة بن القعقاع بن شُبْرُمة؛ كلاهما _يعني: سعيد بن مسروق وعُمارة_ عنه _يعني: عن عبد الرَّحْمَن بن أبي نُعْم أبي الحكم البَجَليِّ الكوفيِّ_ عن أبي سعيد، وأخرجه أيضًا مسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.

وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان) وفلانٌ المسنَدُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛ أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وهذا (مُحَمَّد بن كَثِير) بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، العبديُّ البصريُّ، تَقَدَّمَ، لا مُحَمَّد بن كَثِير الصنعانيُّ، هذا الثاني ليس له شيء في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، إنَّما روى له أبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وقد اختُلِط بأَخَرة [2]، وكونُ الراوي عنه البُخاريُّ هنا مُحَمَّدَ بن كَثِير عزاه شيخنا لأبي نعيم في «مستخرجه»، و (سفيان): تَقَدَّمَ في كلام المِزِّيِّ [3] أنَّه الثَّوْريُّ، و (ابن أبي نُعْم [4]): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه عبد الرَّحْمَن بن أبي نُعْم، وهو البَجَليُّ، أبو الحكم الكوفيُّ، مشهور الترجمة، و (أبو سعيد): سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.

قوله: (بِذُهَيْبَةٍ): هي تصغير (ذهب)، وأدخل الهاء فيها؛ لأنَّ الذهب يؤنَّث، والمؤنَّث الثلاثيُّ إذا صُغِّر؛ أُلحِق في تصغيره الهاء؛ نحو قوله: قُوَيسة وشُمَيسة، وقيل: هو تصغير (ذهب) على نيَّة القطعة منه، فصغَّرها على لفظها، قاله ابن الأثير.

قوله: (فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ [5]: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (عُيَيْنَة)، وكذا (زَيْدٍ) الخيل، وأمَّا (عَلْقَمَة بْن عُلَاثَةَ)؛ فـ (عُلَاثة): بضَمِّ العين المُهْمَلَة، وتخفيف اللام، ثمَّ ثاء مُثَلَّثَة بعد الألف [6]، ثمَّ تاء التأنيث، وهو علقمة بن عُلَاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامريُّ الكلابيُّ، من الأشراف، ومن المؤلَّفة قلوبهم، وقد ذكرتهم، وذكرته فيهم فيما تَقَدَّمَ، ثمَّ ارتدَّ حين عاد النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الطائف، عاد إلى قومه بعد وفاته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأرسل إليه أبو بكر سريَّة فانهزم، ثمَّ أسلم وحَسُن إسلامه، واستعمله عمر رضي الله عنه على حوران، فمات بها.

قوله: (يُعْطِي صَنَادِيدَ): (الصناديد): السادات الشجعان، جمع (صِنديد).

قوله: (فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ): هذا الرجل هو ذو الخويصرة حُرقوصُ بن زُهير، رأس الخوارج، قُتِل فيهم يوم النَّهْرَوان، تَقَدَّمَ بما فيه.

تنبيهٌ: ذكر شيخنا: أنَّه ذو الخويصرة، ثمَّ قال: وفي الحديث: «إنَّه لا يدخل النار مَن شهد بدرًا والحديبية حاشى رجلًا معرورقًا منهم»، قيل: هو حُرقوصُ بن زهير السعديُّ، ذكره شيخنا اليعمريُّ، انتهى؛ يعني: أبا الفتح ابن سيِّدِ النَّاسِ، ولم أرَ أنا هذا في أهل بدر، ولا في أهل الحديبية في «سيرة أبي الفتح اليعمريِّ»، والله أعلم.

قوله: (غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ): أي: غير جَاحِظَتَين، بل داخلتان في نُقْرَتَيهِما، والعرب تُسَمِّي العظمَين اللذين فيهما غارَين.

[ج 1 ص 869]

قوله: (مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ): هو بالشين المُعْجَمَة، وبالفاء؛ أي: عالي عظام الخدَّين، يقال: وجنة؛ بتثليث [7] الواو، وفيها غير ذلك، و (أُجنة) [8]، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (نَاتِئُ الْجَبِينِ): هو بالنون في أوَّله، ثمَّ ألف، ثمَّ مُثَنَّاة فوق مكسورة، ثمَّ همزة؛ أي: مرتفع، و (الجبين): فوق الصُّدْغ، ولكلِّ إنسانٍ جبينان، عن يمين الجبهة وشمالها، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ): كذا هنا بالحسبان الذي هو الظنُّ، وفي «الصحيح»: أنَّه خالد من غير حسبان؛ بل جزم به، وفي أخرى أنَّه عمر [9]، والظاهر أنَّهما سألا ذلك، فتارةً ذكر الراوي هذا، وتارة هذا، والله أعلم.

قوله: (إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا): (الضِّئْضِئ): بضادين معجمتين مكسورتين، بعد كلِّ واحدة همزة؛ الأولى ساكنة؛ ومعناه: مِن نسله وأصله، وقد ذكره ابن قرقول مع الهمزة في المُهْمَلَة أيضًا مع الهمز، فقال: («يخرج من صئصى هذا»: بصاد مهملة، مهموز الوسط، كذا لأبي ذرٍّ، وقيَّدَه الأصيليُّ، والقابسيُّ، وابن السكن، وعامَّة شيوخنا عن مسلم: بضاد معجمة، وكلاهما صحيحٌ بمعنًى، وقال أهل اللغة: يقال بهما وبالسين أيضًا؛ ومعناه: الأصل، وقيل: النسل)، انتهى.

والعمل الذي ذكره في المُعْجَمَة يأتي في المُهْمَلَة وفي السين، وقد ذكره ابن الأثير في المُعْجَمَة مع الهمز، فقال: الضئضئ: الأصل، يقال: ضِئْضِئُ صِدْقٍ، وضَوْضَأ صدق، وحكى بعضهم: ضِيضِيء؛ بوزن «قِنْدِيل»؛ يريد: أنَّه يخرج من نسله وعقبه، ورواه بعضهم بالصاد المُهْمَلَة، وهو بمعناه، انتهى.

قوله: (قَوْمٌ): كذا في أصلنا، وصُحِّح عليه، فعلى هذا اسمها ضميرٌ محذوفٌ؛ تقديره: (إنَّه).

قوله: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ): أي: الطاعة؛ أي: طاعة أئمَّتهم.

قوله: (وَيَدَعُونَ): هو بفتح الدال؛ أي: يتركون.

قوله: (قَتْلَ عَادٍ): أي: فما ترى لهم من باقية؛ كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة: 8]، وفي رواية أخرى: (ثمود)، يحتمل التعدُّد بحسب المَجَالِس أو المجلس؛ إذ من شأنه عليه الصَّلاة والسَّلام التأكيد والتَّكرار؛ يريد: قتلَهم عامًّا بحيث لا يبقى منهم أحدٌ في وقتٍ واحدٍ، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (في «أطرافه»).

[2] في (ب): (وقد اختلف بآخره)، وهو تحريفٌ.

[3] في (ب): (النووي)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (نعيم)، وهو تحريفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[5] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (الأربعة).

[6] في (ب): (ألف).

[7] في النسختين: (تثليت)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[8] في (ب): (أوجنة).

[9] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

(1/6374)

[حديث: سمعت النبي يقرأ: {فهل من مدكر}]

3345# قوله: (عَنْ [1] إِسْرَائِيلَ): هذا هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عَمرِو بن عبد الله السَّبيعيِّ، روى إسرائيل عن جدِّه أبي إسحاق، و (الأَسْوَد): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثنا).

[ج 1 ص 870]

(1/6375)

[باب قصة يأجوج ومأجوج]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83]): وفي نسخة بعد (باب قصَّة يأجوج ومأجوج، وقولِ الله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94]) [1]، اعلم أنَّ ذا القرنين سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه عاش مضيَّ قرنين، وقيل: كان له ضفيرتان [2]، وقيل: إنَّه رأى في المنام أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فعُبِّر ببلوغه المَشْرِق والمَغْرِب، وقيل: كان في رأسه شبه قرنين صغيرين تواريهما العِمامة، أو لأنَّه شُجَّ [3] قرنا رأسه _أي: طرفاه_ في سبيل الله، أو لأنَّه مَلَكَ فارس والروم، أو كان كريم الطَّرَفين أبًا وأمًّا، أو جمع علم الظاهر والباطن، أو كان يحارب بيده وركابه، وقيل: كان نبيًّا، وقيل: كان مَلِكًا صالحًا أحبَّ الله فأحبَّه، واسمه عبد الله بن الضَّحَّاك بن سعد [4]، وقيل: مرزبان بن مرذبة، من ولد يونان بن يافث [5]، وقيل: هو الإسكندرمس الروميُّ، وقيل: هو الإسكندر المعروف، انتهى كلام ابن عبد السلام العلَّامة عزِّ الدين، والظاهر أنَّه نبيٌّ عند البُخاريِّ؛ لأنَّه ذكره في (كتاب [6] الأنبياء).

تنبيهٌ: روى الحاكم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: «ما أدري ذا القرنين كان نبيًّا أم لا؟»، وقال: إنَّه على شرط البُخاريِّ ومسلم، قال [7]: ولا أعلم له علَّةً، انتهى [8]، ذكر ذلك شيخنا، وقد رأيته في «تلخيص المستدرك» للذهبيِّ في (كتاب الإيمان)، قال الحاكم [9]: على شرطهما ولا أعلم له علَّة، انتهى.

وقال السُّهَيليُّ ما ملخَّصه: رُوي عن عليِّ بن أبي طالبٍ [10]: أنَّه كان عبدًا صالحًا دعا قومه إلى عبادة ربِّه، فضربوه على قرنَي رأسه ضربتين، وفيكم مثله؛ يعني: نفسَه، وقيل: كان له ضفيرتان [11] من شعرٍ، والعرب تسمِّي الخُصلة من الشعر قرنًا، وقيل: إنَّه رأى في المنام في رؤيا طويلةٍ أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فكان التأويل أنَّه بلغ المشرق والمغرب [12]، وأمَّا اسمه؛ فقال ابن هشام: مَرْزُبَى بن مَرْذَبَة؛ بذال مفتوحة ثمَّ اسم أبيه، وزايٍ في اسمه، وقيل: فيه هُرْمس، وقيل: هِرْديس، وقال ابن هشام في مكانٍ آخرَ: اسمه الصعب بن ذي مراثد، وهو أوَّل التَّبابعة، وقيل: إنَّه أفريدون بن أثْفِيان، قال ابن هشام: من أهل مصر، وإنَّه الذي بنى الإسكندريَّة فعُرِفَت به، وهذا قولٌ بعيدٌ ممَّا تَقَدَّمَ، ويحتمل أن يكون [13] الإسكندر سُمِّي ذا القرنين أيضًا؛ تشبيهًا له بالأوَّل؛ لأنَّه مَلَكَ ما بين المشرق والمغرب [14]، وقيل في اسمه غيرُ ذلك، والله أعلم، وقيل في اسمه: قيصرة، ذكره مقاتل في «تفسيره»، وفي «غُرَر التبيان» للإمام الصالح قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة: أنَّ اسمه [15] الإسكندريس، نقله شيخنا، وقال غير السُّهَيليِّ: هل كان عبدًا، أو مَلَكًا، أو مَلِكًا، أو نبيًّا؟ على أقوال، وذكر مأخذ كلِّ قول.

قوله: (بَابُ قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ): كذا في نسخةٍ في هامش أصلنا، اعلم أنَّ يأجوج ومأجوج بالهمز الساكن وعدمه، وهما قراءتان في السبع، ويأجوج رجل، ومأجوج كذلك، وهم إخوتنا لأبٍ وأمٍّ من آدم وحوَّاء عند جماهير العلماء، كما [16] نقله النَّوويُّ _رحمه الله_ عنهم [17] في «فتاويه»، قال: وقيل: إنَّهم من بني آدم لا من حوَّاء، فيكونون إخوتَنا لأبٍ، قال: ولم يثبت في قدر أعمارهم شيء، قال: وذكر المفسِّرون وأهل التواريخ في ذلك شيئًا ولا يثبت، انتهى، فإن أردت أن تقف على الكلام فيهم وما يتعلق بهم [18]؛ فانظره في «التذكرة» للقرطبيِّ وغيرها، ولي فيهم شيئًا إلى ماذا نُسِبوا إن شاء الله تعالى في تفسير (سورة الحج) منهم [19]؛ فانظره.

قوله: (وَيُقَالُ: الصُّفْرُ): هو بضَمِّ الصاد وكسرها، تَقَدَّمَ في (الوضوء).

قوله: (فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ): قال ابن قرقول: («استطاع يستطيع: استفعل، من طُعْت له؛ فلذلك فُتِح استطاع يستطيع، وقيل: أَسطاع يُسطيع»؛ معنى قوله هذا: أنَّه من الطاعة، قال سيبويه: (أَسطاع يُسطيع) إنَّما هو أطاع يُطيع، وزاد السين؛ عوضًا عن حركة

[ج 1 ص 870]

الألف، وقال غيره: (استطاع): قدر، والاستطاعة: القدرة على الشيء، وأصله من الطاعة)، انتهى.

وقال شيخنا: («اسطاع: استفعل، من طُعت له؛ فلذلك فُتِح»، يريد فُتِح الفاءُ في مستقبله؛ لأنَّه [20] لو كان كما قال بعض أهل اللغة: (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة؛ لكان مستقبله (يُسطيع)؛ بضَمِّ الياء [21]، انتهى، وينبغي أن يحرَّر هذا الكلام، وفي أصلنا: (مِنْ أَطَعْتُ [22] لَهُ): الهمزة ملحقةٌ، والكلمة مضبوطةٌ على ثبوتها، وفي أصلنا: (اسطاع)؛ بهمزة وصلٍ [23] وقطعٍ أيضًا، والقطع طارئٌ عليها.

وقوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ)؛ بهمزة وصلٍ، و (يَسْتَطِيعُ)؛ بفتح الياء، وفي نسخة في هامش أصلنا: (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة، (يُسطيع)؛ بضمِّها، وعليها علامة راويها، فعلى رواية (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة ومضمومها في المضارعة؛ فهو رُباعيٌّ، قال الجوهريُّ: الاستطاعة: الإطاقة، وربَّما قالوا: (اِسْطاع يَسطيع) يحذفون التاء؛ استثقالًا لها مع الطاء، ويكرهون إدغام التاء فيها، فتُحرَّك السين، وهي لا تُحرَّك أبدًا، وقرأ حمزة: {فَمَا اسْطَّاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97]؛ بالإدغام، فجَمَع بين الساكنين، وذكر الأخفش: أنَّ بعض العرب يقول: (اِستاع يَستيع)، فيحذف الطاء [24]؛ استثقالًا، وهو يريد (استطاع يستطيع)، قال: وبعض العرب [25] يقولون: (أَسطاع، يُسطيع)؛ بقطع الألف، وهو يريد أن يقول: (أَطاع، يُطيع)، ويجعل السينَ عوضًا من ذهاب حركة الفعل، انتهى.

وحاصل ما في هذه اللفظة: (اِسْتطاع)، الثانية: (اِسْطاع)؛ بهمزة وصلٍ، وهي فرعُ الأولى، فحذفوا التاء؛ لأنَّها قريبةٌ من الطاء، واستثقلوا اجتماعهما، فحذفوا التاء؛ تخفيفًا، الثالثة: (اِسْتاع)؛ بهمزة الوصل أيضًا، والمضارع من هذه اللُّغات الثلاث بفتح حرف المضارعة، الرابعة: (أَسطاع)؛ بهمزة القطع، الخامسة: (أَستاع)؛ بهمزة القطع أيضًا، والتاء فيهما بدل من الطاء كما في اللُّغة الثالثة، والمضارع في هاتين اللُّغتين مضمومٌ، واختلفوا في السين من هاتين اللُّغتين، والكلام فيها معروفٌ، والله أعلم.

قوله: ({جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98]): هذه بالمدِّ، وهي قراءة الكوفيِّين، وهذا التفسير الذي ذكره البُخاريُّ لهذه القراءة، لا لقراءة الباقين؛ فاعلمه.

قوله: (وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه [26]، و (المُحبَّر)؛ بفتح المُوَحَّدة المُشَدَّدة: المُخطَّط، وجاء في رواية: (طريقة سوداء، وطريقة حمراء)، قال: قد رأيته يريد حُمرة النُّحاس وسواد الحديد، وتعليقه هذا: قال شيخنا: أسنده ابن مردويه في «تفسيره» عن سليمان بن أحمد: حدَّثنا أحمد بن مُحَمَّد بن يحيى: حدَّثنا أبو الجماهر: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجلين، عن أبي بَكْرة الثقفيِّ: أنَّ رجلًا أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ فقال: يا رسول الله؛ إنِّي قد رأيته _يعني: السُّدَّ_ فقال: «كيف هو؟» قال: كالْبُرْدِ [27] الْمُحَبَّرِ، قال: «قد رأيتَه»، قال: وحدَّثنا قتادة أنَّه قال: طريقة حمراء من نحاسٍ، وطريقة سوداء من حديدٍ، وقال نعيم بن حَمَّاد في كتاب «الفتن» [28]: حدَّثنا مسلمة ابن عليٍّ: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة: قال رَجُلٌ: يا رسول الله؛ قد رأيت الردم، وإنَّ الناس يكذِّبونني، فقال: «كيف رأيته؟»، قال: رأيته كالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قال: «صدقت، والذي نفسي بيده؛ لقد رأيته ليلة الإسراء، لَبِنة من ذهبٍ، ولَبِنة من رصاصٍ»، انتهى.

قوله: (رَأَيْتَهُ): هو بفتح تاء الخطاب [29]، وهذا ظاهِرٌ.

(1/6376)

[حديث: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب]

3346# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، نُسِب إلى جدِّه، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد [1]، أحد الأعلام، وتَقَدَّمَ (عُقَيْل): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالدٍ، وتَقَدَّمَ مَن يقال [له]: عُقيل؛ كهذا، وهم: القبيلة، وهذا، ويحيى بن عُقَيل، هذا في «البُخاريِّ» و «مسلم»، وتَقَدَّمَ (ابن شِهَابٍ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، العلَم المشهور، وتقدَّمت (زَيْنَب بِنْت أمِّ سَلَمَةَ): وأمُّها أمُّ سَلَمَةَ أنَّها هند، وبعض ترجمتها، وتقدَّمت (أمُّ حَبِيبَةَ): أنَّها رملة بنت أبي سفيان صخرِ بن حرب بن أُمَيَّة، وتقدَّمت (زَيْنَب بنت جَحْشٍ)، رضي الله عنهنَّ.

وهذا السند فيه لطيفةٌ من لطائف الإسناد: وهو أنَّ رواته فيهنَّ ثلاثة نسوةٍ، بعضهنَّ عن بعض، زوجان وربيبة، وفي بعض الطرق أربع نسوة صحابيَّات، بعضهنَّ عن بعضٍ، وقد قال [2] المِزِّيُّ بعد أن طرَّف هذا الحديث من البُخاريِّ، ومسلم، والتِّرْمِذيِّ، والنَّسائيِّ، وابن ماجه، قال: وفي حديثهم كلِّهم عن سفيان بن عُيَيْنَة، عن الزُّهْرِيِّ، عن عروة، عن زَيْنَبَ بِنْتَ أمِّ سَلَمَةَ، عن حبيبة بنت أمِّ حَبِيبَةَ، عن أمِّها أمِّ حَبِيبَةَ، عن زَيْنَبَ بنت جَحْشٍ، إلَّا مالك بن إسماعيل والناقد؛ فإنَّهما لم يذكرا حبيبة في حديثهما عن سفيان.

وقال التِّرْمِذيُّ: قال الحميديُّ عن سفيان: حفظتُ من الزُّهْرِيِّ في هذا الإسناد أربعَ نسوةٍ، انتهى، واعلم أنَّ الحافظ أبا الحجَّاج يوسف بن خليلٍ الدِّمَشْقيَّ أفرد الأحاديث التي يرويها أربعةٌ من الصَّحَابة بعضهم عن بعض، وهي تسعة أحاديث، لكنَّ الحديث الأخير _وهو التاسع_ يرويه خمسةٌ من الصَّحَابة، وهو من طريق عبد الله بن عَمرو بن العاصي، عن عثمان بن عفَّان، عن عُمر بن الخَطَّاب، عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق [3]، عن بلالٍ، رضي الله عنهم، قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الموت كفَّارة لكلِّ مسلمٍ»، وقد رويتُ هذا _أي [4]: عن بعض مشايخي_ بسماعه من بعض أصحاب ابن خليلٍ، وكذا رويته بالقاهرة، فبيني وبين ابن خليلٍ اثنان.

قوله: (فزِعًا): هو بكسر الزاي، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ من شَرٍّ قد اقْتَرَبَ): يحتمل أن يريدَ ما وقعوا فيه من فتنة عثمان، وقيل: أراد يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وكون الشرِّ فتنةَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ في الحديث ما يرشد لذلك [5].

قوله: (وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِيهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا): أي: جمع طرفَيهِما، فحكى بهما الحلْقة، قاله ابن قرقول.

قوله: (أَنَهْلِكُ): هو بكسر اللام.

قوله: (الْخَبَثُ): هو بفتح الخاء والموحَّدة [6]، وبالثاء المُثَلَّثَة؛ أي: الزِّنى، وقيل: أولاد الزِّنى، وقد جاء في حديث آخر: «ويكثر الزِّنى»، ويقال فيه: (خِبْثة)، قاله في «المطالع»، انتهى، ويُروى: الخبْث؛ بإسكان الباء، وهو مصدر، قاله القرطبيُّ.

==========

[1] في (ب): (الإمام).

[2] في (ب): (وقال).

[3] زيد في (ب): (رضي الله عنهم).

[4] (أي): ليس في (ب).

[5] هذه الفقرة جاءت في (أ) مستدركة، وفي (ب) متأخِّرة بعد قوله: (حدَّثنا وهيب ... ).

[6] في (ب): (وبالموحدة).

[ج 1 ص 871]

(1/6377)

[حديث: فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا]

3347# قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن خالدٍ الباهليُّ الكرابيسيُّ الحافظ، و (ابْن طَاوُوسٍ): بعده هو عبد الله بن طَاوُوسٍ، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ): يأتي الكلام عليه وعلى رواية (عشر) إن شاء الله تعالى في (الفتن).

تنبيهٌ: قال شيخنا: ليس عقد التسعين مثل التحليق، كما نبَّه عليه ابن التين، انتهى، ونبَّه عليه غيره، وفيه نظرٌ، بل عقد التسعين في اصطلاح الحُسَّاب: أن يجعل رأس الإصبع السَّبَّابةِ في أصل الإبهام، ويضمَّها حتَّى لا يبقى بينهما إلَّا خَلَلٌ يسيرٌ، والله أعلم.

(1/6378)

[حديث: يقول الله تعالى: يا آدم فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك]

3348# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، وتَقَدَّمَ (أَبُو صَالِحٍ): أنَّه السمَّان الزيَّات ذكوانُ، وتَقَدَّمَ (أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

قوله: (أَخْرِجْ): هو بقطع الهمزة، وكسر الراء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: (بَعْثَ النَّارِ): هو بإسكان العين، المبعوث إليها؛ أي: المرسَل والمُوجَّه، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر.

قوله: (مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِئَةٍ): هو بالنصب، وكذا (وَتِسْعَةً) مُنَوَّن.

قوله: (وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا): أي: كلُّ حاملٍ ماتت بحملها؛ أي: تُلقي الحواملُ ما في بطونهنَّ لغير تمامٍ، وقيل: هو على التمثيل؛ للتَّهويل، والله أعلم.

[ج 1 ص 871]

قوله: (أَبْشِرُوا): هو بقطع الهمزة.

قوله: (أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَبَّرْنَا): اعلم أن في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه» من حديث سليمان بن بُريدة، عن أبيه [1] رضي الله عنه [2] مرفوعًا، أخرجه التِّرْمِذيُّ في (صفة الجنَّة)، وابن ماجه في (الزهد): «أهل الجنَّة مئة وعشرون صفًّا، أنتم منهم ثمانون»، ورواه ابن أبي شيبة من رواية ابن مسعود رضي الله عنه، فمقتضاه أن تكون أمَّة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ثُلُثَي أهل الجنَّة، والجمع بين هذا وبين ما في «الصحيح»: أنَّه تعالى أعلمه بما في «الصحيح»، ثُمَّ تفضَّل بكرمه ومَنِّه أن جعلهم ثُلُثَي أهل الجنَّة، ويحتمل غير ذلك، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: لمَّا نزلت: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 39 - 40]؛ قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أنتم رُبُع الْجَنَّةِ، أنتم ثلث الْجَنَّةِ، أنتم نصف الْجَنَّةِ، أنتم ثلثا أَهْلِ الْجَنَّةِ»، قال الطبرانيُّ: تفرَّد برفعه ابن المبارك عن الثَّوْريِّ، وقد ذكر ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظُ شمس الدين أحاديثَ في المعنى، ثُمَّ قال: وهذه الأحاديث قد تعدَّدت طرقها، واختلفت مخارجها، وصحَّ سندُ بعضها، ولا تنافيَ بينها وبين حديث الشطر؛ لأنَّه رجا أوَّلًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن يكونوا شطر أهل الجنَّة؛ فأعطاه الله رجاءه، وزاده عليه شيئًا آخرَ، انتهى.

تنبيهٌ: في «عيون الأخبار» لابن قُتَيْبَة: رُويَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه قال: «تكون الخلائق يوم القيامة عشرين ومئةَ صفٍّ، طول كلِّ صفٍّ مسيرة أربعين ألف سنةٍ، وعرض كلِّ صفٍّ عشرون ألفَ سنةٍ»، قيل [3]: يا رسول الله؛ كم المؤمنون؟ قال: «ثلاثة صفوف، والمشركون مئة وسبعةَ عشرَ صفًّا»، قال القرطبيُّ في «تذكرته» [4]: هذا غريبٌ مخالفٌ لصفوف المؤمنين الواردة في الأحاديث، قال شيخنا: قلت: قد يُحمَل هذا على حالة الموقف، والأوَّل على حالة الانفصال ودخول الجنَّة، انتهى، وما قاله شيخنا متعيِّن، فيكونون في الموقف كذلك، ثُمَّ تصير الثلاثةُ صفوفُ المؤمنين مئةً وعشرين صفًّا، فأمَّة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم منهم ثمانون، على ما في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه» الذي قدَّمتُه، وهم الثُّلُثان، والله أعلم.

قوله: (مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ... ) إلى آخره: هذا في المحشر، أمَّا في الجنَّة؛ فالثلثان كما تَقَدَّمَ، وقال شيخنا: يعني هذه الأمَّة، وفي حديثٍ آخرَ: «كالرقمة في ذراع الحمار»، قال: فإمَّا أن يكون أحدهما وهمًا، أو تكون هذه الأمَّة كالشعرة، أو هي وسائر الأمم السالفة كالرقمة، قاله ابن التين، وسيأتي أنَّ هذه الأمَّةَ ثُلُثَا أهل الجنَّة؛ فتأمَّل ذلك، انتهى.

وقول شيخنا (سيأتي ... ) إلى آخره: ليس يأتي في «البُخاريِّ»، وأمَّا الذي فيه: (النصف)، ولكنْ في «التِّرْمِذيِّ» و «ابن ماجه»، كما قدَّمتُه، وقد رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود، كما تَقَدَّمَ، ثُمَّ رأيت شيخنا عزاه إلى رواية عمران بن حُصَين: «إنِّي لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنَّة»، ثُمَّ قال: «إنِّي لأرجو أن تكونوا أكثر أهل الْجَنَّةِ»، والله أعلم [5].

==========

[1] (عن أبيه): سقط من (ب).

[2] (عنه): سقط من (أ).

[3] في (ب): (قالوا).

[4] (في «تذكرته»): سقط من (ب).

[5] زيد في (ب): (انتهى).

(1/6379)

[باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}]

(بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125]) ... إلى (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} [مريم: 51]) [1].

({إِبْرَاهِيمَ}) صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]: اسمٌ أعجميٌّ، وفيه لغاتٌ؛ أشهرها: إبراهيم، والثانية: إبراهام، وقُرِئ بهما في السبع، والثالثة والرابعة والخامسة: إبراهِم؛ بكسر الهاء، وفتحها، وضمِّها، حكاهُنَّ ابن مكيٍّ في «تثقيف اللسان» عن الفرَّاء عن العرب، وحكى الكسر والضمَّ جماعاتٌ؛ منهم أبو البقاء العُكْبريُّ، قال: وقُرِئ بهما في الشواذِّ، قال: وجمعه (أباره) عند قومٍ، وعند آخرين: (براهم)، وقيل: (براهمة)، قال الماورديُّ: معناه بالسريانيَّة: أبٌ راحمٌ.

ابن آزر؛ وهو تارح، وسيأتي بقيَّة نسبه في ذكر نسبه [3] الشريف، أثنى الله على إبراهيم في آيات من كتابه، أنزل الله عليه صُحُفًا، كما قال الله ذلك في كتابه، قال أهل التواريخ: كانت عشرَ صحائفَ، هاجر صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4] من العراق إلى الشام، قيل: بلغ عمره مئة وخمسًا وسبعين سنةً، وقيل: مئتَي سنةٍ، وقيل: مئةً وسبعين سنةً، ودُفِنَ بالأرض المقدَّسة، وجاء في فضله أحاديثُ.

وفي «المُوَطَّأ» عن ابن المُسَيّب قال: كان إبراهيم أوَّل الناس ضيَّف الضيف، وأوَّل الناس اختتن، وأوَّل الناس قصَّ شاربه، وأوَّل الناس رأى الشيب، وفي «تاريخ ابن عساكر لدمشقَ» هذا بزيادة: وأوَّل من استحدَّ وقلَّم أظفاره، وفيه عن ابن عَبَّاس: أنَّه وُلِدَ بغوطة دمشقَ ببرزة، قال ابن عساكر: كذا في هذه الرواية، والصحيح: أنَّه ولد بكُوثى [5] من إقليم بابل بالعراق، وإنما نُسِبَ إليه هذا المقام؛ لأنَّه صلَّى فيه إذ جاء مغيثًا للوط، وفي «التاريخ» المذكور: أنَّ آزر كان من أهل حرَّان، وأنَّ أمَّ إبراهيم اسمها نُونا، وقيل: ليونا [6]، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [7]، مناقبه وفضائله كثيرة، وقد رُوِّينا عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عنه حديثًا؛ وهو: «أقرِئ أمَّتك منِّي السلام، وأخبرهم أنَّ الجنَّة طيبةُ التُّربة ... »؛ الحديث.

واعلم أنَّ الإمام البُخاريَّ ذكر في هذا الباب أحاديثَ تتعلَّق بإبراهيم إلَّا الحديث الأخير، وهو: (لمَّا نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82])، وقد اعترض الإسماعيليُّ _كما نقله شيخنا_ فقال: لا أعلم في هذا الحديث شيئًا من قصَّة إبراهيم؛ إذ هو في الباب المترجم بإبراهيم، قال شيخنا: ولك أن تقول: بل له وجهٌ بيِّنٌ؛ وذلك أنَّ هذه الآيةَ المذكورة في (سورة الأنعام) كلُّها فيه، وكذا ما بعدها لمَّا حاجَّه قومه؛ فقال: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ} [الأنعام: 80]، إلى أن قال: {وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: 82 - 83]، ولهذا إنَّ عليًّا روى عنه الحاكم أنَّه قرأ هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، قال: (هذه في إبراهيمَ وأصحابِه، ليس في هذه الأمَّة)، ثُمَّ قال: صحيح الإسناد، وقال الثعلبيُّ في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}، قال: هي {الَّذِينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}، انتهى.

قوله: (قال أبو مَيْسَرَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: عمرو بن شُرحبيل، سمع ابن مسعود، روى عنه أبو وائل شقيقُ بن سلمة، انتهى، وأبو مَيْسَرَةَ [8] اسمه كما قاله الدِّمْيَاطيُّ، وهو همْدانيٌّ كوفيٌّ، عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعود، وقيس بن سعد، وعائشة، وجماعةٍ، وعنه: أبو وائل، والشعبيُّ، والقاسم بن مُخَيْمِرة، وأبو إسحاق، وطلحة بن مُصَرِّف، وآخرون، وكان من فضلاء التابعين، تُوُفِّيَ قبل أبي جُحَيفة السَّوائيِّ، وأوصى أن يُصلِّيَ عليه شريحٌ القاضي، قيل [9]: تُوُفِّيَ أبو جُحَيفة سنة (74 هـ)، أخرج لأبي ميسرة البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.

قوله: (الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ): يعني: أنَّ (الأوَّاهَ) الرَّحيمُ بلسان الحبشة، لا أنَّ (الرحيم) بلسان الحبشة؛ فاعلمه، فإنه ربَّما اشتبه على بعض الناس، وقد نقل أيضًا البُخاريُّ في (سورة هود) هذا، ولفظه: (وقال أبو مَيْسَرَةَ: الأوَّاهُ: الرَّحيم بالحبشيَّة)، انتهى، فوافقت الحبشيَّةُ العربيَّةَ.

==========

[1] بدل مما بين قوسين في (ب): (كتاب قوله).

[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[3] (في ذكر نسبه): سقط من (ب).

[4] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[5] في (ب): (بكرثى)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (لبونا).

[7] في (ب): (عليه السلام).

[8] في (ب): (سلمة)، والمثبت هو الصَّواب.

[9] (قيل): سقط من (ب).

[ج 1 ص 872]

(1/6380)

[حديث: إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلًا]

3349# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (كَثِيرًا) بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وأنَّه العبديُّ، لا الصنعانيُّ، و (سُفْيَانُ) هذا: الظاهر _كما قدَّمته_ أنَّه الثَّوْريُّ؛ وذلك لأنِّي رأيت عَبْد الغَنيِّ في «الكمال» ذكر الثَّوْريَّ في مشايخ مُحَمَّد بن كثير العبديِّ، وذكر الثَّوْريَّ أيضًا في الآخذين عن المغيرة بن النعمان، والله أعلم.

قوله: (حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا): اعلم أنَّه اختُلِف هل يُحشَر الناس كلُّهم عُرَاةً أو مكسوِّين، أو بعضهم عارٍ وبعضهم مكسوٌّ؛ وهم الشهداء؟ وصُحِّح هذا القولُ: أنَّ هؤلاء يُحشَرون في أثوابهم، وغيرهم عارٍ، وجمع البيهقيُّ بأنَّهم يكونون _أو بعضُهم_ عُراةً إلى موقف الحساب أو قبله، ثُمَّ يُكسَى إبراهيم، ثُمَّ الأنبياء، ثُمَّ الأوَّلياء، فيُكسَون كُسْوَة، كلُّ إنسان من جنس ما يموت فيه، حتى إذا دخلوا الجنَّة؛ أُلبِسُوا ثيابها، أو أنَّهم يُبعَثون من قبورهم في ثيابهم التي يموتون فيها، ثُمَّ عند الحشر تتناثر عنهم ثيابُهم، فيُحشَرون _أو بعضُهم_ إلى موقف الحساب عُراةً، ثُمَّ يُكسَون من ثياب الجنَّة، وحمله بعض أهل العلم على العمل؛ أي: في أعماله التي يموت فيها من خيرٍ أو شرٍّ، وحمله الأكثر من العلماء على الشهيد الذي أُمِرَ أن يُزمَّل في ثيابه ويُدفَنَ فيها، ولا يُغيَّر شيءٌ من حاله؛ بدليل حديث ابن عَبَّاس وعائشة، قالوا: ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث في الشهيد، فتأوَّله على العموم، وأمَّا الغزاليُّ؛ فذهب إلى حديث أبي سعيد: أنَّه يُحشَر في أثوابه، ولكلِّ قومٍ مَدرَك، والله أعلم، ويدلُّ لقول الأكثر قولُه تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّل مَرَّةً} [الأنعام: 94]، وقولُه: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]، والله أعلم.

قوله: (غُرْلًا): هو بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ راء ساكنة؛ أي: غيرَ مختونين، الواحد: أغرلُ، و (الغُرْلَة): القُلْفَة، ومَن قُطِع منه شيءٌ في الدنيا؛ أُعيد إليه يوم القيامة.

فائدةٌ: لَذَّة جماع الأقلف تزيد على لَذَّة جماع المختون، كما نُبِّه فيما نقله شيخنا عن ابن الجوزيِّ، قال ابن عَقيل: بَشَرَة [1] حَشفَة الأقلف موقاةٌ بالقُلْفَة، فتكون بَشَرَتُها أرقَّ، وموضع الختن كلَّما رقَّ؛ كان الحسُّ أصدقَ؛ كراحة الكفِّ إذا كانت مرفَّهة [2] من الأعمال؛ صلحت للحسِّ، وإذا كانت يدَ قصَّار أو نجَّار؛ خَفِيَ بها الحسُّ، فلمَّا أبانوا في الدنيا تلك البَضْعَة لأجله؛ أعادها الله [3]؛ ليذيقها من حلاوة فضله، قال: والسِّرُّ في الختان _مع أنَّ القُلْفَة معفوٌّ عمَّا تحتها من النَّجَس_ أنَّه سُنَّةُ إبراهيم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]، حيث بُلِيَ بالترويع بذبح ولده؛ فأحبَّ أن يجعلَ لكلِّ واحدٍ ترويعًا بقطع عضوٍ وإراقةِ دمٍ، يبتلي أولادهم بالصبر على إيلام الآباء لهم، فتكون هذه الحالة مُظْهِرةً للصبر والتسليم من الآباء والأولاد؛ تأسِّيًا بإبراهيم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، نقله شيخنا.

فائدةٌ: ابن عَقِيل؛ بفتح العين وكسر القاف: عليُّ بن عقيل بن مُحَمَّد، كنيته أبو الوفاء الظَفريُّ الحنبليُّ، أحد الأعلام، وفرد زمانه عِلمًا، ونقلًا، وذكاءً، وتفنُّنًا، له كتاب «الفنون» في أزيدَ من أربع مئة مجلَّدةٍ، قال الذَّهَبيُّ الحافظ شمس الدين: إلَّا أنَّه خالف السلفَ، ووافق المعتزلةَ في عِدَّة بِدَعٍ، وما ذاك إلَّا من كثرة التبحُّر في الكلام؛ لأنَّ كثرته ربَّما أضرَّت بصاحبها، والله أعلم.

قوله: (وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ): قال القرطبيُّ في «التذكرة» بعد أن حكى عن شيخه أبي العَبَّاس أحمدَ بنِ عمر في «المفهِم»: أنَّه يجوز أن يُراد بالناس مَن عداه من الناس، فلم يدخل تحت خطابه؛ يعني: النَّبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال القرطبيُّ في «التذكرة»: وهذا حسنٌ [5] لولا ما جاء منصوصًا خلافَه، ثُمَّ ذكر أحاديثَ فيها التصريح بأنَّ أَوَّلَ مَن يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُحَمَّد، ثُمَّ قال القرطبيُّ ما لفظه: وتكلَّم العلماء في حِكمة تقديم إبراهيم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6] بالكسوة، فرُويَ أنَّه لم يكن في الأوَّلين والآخرين عبدٌ لله عزَّ وجلَّ أخوفَ من إبراهيم، فتُعَجَّل [7] له الكسوة [8] أمانًا له؛ ليطمئنَّ قلبُه، قال: ويحتمل أن يكون ذلك لما جاء به من الحديث من أنَّه أوَّل من أُمِر بلبس السراويل إذا صلَّى؛ مبالغةً في السَّتر وحفظًا لفَرْجِه من أن يماسَّ مُصلَّاه، ففَعَل ما أُمِر به، فيُجزَى بذلك أن يكون أوَّلَ من يُستَر يوم القيامة، ويحتمل أن يكون الذين ألقَوه في النار جرَّدوه ونزعوا ثيابه على أعين الناس؛ كما يُفعَل بمَن يُراد قتله، وكان ما أصابه من ذلك في ذات الله، فلمَّا صبر واحتسب، وتوكَّل على الله؛ دفع الله عنه شرَّ النار في الدنيا والآخرة، جزاه بذلك العُرْيِ أنْ جعله أوَّلَ مَن يُدفَع عنه العُرْيُ يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وهذا أحسنُها، والله أعلم، انتهى.

قوله: (وَإِنَّ نَاسًا [9] مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ... ) إلى آخره: هؤلاء هم الذين ارتدُّوا بعد موت النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، واستمرُّوا عليها حتَّى ماتوا، فأطلق عليهم اسم الصحبة باعتبار ما فارقهم عليه، وهذا قولٌ مِن أقوالٍ في هؤلاء، وفيهم أقوالٌ أُخَرُ، قال النَّوويُّ في «شرح مسلم» حين ذكر هذا الحديث ما ملخَّصه: اختلف العلماء في المراد بهذا الحديث على أقوالٍ؛ أحدها: المراد به هنا المنافقون والمرتدُّون، والثاني: مَن كان أسلم في زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ثُمَّ ارتدَّ بعدَه، والثالث: أنَّ المرادَ أصحابُ المعاصي الكبائرِ الذين ماتوا على التوحيد، أو أصحاب البِدَع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يُقطَع لهؤلاء الذين يُذَادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبةً لهم، ثُمَّ يرحمهم الله تعالى سبحانه، فيدخلهم الجنَّة من غير عذاب، والله أعلم.

قوله: (فَأَقُولُ: أُصَيْحَابِي [10]): هذه صيغة دالَّة على قلَّة عددهم، والله أعلم، وأطلق عليهم اسم الصحبة باعتبار ما فارقهم عليه، كما تَقَدَّمَ أعلاه، وأنَّ هذا على قول: إنَّهم الذين ارتدُّوا بعد موته عليه الصَّلاة والسَّلام.

==========

[1] في (ب): (لشدة)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (مرهفة).

[3] في (ب): (أعادها إليه).

[4] في (ب): (عليه السلام)، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[5] في (ب): (أحسن).

[6] في (ب): (عليه السلام).

[7] في (ب): (فيعجل).

[8] في (ب): (بالكسوة).

[9] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أناسًا).

[10] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة»: (أصحابي).

(1/6381)

[حديث: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة]

3350# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ [1] أن هذا هو ابن أبي أويس، ابن أخت مالكٍ الإمامِ، وتَقَدَّمَ الكلام على أخيه عبدِ الحميد، وذكرت الردَّ على مَن تكلَّم فيه بكلامٍ فاحشٍ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْن أَبِي ذِئْبٍ): أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذئب، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته.

قوله: (يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ): (آزَرَ): على وزن (آدم)، وهو تارح، بمُثَنَّاة فوق، وبعد الألف راء، ثُمَّ حاء مهملة، قيل: إنَّ تارحَ لقبٌ، واسمه آزر، وصحَّحه السُّهَيليُّ؛ لمجيئه في الحديث منسوبًا إلى آزر، انتهى، وقيل بالعكس، والقولان مشهوران، قال السُّهَيليُّ: وآزر قيل: معناه: يا أعوج، وقيل: هو اسم صنم، وانتصب _يعني: في التلاوة_ على إضمار الفعل.

[ج 1 ص 873]

قوله: (فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ): (الذِّيْخ): بكسر الذال، وإسكان المُثَنَّاة تحت، وبالخاء، المعجمتين، وهو ذَكَر الضِّبَاع.

قوله: (مُلْتَطِخٍ): أي: بالطين، أو برجيعه، كما قال في الحديث الآخر: «أمدر»؛ أي: متلوِّث بالمَدَر، والمعنى: أنَّه يُمسَخ ويتغيَّر حاله، ولمَّا حملت الرأفةُ إبراهيمَ على الشفاعة له؛ أُريَه على خلاف منظره؛ ليتبرَّأ منه، وتوقَّف الإسماعيليُّ في «المستخرج على الصحيح [2]» في هذا، فقال: في هذا خبرٌ في صحَّته نظرٌ؛ من جهة أنَّ إبراهيم عالمٌ أنَّ الله لا يخلف الميعاد، ووعده بأنَّه لا يخزيه [3] يوم البعث، وأين الإسماعيليُّ عن قوله: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ} ... ؛ الآية [التوبة: 114]؟ والحكمة في أنَّه إنَّما تبدَّل بذِيخٍ دون غيره من الحيوانات، والجواب: أنَّ الضِّبَاع كلُّها عُرْج، والأعرج لم تحصل له الاستقامة في المشي، وكذلك آزر لا يحصل له الإيمان، فشُبِّه بحَيَوان لم يستقم مشيُه، والله أعلم.

(1/6382)

[حديث: أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة]

3351# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ابْنُ وَهْبٍ): هو [2] عبد الله بن وَهْب، أحد الأعلام، و (عَمْرو) بعده: هو عمرو بن الحارث بن يعقوب، أبو أُمَيَّة الأنصاريُّ مولاهم، المصريُّ، أحد الأعلام، و (بُكَيْر) بعده: هو بُكَيْر بن عبد الله بن الأشجِّ [3].

قوله: (أمَّا هُمْ [4]): وفي نسخةٍ: (أَمَا لهم)، إن خفَّفت ميم (أمَا)؛ قلت: (لهم)، وإن ثقَّلتها؛ قلت: (هم).

قوله: (فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ): وفي بعض طرقه _وسيجيء قريبًا_: (في أيديهما الأزلام؛ فقال: «قاتلهم الله! والله إنِ استقسما بالأزلام قطُّ»)، وسيأتي قريبًا متى كان الاستقسام، و (الاستقسام): طلب القسم الذي قُسِم له وقُدِّر ممَّا لم يُقسَم ولم يُقدَّر، وهو استفعال منه، وكانوا إذا أراد أحدهم سفرًا، أو تزويجًا، أو نحو ذلك من المهام؛ ضرب بالأزلام [5]؛ وهي القداح، وكان على بعضها مكتوب: أمرني ربِّي، وعلى الآخر: نهاني ربِّي، وعلى الآخر غُفْل؛ فإن خرج: أمرني ربِّي؛ مضى لشأنه، وإن خرج: نهاني؛ أمسك، وإن خرج الغُفل؛ عاد إجاله، وضرب بها أخرى إلى أن يخرج الأمر أو النهي.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثني).

[2] في (ب): (تَقَدَّمَ أنَّه).

[3] زيد في (أ) مستدركًا وفي (ب): (قوله: «لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ»: هذا كان في الفتح)، وهي من الحديث اللاحق، فمزجناها مع الآتية في موضعها.

[4] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَمَا لهم).

[5] في (ب): (الأزلام).

[ج 1 ص 874]

(1/6383)

[حديث: قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط]

3352# قوله: (حَدَّثَنَا [1] هِشَامٌ): هذا هو هشام بن يوسف الصنعانيُّ القاضي، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَر): بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة، ابن راشد، تَقَدَّمَ، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، تَقَدَّمَ.

قوله: (لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ): هذا كان في الفتح، وسيأتي مَن المأمور بذلك.

قوله: (بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ): تَقَدَّمَ أعلاه ما هي، واحدها: زلَم؛ بفتح الزاي واللام، وبضمِّ الزاي وفتح اللام.

قوله: (إِنِ اسْتَقْسَمَا): (إن): بكسر الهمزة وسكون النون، بمعنى: (ما) نافية.

فائدةٌ: إنكاره صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم استقسامَ إبراهيم وإسماعيل؛ لأنَّ الأزلام إنَّما كانت في الجاهليَّة بعد عيسى، فأنَّى حين ذاك [2] هما؟! والله أعلم.

قوله: (قَطُّ): تَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق اللُّغَات التي فيها.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي الوقت، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (أخبرنا).

[2] في (ب): (دال)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 874]

(1/6384)

[حديث: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله]

3353# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أن هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، وأنَّ (يَحْيَى) بعده: هو شيخه وشيخ الجماعة، يحيى بن سَعِيدٍ القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (عُبَيْدُ اللهِ) بعده: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، و (سَعِيدُ بن أبي [1] سَعِيدٍ) هذا: هو المقبريُّ، ووالده (أَبُو سَعِيدٍ): اسمه كيسان، مولى بني ليث، يروي عن عمر، وأبي هريرة [2]، وطائفةٍ، وعنه: ابنه سعيدٌ وجماعةٌ، مات سنة مئةٍ، أخرج له الجماعة، قال النَّسائيُّ: لا بأس به، وقد تَقَدَّمَ لمَ سُمِّيَ المقبريَّ فيما مضى؛ فانظره، وقال الواقديُّ: كان ثقة.

قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): (الكرم) ههنا معناه [3]: الشرف.

قوله: (فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ؟): (المعادن): البيوت والأصول، ومعدِن كلِّ شيء: أصلُه.

قوله: (إذا فَقُهُوا): هو بضَمِّ القاف، ويجوز كسرها؛ أي: صاروا فقهاءَ علماءَ بأحكام الشرع.

قوله: (قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): أمَّا (أبو أسامة)؛ فهو حَمَّاد بن أسامة، وأمَّا (مُعتمر)؛ فهو ابن سليمان، وأمَّا (عُبيد الله)؛ فقد تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه ابن عمر منسوبًا، و (سَعيد): هو ابن أبي سعيد المقبريُّ، ومعنى كلامه: أنَّ هذين _أبا أسامة حَمَّاد بن أسامة ومعتمرًا_ خالفا يحيى بنَ سعيد القَطَّان في رواية هذا الحديث، فروياه بإسقاط أبيه أبي سعيد كيسان، ونقل شيخنا عن الدَّارَقُطْنيِّ أنَّ القولَ قولُ يحيى بن سعيد، انتهى.

وحديثهما يأتي في (الأنبياء)، أخرجه البُخاريُّ عن إسحاق بن إبراهيم عن معتمر بن سليمان، وعن عُبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة به، والله أعلم.

(1/6385)

[حديث: أتاني الليلة آتيان فأتينا على رجل طويل]

3354# قوله: (حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ): هو بضَمِّ الميم الأولى، وتشديد الميم الثانية المفتوحة، اسم مفعول، وقد سألني بعض الفقهاء الفضلاء عن النطق به؛ أهو اسم مفعولٍ أو اسم فاعل؟ فهذا [1] ضبطه، وهو ابن هشام، مشهورٌ، و (إِسْمَاعِيلُ) بعده: هو ابن عُلَيَّة، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (عَوْفٌ): هو الأعرابيُّ، تَقَدَّمَ، و (أبو رَجَاءٍ): اسمه عمران بن ملحان، وقيل في اسم أبيه غيرُ ذلك، وهو العطارديُّ، و (سَمُرَةُ): هو ابن جُندب.

قوله: (أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ): (الآتيان): هما جبريل وميكائيل، كذا جاءا مبيَّنَين [2] في هذا الحديث حيث طوَّله، وهذا قطعة منه.

قوله: (وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ): (إنَّه): بكسر الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] في (ب): (فلهذا).

[2] في (ب): (بينين).

[ج 1 ص 874]

(1/6386)

[حديث: أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم]

3355# قوله: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ): هو بالضاد المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ [أنَّه] لا يحتاج إلى [1] تقييد؛ لأنَّ (نصرًا) بالصاد المُهْمَلَة لا يأتي بالألف واللام؛ بخلاف المعجم، فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، وهذا هو النَّضْر بن شُميل الإمام، و (ابْنُ عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان، أبو عَوْنٍ، مولى عبد الله بن مُغَفَّل، أحد الأعلام، لا ابن عون ابنِ أمير مِصر، الثاني: ليس له في «البُخاريِّ» شيءٌ، إنَّما روى له مسلمٌ والنَّسائيُّ، وقد سبق التنبيه عليه غَيْرَ مَرَّةٍ، والله أعلم.

[ج 1 ص 874]

قوله: (وَذَكَرُوا له الدَّجَّالَ): تَقَدَّمَ عليه بعض كلام، ويأتي أيضًا في (الفتن)، وقد أحلتُ فيما مضى الكلامَ فيه على «تذكرة القرطبيِّ»؛ فإنَّه أطال فيه.

قوله: (مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ [2]: كَافِرٌ، أَوْ: ك ف ر): سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

قوله: (فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ): يعني: نفسَه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكذا جاء في بعض طرقه، وكذا كان، فهو أشبه ولد إبراهيم به، كما جاء في حديثٍ آخرَ.

قوله: (وَأَمَّا مُوسَى؛ فَجَعْدٌ آدَمُ): أمَّا (الجَعْد)؛ فهو بفتح الجيم، وإسكان العين، وبالدال، المُهْمَلَتين؛ أي: جَعْد الشعر، وهو ضدُّ السبط، وهو الذي فيه عزَّة ورجوع في نفسه، ليس باللَّيِّن في استرساله، و (آدم): كـ (آدمَ) النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ أي: أسمر.

قوله: (بِخُلْبَةٍ): هي بضَمِّ الخاء المُعْجَمَة، ثُمَّ لام ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي اللِّيفُ.

==========

[1] (إلى): سقط من (أ).

[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ).

(1/6387)

[حديث: اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم]

3356# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ أنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وتَقَدَّمَ (أبو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1] وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً): كذا في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، ووقع في «المُوَطَّأ» موقوفًا على أبي هريرة _والموقوف في هذا كالمرفوع؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه، كما هو مقرَّر في علوم الحديث_: (وهو ابن مئة وعشرين سنة)، قال النَّوويّ: وما في [2] «الصحيحِ» الصحيحُ، وما في «المُوَطَّأ» متأوَّلٌ أو مردودٌ، انتهى.

وقد عزا شيخنا الشارح في «تخريج أحاديث الرافعيِّ» الحديثَ الذي هنا للشيخين، كما عزوته، ثُمَّ قال: وفي روايةٍ لابن حِبَّانَ والحاكمِ: «وهو ابن مئة وعشرين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة»، انتهى، وقد رأيت ما عزاه للحاكم في «المستدرك»، قال شيخنا في الكتاب المشار إليه: روى ابن حِبَّانَ عن عبد الرزَّاق قال: القَدُوم: اسمُ القرية، انتهى، ثُمَّ رأيت شيخنا في شرح هذ الكتاب تعقَّب النَّوويَّ بأن قال: قلت: قد [3] أخرجه ابن حِبَّانَ في «صحيحه» مرفوعًا، وكذا الحاكم في «مستدركه»، قال: وحكى الماورديُّ: أنَّه اختتن وهو ابن سبعين سنة، والجمع بين رواية من روى: (ثمانين) [4] وبين مَن روى: (مئة وعشرين): أنَّ مَن روى: (ثمانين)؛ أي: بعد النبوَّة، ومن روى: (مئة وعشرين)؛ حسب مجموع عمره إلى حين الختان، والله أعلم.

قوله: (بِالْقَدُومِ): هو بفتح القاف وتخفيف الدال المُهْمَلَة المضمومة، وبفتح القاف وتشديد الدال [5]، وكذا ضُبِطَ في أصلنا، ويدلُّ لصحَّة هذا الضبطِ الثاني ما يليه: (عن أبي اليمان: حَدَّثَنَا شعيب: حَدَّثَنَا أبو الزِّنَادِ، وقال: «بِالْقَدومِ» مُخَفَّفة)؛ فدلَّ على أنَّ هذه مثقَّلة، وكذا قال ابن قرقول فيما يأتي، وضبطه الأصيليُّ والقابسيُّ في حديث قُتَيْبَة _يعني: الأوَّل_ بالتشديد، وهذا الذي نحن فيه هو حديث قُتَيْبَة، قال ابن قرقول: «بِالْقَدُومِ»: بالتخفيف وفتح القاف، وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النَّجَّارالمعروفة، وهي مُخَفَّفة لا غير، وحكى الباجيُّ التشديدَ، وقال: هو موضع، وقال ابن دريد: قدوم: ثنيَّة بالشَّرَاة، وضبطه الأصيليُّ والقابسيُّ في حديث قُتَيْبَة بالتشديد، قال الأصيليُّ: وكذا قرأها علينا أبو زيد المروزيُّ، وأنكر يعقوب بن شيبة فيه التشديدَ، وحكى البُخاريُّ عن شعيب فيه التخفيفَ، انتهى.

وقوله في آلة النَّجَّار: (إنَّها بالتخفيف لا غير)، وكذا في «صحاح الجوهريِّ»، وحكى عن ابن السِّكِّيت قال: ولا تقل: قدُّوم؛ بالتشديد؛ فيه نظرٌ، فقد حكى فيها التشديدَ البُخاريُّ نفسُه في «الصحيح» في آخر (كتاب الأدب) في (باب الختان بعد الكِبَر)، ولفظه: (قال أبو عبد الله: الْقَدُومِ؛ بالتخفيف: موضع، والقَدُّوم؛ بالتثقيل: قَدُّوم ما يكون للنَّجَّارين)، كذا في بعض النسخ، وهذا القدر زائد في أصلنا، وقد كُتِب عليه (د)؛ إشارةً إلى أنَّه ثابت في نسخة الدِّمْيَاطيِّ الحافظ شرف الدين، وممَّن حكاها أيضًا ابنُ الأثير في «نهايته».

وقال شيخنا: قال ابن التين: رُوِيَ: (القُدُّوم)؛ بضَمِّ القاف، وتشديد الدال، ورُويَ بفتح القاف مع التشديد؛ ومعناه: خُتِن بمكان اسمه القُدُّوم، ومَن رواه بتخفيف الدال؛ أراد الآلة، واسم المكان بغير ألف، وقيل: (القدُّوم): مقيل إبراهيم، وقيل: هي قرية بالشام، وعن الداوديِّ قال: مَن رواه بالتخفيف؛ أراد الموضع، ومَن رواه بالتشديد؛ يريد الفأسَ الصغير، وقال النَّوويُّ: رواةُ مسلمٍ متَّفقون على التخفيف، وقال عياض: هو بالتخفيف وفتح القاف، وهي قرية بالشام، وقيل: هي آلة النَّجَّارالمعروفة، وهي مُخَفَّفة لا غير، وحكى الباجيُّ التشديدَ، وقال: هو موضع، والكلام فيها طويل جدًّا [6]، وقال الحازميُّ _كما نقله شيخنا_: المخفَّف: قريةٌ كانت عند حلب، وقيل: هو مجلس إبراهيم بحلب، انتهى.

قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): أمَّا الضمير في (تابعه)؛ يعود على مغيرة بن عبدٍ القرشيِّ، الراوي عن أبي الزِّنَادِ، و (عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاقَ): جدُّه اسمه عبد الله بن الحارث بن كنانة، القرشيُّ العامريُّ مولاهم، المدنيُّ، يروي عن أبيه، وسعيد المقبريِّ، والزُّهْرِيِّ، وابن المنكدر، وأبي الزناد عبدِ الله بن ذكوان، وعنه: إبراهيم بن طهمان، ويزيد بن زُرَيع، وحَمَّاد بن سلمة، وابن عُلَيَّة، وآخرون، قال يحيى القَطَّان: لم أرهم يحمدونه بالمدينة، وقال ابن عُيَيْنَة: كان قدريًّا، فنفاه أهل المدينة، وقال أحمد: صالح الحديث، وقال عيَّاش عن ابن معين: ثقة، وقال البُخاريُّ: ليس ممَّن يُعتَمَد على حفظه، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ضعيفٌ يُرمى بالقدر، وقال ابن عديٍّ: أكثر حديثه صحيحٌ، وله ما يُنكَر ولا يُتابَع عليه، أخرج له البُخاريُّ تعليقًا كما ترى، ومسلم، والأربعة، له ترجمة في «الميزان»، متابعته هذه ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.

قوله: (وَتَابَعَه [7] عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (ابن)؛ يعني: ابن عجلان عن أبي هُرَيْرَةَ، و (ابن) عليها علامة نسخةٍ في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، والصواب: حذف (ابن)، وهو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، روى عن مولاته، وزيد بن ثابت، وأبي هُرَيْرَةَ، وعنه: ابنه مُحَمَّد، وبُكَيْر ابن الأشجِّ، قال النَّسائيُّ: لا بأس به، عَلَّقَ له البُخاريُّ كما ترى، وروى له مسلم، والأربعة، والمِزِّيُّ ذكر هذا التعليق في ترجمة عجلان عن أبي هريرة، لا في ترجمة ابنه مُحَمَّد بن عجلان عن أبي هريرة، بل ليس في الكُتُب السِّتَّة روايةٌ لمُحَمَّد بن عجلان عن أبي هريرة، ولم أرَ له في غيرها روايةً عنه، ولكن عَلَّقَ له البُخاريُّ عن غير أبي هريرة، والله أعلم.

وقد رأيت حاشيةً على أصلنا عن اليونينيِّ لفظُها: مَن قال: تابعه ابن عجلان؛ فقد وَهِمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا لم يلقَ أبا هريرة، وإنَّما أبوه هو الذي أدركه وروى عنه، ونصَّ شيخنا الحافظ أبو مُحَمَّد المنذريُّ فيما استدركه على الحافظ أبي الفضل محمَّد بن طاهر المقدسيِّ في كتابه عند ذكر عجلان، فإنَّه ذكره في «أفراد مسلم»، قال: فاستشهد البُخاريُّ بعجلان في (بدء الخلق) في (ذكر إبراهيم الخليل).

قوله: (وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): يعني: عن أبي هريرة، و (مُحَمَّد بن عمرو) هذا: هو مُحَمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقَّاص الليثيُّ، عن أبيه، وأبي سلمة، وطائفةٍ، وعنه: شعبة، ومالك، ومُحَمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ، وخلقٌ، قال أبو حاتم: يُكتَب حديثه، وقال النَّسائيُّ وغيره: ليس به بأس، مات سنة (144 هـ)، أخرج له البُخاريُّ ومسلم متابعةً [8]، البُخاريُّ كما ترى، وفي (الصلاة) تعليقًا أيضًا، وفي (التفسير)، وأخرج له الأربعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّمَ، ورواية مُحَمَّد بن عمرو هذه [9] لم أرَها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم أرَ عزوه في كلام شيخنا.

[ج 1 ص 875]

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمَه الحكمُ بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): (أنه ابن أبي حمزة، وكذا) [10] (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه عبد الله بن ذكوان [11].

(1/6388)

[حديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثًا]

3357# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وكسر اللام، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ دال مهملة، و (الرُّعَيْنيُّ): بضَمِّ الراء، وفتح العين المُهْمَلَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ نون، ثُمَّ ياء النسبة إلى رُعَين، وتَقَدَّمَ (ابْنُ وَهْبٍ): أنَّه عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّمَ (جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): أنَّه بالحاء المُهْمَلَة، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و (مُحَمَّد): هو ابن سيرين، و (أبو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (لم يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثًا): سمَّاها النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كذباتٍ، وكذا سمَّاها إِبْرَاهِيمُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1] بالنسبة إلى فهم المخاطَب والسامِع، وأمَّا في نفس الأمر؛ فليست كذباتٍ مذموماتٍ؛ لوجهين؛ أحدهما: أنَّه ورَّى بها، فقال في سارة: (أختي في الإسلام)، وهو صحيحٌ في باطن الأمر، وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]؛ أي: سأسقم، وقيل: سقيم بما قُدِّر عليَّ من الموت، وقيل: كانت تأخذه الحُمَّى في ذلك الوقت، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا} [الأنبياء: 63]: قال ابن قُتَيْبَة وطائفةٌ: جعل النطق شرطًا لفعل كبيرهم؛ أي: فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، وقال النَّسائيُّ: يُوقَف عند قوله: {بَلْ فَعَلَهُ}؛ أي: فاعله، فأضمره، ثُمَّ يبتدئ فيقول: {كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ} عن ذلك الفاعل، وذهب الأكثرون إلى أنَّها على ظاهرها، والثاني: أنَّه لو كان كذبًا لا توريةَ فيه؛ لكان جائزًا في دفع الظالمين، وقد اتَّفق الفقهاء على أنَّه لو جاء ظالمٌ يطلبُ إنسانًا مختفيًا ليقتله، أو يطلبَ وديعةً لإنسان ليأخذَها غصبًا، وسأل عن ذلك؛ وجب على من علم ذلك إخفاؤُه وإنكارُ العلم به، وهذا كذبٌ جائزٌ، بل واجبٌ؛ لكونه في دفع ظالمٍ، والله أعلم.

3358# قوله: (ح): تَقَدَّمَ الكلام عليها نطقًا وكتابة في أوَّل هذا التعليق؛ فانظر ذلك إن أردته.

قوله: (ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ في ذَاتِ اللهِ): إنَّما خصَّ اثنتين بأنَّهما في ذَاتِ اللهِ؛ لكون الثالثة تضمَّنت نفعًا له وحظًّا مع كونها في ذَاتِ الله؛ لأنَّها سببُ دفعِ كافرٍ ظالمٍ عن مواقعة فاحشةٍ عظيمةٍ، وقد جاء ذلك مفسَّرًا في غير «البُخاريِّ» و «مسلم»، فقال: «ما فيها كذبة إلَّا مَاحَلَ بها عن الإسلام»؛ أي: يجادل ويدافع، والله أعلم.

قوله: (وَسَارَةُ): قيَّدَه بعضهم بتشديد الراء، وهو [2] به صحيحٌ، من السرور، وإنَّما سمعت الناس ينطقون بها بالتخفيف، وقد تَقَدَّمَ ذلك مع زيادةٍ فيما يتعلَّق بنسبها في (باب [3] مَن أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون [4] بينهم).

قوله: (إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ): تَقَدَّمَ الاختلاف في اسم (الجبَّار)، والاختلاف في بلده.

قوله: (لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْركِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا على قوله: (أُخْتِي)، وكذا (غَيْرِي وَغَيْركِ): أنَّه بالرفع والنصب، وهذا مَعْرُوفٌ.

قوله: (وَإِنَّ هذا سَأَلَنِي): (إنَّ): بكسر الهمزة، وتشديد النون.

قوله: (فَأُخِذَ): هو بضَمِّ الهمزة، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا الثانية، وأنَّه غطَّ حتى ركض برجله الأرض، وفي «مسلمٍ» ما معناه: أنَّ يده يبست.

قوله: (فَأُطْلِقَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ، وكذا الثانية.

قوله: (فَأَوْمَأَ): بفتح الهمزتين، الأولى والأخرى.

قوله: (مَهْيَا): قال ابن قرقول: (مَهيَم): كلمةٌ يمانيَّةٌ؛ معناها: ما هذا أو ما شأنُكِ، وجاء للقابسيِّ، وبعض نسخ النَّسَفيِّ، وأبي ذرٍّ في هذا الحرف في حديث سارة: (مهيا)، والأوَّل هو المعروف، ولابن السكن والنَّسَفيِّ أيضًا: (مَهيَن)؛ بالنون، وفي بعض النسخ عن أبي ذرٍّ: (مهيًا)؛ بالتنوين، وكلُّه يُعتبَر ووقع في «الاستملاء» إلَّا الأوَّل، انتهى.

قوله: (تِلْكَ أُمُّكُمْ، يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ [5]): قال كثيرون: المراد بـ (بني مَاءِ السَّمَاءِ): العرب كلُّهم؛ لخلوص نسبهم وصفائه، وقد سبق في (الجهاد) في هذا التعليق كلامٌ للسهيليِّ فيه، وهو كلامٌ حَسَنٌ، وقال القاضي عياض وابن قرقول واللَّفظ لابن قرقول: الأظهر عندي أنَّه أراد بذلك الأنصار خاصَّةً، ونسبهم إلى جدِّهم عامرٍ مَاءِ السَّمَاءِ؛ وهو عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن، وكان يُعرَف بماء السماء، أي: عامرًا كما قدَّمته، وهو مشهورٌ بذلك، والأنصار كلُّهم من ولد حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر المذكور، والله أعلم.

ويقال: إنَّما أراد ماء زمزم، أنبعها الله لهاجرَ فعاشوا بها، فصاروا كلُّهم أولادَها، وهذا عُزيَ لابن حِبَّانَ في «صحيحه»، فقال: كلُّ من كان من ولد هاجر يقال له: ابن ماء السماء؛ لأنَّ إسماعيل من هاجر، وقد ربا بماء زمزم، وهي ماء السماء الذي أكرم الله به إسماعيل حين ولدته أمُّه هاجر، فأولادها أولاد ماء السماء، والله أعلم.

(1/6389)

[حديث: أن رسول الله أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم]

3359# قوله: (أَوِ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ): (ابن سلام): بالتخفيف على الصحيح، كما تَقَدَّمَ، وهو مُحَمَّد بن سلَام البيكنديُّ شيخه، و (ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ الإمام، أحد الأعلام، و (سَعِيد بن المُسَيّب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح ياء أبيه [1] وكسرها، وأن غير أبيه لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أُمُّ شَرِيكٍ): بفتح الشين المُعْجَمَة وكسر الراء، واسمها غزيَّة، أو غزيلة بنت دودان، تَقَدَّمَ الكلام عليها، والاختلاف في أنَّها عامريَّةٌ أو أنصاريَّةٌ أو دوسيَّةٌ، قيل: هي غير التي وهبت نفسها، وقد تَقَدَّمَ.

(1/6390)

[حديث: ليس كما تقولون: {لم يلبسوا إيمانهم بظلم} بشرك]

3360# قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أن غِيَاثًا؛ بكسر الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُخَفَّفة، وبعد الألف ثاء مُثَلَّثَة، و (الْأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان أبو مُحَمَّد الكاهليُّ، و (إِبْرَاهِيمُ): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ رضي الله عنه.

قوله: (إلى قَوْلِ لُقْمَانَ): قال الأكثرون: إنَّ لقمان ليس بنبيٍّ، وقال عكرمة وابن المُسَيّب: إنَّه نبيٌّ، و (ابنُهُ) ماثان، سيأتي الاختلاف في اسمه عند ذكر أبيه [1]، إن شاء الله تعالى.

==========

[1] في (ب): (سيأتي عند ذكر أبيه الاختلاف في اسمه).

[ج 1 ص 876]

(1/6391)

[باب: {يزفون}: النسلان في المشي]

[ج 1 ص 876]

قوله: (باب: {يَزِفُّونَ} [الصافات: 94]: النَّسَلاَنُ [1] فِي المَشْيِ): النَّسَلان في المشي [2] تفسيرٌ لـ {يَزِفُّونَ}، و {يَزِفُّونَ}: فعلٌ مستقبل، و (النَّسَلان): مصدرٌ، وفي هذا تجوُّزٌ؛ لكون أحدهما مشتقٌّ من الآخر، و (النَّسَلان)؛ بفتح النون والسين المُهْمَلَة؛ وهو السرعة في المشي، يقال: نسل ينسِل نَسْلًا ونَسَلانًا؛ إذا أسرع.

==========

[1] في هامش (ق): (النَّسلان: السرعة في المشي مع تقارب الخُطا).

[2] (النَّسَلان في المشي): سقط من (ب).

(1/6392)

[حديث: إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد]

3361# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): هو [1] حَمَّاد بن أسامة، و (أبو حَيَّانَ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الحاء المُهْمَلَة وتشديد الياء المُثَنَّاة تحت، وأن اسمه يحيى بن سعيد بن حيَّان، و (أَبُو زُرْعَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أن اسمه هرِم، وقيل غير ذلك، ابن عمرو بن جرير بن عبدٍ [2] البَجَليُّ.

قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعِل.

قوله: (فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي): (يُسْمِعُهُم): بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه رُباعيٌّ، و (الدَّاعِي): فاعلٌ، والضمير: مفعولٌ.

قوله: (وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ): بفتح أوَّل (ينفذهم)، ويجوز ضمُّه؛ فإن فتحتَ أوَّله؛ فضمَّ الفاء، وإن ضممتَ أوَّله؛ فاكسر الفاء، وبالذال المُعْجَمَة؛ أي: يخرقهم ويتجاوزهم، و (الْبَصَرُ): مَرْفُوعٌ فاعل، وقد رواه الكافَّة بفتحها؛ أعني: الياء؛ أي: يحيط بهم الرائي لا يخفى منهم شيءٌ لاستواء الأرض؛ أي: ليس فيها [حيث] يستتر أحدٌ عن الرائي، وهذا أَولى من قول أبي عبيدٍ: يأتي عليهم بصر الرَّحْمَن، إذ رؤية الله لجميعهم [3] محيطةٌ في كلِّ حالٍ، في المستوي وفي غيره، يُقال: نَفَذَه؛ إذا بلغه وجاوزه.

فائدة: قال ابن الأثير في «نهايته»: قال أبو حاتمٍ: أصحاب الحديث يروونه بالذال المُعْجَمَة، وإنَّما هو بالمُهْمَلَة، ومعناه: أنَّه يبلغ أوَّلهم وآخرهم، انتهى.

قوله: (تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): الضمير في تابعه يعود على أبي هريرة، و (أَنَسٌ): هو ابن مالك الخادم المشهور [4] رضي الله عنه، ومتابعة أنسٍ أخرجها البخاريُّ عن قتادة عنه في (التفسير): وقال لي خليفة عن يزيد [5] بن زريعٍ، ومسلمٌ في (الإيمان) عن أبي موسى وبُنْدار؛ كلاهما عن ابن أبي عديٍّ، والنَّسائيُّ في (التفسير) عن أبي الأشعث عن خالد بن الحارث، وابن ماجه في (الزهد): عن نصر بن عليٍّ عن خالد بن الحارث؛ ثلاثتُهم عن سعيد بن أبي عَروبة، وبعضهم يزيد على بعضٍ في الحديث، حديث النَّسائيِّ ليس في الرواية، ولم يذكره ابن عساكر، وقد أخرج حديث أنسٍ البُخاريُّ أيضًا من حديث معبد [6] بن هلالٍ العَنَزيِّ [7] عنه في (التوحيد) عن سليمان بن حرب [8]، ومسلمٌ في (الإيمان) عن أبي الربيع الزهرانيِّ وسعيد بن زيدٍ؛ ثلاثتهم عن حَمَّاد بن زيدٍ، عنه به، وفيه حديثه عن الحسن عن أنسٍ، والنَّسائيُّ في (التفسير) عن يحيى بن حبيب بن عربيٍّ عن حَمَّاد بن زيدٍ، ولم يذكر فيه حديث الحسن.

(1/6393)

[حديث: يرحم الله أم إسماعيل لولا أنها عجلت لكان زمزم عينًا معينا]

3362# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ): هذا هو الرِّباطيُّ، اعلم أنَّ هذا الحديث رواه النَّسائيُّ عن أحمد بن سعيدٍ هذا، وقد زاد فيه البُخاريُّ عبدَ الله بن سعيد بن جُبَيرٍ، ونقص منه أُبيَّ بن كعبٍ، وقد رواه كثير بن كثيرٍ وغير واحدٍ عن سعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عَبَّاس، ولم يذكروا فيه أبيَّ بن كعبٍ، والله أعلم.

قوله: (عن أَيُّوبَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، الإمام المشهور، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (يَرْحَمُ الله أُمَّ إِسْمَاعِيلَ): هي هاجر، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها، وبنت من هي، ومن أين، رحمة الله عليها [2] ورضي عنها، وسأذكر قريبًا فيها شيئًا؛ فانظره.

قوله: (مَعِينًا): أي: ظاهرًا جاريًا.

(1/6394)

[معلق الأنصاري: أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه عليهم السلام وهي ترضعه]

3363# قوله: (وَقَالَ [1] الْأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابن جُرَيْجٍ): هو مُحَمَّد بن عبد الله الأنصاريُّ، شيخ البُخاريِّ، مشهور الترجمة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلانٌ) وفلان المسند إليه [2] القول شيخه كهذا؛ أنَّه يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (ابن جُرَيجٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ.

قوله: (أَمَّا كَثِيرُ بن كَثِيرٍ؛ فَحَدَّثَنِي): (أمَّا): بفتح الهمزة وتشديد الميم، و (كثير) وأبوه: كلاهما بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة، وهو كثير بن كَثِير بن المُطَّلِب بن أبي وداعة السَّهميُّ المَكِّيُّ، مشهور الترجمة، وثَّقهُ أحمد وابن معين، وقال ابن سعد: كان شاعرًا قليل الحديث، وقال النَّسائيُّ: لا بأس به، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه [3].

قوله: (إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ): (إنِّي): (إنَّ) واسمها، و (عثمانَ): مَنْصُوبٌ؛ لأنَّه معطوفٌ على اسم (إنَّ) [4]، و (ابنَ): مثله مَنْصُوبٌ، و (جُلُوسٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّنٌ، وهو الخبر، وسأذكر قريبًا في إعرابه كلامًا، و (عثمان بن أبي سليمان): هو عثمان بن أبي سليمان بن [5] جبير بن مُطعِمٍ، قاضي مكَّةَ، عن عمِّه، ونافع، وعروة، وعنه: ابن جُرَيجٍ وابن عُيَيْنَة، وثَّقهُ أحمد، وأبو حاتمٍ، وغيرهما، أخرج له مسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقد ترجمت هذا مسرعًا؛ وذلك لأنَّه لم يخرِّج له البُخاريُّ، والله أعلم.

وبخطِّ شيخنا الإمام أبي جعفر: (وعثمانُ)؛ مضمومٌ بالقلم، وكذلك (ابنُ) بعده، وإعرابه ظاهرٌ، واعلم أنَّه إذا عُطِفَ قبلَ الخبر كهذا؛ فأجازه مطلقًا قبلَ الخبرِ الكسائيُّ، وأبو الحسن، وهشامٌ، ورُويَ ذلك عن الخليل إذا أُفرِد الخبرُ، وأجازه الفرَّاء بشرط بقاء الاسم، هذا النَّص عن الفرَّاء، وابن مالكٍ يقول عنه: بشرط خفاء إعراب الاسم، فيندرج فيه المقصور والمضاف إلى ياء المتكلِّم، ويحتاج إلى نقل مذهب الفرَّاء في ذلك، قاله أبو حيَّان شيخ شيوخنا في «ارتشافه»، والله أعلم.

قوله: (مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ): قال بعض الحُفَّاظ العصريِّين: لم يعيِّن المنفيَّ في سعيد، وقد بيَّنه مسلم بن خالدٍ عن ابن جُرَيجٍ بهذا الإسناد أنَّ سعيدًا سئل عن المقام: هل قام عليه إبراهيم [6] لمَّا زار إسماعيل؛ لأنَّ سارة أحلفته ألَّا ينزلَ؟ فقال سعيدٌ: ما هكذا ... إلى آخره، انتهى.

(1/6395)

قوله: (وَأُمِّهِ): أي: آجر، يقال لها: آجر وهاجر، وهي أوَّل امرأةٍ خُفِضَت، كما أنَّ سيدنا وسيِّدها [7] إبراهيم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أوَّل من اختتن من الرِّجال، وأوَّل امرأةٍ جرَّت ذيلَها، وأوَّل امرأةٍ ثقبَت أذنَيها [8]، وذلك أنَّ سارة غضبت عليها؛ فحلفت أن تقطع ثلاثة أعضاءٍ من أعضائها؛ فأمر إبراهيم أن تَبَرَّ قسمَها بثقب أذنَيها وخفاضها، قال ابن أبي زائدة: فصارت سُنَّةً في النِّساء؛ فلما خُفِضَت ورأت الدم؛ سترته بذيلها، فمن ثَمَّ أرخى النساء ذيولهنَّ، قال شيخنا: وفي كلام غيره بعضُه، انتهى.

تنبيهٌ: ثَقْبُ آذان النساء حرامٌ؛ كذا قاله الغزاليُّ في «الإحياء»، وأمَّا أحمد ابن حنبل؛ فنصَّ على جواز ذلك في حقِّ البنت، وكراهته في حقِّ الصبيِّ، وأمَّا الختان للنِّساء؛ فعند الشَّافِعيَّة: أنَّه واجبٌ في الرجل والمرأة، وللعلماء فيه ثلاثة مذاهب؛ هذا أحدها، والثاني: سنَّةٌ فيهما، والثالث: التفصيل بين الذَّكر والأنثى، فيجب على الذكر، ولا يجب على الأنثى، والله أعلم.

قوله: (مَعَهَا شَنَّةٌ): تَقَدَّمَ أن (الشَنَّة): القِربة البالية.

قوله: (لم يَرْفَعْهُ): أي: لم يرفعه؛ يعني: ابن عَبَّاس، وإنَّما قاله من قِبَل نفسه موقوفًا عليه، والله أعلم.

3364# قوله: (وَحَدَّثَنَا [9] عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو المسنديُّ، تَقَدَّمَ، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين بينهما عينٌ ساكنةٌ، وأنَّه ابن راشدٍ، و (أَيُّوب السَّخْتِيَانِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ سينه مُثَلَّثَة، وأنَّه ابن أبي [10] تميمة؛ بفتح المُثَنَّاة فوق في أوَّله وكسر الميم، واسم أبي تميمة كيسان، و (وَكَثِير بْن كَثِيرِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه ووالده بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة.

قوله: (أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ): هو بكسر الميم، ثُمَّ نونٍ ساكنةٍ [11]، ثُمَّ طاءٍ مهملةٍ مفتوحة، ثُمَّ قاف، قال في «المطالع»: هو النِّطاق؛ وهي أن تشدَّ المرأة وسطها على ثوبها حزامًا، ثُمَّ ترسل الأعلى على الأسفل، وقيل: إنَّ هذا هو النِّطاق؛ فإنِّ المنطَق: هو الشيء الذي تشدُّ به وسطها، وقال سحنون: (المِنطَق): الإزار تشدُّه على وسطها، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (النِّطاق)، ولم سُمِّيَت أسماء ذات النطاقَين، فانظره.

قوله: (مِنْ قِبَلِ): هو بكسر القاف، وفتح المُوَحَّدة.

[ج 1 ص 877]

قوله: (لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا): (تُعفِّي): بضَمِّ التاء المُثَنَّاة فوق، وبالعين المُهْمَلَة، وبالفاء، وفي أصلنا: مفتوح العين مشدَّد الفاء بالقلم، ومعناه: تسحب طرف ثوبها على التراب؛ لئلَّا يُعرَف أين ذهبت ولا أنَّها ذهبت، و (أَثَرَهَا): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الهمزة والثاء، ويجوز كسر الهمزة وسكون الثاء، وقد تَقَدَّمَ [ما] قاله شيخنا فيه.

(1/6396)

قوله: (عَلَى سَارَةَ): تَقَدَّمَ أن بعضهم ضبطها بتشديد الراء، وهو صحيحٌ؛ من السرور، وأنا سمعتُ الناس ينطقون بها بالتخفيف، وقد تَقَدَّمَ ذلك مع زيادة نسبِها ضمن (باب من أجرى أمر الأنصار [12] على ما يتعارفونه بينهم)، وقد تَقَدَّمَ قريبًا ضبطها.

قوله: (عِنْدَ دَوْحَةٍ): هي بفتح الدال، وإسكان الواو، ثُمَّ حاء مهملتين مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي الشجرة العظيمة، وقد تَقَدَّمَت في أوائل هذا التعليق.

قوله: (جِرَابًا): تَقَدَّمَ أنَّ الجراب؛ بكسر الجيم، ولا يُفتَح إلَّا في لُغَيَّة حكاها النَّوويُّ رحمه الله.

قوله: (ثُمَّ قَفَّى): هو بالقاف المفتوحة ثُمَّ فاءٍ كذلك مُشَدَّدة؛ أي: ولَّى، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (آللهُ أَمَرَكَ بهذا؟): هو بهمزة الاستفهام، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (إِذًا لَا يُضَيِّعَنَا [13]): هو مَنْصُوبٌ بـ (إذًا)، وفي (يُضَيِّعَنَا) تَقَدَّمَ لغتان: التخفيف والتشديد.

قوله: (اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ): أي: موضعَه؛ لأنَّه لم يُبْنَ إذ ذاك.

قوله: (تُرْضِعُ): هو بضَمِّ التاء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (حَتَّى إِذَا نَفِدَ): هو بكسر الفاء وبالدال المُهْمَلَة؛ أي: فَرَغَ.

قوله: (يَتَلَوَّى، أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ): هو شكٌّ من الراوي، قال شيخنا: (قال الدَّارَقُطْنيُّ: التلبُّط أكثر)، انتهى، و (يَتَلَبَّطُ): هو بفتح المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ فتح المُثَنَّاة فوق، ثُمَّ لام، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة مُشَدَّدة، ثُمَّ طاء مهملة؛ أي: يتقلَّبُ عطشًا.

قوله: (كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إليه): (كَرَاهِيَةَ): تَقَدَّمَ أنها بتخفيف الياء، ويجوز من حيث اللُّغة: كراهي.

قوله: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِذَلِكَ سَعَى [14] النَّاسُ بَيْنَهُمَا): هذا مَرْفُوعٌ، ومن أوَّله إلى هنا موقوفٌ لفظًا مَرْفُوعٌ معنًى؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه.

قوله: (صَهْ؛ تُرِيدُ نَفْسَهَا): (صَهْ): بفتح الصاد المُهْمَلَة وإسكان الهاء: زجرٌ يُقال عند الإسكات، ويكون للواحد والاثنين والجمع، والمذكَّر والمؤنَّث، بمعنى: اسكت، وهي من أسماء الأفعال وتُنوَّن ولا تُنوَّن، فإذا نوَّنتَ؛ فهي للتنكير [15]، كأنَّك قلت: اسكت سكوتًا، وإذا لم تنوِّن؛ فللتعريف؛ أي: اسكت السكوتَ المعروفَ منك.

(1/6397)

قوله: (إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غُوَاثٌ): (غُوَاثٌ): بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وكسرها، وفتحها، وقيَّدَه ابن الخشَّاب وغيره من أهل اللُّغة بفتح الغين، وليس في الأصوات ما يُقال بفتح الفاء غيرَه، وبالواو المُخَفَّفة، وبعد الألف ثاءٌ مُثَلَّثَة، قال في «المطالع»: بفتح الغين للأصيليِّ، وعند أبي ذرٍّ بضَمِّ الغين، ورواه بعضهم: بالكسر [16]، والكلُّ صحيحٌ، إلَّا أنَّ أكثر ما يأتي في الأصوات بالضَّمِّ؛ كالنُّباح، والكسر؛ كالنِّداء، والفتح شاذٌّ في هذا الحرف فقط، وفي «النهاية»: الغَواث؛ بالفتح؛ كالغِياث؛ بالكسر، من الإغاثة، وقد أغاثه يغيثُه، وقد روي بالضَّمِّ والكسر، وهما أكثر ما يجيء في الأصوات، كالنُّباح والنِّداء، والفتح فيها شاذٌّ، انتهى، وليس فيه زيادةٌ على ما قاله في «المطالع»، وإنَّما فيه تفسير (الغواث)؛ فلذا ذكرته.

قوله: (فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ): هو جبريل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [17]، وسيأتي التصريح به.

قوله: (فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ: بِجَنَاحِهِ): هذا شكٌّ من الراوي، وسيأتي التصريح بأنَّه بعقبه، و (العقب): مؤخَّر القدم، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ هذا الماء لهذا المولود ولعقبه من بعده.

قوله: (حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ): لا شكَّ أنَّ إجراء زمزم كان إنعامًا محضًا، لم يَشُبْهُ كسبُ البشر، فلمَّا دخل الحِرْص؛ وقفت تلك النعمةُ، ووُكِلَت إلى تدبيرها، وأفاد الإمام الزمخشريُّ محمود بن عمر رحمه الله وعفا عنه [18] في «ربيعه»: أنَّها أُنْبِطَت [19] قبلُ لآدم حتى انقطعت زمن الطوفان أيضًا، ثُمَّ لإسماعيل [20]، والله أعلم.

قوله: (فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الحاء المُهْمَلَة بعده، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ ضاد معجمة، ثُمَّ هاء الضمير، كذا في أصلنا بالقلم، يقال: حاض يحوض اتَّخذ حوضًا، وحاض الماءَ حوضًا: جمعه، ومنه اشتقاق الحوض، ولا يمتنع أن يجيءَ فيه التشديد للمبالغة، وقوله: (تحوِّضه)؛ أي: تحفر له كالحوض يستقرُّ فيه أو يسيل إليه.

قوله: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَرْحَمُ اللهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ ... ) إلى: (مَعِينًا): هذا مَرْفُوعٌ أيضًا، وقدَّمت أنَّ بقيَّة الحديث موقوفٌ لفظًا مَرْفُوعٌ معنًى؛ لأنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه؛ كان مرفوعًا، وهذه القاعدة نصَّ عليها الشَّافِعيُّ في اختلاف الحديث، رُوي عن عليٍّ رضي الله عنه: أنَّه صلَّى في ليلةٍ ستَّ رَكَعَاتٍ، في كلِّ ركعةٍ ستُّ سَجَدَاتٍ، قال الشَّافِعيُّ: ولو ثبت ذلك عن عليٍّ [21]؛ لقلت به؛ لأنَّه لا مجال للقياس فيه، والظاهر أنَّه فعله توفيقًا، انتهى، وكذا قال الإمام في «المحصول»، وكذا قال غيرهما من أئمَّة الحديث.

[ج 1 ص 878]

قوله: (لاَ يُضِيعُ [22] أَهْلَهُ): هو بالتخفيف، وهي لغة القرآن، ويجوز التشديد.

قوله: (رُفْقَةٌ): هي بضَمِّ الراء وكسرها.

(1/6398)

قوله: (مِنْ جُرْهُمَ): هو بضَمِّ الجيم والهاء، وإسكان الراء بينهما، وميم في آخره: حيٌّ من اليمن، وهم أصهار إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، و (جرهم): إن شئتَ؛ صرفتَه، وإن شئتَ؛ لا، هو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرْفَخشذ بن سام بن نوح، ويقال: جرهم بن عابر، وقد قيل: إنَّه كان مع نوح في السفينة، وذلك أنَّه من ولد ولده، وهم من العرب العاربة، ومنهم تعلَّم إسماعيل العربيَّة، وقيل: إنَّ الله أنطقه بها إنطاقًا وهو ابن أربع عشرة سنةً، انتهى كلام السُّهَيليِّ في أوائل «روضه»، وسيأتي في أوَّل (المناقب) في (مناقب قريش) الكلامُ على قحطان.

قوله: (مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ): هو بفتح الكاف، ممدودٌ، كذا في أصلنا، وكذا في نسخة شيخنا أبي جعفرٍ بخطِّه، وفي نسخةٍ في طرَّة أصلنا كذا: بضَمِّ الكاف مُنَوَّن، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (كَدَاء) و (كُدًى) في (الحجِّ)، وقد ذكره ابن قرقول، وذكر أنَّ في شعر حسَّان: (موعدها كَدَاء)، قال: وفي حديث هاجر: «مقبلين من كَدَاء»؛ يعني: فهاتان بالمدِّ والفتح، ثُمَّ اعلم [23] أنِّي رأيت شيخنا قال فيه: كذا ضبطه الدِّمْيَاطيُّ بخطِّه بالضَّمِّ، وصرَّح به ابن الجوزيِّ حيث قال: الفتح والمدُّ: أعلى مكَّة، والضمُّ والقصر: أسفلها، وهو المراد هنا؛ لأنَّه قال: فنزلوا أسفل مكَّة، وهو موضعٌ يُخرَج منه من مكَّة إلى اليمن، انتهى.

قوله: (طَيرًا [24] عَائِفًا): أي: حائمًا على الماء؛ ليجد فُرصةً فيشربَ، وقد عاف يعيف عيْفًا.

قوله: (فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ): (الجَرِيُّ): بفتح الجيم، وكسر الراء، وتشديد الياء، قال الخليل: الجريُّ: الرسول؛ لأنَّك تُجريه في حوائجك، وقال أبو عُبيد: الوكيل، قال ابن الأنباريِّ: الذي يتوكَّل عند القاضي وغيره، وقيل: الأجير.

قوله: (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخر كلامه عليه السلام [25]: هذا القدر مَرْفُوعٌ، والباقي موقوفٌ على ابن عَبَّاسٍ، كما تَقَدَّمَ.

قوله: (فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ): (ألفى): وجد، و (أمَّ): مَنْصُوبٌ مفعول.

قوله: (تُحِبُّ الإِنْسَ): هو بكسر الهمزة في أصلنا، والذي أحفظه: بضمِّها، وهما قريبان [26]، ثُمَّ رأيتها بالضَّمِّ في خطِّ شيخنا أبي جعفرٍ، ثُمَّ رأيت بعضهم قيَّدَه بهما.

قوله: (وَشَبَّ [27] الْغُلَامُ): أي: كَبُرَ.

(1/6399)

قوله: (وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ): فيه ردٌّ لما في «المستدرَك» _وقد رأيته في بعض كتب الأوائل_: أنَّ [28] أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة إِسْمَاعِيل، ولفظ «المستدرك» في إِسْمَاعِيل موقوفًا على ابن عَبَّاسٍ، كما أنَّه هنا (إنَّه تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ منهم) موقوفٌ عليه «أوَّل من نطق بالعربيَّة ... » إلى آخر الحديث، وفي سنده عبد العزيز بن عمران، وهو واهٍ، تعقَّب الذَّهَبيُّ الحديث المذكور في «تلخيصه» به، وقد تَقَدَّمَ كلام السُّهَيليِّ، وقد ذكر شيخنا ما في «المستدرك» ولم يتعقَّبه، قال: وذكر ابن إسحاق ... ، فذكر إسناده إلى أبي ذرٍّ مرفوعًا: أنَّه أوَّل من كتب بالعربيَّة، قال أبو عمر: هو أصحُّ من رواية مَن روى: أنَّه أوَّل من تكلَّم بها، قال: وفي «أدب النَّحَّاس» بإسناده إلى عليٍّ مرفوعًا: «أوَّل من أنطق الله لسانه بالعربيَّة الُمبِينة إِسْمَاعِيل، وهو ابن أربع عشرة سنةً»، وأثنى أبو عُبيدة على إسناده، وذكر له أبو عمر متابعًا في كتابه «القصد والأمم»، وقال ابن سعدٍ: أَخْبَرنَا الأسلميُّ _يعني والله أعلم: الواقديَّ_ عن غير واحدٍ من أهل العلم: أنَّ إِسْمَاعِيل أُلهم من يوم وُلَد لسانَ العرب، وقال هشام بن مُحَمَّدٍ: (قال الشرقيُّ: عربيَّة إِسْمَاعِيل أفصح من عربيَّة يعرب بن قحطان)، وقال النَّحَّاس: (عربيَّة إِسْمَاعِيل هي الَّتي أُنزِل بها القرآن، وأمَّا عربيَّة حِميَرَ وبقايا جُرْهُم؛ فغير هذه العربيَّة وليست فصيحةً)، وعن أبي عمرو بن العلاء قال: أوَّل من فَتَقَ الله لسانَه بالعربيَّة المبينة إِسْمَاعِيلُ، قال أبو عمر: لا يصحُّ غير هذا، وفي «الوشاح» لابن دُرَيدٍ: أوَّل من تكلَّم بالعربيَّة القديمة يَعْرُبُ بن قحطان، ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ، انتهى، ولعلَّ الجمع بين هذا وبين ما في «الصحيح» _إن صحَّ هذا_: أنَّ إِسْمَاعِيل أوَّل من تكلَّم بها مبينة فصيحة، والله أعلم.

قوله: (وَأَنْفَسَهُمْ): هو بفتح الفاء؛ أي: أَعْجَبَهُمْ وعَظُمَ في نفوسِهم.

قوله: (زَوَّجُوهُ امْرَأَةً منهم): ستأتي تسميتُها قريبًا.

قوله: (يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ [29]): سيأتي قريبًا الكلام عليها.

قوله: (يَبْتَغِي) [30]: أي: يطلب؛ يعني: الصيد.

قوله: (كَأَنَّهُ آنَسَ): هو بمدِّ الهمزة؛ أي: أبصر، ورأى شيئًا لم يعهده، يقال: آنست؛ أي: علمتُ، واستأنست: استَعْلَمْتُ.

قوله: (جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا): (شَيْخٌ): مُنَوَّنٌ مَرْفُوعٌ؛ أي: شيخٌ صفته كَذَا وَكَذَا.

قوله: (ذَاكِ): هو بكسر الكاف؛ خطاب لمؤنَّثٍ، وهذا مَعْرُوفٌ.

قوله: (الْحَقِي): هو بهمزة وصلٍ، فإن ابتدأتَ بها؛ فاكسِرْها؛ لأنَّه ثُلاثيٌّ.

[قوله]: (وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى): الثانية ستأتي تسميتُها قريبًا، والاختلاف فيه.

قوله: (وَدَخَلَ [31] عَلَى امْرَأَتِهِ): هذه هي الثانية، وستأتي تسميتُها مع الاختلاف فيه.

(1/6400)

قوله: (فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لم يُوَافِقَاهُ): (يَخْلُو): بالخاء المُعْجَمَة، وقوله (يُوَافِقَاهُ): قال ابن قرقول: يعني الماء واللَّحم، قال المطرِّز: أخلى الرجل على اللَّبن؛ إذا لم يشرب سواه، وفي «البارع»: خلا؛ ثُلاثيٌّ بمعناه، وقيل: يخلو: يعتمد، والمعنى واحدٌ، انتهى، ولابن الأثير نحوه.

قوله: (وَمُرِيهِ يُثبِتُ [32]): يجوز في (يُثبِتُ) [33]: الجزم والرفع، وإعرابهما ظاهران.

قوله: (ذَاكِ أَبِي): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّثٍ.

قوله: (إِنَّ [34] اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَهُنَا بَيْتًا): سيأتي الكلام عليه، وعلى ما يجيء بعده، و (الأَكْمَة): الرابية، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها مُطَوَّلًا.

قوله: (بِهَذَا الْحَجَرِ): يعني: حجر المقام.

قوله: (حَتَّى يَدُورَا [35]): هو مستقبل (دار)، وفي نسخة: (تدَوَّرا)؛ بفتح أوَّله وثانيه [36] وثالثه المشدَّد.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قال) بلا واوٍ.

[2] في (أ): (إلى).

[3] زيد في (أ): (قوله)، وهو تكرارٌ.

[4] (إنَّ): سقط من (ب).

[5] (بن): سقط من (ب).

[6] في (ب): (أو هم)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (كما أن لسيدها وسيدنا).

[8] في (ب): (أذنها).

[9] كذا في النسختين، وهي في (ق) بلا واو، وصحَّت من رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق): (حدَّثني).

[10] (أبي): سقط من (ب).

[11] في (ب): (وسكون النون).

[12] في (ب): (الأمصار)، وكذا في «اليونينيَّة»، والمثبت موافق لما في (ق)، ويراجع موضعه في هذا الكتاب.

[13] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (يضيِّعُنا)؛ بالرفعِ.

[14] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وابن عساكر، وفي «اليونينيَّة»: (فَذَلِكَ سَعْيُ).

[15] في (ب): (للتكثير)، وهو تحريفٌ.

[16] وهي رواية «اليونينيَّة».

[17] في (ب): (عليه السلام).

[18] (وعفا عنه): سقط من (ب).

[19] في (ب): (انبسطت).

[20] زيد في (ب): (عليه السلام).

[21] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[22] في هامش (ق): («يُضيعُ»: لغة القرآن).

[23] (اعلم): سقط من (ب).

[24] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (طَائِرًا).

[25] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[26] في (ب): (قولتان).

[27] في (ب): (وثب)، وهو تحريفٌ.

[28] (أن): سقط من (ب).

[29] في هامش (ق): (قوله: «يطالع تركته»: التركة: قال ابن الأثير في «النهاية»: بسكون الراء في الأصل: بيض النعام، وجمعها: ترك؛ يريد به ولده إسماعيل وأمه هاجر لما تركهما بمكة، قيل: ولو روي بكسر الراء؛ لكان وجهًا من التركة؛ وهي الشيء المتروك، ويقال لبيض النعام: تريكة، وجمعها: ترائك).

[30] في (ب): (ينبغي)، وهو تصحيفٌ.

[31] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (فَدَخَلَ).

[32] في (ب): (ببيت)، وهو تصحيفٌ.

[33] في (ب): (بيت)، وهو تحريفٌ.

(1/6401)

[34] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فإنَّ).

[35] في (ب): (تدرا)، وهو تحريفٌ.

[36] في النُّسخَتَينِ: (وثالثه)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

(1/6402)

[حديث: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج]

3365# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المسنديُّ، وقد قَدَّمْتُ [1] أنَّه كذلك في (الشرب).

قوله: (لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ أَهْلِهِ مَا كَانَ): يشير إلى قصَّة غَيرَةِ سارة من هاجر لمَّا ولدت إسماعيل.

قوله: (ومَعَهَا [2] شَنَّةٌ): تَقَدَّمَ أنها القِربة البالية.

قوله: (فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ): هي آجر، وقد تَقَدَّمَت.

قوله: (وَيَدِرُّ لَبَنُهَا): هو بكسر الدال، ورأيت في نسخةٍ صحيحةٍ بكسر الدال وضمِّها بالقلم، وكُتِب عليه (معًا).

قوله: (تَحْتَ دَوْحَةٍ): هي الشجرة العظيمة، تَقَدَّمَت.

قوله: (كَدَاءً): هو [3] بفتح الكاف، ممدودٌ، مصروفٌ، تَقَدَّمَ في [4] (الحجِّ).

قوله: (هَل تُحِسُّ أَحَدًا): (تُحسُّ): بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، ويقال: ثُلاثيٌّ.

قوله: (فَصَعِدَتِ): هو بكسر العين، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (يَنْشَغُ): هو بفتح أوَّله، وسكون النون، ثُمَّ شين معجمة مفتوحة [5]، ثُمَّ غين معجمة أيضًا، يقال: نشغ ينشغ؛ بالفتح فيهما؛ ومعناه: يعلو [6] نَفَسه كالشهيق من شدَّة ما يَرِدُ عليه من شوقٍ أو أسفٍ حتَّى يكاد يدركه الغَشْيُ.

قوله: (فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا): (تُقِرَّها): بضَمِّ أوَّله وكسر القاف، والضمير مفعولٌ، و (نفسُها): بالرفع فاعلٌ.

[قوله]: (فَقَالَ بِعَقِبِهِ): هو مؤخَّر القدم، وإنَّما غمز الأرض بعقبه [7]، فيه إشارة إلى أنَّ هذا الماء لهذا المولود ولعقبه، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (فَانْبَثَقَ الْمَاءُ): هو بالوصل وسكون النون، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ ثاء مُثَلَّثَة مفتوحة، ثُمَّ قاف؛ أي: انفجر، يقال: بِثْق وبَثْق، لموضع انفجار الماء.

قوله: (فَدهشَتْ): هو بالبناء للمفعول وللفاعل، لغتان معروفتان.

قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكَتْهُ؛ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا»): هذا مَرْفُوعٌ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الباقيَ موقوفٌ، وهو في حكم المرفوع.

قوله: (فَنَكَحَ مِنْهُمُ [8] امْرَأَةً): هذه المرأة سمَّاها السُّهَيليُّ في «روضه»: جَدَّاء بنت سعدٍ، انتهى، وسيجيء في المرأة الثانية ذكر من عزاه السُّهَيليُّ [9] إليه.

قوله: (بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بدَا): بغير همزٍ: ظهر، وهذا ظاهِرٌ.

(1/6403)

قوله: (تَرِكَتِي): قال ابن الأثير في «نهايته»: الترْكة؛ بسكون الراء في الأصل: بَيض النعام، وجمعها: تَرْك، يريد به: ولدَه إسماعيل وأمَّه هاجر، تركهما بمكَّة، قيل: ولو روي بكسر الراء؛ لكان وجهًا، من التركة؛ وهو الشيء المتروك، ويقال لبيض النعام: تريكة، وجمعها: ترائكُ، انتهى، وقال في «المطالع»: يطالع تركته؛ أي: ولده الذي تركه بالمكان القَفْرِ، انتهى، وفي أصلنا: (تَرِكَتِي): بكسر الراء، ثُمَّ أُصلِحَت على (تِرْكَتِي) و (تَرْكَتِي)، وقد رأيت في نسخةٍ صحيحةٍ هذه اللَّفظةَ هنا ساكنةَ الراء، وعليها (صح)، وفي المكان الثاني: ضبطها كذلك وصُحِّحَ، ثُمَّ كُتِب في الحاشية ما لفظه: دار الذهب: (تَرِكَتِي)؛ بكسر الراء هنا وفي الموضعين بعده، انتهى.

قوله: (أَنْتِ ذَاكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنه خطاب لمؤنَّثٍ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بغير همزٍ؛ أي: ظهر.

قوله: (تَرِكَتِي): يأتي فيه ما قدَّمته أعلاه.

قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ): هذه المرأة الثانية، قال السُّهَيليُّ: المرأة الثانية _التي قال له أبوه معها: (ثَبِّت عتبة بابك) في الزَّورة الثانية_ يقال: اسمها سامة بنت مهلهل، ذكرها والتي قبلها الواقديُّ في «انتقال النور» [10]، وذكرهما المسعوديُّ أيضًا، قال السُّهَيليُّ: وقد قيل في الثانية: عاتكة، انتهى، ذكره في أوَّل «الروض»، وذكر شيخنا قولًا آخر عن السُّهَيليِّ في اسم هذه الثانية: أنَّه السيِّدة، ولم أرَه أنا في «روضه»، قال شيخنا: وعند ابن سعدٍ: أمُّ ولد إسماعيل رعلة [11] بنت مضاض بن عمرو الجرهميِّ [12]، وعند الكلبيِّ: رعلة بنت يعرُب بن يشجُب بن لوذان بن جرهم، وعند الجونيِّ [13]: هالة بنت الحارث بن مضاض، ويقال: سلمى، ويقال: الخيفا، انتهى؛ فحصل في اسمها خلافٌ؛ وهو: سامة، وقيل: عاتكة، وقيل: السيِّدة، وقيل: رعلة، وقيل: هالة، وقيل: سلمى، وقيل: الخيفا؛ فهذه سبعة أقوالٍ في هذه الثانية، والله أعلم.

قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: قال هشام بن الكلبيِّ: هي رعلة بنت يشجُب بن يعرُب بن لوذان بن جرهم، قال الحافظ المشار إليه لمَّا ذكر الأقوال في اسمها: قلت: والنفس إلى ما قال ابن الكلبيِّ أَمْيلُ، والله أعلم.

قوله: (فَتَطْعَمَ): هو بفتح التاء؛ أي: تأكل، مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ، و (وَتَشْرَبَ): معطوف عليه.

قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم [14]): وهذا القدر مَرْفُوعٌ فاعله.

قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بَدَا) بغير همز؛ أي: ظهر، وقد تَقَدَّمَ أعلاه [15].

قوله: (تَرِكَتِي): تَقَدَّمَ أعلاه الكلام عليه.

(1/6404)

قوله: (إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ له بَيْتًا، وأَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عليه؛ قال: إِذَنْ أَفْعَلَ): لا مخالفة بين هذا وبين ما تَقَدَّمَ؛ فيجوز أن يكون طلب منه الإعانة أوَّلًا؛ فأجاب، ثُمَّ أخبره ثانيًا: أنَّ الله أمره بها، والله أعلم.

تنبيهٌ: رأيت من يحتجُّ بهذا الحديث على أنَّ الذَّبيح إسحاقُ، وقال: إنَّه لم يذكر في الحديث أنَّه جاء إليه وهو صغيرٌ، وإنَّما جاء إليه وهو كبيرٌ، وقد نكح ثُمَّ طلَّق، ثُمَّ جاء إليه وقد تزوَّج الثانية، فلم يجدْه، ثُمَّ جاءه مَرَّةً ثالثةً، فوجده، فأين الذبح؟ والجواب: أنَّ في «مسند أحمد» بسنده إلى أبي الطفيل قال: قلت لابن عَبَّاسٍ: يزعم قومُك أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يسعى بين الصفا والمروة، وأنَّ ذلك سنَّةٌ، قال: صَدَقوا، إنَّ إبراهيم عليه السلام [16] لمَّا أُمِر بالمناسك؛ عرض له الشيطان ... إلى أن قال: قد تلَّه، قال يونس _المذكور في سند الحديث_: وثمَّ تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل قميصٌ أبيضُ، فقال: يا أبة؛ ليس لي ثوبٌ تكفِّنني فيه غيره؛ فاخلعه [17] حتَّى تكفِّنني فيه، فعالجه ليخلعَه، فنودي: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104 - 105]، فالتفت إبراهيم؛ فإذا هو بكَبشٍ أبيضَ، أقرنَ، أعينَ ... ؛ الحديث، وفيه أيضًا عن ابن عَبَّاسٍ فذكره، إلَّا أنَّه قال: (وثمَّ تلَّ إبراهيمُ إسماعيلَ للجبين)؛ فاستفِدْه، وقد أخرج هذا الإمام أحمد في «المسند»، فهو عنده مَرْفُوعٌ، وهذا قد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجالَ للاجتهادِ فيه؛ أنَّه يكون مرفوعًا، وأنَّ الشَّافِعيَّ قد نصَّ على مثل هذا، والإمام فخر الدين في «المحصول»، وكذا ذكر الحاكم في «المستدرك» بعض هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ موقوفًا عليه، فهو عنده أيضًا مَرْفُوعٌ في المعنى، والكلام على الذبيح؛ أهو إسماعيل _وهو الصواب_ أو إسحاق؟ وذكر الأدلَّة يُخرِجُني عمَّا قصدتُه، وقد ذكر ابن القَيِّمِ في ذلك كلامًا حسنًا، ورَدَّ أنَّه إسحاق من ثلاث آياتٍ في القرآن، وقد رأيت الاستدلال ببعضها لبعض السلف، وذكر فيه كلامًا عن ابن تيمية أبي العَبَّاس، فإن أردته؛ فانظره في أوائل «الهَدْيِ»؛ فإنَّه كلامٌ حسنٌ، والله أعلم.

==========

[1] زيد في (ب): (ذلك).

[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وَمَعَهُمْ).

[3] في (ب): (هي).

[4] في (ب): (فما)، وهو تحريفٌ.

[5] في (أ): (مفتوحتين).

[6] في النسختين: (تعلو)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[7] في (ب): (بقدمه).

[8] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فِيهِمُ).

[9] (السُّهيلي): سقط من (ب).

[10] (انتقال النور): ضرب عليه في (ب).

[11] في (ب): (رعيلة).

[12] في (ب): (الجربلمي)، وهو تحريفٌ.

[13] في (ب): (الجرمي)، وهو تحريفٌ.

[14] قوله: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[15] في (ب): (بظاهرها).

(1/6405)

[16] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[17] في (أ): (فاجعله).

[ج 1 ص 879]

(1/6406)

[حديث: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام]

3366# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه التَّبُوذكيُّ، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته في أوائل هذا التعليق، والكلام على هذه النسبة لماذا نُسِبَ، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (عَبْدِ الوَاحِدِ)، وهو ابن زياد العبديُّ، وأنَّ له ما يُنكَر، وأن صاحبَي «الصحيح» تجنَّبا ما أُنكِر من رواياته، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن مِهْرَان مرارًا، وتَقَدَّمَ (إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ): هو إبراهيم بن يزيد بن شريك بن طارق التيميُّ، من تيم الرِّباب، وتَقَدَّمَ (أَبُو ذرٍّ): جندب بن جنادة، وقيل غير ذلك، وسأذكره، رضي الله عنه.

قوله: (أَيُّ مَسْجِدٍ ... ) إلى قوله: (كَمْ [1] بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوائل هذا التعليق، وأنَّ سليمان جدَّده ولم يؤسِّسه، والذي أسَّسه هو يعقوب بن إسحاق، والله أعلم.

[ج 1 ص 879]

قوله: (ثُمَّ أيٌّ [2]): يجيء فيه ما ذكرته في أوائل هذا التعليق؛ هل هو (أيُّ) والسائل ينتظر الجواب، أو (أيٌّ) مُنَوَّنة مرفوعة؟ وكلامُ مَن تكلَّم فيه.

(1/6407)

[حديث: هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة]

3367# قوله: (طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الحبِّ، وأنَّ الصحيح أنَّه حقيقةٌ، ولا مانع منها، والله أعلم.

قوله: (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا): تَقَدَّمَ الكلام على (اللابتَين)، وأنَّهما الحَرَّتان، وضبط (اللابة)، وأنَّ الحرَّة: أرضٌ تركبها حجارةٌ سودٌ.

قوله: (رَوَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أخرجه البُخاريُّ ومسلمٌ من حديث عبَّاد بن تميم عنه.

(1/6408)

[حديث: ألم تري أن قومك بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم]

3368# قوله: (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا [1] عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللهُ عَنْهَا [2] ... )؛ الحديث: (ابن أبي بكر): هو عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصِّدِّيق، أخو القاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، قال المِزِّيُّ في «أطرافه» في هذا الحديث: ومَن قال: إنَّه ابن أبي عتيق؛ فقد أخطأ، انتهى، والذي قال: (إنَّه ابن أبي عتيق) هو خلفٌ في «أطرافه».

وفي آخر هذا الحديث في هذا «الصحيح» هنا: (قَالَ [3] إِسْمَاعِيلُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ)، انتهى، و (إسماعيل) هذا: هو ابن أبي أويس، ابن أخت مالكٍ، وقد أخرجه البُخاريُّ من طريق إسماعيل في «التفسير»، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلانٌ) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه كهذا؛ يكون أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، والله أعلم.

قوله: (مَا أُرَى): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّ.

قوله: (يَلِيَانِ الْحِجْرَ): هو بكسر الحاء وإسكان الجيم، وهذا ظاهِرٌ معروفٌ.

==========

[1] الترضية ليست في «اليونينيَّة» و (ق).

[2] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة»: (عنهم)، والترضية ليست في (ق).

[3] كذا في النسختين، وهي رواية أبي ذرٍّ عن المستملي والكشميهني، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (وقال)؛ بزيادة واو.

[ج 1 ص 880]

(1/6409)

[حديث: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته]

3369# قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ): (سُلَيم): بضَمِّ السين وفتح اللام، و (الزُّرَقيُّ): بضَمِّ الزاي، وفتح الراء، وبالقاف، وهذا مَعْرُوفٌ مشهورٌ.

قوله: (أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الرَّحْمَن بن عمرو بن سعد، وقيل: ابن المنذر بن سعد، الخزرجيُّ، مدنيٌّ، تُوُفِّيَ في آخر خلافة معاوية [1]، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند».

(1/6410)

[حديث: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد]

3370# قوله: (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): أمَّا (قيس بن حفص)؛ فهو الدارميُّ البصريُّ، يروي عن أبي عوانة وطبقتِه، وعنه: البُخاريُّ، وابن الضُّرَيس، وجماعةٌ، وثَّقهُ ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخٌ، تُوُفِّيَ سنة (227 هـ) أو نحوها، أخرج له البُخاريُّ فقط، وأمَّا (موسى بن إسماعيل)؛ فهو التَّبُوذكيُّ الحافظ، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوةَ [1] مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ): هو بإسكان الميم، وبالدال المُهْمَلَة، نسبة إلى القبيلة، قال ابن قرقول: إلَّا أنَّ في «البُخاريِّ» و «مسلم»: (مسلم بن سالم الهَمَذانيُّ)، كذا وقع في جميع النسخ، وضبطه الأصيليُّ بسكون الميم بخطِّ يده، وهو الصحيح، ووجدته في بعض نسخ النَّسَفيِّ بفتح الميم وذال معجمة، وهو وَهَمٌ؛ وإنَّما نسبته زهريٌّ، ويُعرَف بالجُهَينِيِّ، كذا قاله البُخاريُّ: وبالجُهَينِيِّ يُعرَف؛ لأنَّه كان نازلًا فيهم، انتهى.

وقال الجَيَّانيُّ في «تقييده»: وأُرَاه وَهمًا، قال أحمد ابن حنبل: أبو فروة الهَمْدانيُّ: اسمه عروة، وأبو فروة الزبيديُّ: اسمه مسلم بن سالم، قال: وكان ابن مهديٍّ لا يفصل بين هذين، وهذا اللفظ في الجملة وقع في «البُخاريِّ» على الوهم، وليس بهَمْدانيٍّ على الوجهين معًا، وقد ذكر ابن أبي خيثمة حديثَ البُخاريِّ هذا، فقال: فيه أبو فروة الجُهَينيُّ [2]، وهو الصواب، انتهى.

تنبيهٌ: ليس في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» و «المُوَطَّأ» أحدٌ مِن البلد التي هي بفتح الميم وبالذال المُعْجَمَة.

تنبيهٌ ثانٍ: ليس في الصَّحَابة ولا التابعين ولا أتباع التابعين أحدٌ من البلدِ، وأكثر المُتَأخِّرين منها، ولا يمكن استيعابُ الفريقَين، والله أعلم.

قوله: (لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ العين، وإسكان الجيم، صَحَابيٌّ مشهورٌ، رضي الله عنه.

قوله: (أَلَا): هي بفتح الهمزة، وتخفيف اللام.

قوله: (أُهْدِي): هو بضَمِّ الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَأَهْدِهَا): هو بفتح الهمزة، تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه رُباعيٌّ.

قوله: (سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (سألْنا): بإسكان اللام، والضمير فاعل، و (رسولَ): مَنْصُوبٌ مفعولٌ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ): هو بنصب لام (أهلَ)، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قُرَّة).

[2] في (ب): (الجهني).

[ج 1 ص 880]

(1/6411)

[حديث: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق]

3371# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الجيم، وكسر الراء، وأنَّه ابن عبد الحميد الضَّبِّيُّ القاضي، وتَقَدَّمَ (مَنْصُور): أنَّه ابن المعتمر.

قوله: (عَنِ الْمِنْهَالِ): هو المنهال بن عمرو الأسَديُّ مولاهم، عن ابن الحنفيَّة وزِرٍّ، وعنه: الأعمش، وشعبة، وروايته عنه في «النَّسائيِّ»، ثُمَّ تركه بأَخَرَةٍ، ووثَّقهُ ابن معين، أخرج له البُخاريُّ والأربعة، قال ابن أبي حاتم: إنَّما تركه شعبة؛ لأنَّه سمع من داره صوت قراءة بالتطريب، وقال ابن معين والنَّسائيُّ: ثقةٌ، وقال وهب بن جرير عن شعبة قال: أتيت منزل مِنهال بن عمرو، فسمعت منه صوت الطُّنبور، فرجعت ولم أسأله، قلت: فهل سألتَهُ؛ عسى كان لا يعلم؟ له ترجمة في «الميزان».

تنبيهٌ: لهم (المنهال بن عمرو) شيخٌ آخرُ حدَّث عن شعبة، قال الذَّهَبيُّ: ما علمت أنَّ أحدًا تكلَّم فيه، ولا هو بمشهورٍ، انتهى، هذا ليس له شيءٌ في الكتب ولا مؤلَّفاتهم المذكورة في «التهذيب» للمِزِّيِّ.

قوله: (إِنَّ أَبَاكُمَا): يعني: إبراهيم الخليل صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1].

قوله: (التَّامَّةِ): هي الكلمة الكاملة، ومعنى كمال الكلمات: أنَّه لا يدخلها نقصٌ ولا عيبٌ؛ كما يدخل في كلام الناس، وقيل: (التامَّة): النافعة والشافية ممَّا يُتعوَّذ منه بها، وقيل: (الكلمات) ههنا: القرآن.

قوله: (مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ): (الهامَّة): بتشديد الميم، قيل: الحيَّة وكلُّ ذي سمٍّ، وجمعها: هوامُّ، وأمَّا ما لا يقتل ويَسمُّ؛ فهي السَّوامُّ؛ كالزنبور، وقيل: الهوامُّ: دوابُّ الأرض التي تهمُّ بالناس، وقال شيخنا: قال الداوديُّ: يعني: شياطين الإنس والجنِّ، انتهى.

[ج 1 ص 880]

قوله: (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ): (لامَّة) [2]: بتشديد الميم أيضًا؛ أي: ذات لَمَمٍ بإصابتها وضُرِّها، وبه لَمَمٌ؛ أي: جنون، وقوله: (لامَّة): قياسه: مُلِمَّة، لكن عدل عنه؛ ليوافق لفظ (هامَّة)؛ فيكون ذلك أخفَّ على اللسان، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (عليه السلام).

[2] (لامة): سقط من (ب).

(1/6412)

[باب: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}]

(1/6413)

[حديث: نحن أحق من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى}]

3372# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، و (يُونُسُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا، مُحَمَّد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، أحد الأعلام وحفَّاظ الإسلام، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و (سَعِيد بْن المُسَيّبِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح ياء (المُسَيّب) وكسرها، وأنَّ [1] غيرَه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يُقال إلَّا بفتحها، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ): معناه: لم يشكَّ إبراهيمُ، ونحن كذلك؛ فهو نفيٌ للشكِّ، لا إثباتٌ له، وقيل: بل قال ذلك على سبيل التواضع والتقديم لأبيه إبراهيم عليه السلام؛ أي: أنَّه لم يشكَّ، ولو شكَّ؛ لكنتُ أنا أحقُّ بالشكِّ منه، كأنَّه قال: لا أشكُّ، فكيف إبراهيم عليه السلام؟! وقيل: قال ذلك جوابًا لقوم قالوا: شكَّ إبراهيم ولم يشكَّ نبيُّنا، فقال هذا، قال عياض: ويحتمل أنَّه أراد منه الذين يجوز عليهم الشكُّ، وفيه أقوالٌ كثيرةٌ غير هذه، والله أعلم، ومنها ما ذكره صاحب «الأمثال السائرة»: أنَّ (أفعل) يأتي في اللغة لنفي المعنى عن الشيئَين؛ نحو: الشيطان خيرٌ من فلان؛ أي: لا خير فيهما، انتهى، وهذا من أحسن ما يُخرَّج عليه الحديث، والله أعلم [2]، قاله بعضهم.

قوله: (وَيَرْحَمُ اللهُ لُوطًا): هو ابن أخي إبراهيم هاران بن تارح [3]؛ وهو آزر، وبقيَّة نسبه معروف، وسأذكره عند ذكر النسب الشريف حيث ذكره البُخاريُّ إلى عدنان، فأذكره إلى آدم، ولوطٌ نبيٌّ مرسلٌ، مناقبه معروفةٌ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]، وسأذكر بعضَ ما يتعلَّق به قريبًا.

قوله: ({إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]): يريد: الله سبحانه وتعالى، وأصله: الركن من الجبل يُلجَأ إليه، وهو الناحية منه، ترحَّم عليه؛ لسهوه عن التوكُّل والاستناد إليه، قاله ابن قرقول في «مطالعه».

قوله: (لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ): يريد: رسولَ المَلِك، لا المرأة التي دعتْه؛ إذ قال يوسف صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] للداعي: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50]، وهو من نبيِّنا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6] تواضعٌ.

(1/6414)

[باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد}]

قوله: ({وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: 54]): تَقَدَّمَ أنَّ معنى (إسماعيل): مطيعُ الله، وهو ابن إبراهيم بن تارح [1]؛ وهو آزر، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف، وهو نبيٌّ مرسلٌ إلى جُرْهُم.

وقوله: ({إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54]}): قيل: إنَّه واعد رجلًا مكانه، فأقام به يومه إلى الغَدِ، وقيل: انتظره ثلاثة أيَّام، وقيل: سنة، وقيل: لم يَعِد ربَّه إلَّا أنجزه، وقد تَقَدَّمَ الاختلاف في أنَّه هل [هو] الذبيح _وهو الصحيح_ أو إسحاق، ويدلُّ لكونه إسماعيلَ ثلاثُ آياتٍ من القرآن، وقال بعضهم: إنَّ الأكثرين على أنَّه إسحاق، قال ابن تيمية أبو العَبَّاس الحافظ: وذلك باطلٌ بنصِّ التوراة، ثُمَّ بيَّن ذلك، والمسألة طويلةٌ، وتكفي هذه الإشارة والتي تَقَدَّمَت إليها.

==========

[1] في (ب): (تارخ).

[ج 1 ص 881]

(1/6415)

[حديث: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا]

3373# قوله: (عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد)، وكذا قوله: (يَنْتَضِلُونَ)، وأنَّه بالضاد المُعْجَمَة؛ أي: يترامَون بالسِّهام.

قوله: (ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ [1]): كذا في نسخة في أصلنا، وفي نسخةٍ أخرى في أصلنا: (مع ابن فلان)، تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد)، ومَن ابنُ فلان.

قوله: (مَعَكُمْ كُلِّكُمْ): (كلِّ): مجرورٌ، وجرُّه معروفٌ.

تنبيهٌ: تَقَدَّمَ في (الجهاد) ما في «المستدرك» للحاكم: أنَّه رمَوا عليه يومهم، ولم ينضل أحدُ الفريقَين الآخرَ.

(1/6416)

[باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام]

قوله: (بَابُ قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّبيِّ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ [2]): هو النَّبيُّ ابن النَّبيِّ، وأبو النَّبيَّينِ، كنيته أبو يعقوب، وبقيَّة نسبه أذكره في النسب الشريف، وهو أبو أنبياء بني إسرائيل، والآيات في فضله كثيرةٌ مشهورةٌ، قال الله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]، وقد تَقَدَّمَ الاختلاف في أنَّه هل هو الذبيح أو إسماعيل، وأنَّ الأصحَّ أنَّه إسماعيل، وكان إسماعيلُ أكبرَ منه، قيل: إنَّه وُلِد بعده بأربعةَ عشرَ سنة، تُوُفِّيَ بالأرض المقدَّسة، ومشهورٌ أنَّ قبرَه عند قبرِ أبيه إبراهيم، قيل: عاش مئةً وثمانين سنةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [3]، وأمُّه سارة رضي الله عنها.

==========

[1] قوله: (النبيِّ): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[2] كذا في (أ)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي (ب): (عليه السلام)، وفي «اليونينيَّة»: (عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)، وفي (ق) بعد الإصلاح: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهما وَسَلَّم)، على أنَّ رواية أبي ذرٍّ من غير (وسلَّم)، وكذا في (ق) قبل الإصلاح.

[3] في (ب): (عليه السلام).

[ج 1 ص 881]

(1/6417)

[باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}]

قوله: ({أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة: 133]): هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح [1]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف، كنيته أبو يوسف، تكرَّر الثناء عليه في القرآن، وهو إسرائيل المتكرِّر في القرآن؛ وهو أبو أنبياء بني إسرائيل وجدُّهم، وقد اشتُهِر أنَّه مدفون بالأرض المقدَّسة عند أبيه وجدِّه إبراهيمَ، في البلدة المُسمَّاة بالخليل، بقرب بيت المقدس، زرته مرارًا مع إسحاق، وإبراهيم، ويوسف، وأزواجِهم.

قوله: (فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): قال شيخنا: كذا علَّقهما، وقال ابن التين: لم يَقِفِ البُخاريُّ على سنده، فأرسله؛ لئلَّا يُترَك، وذكر إسحاق؛ لثبوته في القرآن، قاله أبو جعفر، انتهى، ذكر الحاكم في إسحاق في (أخبار الأنبياء) عدَّة أحاديثَ؛ فانظرها إن أردتها.

==========

[1] في (ب): (تارخ).

[ج 1 ص 881]

(1/6418)

[حديث: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله]

3374# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو _فيما يظهر_ ابن راهويه؛ وذلك لأنِّي نظرت «الكمال» للحافظ عَبْد الغَنيِّ فوجدته قد ذكر [1] في ترجمة المعتمر بن سليمان في الرواة عنه ابنَ راهويه، ولم يذكر [2] غيرَه ممَّن اسمه إسحاق بن إبراهيم، وكذا ذكر في ترجمة ابن راهويه أنَّه روى عن المعتمر بن سليمان، فغلب على ظنِّي أنَّه هو، ولم يذكر في ترجمة المعتمر الذَّهَبيُّ أنَّه روى عنه ابن راهويه، لكن ذكر في ترجمة ابن راهويه أنَّه روى عن المعتمر بن سليمان.

قوله: (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ): هذا هو العمريُّ، ابن عمر، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): أي: أشرفُهم.

قوله: (أفَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ؟): يعني: أصولها وبيوتها، ومَعدِن كلِّ شيء: أصلُه، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (إِذَا فَقُهُوا): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ القاف وتُكسَر [3]؛ أي: صاروا فقهاءَ علماءَ بأحكام الشرع.

==========

[1] في (ب): (ذكرته).

[2] في النُّسخَتَينِ: (يذكره)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

[3] وهي رواية «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 881]

(1/6419)

[باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}]

قوله: ({وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [النمل: 54]): تَقَدَّمَ أعلاه بعضُ الكلام عليه، وأنَّه ابن هاران بن تارح [1]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف، وأنَّ لوطًا ابن أخي إبراهيم، قال الثعلبيُّ: كان إبراهيم يحبُّه حبًّا شديدًا، والآيات في فضل لوط وأحوالِه [2] مشهورةٌ، وهو أحد رسل الله تعالى، قال الثعلبيُّ: قال وَهْب بن مُنَبِّه: خرج لوطٌ من أرض بابلَ في العراق مع عمِّه إبراهيم تابعًا له على دينه، مهاجرًا معه إلى الشام، ومعهما سارةُ زوجُ إبراهيم، وخرج معهما آزر مخالفًا لإبراهيم في دِينه، مقيمًا على كفره، حتَّى وصلوا إلى حرَّان، فهلك آزر، ومضى إبراهيمُ وسارةُ ولوطٌ إلى الشام، ثُمَّ مضَوا إلى مصر، ثُمَّ عادوا إلى الشام، فنزل إبراهيم فلسطينَ، ونزل لوطٌ الأردنَ، فأرسله الله إلى أهل سَدُوم وما يليها، وكانوا كُفَّارًا يأتون الفواحش ... ، إلى أن قال: فاقتلع جبريل عليه السلام قرياتِ لوطٍ الأربعَ، في كلِّ قرية مئةُ ألفٍ، ثُمَّ قلبهنَّ، فجعل عاليَها سافِلَها، قالوا: وأمطرت الحجارة على شاردهم ومسافرهم، وأهلكت امرأة لوطٍ مع الهالكين، واسمها واعلة [3]، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (تارخ).

[2] زيد في (ب): (كثيرة).

[3] في (ب): (فاعلة).

[ج 1 ص 881]

(1/6420)

[حديث: يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد]

3375# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وتَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ.

قوله: (لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ): تَقَدَّمَ قُبَيل هذا الكلامُ عليه.

قوله: (فَأَنْكَرَهُمْ وَنَكِرَهُمْ [1] وَاحِدٌ): هو بكسر الكاف من الثاني.

قوله: ({يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78]: يُسْرِعُونَ): هذا تفسيرٌ باللازم؛ لأنِّ (الإهراع [2]): الإسراعُ، قال الجوهريُّ: وقوله عزَّ وجلَّ: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ}، قال أبو عبيدة: يُسْتَحَثُّون إليه؛ كأنَّه يحثُّ بعضهم بعضًا، انتهى، وإذا حثَّ بعضهم بعضًا؛ فلَازِمُه الإسراع، ولفظ ابن القطَّاع: هُرِع الإنسان هَرْعًا، وأُهرِع: سِيْقَ [3] وأُعجِل، انتهى، وأمَّا أَهْرَع؛ فهو أسرع؛ فيحتمل أنَّ ما في «الصحيح» تفسيرٌ لقراءة من قرأ {يُهْرِعُون}، وهي قراءةٌ [ ... ] [4].

(1/6421)

[باب: {فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون}]

(1/6422)

[حديث: قرأ النبي: {فهل من مدكر}]

3376# قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ): أمَّا (محمود)؛ فهو ابن غيلان، تَقَدَّمَ، وأمَّا (أبو أحمد)؛ فهو الزُّبيريُّ، مُحَمَّد بن عبد الله بن الزُّبَير بن عمر بن درهم، نُسِبَ إلى جدِّهم، وليس من أولاد الزُّبَير بن العَوَّام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وأمَّا (سُفْيَانُ)؛ فالظاهر أنَّه الثَّوْريُّ، وذلك أنِّي رأيت الذَّهَبيَّ ذكر في ترجمة الزبيريِّ أنَّه روى عن الثَّوْريِّ، وكذا عَبْد الغَنيِّ، وما رأيتهما ذكرا ابنَ عُيَيْنَة في مشايخه، وأمَّا (أَبُو إِسْحَاق)؛ فهو عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ، وأمَّا (الأَسْوَد)؛ فهو ابن يزيد النَّخَعيُّ، وأمَّا (عَبْد اللهِ)؛ فهو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، رضي الله عنه.

==========

[ج 1 ص 882]

(1/6423)

[باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا}]

قوله: ({وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73]): قال الثعلبيُّ: هو صالح بن عبد [1] بن أسيف [2] بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاد بن عوص بن إرَم [3] بن سام بن نوح، قال أبو عمرو بن العلاء: سُمِّيَت ثمودُ لقلَّة مائها، والثَّمد: الماء القليل، وكانت مساكن ثمود الحِجْر بين الحجاز والشام، وكانوا عربًا، وكان صالحٌ من أفضلهم نسبًا، فبعثه الله إليهم وهو شابٌّ، كذا قال، وفيه نظرٌ، ولم يُنبَّأ أحدٌ من الأنبياء إلَّا بعد الأربعين، رجع إلى الأوَّل: فدعاهم حتَّى شمط، ولم يتَّبعه منهم إلَّا قليل مستضعفون، فلمَّا طال دعاؤه إيَّاهم؛ اقترحوا أن يُخرِج لهم الناقةَ آيةً؛ فكان من أمرها وأمرهم ما ذكره الله في كتابه، قال: قالوا: وكان عقر الناقة يوم الأربعاء، وانتقل صالحٌ بعد هلاك قومه إلى الشام بمَن أسلم معه، فنزلوا رملة فلسطين، ثُمَّ انتقل إلى مكَّة، فتُوُفِّيَ صالحٌ بها وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنةً، وكان أقام في قومه عشرين سنةً، والله أعلم، وقوله: (أقام في قومه عشرين سنة): فيه النظر الذي ذكرته قريبًا.

قوله: (وَأَمَّا {حَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138]: حَرَامٌ): هو بكسر الحاء، وكذا كلُّ ممنوعٍ، وكذا: (وَالْحِجْرُ: كُلُّ بِنَاءٍ)، وكذا (فَهْوَ حِجْرٌ [4])، وكذا: (لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ)، ولم يذكر بالفتح إلَّا (حَجْرُ الْيَمَامَةِ) المنزل؛ فهذا بالفتح لا غير، وهو بفتح الحاء، وإسكان الجيم، يُذكَّر ويُؤنَّث، وهو قصبة اليمامة، وقيل: موضع سوقها، قال شيخنا: وضُبِط عند أبي الحسن: (حُجْرُ الْيَمَامَةِ) بالضَّمِّ، وبالفتح عند أبي ذرٍّ، وهو الصواب، انتهى.

قوله: (حِجْرٌ وَحِجًى): (حِجَى)؛ بكسر الحاء، وفتح الجيم من غير تنوين: العقل، وهو في أصلنا مُنَوَّن، قال ابن قرقول: في (كتاب الأنبياء): (ويقال للعقل: حجل وحِجى) كذا لهم، وللأصيليِّ: (وحِجَن) مكان (حِجى)، وهو وهم، وفي آخر (سورة الأنعام) للنَّسَفيِّ مثلُه، انتهى.

(1/6424)

[حديث: انتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قوة كأبي زمعة]

3377# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبَير، وأنَّه أوَّل شيخٍ حدَّث [1] عنه البُخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق ترجمتُه، والكلام على نسبته الحُمَيديِّ، وتَقَدَّمَ أنِّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ زَمعَةَ): هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المُطَّلِب بن أسد بن عبد العُزَّى الأسديُّ، له صحبةٌ وروايةٌ، وكان يأذن على النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، تُوُفِّيَ النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو ابن خمسَ عشرةَ سنةً، وهو ابن أخت أمِّ سلمة زوجِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]، روى عنه: عروة وأبو بكر بن عبد الرَّحْمَن، وقد روى عن خالته رضي الله عنها، أخرج له الجماعة وأحمد في «المسند»، رضي الله عنه.

قوله: (كَأَبِي زَمْعَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (الأسود بن المُطَّلِب بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصيٍّ، جدُّ عبد الله بن زَمعة بن الأسود، قُتِل زَمعة يوم بدر كافرًا)، انتهى، وقد وقع في هذا الحديث شيءٌ في سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، نبَّه عليه الدِّمْيَاطيُّ؛ فانظره في مكانه، وأذكر عنه جوابًا إن شاء الله تعالى، قال شيخنا: (وادَّعى القرطبيُّ أنَّ أبا زَمعة هذا يحتمل أن يكون البلويَّ، وهو ممَّن بايع تحت الشجرة، وتُوُفِّيَ بإفريقيَّة مع معاوية بن حُدَيج، فإن كان إيَّاه؛ فإنَّه شبَّهه بالعاقر في عزَّة قومه، وسبقه إليه ابن العربيِّ وغيره، وقد أسلفناه)، انتهى، وهذا فيه نظرٌ، وسيأتي في (تفسير {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}): (مثلُ أبي زَمعة عمِّ الزُّبَير بن العَوَّام) [خ¦4942]، وإن كان هذا القدر فيه كلامٌ للدمياطيِّ؛ كونَه قال: (عمِّ الزُّبَير)، وإنَّما هو ابن عمِّه، والله أعلم.

قوله: (وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ): عاقرها هو قُدَار بن سَالِفٍ، وهو بضَمِّ القاف، وتخفيف الدال المُهْمَلَة، وفي آخره راء، وسالف: بالسين المُهْمَلَة [3]، وبعد الألف لام مكسورة، ثُمَّ فاء، مصروفٌ، يقال له: أُحَيمِر ثمودَ، وكان أشقرَ أزرقَ قصيرًا، وفي «غرر التِّبيان» لابن جماعة: اسمه مصدع، وإنَّما شَرَكَه فيها مصدع، وسأذكر ذلك مع زيادة في {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} إن شاء الله تعالى.

قوله: (انْتَدَبَ لَهَا): معناه: قام بسرعة.

قوله: (وَمَنَعَةٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح النون، وتُسَكَّن، عن ابن السِّكِّيت.

قوله: (كَأَبِي زَمْعَةَ): تَقَدَّمَ أعلاه.

==========

[1] في (ب): (روى).

[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[3] (المهملة): سقط من (ب).

[ج 1 ص 882]

(1/6425)

[حديث: أن رسول الله لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا]

3378# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ): (حَيَّان): بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد المُثَنَّاة تحت.

قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال المدنيُّ، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، وقد تَقَدَّمَ.

تنبيهٌ: مَن يقال له: (سليمان) ويروي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها: المترجَم سليمان بن بلال، أخرج له بهذا السند البُخاريُّ ومسلم فقط، وسليمان بن سفيان المدنيُّ، أخرج له بهذا السند التِّرْمِذيُّ فقط حديثًا واحدًا، والله أعلم.

قوله: (فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّها في السنة التاسعة من الهجرة، وقال ابن إسحاق: إنَّها في رجبٍ منه، وسيأتي تعقُّبٌ في الشهر.

قوله: (وَأَمَرَهُمْ [1] أَلَّا يَشْرَبُوا مِن مِيَاهِهَا [2]): إنِّما أمرهم بذلك؛ خوفًا عليهم أن يورثَهم قسوةً أو شيئًا يضرُّ بهم [3].

[ج 1 ص 882]

قوله: (وَيُهَرِيقُوا): هو بضَمِّ الياء، وفتح الهاء وتُسَكَّن [4].

قوله: (وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ [5]): هو سبرة بن معبد، وقيل: ابن عوسجة، الجُهَنيُّ، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه»: سَبْرة بن معبد بن عوسجة الجهنيُّ، انتهى، صَحَابيٌّ مشهورٌ، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلمٌ، والأربعة، وأحمد في «المسند»، تُوُفِّيَ زمان معاوية في آخر خلافته، قال شيخنا: وكأنَّه يريد بحديث سبرة ما روى أبو داود بعضَه من حديث سليمان بن داود المهريِّ ... ، وذكر السند إلى آخره، ولم يذكر الحديث، انتهى، وهو: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نزل في موضعِ المسجد تحت دَومة، فأقام ثلاثًا حتَّى خرج إلى تبوك ... )؛ الحديث.

قوله: (وَأَبِي الشَّمُوسِ [6]): قال الدِّمْيَاطيُّ: البلويُّ، له صحبةٌ، شهد غزوة تبوك، انتهى، (أبو الشَّمُوْس): بفتح الشين المُعْجَمَة _كذا أحفظه، وكذا رأيت بعضَهم ضبطه به، ورأيته أيضًا مضبوطًا بالقلم، ورأيت في نسخة صحيحة بفتح الشين في الأصل، وفي الهامش نسخةٌ مضمومةُ الشين، وكُتِب عليها: (دار الذهب)، وكذا رأيته مضبوطًا بالقلم في خطِّ شيخنا أبي جعفر الأندلسيِّ_ ثُمَّ ميم مضمومة، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ سين مهملة، ولأبي الشَّموس حديثٌ أورده البُخاريُّ في «تاريخه»، وقد روى هذا التعليقَ الطَّبَرانيُّ في «أكبر معاجمه» من طريقين إلى [7] زياد بن نصر عن سُلَيم بن مُطير، عن أبيه، عن أبي الشَّموس البلويِّ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نهى أصحابه يوم الحِجْر عن بئرهم، فألقَى ذو العجين عجينَه، وذو الحَيس حَيسه»، ثُمَّ إنِّي رأيت شيخنا [8] عزاه كذلك، وزاد أنَّ البُخاريَّ ذكره في «تاريخه»، انتهى.

قوله: (وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ ... ) إلى آخره: لم أرَه في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وشيخنا لم يخرِّجْه.

(1/6426)

[حديث: أن الناس نزلوا مع رسول الله أرض ثمود الحجر]

3379# قوله: (أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر الحاء، وهذا مَعْرُوفٌ، و (الحِجْرَ): منصوبة، بدلٌ من (أرضَ).

قوله: (تَابَعَهُ أُسَامَةُ، عَنْ نَافِعٍ): الضمير في (تابعه) يعود على عبيد الله؛ هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخَطَّاب، وأمَّا (أسامة)؛ فهو ابن زيد الليثيُّ، أبو زيد المدنيُّ، روى عن ابن المُسَيّب، وطاووس، وعددٍ، وعنه: ابن وهب، وعبد الله بن موسى، وخلقٌ، قال الحاكم: روى مسلم نسخةً لابن وهب عن أسامة، واستدلَلْتُ بكثرة إخراجه له [1] أنَّه عنده صحيح الحديث، على أنَّ أكثر تلك الأحاديث مُستشهَد بها، ومقرونٌ بآخرَ، قال النَّسائيُّ وغيره: ليس بالقويِّ، تُوُفِّيَ سنة (153 هـ)، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلم والأربعة، له ترجمة في «الميزان».

ومتابعته لم أرَها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا [2]، ولم يخرِّجها [3] شيخنا، ولكنَّ هذا الحديثَ أخرجه البُخاريُّ ومسلم من حديث أنس بن عياض الليثيِّ أبي ضمرة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أنَّ الناس نزلوا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أرض ثمود الحِجرَ ... ؛ الحديث المذكور هنا قبل المتابعة، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب.

==========

[1] (له): سقط من (ب).

[2] في (ب): (ههنا).

[3] في (ب): (ولم يخرجه).

[ج 1 ص 883]

(1/6427)

[حديث: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين]

3380# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ اللهِ): قال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ: وقال _يعني: البُخاري_ في (المظالم)، و (الأنبياء)، و (غزوة الرجيع)، و (اللباس)، وغيرِ ذلك: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله)؛ يعني: ابن المبارك، نسبه ابن السكن في بعض هذه المواضع: (مُحَمَّد بن مقاتل)، وقد نسبه البُخاريُّ في مواضعَ كثيرةٍ كذلك، ووقع في نسخة أبي الحسن القابسيِّ وأبي مُحَمَّد الأصيليِّ في (كتاب المحاربين) في (باب فضل من ترك الفواحش): (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الله بن عمر عن حبيب ... )؛ فذكر حديث أبي هريرة مرفوعًا: «سبعةٌ يظلِّهم الله ... »؛ الحديث، نُسِبَ [3] في النسختين: مُحَمَّد بن سلَام، ونسبه ابن السكن: مُحَمَّد بن مقاتل، ونسبته أَولى ... إلى أن قال: حَدَّثَنَا أبو عليِّ ابن السكن قال: كلُّ ما في «البُخاريِّ» ممَّا يقول فيه: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الله)؛ فهو مُحَمَّد بن مقاتل المروزيُّ عن عبد الله بن المبارك، انتهى، وقال شيخنا: إنَّه ابن مقاتل، كما صَرَّحَ به أبو نُعيم، و (عبد الله): هو ابن المبارك، انتهى، والمِزِّيُّ لم يتعرَّض لنسبته.

قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الميمين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وكذا تَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (أَنْ يُصِيبَكُمْ): (أَنْ)؛ بفتح الهمزة، وسكون النون، وهذا ظاهِرٌ.

(1/6428)

[حديث: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين]

3381# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ [2]): هذا هو المسنَديُّ، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ لِمَ قيل له: المسنديُّ، و (وَهْبٌ): بعده: هو ابن جَرِير، و (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه مُحَمَّد بن مسلم.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (بن محمَّد): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[ج 1 ص 883]

(1/6429)

[باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}]

(1/6430)

[حديث: الكريم ابن الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب]

3382# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ): كذا في أصلنا منسوب، وقال شيخنا: هو ابن منصور الكوسج، المروزيُّ الحافظ، أبو يعقوب، والظاهر أنَّه وقع من الأصل الذي يشرح منه غيرَ منسوب؛ فلهذا وضَّحه، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الصَّمَدِ): هو ابن عبد الوارث التَّنُّوريُّ، أبو سهل الحافظ، تَقَدَّمَ.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (أَخْبَرَنَا).

[ج 1 ص 883]

(1/6431)

[باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}]

قوله: ({لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7]): (يوسف) صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1]: ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح [2]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف، وفي (يوسف) ستُّ لُغَات: تثليث [3] السين مع الهمز وعدمه؛ فهذه ستٌّ، والفصيح الذي جاء به القرآن: ضمُّ السين غير مهموز، وهو أعجميٌّ، فالصواب أنَّه لا اشتقاق له، ولبعضهم في اشتقاقه تخبيط، قصَّته مبسوطة في القرآن في سورة مختصَّة به إلَّا ما انضمَّ إليها، والأحاديث الصحيحة بفضائله متظاهرةٌ، ذكر الثعلبيُّ في «عرائسه»: أنَّه كان أبيض اللون، حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخَلْقِ، غليظ الساعدين والعَضُدَين والساقين، خميص البطن، أقنى الأنف، صغير السُّرَّة، وكان بخدِّه الأيمن خالٌ أسودُ، وكان ذلك الخال يزيِّن وجهَه، وبين عينيه شامةٌ تزيده حسنًا، قال الثعلبيُّ عن العلماء بأخبار الماضين: أقام يعقوبُ وأولادُه بعد قدومهم على يوسف بمصر أربعًا وعشرين سنةً بأغبط عيشٍ، فلمَّا حضرته الوفاة؛ أوصاهم بأن يُحمَل جسده إلى بيت المقدس، ويُدفَنَ عند أبيه وجدِّه، فخرج به يوسف وإخوتُه وعسكره محمولًا في تابوت، وكان عمر يعقوبَ مئةً وسبعةً وأربعين سنةً، وعاش يوسف بعد يعقوب ثلاثًا وعشرين سنةً، وتُوُفِّيَ وهو ابن مئة وعشرين سنةً، ودُفِن بمصر في النيل، ثُمَّ حمله موسى صلَّى الله عليهما وسلَّم [4] في زمنه إلى الشام حين خرجت بنو إسرائيل من مصر إلى الشام.

(1/6432)

[حديث أبي هريرة: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ... ]

3383# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عُبَيْدُ [2] بْنُ إِسْمَاعِيلَ): قال ابن عساكر في «النَّبَل»: ويقال: اسمه عبد الله، ويُعرَف بعُبيد، أبو مُحَمَّد القرشيُّ الهَبَّاريُّ الكوفيُّ، انتهى، يروي عن سفيان بن عُيَيْنَة، والمحاربيِّ [3]، وعيسى بن يونس، وطبقتِهم، وعنه: البُخاريُّ وغيره، وثَّقهُ مُطَيَّن [4]، وقال: مات في ربيع الأوَّل سنة خمسين ومئتين، لم يخرِّج له [5] غير البُخاريِّ من أصحاب الكُتُب السِّتَّة.

[ج 1 ص 883]

قوله: (عَنْ أَبِي أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، و (عُبَيْد اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عمر العمريُّ، و (سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ): هو المقبريُّ.

قوله: (مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟): أي: أشرفُهم، تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (المَعَادِن)، وكذا (فَقهُوا): قريبًا.

قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ بنُ سَلَامٍ [6]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (سلَامًا) الصحيح فيه التخفيفُ، وأنَّه البيكنديُّ الحافظ، وفي بعض النسخ ليس بمنسوبٍ، بل: (حَدَّثَنِي مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عَبْدة)، وهو هو، و (عَبْدَةُ): بإسكان المُوَحَّدة، واسمه عبد الرَّحْمَن بن سليمان، ثقةٌ، تَقَدَّمَ، أخرج له الجماعة، وكذا تَقَدَّمَ (عُبَيْد اللهِ): أنَّه ابن عمر العمريُّ أعلاه.

قوله: (عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): كذا في الطريق الثانية هذه التي نحن فيها، وهذا هو سعيد بن أبي سعيد المقبريُّ، واسم أبي سعيد كيسانُ، كذا ذكر هذا الحديثَ المِزِّيُّ في مسنده عن أبي هريرة، وكذا هو منسوب في الطريق الأُولى: (عن سعيد بن أبي سعيد).

تنبيهٌ [7]: قال شيخنا: (وسعيد بن أبي سعيد لعلَّه المقبريُّ كيسان، وبخطِّ الدِّمْيَاطيِّ قبالة «سعيد»: اسمه عبد الله، ولقبه: أبو مُحَمَّد القرشيُّ الهَبَّاريُّ الكوفيُّ، مات سنة خمسين ومئتين؛ فليُتَأمَّل)، انتهى، وهذا غلطٌ من شيخنا رحمه الله، وسببه العَجَلَة، إنَّما قال ذلك الدِّمْيَاطيُّ في عبيد بن إسماعيل شيخِ البُخاريِّ في الحديث الذي قبل هذا الحديث الذي نحن فيه، فإنِّي رأيتُ حاشيةً بخطِّ بعض الفضلاء أصحابِنا نحو هذا الكلام تجاه عبيد بن إسماعيل، وهذا صوابٌ، وصاحبُنا [8] كتب غالب حواشي الدِّمْيَاطيِّ على «البُخاريِّ» على نسخته بـ «البُخاريِّ»، ولا يقول الدِّمْيَاطيُّ في سعيد هذه المقالة، وكيف يكون شخصٌ تُوُفِّيَ سنة خمسين ومئتين يروي عن أبي هريرة؟! هذا ما لا يقوله لا دِمْيَاطيٌّ ولا غيره من المحدِّثين، وما قاله شيخنا خطأٌ محضٌ، وعدم تأمُّل، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (عبد الله)، والمثبت موافقٌ لما في «البخاري».

[3] في (ب): (والبخاري)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (مطمين)، وهو تحريفٌ.

[5] (له): سقط من (ب).

[6] (بن سلام): ليست في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

(1/6433)

[7] (تنبيه): سقط من (ب).

[8] في (ب): (وصاحبها).

(1/6434)

[حديث: مري أبا بكر يصلي بالناس]

3384# قوله: (حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بفتح المُوَحَّدة [1]، والدال المُهْمَلَة، وباللام، و (المُحَبَّر)؛ بضَمِّ الميم، وفتح الحاء المُهْمَلَة، ثُمَّ مُوَحَّدة مُشَدَّدة مفتوحة، ثُمَّ راء: اسمُ مفعولٍ، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله لا يحتاج إلى ضبطٍ.

قوله: (يُصَلِّي بِالنَّاسِ): كذا في أصلنا بإثبات الياء في (يصلِّي)، وهي لغةٌ معروفةٌ.

قوله: (أَسِيفٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الهمزة، وكسر السين المُهْمَلَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء؛ أي: رقيق، وقيل: سريع البكاء.

قوله: (إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه [2].

==========

[1] في (ب): (الميم)، وليس بصحيحٍ.

[2] (عليه): سقط من (ب).

[ج 1 ص 884]

(1/6435)

[حديث: مروه فإنكن صواحب يوسف]

3385# قوله: (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى [1]: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ): كذا في أصلنا، وقد خُرِج بين (يحيى) و (حَدَّثَنَا) ما لفظه: (البصريُّ)، وصُحِّح عليه، وعُمِل عليه ما صورته [2] (لا ه)؛ إشارةً إلى مثبتها راويها، وكذا في أصلٍ آخرَ، وقد كانت (النَّضْر) فضُبِّب عليه، وعُمِل في الهامش: (البصريُّ)، وصُحِّح عليه، وهذا الأصل الثاني الذي سمعنا فيه على بعض أصحاب أبي العَبَّاس الحجَّار المسنِد، وقد راجعت «أطراف المِزِّيِّ»، فرأيته قد طرَّف هذا الحديث فقال: البُخاريُّ في (أحاديث الأنبياء) _يعني: هنا_ عن الربيع بن يحيى، وفي (الصلاة) عن إسحاق ابن نصر عن حسين بن عليٍّ؛ كلاهما عن زائدة عنه، انتهى، والضمير في (عنه)؛ أي: عن عبد الملك بن عمير، وفي (به)؛ أي: بالسند؛ وهو عن أبي بُردة عن أبي موسى، انتهى، وفي بعض النسخ: (النَّضْر) بين (يحيى) و (زائدة)، كما كان [3] في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، ثُمَّ ضُبِّب عليه، وعزا هذه النسخة إلى ابن الأديب، ثُمَّ تَعَقَّب بعضُ الناس بخطِّه إثباتَ (النَّضْر) بين (الربيع بن يحيى) وبين (زائدة)، ولا شكَّ أنَّه خطأ نبَّهت عليه؛ لئلَّا يُغتَرَّ به؛ فإثبات (النَّضْر) هنا خطأٌ، والله أعلم.

و (زَائِدَةُ): هو ابن قدامة، تَقَدَّمَ، و (أَبُو بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى): هو الفقيه، قاضي الكوفة، الحارث أو عامر، تَقَدَّمَ، و (أَبُوهُ): أبو موسى عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، تَقَدَّمَ مرارًا، الأشعريُّ.

قوله: (وَقَالَ [4] حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ): (حُسين) هذا: هو حُسين بن عليِّ بن الوليد الجعفيُّ مولاهم، الكوفيُّ المقرئ الزاهد، مشهور، أخرج له الجماعة، وقد تَقَدَّمَ، وتعليقه هذا أخرجه البُخاريُّ في (الصلاة) عن إسحاق ابن نصر، عن حسين بن عليٍّ، عن زائدة به، ومسلمٌ في (الصلاة) عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن حسين بن عليٍّ به.

(1/6436)

[حديث: اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام ... ]

3386# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (اللَّهُمَّ؛ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أَنْجِ) بقطع الهمزة، وأنَّه رُباعيٌّ، وتَقَدَّمَ الكلام على (عيَّاش)، وأنَّه أخو أبي جهل لأمِّه، وعلى (سَلَمَة بْن هِشَامٍ)، وأنَّه أخو أبي جهل لأبويه، وعلى (الْوَلِيد): أنَّه ابن الوليد، أخو خالد بن الوليد، في (الصلاة)، وكذا على (الوَطْأَةِ)؛ وهي العقاب، وعلى (كَسِنِي)، وأنَّها بالتخفيف.

==========

[ج 1 ص 884]

(1/6437)

[حديث: يرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد]

3387# قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، العالم المشهور، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيرَه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

قوله: (وَأَبَا عُبَيْدٍ): هذا هو أبو عبيد، مولى ابن أزهر [1]، واسمه سعد بن عبيد الزُّهْرِيُّ، مولى عبد الرَّحْمَن بن أزهر، عن عمر وعليٍّ، وعنه: الزُّهْرِيُّ [2] وسعيد بن خالد، تُوُفِّيَ سنة (98 هـ)، ثقةٌ، قاله ابن سعد، وقد تَقَدَّمَ، أخرج له الجماعة.

قوله: (لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ): تَقَدَّمَ قريبًا، وكذا الكلام على (الدَّاعِي)، وأنَّه رسول المَلِك.

==========

[1] في (ب): (زهير)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (الراوي).

[ج 1 ص 884]

(1/6438)

[حديث أم رومان: بينما أنا مع عائشة جالستان ... ]

3388# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بتخفيف اللام على الصحيح، وهو البيكنديُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (ابْنُ فُضَيْلٍ): أنَّه مُحَمَّد بن فُضَيل، و (فُضَيل): بالتصغير، الحافظ أبو عبد الرَّحْمَن، وتَقَدَّمَ (حُصَيْنٌ): أنَّه بضَمِّ الحاء وفتح الصاد المُهْمَلَتين، وأنَّه ابن عبد الرَّحْمَن، وتَقَدَّمَ أنَّ الأسماءَ بالضَّمِّ، والكنى بالفتح، و (شَقِيق [1]) هذا: هو أبو وائل، شقيق بن سلمة، تَقَدَّمَ، وفي أصلنا الذي سمعنا منه على العِرَاقيِّ في الأصل: (شقيق)، وعليه (صح)، وفي الهامش: (سفيان)، وعليه صورة (صح)، وفي كونه سفيانَ نظرٌ؛ إذ لم يطرِّفه المِزِّيُّ إلَّا عن حُصَين عن أبي وائل عن مسروق، انتهى، وأَبُو وَائل: هو شقيق [2] بن سلمة، ولم أرَ أحدًا قال: إنَّه سفيان، وأين سفيان بن عُيَيْنَة أو الثَّوْريُّ مِن هذا؟! والله أعلم [3]، و (مَسْرُوق): تَقَدَّمَ أنَّ روايته عن أمِّ رومان فيها كلامٌ قدَّمتُه في (الشهادات) في (حديث الإفك)، وكلام الناس في ذلك، وكلام ابن القَيِّمِ في وفاتها، قال المِزِّيُّ في الحديث المختصر من هذا ما لفظه: روى مسروق عن عبد الله بن مسعود عن أمِّ رومان، وهو أشبه بالصواب، ثُمَّ ذكر كلام الخطيب، وقد ذكرت عنه [4] في (الشهادات) نحوه [5]، وزدت كلام ابن القَيِّمِ؛ فانظره.

[ج 1 ص 884]

قوله: (إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا): أي: دخلت.

قوله: (امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ): هذه المرأة لا أعرف اسمها، ورأيت بعضهم قال: هي أمُّ مسطح، وهو المراد بـ (فلان)، انتهى، وهذا خطأٌ فاحشٌ، وإنَّما أمُّ مسطح قرشيَّة مُطَّلِبِيَّة، وقد ذكرت الكلام على أمِّ مسطح في (حديث الإفك) في (الشهادات)، وقد دلَّني هذا الغلط على أنَّ قائل هذه المقالة ليس بمحدِّث؛ لأنَّ هذا لا يغلط فيه محدِّث يكتب تعليقًا على البُخاريِّ، والله أعلم، وقد تَقَدَّمَ التنبيه عليه في (الشهادات) في (حديث الإفك).

قوله: (فَعَلَ اللهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ): (فلانٌ): لا أعرفه بعينه، ولعلَّه أحدُ [6] مَن وقع فيها وجُلِد إن كانوا جُلِدوا، وهو الأصحُّ، والظاهر أنَّه من الأنصار، فإن كان؛ فقد ذكرت مَن قيل عنه: إنَّه قذفها منهم.

قوله: (إِنَّهُ نَمَى ذِكْرَ الْحَدِيثِ): قال ابن قرقول: (نمَّى)؛ مُشَدَّدًا، وقرأه أبو ذرٍّ مخفَّفًا، انتهى، قال الجوهريُّ في «صحاحه»: قال الأصمعيُّ: نمَيت الحديث _مخفَّفًا_ نَمْيًا؛ إذا بلَّغتَه على وجه الإصلاح والخير، وأصله: الرفعُ، ونمَّيت الحديث تنميةً؛ إذا بلَّغتَه على وجه الإفساد والنميمة، انتهى، وفي «المجمل» لابن فارس: ونمَّيتُ الحديث؛ إذا أشعتَه، ونَمَيتُه؛ بالتخفيف: أسندتُه، انتهى، وفي «أفعال ابن القطَّاع»: ونميت الحديث نميًا، ونموته نَمْوًا، وأنموه: أسندته ونقلته على جهة الإصلاح ... ، إلى أن قال: ونمَّيت الحديث؛ مشدَّد: نقلته على جهة الإفساد، فهذا موافق للجوهريِّ، وقد قَدَّمْتُ بعض هذا الكلام.

(1/6439)

قوله: (أَيُّ حَدِيثٍ): يجوز في (أي) الجرُّ، ويجوز الرفع، وبالثاني هو مضبوط في أصلنا.

قوله: (تُحُدِّثَ بِهِ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَقَعَدَتْ): هو بإسكان تاء التأنيث، وهذا ظاهِرٌ.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (سفيان)، ثمَّ كُتب: (وأين سفيان من هذه الطبقة؟!).

[2] في (ب): (سفيان)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[3] في (ب): (انتهى، والله سبحانه وتعالى أعلم).

[4] زيد في (ب): (عنه)، وهو تكرارٌ.

[5] زيد في (ب): (ورأيت).

[6] في النسختين: (واحد)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

(1/6440)

[حديث عائشة: والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم وما هو بالظن]

3389# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد الإمام الجواد، أحد الأعلام، وكذا (عُقَيل): أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّ مَن يقال له: (عُقَيل) في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»: هذا ابن خالد، والقبيلةُ، ويحيى بن عُقَيل؛ هذان في «مسلم»، وليس لهما ذكرٌ في «البُخاريِّ»، والباقي: (عَقِيل)؛ بفتح العين، وكسر القاف، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مرارًا، مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: ({أَنَّهُمْ [قَدْ] كُذِّبُوا} أَوْ {كُذِبُوا} [يوسف: 110]): الأولى: مثقَّلة، والثانية: مُخَفَّفة، وهما قراءتان في السبع، وسأذكر الكلام على ذلك في (سورة البقرة) و (يوسف) إن شاء الله تعالى.

قوله: (يَا عُرَيَّةُ): هو تصغير (عروة)؛ وهو الأسد، وبه سُمِّيَ الرجل.

قوله: (قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ {كُذِبُوا}): هذه مُخَفَّفة.

قوله: (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ): هو البُخاريُّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: ({اسْتَيْأَسُوا} [يوسف: 80] افْتَعَلُوا): قال شيخنا: قال ابن التين: ليس وزنُه كما ذكر البُخاريُّ: (افتعلوا)؛ ولكن (استفعلوا)، وكذلك هو في بعض الروايات، انتهى.

==========

[ج 1 ص 885]

(1/6441)

[حديث ابن عمر: الكريم ابن الكريم ابن الكريم ... ]

3390# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدَةُ): هو بإسكان المُوَحَّدة، قال الدِّمْيَاطيُّ: عَبْدة بن عبد الله، أبو سهل البصريُّ، مات بالأهواز سنة (258 هـ)، انفرد به البُخاريُّ، انتهى، ومعنى قوله: (انفرد به البُخاريُّ)؛ أي: عن مسلم، وإلَّا؛ فقد روى له أصحاب السنن الأربعة، وقد تَقَدَّمَ مَن يقال له: عَبَدة؛ بفتح المُوَحَّدة، وهو عامر بن عَبَدة في [2] «مسلم»، وبَجَالَة بن عَبَدة في «البُخاريِّ»، ويجوز فيهما السكون أيضًا.

قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو عبد الصمد بن عبد الوارث التَّنُّوريُّ الحافظ.

قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ): أمَّا (عبد الرَّحْمَن)؛ فهو ابن عبد الله بن دينار المدنيُّ، يروي عن أبيه وزيد بن أسلم، وعنه: القَطَّان وعليُّ بن الجعد، قال أبو حاتم: فيه لينٌ، أخرج له البُخاريُّ وأبو داود والتِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ، وقال ابن معين: في حديثه عندي ضعفٌ، وقد حدَّث عنه يحيى بن سعيد فحَسْبُه به، وقال ابن عديٍّ: بعض ما يرويه منكرٌ، وهو في جملة مَن يُكتَب حديثُه من الضعفاء، له ترجمةٌ في «الميزان»، وأمَّا والده (عبد الله بن دينار)؛ فهو أبو عبد الرَّحْمَن، يروي عن مولاه ابن عمر، وأنس، وسليمان بن يسار، وأبي صالح السَّمَّان، ونافعٍ، وجماعةٍ، وعنه: يزيد بن عبد الله بن الهادي، ويحيى بن سعيد، وموسى بن عقبة، وسُهَيل بن أبي صالح، وشعبة، ومالكٌ، والسفيانان، وخلقٌ، وثَّقهُ أبو حاتم وجماعةٌ، قال ابن سعد وغيره: مات سنة (127 هـ)، وقيل غير ذلك، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (أ) و (ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرني).

[2] في (ب): (بن)، وهو تحريف.

[ج 1 ص 885]

(1/6442)

[باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسنى الضر}]

قوله: ({وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّه} [الأنبياء: 83]): (أيُّوب) النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1] جاء في حقِّه والثناء عليه آياتٌ وأحاديثُ، وكان أيُّوب ببلاد حوران، وقبره مشهورٌ عندهم في قرية بقرب نوى، عليه مسجدٌ ومشهدٌ وقريةٌ موقوفةٌ على مصالحه، وعينٌ جاريةٌ فيها قَدَمٌ في حَجَر، يقولون: إنَّه أثر قَدَمه، ويغتسلون من العين، ويشربون متبرِّكين، ويقولون: إنَّها المذكورة في القرآن، والله أعلم.

قال الحاكم في «المستدرك» بإسناده إلى كعب _والإسناد إليه واهٍ_ قال: كان أيُّوب بن أموص نبيُّ الله الصابرُ طويلًا، جَعْدَ الشعر، واسعَ العينين، حَسَنَ [2] الخَلْق، وكان على جبينه مكتوبٌ: المُبتَلى الصابر، وكان قصير العُنُق، عريضَ الصدر، غليظَ الساقين والساعدين، وكان يعطي الأرامل ويكسوهم، جاهدًا ناصحًا لله، قال: وعن ابن [3] إسحاق: حَدَّثَنِي من لا أتَّهم عن وَهْب بن مُنَبِّه: أيُّوب بن أموص بن رزاح بن عيصا [4] بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، قال: وذكر ابن جَرير: أنَّه كان بعد شُعَيب، ورجَّح أحمد بن أبي خيثمة أنَّه كان بعد سليمان، انتهى.

==========

[1] في (ب): (عليه السلام).

[2] في (ب): (حق)، وهو تحريفٌ.

[3] (ابن): سقط من (ب).

[4] في (ب): (عيص).

[ج 1 ص 885]

(1/6443)

[حديث: بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه رجل جراد من ذهب]

3391# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ): هذا هو المسنديُّ، تَقَدَّمَ مرارًا، وتَقَدَّمَ لِمَ قيل له: المسنديُّ، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): الحافظ ابن همَّام، مشهورٌ، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، وإسكان العين بينهما، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): هو ابن مُنَبِّه، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ على الأصَحِّ.

[ج 1 ص 885]

قوله: (خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ): (الرِّجْل): بكسر الراء، وإسكان الجيم، وباللام؛ كرِجْل الإنسان، وهو الجراد الكثير.

تنبيهٌ: سُئِلت عن خرِّ الجراد عليه؛ أهو قبل الابتلاء أم بعده؟

والجواب: بعد الابتلاء، وقد ذكرته فيما مضى من «مستدرك الحاكم»، ذكرته في (الغسل)؛ فانظره.

قوله: (وَلَكِن لَا غنًى): هو بالتنوين، وقد تَقَدَّمَ، وهو هنا في أصلنا غير مُنَوَّن [2].

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] وكذا في «اليونينيَّة».

(1/6444)

[باب: {واذكر في الكتاب موسى}]

(بَابُ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} [مريم: 51]) ... إلى (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16])

(موسى بن عمران): هو نبيُّ الله، ورسوله، وصَفِيُّه، وكليمه، ذكره الله تعالى [1] في كتابه في آياتٍ، وجاء في فضله أحاديثُ صحيحةٌ، قال الثعلبيُّ في «عرائسه»: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح [2]، وبقيَّة نسبه تأتي في النسب الشريف.

وكان عُمر عِمران لمَّا تُوُفِّيَ مئةً وسبعًا وثلاثين سنةً، قال أهل التواريخ: لمَّا مات الريَّان بن الوليد _وهو فرعون مصر الأوَّل، صاحب يوسف الذي ولَّاه خزائن الأرض، وأسلم على يديه_؛ مَلَك بعدَه جبَّارٌ، وأبى أن يُسلِم، ثُمَّ مات، فمَلَك بعده جبَّارٌ آخرُ، وتُوُفِّيَ يوسف، وأقامت بنو إسرائيل بمصر، وقد كثروا، ونشأ لهم ذريَّة، وهم تحت أيدي العمالقة، وهم على بقايا من دينهم الذي كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم شرعوه لهم، متمسِّكين به، حتَّى كان فرعونُ موسى، بعثه الله إليه، ولم يكن في الفراعنة أعتى منه، ولا أقسى قلبًا منه، ولا أطولُ عمرًا في المِلْك منه، ولا أسوأُ ملكةً لبني إسرائيل، وكان يعذِّبهم، ويستعبدهم، وجعلهم [3] خدمًا وخَوَلًا، وعاش فيهم أربع مئة سنةٍ، ولمَّا وُلِد موسى؛ جرى له مع فرعون ما أخبر الله به في كتابه، فلمَّا كَبِر؛ قَتل القِبطيَّ، ثُمَّ خرج خائفًا يترقَّب، فلمَّا ورد ماء مدين؛ جرى له هناك مع شعيب وتزوُّجِ ابنته ما أخبر الله تعالى به، فلمَّا قضى موسى الأجلَ _وهو أكمل الأجلين؛ عشر سنين، كما ثبت عن ابن عَبَّاس [و] تَقَدَّمَ، وذكرت هناك مَن قال: أقلَّهما_؛ سار بأهله، فجرى له ما أخبر الله تعالى في كتابه، قال المفسِّرون في قول الله [4] تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] قال: هي العصا، واليد البيضاء، والطُّوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدَّمُ، والطَّمْسة، وفلقُ البحر، قال الثعلبيُّ: كان عُمر موسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] حين تُوُفِّيَ مئةً وعشرين سنةً.

==========

[1] في (ب): (سبحانه وتعالى).

[2] في (ب): (تارخ).

[3] في (ب): (ويجعلهم).

[4] في (ب): (في قوله).

[5] في (ب): (عليه السلام).

[ج 1 ص 886]

(1/6445)

[باب: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} إلى قوله: {مسرف كذاب}]

(1/6446)

[حديث ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى]

3392# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّمَ أعلاه وقبله مرارًا أنَّه ابن سعد، وكذا مَن بعده.

قوله: (يَرْجُفُ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الجيم، وتَقَدَّمَ الكلام على (وَرَقَة بْن نَوْفَلٍ) في أوَّل هذا التعليق، وما يتعلَّق به، وكذا (تَنَصَّرَ)، وهو بالنون في أصلنا، وقد قَدَّمْتُ هناك أنَّه تهوَّد أوَّلًا، ثُمَّ تنصَّر إلى المبعث، فأسلم [1]، وكذا الكلام على (النَّامُوس)، وقد فسَّره هنا، وتَقَدَّمَ الكلام على ذكره (مُوسَى)، ولم يذكر (عيسى)، و (مُؤَزَّرًا).

==========

[1] زيد في (ب): (لم)، وهو تكرارٌ.

[ج 1 ص 886]

(1/6447)

[باب قول الله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارًا}]

قوله: ({بِملْكِنَا} [طه: 87]: بِأَمْرِنَا): (ملكنا): فيها ثلاث قراءاتٍ: كسر الميم، وفتحها، وضمُّها، فقرأ نافع وعاصم: بفتح الميم [1]، وقرأ حمزة والكسائيُّ: بضَمِّ الميم، وقرأ الباقون: بكسرها، قال بعض المفسِّرين: {بِمُلْكِنَا} _يعني: بضَمِّ الميم_: سلطانِنا، قال: وبالكسر: قدرتنا، وبالفتح: أي: بأنْ ملكنا الصوابَ، أو لم نملك [2] أنفسَنا، أو لم نملك منع السفهاء، أقرُّوا [3] على أنفسهم بالخطأ، وقالوا: لم نُطِق حمل أنفسنا على الصواب، ولم نملك أمرنا، انتهى، والذي يُقرَأ من هذه القراءات هنا كسرُ الميم؛ لأجل التفسير الذي ذكره البُخاريُّ، والله أعلم.

قوله: ({هَوَى} [طه: 81]: شَقِيَ): {هَوَى}: بفتح الهاء والواو، وعادتي أنِّي لا أضبط التلاوة، وضبط هذه زيادةٌ في الإيضاح، و (شَقِيَ): بكسر القاف، وفتح الشين، وفي لغة: كلُّ (فَعِل) يجوز فيه (فَعَل).

قوله: (وَيُقَالُ: مُغِيثًا أَوْ مُعِينًا): الأُولى: بالغين المُعْجَمَة، وبالثاء المُثَلَّثَة، والثانية: بالعين المُهْمَلَة، والنون [4]، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: ({يَبْطُشُ} وَ {يَبْطِشُ} [5] [القصص: 19]): يعني: بالضَّمِّ والكسر، وهذا ظاهِرٌ أيضًا.

قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ): (غيره): هو أبو عبيدة [6] في «المجاز».

قوله: (أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ [7] أَوْ فَأْفَأَةٌ): (الفأفأة): بهمزتين؛ الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة، والفأفاءُ: الذي تغلب على لسانه الفاء ويردِّدها، و (التمتمة) [8]: ثِقَل النطق بالتاء المُثَنَّاة فوق، وقال ابن دريد: (الفأفأة: حُبسة اللسان، ورجل فأفاء؛ يُمَدُّ ويُقصَر).

قوله: (الضُّحى [9]: الحَرُّ)، كذا هو في أصلنا: بضَمِّ الضاد مقصورٌ، وبخطِّ الشيخ أبي جعفر الأندلسيِّ في نسخته كذلك، وقد ضُبِّبَ [10] عليه، وعُمِل في الهامش: (الضَّحَاء)؛ ممدودًا بالقلم، فعلى ما ضبطه [11] يكون بفتح الضاد، وفيما ضبطه الشيخ أبو جعفرٍ نظرٌ، و (الضُّحى) المذكور في القرآن في (سورة طه) بالقصر وضمِّ الضاد، وليس في القرآن ممدودًا في السبعة ولا في العشرة، ولم أرَ في الشواذِّ أيضًا شيئًا، والله أعلم.

قوله: (اتَّبِعِي أَثَرَهُ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء، وتَقَدَّمَ [12] ما قاله شيخنا.

قوله: ({مَكَانًا سوًى} [طه: 58]: مَنْصَفٌ) [13]: هو بفتح الميم والصاد، كذا هو في أصلنا بالقلم في (سورة طه)، وأمَّا هنا؛ فكانت مدلَّسة، وضبطتها أنا على ذلك، وبخطِّ الشيخ أبي جعفرٍ: بكسر الصاد، انتهى، ومعناه: متوسِّطًا، يُقال: مكانٌ سِوًى؛ بكسر السين، وضمَّها عاصمٌ، وابن عامر، وحمزة، انتهى، ويُقال أيضًا: مكانٌ سواءٌ؛ أي: متوسِّط بين المكانَين، و (المَنْصَف)؛ بالفتح: نصف الطريق، انتهى، وكذا هو مضبوطٌ في نسخةٍ صحيحةٍ.

(1/6448)

قوله: (أَخْطَأَ الرَّبَّ): (الرَّبَّ): مَنْصُوبٌ مفعول؛ أي يقول اليهود: إنَّ السَّامريَّ أخطأ الرَّبَّ؛ كونَه عَبَدَ العِجْل، فلم يصب في عبوديَّته [14] الرَّبَّ.

(1/6449)

[حديث مالك بن صعصعة في قصة الإسراء]

3393# قوله: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ الهاء، وإسكان الدال المُهْمَلَة، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وأنَّه يُقال له: هدَّاب أيضًا، وتَقَدَّمَ (هَمَّامٌ): أنَّه ابن يحيى العَوْذِيُّ الحافظ، و (مَالِك بْن صَعْصَعَةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه رضي الله عنه.

قوله: (عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ): (ليلة): يجوز فيها النصب والجرُّ، و (أُسرِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (تَابَعَهُ ثَابِتٌ وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ): الضمير في (تابعه) يعود على قتادة، وإنَّما أتى بهذه المتابعة؛ لأنَّ قتادةَ مُدلِّسٌ وقد عنعن، و (ثابت) هذا: هو ابن أسلم البُنَانيُّ، مشهورُ الترجمة، وأمَّا (عبَّاد بن أبي عليٍّ)؛ فروى عن أنس، وأبي حَازم الأشجعيِّ، وعنه: هشام الدَّسْتَوائيُّ، وحَمَّاد بن زيد، وغيرُهما، ذكره ابن حِبَّانَ في «ثقاته»، عَلَّقَ له البُخاريُّ كما ترى، قال الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمته: قال ابن القَطَّان: لم تثبت عدالتُه، انتهى.

ومتابعة ثابت: قال شيخنا: أخرجها مسلمٌ عن شيبان بن فرُّوخ، عن حَمَّاد بن سلمة، عنه، انتهى، ولم أرَ أنا حديث ثابت عن أنس في (الشفاعة) في «مسلم»، ولا في «أطراف المِزِّيِّ»، والله أعلم، ولعلَّه في بعض النسخ من «مسلم»، وأمَّا متابعة عبَّاد بن أبي عليٍّ؛ فلم أرَها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجها شيخنا.

(1/6450)

[باب وقال رجل مؤمن من آل فرعون]

[ج 1 ص 886]

قوله: (بَابٌ: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [غافر: 28]): قيل: إنَّ الرجل خِرْبيلُ، وقيل: حبيب النَّجَّار؛ وهو الذي عمل تابوته، ووقف بعضهم عليه وقفَ بيانٍ؛ لأنَّ {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} ليست بصفته؛ إذ [1] الرجل إسرائيليٌّ؛ أي: يكتم إيمانه من آل فرعون، وقيل: كان قِبطيًّا، وقيل: من صفة الأوَّل؛ فيوقف على {فِرْعَوْنَ} بيانًا، على ضدِّ الأوَّل؛ لما قيل: إنَّه ابن عمِّ فرعون، وقيل: كان قِبطيًّا لا من أهله، وحكى شيخنا في اسمه ستَّة أقوالٍ؛ أحدها: شمعان، قال الدَّارَقُطْنيُّ: لا يُعرَف شمعان _بالشين المُعْجَمَة_ إلَّا مؤمن آل فرعون، قال السُّهَيليُّ: وهو أصحُّ ما قيل فيه، ثانيها وثالثها: قال الطَّبَريُّ: اسمه جبر، وقيل: جابوت، رابعها: حبيب ابن عمِّ فرعون، قاله عَبْد بن حُمَيدٍ في «تفسيره» عن ابن إسحاق، خامسها: خِرْبِيل بن نوحابيل، قاله ابن عَبَّاس وأبو القاسم الجُوريُّ، سادسها: يوشع، قاله ابن التين.

==========

[1] في (ب): (لأن).

(1/6451)

[باب قول الله تعالى: {وهل أتاك حديث موسى} .. ]

(1/6452)

[حديث: رأيت موسى وإذا رجل ضرب رجل]

3394# قوله: (لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي [1]): (ليلةَ): مَنْصُوبٌ على الظرف، و (أُسرِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (رَجُلٌ ضَرْبٌ): هو بفتح الضاد المُعْجَمَة، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة، قال ابن قرقول: (الضرب: الجسم بين الجسمين، لا بالناحل، ولا بالمطهَّم، قال الخليل: الضرب: القليل اللحم، ووقع عند الأصيليِّ: بكسر الراء وسكونها، ولا وجه للكسر، وفي رواية أخرى: (مضطرب)؛ وهو الطويل غير الشديد، وفي صفته في كتاب «مسلم» عن ابن عمر: (جسيم سَبْطٌ)، يُحمَل هذا القول الموافق لرواية: (مضطرب) لا على كثرة اللحم، وإنَّما جاء (جسيم) في صفة الدَّجَّال، انتهى.

وقال عياض: الرجل بين الرجلين، قال القاضي: لكن ذكر البُخاريُّ في بعض الروايات: (مضطرب)؛ وهو الطويل غير الشديد، وهو ضدُّ جَعْدِ اللحمِ مُكْتَنِزِه، ولكن يحتمل أنَّ الروايةَ الأولى أصحُّ؛ لقوله في الرواية الأخرى: (حسبته قال: مضطرب)، فقد ضُعِّفت هذه الروايةُ؛ للشكِّ، ومخالفةِ الأخرى التي لا شكَّ فيها، وفي الرواية الأخرى: (جسيمٌ سَبْطٌ)، وهذا يرجع إلى الطويل، ولا يتناول (جسيم) بمعنى: سمين؛ لأنَّه ضدُّ (ضَرْب)، وهذا [2] إنَّما جاء في صفة الدَّجَّال، وتعقَّبه النَّوويُّ فقال: وهذا الذي قاله من تضعيف رواية: (مضطرب)، وأنَّها مخالفةٌ لرواية: (ضَرْب)؛ لا يُوافَق عليه، فإنَّه لا مخالفة بينهما، فقد قال أهل اللغة: الضَّرْب: هو الرجل الخفيف اللحم؛ كذا قاله ابن السِّكِّيت في «الإصلاح»، وصاحب «المجمل»، والزُّبيديُّ، والجوهريُّ، وآخرون لا يُحصَون، والله أعلم، انتهى.

قوله: (رَجِلٌ): هو بكسر الجيم؛ يعني: رَجِلُ الشَّعر؛ وهو المتكسِّر [3] قليلًا، بخلاف السَّبطِ والجَعْدِ.

قوله: (مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (رَبْعَةٌ): هو بفتح الراء، وإسكان المُوَحَّدة وفتحها، وبالعين المُهْمَلَة؛ وهو رَجُلٌ بين رَجُلين، وفي حديث آخرَ: (مربوعًا) كان أطول من المربوع، يقال: (ربعة): للذَّكَر والأنثى، والواحد والجميع.

قوله: (أَحْمَرُ): يأتي الكلام على لون عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]، وكلام ابن عمر وحَلِفه في مكان، وكلام الداوديِّ: أنَّ حديث ابن عمر أثبتُ؛ يعني: من حديث أبي هريرة: أنَّه أحمر، وكلام النَّوويِّ.

قوله: (مِنْ دِيمَاسٍ): هو بكسر الدال وفتحها، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ ميم، ثُمَّ ألف، ثُمَّ سين، مهملَتَين، هو السَّرَبُ، وقيل: الكِنُّ، وقيل: الحمَّام، وبه فُسِّر في هذا «الصحيح».

قوله: (أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ): (أُتِيتُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، سيأتي أنَّه بثلاثة أوانٍ، وقد جمعتُ بين الروايتين: بأنَّ الإناءين في بيت المقدس، والثلاثةَ في السماوات، وهذا جاء في الحديث نفسه.

قوله: (الْفِطْرَةَ): (الفطرة) هنا: الاستقامة.

قوله: (غَوَتْ أُمَّتُكَ): أي: انهمكت في الشرِّ.

(1/6453)

[حديث: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى]

3395# 3396# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ [2]: حَدَّثَنَا غُنْدرٌ): كذا في أصلنا، وفي الهامش نسخة وعليها (صح): (ابن بَشَّار)، وقد راجعت كلام أبي عليِّ الجَيَّانيِّ فذكر (كتاب الصيام)، وتفسير {اقتربت}، وفي (كتاب الطلاق): (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا غُنْدُر)، ولم يذكر هذا المكان، ثُمَّ قال: (لم ينسب أحدٌ من شيوخنا مُحَمَّدًا في شيء من هذه المواضعِ، ولعلَّه مُحَمَّد بن بَشَّار، وإن كان ابن المثنَّى يروي عن غُنْدر، وذكر أبو نصرٍ: أنَّ بُنْدارًا ومُحَمَّد بن المثنى الزَّمِن ومُحَمَّد بن الوليد التُّستريَّ قد روى عن غُنْدر في «الصحيح»)، انتهى، وراجعت كلام المِزِّيِّ، فلم يقيِّدْه، والله أعلم، و (غُنْدرٌ): تَقَدَّمَ ضبطه مرارًا، وأنه مُحَمَّد بن جعفر، و (أَبُو العَالِيَة) هذا: رُفيع بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى): يأتي الكلام على (متَّى) في ذكر يونس قريبًا، وهل هي أمُّه أو أبوه، ويأتي الكلام أيضًا في التفضيل، والجواب عن هذا وأشباهه، وعنه خمسة أجوبة تَقَدَّمَت، وتأتي أيضًا.

قوله: (أَنَا خَيْرٌ): (أنا): يعود على المتكلِّم مَن كان، ليس على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقيل: يعود عليه عليه الصَّلاة والسَّلام، وقُدِّم على الأوَّل في كلام النَّوويِّ في «شرح مسلم».

قوله: (مُوسَى آدَمُ): أي: أسمر [3]، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (طُوَالٌ): هو بضَمِّ الطاء وتخفيف الواو، الطويل، يقال: طويل وطوال، فإذا أفرط في الطول؛ قيل: طُوَّال؛ بتشديد الواو مع ضمِّ الطاء، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (جَعْدٌ): هو بفتح الجيم، وإسكان العين، وبالدال، المُهْمَلَتين؛ وهو ضدُّ السَّبط، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (بن بشَّار)، وهو ساقط من رواية أبي ذرٍّ.

[3] في (ب): (السمر)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 887]

(1/6454)

[حديث: أنا أولى بموسى منهم]

3397# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ المشهور، وتَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (سُفْيَان) بعده [1]: ابن عُيَيْنَة، وكذا تَقَدَّمَ (أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ)، وضبط نسبته، وأنَّه ابن أبي تميمة، العالم المشهور، وتَقَدَّمَ (ابْن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ)، قال الدِّمْيَاطيُّ: عبد الله بن سعيد بن جُبَيرٍ الأسَديُّ، أخو عبد الملك، روى عن أبيه، وروى عنه أيُّوبُ، وأخوه عبدُ الملك روى عن أبيه أيضًا، روى عنه ليثُ بن أبي سُلَيم، ويزيد بن أبي زياد، ومُحَمَّد بن أبي القاسم، لا بأس به [2]، قاله أبو حاتم الرازيُّ، انتهى، وكذا ذكر هذا الحديثَ المِزِّيُّ في «أطرافه» في ترجمة عبد الله بن سعيد بن جُبَيرٍ، عن أبيه، عن ابن عَبَّاس، انتهى.

وَثَّق عبدَ الله النَّسائيُّ، وعن أيُّوب: كانوا يعدُّونه أفضل من أبيه، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، وأمَّا أخوه عبدُ الملك؛ فعلَّق له البُخاريُّ، وأخرج له أبو داود، والتِّرْمِذيُّ، قال أبو حاتم: لا بأس به.

قوله: (لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ... ) إلى (عَاشُورَاءَ): تَقَدَّمَ أنَّ (عَاشُوراء) بالمدِّ والقصر، وأيُّ يوم هو، والصحيح أنَّه عاشر المحرَّم، وأنَّ قوله: (لَمَّا قَدم المَدِينةَ)؛ أي: في قَدْمَةٍ من القَدَمات.

==========

[1] زيد في (ب): (هو).

[2] (به): سقط من (ب).

(1/6455)

[باب قول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشر}]

قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142]): قيل: كانت شهر ذي القعدة.

قوله: ({وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142]): من ذي الحجَّة.

قوله: (فَدُكِكْنَ): هو بضَمِّ الدال، وكسر الكاف الأولى، وإسكان الثانية، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ): يعني في قراءة من قَرَأ: {جَعَلَهُ [1] دَكَّاءَ} [الأعراف: 143]؛ بالمدِّ، وهي قراءة حمزةَ والكسائيِّ، والله أعلم.

قوله: (ثَوْبٌ مُشْرَبٌ [2]): هو بإسكان الشين المُعْجَمَة، وفتح الراء، وضمِّ الميم، قال الجوهريُّ: يقال: أُشرِب الأبيضُ حُمْرةً؛ أي: علاه ذلك، وكما ضبطته هو [3] في أصلنا، وكذا أحفظه، وبخطِّ الشيخ أبي جعفرٍ: (مُشَرَّبٌ)؛ بفتح الشين، وتشديد الراء المفتوحة، وكذا في نسخةٍ أخرى غير نسخة أبي جعفرٍ.

==========

[1] في النُّسختين: (فجعله).

[2] في هامش «اليونينيَّة»: (لم يضبطه في اليونينية وضبطه في الفرع بتشديدالراء وفتحها)، وفي (ق) بالتخفيف، وفي هامشها من نسخة بالتشديد.

[3] (وكما ضبطته هو): سقط من (ب).

[ج 1 ص 888]

(1/6456)

[حديث: الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق]

3398# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) [1]: هو الفِرْيَابيُّ الحافظ [2]، وقد قَدَّمْتُ الفرق بين الفِرْيَابيِّ وبين مُحَمَّد بن يوسف البُخاريِّ البيكنديِّ، وذكرت الأماكن التي روى فيها البُخاريُّ عن البيكنديِّ في أوائل هذا التعليق، و (سُفْيَانُ) بعده: الظاهر أنَّه الثَّوْريُّ، لأن الفِرْيَابيَّ مكثرٌ عنه، وقد روى عنهما، والسُّفيانان عن عَمْرِو بن يحيى المذكور بعد سُفْيَانَ، وهو عَمْرِو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن، تَقَدَّمَ وكذا والده مترجمَين، و (أَبُو سَعِيدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ.

قوله: (النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه مُطَوَّلًا في (الإشخاص)؛ فانظره.

==========

[1] زيد في (ب): (هذا).

[2] (الحافظ): سقط من (ب).

[ج 1 ص 888]

(1/6457)

[حديث أبي هريرة: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم]

3399# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه المسنديُّ، وتَقَدَّمَ في أوائل هذا التعليق مُتَرْجَمًا، ولم قيل له: المسنديُّ، و (مَعْمَرٌ): هو ابن راشد، بإسكان العين، و (هَمَّام): هو ابن مُنَبِّه، تقدَّما.

قوله: (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، ولمَ ذاك، في أوَّل (الأنبياء)، وكذا (وَلَوْلَا حَوَّاءُ): ذكرته أيضًا في أوَّل (الأنبياء) [2]، وكذا ما وجه ذلك.

قوله: (الدَّهْرَ): هو مَنْصُوبٌ على الظرف.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (الأنبياء): سقط من (ب).

[ج 1 ص 888]

(1/6458)

[باب طوفان من السيل]

قوله: ({الْقُمَّلَ [1]} [الأعراف: 133]: الْحَمْنَانُ [2]): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الميم، ثُمَّ نونَين، بينهما ألف، جمع (حمنانة)؛ وهي صِغَارُ الحَلَم، وكما ضبطته هو في أصلنا بالقلم، وسيجيء الكلام عليه في (تفسير الأعراف)، وبخطِّ الشيخ أبي جعفرٍ هنا: مضموم الحاء بالقلم، وكذا في بعض أصولنا.

(1/6459)

[حديث الخضر مع موسى عليهما السلام]

قوله: (بَابُ حَدِيثِ الْخَضِرِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه مُطَوَّلًا في (كتاب العلم) من هذا التعليق؛ فأغنى عن إعادته هنا.

==========

[ج 1 ص 888]

(1/6460)

[حديث: بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل جاءه رجل]

3400# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو الناقد الحافظ، واسمُ جدِّه بُكَيْرٌ، وكنية [1] عمرو: أبو عثمان، بغداديٌّ، نزل الرَّقَّة، عن هُشَيم، ومعتمر، وطبقتِهما، وعنه: البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والفِرْيَابيُّ، والبغويُّ، تُوُفِّيَ في ذي الحجَّة سنة (232 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، قال أحمد: يتحرَّى الصدق، وقال أبو داود وغيرُه: ثقةٌ، وقال ابن معين وقيل: إنَّ خلفًا يقع في عمرٍو، فقال: ما هو من أهل الكذب، له ترجمة في «الميزان».

قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [2]: حَدَّثَنِي أَبِي): أمَّا (يعقوب)؛ فهو كما قال، ابن إبراهيم بن سعد الزُّهْرِيُّ، أبو يوسف، يروي عن أبيه وشعبةَ، وعنه: أحمدُ وعبدٌ، حُجَّة وَرِعٌ، مات سنة (208 هـ)، وكذا في «التذهيب» أرَّخ وفاته، وقد قَدَّمْتُ أنَّه رأيت بخطِّي على «التذهيب» ما لفظه: المعروف في وفاته سنة اثنتين وثمانين ومئة، انتهى، وقد تَقَدَّمَ، و (أَبُوه): إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، تَقَدَّمَ، و (صَالِح): هو ابن كيسان، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و (عُبَيْد اللهِ بْن عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود، الفقيه الأعمى، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (أَنَّهُ تَمَارَى): أي: تجادل، وقد تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ (الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ)، وكذا الرجل الذي جاء موسى تَقَدَّمَ أنِّي لا أعرف اسمه.

قوله: (فَتَاهُ): تَقَدَّمَ أنَّه يوشع بن نون، وتَقَدَّمَ بقيَّة نسبه، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (الصَّخْرَةِ).

(1/6461)

[حديث: يرحم الله موسى لو كان صبر يقص علينا من أمرهما]

3401# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الحافظ الجِهْبِذ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: ابنُ عُيَيْنَة.

قوله: (إِنَّ نَوْفًا الْبكَالِيَّ): قال الدِّمْيَاطيُّ هنا: (نوف بن فَضالة بن رشيد البَكَاليُّ، ابن امرأة [1] كعب)، انتهى، وقد قَدَّمْتُ الكلام عليه، وعلى نسبته في (كتاب العلم).

قوله: (مُوسًى [2] آخَرُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وما ذكره ابن إسحاق عن التوراة، وأنَّ (موسًى) مُنَوَّن في (كتاب العلم).

قوله: (كَذَبَ عَدُوُّ اللهِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه أنَّه إنَّما قاله [3] على سبيل التغليظ عليه في (العلم).

قوله: (بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (قَالَ سُفْيَانُ): هو المذكور في السند ابن عُيَيْنَة [4]، والله أعلم.

[ج 1 ص 888]

قوله: (فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ): تَقَدَّمَ في (العلم): أنَّه القُفَّة، وتَقَدَّمَ ضبطه، وكذا (ثَمَّ)؛ أي: هناك، وقوله: (ثَمَّه) [5]: هو (ثَمَّ) وهاء السكت، وكذا تَقَدَّمَ (فَتَاهُ)، وأنَّه يُوشَعُ بن [6] نُونٍ، وأنَّ (نونًا) مصروفٌ، وقدَّمت نسبه هناك، وكذا: ({سَرَبًا} [الكهف: 61])، و (الجِرْيَةَ) [7]، وأنَّها بكسر الجيم، وكذا: (بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا [8])، وكذا: (النَّصَبَ)؛ وهو التعب، وكذا: (مُسَجًّى)؛ أي: مغطًّى، وكذا: (وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟)، وكذا: (بِغَيْرِ نَوْلٍ)؛ أي: أُجرة، وكذا: (جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ على حَرْفِ السَّفِينَةِ)، وما رواه فيه من كلام العصفور، وكذا قوله: (ما نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ)، بكلامٍ حسنٍ.

قوله: (إِلَّا مِثْلُ): يجوز في (مثل) الرفع والنصب، وهما ظاهران.

قوله: (بِالْقَدُومِ [9]): تَقَدَّمَ ضبطه، وأنَّ الأكثرَ الأفصحَ فيه التخفيفُ، وأنَّه حُكِيَ فيه التشديدُ، حكاه المنذريُّ، ومن قبلِه البُخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّمَ مَن ذكرها أيضًا، وكذا (الغُلَام)، والاختلاف في اسمه، وذكر أبيه وأمِّه.

قوله: (وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ): (أومأ): مهموز الآخر، وهذا ظاهِرٌ، و (سُفْيَانُ): تَقَدَّمَ أنَّه المذكور في السند، ابن عُيَيْنَة.

قوله: (كَأَنَّهُ يَقْطِفُ): بكسر الطاء في أصلنا، وقد قَدَّمْتُ في أوائل (الجهاد) في حديث: (وجدناه بحرًا) ما في ذلك.

قوله: ({حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} [الكهف: 77]): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وأنَّ ابن خَلِّكان حكى في «تاريخه»: أنَّها ماجروان، وكذا تَقَدَّمَ ({جِدَارًا}): ما [10] طوله، وعرضه، وسمكه.

قوله: (إِلَى فَوْقُ): هو بالضَّمِّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة، المذكور في السند.

قوله: (أَمَامَهُمْ مَلِكٌ): تَقَدَّمَ الكلام على اسمه، وسأذكر فيه أقوالًا، وكذا تَقَدَّمَ اسم الغلام بالاختلاف فيه.

==========

[1] في النُّسخَتَينِ: (امره)، وهو تحريفٌ.

(1/6462)

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (موسَى).

[3] في (ب): (قال).

[4] (ابن عُيَيْنَة): سقط من (ب).

[5] في (ب): (ثم).

[6] (بن): سقط من (أ).

[7] في (ب): (والجرمة)، وهو تحريفٌ.

[8] في هامش (ق): (و «يومَهما»: مَنْصُوبٌ، كذا نحفظه، ولكنَّ النوويَّ في «شرح مسلم» ضبطه بالفتح والكسر، وفيه نظرٌ من حيث المعنى، ولم يضبطه الشيخ محيي الدين من قِبَل نفسه، وإنَّما قال: ضبطوه بالفتح والكسر، ولكن جاء في رواية في «الصحيح»: (بقيَّة يومِهما وليلتَهما)؛ فتحصَّل أنَّ بقيَّة الليلة سارا فيها، وبقيَّة اليوم أيضًا، فجاز الكسر، والله أعلم، هذا ما ظهر لي في تجويز الكسر).

[9] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (القَدُّوم)؛ بالتشديد.

[10] (ما): ليس في (ب).

(1/6463)

[حديث: إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء]

3402# قوله: (عَلَى فَرْوَةٍ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (الفروة: الحشيش اليابس) انتهى، وقال ابن قرقول ما لفظه: قال الحربيُّ: هي قطعة يابسة من حشيش، وقال المطرِّز عن ابن الأعرابيِّ: الفروة: أرضٌ بيضاءُ ليس فيها نبات، وقال أبو الهيثم شيخ الكشميهنيِّ: الفروة: جِلدة أرض، وقال عبد الرَّزَّاق: هي الأرض اليابسة، قيل: يعني: الهشيم [1] اليابس، وهو نحو ما تَقَدَّمَ، انتهى.

وفي «النهاية» قولان: الأرض اليابسة، وقيل: الهشيم اليابس من النبات، انتهى، وقد تَقَدَّمَ لِمَ قيل له: (الخَضِر) في (كتاب العلم)؛ فانظره.

قوله: (قَالَ الحَمُّوي [2]: قال مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفُ بْنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ عَنْ سُفْيَانَ بِطُولِهِ): هذا القدر هو نسخةٌ في أصلنا، وكتب بعده: (صح)، وما صورته: (كذا في الأصل)، أمَّا (الحَمُّوي)؛ فهو راوي «صحيح البُخاريِّ» عن الفِرَبْريِّ، واسمه عبد الله بن أحمد بن حَمُّويه الحَمُّوي، نسبه إلى جدِّه، وكنية الحَمُّوي أبو عبد الله، وهو سَرَخْسِيٌّ، ومولده سنة (293 هـ)، ومات في ذي الحجَّة سنة (381 هـ)، وكان سماعه «الصحيح» من الفِرَبْريِّ سنة خمسَ عشرة _وقيل: سنة ستَّ عشرةَ_ وثلاث مئةٍ، قال فيه أبو ذرٍّ عبد بن أحمد الهرويُّ: ثقةٌ، صاحب أصول حِسَانٍ.

وأمَّا (الفِرَبْريُّ)؛ فكنيته أبو عبد الله، مُحَمَّد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن إبراهيم الفرَبْريُّ؛ بكسر الفاء وفتحها، وفتح الراء، وإسكان المُوَحَّدة بعدها، قال الحازميُّ: والفتح أشهر، واقتصر عليه ابن ماكولا والسمعانيُّ، وهي من قرى بُخارى، وهو ثقةٌ وَرِعٌ، مولد الفِرَبْريِّ _كما نقلته من خطِّ الحافظ جمال الدين المِزِّيِّ شيخ شيوخنا، عن أبي بكر مُحَمَّد بن منصور بن مُحَمَّد السمعانيِّ_ في سنة (231 هـ)، وكان ثقةً ورعًا.

وقال أبو إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّد المستملي: مات في شوَّال لعشرٍ بقين منه، سنة (325 هـ) فيما بلغني، وقال أبو نصرٍ أحمد بن مُحَمَّد الكلاباذيُّ: كان سماعه لهذا الكتاب من مُحَمَّد بن إسماعيل البُخاريِّ مرَّتين: مَرَّةً بفِرَبْر في سنة (248 هـ)، ومرَّة ببُخارى سنة (252 هـ).

وقال أبو عبد الله مُحَمَّد بن أحمد الغنجار في «تاريخ بخارى [3]» عن أبي عليٍّ إسماعيل بن مُحَمَّد بن أحمد بن حاجب الكُشَانيِّ: سمعت مُحَمَّد بن يوسف بن مطر يقول: سمعت «الجامع الصحيح» من مُحَمَّد بن إسماعيل بفِرَبْر في ثلاث سنين في سنة ثلاث وخمسين.

والحكمةُ في الإتيان بهذه الزيادة: أنَّ الفِرَبْريَّ ساوى في هذا الحديث البُخاريَّ شيخَه، وذلك لأنَّ البُخاريَّ أخذه عن عليِّ بن عبد الله _هو ابن المَدينيِّ_ عن سفيان، والفِرَبْريُّ سمع هذا الحديث من عليِّ بن خشرم عن سفيان، والله أعلم.

(1/6464)

[باب 28]

(1/6465)

[حديث: قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة]

3403# قوله: ({وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58]): أي: مسألتنا حطَّة؛ أي: حطَّ عنَّا ذنوبنا، وقيل: معناه: الاستغفار، وقيل: لا إله إلَّا الله.

قوله: (وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ): هي واحدة (الشَّعر)، قال في «المطالع»: (حبَّة في شَعرة): كذا في (كتاب الأنبياء) انتهى.

وقال بعض المفسِّرين في قوله تعالى: {قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59]؛ أي: (حنطة) مكان {حِطَّةٌ}، أو هطا سمقاثا؛ أي: حنطةٌ حمراءُ، وقد طُؤْطئ لهم البابُ لينحنوا، فدخلوا متزحِّفين.

==========

[ج 1 ص 889]

(1/6466)

[حديث: إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا]

3404# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو _فيما يظهر_ ابن راهويه الإمام، أحد الأعلام، و (رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ العين، وتخفيف المُوَحَّدة، و (عَوْفٌ): هو الأعرابيُّ، وتَقَدَّمَ أنَّما قيل له: الأعرابيُّ؛ لدخوله درب الأعراب، قاله الشيخ تقيُّ الدين ابن دقيقِ العيد، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): قال الإمام الحافظ الدِّمْيَاطيُّ شيخ شيوخنا: (لم يسمع الحسن من أبي هريرة ولا من عليٍّ، قاله التِّرْمِذيُّ) انتهى، وقال النَّسائيُّ أيضًا: إنَّ الحسنَ لم يسمع من أبي هريرة، وأمَّا (خِلَاس)؛ فهو بخاء مكسورة معجمة، وتخفيف اللام، وفي آخره سين مهملة، قد تُكُلِّم في سماعه من أبي هريرة، وهذا فات الدِّمْيَاطيَّ، ويحتمل أنَّه إنَّما تركه؛ لأنَّ البُخاريَّ لم يروِ له استقلالًا، إنَّما قرنه بآخَرَ، وقد قال أبو داود: وسمعت أحمد يقول: لم يسمع من أبي هريرة شيئًا، وقال يحيى بن سعيد: كان في «أطراف عوف»: خِلَاس ومُحَمَّد عن أبي هريرة، حديث: أنَّ موسى عليه السلام كان حَيِيًّا، فقال بَنُو إِسْرَائِيلَ: هو آدَرُ، فسألت عوفًا، فترك مُحَمَّدًا وقال: خِلَاس مرسِلٌ، ذكر ذلك الذَّهَبيُّ في «تذهيبه»، والعلائيُّ في «مراسيله»، واللفظ للعلائيِّ، والذَّهَبيُّ أخذه من المِزِّيِّ الحافظِ جمالِ الدين، وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» ذلك في ترجمة خِلَاس، وصحَّح على (خِلَاس)، وقد ذكر المِزِّيُّ هذا الحديثَ في «أطرافه» في ترجمة الحسن عنه، وأشار إليه في ترجمة مُحَمَّد بن سيرين، ولم يُشِر إليه في ترجمة خِلَاس عن أبي هريرة، بل ولا ذكر له حديثًا عنه أصلًا في الكُتُب السِّتَّة، وكان ينبغي أن يشير إلى هذا، فإنَّه في «البُخاريِّ» و «التِّرْمِذيِّ».

والحاصل: أنَّ اعتماد البُخاريِّ في هذا الحديث على مُحَمَّد بن سيرين، والاثنان مقرونان معه لا يضرُّه.

قوله: (سِتِّيرًا): هو بتشديد المُثَنَّاة فوق، بوزن (شِرِّيب)، أي: كثير التستُّر، وهو مكسور السين، وكذا في أصلنا، ولم يُتعرَّض لضبط التاء، ثُمَّ طرأ على التاء كسرةٌ، ورأيته في نسخة صحيحةٍ كذلك، وفي هامشها: مفتوح السين [2] بالقلم، وينبغي أن يُحَرَّر، وفي «الصحاح»: رجل مستور وسَتِيْر؛ أي: عفيف، والجارية: سَتِيْرَة، انتهى، فلعلَّ هذا مدركُه، ولكنَّ هذا المعنى غيرُ المعنى المرادِ في الحديث، والله أعلم.

[ج 1 ص 889]

قوله: (لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ): (يُرَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (شيءٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (إِمَّا بَرَص): (إمَّا): بكسر الهمزة، وتشديد الميم، وكذا في الثانية، و (برصٍ): مجرورٌ مُنَوَّن، وكذا (أُدْرَة)، وكذا (آفَة)، ويجوز رفع الكلِّ مع التنوين [3].

(1/6467)

قوله: (أُدْرَة): و (الأُدْرة): بضَمِّ الهمزة، ثُمَّ دال مهملة ساكنة، ثُمَّ راء، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي نفخة في الخُصية، يقال: رجل آدَر بَيِّن الأدَر [4]، وهي التي تسمِّيها العامة: القيلة.

قوله: (وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى [5] أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ): (إنَّ) في أصلنا مفتوحةُ الهمزة، والذي يظهر فيها الكسرُ عطفًا على (إنَّ) الأولى المكسورة، وأنَّه يجوز فيها الفتح لا على العطف على الأولى، بل على غيره، والله أعلم، وكذا (وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ): يجوز في همزتها الكسر والفتح.

قوله: (عَدَا): هو بالعين المُهْمَلَة، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَقَامَ الْحَجَرُ): أي: ثبت ووقف.

قوله: (وَطَفقَ بِالْحَجَرِ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بكسر الفاء وفتحها، وأنَّ معناه: جعل، وكذا تَقَدَّمَ (إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا)، تَقَدَّمَ الكلام على (النَّدب) ضبطًا ومعنًى في (باب الغسل).

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] في (ب): (الشين)، وهو تصحيفٌ.

[3] في «اليونينيَّة» (ق) معًا، وعليهما علامة أبي ذرٍّ.

[4] في (ب): (الأدرة).

[5] (تعالى): ليس في «اليونينيَّة».

(1/6468)

[حديث: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر]

3405# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ الحافظ، وكذا تَقَدَّمَ (الأَعْمَش): أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ القارئ، وكذا تَقَدَّمَ (أَبَو وَائِل): أنَّه شقيق بن سلمة، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ رضي الله عنه.

قوله: (قَسْمًا): هو بفتح القاف، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ ... )؛ الحديث: هذا الرجل من الأنصار، كذا جاء في بعض طرق «الصحيح»، وقد قال ابن شيخنا البُلْقينيِّ: الرجل: معتِّب بن قُشَير، قاله الواقديُّ، وقد تَقَدَّمَ، انتهى وقد قدَّمتُه أنا.

قوله: (قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَصَبَرَ): سأذكر قريبًا ما أُوذِيَ به موسى إن شاء الله تعالى.

(1/6469)

[باب: {يعكفون على أصنام لهم}]

بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى [1]: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138]

ذكر في هذا حديث جابر [2]: (كنَّا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نَجْنِي الْكَبَاث ... )؛ الحديث، قال شيخنا الشارح: إن قلت: ما مناسبة الحديثِ البابَ، فقد قال بعض شيوخنا: لا مناسبة؟ ثُمَّ قال شيخنا: قلت: مناسبةٌ ظاهرةٌ؛ لدخول موسى فيمَن رعى الغنم، انتهى، كذا قال، وفيه نظرٌ، وكان اللائق بهذا التبويب حديث ذات أنواط، وهو حديثٌ أخرجه التِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ من رواية أبي واقد الليثيِّ؛ التِّرْمِذيُّ في (الفتن)، والنَّسائيُّ في (التفسير)، قال التِّرْمِذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، انتهى.

وقد اعتبرت حاله [3]، فأخرجه التِّرْمِذيُّ عن سعيد بن عبد الرَّحْمَن، عن سفيان، عن الزُّهْرِيِّ، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقدٍ به، والنَّسائيُّ في (التفسير) عن مُحَمَّد بن رافع، عن عبد الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، أمَّا سعيدٌ؛ فثقة [4]، وكذا بقيَّة السند ثقاتٌ، (وأمَّا الثاني [5] مُحَمَّد بن رافع؛ فوثَّقه النَّسائيُّ، وبقيَّة السند ثقات) [6]، وقد تكلَّم بعض من شرح «البُخاريَّ» من العجم بمناسبة ليست [7] ظاهرةً، قال بعض متأخِّري الحُفَّاظ في عصرنا: والذي ترجَّح عندي أنَّه كان بين الترجمة بياضٌ لحديثٍ يناسبها، وترجمةٍ تناسب الحديث، فلما نُسِخَ الكتاب؛ سقط البياض، وانضمَّ الحديث إلى الترجمة التي [8] لا يتعلَّق بها، وذكر مستنده في ذلك، وقد ذكرته أنا في أوَّل هذا التعليق [9] في المقدِّمة، ثُمَّ قال في مكان آخر: وقد وقع في رواية إبراهيم بن معقل عن «البُخاريِّ»: (بابٌ)؛ بغير ترجمة، وساق فيه حديث جابر، ولم يذكر التفسير المذكور ولا الآية [10]، فكأنَّه [11] حذف التفسير المذكور؛ لأنَّه لا يصلح أن يكون ترجمةً لحديث جابر، وهو الذي ذهبتُ [12] إليه، والعلم عند الله تعالى، انتهى.

(1/6470)

[حديث: عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه]

3406# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد الإمام، أحد الأعلام والأجواد، و (يُونُس): أنَّه بن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم [1] الزُّهْرِيُّ، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وهو أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

قوله: (نَجْنِي الْكَبَاثَ): هو بفتح الكاف، وتخفيف المُوَحَّدة بعدها، وفي آخره ثاء مُثَلَّثَة، وزان (سَحَاب)، قال الدِّمْيَاطيُّ: (الكباث: ثمر الأراك إذا نضج، والبَرير: ما لم ينضج، وقيل: الكَبَاث: الغضُّ الطريُّ، والبَرير: اسم للجميع)، انتهى، وقال ابن قرقول: الكباث: ثمر الأراك؛ قيل [2]: نضيجُه، وقيل: حِصرِمُه، وقيل: غضُّه، وقيل: مُتزَبِّبُه، وهو البرير أيضًا.

==========

[1] في (ب): (بن عبيد الله).

[2] في (ب): (قبل).

[ج 1 ص 890]

(1/6471)

[باب: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً}]

قوله: (قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ): الظاهر أنَّه رُفيع بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (الْعَوَانُ: النَّصَفُ): هو بفتح النون والصاد المُهْمَلَة، وبالفاء، قال الجوهريُّ: (النَّصَف؛ بالتحريك: المرأة بين الحَدَثَة والمُسِنَّة، وتصغيرها: نُصَيف؛ بلا هاء؛ لأنَّها صفة ... ) إلى آخر كلامه.

قوله: ({صَفْرَاءُ} [البقرة: 69]: إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ، وَيُقَالُ: صَفْرَاءُ؛ كَقَوْلِهِ: {جِمَالَاتٌ صُفْرٌ} [المرسلات: 33]): قال شيخنا: ما قاله في {صفراء} أنكره بعضُ أهل النظر، وقال: لأنَّه لا يجوز سوداءُ فاقعٌ، إنمَّا يقال: صفراءُ فاقعٌ، وأسودُ حالكٌ، وأحمرُ قانئٌ، ونحو ذلك، انتهى.

(1/6472)

[باب وفاة موسى وذكره بعد]

(1/6473)

[حديث: لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق]

3407# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى): هذا [1] يحيى بن موسى البلخيُّ السَّخْتيَانيُّ خَتٌّ، عن ابن عُيَيْنَة ووكيع، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، والسَّرَّاج، والحكيم مُحَمَّد بن عليٍّ التِّرْمِذيُّ، تُوُفِّيَ سنة (240 هـ)، وخَتٌّ: بفتح الخاء المُعْجَمَة، وتشديد المُثَنَّاة فوق، لُقِّب بها؛ لأنَّها جرت على لسانه، قال السَّرَّاج: ثقة مأمون، وقال موسى بن هارون: كان من خيار المسلمين رحمه الله.

قوله: (عَنْ ابْنِ طَاووُسٍ): هو عبد الله، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

قوله: (أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ): (أُرسِل): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مَلَكُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

قوله: (صَكَّهُ): أي: لطمه، وقد تَقَدَّمَ في (الجنائز) الكلام عليه، وعن اعتراضٍ لبعض الملاحدة.

قوله: (يَضَعْ يَدَهُ): يجوز فيه الجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع [2]، وهما في أصلنا؛ الثاني في الأصل، والأوَّل نسخةٌ في الهامش، قال الله تعالى: {قُلْ لِعِبَادِيَ [الَّذِينَ آمَنُوا] يُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 31].

قوله: (عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ): قال الجوهريُّ: متنا الظهر: مُكتنفا الصُّلب عن يمين وشمال من عَصَبٍ ولحمٍ، يُذَكَّر ويُؤنَّث.

قوله: (بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ): (يدُه): مَرْفُوعٌ فاعل، و (سَنَةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن.

قوله [3]: (مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ): تَقَدَّمَ ما الحكمة في ذلك في (الجنائز).

قوله: (ثَمَّ): أي [4]: هناك، وقد تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الثاء، وتشديد الميم.

قوله: (وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ): قائل ذلك هو عبد الرَّزَّاق، وهو معطوف على السند الذي قبله، وقد رواه البُخاريُّ عن يحيى بن موسى، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن هَمَّامٍ، عن أبي هريرة، والذي قبله: عن موسى، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن أبي هريرة.

(1/6474)

[حديث: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود]

3408# قوله: (حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ):

[ج 1 ص 890]

تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، وكذا (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلا فتح يائه، و (أَبُو هُرَيْرَة): تَقَدَّمَ مرارًا [1] أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ على الأصَحِّ.

قوله: (اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ): الرجلان لا أعرفهما بأعيانهما [2]، غير أنَّ المسلم جاء في بعض طرقه أنَّه من الأنصار، وسيأتي ذلك قريبًا، وقد قال ابن شيخنا البُلْقينيِّ عن ابن بشكوال: إنَّ اليهوديَّ فِنحاصُ، والضَّارب: أبو بكر الصِّدِّيق، وتعقَّبه ابن شيخنا، ولا شكَّ أنَّه متعقَّب، فقصَّة أبي بكرٍ مع فِنحاص غيرُ هذه القصَّة [3]، وقد قَدَّمْتُ ذلك أيضًا كيف، وتَقَدَّمَ أنَّه من الأنصار، كما سيأتي قريبًا.

قوله: (لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى): وكذا الحديث الآخر: «لا تفضِّلوا بين الأنبياء»، تَقَدَّمَ عنه خمسةُ أجوبةٍ في (كتاب الخصومات) في أوَّله.

قوله: (فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ [4]): أي: يُغشَى عليهم، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه مُطَوَّلًا في أوَّل (الخصومات).

قوله: (بَاطِشٌ): أي: آخذٌ؛ وهو الأخذ الشديد بقوَّة وسرعة، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[1] (مرارًا): ليس في (ب)

[2] (بأعيانهما): ليس في (ب).

[3] (القصة): ليس في (ب).

[4] (يوم القيامة): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهي ثابتة في الحديث (2411).

(1/6475)

[حديث: احتج آدم وموسى فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك ... ]

3409# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا [1] أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، وتَقَدَّمَ (حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه بالتصغير، وأنَّه حُمَيد بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيُّ، وليس بحُمَيد بن عبد الرَّحْمَن الحِمْيَريِّ، وتَقَدَّمَ أنَّ هذا الثاني ليس له في «البُخاريِّ» عن أبي هريرة شيءٌ، إنَّما روى له عنه مسلمٌ حديثًا واحدًا: «أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرَّم ... »؛ الحديث، وهذا الحديث ليس في «البُخاريِّ»، والله أعلم [2].

قوله: (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى): إمَّا أن تكون أرواحهما تحاجَّت، أو يكون ذلك يوم القيامة، والأوَّل أظهر، قال القاضي عياض: ويحتمل أن يُحمَل على ظاهره، وأنَّهما اجتمعا بأشخاصهما، وقد ثبت في حديث الإسراء: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام اجتمع بالأنبياء في السماوات وفي بيت المقدس، وصلَّى بهم، ولا يبعد أنَّ الله أحياهم كما أحيا الشهداء، ويحتمل أنَّ ذلك جرى في حياة موسى [3]، والله أعلم.

قوله: (ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ... ) إلى أن قال: (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى): (قُدِّر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (حجَّ آدمُ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (موسى): مَنْصُوبٌ [4] مفعول؛ أي: غلبه بالحُجَّة، ووجهه: أنَّ موسى قد أعلمه الله في التوراة بقصَّة آدمَ، وبأنَّ الله تعالى تاب عليه منها، ورفع عنه المعاتبةَ والمؤاخذة، وأنَّه ردَّه إلى أحسن ما كان قبل، فعِتَاب موسى لا موضع له، فكأنَّه قال: أتؤاخذني وقد علمت أنَّ الله أسقط عنِّي [5] ذلك، وقال الخَطَّابيُّ: إنَّما حجَّه آدمُ في اللوم؛ إذ ليس لآدميٍّ أن يلوم أحدًا، وقد جاء في الحديث: «انظروا إلى الناس كأنَّكم عبيد، ولا تنظروا إليهم كأنَّكم أرباب»، انتهى [6].

==========

[1] (مرارًا): ليس في (ب).

[2] (أعلم): سقط من (ب).

[3] زيد في (ب): (عليه السلام).

[4] زيد في (ب): (فاعل)، وليس بصحيحٍ.

[5] في (ب): (عَليَّ).

[6] (انتهى): ليس في (ب).

[ج 1 ص 891]

(1/6476)

[حديث: عرضت علي الأمم ورأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق]

3410# قوله: (حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ)، وكذا (حُصَيْن بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ أنَّ الأسماءَ بالضَّمِّ، وأنَّ الكنى بالفتح، وهذا ظاهِرٌ عند أربابه، و (حُصَيْنُ بن نُمَيْرٍ): واسطيٌّ ضرير، كنيته أبو محصن، يروي عن حُصَيْنِ بن عبد الرَّحْمَن وجماعةٍ، وعنه: مُسَدَّدٌ، وابن المَدينيِّ، وجماعةٌ، وثَّقهُ أبو زرعة وغيره، وقال أبو حاتم: صالح، أخرج له البُخاريُّ، ولم يخرِّج له مسلم شيئًا ولا بقيَّة أصحاب الكتب، له ترجمةٌ في «الميزان»، وهو غير حُصَين بن نُمَيْر الكنديِّ ثُمَّ السكونيِّ [1] الحمصيِّ، وغير حُصَيْنُ بن نُمَيْرٍ عن أبيه، هذان في «الميزان»، ووثَّقهما ابن حِبَّانَ.

قوله: (وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا): (السَّواد): الجماعات.

==========

[1] في (ب): (السكوتي)، وهو تصحيفٌ.

[ج 1 ص 891]

(1/6477)

[باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون}]

قوله: (امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ): هي: آسِيَةُ، وذكر في الحديث الآتي: (إلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ)، وهي آسيةُ بنت مزاحم، ابنة عمَّة فرعون، وقيل: إنَّها من العماليق، وقيل: من بني إسرائيل من سبط موسى، وقال السُّهَيليُّ: وقيل: هي عمَّة موسى، انتهى، وإذا كان كذلك؛ فنسبها معروف، وقد تَقَدَّمَ نسب موسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1].

==========

[1] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[ج 1 ص 891]

(1/6478)

[حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا .. ]

3411# قوله: (عن مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ): هو بإسكان الميم، وبالدال المُهْمَلَة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله، منسوبٌ إلى القبيلة.

قوله: (عَنْ أَبِي مُوسَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبدالله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، أمير النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

قوله: (كَمَلَ من الرِّجَالِ كَثِيرٌ): (كمل): بفتح الميم، وضمِّها، وكسرها؛ وهو أردؤها، ومعناه: انتهى في الفضل نهاية التمام والكمال دون نقص، وقيل: كمل في العقل؛ إذ وُصِفَت النساء بنقصِ [1] ذلك.

قوله: (ولم يَكْمُلْ): هو بضَمِّ الميم.

قوله: (وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ ... ) إلى آخره: (إنَّ): بكسر الهمزة، وتشديد النون، وهذا ظاهِرٌ، يحتمل أن يريد نساء عصرها، أو سائرهنَّ، أو أمَّهات المؤمنين، قاله شيخنا.

قوله: (كَفَضْلِ الثَّرِيدِ ... ) إلى آخره: (الثريد): قال ابن الأثير في «نهايته»: قيل: لم يُرِد عين الثريد، وإنَّما أراد الطعام المتَّخذ من اللحم والثريد معًا؛ لأنَّ الثريدَ غالبًا لا يكون إلَّا مِن لحمٍ، والعرب قلَّما تجد طبيخًا، ولا سيَّما مِن لحمٍ، ويقال: الثريد: أحد اللَّحمَين، بل اللَّذَّةُ والقوَّة إذا كان اللحم نضيجًا [2] في المرق أكثرُ ممَّا [3] في نفس اللحم، انتهى، وفي بعض التفاسير: (الثريد): الخبز والتمر، وهذا غريبٌ.

==========

[1] في (ب): (ببعض).

[2] في (ب): (نضجًا).

[3] (مما): ليس في (ب).

[ج 1 ص 891]

(1/6479)

[باب: {إن قارون كان من قوم موسى} الآية]

قوله: ({إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} [القصص: 76]): (قارون) كان ابن عمِّه، واسم أبيه: صافر بن قاهث بن يصهر بن عازر بن لاوي بن يعقوب، وكان سكنه تِنِّيسَ وما والاها من أسفل الأرض، وقيل: إنَّه ابن أخته.

قوله: ({لَتَنُوءُ} [القصص: 76]: لَتُثْقِلُ): (تُثْقِل): بضَمِّ أوَّله، ثُمَّ سكون ثانيه، وكسر القاف، وكذا ضبطه في أصلنا في (التفسير) في (القَصَص)، والذي يظهر (لتَثْقُل): بفتح [1] المُثَنَّاة فوق أوَّله، ثُمَّ سكون الثاء المُثَلَّثَة ثانيه، ثُمَّ ضمِّ القاف، ثُلاثيٌّ لازم؛ لأنَّه متعدٍّ بحرف الجرِّ، ثُمَّ رأيته كما ضبطته أنا _على أنَّه لازمٌ_ في نسخةٍ بالقلم، وهو الذي يظهر، والله أعلم.

(1/6480)

[{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}]

قوله: ({وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] ... ) إلى أن قال: (إلى أَهْلِ مَدْيَنَ ... ) إلى آخره: قال شيخنا: فيه نظرٌ، فقد ذكر أهل التاريخ أنَّ {مدين} المذكور في الآية: هو ابن إبراهيم، و (شعيب): هو ابن ضيفون _ويقال: ابن ملكا_ ابن تويت [1] بن مدين بن إبراهيم، وهو ظاهِرُ التلاوة، انتهى.

وقيل: شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، وقال ابن قُتَيْبَة: وجدَّة أمِّ شعيب بنتُ لوط، قال الثعلبيُّ: كان يقال لشعيبٍ: خطيب الأنبياء، وعمي في آخر عمره، قال قتادة: بعثه الله رسولًا إلى أُمَّتين: مدين وأصحاب الأيكة، وعن ابن عَبَّاس: أنَّ شعيبًا كان كثير الصلاة، قالوا: فلمَّا طال تمادي قومه على كفرهم، وغيِّهم، وعنادهم بعد المعجزة، وكثرة المراجعة، وأَيِسَ من فلاحهم؛ دعا الله تعالى فقال: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف: 89]، فأجاب الله دعاءه، وأهلكهم بالرجفة؛ وهي الزلزلة، {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف: 91]؛ أي: هَلْكَى، وأهلك أصحاب الأيكة بعذاب الظُّلَّة [2]، قال السمعانيُّ: وقبر شعيب [3] في حطِّين؛ وهي قرية بساحل الشام، وهذا الذي قاله السمعانيُّ في «الأنساب» مشهورٌ معروف، وعلى قبره بناءٌ، وعليه وقفٌ، ويقصده الناس من المواضع البعيدة للزيارة والتبرُّك صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4].

[ج 1 ص 891]

قوله: (ظَهَرْتَ [5] حَاجَتِي): كذا في أصلنا مضبوط بالقلم، وقد قال الجوهريُّ: ظهر فلانٌ بحاجتي؛ إذا استخفَّ بها وجعلها بظهرٍ [6]، كأنَّه أزالها ولم يلتفت إليها، وجعلها ظِهْريَّةً؛ أي: خلف ظهره، انتهى، فإذن في ضبط ما في أصلنا نظرٌ؛ لأنَّه جعله متعدِّيًا، والذي في «الصحاح»: أنَّه لازم، ولكن قد رأيت في نسخةٍ عن نسخةِ الدِّمْيَاطيِّ: (ظَهَّرْتَ)؛ بتشديد الهاء، وهذا موافقٌ لما في «الصحاح»؛ إذ عدَّاه بالتضعيف.

==========

[1] كذا في النُّسختين، وفي التَّفاسير: (نويب).

[2] في (أ): (الظلمة).

[3] زيد في (ب): (عليه السلام).

[4] في (ب): (عليه السلام).

[5] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت، وفي «اليونينيَّة»: (ظَهَرَتْ).

[6] في (ب): (لظهر)، وهي في (أ) محتملة.

(1/6481)

[باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين}]

قوله: ({وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139]): هو رسول الله يونس ابن مَتَّى؛ بفتح الميم، وتشديد المُثَنَّاة فوق، مقصورٌ، وتَقَدَّمَ أنَّ في (يونس) ستَّ لغات: ضمُّ النون، وفتحها، وكسرها، مع الهمز وتركه، والفصيح: ضمُّها بغير همز، وبه جاء القرآن، والآيات في رسالته وفضله معلومةٌ، وكذا الأحاديث.

و (متَّى): أمُّ يونس، ولم يشتهر نبيٌّ بأمِّه غيرَ عيسى ويونس عليهما السلام، كذا ذكره ابن الأثير في «الكامل» في ترجمة يونس المشارِ إليه، وقد قيل: إنَّه من بني إسرائيل من سبط بنيامين، وفي «المشتبه» للذهبيِّ: مَتَّى: والد يونس، كذا في نسختي وهي مقابَلة كرَّتين، ولفظ «القاموس»: ومتَّى؛ كـ «حَتَّى»، أو «متْتَى» مفكوكةٌ: أبو يونس النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1]، انتهى.

فإن قيل: فما الجمع بين قوله: يونس بن متَّى ونسبه إلى أبيه على القول بأنَّها أمُّه؟

والجواب: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لم يقل: ابن متَّى، بل قال: (يونس بن فلان)، فذكر [2] أباه [3]، فنسيه الراوي، فنسبه إلى أمِّه، والله أعلم.

قوله: (قَالَ مُجَاهِدٌ: مُذْنِبٌ) [4]: تَقَدَّمَ الكلام في (آدم) في (عصمة الأنبياء) بما فيه كفاية؛ فانظره إن أردته.

قوله: (من غَيْرِ ذَاتِ أَصْلٍ) [5]: كذا في «البُخاريِّ»، وصوابه: من غير ذات ساق، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (عليه السلام).

[2] في (ب): (فذكره).

[3] (أباه): ليس في (ب).

[4] هذا القول ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[5] هذا القول ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[ج 1 ص 892]

(1/6482)

[حديث: لا يقولن أحدكم: إني خير من يونس]

3412# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ يحيى هذا بعد (مسدَّد) هو يحيى بن سعيد القَطَّان الحافظ، شيخ الحُفَّاظ، و (سُفْيَان) بعده: هو الثَّوْريُّ فيما ظهر لي، ويحتمل أن يكون ابنَ عُيَيْنَة، والله أعلم، و (الأَعْمَشُ): سليمان بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ مرارًا.

قوله: (ح [1]): تَقَدَّمَ الكلام عليها نطقًا ومعنًى في أوَّل هذا التعليق.

قوله: (وحَدَّثَنَا [2] أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، ومُتَرْجَمًا مَرَّةً، والكلام على (دُكَين)، و (سُفْيَانُ) بعده: يحتمل أن يكون الثَّوْريَّ، وأن يكون ابنَ عُيَيْنَة، فإنَّه روى عنهما، و (الأَعْمَش) تَقَدَّمَ أعلاه وغَيْرَ مَرَّةٍ، و (أَبُو وَائِل): شقيق بن سلمة، تَقَدَّمَ مرارًا، والحكمة في تقديم السند الأوَّل وإن كان نازلًا عن الثاني واحدًا؛ لأنَّ فيه تصريحَ سفيان بالتحديث من الأعمش، والسُّفيانان مدلِّسان، والثاني وإن كان عاليًا إلَّا أنَّ فيه عنعنةَ سفيان عن الأعمش، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ رضي الله عنه.

قوله: (إِنِّي خَيْرٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا في (أنا خير)، وتَقَدَّمَ الجواب عنه وعن غيره؛ مثل: «لا تخيِّروني على موسى» في (الإشخاص)، وقدَّمت عنه خمسةَ أجوبةٍ، وسيأتي في آخر «البُخاريِّ»: «قال الله تعالى: مَن قال: إنَّه خيرٌ من يونس ابن متَّى؛ فقد كذب»، والخمسة لا تجيء هناك، إنَّما يجيء بعضُها، وسأذكره في مكانه إن شاء الله تعالى.

==========

[1] (ح): ليس في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

[2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (حدَّثنا)؛ بلا واو، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

[ج 1 ص 892]

(1/6483)

[حديث: ما ينبغي لعبد أن يقول: إني خير من يونس بن متى]

3413# قوله: (عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ): هذا هو رُفَيع بن مِهْرَان، وقد قدَّمته مُتَرْجَمًا.

==========

[ج 1 ص 892]

(1/6484)

[حديث: لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور]

3414# 3415# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، أحد الأعلام، و (عَبْد الْعَزِيزِ ابْن أَبِي سَلَمَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (عبد العزيز هذا: هو الماجِشُون عبد الْعَزِيزِ بن عبد الله بن أبي سَلَمَةَ) انتهى، وقد تَقَدَّمَ، و (عَبْد اللهِ بْن الْفَضْلِ) بعده: قال الدِّمْيَاطيُّ: (عبد الله بن الفضل بن العَبَّاس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المُطَّلِب)، انتهى، روى عبد الله بن الفضل هذا عن أنس، والأعرجِ، وعبد الله بن أبي رافع، ونافع بن جُبَيرٍ، وسليمان بن يسار، وأبي سلمة، وغيرِهم، وعنه: موسى بن عقبة، وصالح بن كيسان، وزياد بن سعد، وعبد العزيز الماجِشُون، ومالكٌ، وطائفةٌ، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، أخرج له الجماعة، و (الأَعْرَج): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر [1].

قوله: (بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ): هذا اليهوديُّ تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنِّي لا أعرفه، وتَقَدَّمَ ما قاله ابن بشكوال، وليس بصحيح.

[قوله: (فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنِّي لا أعرفه، وتَقَدَّمَ ما قاله ابن بشكوال فيه، وهو ليس بصحيح] [2].

قوله: (بين أَظْهُرِنَا): أي: بيننا.

قوله: (إِنَّ لي ذِمَّةً وَعَهْدًا): (الذِّمَّة): الأمان، وقيل: العهد، فإن كانت الأمانَ؛ فلا كلام، وإن كانت العهدَ؛ فعَطفُها على (العهد)؛ لاختلاف اللفظ.

قوله: (حَتَّى رُئِيَ): هو بضَمِّ الراء، ثُمَّ همزة مكسورة، ثُمَّ ياء مفتوحة، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (لا تُفَضِّلُوا بين أَنْبِيَاءِ اللهِ): تَقَدَّمَ الجواب عنه من خمسةِ أوجهٍ في (الإِشخاص).

قوله: (يُنْفَخُ في الصُّورِ): (يُنْفَخُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (فَأَكُونُ أَوَّلَ من بُعِثَ ... ) إلى أن قال: (أَمْ بُعِثَ قَبْلِي): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الإِشخاص)، وهذا حديثٌ مُشْكِل؛ فانظره هناك، فإنِّي أطلت فيه، وهذا الحديث فيه التصريحُ بأنَّ هذا في النفخة الثانية؛ نفخةِ البَعْثِ.

قوله: (وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ ابْنِ مَتَّى): تَقَدَّمَ الكلام عليه في الجملة في (الإِشخاص).

==========

[1] زيد في (ب): (على الأصح).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[ج 1 ص 892]

(1/6485)

[حديث أبي هريرة: لا ينبغي لعبد أن يقول ... ]

3416# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّمَ (حُمَيد بن عبد الرَّحْمَن، عن أبي هُرَيْرَةَ) [1]: أنَّه ابن عوف الزُّهْرِيُّ، لا حُمَيْدَ بن عبد الرَّحْمَن الحِمْيَريُّ قريبًا، وأنَّ الحِمْيَريَّ ليس له شيءٌ في «البُخاريِّ»، إنَّما روى له مسلم حديثًا واحدًا: (أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرَّم).

قوله: (أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ ابْنِ مَتَّى [2]): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وتَقَدَّمَ أنَّ الضمير في (أنا) هل هو عائد إلى رسول الله، أو إلى القائل مَن كان؛ وهو الأصحُّ، والله أعلم، ويشهد للثاني روايةُ الطَّبَرانيِّ عن ابن عَبَّاس عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «ما يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يقول: أنا عند الله خيرٌ من يونس ابن مَتَّى»، قال الطحاويُّ: وجاء فيه زيادةٌ تبيِّن المعنى في ذلك، وهي قوله: «قد سبَّح الله في الظلمات»، انتهى.

==========

[1] زيد في (ب): (حميد بن عبد الرَّحْمَن هذا تَقَدَّمَ)؛ لإصلاح النصِّ، ولعلَّه ضرب في (أ) على (هذا).

[2] زيد في النسختين: (فقد كذب)، وليست من هذا الحديث؛ وذلك أنَّه كان قد زاد في (أ) قبل (أنا خير): (من قال)، ثمَّ ضرب عليها، فلعلَّه سها عن أن يضرب على اللاحقة.

[ج 1 ص 892]

(1/6486)

[باب: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}]

قوله: ({وَاسْأَلْهُمْ عن الْقَرْيَة} [الأعراف: 163]): هي أيلة، وقيل: طبريَّة.

==========

[ج 1 ص 892]

(1/6487)

[باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبورًا}]

قوله: ({وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء: 163]): مذكور في آياتٍ وأحاديثَ، وهو داود، كنيته أبو سليمان، واسم والده: إِيْشا؛ بهمزة مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة،

[ج 1 ص 892]

ثُمَّ شين معجمة، قال الثعلبيُّ في «عرائسه»: هو داود بن إِيْشَا بن عوبد بن باعر بن سلمون بن يحشون بن عمي بن يازب [1] بن رام بن حضرون [2] بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال الثعلبيُّ: قال العلماء: لمَّا استُشهِد طالوت؛ أعطت بنو إسرائيل داودَ خزائنَ طالوتَ، وملَّكوه على أنفسهم، وذلك بعد قتلِ جالوتَ بسبعِ سنين [3]، ولم يجتمع بنو إسرائيل على مَلِك إلَّا داود، قال: وقال كعبٌ ووهب بن مُنَبِّه: كان داود أحمرَ اللونِ، سبطَ الرأسِ، أبيضَ الجسمِ، طويلَ اللحية فيها جعودة، حسنَ الصوتِ والخَلْقِ، طاهرَ القلبِ، قال: وممَّا أعطاه الله تعالى من الفضائل؛ منها: الزَّبور، وحُسْنُ الصوت، فلم يُعطَ أحدٌ مثلَ صوته، وحكى من آثار صوته أشياءَ عجيبةً، ومنها: تسخير الجبال والطير للتسبيح، ومنها: الحكمة وفصل الخطاب، فالحكمة: الإصابة في الأمور، وفصل الخطاب: قيل: معرفة الأحكام أو إتقانُها أو تسهيلها [4]، وهنا فسَّر فصل [5] الخطاب عن مجاهد: الفهم في القضاء، وهو قريب مما ذكرته، وقيل: بيان الكلام، وقيل: قولة: أمَّا بعد، ومنها: الشهود والأَيمان، ومنها: السلسلة المشهورة، ومنها: القوَّة في العبادة والمجاهدة، ومنها: قوَّة المِلْكِ وتمكينه، ومنها: قوَّة بدنه، ومنها: إلانة الحديد، قال أهل التاريخ: كان عمر داود مئةَ سنةٍ، مدَّة ملكه منها أربعون سنةً، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6].

قوله: (وَالْحَلَقِ): هو بفتح الحاء واللام، جمع (حَلْقة)؛ بالإسكان على غير قياس، وقال الأصمعيُّ: والجمع: حِلَق؛ مثل: بَدْرة وبِدَر، وقَصْعة وقِصَع، وحكى أبو عمرو بن العلاء: «حلَقة» في الواحد بالتحريك، والجمع: حَلَق وحَلَقات، وقال ثعلب: كلُّهم يجيزه على ضعفه، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (لَا تُدِقَّ [7] الْمِسْمَارَ): (تُدِقَّ): بضَمِّ التاء المُثَنَّاة فوق في أوَّله، وكسر الدال المُهْمَلَة، والقاف مُشَدَّدة، ويجوز في القاف الفتح [8]، ويجوز فيه الكسر؛ لالتقاء الساكنين، وفي رواية: بالراء عوض الدال، وبالراء عند الأصيليِّ.

قوله: (فَيَتَسَلْسَلَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (وصوابه [9]: فيَسْلَسَ) انتهى، قال ابن قرقول: (لا تُدِقَّ المسامير فتَسْلَس): كذا عند الأصيليِّ؛ ومعناه: تخرج من الثقب برفقٍ ولين، أو تتحرَّك لدقَّتها [10] حتَّى يلين خروجها، وعند غيره: (فيتسلسل): والسلسال: اللين، والسلسلة: اللين، وقيل في «العين»: السلسبيل: سَلِسة سهلة في الحلق، وأصل السلسلة: الاتِّصال، انتهى.

==========

[1] في (ب): (يارث).

[2] في (أ): (خضرون).

[3] (سنين): ليس في (ب).

[4] في (ب): (وإتقانها وتسهيلها).

[5] (فصل): سقط من (ب).

[6] في (ب): (عليه السلام).

(1/6488)

[7] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (ولا يُدِقَّ).

[8] في (ب): (الضم)، وهو تحريفٌ.

[9] (وصوابه): سقط من (ب).

[10] (لدقتها): سقط من (ب).

(1/6489)

[حديث: خفف على داود القرآن]

3417# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو المسنديُّ، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ أربعةً من مشايخ البُخاريِّ كلٌّ منهم اسمه عبد الله بن مُحَمَّد [1]، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام، الحافظ الكبير المشهور، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): هو ابن مُنَبِّه، تقدَّموا.

قوله: (خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقُرْآنُ): المراد بـ (القرآن) هنا: الزَّبُور.

قوله: (فَتُسْرَجُ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا بعده: (أَنْ تُسْرَجَ).

قوله: (وَلاَ يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ): تَقَدَّمَ في (البيع): أنَّه كان زرَّادًا، وذكرت فيه صنائع جماعة من الأنبياء وغيرهم.

قوله: (رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): هذا تعليق مجزومٌ به، و (مُوسَى بن عُقْبَةَ): الإمام المشهور تَقَدَّمَ، و (صَفْوَان) هذا: هو ابن سُلَيم؛ بضَمِّ السين، وفتح اللام، الزُّهْرِيُّ المدنيُّ، الإمام القدوة، ممَّن يُستَسقَى بذكره، يروي عن ابن عمر، وعبد الله بن جعفر، وابن المُسَيّب، وعنه: مالكٌ والدراورديُّ، يقال: إنَّه لم يضع جنبه إلى الأرض أربعينَ سنةً، ويقال: إنَّ جبهته نَقِبَتْ من كثرة السجود، وكان قانعًا لا يقبل جوائز السلطان، وهو ثبتٌ حُجَّة، ومناقبه كثيرة، تُوُفِّيَ سنة (132 هـ)، أخرج له الجماعة.

تنبيهٌ: علَّق البُخاريُّ لصفوان هذا [2] عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ عن أبي هُرَيْرَةَ أحاديثَ، ولم يروِ له بهذه الطريق مسندًا متَّصلًا، فعلَّق له: «رأى عيسى عليه السلام رجلًا يسرق»، وهذا: «خُفِّفَ على دَاوُدَ الْقُرْآنُ»، و «بينما أيُّوب يغتسل عريانًا»، و «يسلِّم الصغيرُ على الكبير»، وأخرج له مسلم بهذه الطريق حديثًا واحدًا؛ وهو: «لا يزني الزاني حين يزني [3] وهو مؤمنٌ»، والله أعلم، ومتابعته هذه لم أرَها في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، قال شيخنا: أسنده الإسماعيليُّ من حديث إبراهيم بن طهمان عن موسى به، انتهى.

==========

[1] زيد في (ب): (وذلك لأنِّي رأيت الحافظ عبد الغني في «الكمال» لم يذكر عن عبد الرَّزَّاقِ راويًا اسمه عبد الله بن مُحَمَّد سواه، والله أعلم)، وكتب عليها في (أ): (لا ... إلى).

[2] (هذا): ليس في (ب).

[3] (حين يزني): سقط من (ب).

[ج 1 ص 893]

(1/6490)

[حديث: فصم يومًا وأفطر يومًا وذلك صيام داود]

3418# قوله: (حَدَّثَنَا يحيى ابن بُكَيْر): تَقَدَّمَ الكلام على هذا، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وعلى (اللَّيْث)، وعلى (عُقَيل)، وعلى (ابْن شِهَاب)، وعلى (ابْن المُسَيّب)، و (أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، قريبًا.

قوله: (لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ): اعلم أنَّه اختلف العلماء في صوم يومٍ ويومٍ، فقال المتولِّي من الشَّافِعيَّة وغيرُه: هو أفضل من السَّرْد؛ لظاهر هذا الحديث، وفي كلام غيره من الشَّافِعيَّة إشارةٌ إلى تفضيل السرد، وتخصيص هذا الحديث بعَبْدَ اللهِ بن عَمْرٍو بن العاصي ومَن في معناه؛ وتقديره: لا أَفْضَلَ من هذا في حقِّك، وللمسألة أطرافٌ ليس هذا موضعَها.

==========

[ج 1 ص 893]

(1/6491)

[حديث: ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم]

3419# قوله: (حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ): هو بكسر الميم، وإسكان السين وفتح العين المُهْمَلَتين، ثُمَّ راء، وهو ابن كدام، العَلَم المشهور، تَقَدَّمَ، و (حَبِيبُ بن أبي ثَابِتٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الحاء المُهْمَلَة، وكسر المُوَحَّدة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، و (أَبُو الْعَبَّاسِ) بعده: هو الشاعر الأعمى الثقة، واسمه السائب بن فرُّوخ، تَقَدَّمَ.

قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ): كذا في أصلنا: بغير ياء، وتَقَدَّمَ الكلام على يائه، وكلام ابن الصلاح والنَّوويِّ في أوائل هذا التعليق، وقدَّمت فيه لطيفةً؛ وهو: أنَّ أباه عَمرًا أسَنُّ من عبد الله باثنتي عشرة سنة، ويقال: بإحدى عشرة.

قوله: (هَجَمَتِ الْعَيْنُ): هو بفتح الهاء والجيم، أي: غارت ودخلت في موضعها، وقد تَقَدَّمَ، وكذا (نَفِهَتِ [1]): أنَّه بكسر الفاء، وأنَّ معناه: أَعْيَت وكلَّت.

==========

[1] في (ب): (نفهمت)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 893]

(1/6492)

[باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود]

قوله: (قَالَ عَلِيٌّ: وَهْوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلَّا نَائِمًا): الظاهر أنَّه أراد بـ (عليٍّ): شيخَه عليَّ بن عبد الله بن جعفر ابن المَدينيِّ، والله أعلم، وذلك لأنَّ البُخاريَّ روى حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي في ذكر داود: «كان يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ... »؛ الحديث، أخرجه البُخاريُّ في (قيام الليل) من طريقه [1]، وللبخاريِّ في «الصحيح» عدَّة مشايخ كلٌّ منهم اسمه عليٌّ؛ وهم: عليُّ بن إبراهيم، فقيل: الواسطيُّ، وقيل: هو عليُّ بن عبد الله بن إبراهيم البغداديُّ، وعليُّ بن الجعد، وعليُّ بن حجر، وعليُّ بن الحسن بن شقيق، وعليُّ بن حفص المروزيُّ، وعليُّ بن سلمة فيما قيل، والظاهر أنَّه الصحيح، وعليُّ بن عبد الله بن إبراهيم البغداديُّ، وقد تَقَدَّمَ، وعليُّ ابن المَدينيِّ المذكور، وعليُّ بن عيَّاش، وعليُّ بن مسلم الطوسيُّ، وعليُّ بن هاشم بن طبْرَاخ، وعليُّ بن هيثم، والله أعلم.

==========

[1] (من طريقه): ليس في (ب).

[ج 1 ص 893]

(1/6493)

[حديث: أحب الصيام إلى الله صيام داود]

3420# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو ابن عُيَيْنَة.

(1/6494)

[باب: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}]

قوله: ({وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]: قَالَ مُجَاهِدٌ: الْفَهْمُ فِي الْقَضَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام على فَصْلَ الْخِطَابِ في أوائل هذه [1] الصفحة.

==========

[1] (هذه): ضرب عليها في (ب).

[ج 1 ص 893]

(1/6495)

[حديث: قلت لابن عباس أسجد في {ص}؟]

3421# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ): قال الجَيَّانيُّ: وقال _أي: البُخاريُّ_ في «الأنبياء» في «ذكر داود»: «حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا سهل بن يوسف ... »، فذكره، نسبه ابن السكن في نسخته: ابن سلَام، ولم ينسبه أبو زيدٍ، ولا أبو أحمد، ولا أبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ، وقال أبو نصر: قال لي أبو أحمد الحافظ: هو مُحَمَّد بن المثنَّى، وقد روى البُخاريُّ في «الجهاد» في «باب العون بالمدد»: عن مُحَمَّد بن بَشَّار عن ابن أبي عديٍّ وسهل بن يوسف، عن سعيد، عن قتادة، عن أنسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أتاه رِعْل وذَكْوَان ... »؛ الحديث، انتهى، وقد رأيت في حاشيةِ نسخةٍ صحيحةٍ تجاه (مُحَمَّد) هذا ما لفظه: (ملحق: في «دار الذهب»: ابن عقبة [1]) انتهى؛ يعني: مُحَمَّد بن عقبة، وفي هذا نظرٌ، ولم ينسبه المِزِّيٌّ في «أطرافه»، ولا رأيته في كلام شيخنا، والله أعلم.

تنبيهٌ: مُحَمَّد بن عقبة: هو ابن المغيرة، أبو عبد الله الشيبانيُّ الكوفيُّ، روى البُخاريُّ حديثًا عن مُحَمَّد عن [2] عثمان بن فرقد، فقيل: إنَّه هذا ابن عقبة، وقيل: مُحَمَّد بن مقاتل المروزيُّ، وقيل: مُحَمَّد بن سلَام، ذكر مُحَمَّدَ بن عقبة ابنُ حِبَّانَ في «الثقات»، وقال: مات سنة خمسَ عشرةَ، وقال مُطَيَّن: مات سنة خمسٍ وعشرين ومئتين.

قوله: (سَمِعْتُ الْعَوَّامَ): هذا هو العَوَّام بن حَوْشَب الرِّبْعِيُّ الواسطيُّ، أحد الأعلام، عن إبراهيم، ومجاهدٍ، والطبقةِ، وعنه: شعبةُ، ويزيد بن هارون، وخلقٌ، وثَّقوه، وله نحو مئتَي حديث، تُوُفِّيَ سنة [3] (148 هـ)، أخرج له الجماعة، قال أحمد: ثقة ثقة، ووثَّقهُ ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأسٌ، وقال العِجْليُّ: ثقةٌ ثبت، صاحب سُنَّة، كان أبوه على شُرطة الحَجَّاج.

قوله: (أَأَسْجُدُ [4] فِي {ص}؟): هو بهمزة الاستفهام، في {ص} قراءاتٌ تأتي في (الأنعام) وفي (سورة ص) إن شاء الله تعالى، وقد تَقَدَّمَت أيضًا.

(1/6496)

[حديث: ليس {ص} من عزائم السجود]

3422# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ أنَّه التَّبُوذكيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، ولماذا نُسِب، وكذا تَقَدَّمَ (وُهَيْبٌ): أنَّه ابن خالد الباهليُّ الكرابيسيُّ الحافظ، و (أَيُّوبُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، وتَقَدَّمَ مَرَّةً مُتَرْجَمًا.

قوله: (لَيْسَ {ص} مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في بابه؛ وهو: أي: مِن مؤكِّداته عند أهل الحجاز، وموجباته عند أهل العراق، وقيل: (عَزَائِم السُّجُودِ): ما أُمِر في القرآن بالسجود فيه.

==========

[ج 1 ص 894]

(1/6497)

[باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}]

قوله: ({وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} [ص: 30]): تَقَدَّمَ نسبُه في والده صلَّى الله عليهما وسلَّم [1]، ذكره الله تعالى في آياتٍ من كتابه، وأثنى عليه، وجاء في فضله أحاديثُ، قال الثعلبيُّ في «عرائسه» في قول الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16]: أي: نبوَّته وعلمه وحكمته، دون سائر أولاد داود، قال: وكان لداود اثنا عشر ابنًا، وكان سليمانُ مَلَكَ الشام إلى إصطخر، وقيل: مَلَكَ الأرض، وقد رُويَ عن ابن عَبَّاس: ملَكَ الأرضَ مؤمنان: سليمان، وذو القرنين، وكافران: نمرود، وبُختَنصَّر، قال كعبٌ ووهبٌ: كان سليمان أبيضَ جسيمًا وسيمًا وضيئًا جميلًا خاشعًا متواضعًا، يلبس الثياب البيض، ويجالس المساكين، ويقول: مسكينٌ جَالَسَ مِسكينًا، وكان أبوه يشاوره في كثير من أموره مع صِغَر سنه؛ لوفور عقله وعلمه، قال: وكان سليمان حين مَلَكَ كثيرَ الغزو، لا يكاد يتركه، فتحمله الريح هو وعسكره ودوابُّهم حيث أراد [2]، وتمرُّ به وبعسكره الريحُ على المزرعة فلا يتحرَّك الزرع، قال: وقال مُحَمَّد بن كعب القُرَظِيُّ: بلغَنا أنَّ عسكرَ سليمانَ كان مئةَ فرسخ؛ خمسةٌ وعشرون للإنس، ومثلُها للجنِّ، ومثلُها للطير، ومثلُها للوحش، قال: قال أهل التاريخ: كان عمر سليمان ثلاثًا وخمسين سنةً، ومَلَكَ وهو ابن ثلاثَ عشرةَ سنةً، وابتدأ ببناء بيت المقدس بعد ابتداء مِلْكِه بأربع سنين [3].

قوله: (قَالَ مُجَاهِدٌ: بُنْيَانٌ مَا دُونَ الْقُصُورِ {وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13]: كَالْحِيَاضِ لِلإِبِلِ): ترك الإمام البُخاريُّ الكلام على (التماثيل)، وكلامُ المفسِّرين فيها معروفٌ، فإن أردته؛ فانظره.

قوله: ({الْأَصْفَادِ} [ص: 38]: الْوثَاقُ): هو بفتح الواو وكسرها؛ لُغَتان.

==========

[1] في (ب): (عليه السلام).

[2] في (ب): (أرادوا).

[3] (سنين): سقط من (ب).

[ج 1 ص 894]

(1/6498)

[حديث: إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي ... ]

3423# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّه بُنْدار، وتَقَدَّمَ الكلام [2] على (البُنْدار) ما هو، وبعده (مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ): هو غُنْدُر، تَقَدَّمَ الكلام على ضبط (غُنْدر)، ومَن لقَّبه به.

قوله: (إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ [3] الْبَارِحَةَ): هذا العفريت جاء في «الصحيح»: «أنَّ عدوَّ الله إبليس جاء بشهاب من نار ... »؛ الحديث، والظاهر أنَّ الحديثَين واحدٌ، ويحتمل أنَّهما قضيَّتان، والأصل: عدم التعدُّد، وتَقَدَّمَ أنَّه جاء في صورة هِرٍّ في (الصلاة)؛ فانظره.

قوله: (فَذَكَرْتُ قَوْلَ [4] أَخِي سُلَيْمَانَ ... ) إلى: ({وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكلام الداوديِّ أيضًا فيه.

قوله: (مِثْلُ زِبْنِيَةٍ): هو بكسر الزاي، ثُمَّ مُوَحَّدة ساكنة، ثُمَّ نون مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُخَفَّفة، ثُمَّ تاء التأنيث، قال الجوهريُّ: (والزَّبَانِيَةُ عند العرب: الشُّرَطُ، وسُمِّيَ بذلك بعض الملائكة؛ لدفعهم بعض أهل النار إليها، قال الأخفش: قال بعضهم: واحدها: زَبَانَى، وقال بعضهم: زابن، وقال بعضهم: زِبْنِيَة؛ مثل: عِفْريَة، والعرب لا تكاد تعرف هذا، وتجعله من الجمع الذي لا واحد له؛ مثل: أبابيل وعباديد، انتهى، وفيه نظرٌ من حيث إنَّ (أبابيل) و (عباديد) كلٌّ منهما له مفردٌ، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] (الكلام): سقط من (أ).

[3] (عليَّ): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهي ثابتة في الحديث (461 و 4808).

[4] كذا في النُّسخَتَينِ، وهي رواية الحديث (461 و 4808)، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (دعوة).

[ج 1 ص 894]

(1/6499)

[حديث: قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة]

3424# قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ (الْأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً): سيجيء في هذا المكان عن شُعَيْب وابن أبي الزِّنَاد: (تِسْعِينَ)، قال: وهو أَصَحُّ، انتهى، والروايات في هذا الحديث: (ستُّون امرأة)، و (سبعون)، و (تسعون)، و (تسع وتسعون)، و (مئة)، وليس بمتعارِض؛ إذ ليس في رواية القليل ما ينافي الكثير، وهو من باب مفهوم العدد، وهو غير معمول به عند الجماهير، قال شيخنا الشارح عن الحافظ أبي موسى المَدينيِّ: وفي بعض نسخ «مسلم» عقيب هذه

[ج 1 ص 894]

الأحاديثِ؛ يعني: طرق حديث سليمان، قال مسلمٌ: ليس هذا الاختلاف من قوله عليه السلام، ولكن من الناقلين على ما كان علمهم يحيط به، انتهى.

وقد تَقَدَّمَ أنَّ بعض الفضلاء قال لي: إنَّه جاء في «مسند أحمد»: (ألف امرأة) كذا قال، ولم أرَ أنا هذا، ولم أسمع «المسند» كلَّه، وقد رأيت شيخنا نقل عن ابن التين: أنَّه كان له ألفٌ، قال شيخنا: وقد جاء ذلك في بعض الروايات، انتهى، وقد رأيت ورويت في «الشفا» للقاضي عياض عن ابن عَبَّاس قال: كان في ظهر سليمان ماءُ مئةِ رَجُلٍ، وكان له ثلاثُ مئةِ امرأةٍ، وثلاث مئة سريَّة، قال: وحكى النَّقَّاش: سبع مئة امرأة، وثلاث مئة سريَّة، انتهى، ورأيت في «مستدرك الحاكم» في ترجمة عيسى ابن مريم: أنَّ سليمان كان له تسع مئة سريَّة، وتعقَّبه الذَّهَبيُّ بأنَّ في السند عبدَ المنعم، وهو ساقطٌ، وقد تَقَدَّمَ.

تنبيهٌ: قال الشيخ عزُّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام الشَّافِعيُّ في «قواعده»: إنَّ الله تعالى حرَّم في النِّكاح الزيادةَ على امرأة واحدة في شريعة عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [1]؛ نظرًا للنساء؛ لئلَّا يتضرَّرن بكثرة الضرائر والإماء، وأجازه من غير حصر في شريعة موسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لمن يقدر على القيام بالوطء ومُؤَن النِّكاح، انتهى.

قوله: (فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه المَلَك، وهو الظاهر، كما قاله النَّوويُّ؛ لأنَّه في بعض طرقه: (فقال له المَلَك)، وقد صوَّبه؛ لما في هذا «الصحيح» في (النكاح)، وقيل: القرين، وقيل: صاحبٌ له آدميٌّ، وأَبْعَدَ مَن قال: خاطره.

قوله: (فَلَمْ [2] تَحْمِلْ [3] إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا إِحْدَى شِقَّيْهِ): هذه المرأة التي حملت هذا قيل: إنَّها بنت المَلِك التي كانت سببًا لذهاب خاتمه ومُلْكِه، والسَّاقط إحدى شِقِّيه: قيل: هو الجسد الذي أُلقِيَ على كرسيِّه، انتهى، وقد تَقَدَّمَ بعض هذا.

قوله: (سَاقِطًا إِحْدَى شِقَّيْهِ): تَقَدَّمَ أنَّه الجسد المشار إليه في قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [4] [ص: 34].

(1/6500)

قوله: (قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: تِسْعِينَ، وَهْوَ أَصَحُّ): هذا تعليقٌ مجزومٌ به، فهو صحيحٌ إلى شعيبٍ _وهو ابن أبي حمزة_ وابنِ أبي الزناد، واسمه عبد الرَّحْمَن بن أبي الزناد، أمَّا تعليق شعيبٍ؛ فقد أخرجه البُخاريُّ في (الأيمان والنذور) عن أبي اليمان، عنه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وأخرجه النَّسائيُّ عن عمران بن بكَّار، عن عليِّ بن عَبَّاس، عن شعيبٍ به، وأمَّا تعليق ابن أبي الزناد عبدِ الرَّحْمَن؛ فقد ذكره هنا فقط، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّج البُخاريُّ لعبد الرَّحْمَن بن أبي الزناد في الأصول، إنَّما عَلَّقَ له هنا عن أبيه، وفي حديث: (أمر النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بالصدقة، فمنع ابنُ جَميل) في (الزكاة) عقيب حديث شعيب [5] بن أبي حمزة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فقال: (تابعه ابن أبي الزناد)، وفي (الاستسقاء) فقال: (وقال ابن أبي الزناد: هذا كلُّه في الصبح)؛ فاعلمه، وقد قَدَّمْتُ ترجمة عبد الرَّحْمَن هذا.

(1/6501)

[حديث: يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام]

3425# قوله: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ القارئ، وتَقَدَّمَ (أَبُو ذَرٍّ): أنَّه جُندب بن جنادة، والاختلاف في اسمه مُتَرْجَمًا، ويأتي أيضًا.

قوله: (وُضِعَ أَوَّلَ): (وُضِع): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (أوَّل): يجوز فيه النصب والرفع [1]، وإعرابهما ظاهر.

قوله: (ثُمَّ أَيٌّ [2]؟): يأتي فيها [3] ما جاء في حديث ابن مسعود (ثُمَّ أَيٌّ؟)، وقد تَقَدَّمَ كلام الناس فيه.

قوله: (كَمْ [4] بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوائل هذا التعليق، وأنَّ يعقوب هو الذي أسَّسه، وسليمانُ جدَّده، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (الرفع والنصب).

[2] في (ب): (أتى)، وهو تحريفٌ، وكذا في الموضع اللَّاحق.

[3] (فيها): سقط من (ب).

[4] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (كان).

[ج 1 ص 895]

(1/6502)

[حديث: مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا]

3426# 3427# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه عبد الله [1] بن ذكوان، و (عَبْد الرَّحْمَنِ) بعده: هو الأعرج، ابن هرمز، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مَثَلِي وَمَثَلُ): هما بفتح الثاء المُثَلَّثَة [2]، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَجَعَلَ الْفَرَاشُ): هو بفتح الفاء، وتخفيف الراء، وبالشين المُعْجَمَة، وهو ما تطاير من الذُّبَاب والبعوضِ، ما يطير بالليل ويتساقط في النار، الواحد والجمع سواءٌ، قاله ابن دريد، وقال غيره: يقال للخفيف من الرجال وغيرِه: فراشة، قاله ابن قرقول، وفي «الصحاح»: والفراشة: التي تطير وتَهَافَتُ في السِّراج، وفي المَثَل: أطيشُ من فراشة، والجمع: فراشة.

قوله: (كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا): هاتان المرأتان لا أعرف اسميهِما، ولا اسمَي ابنيهما [3].

قوله: (لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا): كذا في هذا «الصحيح»، وفي «مسلم»: (لا، يرحمك الله [4])، فينبغي أن يُوقَف في رواية مسلمٍ على (لا) وقفةً [5] لطيفةً حتَّى يتبيَّن للسامع أنَّ ما بعد الكلام مستأنَف؛ لأنَّه إذا وصل [6] ما بعد (لا) بها؛ توهَّم السامع أنَّه دعا عليه، وكقول جمعٍ من الصَّحَابة حين قال لهم أبو بكر: أغضبتكم يا إخوتاه؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أُخيَّ، انتهى، قال الصِّدِّيق لرجل قال له: لا، يرحمك الله: لقد علمتم لو علمتم، قل: لا، ويرحمُك الله، والله أعلم، وسمعت بعض الناس يقول: إنَّ هذه الواو يسمُّونها: حشوَ اللَّوْزِينَج.

قوله: (فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى): سأذكر الكلام عليه، وعلى حكم داود إن شاء الله تعالى.

قوله: (وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلَّا يَوْمَئِذٍ): (إِنْ): بكسر الهمزة، وسكون النون، نافية؛ أي: ما سمعت، و (السِّكِّين): تؤنَّث وتُذَكَّر [7].

قوله: (وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةُ): هي مُثَلَّثَة الميم، وفي (الصحاح): بالضَّمِّ، وقد تُكسَر.

==========

[1] في (ب): (عبد الرَّحْمَن)، ولعلَّه سبق نظرٍ.

[2] زيد في (ب): (المفتوحة).

[3] في (ب): (ولا اسم أبيهما)، ولعلَّه تحريفٌ.

[4] لفظ الجلالة: سقط من (ب).

[5] زيد في (ب): (يسيرة).

[6] في (ب): (واصل)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (يذكر ويؤنث).

[ج 1 ص 895]

(1/6503)

[باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}]

قوله: ({وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12]): مقتضى إيراد البُخاريِّ له هنا: أنَّه عنده نبيٌّ، وسأذكر الخلاف فيه قريبًا، وقد قدَّمتُه، قال الثعلبيُّ: كان لقمان مملوكًا، وكان أهونَ مملوكِي سيِّده عليه، قال: وأوَّل ما ظهر من حكمته أنَّه كان مع مولاه، فدخل مولاه الخلاء، فأطال الجلوس، فناداه لقمان: إنَّ طول الجلوس على الحاجة يتَّجع منه الكبد، ويورث الباسور، ويُصعِد الحرارة إلى الرأس، فاجلس هوينًا وقُم، فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء، ورُويَ: أنَّه كان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، قال: وقال أبو هريرة: مرَّ رجلٌ بلقمان والناس مجتمعون عليه، فقال: ألستَ العبدَ الأسود الذي كُنتَ تُراعينا بموضع كذا؟ قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أَرى؟ قال: صِدقُ الحديث، وأداءُ الأمانة، وتركُ ما لا يعنيني.

قال: وعن لقمان أنَّه قال: ضربُ الوالد ولدَه كالسماد للزرع، وقال لقمان لابنه: مَن يقارن قرين السوء؛ لا يَسْلَم، ومَن لا يملك لسانَه؛ يندم، يا بنيَّ؛ كن عبدًا للأخيار، يا بنيَّ؛ كن أمينًا؛ تكن غنيًّا، يا بنيَّ؛ جالسِ العلماء وزاحِمْهم بركبتيك، ولا تجادلهم، خذ منهم إذا أنالوك، والطف بهم في السؤال، ولا تُضجِرهم، إن تأدَّبت صغيرًا؛ انتفعت به كبيرًا [1]، كن لأصحابك موافقًا في غير معصية، ولا تَحْقِرنَّ من الأمور صغارها، فإن الصِّغارَ غدًا تصير كِبارًا، إيَّاك وسوءَ الخُلُق والضجرَ وقلَّةَ الصبر، إن أردت غنى الدنيا؛ فاقطع طمعك عمَّا في أيدي الناس، وحِكَمُه كثيرةٌ مشهورةٌ.

واختُلِف في نبوَّته؛ فالجمهور: على أنَّه ليس بنبيٍّ، وذهب عكرمة من بين العلماء إلى أنَّه نبيٌّ، كذا قال النَّوويُّ، انتهى، ورأيته عن ابن المُسَيّب أيضًا، وسأذكر [2] بعض هذا في (التفسير) في سورته، وأذكر هناك أنَّ لهم لقمانَ آخرَ إن شاء الله تعالى.

وابنه اسمه: أنعم، ويقال: مَشْكُور، وفي كلام شيخنا: باذان، وفي كلام غيره: ماثان، وقال السُّهَيليُّ في «روضه»: ثاران، فيما ذكر الزَّجَّاج، وقيل في اسمه غير ذلك، انتهى.

(1/6504)

[حديث: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}.]

3428# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّمَ (الْأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن مِهْرَان، و (إبراهيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَلْقَمَة): هو ابن وقَّاص، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ.

(1/6505)

[حديث: ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان]

3429# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ): (إِسْحَاقُ) هذا: هو ابن إبراهيم، كما في «أطراف المِزِّيِّ»، وراجعت ترجمة عِيسَى بن يُونُسَ بن [2] أبي إِسْحَاق السَّبيعيِّ هذا في «الكمال» للحافظ عَبْد الغَنيِّ، وكذا راجعت «التذهيب» للذهبيِّ؛ فرأيتهما ذكرا فيمَن روى عنه ابنَ راهويه، فالظاهر: أنَّه هو، و (عيسى): أحد الأعلام، نزيل ثغر الشام، سُئِل ابن المَدينيِّ عنه، فقال: بخٍ بخٍ، ثقةٌ مأمونٌ، وأثنى عليه غيرُه أيضًا، اختُلِف في وفاته، فأحد الأقوال _وهو أرجحها_: أنَّه تُوُفِّيَ سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، وقد تَقَدَّمَت ترجمته، ولكن طال بها العهد، و (الأَعْمَشُ): سليمان، تَقَدَّمَ أعلاه، والباقون تقدَّموا أعلاه، وقبله أيضًا.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا)، وفي «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

[2] في (ب): (ابني)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 896]

(1/6506)

[باب: {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية}]

قوله: ({وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13]): {الْقَرْيَةِ}: قيل: هي أنطاكية فيما ذكره عكرمة وغيرُه.

==========

[ج 1 ص 896]

(1/6507)

[باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}]

قوله: (قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} ... إلى قوله: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 2 - 7]): يعني: يحيى، أمَّا (زكريَّا) أبو يحيى النَّبيُّ صلَّى الله عليهما وسلَّم [1]؛ ففيه خمسُ لُغَات؛ أشهرها: زكريَّاء؛ بالمدِّ، والثانية بالقصر، وقُرِئ بهما في السبع، والثالثة والرابعة: زَكَري وزَكَرِيُّ، حكاهما ابن دريد وآخرون، وحكاهما من المُتَأخِّرين الجواليقيُّ، والخامسة: زَكَرٌ؛ كـ (قَلَمٍ)، حكاها أبو البقاء، وهو اسم أعجميٌّ، ذكره الله عزَّ وجلَّ في آياتٍ من كتابه وأثنى عليه، وفي «صحيح مسلم»: أنَّه كان نجَّارًا، وهذه من الفضائل؛ لقوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2] في «صحيح البُخاريِّ»: «أفضل ما أكل الرَّجُلُ مِن عمل يده»، قال أهل التواريخ: كان زكريَّاء من ذريَّة سليمان بن داود، وقُتِل زكريَّا بعد قتل ابنه يحيى صلوات الله عليهما وسلامه [3].

وأمَّا (يحيى)؛ ولفظ (يحيى) لفظٌ عجميٌّ، وأسماء الأنبياء كلُّها أعجميَّة إلَّا أربعةً: آدمَ، وصالحًا، وشعيبًا، ومُحَمَّدًا [4]، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (آدم) هل هو مصروفٌ أم لا في أوَّل هذا التعليق، قال الواحديُّ: (يحيى): لا ينصرف، عربيًّا كان أو أعجميًّا؛ لأنَّه لو كان عربيًّا؛ لامتنع؛ لشَبَه الفعل مع التعريف، قال العلماء: أوَّل من سُمِّيَ يحيى: يحيى بن زكريَّا، قال الله تعالى: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا}، قال الواحديُّ: قال المفسِّرون: أوَّل من آمن بعيسى يحيى، وكان يحيى أسنَّ من عيسى، قال العلماء بالتاريخ: قُتِل يحيى قبل أبيه زكريَّا، كما قدَّمتُه، وفضائل يحيى في القرآن مشهورةٌ، وثبت في «البُخاريِّ» و «مسلم» في حديث الإسراء أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «فإذا أنا بابنَي الخالة عيسى ويحيى، فرحَّبا ودعوَا لي بخير».

تنبيهٌ: الحديث الذي رواه أبو يعلى المَوْصِليُّ بسنده إلى ابن عَبَّاس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (ما من أحد من ولد آدم إلَّا قد أخطأ أو همَّ بخطيئة، ليس يحيى بنَ زكريَّا)؛ ضعيفٌ؛ لأنَّ في سنده عليَّ بن زيد بن جُدعان، ويوسف بن مِهْرَان مختلفٌ فيه.

(1/6508)

قال الثعلبيُّ: كان مولد يحيى قبل عيسى بستَّة أشهرٍ، قال: وقال الكلبيُّ: كان زكريَّا يوم بُشِّر بالولد ابنَ ثنتين وتسعين سنةً، (وقيل: تسع وتسعين سنةً) [5]، وعن الضَّحَّاك عن ابن عَبَّاس: كان ابنَ عشرين ومئة سنةٍ، وكانت امرأته بنتَ ثمانٍ وتسعين سنةً، قال: وقال كعب الأحبار: كان يحيى حسنَ الصورة والوجه، ليِّنَ الجناح، قليلَ الشَّعرِ، قصيرَ الأصابع، طويلَ الأنف، مقرونَ الحاجبين، رقيقَ الصوتِ، كثيرَ العبادةِ، قويًّا في طاعة الله تعالى، وساد الناسَ في عبادة الله تعالى وطاعتِه، وقال في قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12]: قيل: إنَّ يحيى قال له أقرانُه من الصبيان: اذهب بنا نلعبْ، فقال: ما لِلَّعِبِ خُلِقنا.

قال: وقيل: إنَّه نُبِّئ صغيرًا، وكان يَعِظ الناس ويقف لهم في أعيادهم ومجامِعهم، ويدعوهم إلى الله تعالى، ثُمَّ شاخ يدعو الناسَ، ولمَّا بعثه الله عزَّ وجلَّ إلى بني إسرائيل؛ فأمره أن يأمرَهم بخمسِ خِصالٍ؛ وهي: عبادة الله تعالى لا يشركون به [6]، والصلاة، والصدقة، وذكر الله، والصيام، واتَّفقوا على أنَّه قُتِل ظلمًا، وأُخِذ رأسه ووضع في طَسْتٍ، وغضب الله على قاتليه، وسلَّط عليهم بُختَنصَّر وجيوشَه، {فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: 5].

تنبيهٌ: قوله في ترجمته: (قيل: إنَّه نُبِّئ صغيرًا) فيه نظرٌ، وإنَّما (الحكم): اللبُّ، أو الفهم، أو العلم، أو الحكمة، وقيل: النبوَّة، وقيل: المعرفة، أو توفيق آداب الخدمة، أو الفراسة الصادقة، وقيل: مَن أُوتِيَ القرآنَ قبل الاحتلام؛ فقد أُوتِيَ الحكمَ صبيًّا، قال ابن عبد السلام العلَّامة عزُّ الدين: وجائزٌ أنَّ الله عزَّ وجلَّ [7] يوحي إلى الصغير، ويكاشفه بملائكته وأمره، ويوصل إلى الخلق كاملَ العقل والعلم، مؤيَّدًا بالمعجزة، لكن لم يرد بذلك خبرٌ، ولا كان فيمن تَقَدَّمَ، وذلك أنَّ الصبيان قالوا له: تعالَ نلعبْ، فقال: ما لِلَّعِب خُلِقنا، انتهى.

وقد ذكر ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «الهَدْي» في (المبعث): والأربعون سنُّ الكمال، قيل: ولَها تُبعَث الرسل، قال: وأمَّا ما يذكر عن عيسى ابن مريم المسيحِ: أنَّه رُفِع إلى السماء وله ثلاثٌ وثلاثون سنةً؛ فهذا لا يُعرَف به [8] أثرٌ متَّصل يجب المصير إليه، انتهى.

(1/6509)

تنبيهٌ: ورأيت في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» من حديث فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالت: قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ عيسى ابن مريم مكث في بني إسرائيل أربعينَ سنةً»، رواه أبو يعلى عن الحسين ابن الأسود _ (وهو الحسين بن عليِّ بن الأسود) [9]_ العِجْليُّ، قال أبو حاتم: صدوقٌ، وذكره ابن حِبَّانَ [10] في «الثقات»، وقال ابن عديٍّ: كان يسرق الحديثَ، وأحاديثه لا يُتابَع عليها، وقال الأزديُّ: ضعيف جدًّا، عن عمرو بن مُحَمَّد العنقزيِّ [11]، وثَّقهُ أحمد والنَّسائيُّ، وعلَّق له البُخاريُّ، واحتجَّ به مسلمٌ، عن ابن عُيَيْنَة وناهيك به، عن عَمرو بن دينار، وكذلك هذا عن يحيى بن جعدة، وهو ثقةٌ، وثَّقهُ أبو حاتمٍ والنَّسائيُّ، فهذا سندٌ لم يتكلَّم في أحدٍ منهم إلَّا شيخ أبي يعلى، وقد اختُلِف في توثيقه، وقد قدَّم الذَّهَبيُّ في «ميزانه» توثيقَه على كلام ابن عديٍّ وغيره، وكذا في «تذهيبه»، والله أعلم، لكنَّ يحيى بن جعدة ما أظنُّه أدرك فاطمة بنتَ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد صرَّحوا بأنَّه أرسل عن أبي بكر، قال أبو زرعة: مرسِلٌ، وقال أبو حاتم: لم يلقَ ابن مسعود، انتهى، وإذا كان أرسل عن الصِّدِّيق؛ فالأحرى والأولى ألَّا يكون أدرك فاطمةَ، والله أعلم، فيحتمل قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «مكث فيهم أربعين سنة [12]»؛ يعني: بعد النبوَّة، ويحتمل أن يكون قبل أن يتنبَّأ، والله أعلم.

قوله: ({عَاقِرًا} [مريم: 5]: الذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ): كذا هو، قال الجوهريُّ: (والعاقر: المرأة التي لا تحبل، ورجلٌ عاقر أيضًا: لا يُولَد له) انتهى.

==========

[1] في (ب): (عليه السلام).

[2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[3] في (ب): (عليهما السلام).

[4] في (ب): (آدم وصالح وشعيب ومُحَمَّد)، وزيد فيها: (صلوات الله عليهم وسلامه).

[5] ما بين قوسين سقط من (ب).

[6] (به): سقط من (ب).

[7] في (ب): (تعالى).

[8] في (ب): (له).

[9] ما بين قوسين سقط من (ب).

[10] في (ب): (حسان)، وهو تحريفٌ.

[11] في (ب): (العبقزي)، وهو تصحيفٌ.

[12] (سنة): ليس في (ب).

[ج 1 ص 896]

(1/6510)

[حديث: ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح]

3430# قوله: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ): تَقَدَّمَ ضبطه مَرَّاتٍ، وأنَّه يقال له: هدَّاب.

قوله: (عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ [1]): تَقَدَّمَ أنَّ (ليلة) يجوز نصبه وجرُّه.

[ج 1 ص 896]

قوله: (ثُمَّ [2] صَعِدَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر العين في الماضي، وفتحها في المستقبل، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: (وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ): تَقَدَّمَ أنَّ معناه: أُرسِل إليه للإسراء؟ وذلك لأنَّ بعثته [3] لا تخفى على أهل السماء.

==========

[1] (به): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ.

[2] (ثم): ليس في (ب).

[3] في (ب): (تعينه).

(1/6511)

[باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}]

(بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]) ... إلى (بَاب مَا ذَكَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ)

[ترجمة مريم عليها السلام] [1]

هي مريم بنت عِمران الصِّدِّيقة، أمُّ عيسى ابن مريم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2]، ذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: أنَّها كانت بالربوة، قال: ويقال: قبرها بالنَّيْرَب، وذكر نسبها، وأنَّها من أولاد سليمان بن داود، بينها وبينه أربعةٌ وعشرون أبًا، ثمَّ ذكر أقوال المفسِّرين في قوله عزَّ وجلَّ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50]، قالوا: أرض دمشق، وقد رأيت في أعلى الجنك بالربوة مكانًا كالمغار، قالوا: كانت مريم بهذا، واسم أمِّ مريم: حَنَّة؛ بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد النون، وعن مجاهدٍ قال: لمَّا قيل: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} [آل عمران: 43]؛ كانت تقوم حتَّى تَوَرَّم قدماها، [وفي رواية: (تصلِّي حتَّى تَوَرَّم قدماها)] [3]، قال ابن عساكر: وبلغني أنَّ مريم بقيت بعد رفع عيسى خمسَ سنين، وكان عمرها ثلاثًا وخمسين سنةً، وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «أَعَلِمْتَ أنَّ الله زوَّجني في الجنَّة مريمَ [4] بنت عمران، وكلثم أختَ موسى، وآسية امرأةَ فرعون»، فقلت: هنالك يا رسول الله؟ وفي «الصحيح»: «ما من مولود يولد إلَّا ويمسُّه [5] الشيطان إلَّا عيسى وأمَّه»، وفي الحديث الصحيح: «كمل من النساء أربعٌ: مريم بنت عِمران ... »؛ الحديث، وفي «الصحيح»: «خير نسائها مريمُ».

تنبيهٌ: قال القرطبيُّ: رُويَ عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه قال: «إنَّ في النساء أربعَ نبيَّاتٍ: حواءَ، وآسيةَ، وأمَّ موسى، ومريم»، ثمَّ قال: والصحيح أنَّ مريمَ كانت نبيَّة، انتهى.

وقال القاضي عياض في «شرح مسلم»: والجمهور على أنَّهما _يعني: آسية ومريم_ ليستا بنبيَّتين، بل هما صِدِّيقتان ... إلى آخر كلامه، وقال السُّهَيليُّ في أواخر «روضه»: إنَّ مريمَ نبيَّةٌ عند كثير من العلماء، ثمَّ حكى القولَ بأنَّها ليست بنبيَّة، ولم يرجِّح واحدًا منهما، وقال النَّوويُّ في «أذكاره» ما لفظه: وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أنَّ مريمَ ليست بنبيَّة، ذكره في «الإرشاد»؛ يعني: الإمامَ، وقال في «شرح مسلم»: وقد نقل جماعةٌ الإجماعَ على عدمها؛ أي: عدم نبوَّتها.

(1/6512)

تبيهٌ ثانٍ: ذكر شيخنا عن ابن التين وغيره: اختُلِف في نبوَّة الخَضِر، ولقمان، وعُزَير، ومريم، وأمِّ موسى، انتهى، وقد نقل شيخنا أيضًا عن ابن وهب وجماعة: أنَّ مريمَ نبيَّةٌ، ونقل عن الحسن: أنَّه ليس من الجنِّ نبيٌّ، ولا من النساء، انتهى، ومسألة الجنِّ هل منهم نبيٌّ تَقَدَّمَت، ورأيت أنا في كلام العلَّامة تقيِّ الدين عليِّ بن [6] عبد الكافي السُّبكيِّ في «المسائل الحلبيَّة» حكايةَ اختلافٍ في نبوَّة سارة، ولفظه: وقد اختُلِف في نبوَّة نسوةٍ غير مريم؛ كأمِّ موسى، وآسية، وحواء، وسارة، ولم يصحَّ عندنا في ذلك شيءٌ، انتهى.

وعيسى ابن مريم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [7] هو عبد الله، ورسولُه، وكلمتُه، وروحٌ منه، ذكره الله تعالى في آياتٍ من كتابه وأثنى عليه، وثبت في فضله أحاديثُ، وفي «صحيح مسلم»: أنَّه ينزل على المنارة البيضاء شرقيَّ دمشقَ، قال الثعلبيُّ في «عرائسه»: اختلف العلماء في مدَّة حمله؛ فقيل: تسعة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: سنة، وقيل: ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، ووضعتْهُ عند الزوال وهي بنت عشرين سنةً، وكانت حاضت قبله حيضتين، وقيل: بنت خمسَ عشرةَ سنة، وقيل: ثلاثَ عشرةَ، وإنَّه كلَّم الناس وهو ابن أربعين يومًا، ثمَّ لم يتكلَّم بعدها حتَّى بلغ زمن كلام الصبيان، وكان زاهدًا، لم يتَّخذ بيتًا ولا مَتاعًا، وكان قوتُه يومًا بيوم، وكان سيَّاحًا في الأرض، وكان يمشي على الماء، ويُبرِئ الأكمهَ والأبرص، ويُحيِي الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يأكلون ويدَّخرون في بيوتهم، وكان له الحواريُّون الذين ذكرهم الله في كتابه؛ وهم الأنصار، وكانوا اثني عشر رجلًا، وكانوا أصفياءه وأنصاره ووزراءه، قيل: كانوا أولاد صيَّادِين، وقيل: قصَّارِين، وقيل: ملاَّحِين ... إلى أن قال: ومنها _أي: ومن معجزاته_: نزول المائدة عليه من السماء بنصِّ القرآن، ومنها: رفعه إلى السماء، انتهى.

وجاء أنَّه يتزوَّج بعد نزوله من السماء، ويُولَد له، ويُدفَن عند النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ويقال: ببيت المقدس، والله أعلم، وفي «التِّرْمِذيِّ» في (مناقب النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) من حديث عبد الله بن سلَام قال: (مكتوبٌ في التوراة: صفة مُحَمَّد وعيسى ابن مريم يُدفَن معه»، قال أبو مودود المذكور في السند: قد بقي في البيت موضعُ قبرٍ، قال التِّرْمِذيُّ: حسنٌ غريبٌ، انتهى.

قوله: (وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ): صريحُ هذا: أنَّ آلَ ياسين غيرُ آلِ مُحَمَّد، وقد قال ابن عزيز [8] في «غريبه»: من قرأ: {سَلَامٌ عَلَى آلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130]؛ أي: على آل مُحَمَّد، ومَن قال: {إِلْ يَاسِين}؛ قيل: هو إلياس [9] وأهل دِينه، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم اسمُه إلياس، وقال بعض العلماء: يجوز أن يكون (إلياس) و (إلياسين) بمعنًى واحدٍ؛ مثل: ميكال وميكائيل، والله أعلم.

==========

[1] ما بين معقوفين جاء في هامش (أ).

[2] في (ب): (عليهما السلام).

[3] ما بين معقوفين سقط من (ب).

[4] في (ب): (بمريم).

[5] في (ب): (ونخسه).

(1/6513)

[6] زيد في (ب): (العلامة).

[7] في (ب): (عليهما السلام).

[8] في (ب): (عوير)، وهو تحريفٌ.

[9] (قيل: هو إلياس): سقط من (ب).

[ج 1 ص 897]

(1/6514)

[حديث: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان]

3431# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ كذلك أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ) كذلك: مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ أباه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح، و (أَبُو هُرَيْرَةَ) كذلك: أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

قوله: (فَيَسْتَهِلُّ): (الاستهلال): الصِّياح.

قوله: (غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا): ظاهر هذا: اختصاص مريم وابنها بذلك، وأشار القاضي عياض إلى أنَّ جميع الأنبياء يشاركونهما في ذلك، وقد قَدَّمْتُ ذلك أيضًا.

==========

[ج 1 ص 897]

(1/6515)

[باب: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك}]

(1/6516)

[حديث: خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة]

3432# قوله: (حَدَّثَنَا النَّضْرُ): هو بالضاد المُعْجَمَة، وقد تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه لا يحتاج إلى ضبطٍ؛ لأنَّ (نصرًا) _بالصاد المُهْمَلَة_ لا يأتي بالألف واللام، و (النَّضْر) _بالمُعْجَمَة_ لا يأتي إلَّا بهما، وهو [1] النَّضْر بن شُمَيل الإمام، تَقَدَّمَ، و (هِشَام): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عروة بن الزُّبَير بن العَوَّام بن خُوَيلِد، و (عَبْد اللهِ بْن جَعْفَرٍ): ابن أبي طالب، تَقَدَّمَ.

==========

[1] في (ب): (وهذا).

[ج 1 ص 897]

(1/6517)

[باب: قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم}]

قوله: (الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ): قال شيخنا مجد الدين الفيروزأبادي في «قاموسه»: والمسيح عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ لبركته [1]، وذكرت [2] في اشتقاقه خمسين قولًا في شرحي لـ «مشارق الأنوار» وغيره، انتهى، والمسيح: الممسوح بالبركة أو بالدُّهْنِ، وقيل: الصِّدِّيق، أو لأنَّه كان يَمسح المريضَ فيبرأ، أو مسحه جبريل فحال بينه وبين الشيطان، أو كان أمسحَ القدمين لا أخمص له.

قوله: ({وَالأَكْمَهُ} [آل عمران: 49]: [3] يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ، وَلاَ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ يُولَدُ أَعْمَى): هذا الذي فسَّر به (الأكمه) في القول الأوَّل إنَّما هو تفسيرٌ للأعشى، وأمَّا الكَمَه؛ فهو العمى، والأكمه: الأعمى، أو مَن يُولَد أعمى، وهو القول الثاني، أو مَن عَميَ بعد الولادة، ويُقال: إنَّه الأعمى، وقد رأيت السُّهَيليَّ ذكر في (غزوة بني قريظة) من «روضه»: الكمه وهو العمى، والأظهر في الأكمه: أنَّه الذي يُولَد أعمى، وقد قيل فيه: إنَّه الذي لا يُبصر بالليل شيئًا، ذكر هذا القولَ البُخاريُّ في (التفسير)، انتهى، ولم أرَ أنا هذا القول إلَّا في «البُخاريِّ»، والله أعلم.

==========

[1] في (ب): (عيسى عليه السلام وبركته).

[2] في النسختين: (وذكر)، والمثبت من مصدره.

[3] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (مَنْ).

[ج 1 ص 897]

(1/6518)

[حديث: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام]

3433# قوله: (سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه بإسكان الميم، وبالدال المُهْمَلَة، نسبة إلى القبيلة، وتَقَدَّمَ (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار، أميرُ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته.

قوله: (كَفَضْلِ الثَّرِيدِ): تَقَدَّمَ الكلام على (الثريد) قريبًا؛ فانظره، وكذا تَقَدَّمَ (كَمَلَ): أنَّه مثلَّث الميم، أردؤها الكسرُ، وكذا على: (وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ ... ) إلى آخره ما معناه قريبًا.

(1/6519)

[معلق ابن وهب: نساء قريش خير نساء ركبن الإبل]

3434# قوله: (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ ... ) إلى آخره: هذا هو عبد الله بن وَهْب، أحد الأعلام، وهذا تعليقٌ مجزومٌ به، وقد أخرجه مسلمٌ في (الفضائل) عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب به، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، والباقي معروفون، بل كلُّهم معروفون عند أهل الصناعة.

قوله: (أَحْنَاهُ [1] عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ): قال شيخنا: وفي بعض الكتب: (أحنَّاةٌ)؛ بتشديد النون والتنوين، قال ابن التين: ولعلَّه مأخوذٌ من الحنان؛ وهي الرحمة، انتهى.

قال السُّهَيليُّ في أوائل «الروض»: وقوله في صفة عبد المُطَّلِب: «أوسم الناس وأجمله»، ذكر سيبويه هذا الكلام محكيًّا [2] عن العرب، ووجهه عندهم: أنَّه محمولٌ على المعنى؛ كأنَّك قلتَ: أحسنُ رجلٍ وأجملُه، فأفرد الاسم المضمر؛ التفاتًا إلى هذا المعنى، وهو عندي محمولٌ على الجنس؛ كأنَّه حين ذكر «الناسَ» قال: هو أجمل هذا الجنسِ من الخَلْقِ، وإنَّما عدلنا عن ذلك التقدير الأوَّل؛ لأنَّ في الحديث الصحيح: «خير نساءٍ ركبْنَ الإبل صوالحُ نساء قريشٍ، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده»، ولا يستقيم ههنا حمله على الإفراد؛ لأنَّ المفرد ههنا مرأة، فلو نظر إلى واحد النساء؛ لقال: أحناها على ولد، فإذًا التقدير: أحنى هذا الجنس الذي هو النساء، وهذا الصنف، ونحو هذا، انتهى.

قوله: (ثُمَّ [3] يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ): هذا هنا موقوفٌ على أبي هريرة، وهو في «المسند»، ولفظه: وقد علم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّ ابنة عِمران لم تركب الإبل، وكذا هو في «مسند أبي يعلى الموصليِّ»، وقال شيخنا الحافظ الصالح نورُ الدين عليٌّ الهيثميُّ القاهريُّ _خادم شيخنا العِرَاقيِّ ورفيقُه في الرحلة_ في «زوائد أبي يعلى الموصليِّ على الكُتُب السِّتَّة»: قلت: هو في «الصحيح» خلا قوله: «وقد علم ... » إلى آخره؛ فإنَّه موقوفٌ على أبي هريرة، وهو هنا مَرْفُوعٌ، انتهى.

قوله: (تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ): الضمير في (تابعه) يعود على يونس، و (ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن عَبْد الله بن [4] مسلم، و (إِسْحَاقُ الكَلْبِيُّ): تَقَدَّمَ أيضًا أنَّه إسحاق بن يحيى بن علقمة الكلبيُّ الحمصيُّ، ويعرف بالعَوصِيِّ، عن الزُّهْرِيِّ، وعنه: يحيى الوُحَاظِيُّ، لا يُعرَف، وقيل: إنَّه قَتَل أباه، استَشهَد به البُخاريُّ، وله ترجمة في «الميزان»؛ فانظرها إن شئت.

ومتابعة ابن أخي الزُّهْرِيِّ لَمْ أرَها في شيء من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، وكذا متابعة إسحاق بن يحيى الكلبيِّ، والله أعلم.

(1/6520)

[باب قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}]

قوله: (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: {كَلِمَتُهُ} [النساء: 171]: كُنْ): كذا في أصلنا، قال ابن قرقول: وفي بعض نسخ [1] أبي ذرٍّ: (أبو عبيدة)؛ يعني بالتاء، وكرَّره في (المحاربة)، فقال: (وقال أبو عبيدة)، وقيل: هو الصواب؛ لأنَّه كثيرُ الحَكْيِ في التفسير عنه، ويقول أيضًا: «وقال مَعْمَر»، وهو أبو عبيدة مَعْمَرُ بنُ المثنَّى، انتهى.

أمَّا (أبو عبيد)؛ فهو القاسم بن سلَّام؛ بتشديد اللام، الإمام المجتهد البغداديُّ، مولى الأزد، وهو صاحب التصانيف، ثقة علَّامة، روى عن أمم، وعنه: جماعةٌ، أخرج له أبو داود في «السنن»، تُوُفِّيَ سنة (224 هـ).

وأمَّا (أبو عبيدة) بزيادة تاء؛ فَمَعْمَر _بفتح الميمين، بينهما عين مهملة ساكنة_ ابن المثنَّى اللغويُّ، لَحِقَ هشامَ بن عروة وأبا عَمرو، وعنه: أبو عبيد وغيرُه، ثقة، تُوُفِّيَ بعد العشرين ومئتين، له في «أبي داود» تفسيرُ حديث الزكاة.

==========

[1] (نسخ): سقط من (ب).

[ج 1 ص 898]

(1/6521)

[حديث: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا]

3435# قوله: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ): هذا هو ابن مسلم، أبو العَبَّاس، عالم أهل الشام، تَقَدَّمَ، وبعده (الأَوْزَاعِيُّ): أبو عَمرو عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وأنَّه أفتى في سبعين ألفَ مسألةٍ، و (عُبَادَة): هو ابن الصامت الصَّحَابيُّ، النقيب البدريُّ، تَقَدَّمَ رضي الله عنه.

قوله: (قَالَ الْوَلِيدُ: وحَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه الوليد [1] بن مسلم، وأمَّا (ابن جابر)؛ فقد قال الدِّمْيَاطيُّ: (عبد الرَّحْمَن بن يزيد بن جابر الأزديُّ، أخو يزيد، مات سنة ثلاث وخمسين ومئة) انتهى [2]، وفي وفاته أقوالٌ غير ذلك، وثَّقهُ غير واحد، وأخرج له الجماعة، وهذا ليس تعليقًا، وإنَّما رواه البُخاريُّ عن صدقة، عن الوليد، عن الأوزاعيِّ وابنِ جابرٍ؛ فرَّقهما، عن عمير بن هانئ، عن جُنَادة، عن عُبادة، والله أعلم.

(1/6522)

[باب: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}]

قوله: ({فَأَجَاءَهَا} [مريم: 23]: أَفْعَلْتُ): هو بفتح الهمزة، وإسكان الفاء، ثُمَّ عين مفتوحة، ثُمَّ لام ساكنة، ثُمَّ تاء مضمومة؛ تاء المتكلِّم، كذا في أصلنا، وعزا شيخنا هذا الضبط إلى خطِّ الدِّمْيَاطيِّ، ثُمَّ قال: وقال ابن التين: ضُبِط بضَمِّ الهمزة، وكسر العين، كأنَّه حكى أنَّها جِيء بها، وبفتح الهمزة والعين، وسكون التاء، وهو غير بيِّن؛ لأنَّها لَمْ تَفْعَل، وإنَّما فُعِلَ بها، ومثال (أجاءها) على التحقيق: (أَفْعَلَها) انتهى، وفي نسخة صحيحة: (أَفْعَل)؛ بغير تاء، وذكر التي بالتاء أيضًا.

قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: النِّسْيُ: الْحَقِيرُ): هذا أشار إليه الفرَّاء، وروى معناه الطَّبَريُّ عن الربيع بن أنس، قاله بعض حُفَّاظ العَصْرِ.

قوله: (وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه شقيق بن سلمة.

قوله: (ذُو نُهْيَةٍ): هو بالنون المضمومة، ثُمَّ هاء ساكنة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مفتوحة [1]، ثُمَّ تاء التأنيث، قال ابن قرقول [2] ومن قبله القاضي عياض _واللفظ لابن قرقول_: الرواية بالضَّمِّ، وقد يُقال بفتحها، وهو العقل؛ لأنَّه ينهى صاحبَه عن القبائح، ويُقال فيه: ذو نهاية، حكاه ثابتٌ، وقد تكون «النُّهْيَة» من النُّهى؛ يعني: الفَعلَة الواحدة، والنَّهية؛ بالفتح: واحد النَّهي؛ مثل: تمرة وتمر؛ أي: أنَّ له من نفسه في كلِّ حالٍ زاجرٌ ينهاه؛ كما يُقال: التقيُّ مُلجَمٌ، يُقال: نَهَيْتُه ونَهَوْتُه، والنهاية: الغاية حيث ينتهي الشيء، كأنَّه امتنع عندها من الزيادة، انتهى.

[ج 1 ص 898]

قوله: (وَقَالَ [3] وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ: {سَرِيًّا} [مريم: 24]: نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ)، انتهى: كذا في أصلنا، وكذا في أصلٍ لنا آخرَ دمشقيٍّ، وقال المِزِّيُّ في «أطرافه» في إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عن جدِّه أبي إسحاق عن البَراء: البُخاريُّ في (التفسير) عن يحيى عن وكيع عنه؛ أي: عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البَراء، وتجاه ذلك بخطِّ بعض الفضلاء المحدِّثين والفقهاء ما لفظه: حديث السَّريِّ: قال أبو القاسم: لَمْ أجد هذا الحديثَ، ولا ذكره أبو مسعودٍ، انتهى، ولم أرَه في أصلَينا في (التفسير)، إنَّما رأيته هنا في (الأنبياء).

(1/6523)

ويحيى هذا إن كان ثابتًا على ما قاله المِزِّيُّ؛ فقد ذكر الجَيَّانيُّ ما ملخَّصه: وقال _يعني: البُخاري_ في (الصلاة)، و (السَّلَم)، و (الجهاد)، وفي (حديث الإفك)، و (تفسير الأعراف)، و (مريم)، و (الدُّخَان) في موضعين، و (النجم)، و {اقتربت}، و (المدَّثِّر)، و (الليل)، وفي (النكاح) في موضعين، وفي (الذبائح)، و (الأدب)، وفي (استتابة المرتدِّين)، وفي (خبر الواحد)، وفي (التوحيد): (حَدَّثَنَا يحيى: حَدَّثَنَا وكيع)، فنسب [4] (يحيى) ابنُ السكن في أكثر هذه المواضعِ: يحيى بنَ موسى الحدانيَّ، وأهمل بعضها، وفي «البُخاريِّ» في (كتاب الخوف): (حَدَّثَنَا يحيى: حَدَّثَنَا وكيع: حَدَّثَنَا عليُّ بن المبارك ... )، فذكر حديثًا عن جابرٍ: (جاء عُمر يوم الخندق ... )؛ الحديث، نسبه ابن السكن أيضًا: يحيى بنَ موسى، ونسبه أبو ذرٍّ عن المستملي: يحيى بنَ جعفر، وقد قال البُخاريُّ في (باب عدَّةِ أصحاب بدرٍ): (حَدَّثَنَا يحيى بن جعفر: حَدَّثَنَا وكيع ... )، فذكر حديث أبي ذرٍّ: «لنزل هؤلاء الآيات في هؤلاء الرهط»، هكذا لجميع الرواة، وذكر أبو نصر أنَّ يحيى بن موسى الحدانيَّ ويحيى بن جعفر يرويان جميعًا عن وكيع في «الجامع»، انتهى، والله أعلم، وهذا يأتي فيه ما ذكرته هنا، فيما يظهر، والله أعلم.

(1/6524)

[حديث: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى]

3436# قوله: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلاَثَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الصلاة)، وذكرت مَن تكلَّم أو ذُكِرَ عنه أنَّه تكلَّم في المهد؛ فانظره.

قوله: (وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ): تَقَدَّمَ الكلام عليهنَّ، وهنَّ الفواجر.

قوله: (فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ): تَقَدَّمَ أنَّها ابنة مَلِك القرية.

قوله: (فَأَتَتْ رَاعِيًا): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه صهيب.

قوله: (ذُو شَارَةٍ): هو بالشين المُعْجَمَة، وبعد الألف راء مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، الهيئة واللباس، وقد تَقَدَّمَت.

قوله: (يَمَصُّهُ): هو بفتح الميم، ويُقال بالضَّمِّ، وكذا (يَمَصُّ إِصْبَعَهُ).

قوله: (ثُمَّ مُرَّ بِامْرَأَةٍ [1]): (مُرَّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهو من اللازم، ولا يُبنَى من اللازم، وقد حُكِيَ بناؤه عن سيبويه.

قوله: (لِمَ ذَاكَ؟): هو بفتح الميم، استفهام، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (سَرَقْتِ زَنَيْتِ): وفي نسخة في هامش أصلنا: (سَرَقَتْ زَنَتْ)، (هو بسكون التاء في الكلمة الثانية، وفي الأولى بكسرها) [2].

(1/6525)

[حديث: لقيت موسى فإذا رجل مضطرب رجل الرأس]

3437# قوله: (حَدَّثَنَا [1] هِشَامٌ): هذا هو هشام بن يوسف، أبو عبد الرَّحْمَن، قاضي صنعاء، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (مَعْمَر) بعده: تَقَدَّمَ مرارًا ضبطه، وأنَّه ابن راشد.

قوله: (ح [2]): تَقَدَّمَ الكلام عليها نطقًا [3] ومعنًى في أوائل هذا التعليق، وسأذكرها [4] آخرَه.

قوله: (وحَدَّثَنِي [5] مَحْمُودٌ): هذا هو ابن غيلان، تَقَدَّمَ، وكذا (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام، الحافظ الكبير، و (مَعْمَرٌ): هو ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب)؛ بفتح الياء وكسرها، بخلاف غيرِه، فإنَّه بالفتح فقط، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (مُضْطَرِبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه الطويل غير الشديد، وكذا (رَجِلُ): أنَّه بكسر الجيم؛ أي: منكسر الشعر قليلًا، بخلاف السبط [6] والجَعْد، وكذا (شَنُوءَةَ)، وكذا (رَبْعَةٌ)، وأنَّه بإسكان المُوَحَّدة، وكذا قوله: (أَحْمَرُ)، وأنِّي سأذكر كلام الناس هل عيسى أحمرُ أو أسمرُ، ويأتي قريبًا، و (الدّيْمَاس): تَقَدَّمَ، وأنَّه الحمَّام كما هنا، [وقيل: غيره، وأنَّه بكسر الدال وفتحها، وكذا قوله: (وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ)، والجمع بينه وبين (ثلاثة أوانٍ)، وأنَّه يأتي الجمعُ بين الروايتين.

قوله: (فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ): القائل له هو جبريل عليه السلام، وكذا تَقَدَّمَ قوله: (أَمَا إنَّكَ)] [7]، وأنَّ (أمَا) بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، و (إنَّك)؛ بكسر الهمزة؛ لأنَّ (أمَا) بمنزلة (ألَا) التي للاستفتاح.

(1/6526)

[حديث: رأيت عيسى وموسى وإبراهيم]

3438# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، و (إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّمَ أنَّه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ.

قوله: (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ... )؛ فذكر حديث: «رأيت عيسى وموسى وإبراهيم ... »؛ الحديث: كذا في النسخة التي سمعت فيها على الحافظ العِرَاقيِّ، وفي طرَّتها [1] حاشيةٌ، ولفظها: (قال الحافظ أبو ذرٍّ: هكذا في سائر الروايات المسموعة عن الفِرَبْريِّ: «عن مجاهد عن ابن عُمر»، فلا أدري هكذا حَدَّث به البُخاريُّ، أو غلط فيه الفِرَبْريُّ؛ لأنِّي رأيته في سائر الروايات عن ابن كَثِير وغيرِه: «مجاهد عن ابن عَبَّاس»، والله أعلم، حَدَّثَنَا أبو الهيثم موسى بن عيسى السَّرَّاج لفظًا: حَدَّثَنَا عثمان بن أحمد بن سليمان الخصيب سنة ثنتي عشرة وثلاث مئة: حَدَّثَنَا حنبل بن إسحاق بن حنبل: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن كَثِير: حَدَّثَنَا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عَبَّاس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «رأيت عيسى وموسى، فأمَّا عيسى؛ فأحمرُ جَعْدٌ عريضُ الصدر، وأمَّا موسى؛ فآدمُ سبطٌ كأنَّه من رجال الزُّطِّ»، قالوا له: وإبراهيم؟ قال: «انظروا إلى صاحبكم»، رواه لنا عثمان بن سعيد الدارميُّ عن ابن كَثِير، كذلك تابعه نصر بن عليٍّ، عن أبي أحمد الزبيريِّ [2]، عن إسرائيل كذلك، وكذلك يحيى بن أبي زائدة عن إسرائيل) انتهت.

وقد ذكر هذا المكانَ أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ في «تقييده»، فقال في أثناء كلامه فيه: «مجاهد عن ابن عَبَّاس»، قال أبو مسعودٍ الدِّمَشْقيُّ: كذا رواه البُخاريُّ عن ابن كَثِير، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عُمر، وأخطأ في قوله: «ابن عُمر»، إنَّما رواه مُحَمَّد بن كَثِير، وإسحاق بن منصور السلوليُّ، وابن أبي زائدة، ويحيى بن آدم، وغيرُهم، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عَبَّاس، قال: وقد نبَّه أبو ذرٍّ على ذلك أيضًا ... ، فذكره، ثُمَّ قال: وقد تَقَدَّمَ هذا الحديثُ في (الحجِّ) وفي (الأنبياء) في (قصَّة إبراهيم) من رواية ابن عون عن مجاهد عن ابن عَبَّاس، على الصواب، فذكره، وكذا ساق المِزِّيُّ في «أطرافه» في مسند ابن عَبَّاس من رواية عثمان بن المغيرة عن مجاهد عنه هذا الحديثَ، وعقَّبه بكلام أبي مسعودٍ من قوله: (إنَّمَا رواه ابن كَثِير) إلى آخره، وذكره أيضًا في مسند ابن عُمر من رواية مجاهد عنه، وقال في ترجمة عثمان بن المغيرة: عن مجاهد عن ابن عَبَّاس؛ يعني: أنَّه ذُكِر فيها، والله أعلم.

[ج 1 ص 899]

قوله: (فَآدَمُ): أي: أسمر، تَقَدَّمَ، وكذا (سَبطٌ)، وأنَّه بكسر المُوَحَّدة وإسكانها، وكذا (الزُّطِّ)، قال الدِّمْيَاطيُّ هنا: جنسٌ من السودان طوال، قاله عياض، انتهى، وكذا قال ابن قرقول، وفي «النهاية»: جنسٌ من السودان والهنود، انتهى، وفي «الصحاح» للجوهريِّ: جيلٌ من الناس.

==========

[1] في (ب): (طرفها).

(1/6527)

[2] في النسختين: (الزبيدي)، والمثبت من الحاشية التي في طرَّة (ق) والمصادر.

(1/6528)

[حديث: إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى]

3439# 3440# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه أنس بن عياض، و (مُوسَى) بعده: هو الإمام ابن عقبة، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن عُمر، وهذا ظاهِرٌ؛ لأنَّ الراويَ عنه نافعٌ، ونافعٌ ليس له شيءٌ في الكُتُب السِّتَّة عن ابن مسعود، وابن مسعود قديمُ الوفاة، تُوُفِّيَ سنة (32 هـ).

قوله: (بَيْنَ ظَهْرَانَي [1] النَّاسِ): وفي نسخة: (بين ظهرَي الناس)، قال ابن قرقول: (بين ظهري الناس): كذا رواه الباجيُّ وابن عتَّاب وبعضُ أشياخنا، وعند الجمهور: (بين ظهراني الناس)؛ ومعناه: بينهم.

قوله: (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ): تَقَدَّمَ ضبطه في أوائل هذا التعليق، وسأذكره في (الفتن)، ومَن أراد إشباع الكلام فيه؛ فلينظر «التذكرة» للقرطبيِّ.

قوله: (أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى): كذا في «البُخاريِّ» و «مسلم»، وفي أواخر «مسلم»: (أعور العين اليسرى)، وكلاهما صحيحٌ، والعَوَر في العين: العيب، وعيناه معيبتان عوراوان، إحداهما طافِئَة؛ بالهمز: لا ضوء فيها، والأخرى: طافِيَة؛ بلا همز: ناتئة.

قوله: (طَافِئة): رويت بالهمز وعدمه [2]، وكلاهما صحيح، والمهموزة: التي ذهب نورها، وغير المهموزة: هي التي نتأت وطفيت مرتفعةً وفيها نورٌ، وقد تَقَدَّمَ أعلاه.

قوله: (وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ): (أَراني)؛ بفتح الهمزة: من رؤية العين، وكذا قيَّدَه ابن قرقول وغيرُه، وقد رأيته في نسخة صحيحةٍ ضبطه في الهامش بالضَّمِّ والفتح، وكتب في النسخة: (دار الذهب)؛ أي: في نسخة دار الذهب بفتح الهمزة وضمِّها.

قوله: (آدَمُ): تَقَدَّمَ أنَّه أسمرُ أعلاه.

قوله: (مَا يُرَى): هو بضَمِّ أوَّله، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ): (اللِّمَّة) من شعر الرأس: ما جاوز شحمة الأذن، فإذا بلغَتِ المنكبين [3]؛ فهي جُمَّة، قاله في «الصحاح»، وقال في (الجُمَّة)؛ بالضَّمِّ: مجتمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة، وقال في (وفر) ما لفظه: والوفرة: الشعرة إلى شحمة الأذن، ثُمَّ الجُمَّة، ثُمَّ اللِّمَّة؛ وهي التي ألمَّت بالمنكبين [4].

قوله: (رَجِلُ الشَّعَرِ): تَقَدَّمَ ضبطه وما هو بظاهرها.

قوله: (يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ): قال القاضي عياض كما نقله النَّوويُّ عنه: أمَّا طواف عيسى إنْ كانت هذه رؤيا عينٍ _وقد ذكر القاضي أقوالًا خمسةً عن قوله: إنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام رآهم يحجُّون ويُلبُّون، قال: وهم أمواتٌ، وهم في الدار الآخرة، وليست دارَ عملٍ:

أحدها: أنَّهم كالشهداء بل أفضلُ منهم، والشهداء أحياءٌ عند ربِّهم، فلا يبعد أنْ يحجُّوا ويصلُّوا كما ورد في الحديث الآخر؛ لأنَّهم وإنْ كانوا قد تُوفُّوا؛ فهم في هذه الدار الدنيا التي هي دار العمل، حتَّى إذا فنيت [5] مدَّتُها، وتعقَّبتها الدار الآخرة التي هي دار الجزاء؛ انقطع العمل.

الثاني: إذ عمل الآخرة ذكرٌ ودعاءٌ.

(1/6529)

الثالث: أنَّها رؤية منام [6] في غير ليلة الإسراء أو في بعضها.

الرابع: أنَّه أُري حالهم التي كانت في حياتهم.

الخامس: أنَّه أُخبِر عمَّا أُوحِيَ إليه [7] من أمرهم وما كان منهم وإنْ لَمْ يرهم رؤية عينٍ، انتهى مُلَخَّصًا_؛ قال القاضي: فعيسى حيٌّ لَمْ يمت؛ يعني: فلا امتناع في طوافه حقيقةً وإنْ كانت منامًا، كما نبَّه عليه ابن عُمر في روايته، فهو يحتمل؛ لِما تَقَدَّمَ، ولتأويل الرؤيا، قال القاضي: وعلى هذا يُحمَل ما ذُكِر من طواف الدجَّال بالبيت، وإنْ كان ذلك؛ كان رؤيا؛ إذ قد ورد في «الصحيح»: أنَّه لا يدخل مكَّة ولا المدينة، مع أنَّه لَمْ يذكر في رواية مالكٍ طواف الدجَّال، وقد يقال: إنَّ تحريم دخول المدينة عليه إنَّمَا هو في حال فتنته، والله أعلم، انتهى [8].

قوله: (هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ): تَقَدَّمَ الكلام قريبًا عليه [9] لم قيل له المسيح، وتقدَّمت بعض ترجمته وبعض ترجمة أمِّه عَلَيْهما السَّلام.

قوله: (جَعْدًا قَططًا): الجَعْد: بفتح الجيم، وإسكان العين وبالدال المُهْمَلَتين، و (قَطَطًا): بفتح القاف، وبطاءين مهملتين [10]؛ الأولى مفتوحة ومكسورة أيضًا، والشعر الجعد: ضدُّ السَّبط؛ وهو الذي فيه عزَّةٌ ورجوعٌ في نفسه، ليس بالليِّن في استرساله، فإذا وصف بالقطط؛ كان الشديد الجعودة؛ كشعور السودان.

قوله: (بِابْنِ قَطَنٍ): (قَطَن)؛ بفتح القاف والطاء المُهْمَلَة، ثُمَّ نون، قال الدِّمْيَاطيُّ: هو عبد العزَّى بن قَطَن بن عَمرو [11] بن حبيب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن جَذيمة _وهو المصطلق_ بن سعد بن عَمرو بن لُحيِّ _وهو ربيعة_ بن [12] حارثة بن عَمرو مُزيقياء، أمُّه هالة [13] بنت خويلد أخت خديجة، وكذلك أكثم بن أبي الجون الخزاعيُّ، قال له النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «رُفِع لي الدجَّال؛ فإذا رجلٌ جَعْدٌ، وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون»، فقال أكثم: يا رسول الله؛ هل يضرُّني شبهي إيَّاه؟ قال: «لا، أنت مسلمٌ، وهو كافرٌ»، كذا قاله ابن سعد، وقال ابن منده في أكثم: إنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم شبَّهه بعمرو بن لُحيٍّ، لا بالدجَّال، انتهى.

وفي «المسند» لأحمد ابن حنبل من حديث جابر بن [14] عبد الله: أنَّ لُحيَّ بن عَمرو _كذا وقع_ شبَّهه عليه الصَّلاة والسَّلام بمعبد بن أكثم، فقال ما قال، وقيل له مثل ما قيل لأكثم، وفي «المسند» أيضًا من حديث الطفيل بن أُبيٍّ عن أبيه مثله، انتهى.

ولأكثم بن أبي الجون _وقيل: ابن الجون_ الكعبيِّ حديثٌ: «خير الرفاق أربعةٌ ... » في «مسند أبي يعلى»، وقد ذكره الدِّمْيَاطيُّ أيضًا في (باب الطواف بالكعبة في المنام) من (كتاب التعبير)، فقال نحو ما قاله فيه هنا، ولم يذكر ما يتعلَّق بأكثم، وسأذكره حيث ذكره إن شاء الله تعالى.

(1/6530)

تنبيه: في «مسند أحمد ابن حنبل» بسنده إلى أبي هريرة [15] قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «خرجت إليكم وقد بُيِّنت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة ... »؛ الحديث، إلى أن قال: «وأمَّا مسيح الضلالة؛ فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر فيه، كأنَّه قَطَن بن [16] عبد العزَّى»، قال: يا رسول الله؛ هل يضرُّني شبهُه؟ قال: «لا، أنت امرؤٌ مسلم، وهو امرؤٌ كافرٌ»، انتهى، فهذا فيه إثبات صحبة قطن بن عبد العزَّى، والذي يظهر لي أنَّ صواب هذا الاسم العكس: عبد العزَّى بن قطن، ولم يذكروه في الصَّحَابة، وسيأتي قريبًا من كلام الزُّهْرِيِّ أنَّه هلك في الجاهليَّة؛ أعني: عبد العزَّى بن قطن، وفي كونه أسلم نظرٌ من وجوهٍ؛ أحدها: أنَّه لو أسلم؛ لغيَّر عليه الصَّلاة والسَّلام اسمَه، ولغير ذلك أيضًا.

تنبيه نبَّه عليه [عليه] الصَّلاة والسَّلام: شبَّه عليه السَّلام [17] عينَ الدجَّال بعين شخصٍ من الصَّحَابة يقال له: أبو تِحْيى؛ بكسر المُثَنَّاة فوق، وإسكان الحاء المُهْمَلَة، وهو من الأنصار كما رواه الحاكم في «المستدرك» في (الكسوف) من حديث سمرة بن جندب، وهو

[ج 1 ص 900]

في «السنن الأربعة» مُطَوَّلًا في بعضها ومختصرًا في بعضها، والله أعلم.

قوله: (تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ): الضمير في (تابعه) يعود على موسى؛ وهو ابن عقبة، و (عبيد الله) هذا: هو عبيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب، وتعليقه هذا لَمْ أره في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، والله أعلم.

==========

[1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي هامش (ق) مصحَّحًا عليها: (ظهرَيَي)، ورواية «اليونينيَّة»: (ظهرَي).

[2] وهي رواية «اليونينيَّة» و (ق).

[3] في (ب): (الميلين)، وهو تحريفٌ.

[4] في (ب): (بالميلين)، وهو تحريفٌ.

[5] في (ب): (قبلت)، وهو تحريفٌ.

[6] في (ب): (منا)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (إليهم)، وهو تحريفٌ.

[8] (انتهى): ليس في (ب).

[9] في (ب): (عليه قريبًا).

[10] في (ب): (وبالطاءين المهملتين).

[11] في (ب): (عمر)، وهو تحريفٌ.

[12] (بن): سقط من (ب).

[13] في (ب): (طالة)، وهو تحريفٌ.

[14] (بن): سقط من (ب).

[15] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[16] (بن): سقط من (ب).

[17] (عليه السلام): ليس في (ب).

(1/6531)

[حديث: بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر]

3441# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ): هذا أحمد بن مُحَمَّد بن الوليد، أبو الوليد الأزرقيُّ المَكِّيُّ، روى عنه البُخاريُّ، وحفيده مؤرِّخ مكَّة مُحَمَّد بن عبد الله، وأبو جعفر التِّرْمِذيُّ، ثقةٌ، مات سنة (222 هـ)، وقال شيخنا: قال أبو نعيم: أراه الأزرقيَّ، انتهى.

قوله: (لاَ وَاللهِ، مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى أَحْمَرُ ... ) إلى آخره: هذا حديث ابن عُمر، وقد اختُلِف في صفة عيسى؛ فروى أبو هريرة _كما تَقَدَّمَ_: أنَّه أحمر، ورَوى ابن عَبَّاس: أنَّه إلى الحمرة والبياض، كما تَقَدَّمَ، ورَوى ابن عُمر كما تَقَدَّمَ كذلك، ولفظه: (فأمَّا عيسى؛ فأحمر عريض الصدر، وأمَّا موسى؛ فآدم جسيم سبط كأنَّه [1] من رجال الزُّطِّ)، ورَوى ابن عُمر أيضًا في هذا الحديث الذي نحن فيه بأنَّ عيسى آدم، والآدم: الأسمر، وقد أنكر ابن عُمر في هذه الرواية أنَّه أحمر، وحلف بالله إنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يقله؛ يعني: وأنَّه اشتبه على الراوي.

فالحاصل: أنَّ النقل اختلف عن ابن عُمر كما ذكرته لك، وقد ساقهما البُخاريُّ، هذا إنْ قلنا: (مجاهد عن ابن عُمر) في السند المتقدِّم قبل هذا، وإنْ قلنا: إنَّ المحفوظ والصواب: (مجاهد عن ابن عَبَّاس) كما هو الصواب؛ فلا اختلاف عن ابن عُمر، بل له قولٌ واحد، وأنَّه آدم، قال النَّوويُّ: فينبغي أن يُتأوَّل الأحمر على الآدم، ولا يكون المراد حقيقة الحمرة والأدمة بل ما قاربها، والله أعلم.

قال شيخنا: وقوله في عيسى: (أحمر)، وقال في الحديث الذي بعده: (آدم)، والآدم: الأسمر، قال الداوديُّ: أثبته قول ابن عُمر؛ يعني: الحديث الثاني والخامس، فإنَّ كليهما من رواية ابن عُمر، يريد به آدم كما صوَّبه، وأنكر كونه أحمر، انتهى، قال الإمام السُّهَيليُّ: وَلِوَصفِ موسى بالأُدْمَة أصلٌ في كتاب الله، قاله الطَّبَريُّ عند تفسير قوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: 22]، قال: في خروج يده بيضاء آيةٌ [2] له، دليلٌ على أُدْمَته؛ لأنَّ الآية إنَّما هي في أن خرجت بيضاءَ مخالفًا لونُها لسائر لون جسده، وذلك دليلٌ بيِّنٌ على الأُدْمة التي هي خلاف البياض، ذكر ذلك في (الإسراء) من «الروض».

قوله: (رَجُلٌ آدَمُ): تَقَدَّمَ، وكذا: (سَبْطُ الشَّعَرِ)، وكذا: (يُهَادَى)، وأنَّ معناه: يمشي بينهما متَّكئًا عليهما، والتهادي: المشي المثقل مع التمايل يمينًا وشمالًا.

قوله: (يَنْطفُ): هو بكسر الطاء وضمِّها، لغتان، تَقَدَّمَ، وكذا (جَعْدُ الرَّأْسِ).

قوله: (أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى): تَقَدَّمَ الجمع بين هذا وبين ما في «مسلمٍ»: (اليسرى)، وكذا (طَافِيَةٌ)؛ بالهمز وعدمه، تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (ابْنُ قَطَنٍ)، وأنَّه عبد العزَّى بن قطن قريبًا، وكذا على من شبَّهه عليه الصَّلاة والسَّلام بالدجَّال، ومن شبَّه عينه بعينه.

==========

(1/6532)

[1] في (ب): (فإنَّه)، وهو تحريفٌ.

[2] في (ب): (أنَّه).

[ج 1 ص 901]

(1/6533)

[حديث: أنا أولى الناس بابن مريم والأنبياء أولاد علات]

3442# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه الحكم بن نافع مرارًا كثيرةً، وكذا (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وكذا (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [1]): أنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على القول الأكثر.

قوله: (أَوْلاَدُ عَلَّاتٍ): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وتشديد اللام، وفي آخره تاءٌ ممدودةٌ، قال ابن قرقول: والعَلَّة: الضَّرَّة، وأولاد العَلَّات: أولاد الضرائر من رجلٍ واحد، يريد: أنَّ الأنبياء بُعِثوا متَّفقين في أصول التوحيد، متباينين في فروع الشرع، وذلك أنَّه يُعبَّر بالأب عن الأصل، وقيل: بل أراد: أنَّ [2] الأنبياء في أزمان شتَّى، متباينةٍ بعضُها عن بعض، وقد فسَّر ذلك بقوله: «أمَّهاتهم شتَّى، ودينهم واحد»، وقيل: إنَّه أولى الناس بعيسى، ليس بينه وبينه نبيٌّ، فأشار إلى قرب زمنه، كأنَّه جمعه وإيَّاه حتَّى [3] صار كالمعنى الواحد؛ إذ لَمْ يكن بينهما نبيٌّ، وافتراق أزمان الآخرين كالبطون الشتى، والدين الواحد كالأب الواحد، انتهى.

تنبيه: أولاد العَلَّات تَقَدَّمَ من هم، وعكسهم أولاد الأخياف الذين أمُّهم واحدة، وآباؤهم شتَّى، وأولاد الأعيان: الأخوة لأب وأمٍّ.

قوله: (لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ): إنْ قلتَ: قد ذكروا بين عيسى ومُحَمَّد صلَّى الله عليهما وسلَّم [4] أنبياء؛ فالجواب كما قال شيخنا: أنَّه لَمْ يصحَّ، وهذا الحديث أصحُّ من الذي ورد، فالاعتماد عليه، وإنْ جوَّزنا وجود نبيٍّ بعد عيسى؛ فهو كالتَّبَعِ له، والداعي إلى دينه لا ينقض شيئًا ممَّا قرَّره، فليس هو بنبيٍّ ذي شرع متجدِّدٍ، انتهى.

والحديث المذكور فيه خالد بن سنان في «المستدرك» في آخر ترجمة عيسى ابن مريم [5]، ولم يتعقَّبه الذَّهَبيُّ فيما رأيت، فليكن الجواب عنه ما ذكره شيخنا إنْ صحَّ، والله أعلم، وفي سند حديثه في «المستدرك» مُعلَّى بن مهديٍّ، وفيه مقال: قال أبو حاتمٍ: يأتي أحيانًا بالمناكير، ووثَّقهُ غيره، وقد ذكر الحاكم عقب حديث خالد بن سنان سندًا له بقصَّة خالد بن سنان.

تنبيه وهو غريب: ذكر بعضهم خالد بن سنان في الصَّحَابة، ولا معنى [6] لذكره فيهم، والله أعلم.

وقد قال بعضهم: إنَّ لقمان كان بين عيسى ومُحَمَّد صلَّى الله عليهما وسلَّم [7]، فإنْ صحَّ وصحَّت نبوَّة لقمان؛ كان الجواب عنه ما تَقَدَّمَ.

==========

[1] قوله (ابن عبد الرحمن): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

[2] (أنَّ): ليس في (ب).

[3] زيد في (ب): (كأنَّه).

[4] في (ب): (عليهما الصَّلاة والسَّلام).

[5] زيد في (ب): (عليه السلام).

[6] في (أ): (يعني)، وهو تحريفٌ.

[7] في (ب): (عليهما الصَّلاة والسَّلام).

[ج 1 ص 901]

(1/6534)

[حديث: أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة]

3443# قوله: (حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّ (فُلَيحًا) بضَمِّ الفاء، وفتح اللام، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، قال الدِّمْيَاطيُّ: (فُلَيح لقبٌ، واسمه عبد الملك) انتهى، وقد ذكر هذا غير هذه المرَّة، والله أعلم.

قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (اسمه بشير، قُتِل مع عليٍّ بصفين، له صحبةٌ) انتهى، أبو عَمْرة اسمه بشير _وقيل: ثعلبة، وقيل: عَمرو_ ابن عَمرو بن محصن الخزرجيُّ النَّجَّاريُّ، شهد بدرًا، روى عنه: ابنه عبد الرَّحْمَن ومُحَمَّد ابن الحنفيَّة، أخرج له النَّسائيُّ، ترجمته معروفةٌ، وأمَّا ابنه الرواي هنا؛ فأخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ مشهورٌ.

قوله: (لِعَلَّاتٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه أعلاه [1]، وكذا (أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ).

==========

[1] في (ب): (بأعلاه ظاهره).

[ج 1 ص 901]

(1/6535)

[معلق ابن طهمان: رأى عيسى ابن مريم رجلًا يسرق]

3444# قوله: (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ [1] ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ مجزومٌ به، وقد أخرجه النَّسائيُّ في (القضاء): عن أحمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه، عن إبراهيم بن طهمان به، وقد أخرجه البُخاريُّ بعد هذا فيما يليه من طريقٍ أخرى عن أبي هريرة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على إبراهيم بن طهمان، وأنَّه من أئمَّة الإسلام، ولكن فيه إرجاء، وأخرج له الجماعة، و (مُوسَى بْن عُقْبَةَ): أحد الأعلام، وأخرج له الجماعة، وكذا (صَفْوَان بْن سُلَيْمٍ): أخرج له الجماعة، وتقدَّمت ترجمته، و (عَطَاء بْن يَسَارٍ): تَقَدَّمَ، وقد أخرج له الجماعة، والله أعلم.

[ج 1 ص 901]

قوله: (ح [2]): تَقَدَّمَ الكلام عليها نطقًا ومعنى في أوَّل هذا التعليق؛ فانظره إنْ أردته.

قوله: (وحَدَّثَنِي [3] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّ الظاهر أنَّه المسنديُّ، وذكرت مستندي في ذلك فيما مضى.

قوله: (عَنْ [4] مَعْمَرٌ): هو بفتح الميمين، وإسكان العين بينهما، وهو ابن راشدٍ، و (هَمَّام): هو ابن مُنبِّه، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): هو عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، تَقَدَّمَ الكلُّ.

قوله: (رَجُلًا يَسْرِقُ): هذا الرجل لا أعلم اسمه.

قوله: (وَكَذَبَتْ [5] عَيْنِي): هو بتخفيف الذال، وإسكان تاء التأنيث للمستملي، وبالتشديد مع ضمِّ تاء المتكلِّم للحمُّوي وأبي هيثم، وهذا الصواب؛ لأنَّه رُوي في «الصحيح»: (وكذَّبت نفسي).

قال القاضي عياض: ظاهر الكلام صدَّقت من حلف بالله، وكذَّبت ما ظهر لي من ظاهر سرقته، فظنَّه أخذ ما له فيه حقٌّ، أو بإذن صاحبه، أو لَمْ يقصد الغصب والاستيلاء، وظهر له من مدِّ يده أنَّه أخذ شيئًا، فلمَّا حلف له؛ أسقط ما ظنَّه، ورجع عنه، انتهى، وقال غيره: هو على المبالغة في تصديق الحالف، لا أنَّه كذبت عينه حقيقةً ولم يَهِم، وقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة شمس الدين: وقد تأوَّله بعضهم على أنَّه لمَّا حلف له؛ جوَّز أنْ يكون أخذ ما له، فظنَّه المسيح سرقةً، قال: وهذا تكلُّف، وإنَّما كان الله سبحانه في قلب المسيح أجلَّ وأعظم من أن يحلف به أحدٌ كاذبًا، فلمَّا حلف له السارق؛ دار الأمر بين تهمته وتهمة بصره، فردَّ التهمة إلى بصره لمَّا اجتهد له في اليمين بالله؛ كما ظنَّ آدمُ صِدْقَ إبليسَ لمَّا حلف له بالله تعالى، وقال: ما ظننت أحدًا يحلف كاذبًا، انتهى، قاله في «إغاثة اللهفان».

(1/6536)

[حديث: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم]

3445# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ الحاء، وفتح الميم، وأنَّه عبد الله بن الزُّبَير، وتَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (الزُّهْرِيَّ) [1]: مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، وتَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (عُبَيْد اللهِ بْن عَبْدِ اللهِ) هذا: هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.

قوله: (لاَ تُطْرُونِي): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، وبالطاء المُهْمَلَة، والإطراء: مجاوزة الحد في المدح بالكذب فيه.

==========

[1] زيد في (ب): (هو).

[ج 1 ص 902]

(1/6537)

[حديث: إذا أدب الرجل أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها]

3446# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ): هو ابن المبارك، الإمام المشهور، و (صَالِحُ بْنُ حَيٍّ) بعده: هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الياء، وإنَّه هَمْدانيٌّ، روى عن الشَّعْبي وابن الأقمر، وعنه: ابناه: الحسن وعليٌّ، وابن المبارك، ثَبْتٌ، وإنَّه هو الذي يقال له [2]: صالح بن حيٍّ وصالح بن حيَّان، وأمَّا صالح؛ فهو صالح بن حيٍّ القرشيُّ، صاحب بُريدة، فكوفيٌّ ضعيفٌ لا شيء له في الكُتُب السِّتَّة، تَقَدَّمَ الأوَّل بهذا التمييز، والله أعلم.

قوله: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ): هذا الرجل لا أعرفه.

قوله: (قَالَ لِلشَّعْبِيِّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح الشين المُعْجَمَة، وأنَّه عامر بن شراحيل، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو بُرْدَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمه الحارث أو عامر الفقيه، وأبوه (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

==========

[1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

[2] (له): سقط من (أ).

[ج 1 ص 902]

(1/6538)

[حديث: تحشرون حفاةً عراةً غرلًا ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده}]

3447# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) [1]: هو الفِرْيَابيُّ، وقد قَدَّمْتُ الفرق بينه وبين مُحَمَّد بن يوسف البُخاريِّ البيكنديِّ [2]، وذكرت الأمكنة التي أخرج البُخاريُّ فيها [3] عن البيكنديِّ فيما تَقَدَّمَ في أوائل هَذَا التعليق، و (سفيان): هو الثَّوْريُّ.

قوله: (عُرَاةً): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (غُرْلًا)، وكلام ابن عَقِيل الحنبليِّ أبي الوفاء، وهو معنًى حسنٌ، وكذا الكلام على تقديم إبراهيم بالكسوة، والحكمة في ذلك.

قوله: (ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ): تَقَدَّمَ مَن هؤلاء الذين يؤخذ بهم ذات الشمال، وفي بعض نسخ «البُخاريِّ» هنا: (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ قَبِيصَةَ ... ) إلى آخره، أمَّا (مُحَمَّد بن يوسف)؛ فهو الفِرَبْريُّ، وقد تَقَدَّمَ قريبًا بعض ترجمته، و (أبو عبد الله): هو البُخاريُّ، و (قَبِيصة): الظاهر أنَّه شيخه قَبِيصة بن عقبة السوائيُّ، أبو عامر، روى عنه: البُخاريُّ، وأحمد، وعبدٌ، والحارث بن أبي أسامة، وكان من العابدين الحُفَّاظ، وقد تَقَدَّمَ.

==========

[1] زيد في (ب): (هذا).

[2] في (ب): (البيكندي البخاري).

[3] في (ب): (أخرج فيها البخاري).

[ج 1 ص 902]

(1/6539)

[باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام]

(1/6540)

[حديث: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا]

3448# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): قال الجَيَّانيُّ: قال _أي: البُخاريُّ_ في (الصلاة) في موضعين، وفي (الأنبياء)، وعدَّد أبوابًا: (حَدَّثَنَا إسحاق: حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم)، نسبه ابن السكن في بعض هذه المواضع: إسحاق بن إبراهيم؛ يعني: ابن راهويه، وقد أتى (إسحاق) هذا عن يعقوب منسوبًا من رواية الأصيليِّ وابن السكن في (الحجِّ) في موضعين في (باب الفُتيا على الدابة): (حَدَّثَنَا إسحاق بن منصور: أَخْبَرنَا يعقوب بن إبراهيم)، فذكر حديثًا، وفي (باب حجِّ الصبيان): (حَدَّثَنَا إسحاق: حَدَّثَنَا يعقوب بن إبراهيم)، فذكر حديثًا آخر، نسبه الأصيليُّ وحده في هذا الموضع: إسحاق بن منصور، وذكر أبو نصر أنَّ إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور يرويان عن يعقوب هذا؛ وهو يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزُّهْرِيُّ، انتهى، وذكر شيخنا كلام الجَيَّانيِّ مُلَخَّصًا، ثُمَّ قال: وكذا رواه أبو نعيمٍ عن أبي أحمد: حَدَّثَنَا عبد الله بن مُحَمَّد: حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم، فذكره، انتهى.

قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هو ابن كيسان، و (ابْن شِهَاب): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و (سَعِيد بْن المُسَيّب): تَقَدَّمَ الكلام على [1] ياء أبيه مرارًا أنَّها بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

قوله: (لَيُوشِكَنَّ): أي: ليقربنَّ ويُسرعنَّ، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (يوشِك)، وأنَّها بكسر الشين، وتفتح في لُغيَّة.

قوله: (وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّ في «الأوسط» للطبرانيِّ: (يقتل الخنزير والقرد)، ثُمَّ قال: لَمْ يروه مرفوعًا إلَّا مُحَمَّد بن سُمَيع، وقد قَدَّمْتُ أنَّ ظاهره أنَّه يفعل ذلك، وأنَّ شيخنا قال عن ابن التين: إنَّه يُحرِّمُ اقتناءَه وأكلَه، انتهى.

قوله: (وَيَضَعَ الحربَ [2]): معنى وضعه: أنْ تكون الأديان كلُّها دينًا واحدًا، وهو الإسلام، وفي نسخة عوض (الحَرْبَ): (الجزية)، وقد تَقَدَّمَ ما معنى وضع الجزية فيما مضى، وذكرت الأقوال الثلاثة فيها.

==========

[1] (على): سقط من (أ).

[2] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ الهروي عن الحمُّوي والمستملي، ورواية «اليونينيَّة»: (الجزية).

[ج 1 ص 902]

(1/6541)

[حديث: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم]

3449# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد [1]، وأنَّ (يَونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم بن عُبيد الله بن عبد الله بن شهاب.

[ج 1 ص 902]

قوله: (عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه نسب إليه، وأنَّ ولاءه لعقيلة الغفاريَّة، وتقدَّمت ترجمته، وأنَّ النَّسائيَّ وثَّقهُ، وأنَّه نافع بن عَبَّاس، ويقال: عيَّاش، أخرج له الجماعة.

قوله: (وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ): في طرَّة الأصل الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ الحافظ: قال الحافظ أبو ذرٍّ: وحَدَّثَنِي الجوزقيُّ عن بعض المتقدِّمين: أنَّ معنى قوله: (وإمامكم منكم): أنَّه يحكم [2] بينكم بالقرآن لا بالإنجيل، انتهى، وقد يؤيِّد هذا ما في «مسلم»: (فأَمَّكم منكم)، قال ابن أبي ذئبٍ: تدري ما (أَمَّكم منكم)؟ قلت: تخبرني، قال: فأَمَّكم بكتاب ربِّكم تبارك وتعالى، انتهى، ويحتمل أنْ يكون معنى قوله: (وإمامكم منكم): الإمام يتقدَّم الناس في الصلاة؛ بدليل ما ذكره القرطبيُّ في «تذكرته»: عن قاسم بن أصبغ قال: وخرَّجه الإمام أحمد في المسند من حديث جابرٍ رضي الله عنه: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «يخرج الدجَّال في خفقة ... » إلى أنْ قال: «فإذا هم بعيسى ابن مريم، فتقام الصلاة صلاةُ الصبح، فيقال له: تَقَدَّمَ يا روح الله، فيقول: ليتقدَّم إمامُكم فليصلِّ بكم، فإذا صلُّوا صلاةَ الصبح ... »؛ الحديث، وقال القرطبيُّ في «التذكرة» أيضًا: قال أبو الحسن مُحَمَّد بن [3] الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبريُّ السِّجْزيُّ: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]؛ يعني: المهديَّ، وأنَّه من أهل البيت، وأنَّه سيملك سبع سنين، وأنَّه يملأُ الأرض عدلًا، وأنَّه يخرج مع عيسى ابن مريم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5] فيساعده على قتال الدجَّال بباب لُدٍّ بأرض فلسطين، وأنَّه يؤمُّ هذه الأمَّة، وعيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [6] يصلِّي خلفه، انتهى.

وفي «ابن ماجه» من جملة حديث: «وإمامهم رجل صالح [7]» قد تَقَدَّمَ: «يصلِّي بهم الصبح؛ إذ نزل عيسى صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [8] للصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص القهقرى؛ ليتقدَّم [9] عيسى ابن مريم عليه السلام يصلِّي بالناس، فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه، ثُمَّ يقول له: تَقَدَّمَ فصلِّ، فإنَّها لك أقيمت، فيصلِّي بهم إمامهم ... »؛ الحديث، والله أعلم.

(1/6542)

تنبيه: المهديُّ: اسمه مُحَمَّد بن عبد الله؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «يوافق اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»، وهو من ولد الحسن _ مكبَّرًا_ لا كما [10] تقوله الروافض في الاسم واسم الأب، وأنَّه من ولد الحُسين؛ المصغَّر، والأحاديث فيه كثيرة؛ أعني: في المهديِّ، وفي «سنن أبي داود» (كتاب المهديِّ)، وذكر فيه أحاديث.

تنبيه: روى أحمد بن حجَّاج بن الصلت عن سعدويه بإسناد الصحاح مرفوعًا: «يُختَم هذا الأمر بغلامٍ من ولدك يا عمِّ، يصلِّي بعيسى ابن مريم»، رواه عنه مُحَمَّد بن مَخْلد العطار، فهو آفته، والعجب أنَّ الخطيب البغداديَّ ذكره في «تاريخه» ولم يضعِّفه، وكأنَّه سكت عليه؛ لانهتاك حاله، مات سنة (266 هـ) انتهى؛ يعني: «الميزان».

تنبيه: لو تَقَدَّمَ عيسى وصلَّى؛ لوقع في النُّفوس إشكالٌ، ولقالت: أتراه قُدِّم نائبًا أو مبتدئًا شرعًا؟ فصلَّى مأمومًا؛ لئلَّا يتدنَّس بغبار الشهوة وجهُ قوله: «لا نبيَّ بعدي»، قاله شيخنا عن ابن الجوزيِّ.

قوله: (تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ): الضمير في (تابعه) يعود على يونس؛ هو ابن يزيد الأيليُّ كما تَقَدَّمَ قريبًا، وتَقَدَّمَ ضبط (عُقَيل) مرارًا، وأنَّه ابن خالد، ومتابعته ليست في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم أر عزوها في كلام شيخنا، و (الأوزاعيُّ): أبو عمرو عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، وتَقَدَّمَ ما (الأوزاع)، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته، وأنَّه أفتى في سبعين ألفَ مسألةٍ، ومتابعته أخرجها مسلم: عن زُهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهْرِيِّ بإسناده: «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأَمَّكم منكم؟»، قال: فقلت لابن أبي ذئبٍ: إنَّ الأوزاعيَّ حَدَّثَنَا عن الزُّهْرِيِّ، عن نافع، عن أبي هريرة: «وإمامكم منكم»، قال ابن أبي ذئب: تدري ما «أَمَّكم منكم»؟ قلت: تخبرني، قال: فأَمَّكم بكتاب ربِّكم.

==========

[1] زيد في (ب): (الإمام).

[2] في (ب): (يتحكم)، وهو تحريفٌ.

[3] زيد في (ب): (مُحَمَّد بن)، وهو تكرارٌ.

[4] في (ب): (صلوات الله وسلامه عليه).

[5] في (ب): (عليه السلام).

[6] في (ب): (عليه السلام).

[7] (صالح): ليس في (ب).

[8] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

[9] في (ب): (ليقدم)، وهو تحريفٌ.

[10] في (ب): (مكبرًا؛ لأنَّ)، والمثبت هو الصَّواب.

(1/6543)

[باب ما ذكر عن بنى إسرائيل]

(بَابُ مَا ذُكِرَ فِي [1] بَنِي إِسْرَائِيلَ) ... إلى (باب المَنَاقِب) [2]

(ذُكر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (إسرائيل): هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، تَقَدَّمَ.

قوله: (فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ): (إسرائيل) [3]: هو يعقوب النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4]، كما تَقَدَّمَ، ويعقوب: هو أبو أنبياء بني إسرائيل وجدُّهم، وقد تَقَدَّمَ أنَّه اشتُهِر أنَّه مدفونٌ بالأرض المقدَّسة عند أبيه وجدِّه، في البلدة المشهورة بالخليل بقرب بيت المقدس، وقد زرناهم صلى الله عليهم وسلم [5].

==========

[1] كذا في النسختين، وكذا في الموضع اللاحق، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (عَنْ).

[2] في (ب) بدل مما بين قوسين: (قوله كتاب قوله).

[3] (إسرائيل): ليس في (ب).

[4] في (ب): (عليه السلام).

[5] في (ب): (عليهم السلام).

[ج 1 ص 903]

(1/6544)

[حديث: إن مع الدجال إذا خرج ماءً ونارًا]

3450# 3451# 3452# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): هذا تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته هذه، وتَقَدَّمَ أيضًا مرارًا (أَبُو عَوَانَةَ)، واسمه الوضَّاح بن عبد الله، وتَقَدَّمَ (رِبْعيُّ بن حِرَاش)، وأنَّ (رِبعيًّا) بكسر الراء، وإسكان المُوَحَّدة، مشدَّد الآخر؛ كالمنسوب إلى (الربيع)، و (حِرَاش)؛ بكسر الحاء المُهْمَلَة، وتخفيف الراء، وفي آخره شين معجمة، وتَقَدَّمَ الكلام على المتكلِّم بعد الموت والاختلافُ فيه من بني حِرَاش، وتَقَدَّمَ (عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو)، وهو الأنصاريُّ، وليس ببدريٍّ على الصحيح وإنْ عدَّه البُخاريُّ فيهم، وسيأتي تعقُّبه عليه، و (حُذَيْفَةَ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن اليماني، واسم اليماني: حُسيل أو حسل، وتَقَدَّمَ كلام النَّوويِّ: أنَّ الصحيح: إثبات الياء في (اليماني)، و (ابن العاصي)، و (ابن أبي الموالي)، و (ابن الهادي).

قوله: (إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا): وفي حديث آخر: (الجنَّة) بدل (الماء)، فيجوز _والله أعلم_ أنْ يكون عبَّر عن الجنَّة بالماء، ويجوز أنْ يكونا معه، والله أعلم.

قوله: (تُحرق): هو بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (يرَى النَّاسُ): يجوز في أوَّله ضمُّه وفتحه، وهذا ظاهِرٌ، وكذا الثانية.

قوله: (وَأُجَازِيهِمْ): قال الدِّمْيَاطيُّ: صوابه: (أتجازاهم)، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: تجازيتُ دَيني على فلان؛ إذا تقاضيتَه، والمتجازي: المتقاضي، هذا في الهامش عن الدِّمْيَاطيِّ.

قوله: (فَأُنْظِرُ): هو بضَمِّ الهمزة، وكسر الظاء، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ؛ أي: أؤخِّر.

قوله: (إِنَّ رَجُلًا حَضَرَهُ الْمَوْتُ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، وهو من بني إسرائيل كما أخرجه البُخاريُّ هنا.

قوله: (وَأَوْقِدُوا): هو بفتح الهمزة، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَامْتحشْتُ): يجوز ضمُّ التاء وكسر الحاء المُهْمَلَة، ويجوز فتح التاء والحاء، والتاء في آخره مضمومة؛ تاء المتكلم؛ ومعناه: اسودَّيتُ وانقبضتُ.

قوله: (يَوْمًا رَاحًا): هو بالراء والحاء المُهْمَلَة؛ أي: ذا ريح.

قوله: (فَاذْرُوهُ): هو في أصلنا: ثُلاثيٌّ بوصل الألف، ومن حيث اللَّغة يجوز فيه الثلاثيُّ والرباعيُّ، وسيأتي، وقال شيخنا عن ابن التين: هو بوصل الألف، يُقال: ذرا الشيءُ: سقط، وذريتُه: طيَّرتُه وأذهبتُه، قال: وأمَّا [1] «أَذروه»: اُرموه؛ فهو بقطع الألف رُباعيٌّ، يقال: أذريت الرجل عن مرتبته؛ أي: رميتُه، وأذرتِ العينُ دمعها، والأوَّل أبينُ في معنى الحديث؛ لأنَّ التطيُّر والإذهاب أشبه بمعنى الحديث من الإلقاء؛ لأنَّ فيه معونةً لنسف الريح إيَّاه، انتهى.

قوله: (لِمَ فَعَلْتَ): (لِمَ)؛ بكسر اللام، وفتح الميم: استفهاميَّة، و (فعلتَ)؛ بفتح تاء المخاطب، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

==========

[1] في النسختين: (وأنا)، والتصحيح من مصدره.

[ج 1 ص 903]

(1/6545)

[حديث: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .. ]

3453# 3454# قوله: (حَدَّثَنَا [1] بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بكسر المُوَحَّدة، وبالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ (عَبْدُ اللهِ): بعده: أنَّه ابن المبارك، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (يُونُسُ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عتبة بن مسعود.

قوله: (لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح النون والزاي في أصلنا، وفي هامش أصلنا حاشية، ولفظها: ضُبِط في أصل الحافظ أبي ذرٍّ: (نَزَل)؛ بفتح النون والزاي، وهو الصواب، انتهت، وفي «شرح مسلمٍ» للنوويِّ: ضبطناه بضَمِّ النون، وكسر الزاي، هكذا ضبطناه، وفي أكثر الأصول: (نَزَلَتْ)؛ بفتح الحروف الثلاثة، وتاء التأنيث الساكنة؛ أي: حضرت المنيَّة والوفاة، وأمَّا الأوَّل؛ فمعناه: مَلَك الموت والملائكة الكرام، انتهى.

واعلم أنَّ (نزل) لازمٌ، وإذا كان كذلك؛ فلا يُبنَى منه إلَّا على قلَّةٍ؛ كما رأيته منقولًا عن سيبويه، والأكثر أو الصواب ما عُزِي لأبي ذرٍّ، والله أعلم.

[ج 1 ص 903]

قوله: (طَفِقَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر الفاء وفتحها، وأنَّ معناه: جعل، وكذا تَقَدَّمَ (خَمِيصَةً) ضبطًا ومعنًى.

(1/6546)

[حديث: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء]

3455# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ بَشَّارًا؛ بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّه بُنْدار، وتَقَدَّمَ أنَّ (مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ): هو غُنْدُر، وتَقَدَّمَ ضبطًا ومعنًى، وتَقَدَّمَ (أَبُو حَازِمٍ): أنَّه بالحاء المُهْمَلَة، وأنَّ اسمه سلمان الأشجعيُّ.

قوله: (وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي): (إنَّه)؛ بكسر همزتها، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَيَكْثُرُونَ): هو بفتح أوَّله، وضمِّ ثالثه.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

[ج 1 ص 904]

(1/6547)

[حديث: لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر]

3456# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعيد بن أبي مريم الحكم بن مُحَمَّد [1] الحافظ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وتَقَدَّمَ (أَبُو غَسَّانَ)، وأنَّه يُصرَف ولا يُصرَف، وأنَّ اسمه مُحَمَّد بن مُطَرِّف، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ): أنَّه الخُدْرِيُّ سعد بن مالك بن سنان، وتَقَدَّمَ ببعض ترجمةٍ [2].

قوله: (سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ): السَّنَن: بفتح السين المُهْمَلَة والنون، قال ابن قرقول: (سَنَن)؛ بفتح السين والنون رويناه؛ أي: طريقهم، وسَنن الطريق: نهجه، وسُنَنُه؛ بالضَّمِّ، وسَنُنُه؛ بفتح السين، وضمِّ النون، وكأنَّ هذا جمع سُنَّةٍ؛ وهي الطريقة، انتهى.

قوله: (جُحْرَ ضَبٍّ): (الجُحْر)؛ بضَمِّ الجيم، وإسكان الحاء، و (الضَّبُّ): دابَّة معروفةٌ، مُختَلَفٌ في أكلها، وقد جوَّزت السُّنَّة أكلَها، وقد أُكلت على مائدته عليه الصَّلاة والسَّلام، ولو كانت حرامًا؛ ما أُكلت على مائدته عليه الصَّلاة والسَّلام، وإنَّما خصَّ في الحديث الضبَّ؛ لأنَّ العرب تقول: هو قاض الطير والبهائم، وأنَّها اجتمعت إليه لمَّا خُلِق الإنسان، فوصفوه له، فقال الضبُّ: تصفون خلقًا يُنزِل الطيرَ من السماء، ويخرج الحوت من البحر، فمن كان ذا جناحٍ؛ فليطر، ومن كان ذا مخلبٍ؛ فليحتفر.

قوله: (الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى): هو مجرورٌ؛ لأنَّه بدل من (مَنْ) المجرورة بالإضافة، ويجوز من حيث العربيُّة الرفعُ؛ أي: هم اليهود والنصارى، ويجوز النصب [3]؛ أي: أعني: اليهود والنصارى، أو نحو ذلك.

==========

[1] زيد في (ب): (بن)، وضُرِب عليها في (أ).

[2] في (ب): (ترجمته).

[3] وهي رواية «اليونينيَّة».

[ج 1 ص 904]

(1/6548)

[حديث: ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى ... ]

3457# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الوارث بن سعيد التَّنُّوريُّ، الحافظ أبو عبيدة، وتَقَدَّمَ (خَالِدٌ): أنَّه الحَذَّاء، خالد بن مِهْرَان، وتَقَدَّمَ (أَبُو قِلَابَةَ) ضبطًا، وأنَّه عبد الله بن زيد الجَرْميُّ.

قوله: (فَأُمِرَ بِلاَلٌ): (أُمر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (بلالٌ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

==========

[ج 1 ص 904]

(1/6549)

[حديث عائشة: كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته]

3458# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): (مُحَمَّد بن يوسف): هو الفِرْيَابيُّ، وقد قَدَّمْتُ الفرق [بينه] وبين مُحَمَّد بن يوسف البُخاريِّ البيكنديِّ، وذكرت الأماكن التي روى فيها البُخاريُّ عن البيكنديِّ في أوائل هذا التعليق، و (سفيان): هو الثَّوْريُّ، و (الأَعْمَشُ): هو سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ، تَقَدَّمَ مرارًا، و (أَبُو الضُّحَى): تَقَدَّمَ أيضًا مرارًا أنَّ اسمه مسلم بن صُبَيح؛ بضَمِّ الصاد المُهْمَلَة، وفتح المُوَحَّدة.

قوله: (كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ [1] يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ ... ) إلى آخره: تَقَدَّمَ الكلام على الاختصار في الصلاة في بابه في (الصلاة)، ولأيِّ [2] شيء كُرِه.

قوله: (تَابَعَهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ): الضمير في (تابعه) يعود على سفيان، وإنَّما أتى بمتابعة شعبة؛ لأنَّ سفيان الثَّوْريَّ مُدلِّسٌ، وقد عنعن، وإنْ كان شعبة قد عنعن إلَّا أنَّ شعبة تَقَدَّمَ كلامه في التدليس، وأنَّه أخو الكذب، وقال: لَأَنْ أزني أحبُّ إليَّ من أنْ [3] أدلِّس، وهذا مبالغةٌ في التنفير عنه، والله أعلم، ومتابعة شعبة لَمْ أرها في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يعزها شيخنا.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (الْمُصَلِّي)، وانظر هامشها.

[2] في (ب): (ولأن)، وهو تحريفٌ.

[3] (أن): سقط من (ب).

[ج 1 ص 904]

(1/6550)

[حديث: إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة ... ]

3459# قوله: (مَنْ يَعْمَلُ لِي): يجوز في لام (يعمل) الجزم على أنَّ (مَن) شرط، ويجوز إسكانها أيضًا على إدغام المثل في المثل، ويجوز ضمُّها.

قوله: (أَلاَ لَكُمُ الأَجْرُ): (أَلَا): هي التي للاستفتاح.

==========

[ج 1 ص 904]

(1/6551)

[حديث: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها]

3460# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن المَدينيِّ، الحافظ الناقد، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن عُيَيْنَة، و (عَمْرو): تَقَدَّمَ أنَّه ابن دينار.

قوله: (قَاتَلَ اللهُ فُلاَنًا): (فلان) المشار إليه: تَقَدَّمَ أنَّ اسمه سَمُرة بن جندب رضي الله عنه، كذا قاله الخطيب البغداديُّ، وقال شيخنا عن المحبِّ الطَّبَريِّ: إنَّه [1] جابر بن سَمُرة، ثُمَّ رأيته في كلام المحبِّ في «الأحكام»، وقد تَقَدَّمَ الجواب عن فعله ذلك في (البيوع).

قوله: (فَجَمَّلُوهَا): هو بالجيم، يقال: جمَّله وأجمله، رُباعيٌّ وثلاثيٌّ؛ إذا أذابه.

قوله: (تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): الضمير في (تابعه) يعود على عُمر رضي الله عنه، وحديث أبي هريرة أخرجه البُخاريُّ ومسلم؛ كلاهما في (البيوع)، ومتابعة جابر [2].

==========

[1] في (ب): (اسمه).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ.

[ج 1 ص 904]

(1/6552)

[حديث: بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج]

3461# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو [1] عَاصِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيلُ، كما سمَّاه ونسبه هنا، وتَقَدَّمَ لِمَ لقب بالنَّبيل، وتَقَدَّمَ (الأَوْزَاعِيُّ): أنَّه أبو عَمرو عبد الرَّحْمَن بن عَمرو، وتَقَدَّمَ لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ (أَبُو كَبْشَةَ): أنَّه بالموحدة، وبالشين المُعْجَمَة، قال البُخاريُّ وأبو حاتم: لَمْ يسمَّ، وقال عَبْد الغَنيِّ في «الأوهام» التي أخذها على الحاكم [2]، وقال: أبو كبشة السلوليُّ [3]: اسمه البراء بن قيس، فوَهِم؛ لأنَّ أبا كبشة السلوليَّ شاميٌّ، والبَراء بن قيس سَكونيٌّ كوفيٌّ، يُكنَّى: أبا كيِّسة، مثلها في الخط إلَّا أنَّه بالياء باثنتين من تحتها، وسين مهملة، وأمَّا ابن ماكولاء؛ فقال: بباء [4]، وشين معجمة، ومن قال غيرَه؛ فقد صحَّف، هو البراء بن قيس السكونيُّ، وذكر الذَّهَبيُّ في «المشتبه» أبا كبشة السلوليَّ، ولم يسمِّه، وأنَّه بالموحدة والشين المُعْجَمَة، ثُمَّ ذكر أبا كيِّسة؛ بالمُثَنَّاة تحت، وبالسين المُهْمَلَة، فقال: البراء بن قيس، وقال فيه مسلم والدَّارَقُطْنيُّ: أبو كبشة؛ بمعجمة، انتهى، وقد تَقَدَّمَ في (البيوع).

[ج 1 ص 904]

قوله: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً): قال ابن حِبَّانَ في «صحيحه»: فيه دليلٌ على أنَّ السنن يقال لها: آيٌ، وفيه نظرٌ؛ إذ القرآن ممَّا بُلِّغ، والله أعلم.

قوله: (وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ): ذكر الخطيب البغداديُّ في «آداب المحدِّث» ما لفظه: روي عن الشَّافِعيِّ رضي الله عنه أنَّ معنى حديث: «حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»؛ أي: لا بأس أنْ تحدِّثوا عنهم ما سمعتم وإن استحال أن يكون في هذه الأمَّة؛ مثل: ما روي أنَّ بناءهم يطول، والنار التي تنزل من السماء فتأكل القربان، انتهى، ليس معناه أن يحدَّث عنهم بالكذب.

وقال بعض العلماء: إنَّ قوله: (ولا حرج) في موضع الحال؛ أي: حدِّثوا عنهم حيث لا حرجَ في التحديث عنهم؛ كما حُفِظ عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من أخبارهم، وفي معنى هذا الحديث غيرُ ما ذكرت، ويكفي هذا، وقد ذكر شيخنا في «شرحه» فيه أقوالًا كثيرةً، فإنْ أردتها؛ فانظرها.

قوله: (وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ): تَقَدَّمَ الكلام على تحريم الكذب على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وما يتعلَّق به في (كتاب العلم) من هذا التعليق؛ فانظره فإنَّه مفيدٌ.

==========

[1] (أبو): سقط من (ب).

[2] في (ب): (الخاتم)، وهو تحريفٌ.

[3] (أبو كبشة السلولي): سقط من (ب).

[4] في (ب): (بياء)، وهو تصحيفٌ.

(1/6553)

[حديث: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم]

3462# قوله: (عَنْ صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن كيسان، وكذا تَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ [1]): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة [2] على قول الأكثر.

قوله: (لاَ يَصْبُغُونَ): في بائه ثلاثة أوجه: الضمُّ، والفتح، والكسر.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (ابْنِ شِهَابٍ).

[2] (السبعة): ليس في (أ).

[ج 1 ص 905]

(1/6554)

[حديث: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح]

3463# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ): قال الجَيَّانيُّ في «تقييده»: قال _أي: البُخاريُّ_ في (ذكر بني إسرائيل): (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا [2] حجَّاج بن منهال)، فذكر هذا المكان، قال الحاكم أبو عبد الله: (مُحَمَّد) في هذا الإسناد: هو مُحَمَّد بن يحيى الذُّهْليُّ، ونسبه ابن السكن عن الفِرَبْريِّ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مَعْمَر: حَدَّثَنَا حجَّاج) بالحديث المذكور، قلت: وقد أخرج البُخاريُّ عن مُحَمَّد بن مَعْمَر في (الجمعة) وفي (الرقائق): عن أبي عاصم النَّبيل ورَوح بن عبادة، ومُحَمَّد بن مَعْمَر هذا: مشهورٌ بالرواية عن الحَجَّاج بن منهال، وقد ذكر البُخاريُّ هذا الحديث أيضًا في (كتاب الجنائز)، فعلَّقه، فقال: (وقال حجَّاج بن مِنهال: حَدَّثَنَا جَرِير عن الحسن: حَدَّثَنَا جندب بهذا)، ثُمَّ ساق الجَيَّانيُّ الحديث المذكور بسندٍ لنفسه إلى حجَّاج بن مِنهال به، ولم ينسبه المِزِّيُّ في «أطرافه»، انتهى.

وأمَّا شيخنا العِرَاقيُّ؛ فذكر في «النكت» أنَّه اختُلِف في (مُحَمَّدٍ) هذا؛ فقيل: ابن يحيى الذُّهليُّ، قال: وهو الظاهر، فإنَّه روى عن حجَّاج بن مِنهال، والبُخاريُّ عادتُه لا ينسبه إذا روى عنه؛ إمَّا لكونه من أقرانه، أو لما جرى بينهما، وقيل: هو مُحَمَّد بن جعفر السِّمنانيُّ، انتهى، فاستفدنا من قول شيخنا قولًا ثالثًا؛ وهو السِّمنانيُّ، وهو أبو جعفر مُحَمَّد بن جعفر القُومسيُّ [3] السِّمنانيُّ الحافظ، يروي عن أبي نُعَيم وطبقته وجماعة، وعنه: البُخاريُّ، والتِّرْمِذيُّ، وابن ماجه، وابن خزيمة، وطائفة، ولم أرَ فيه جرحًا ولا تعديلًا، إلَّا أنَّ البُخاريَّ أخرج له محتجًّا به، وهذا [4] توثيق، والله أعلم.

قوله: (حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو بضَمِّ الدال وفتحها، جندب بن عبد الله بن سفيان البَجَليُّ ثُمَّ العَلَقيُّ، ويُنسَب إلى جدِّه، صَحَابيٌّ رضي الله عنه، روى عنه: الحسن، وأبو عمران الجَوْنيُّ، وعبد الملك بن عُمير، تُوُفِّيَ سنة (64 هـ)، أخرج له الجماعة.

قوله: (فَمَا رَقَأَ الدَّمُ): (رقأ): مهموز الآخر.

قوله: (حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ): يحتمل أنَّ هذا الرجل كان كافرًا فحُرِّمَت عليه الجنَّة، و (حرَّمتُ)؛ بضَمِّ تاء المتكلم.

(1/6555)

[حديث أبرص وأعمى وأقرع في بنى إسرائيل]

(1/6556)

[حديث: إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى ... ]

3464# قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هذا هو همَّام بن يحيى العَوْذِيُّ، تَقَدَّمَ.

قوله: (ح) [1]: تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابةً [2] وقراءةً في أوائل هذا التعليق؛ فانظره إنْ أردته، وسيأتي في أواخر هذا التعليق.

قوله: (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ): قال الجَيَّانيُّ في «تقييده»: هكذا وقع (مُحَمَّد) غيرَ منسوبٍ لجميع الرواة، وذكر أبو نصرٍ عبد الله بن رجاء، وقال: روى عنه مُحَمَّد غيرَ منسوب في «الجامع»، قلت: ولعلَّه مُحَمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، انتهى، وفي حاشية أصلنا حاشيةٌ لفظها: قال أبو ذرٍّ: هذا ممَّا يشبه؛ مُحَمَّد الذُّهليُّ، والبُخاريُّ قد روى عن عبد الله بن رجاء، ولكن هذا الحديث عنده عن مُحَمَّد [3] عن عبد الله، انتهت، وقد نقل شيخنا تَرَجِّيَ الجيَّانيِّ [4]، ثُمَّ قال: وكذا ساقه أبو نُعَيم من حديث مُحَمَّد بن يحيى الذُّهليِّ، انتهى، والمِزِّيُّ لَمْ ينسبه في «أطرافه».

قوله: (بَدَا لِلَّهِ [5] أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (بدا)؛ بمعنى: قضى، وقيل: سبق في علم الله فأراد فعله وإظهاره، وفي «مسلم»: (أراد الله)، وقيل: صوابه: (بدأَ اللهُ) انتهى، وقال ابن قرقول: (بدأَ للهِ [6]): كذا ضبطناه عن متقني شيوخِنا؛ أي: ابتدأ الله ابتلاءهم، يقال منه: بدأ، وأبدأ لغةٌ أخرى، ورواه كثير من رواة الشيوخ: (بدا)؛ بغير همزٍ، وهو خطأٌ؛ لأنَّه من البَداء؛ وهو ظهور شيءٍ بعد أنْ لَمْ يكن قبلُ، وذلك مُحَالٌ في حقِّ الله إلَّا أنْ يُتأوَّلَ اللَّفظ على أنَّه بمعنى: أراد، على تجوُّزٍ في اللَّفظ، وقد جاء في «مسلم»: (أراد الله أنْ يبتليَهم [7]) انتهى.

وفي «النهاية» ذكره في المعتلِّ، وقال: أي: قضى بذلك ... إلى آخر كلامه، وقال السُّهَيليُّ في «روضه» لمَّا ذكر البَداء ما لفظه: وقد يجوز أنْ يقال: بَدَا له أنْ يفعل كذا، ويكون معناه: أراد، وهذا من المجاز الذي لا سبيل إلى إطلاقه إلَّا بإذنٍ من صاحب الشرع، وقد صحَّ في ذلك ما خرَّجه البُخاريُّ في حديث الثلاثة، فذكر هذا الحديث ... إلى أنْ قال: فـ (بدا) ههنا بمعنى: أراد، انتهى.

قوله: (قَدْ قَذِرَنِي): (قذِرَ): بكسر الذال المُعْجَمَة في الماضي، وفي المستقبل بفتحها.

قوله: (وَأُعْطِيَ [8] لَوْنًا حَسَنًا): (أُعطي): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (لونًا): أحد معمولي (أعطي) وهو الثاني، والأوَّل ضمير.

قوله: (الإِبِلُ أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ، هُوَ شَكَّ): الشاكُّ: هو إسحاق بن عبد الله، هو ابن أبي طلحة، وقد صَرَّحَ مسلمٌ في روايته لهذا الحديث بأنَّه هو [9] الشاكُّ.

قوله: (إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ): (إنَّ): بكسر الهمزة [10] وفتحها.

قوله: (فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ): (أُعطي): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (ناقة): تَقَدَّمَ الكلام [11] أعلاه على مثله.

(1/6557)

قوله: (عُشَرَاءَ): هو بضَمِّ العين، وفتح الشين المُعْجَمَة، ممدودٌ، وقد قَدَّمْتُ الكلام عليها في قوله: (كأصوات العشار)، فإنَّ واحده (عُشَراء).

قوله: (يُبَارَكُ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (قَذِرَنِي): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بكسر الذال المُعْجَمَة في الماضي، وفي المستقبل (يقذَر)؛ بفتحها، والله أعلم.

[ج 1 ص 905]

قوله: (شَاةً وَالِدًا): أي: قد ولدت، فمعها [12] ولدُها.

قوله: (فأَنْتَج هَذَانِ): (أَنْتَج): بفتح الهمزة، وسكون النون، ثُمَّ [13] مُثَنَّاة فوق مفتوحة، ثُمَّ جيم، قال ابن قرقول: (فنتج هذا)، وروي في «مسلم»: (فأنتج هذا)، وأنكره بعضهم، وحَكى الأخفش الوجهين (نتجت) [14] و (أنتجت) بمعنًى، ويقال: أنتجت الفرس أيضًا؛ ولدت، ونتجتُ الناقةَ أُنتجُها؛ إذا تولَّيتَ نِتاجَها، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة، ونُتجت الناقة فهي منتوجة، انتهى.

وقال ابن الأثير: (فأنتج هَذَان)، كذا جاء في الرواية (أنتج)، وإنَّما يقال: نتج، فأمَّا أنتجت؛ فمعناه: إذا حملت، أو حان نِتاجُها، وقيل: هما لغتان.

قوله: (وَوَلَّدَ هَذَا): هو بتشديد اللام، قال ابن قرقول: تولَّى ولادة ماشيته، والمولِّد والناتج لماشيته كالقابلة للنساء، وقد جاء في المرأة: ولَّدت أيضًا، وولَّدتُك؛ بمعنى: ربَّيتُك، ويقال: ولَدت كلُّ أنثى؛ بالتخفيف، وولَّدتُها؛ بالتثقيل [15]؛ إذا أنت تولَّيتَ ذلك منها، وأولد القوم: صاروا في زمان الولادة، وإذا ولَدت الماشية أيضًا: حان زمن ولادتها.

قوله: (ثُمَّ [16] إِنَّه): هو بكسر همزة (إنَّ)، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ): الظاهر عود الضمير على الأبرص؛ لأنَّه أقرب مذكورٍ؛ أي: أتاه الملَك في صورة أبرصَ [17]، وتكون الحكمة فيه _والله أعلم_ تذكيره بحالته التي كان عليها قبلُ؛ ليكون ذلك أدعى لقضاء حاجته في إعطائه ما طلبه، ويترجَّح هذا؛ لأنَّه جاء الأعمى في صورته وهيئته، وصورة الملَك ما كان الأعمى يدركُها، لكن في بعض طرق الحديث كما هنا [18]: (فمسحه فردَّ الله إليه بصره، وحين ردَّ الله بصره إليه رآه)، والله أعلم، ويحتمل عودُه إلى الملَك، وتكون الحكمة فيه تذكيرَه بصورة ذاك الرجل وهيئته الذي جاءك الخير على يديه، ولم أر في ذلك كلامًا لأحدٍ.

قوله: (تَقَطَّعَتْ [19] بِيَ الْحِبَالُ): أخرجه ابن قرقول في (الجيم مع المُوَحَّدة)، فقال: تقطَّعت بي الجبال، كذا رواه المهلَّب عن القابسيِّ، ومعناه: الجبال التي [20] قطعها في طلب الرزق، وفي رواية بعضهم: (تقطَّعتُ في الجبال)؛ بالجيم أيضًا، لكن بضَمِّ التاء، ورواه رواةُ [21] مسلمٍ وعامَّةُ رواة البُخاريِّ وحاتمٌ عن القابسيِّ بالحاء المُهْمَلَة فيهما والباء بواحدة، إلَّا أنَّ عند ابن السكن في مكانٍ: (بي)؛ ومعناه: الأسباب الموصلة إلى الرزق والطرق المسلوكةُ في طلبه؛ كما قال تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166].

(1/6558)

و (الحبل): رملٌ مستطيل، وقد رواه بعض رواة مسلمٍ: (الحِيال)؛ جمع (حيلة)، ومعناه: الحيَل والتسبُّب للرزق، وكذا جاء في أصل القاضي التميميِّ: (الحيَل) في اللَّفظة الأولى، ثُمَّ كتب عليها: (الحِيال) [22] انتهى، ولم يذكر فيه بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين في بعض مؤلَّفاته غيرَ أنَّه بالحاء المُهْمَلَة وبالموحدة، والله أعلم.

قوله: (فَلاَ بَلاَغَ): أي: فلا وصول إلى ما أريد.

قوله: (أَتَبَلَّغُ): هو مَرْفُوعٌ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (يَقْذَرُكَ النَّاسُ): تَقَدَّمَ أنَّ (يقذَر) في المستقبل بفتح الذال المُعْجَمَة.

قوله: (لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ [23]): كذا في أصلنا، وفي أصل الدِّمْيَاطيِّ وكذا غيره: (كابرًا عن كابر): (كابر): هو بالباء المُوَحَّدة، قال الجوهريُّ: وقولهم: توارثوا المجدَ كابرًا عن كابر؛ أي: كبيرًا عن كبيرٍ في العزِّ والشرف، انتهى، وفي نسخة شيخنا أبي جعفر: (أكابر عن كابر)، وقد حمله بُخْلُه على نسيان نعمة الله عليه أو جحدِها، وعلى الكذب، والله أعلم.

قوله: (إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا؛ فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ): هل صار إلى ما دعا عليه الملَك إلى حالته الأولى؟ لَمْ أر في ذلك شيئًا، وهذا لا يُعرف إلَّا من الحديث أو كلام صَحَابيٍّ يصحُّ عنه.

قوله: (لاَ أَجْهَدُكَ): كذا في أصلنا، وفي نسخة الدِّمْيَاطيِّ: لا أحمدك اليوم على ترك شيءٍ أو إبقائه؛ لطيب نفسي بما تأخذه، انتهى كلام الدِّمْيَاطيِّ، وقال ابن قرقول في (الجيم والهاء): كذا لأكثر شيوخنا، وعن ابن ماهان: (لا أحمدُك)؛ من الحمد، وكذا هو في «البُخاريِّ» بلا خلاف، ومعنى (لا أجهدك): لا أشقُّ عليك في ردِّك في شيءٍ تأخذه أو تطلبه من مالي، ومعنى (لا أحمدك) أي: على ترك شيءٍ ممَّا تحتاج إليه من مالي وإبقائه عندي؛ كما قيل: ليس على طول الحياة ندم؛ أي: على فوت طول الحياة ندم، ولمَّا لَمْ يتَّضح لبعضهم هذه المعاني؛ قال: لعله (أحدُّك) بإسقاط الميم؛ أي: لا أمنعك شيئًا، وهذا تكلُّفٌ وتغييرٌ للرواية من غير ضرورة.

قوله: (أَمْسِكْ): هو بقطع الهمزة، رُباعيٌّ، ويجوز فيه الثلاثيُّ، وهو قليلٌ.

قوله: (فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ): هو بضَمِّ التاء الأولى، وكسر اللام، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

==========

[1] (ح) ليست في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

[2] زيد في (ب): (وضبطًا).

[3] زيد في (ب): (عن مُحَمَّد)، وهو تكرارٌ.

[4] في النُّسخَتَينِ مضبوطًا: (الباجي)، وهو تحريفٌ، والمثبت من مصدره، ويعني: الترجِّي المستفاد من قوله: (لعلَّه محمَّد بن يحيى الذهليُّ)، والله أعلم.

[5] في (ب): (الله)، وفي (ق): «بدأ لله عز وجل»، وفي هامشها: (فائد: «بدا» بمعنى: قضى، وقيل: سبق علمه، فأراد فعل إظهاره، وفي «مسلم»: «أراد الله»، وقيل: صوابه: بدا الله)

[6] في (ب): (الله).

[7] في (ب): (يبليهم)، وهو تحريفٌ.

[8] كذا في النُّسخَتَينِ وهامش (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» و (ق): (فأُعطيَ)؛ بالفاء.

(1/6559)

[9] (هو): سقط من (ب).

[10] في (أ): (بكسر همزة إن).

[11] زيد في (ب): (عليه).

[12] في (ب): (جمعها)، وهو تحريفٌ.

[13] زيد في (ب): (تاء).

[14] في (ب): (نتجته).

[15] في (ب): (بالتنصيل)، وهو تحريفٌ.

[16] (ثم): سقط من (ب).

[17] في (ب): (الأبرص).

[18] (كما هنا): سقط من (ب).

[19] في (ب): (لقطعت)، وهو تحريفٌ.

[20] في (ب): (الذي)، والمثبت هو الصَّواب.

[21] (رواة): سقط من (ب).

[22] في (ب): (الجبال)، وهو تصحيفٌ.

[23] في (ب): (كافر)، وهو تحريفٌ.

(1/6560)

[باب قوله تعالى: (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم)]

قوله: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى [1]: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9]): فائدةٌ: أصحاب الكهف اختُلِف في أسمائهم، فقيل: هم مَلِيخا، وكَسْلمينا، ومَرْطوش، وبرانس، وأريطانس، وأويُونس، وشَلْطَطْيُوش، وسيأتي ما يخالفه في أنَّهم ثلاثةٌ فقط، والله أعلم [2]، وقيل في اسم مدينتهم: أفوس، وسيأتي فيها خلافٌ قريبًا.

[ج 1 ص 906]

قوله: ({وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9]: الْكِتَابُ): هذا قولٌ من أقوال، وقد روي عن أنسٍ رضي الله عنه قال: {الرَّقِيمِ}: الكلب، وعن كعبٍ أنَّه اسم القرية التي خرجوا منها، وقيل: اسم الوادي، وقيل: هو صخرةٌ، ويقال: لوحٌ كُتِب فيه أسماؤهم ودينهم وقصَّتهم، وقال ابن عَبَّاسٍ: كلَّ القرآنِ أعلمُ إلَّا {الرَّقِيمِ}، و (الغِسلين) [الحاقة: 36]، و {حَنَانًا} [مريم: 13]، و (الأوَّاه) [التوبة: 114]، انتهى كلام السُّهَيليِّ.

فائدة: اسم الكلب اختُلِف فيه، فقال شيخنا: كيميل، ويقال: دين، ويقال: قِطْمير، وقيل: ريان، وقيل: صهبا، وقيل: ثور، وكان أنمر، وقيل: أصفر [3]، وفي كتاب «ليس»: اسمه قطمور [4]، وقيل: حمران، فهذه ثمانية أقوالٍ في اسمه، وفي لونه قولان، انتهى.

تنبيه: قال خالد بن معدان _وخالدٌ تابعيٌّ_: إنَّه يدخل الجنَّة، وكذا ناقة صالحٍ، وحمار العُزير، انتهى.

قوله: (الْوَصِيدُ: الْفِنَاءُ): هو بكسر الفاء وبالمدِّ، وقد تَقَدَّمَ ما (الفِناء).

قوله: (آصَدَ الْبَابَ): هو بمدِّ الهمزة.

قوله: ({أَزْكَى} [الكهف: 19]: أَكْثَرُ رَيْعًا): (أكثر): بالثاء المُثَلَّثَة، والرَّيع: بفتح الراء، وإسكان المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ عين مهملة، وهو النماء والزيادة، وأرض مَرِيعة؛ بفتح الميم، وكسر الراء: مخصبة.

==========

[1] (تعالى): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، و (قوله): ليس في «اليونينيَّة».

[2] (والله أعلم): سقط من (ب).

[3] في (ب): (صغر).

[4] في (ب): (قطمير).

(1/6561)

[حديث الغار]

قوله: (حَدِيثُ الْغَارِ): إنَّمَا ذكر حديث الغار عَقيب أصحاب الكهف؛ لأنَّ في «مسند أحمد» من حديث النعمان بن بشير، أنَّه سمع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يذكر الرقيم فقال: «إنَّ [1] ثلاثة نفرٍ كانوا في كهفٍ، فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم»؛ فذكر حديث الثلاثة الذين دعوا الله عزَّ وَجَل بصالح أعمالهم، وقال شيخنا: ذكر ابن مردويه في «تفسيره» حديثًا عن النعمان بن بشير بإسنادٍ لا يقوى: أنَّه سمع النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يحدِّث عن أصحاب الرقيم: «إنَّ ثلاثة نفرٍ دخلوا الكهف، فوقع عليهم، فقال قائل منهم: تذكَّروا أيُّكم عَمِل حسنةً ... »؛ فذكر مثله؛ أي: مثل حديث الصحيح، انتهى.

تنبيه: في «غرر التبيان»: أنَّ الكهف قرب مدينة طرسوس، وكانت قبلُ تُسمَّى أقسوس، وقيل: بين أيلة وفلسطين، وكان بابه إلى الشمال، قاله شيخنا، وبقرب رمزا مكانٌ وقريةٌ مشهورةٌ يُقال [2]: إنَّه الكهف، وقد اجتمعتُ بخادمه ورافقني من رمزا، ولمَّا قرب من القرية التي يقال [3]: إنَّ الكهف بها؛ فارقني ومضى إليها، ولعلَّه المراد في قوله [4]: (بين أيلة وفلسطين)، والله أعلم.

وذكر أبو حيَّان في «النهر» أنَّ الكهف في جهة غرناطة بقرب قرية يقال لها: لوشة [5] كهفٌ فيه موتى ومعهم [6] كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسكٌ، وقد مضت [7] القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم، ويُزعَم أنَّهم أصحاب الكهف، قال ابن عطيَّة: دخلتُ إليهم ورأيتُهم منذ سنة (504 هـ) وهم بهذه الحالة وعليهم مسجدٌ، وقريب منهم بناءٌ روميٌّ يُسمَّى الرقيم، كأنَّه قصرٌ مخلق وبقي بعض جدرانه ... إلى أن قال: وبأعلى حضرة غرناطة ممَّا يلي القبلة آثارٌ قديمةٌ، يقال لها: مدينة دقنوس، وجدنا في آثارها غرائبَ في قبورٍ ونحوها، وإنَّما سَهُل ذكر هذا مع بُعْدِه؛ لأنَّه عجبٌ يتخلَّد ذكره ما شاء الله تعالى، انتهى.

فائدة: روى ابن مردويه في «تفسيره» من حديث الحَجَّاج بن أرطاةَ إلى ابن عَبَّاس مرفوعًا: (أصحاب الكهف أعوان المهديِّ)، ذكره القرطبيُّ في «تذكرته».

==========

[1] في النُّسخَتَينِ: (إنه)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[2] في (ب): (مشهورٌ هناك).

[3] زيد في (ب): (لها).

[4] في (ب): (بقوله).

[5] في (ب): (نوشة)، وهو تحريف.

[6] في (ب): (ومعه).

[7] في (ب): (جرت).

[ج 1 ص 907]

(1/6562)

[حديث: بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر]

3465# قوله: (فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ): هو بقصر الهمزة هذا الأفصح؛ لأنَّه لازمٌ، وقد تَقَدَّمَ أن الأفصح أنَّ اللازم بالقصر والمتعدِّيَ بالمدِّ، وأنَّ هذه لغة القرآن.

قوله: (إِلاَّ الصِّدْقُ): هو بالرفع؛ لأنَّه استثناءٌ مفرَّغٌ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (عَلَى فَرَقٍ): قال الدِّمْيَاطيُّ: بفتح الراء وسكونها، والفتح أشهر، انتهى، وقد قَدَّمْتُ الكلام على الفرق، وأنَّه ثلاثة آصع، وما ذكره ابن الأثير فيه.

قوله: (مِنْ أَرُزٍّ): هو حبٌّ معروفٌ، وفيه ستُّ لغاتٍ: أَرُزٌّ، وأُرُزٌّ؛ تتبع الضمَّةُ الضمَّةَ، وأُرْزٌ، وأُرُزٌ مثل: رسْل ورسُل، ورُزٌّ، ووُنْزٌ، وهي لعبد القيس.

تنبيه: وقع هنا: (أرزٌّ)، وفي (باب من زرع بمال قومٍ بغير إذنهم): أنَّه استأجره على فرق من ذرة، ولعلَّه استأجره بفرق من أرزٍّ أو ذرةٍ، وأوفاه ذرةً أو أرزًّا [1] بشرطه، أو استأجره بصاع رزٍّ وصاع ذرةٍ، والله أعلم، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (وَأَنِّي عَمَدْتُ): هو بفتح الميم في الماضي، وكسرها في المستقبل، عكس (صَعِد)، وقد تَقَدَّمَ فيه لغةٌ أخرى؛ أي: في (عمد)؛ وهو كسر الميم في [2] الماضي، وفتحها في المستقبل، رأيتها في حاشية نسخةٍ، وقد نسب هذه اللغة إلى كتاب اللَّبليِّ «شرح الفصيح».

قوله: (فَانْسَاخَتْ [3] عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ): هو بالخاء المُعْجَمَة، كذا أحفظه، وكذا هو في أصلنا، انساخ بالُه؛ إذا اتَّسع [4]، وكذا ذكره في «النهاية» في (الخاء المُعْجَمَة)، ثُمَّ قال: (وروي بالمُهْمَلَة، وسيجيء)، وذكره في (سيح) بالمُهْمَلَة، فقال: (فانساحت)؛ أي: اندفعت واتَّسعت، ومنه: ساحة الدار، ويُروى [5] بالخاء [6]، وقد سبق، وبالصاد، وسيجيء، ثُمَّ ذكره في (صيخ): بالمُثَنَّاة تحت وبالخاء المُعْجَمَة فقال: (وانصاخت [7] الصخرة)، هكذا روي بالخاء المُعْجَمَة، وإنَّما هو بالمُهْمَلَة بمعنى انشقَّت، يقال: انصاخ الثوب؛ إذا انشقَّ من قِبَل نفسه، وألفها منقلبةٌ عن الواو، وقد تَقَدَّمَت، ولو قيل: إنَّ الصاد فيها مبدلةٌ من السين؛ لَمْ تكن الخاء غلطًا، يقال: ساخ في الأرض يسوخ ويسيخ؛ إذا دخل فيها، انتهى [8].

وقال شيخنا: قال ابن التين: هكذا روي بالخاء المُعْجَمَة، وقال الخَطَّابيُّ: صوابه بالمُهْمَلَة، وأصله: انصاحت؛ أي: اتَّسعت، يقال: انصاح الثوب انصياحًا [9]؛ إذا انشقَّ من قِبَل نفسه، قال: والصاد أخت السين، انتهى.

قوله: (يَتَضَاغَوْنَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه بالضاد والغين المعجمتين.

قوله: (فَيَسْتَكِنَّا): هو في أصلنا بتشديد النون بالقلم، قال ابن قرقول: ضبطه الأصيليُّ بتخفيف النون وضبطه غيره بشدِّها، والمعنى واحدٌ، يقال: استكان واستكنَّ، إلَّا أنَّه يلزم أن تزاد ياءٌ في رواية الأصيليِّ، ولم يذكر هنا القاضي، والمعنى: يضْعفان لعدم شربتهما، انتهى.

(1/6563)

قوله: (إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِئَةِ دِينَارٍ): كذا هنا، وفي بعض طرقه في «الصحيح»: (بعشرين ومئة دينارٍ)، ولا تنافيَ؛ فإنَّ المئة داخلةٌ في المئة وعشرين، ومَن طلب منك مئةً وعشرين؛ فقد طلب مئةً، أو استعمل اصطلاح حسابين؛ فمئة دينارٍ في حساب أناسٍ آخرين: مئةٌ وعشرون، أو أنَّها طلبتْ منه أوَّلًا مئةً وعشرين ونزلت إلى مئةٍ، أو أنَّها طلبتْ مئةً فجاءها بمئةٍ وعشرين بزيادةٍ على ما طلبتْ، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (الْخَاتمَ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر التاء وفتحها، وفيه لُغاتٌ أخرى تَقَدَّمَت.

قوله: (وَتَرَكْتُ [10] الْمِئَةَ دِينَارٍ): كذا هو مصحَّحٌ عليه، وفي نسخةٍ: (المئة الدينار)، وهذه جاريةٌ على القواعد، والأولى وقعت في غير كلمةٍ، وهي [11] إضافة المعرفة إلى النكرة، والظاهر أنَّها لغةٌ، وإنْ أنكر إضافة ذلك النحاةُ، فإنِّي رأيتها في غير كلمةٍ من كلام الصَّحَابة وغيرهم، والله أعلم.

(1/6564)

[باب من ذلك]

(1/6565)

[حديث: بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه]

3466# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافعٍ، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد الرَّحْمَن) بعده: هو الأعرج عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ [1] (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (بَيْنَمَا [2] امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا): (تُرضِع): بضَمِّ أوَّله، وكسر الضاد، رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (ابْنَهَا ... ) إلى آخره: تَقَدَّمَ الكلام على الذين تكلَّموا في المهد في (الصلاة)؛ فانظره.

[ج 1 ص 907]

قوله: (يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي) و (تَسْرِقُ): أي: هي تزني، وهي تسرق، ولو خاطبوها؛ لقالوا: تزنين وتسرقين، والله أعلم.

قوله: (وَتَقُولُ: حَسْبِي اللهُ): يريد: إذا سمعتْ ذلك.

==========

[1] (أن): سقط من (ب).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (بينا).

(1/6566)

[حديث: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش]

3467# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وكسر اللام، وإسكان المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ دال مهملة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ (ابْنُ وَهْبٍ): أنَّه عبد الله بن وهب، وأنَّه أحد الأعلام، وتَقَدَّمَ (جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): أنَّ أباه بالحاء المُهْمَلَة، و (أَيُّوب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، العالم المشهور.

قوله: (يُطِيفُ): هو بضَمِّ أوَّله رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (بِرَكِيَّةٍ): (الركيَّة): البئر، وجمعها: الركيُّ والركايا، وقال ابن قرقول: الركيُّ: البئر، وقال الأصمعيُّ: جمع ركيَّة.

قوله: (مُوقَهَا): هو بضَمِّ الميم، وإسكان الواو وبالقاف، وهو الخفُّ [1]، فارسيٌّ معرَّبٌ، قاله غير واحد، وفي «صحاح الجوهريِّ»: الذي يُلبَس فوق الخفِّ، فارسيٌّ معرَّبٌ.

قوله: (فَغُفِرَ لَهَا): (غُفر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

==========

[1] في (ب): (الحلف)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 908]

(1/6567)

[حديث: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم]

3468# قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و (حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هذا: هو ابن عوف الزُّهْرِيُّ.

تنبيه: حميد بن عبد الرَّحْمَن الحِميَريُّ ليس له روايةٌ في الكُتُب السِّتَّة عن معاوية بن أبي سفيان صخرِ بن حرب بن أُمَيَّة؛ فليُعلم.

قوله: (عَامَ حَجَّ): العام الذي حجَّ فيه معاوية _وسيجيء قريبًا من طريق أخرى: (آخر قَدْمةٍ قدِمها) _ وقال هذا الكلام هو سنة [ ... ] [1].

قوله: (فَتَنَاوَلَ قُصَّةً): القُصَّة: بضَمِّ القاف وتشديد الصاد المُهْمَلَة، ثُمَّ تاء التأنيث؛ وهو ما أقبل على الجبهة من شعر الرأس، سُمِّي بذلك لأنَّه يُقصُّ، وقال ابن دُرَيدٍ: كلُّ خُصلةٍ من الشعر قُصَّة، وقيل: القُصَّة: شعر الناصية، وهذا غيرُ الأوَّل، وقد غايَر بينهما النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ».

قوله: (حَرَسِيٍّ): هو بفتح الحاء، وكسر الراء، وبالسين المُهْمَلَتين [2]، وتشديد الياء كياء النسبة؛ كالشرطيِّ؛ وهو غلام الأمير.

قوله: (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟): هو سؤال إنكارٍ عليهم بإهمالهم إنكارَ هذا المنكر، وغفلتهم عن إنكاره وتغييره، ويحتمل _كما قال القرطبيُّ_ أن يكون ذلك منه؛ لأنَّ عوامَّ أهل المدينة أحدثت الزورَ كما في الرواية الأخرى: (إنَّكم قد أحدثتم زِي سُوءٍ).

==========

[1] بياضٌ في (أ).

[2] في (ب): (المهملة).

[ج 1 ص 908]

(1/6568)

[حديث: إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون]

3469# قوله: (عَنْ أَبِي [1] سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوفٍ، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

قوله: (مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ): كذا هنا، وفي (مناقب عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه): (من [2] بني إسرائيل)، وإيراد البُخاريِّ لهذا الحديث هنا كان ينبغي العكس؛ بذكر الطريق التي فيها: (من بني إسرائيل) هنا، وبذكر هذه في (مناقب عُمر)، ولكن عُرِف من عادته _رحمه الله_ عنه [3] أنَّه يترك الاستدلال بالجليِّ، ويذكر الخفيَّ.

قوله: (مُحَدَّثُونَ): هو بفتح الدال المُهْمَلَة المُشَدَّدة، قال القابسيُّ وغيره: تكلِّمهم الملائكة، كما قد جاء: (مكلَّمون)، قال البُخاريُّ: معنى (محدَّثون): يجري على ألسنتهم الصواب، وفي «مسلمٍ» عن ابن وهب: (ملهمون)؛ وهي الإصابة من غير نبوَّةٍ، قال ابن قُتَيْبَة: يصيبون إذا ظنُّوا وحَدَسوا [4] كأنَّه يُحدِّث بالشيء، وفي «التِّرْمِذيِّ» عن بعض أصحابه: (مفهَمون)، وقال شيخنا عن ابن التين: متفرِّسون ويستدلُّون على بعض هدي الرجل، وذكر شيخنا في (مناقب عُمر) عن أبي الحسن: تكلِّمهم الملائكة.

سؤال: وهو أنْ يقال: إنَّه علَّق «إن يكن في أمَّتي أحدٌ؛ فعمر» مع جزمه فيما تَقَدَّمَ قبلنا؟

وجوابه: أنَّ مَن قبلنا كانوا محتاجين إلى المحدَّث؛ كما كانوا محتاجين إلى نبيٍّ بعد نبيٍّ، وأمَّا هذه الأمَّة؛ فأغناهم الله تعالى برسولهم وكتابهم عن كلِّ ما سواهما، حتَّى إنَّ المحدَّث منهم كعمر [5] إنَّمَا يوجد [6] منه ما يوافق الكتاب والسُّنة، وإذا حدَّث شيئًا في قلبه؛ لَمْ يكن له أن يقبله حتَّى يعرضه على الكتاب والسُّنة، وكذلك لا يقبله إلَّا أن يوافقهما، والله أعلم.

==========

[1] (أبي): سقط من (ب).

[2] في (ب): (عن)، وهو تحريفٌ.

[3] (عنه): ليس في (ب).

[4] في (ب): (وحدثوا).

[5] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

[6] في (ب): (يؤخذ).

[ج 1 ص 908]

(1/6569)

[حديث أبي سعيد: كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعةً وتسعين إنسانًا]

3470# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأن بُنْدار، وتَقَدَّمَ الكلام في (بُنْدار) ما معناه.

قوله: (عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ): اسم أبي الصدِّيق: بكر بن عَمرو، وقيل: ابن قيس، النَّاجيُّ؛ بالنون والجيم وياء النسبة، البصريُّ، يروي عن عائشة، وأبي سعيدٍ، وابن عُمر، وعنه: الوليد بن مسلمٍ، وقَتادة، وعاصم الأحول، وآخرون، قديم الوفاة، تُوُفِّيَ قبل أنس بن مالك.

قوله: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ، وتَقَدَّمَ بعض ترجمته.

قوله: (ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا): اسم هذه القرية: نضدة، واسم القرية الأخرى: كفرة، رواه الطَّبَرانيُّ من حديث عبد الله بن عَمرو بن العاصي بإسنادٍ لا بأس به، ولم يسمِّ الرجل الذي أشار عليه بذلك، إلَّا أنَّ في بعض طرقه: أنَّه راهب أيضًا، قاله بعض الحُفَّاظ العصريِّين.

قوله: (فَنَاءَ بِصَدْرِهِ): قال ابن الأثير: (فناء): نهض، ويحتمل أنْ يكون بمعنى «نأى»؛ أي: بَعُدَ، ويقال: «ناءَ» و «نأى» بمعنًى، انتهى، وفي «المطالع» المعنى الأوَّل.

قوله: (فَوُجِدَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (فَغُفِرَ لَهُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

(1/6570)

[حديث: بينا رجل يسوق بقرةً إذ ركبها فضربها]

3471# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ الجِهبِذ، وأنَّ (سُفْيَانُ) بعده: ابن عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون قريبًا، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا سَلَمَةَ): عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، قريبًا جدًّا، وكذا (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر [1] على الأصَحِّ.

قوله: (بَيْنَما [2] رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً؛ إِذْ رَكِبَهَا): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الرجل في أوَّل (كتاب الحرث).

[ج 1 ص 908]

قوله: (تَكَلَّمُ): هو فعلٌ مضارع مَرْفُوعٌ، محذوفُ إحدى التاءين.

قوله: (ثَمَّ): هو بفتح الثاء، وتشديد الميم؛ أي: هناك، وقد تَقَدَّمَ.

قوله: (وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذا الرجل مكلِّم الذئب، وأنَّه أُهبان بن أوس، وذكرتُ الخلاف في الذي كلَّمه الذئب، وذكرتُ ما في جعل البُخاريِّ حديثَه هنا في (بني إسرائيل) في أوَّل (كتاب الحرث).

قوله: (يَوْمَ السَّبُعِ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (بضَمِّ الباء: هو عيدٌ كان لهم في الجاهلية يشتغلون فيه بأكلهم ولَعِبِهم عن مواشيهم؛ ومعناه بسكون الباء: يوم أكلي لها، يقال: سبعَ الذئبُ الغنم: أكلها) انتهى، وقد ذكرت هذه اللَّفظة بما يتعلَّق بها في أوَّل (كتاب الحرث).

قوله: (حَدَّثَنَا [3] عَلِيٌّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عليُّ بن عبد الله ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، وتَقَدَّمَ (مِسْعَر): أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين وفتح العين المُهْمَلَتين، ثُمَّ راء، وأنَّه ابن كدام، العَلَم المشهور، و (أَبُو سَلَمَةَ) تَقَدَّمَ قريبًا، وكذا (أَبُو هُرَيْرَةَ).

(1/6571)

[حديث: اشترى رجل من رجل عقارًا له]

3472# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ [1]: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): كذا في أصلنا، وفي نسخةٍ في أصلنا منسوبًا: (ابن نصر)، وتَقَدَّمَ الكلام على (إسحاق) مَن هو في (الجهاد)، ولم يذكر الجَيَّانيُّ هذا المكان، ولو وقف عليه غيرَ منسوب؛ لَقال فيه مثل ما قال في غيره من الأبواب، وراجعتُ الحديث في «أطراف المِزِّيِّ»؛ فوجدتُه قال فيه: (إسحاق ابن نصر)، والظاهر أنَّه وقع له كذلك إذ لو كان من توضيحه أو توضيح غيره؛ لقال: إسحاق: هو ابن نصر؛ كما جرت عادتهم في التوضيح، فإنَّه يوضِّح بـ (هو)، و (أنَّ)، و (يعني)، والله أعلم.

قوله: (فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ): هذا الرجل: قال الإمام أبو حامدٍ الغزاليُّ في أوائل «نصيحة الملوك»: إنَّه كسرى أنوشروان، فإنَّه ذكر مثل هذه الحكاية والحكم عنه، غير أنَّ في الحكاية: وجد كنزًا، وهذا قريب؛ وذلك لأنَّ الكنز ما لَمْ تُؤدَّ زكاته، وهذه الجرَّة كانت مدفونةً، فلم تُخرَج زكاتها، فهي كنزٌ، والله أعلم.

ثُمَّ إنِّي رأيت بعض الحُفَّاظ المعاصرين قال: لَمْ أقف على اسميهما [2]، ولا على اسم ولديهما، ولا الحاكم الذي تحاكما إليه، ثُمَّ وجدت في «المبتدأ» لوهب بن منبِّه: أنَّ الحاكم داود عليه السلام [3]، انتهى.

قوله: (أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ): (أنكحوا): بقطع الهمزة لأنَّه رُباعيٌّ، و (الغلامَ) و (الجاريةَ): منصوبان مفعولان؛ لأنَّ (نكح) متعدٍّ إلى واحد، فلمَّا أدخل عليه الهمزة؛ عدَّاه إلى اثنين، وهذه القاعدة.

قوله: (أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ): قال شيخنا: هذا الرجل لَمْ يحكم على أحد، وإنَّما أصلح بينهما، وذلك أنَّ هذا مالٌ ضائعٌ إذ لَمْ يَدَّعِهِ أحدُهما، ولعلَّهم لَمْ يكن في زمنهم بيت مالٍ؛ فظهر لهذا [4] المحكم أنَّهما أحقُّ به؛ لزهدهما وورعهما وحسن حالهما، ولِما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريَّتهما، قال: وحَكى المازريُّ خلافًا عندهم فيما إذا ابتاع دارًا أو أرضًا [5] فوجد فيها شيئًا مدفونًا؛ هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ وهذا المال تفاصيله معروفةٌ في كتب الفقه فلا نطوِّل بها، انتهى مُلَخَّصًا.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (ابْنُ نَصْرٍ).

[2] في (ب): (اسمهما).

[3] زيد في (ب): (والله أعلم).

[4] في (ب): (بهذا)، وهو تحريفٌ.

[5] (دارًا أو أرضًا): سقط من (ب)، وكتب فوقها في (أ): سقط.

[ج 1 ص 909]

(1/6572)

[حديث: الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل]

3473# قوله: (وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ): قائل ذلك هو مالكٌ، وقد روى مالك الإمام هذا الحديث عن مُحَمَّد بن المنكدر، وأبي النَّضْر مولى عُمر بن عبيد الله؛ وهو سالم بن أبي أُمَيَّة، وهو بالضاد المُعْجَمَة؛ فاعلمه.

فإن قيل: لِمَ لَمْ يعطفه على مُحَمَّد بن المنكدر بقوله: (وأبي النَّضْر مولى عمر بن عبيد الله)، بل أتى بحرف الجرِّ؛ وهو (عن)؟ والذي ظهر لي في الجواب: أنَّه لَمْ يسمعه منهما في مجلسٍ واحدٍ، بل في مجلسين؛ فلهذا عطف بقوله: (وعن)، والله أعلم.

قوله: (الطَّاعُونُ رِجْسٌ): قال ابن قرقول: وفي (أخبار بني إسرائيل) في (الطاعون رجسٌ): بالسين ههنا، والمعروف: (رجز)؛ بالزاي، وقد تَقَدَّمَ أنَّ «الرجس» يقع على العقوبة أيضًا، انتهى.

قوله: (أُرْسِلَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، بضَمِّ الهمزة، وكسر السين، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ (أبا النَّضْر) بالضاد المُعْجَمَة، وأنَّه سالم بن أبي [1] أُمَيَّة، وقوله: (إلَّا فرارًا منه): قال ابن قرقول: قوله في حديث أبي النَّضْر: (لا يخرجكم إلَّا فرارٌ [2] منه): بالرفع عند أكثر الرواة يحيى وغيره، وهو أبين؛ أي: لا يخرجكم بسبب الفرار ومجرَّد قصده، لا لغير ذلك، فإنَّ الخروج في الأسفار والحوائج مباحٌ؛ كما قال: «فلا تخرجوا فرارًا منه»، وروي: (إلَّا الفرار منه)، وكذا قال ابن أبي مريم وأبو مصعب من رواة «المُوَطَّأ»، وهكذا رواه الجوهريُّ عن يحيى بن يحيى، ورواه ابن عَبْدِ البَرِّ في «المُوَطَّأ»: (إلَّا فرارًا منه)، و (إلَّا فرارٌ منه)، قال: وكذلك كان في كتاب يحيى، قال: ولعلَّ ذلك كان من مالكٍ، وأهل العربيَّة يأبَون هذه الرواية؛ لأنَّ دخول (إلَّا) ههنا بعد النفي لإيجاب بعض ما بقي من الخروج، فكأنَّه نهى عن الخروج إلَّا للفرار خاصَّة، وهو ضدُّ المقصود، والمَنْهيُّ عنه إنَّمَا هو الخروج للفرار خاصَّةً لا لغيره، وجوَّز ذلك بعضهم، وجعل قوله: (إلَّا): حالًا للاستثناء؛ أي: لا تخرجوا إذا لَمْ يكن خروجكم إلَّا للفرار، فتطابق الروايتان؛ (فلا تخرجوا فرارًا منه) و (لا يخرجكم الفرار منه)، ووقع للقنازعيِّ ووهب بن ميسرة: (فلا يخرجكم الإفرارُ [3] منه)، وهذا وَهمٌ وتغييرٌ؛ لأنَّه لا يقال: أفرَّ لا غير، قلت: يقال: أفرَّه كذا يُفِرُّه، ومنه قول النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنْ كان يُفِرُّك من هذا الدين إلَّا كذا»، فيكون المعنى: يخرجكم إفرارُه إيَّاكم، انتهى.

(1/6573)

وقال النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» عن القاضي عياض في روايتي الرفع والنصب: إنَّها ضعيفةٌ عند أهل العربيَّة، مفسدةٌ للمعنى، ثُمَّ قال عنه ما لفظه: وقال جماعةٌ: إنَّ لفظ (إلَّا) هنا غلطٌ من الراوي، والصواب: حذفها كما هو المعروف في سائر الروايات، ثُمَّ قال القاضي: وخرَّج بعض محققي العربيَّة لرواية النصب وجهًا؛ فذكر ما قاله ابن قرقول.

غريبة وسأذكرها في (الطاعون): نقل شيخنا عن كتاب أبي الفرج الأصبهانيِّ قال: كانت العرب تقول: إذا دخل بلدًا وفيها وباءٌ؛ فإنَّه ينهق نهيق [4] الحمار، فإذا فعل ذلك؛ أَمِن من الوباء، انتهى، وفي «الصحاح» للجوهريِّ في (عشر): وتعشير الحمار: نهيقُه عشرةَ أصواتٍ في طلقٍ واحدٍ، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال: وذلك أنَّهم كانوا إذا خافوا من [5] وباء بلدٍ؛ عشَّروا كتعشير الحمار قبل أن يدخلوه، وكانوا يزعمون أنَّ ذلك ينفعهم، انتهى.

(1/6574)

[حديث عائشة: عذاب يبعثه الله على من يشاء وأن الله جعله]

3474# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته، و (يَحْيَى بْن يَعْمَرَ)؛ بفتح الميم: غير مصروفٍ؛ للعلميَّة ووزن الفعل، وذكر ابن قرقول في اليعمريِّ عن البُخاريِّ: أنَّه حُكي فيه ضمُّ الميم وفتحها، والله أعلم.

(1/6575)

[حديث: أتشفع في حد من حدود الله]

3475# قوله: (حَدَّثَنَا لَيْثٌ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن سعد الإمام، وتَقَدَّمَ (ابْن شِهَابٍ): أنَّه الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

قوله: (شَأْنُ [1] الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (اسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد، بنت أخي أبي سلمة عبدِ الله بن عبد الأسد، وكان ذلك في غزوة الفتح، قُتِل أبوها كافرًا يوم بدر، وكان حلَف لَيشربنَّ من حوض النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقاتل حتَّى وصل إلى الحوض، فأدركه حمزةُ وهو يكسره فقتله، فاختلط دمه بالماء) انتهى.

[ج 1 ص 909]

قوله: (وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ): هو بهمزة في آخره.

قوله: (إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ): (أسامةُ): مَرْفُوعٌ مفرَّغ.

قوله: (حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (حِب): بكسر الحاء المُهْمَلَة؛ أي: محبوبه.

قوله: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [2]): (من قبلكم): جارٌ ومجرورٌ ومضاف [3]، و (إنَّمَا): بكسر الهمزة؛ لأنَّها ابتدائية.

قوله: (أَنَّهُمْ كَانُوا): (أنَّهم)؛ بفتح الهمزة، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (وَايْمُ اللهِ): تَقَدَّمَ الكلام على همزتها، وأنَّها همزة وصل على الصحيح، وقيل: قطع، وتَقَدَّمَ الكلام على لُغاتِها ومعناها.

قوله: (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ [4] سَرَقَتْ ... ) إلى آخره: إنَّمَا نظَّر بابنته فاطمة؛ لما تَقَدَّمَ أنَّ السارقة اسمها فاطمة، وأنَّها قرشيَّةٌ؛ كما ابنته رضي الله عنها قرشيَّة [5].

فائدةٌ هي تنبيه: روينا في «سنن ابن ماجه» في (باب الشفاعة في الحدود) عَقِب هذا الحديث المذكور هنا ما لفظه: قال مُحَمَّد بن رمح _ومُحَمَّدٌ هذا: هو شيخ ابن ماجه في هذا الحديث نفسِه_: سمعت اللَّيث _يعني: ابن سعد_ يقول: قد أعاذها الله عزَّ وجلَّ أن تسرق، وقد أعاذها الله عزَّ وجلَّ أن تسرق، كلُّ مسلمٍ ينبغي له أن يقول هَذَا، انتهى.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (الْمَرْأَةِ).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (الذين قبلَكم).

[3] في (ب): (مضاف).

[4] زيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (ابْنَةَ مُحَمَّدٍ)، وفي (ق): (بنت)، وهي رواية أبي ذرٍّ.

[5] (قرشية): سقط من (ب).

(1/6576)

[حديث: كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا]

3476# قوله: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [1]: سَمِعْتُ رَجُلًا قَرَأَ آيَةً [2] ... )؛ الحديث: هذا الرجل الذي سمعه ابن مسعود يقرأ على خلاف قراءته لا أعرف اسمه، وتَقَدَّمَ في (الإشخاص) في كلامي ما لعلَّه [3] أن تكون هي القصَّة، فتكون الآية معيَّنةً فيها، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين المصريِّين: في «مسند أحمد» شيءٌ يُستأنَس به على أنَّ الرجل المذكور هو عَمرو بن العاصي، انتهى.

قوله: (الْكَرَاهِيَةَ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّها بتخفيف الياء، وأنَّه يقال من حيث اللغة: الكراهي؛ بغير هاء.

==========

[1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)، ثمَّ زيد فيها وفي (ق): (قال).

[2] في (ب): (رجلًا قرأته)، وهو تحريفٌ، وقوله: (آية): ليس في «اليونينيَّة»، وهي ثابتة في رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ.

[3] في (ب): (لفظه).

[ج 1 ص 910]

(1/6577)

[حديث: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون]

3477# قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ: حَدَّثَنَا أَبِي): [1] (عمر بن حفص): هو [2] ابن غِيَاث، وتَقَدَّمَ ضبط (غِيَاث)، وكذا تَقَدَّمَ (الأَعْمَشُ): أنَّه سليمان بن مِهْرَان، وكذا تَقَدَّمَ (شَقِيقٌ): أنَّه ابن [3] سلمة أبو وائل، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.

قوله: (يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ): النَّبيُّ المشار إليه: قال شيخنا: سيِّدُنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هو الحاكي والمحكيُّ عنه، وكأنَّه أوحيَ إليه بذلك قبل وقوع قصَّته يوم أحُد، ولم يعيِّن له ذلك النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلمَّا وقع له ذلك؛ تعيَّن أنَّه المعنيُّ بذلك، نبَّه عليه القرطبيُّ، انتهى.

وفي «تاريخ صاحب حماة» في أوائله عن «الكامل» لابن الأثير: أنَّ نوحًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4] كان يخنقه قومه حتَّى يُغشَى عليه، فإذا أفاق؛ قال: اللهمَّ اغفر لقومي؛ فإنَّهم لا يعلمون، وهذه القصَّة غير التي في «الصحيح»؛ لأنَّه لَمْ يُذكَر فيها خروج دمٍ ولا مسحه، والله أعلم، ولمَّا ذكر ابن شيخنا البُلْقينيِّ كلام القرطبيِّ؛ قال: وهذا متعقَّبٌ ... ؛ فذكره، وقد ذكر النَّوويُّ أنَّ هذا النَّبيَّ المشار إليه من المتقدِّمين، انتهى، وقال بعض حُفَّاظ العَصْرِ: قيل: هو نوحٌ عليه السلام، انتهى.

قوله: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجنائز).

(1/6578)

[حديث: أن رجلًا كان قبلكم رغسه الله مالًا فقال لبنيه لما حضر]

3478# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّمَ (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ.

قوله: (رَغَسَهُ اللهُ مَالًا): (رَغَسَه)؛ بفتح الراء، والغين المُعْجَمَة، والسين المُهْمَلَة، ثُمَّ هاء الضمير، قال الدِّمْيَاطيُّ: الرَّغَس: البركة والنماء والخير، ورجلٌ مرغوسٌ: كثير الخير، ورَغَسه: أكثر له وبارك له، وتقول: كانوا قليلًا فرغسهم الله؛ أي: كثَّرهم، انتهى.

قوله: (لَمَّا حُضِرَ): هو بضَمِّ الحاء، وكسر الضاد، مَبْنيٌّ؛ ومعناه [1]: حان موته.

قوله: (أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ): (أيَّ)؛ بالنصب، و (أبٍ): بالجرِّ والتنوين، وهذا ظاهِرٌ.

قوله: (فَأَحْرِقُونِي): هو بفتح الهمزة، وكسر الراء؛ لأنَّه رُباعيٌّ.

قوله: (ثُمَّ ذَرُّونِي): تَقَدَّمَ أنَّه يقال: ذراه وأذراه، ثُلاثيٌّ ورُباعيٌّ، وفي أصلنا: الثلاثيُّ، وفي نسخة في أصلنا: رُباعيٌّ.

قوله: (مَخَافَتُكَ): هو مَرْفُوعٌ، فاعل (حمل).

قوله: (وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ): هو مُعاذ بن مُعاذ [2] التميميُّ العنبريُّ الحافظ، قاضي البصرة، عن حُمَيد، والتيميِّ، وشعبةَ، وغيرهم، وعنه: ابناه: عبيد الله ومثنى، وأحمد ابن حنبل، وبُنْدار، قال أحمد: إليه المنتهى في التثبُّت بالبصرة، تَقَدَّمَ، وقد أخرج هذا الحديث المعلَّق مسلمٌ في «صحيحه»: عن عبيد الله بن مُعاذ عن أبيه بالسند هنا، وإنَّما أتى بهذا التعليق البُخاريُّ؛ لأنَّ أبا عَوانة عنعن في الأوَّل عن قَتادة، ولا أعرف الوضَّاح بالتدليس، إلَّا أنَّه عنعن، وفي عنعنة غير المُدلِّس خلافٌ؛ فأحبَّ [3] البُخاريُّ [4] أنَّ يخرج من الخلاف.

فإن قلتَ: إنَّ شعبة في المعلَّق أيضًا عنعن؟

فالجواب: أنَّ شعبة كان من أكره الناس في التدليس، وقد ذُكر عنه فيه قولتان [5]؛ إحداهما: أنَّه أخو الكذب، والثانية: لَأَنْ أزني أحبُّ إليَّ من أن أدلِّس، والله أعلم.

وحكمةٌ أخرى: وهو أنَّ قتادة مُدلِّس، وقد عنعن في السند الأوَّل، وفي المعلَّق صَرَّحَ بالسماع [من عقبة بن عبد الغافر.

الحكمة الثالثة: أنَّ عقبة بن عبد الغافر عنعن في السند الأوَّل عن أبي سعيدٍ، وإنْ لَمْ أرَ أحدًا ذكره _عقبة_ بالتدليس؛ إلَّا ليخرج من الخلاف، وفي المعلَّق صَرَّحَ بالسماع] [6].

(1/6579)

[حديث حذيفة: إن رجلًا حضره الموت لما أيس من الحياة .. ]

3479# قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ): كذا في أصلنا القاهريِّ، وكذا الدِّمَشْقيِّ، وفي «أطراف المِزِّيِّ» لمَّا طرَّف هذا الحديث؛ قال: البُخاريُّ عن موسى بن إسماعيل عن أبي عَوانة ... إلى آخره، وسيأتي خلافٌ عَقيب هذا الحديث في مكانٍ آخرَ، ولَمْ يتعرَّض له المِزِّيُّ، وكأنَّه أُسقط؛ لأنَّه ثابتٌ في بعض النُّسخ، أو لَمْ يقع له، والله أعلم، وسيأتي ما قال في ذاك الجَيَّانيُّ.

و (أبو عَوَانة): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وكذا تَقَدَّمَ (رِبْعِيُّ بْن حِرَاشٍ): أنَّه بالحاء المُهْمَلَة المكسورة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

قوله: (قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا): أمَّا (عقبة)؛ فهو عقبة بن عَمرٍو، أبو مسعود الأنصاريُّ، تَقَدَّمَ، و (حذيفة): هو ابن اليماني، تَقَدَّمَ أيضًا.

قوله: (ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا): هو بفتح الهمزة، يقال: ورى الزندُ يري وَرْيًا؛ إذا خرجت ناره، وفيه لغةٌ أخرى: وَرِيَ الزند يَرِي؛ بكسر الراء فيهما، وأوريته أنا، وكذلك: ورَّيته تورية.

[ج 1 ص 910]

قوله: (فِي يَوْمٍ حَارٍّ): كذا في أصلنا: بالراء، وفي هامش أصلنا: (حازٍّ)؛ بالزاي المُشَدَّدة، وعليه (خ) و (صح)، وأمَّا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ؛ (حار)؛ بالراء، وعليها علامة إهمالٍ ليس غير، قال ابن قرقول: بحاء مهملة وزاي مُشَدَّدة، كذا للمروزيِّ في (بني إسرائيل)، وفسَّره فقال: يحزُّ ببرده أو حرِّه، وكذا قيَّدَه الأصيليُّ عنه، وكذا لأبي ذرٍّ، وعند أبي الهيثم: (حارٍّ)؛ بالراء، وأشار بعضهم [1] إلى تفسيره بالشدَّة؛ أي: بشدَّة ريحه، وجاء في بعض الروايات عن القابسيِّ: (في يوم حانٍّ)؛ بالنون، وللنَّسَفيِّ: (حارٍّ أو راحٍ) على الشكِّ، وفي حديث مسدَّدٍ وموسى بن إسماعيل [2]: (يومًا راحًا)، وهذا [3] أصوبها، ومثله: (في يومٍ حارٍّ)؛ أي: ذو ريحٍ شديدةٍ؛ كما جاء: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18]، انتهى.

قوله: (لِمَ فَعَلْتَ): (لِمَ): بكسر اللام، وفتح الميم على الاستفهام.

قوله: (قَالَ: خَشْيَتَكَ): هو مَنْصُوبٌ في أصلنا، وتجاهه في الطرَّة: قال ابن مالك: بفتح التاء من (خشيتك) وكسرها، والفتح أعلى، انتهت، وكذا رأيت بعضهم ذكر الضبطين ولم يعزها، وكأنَّ الكسر بتقدير: (مِن) كما في رواية، ورأيت في نسخةٍ صحيحة: (خشيتَك)؛ بنصب التاء بالقلم، وعليها (صح)، وفي الهامش: (خشيتُك)؛ بضَمِّ التاء، وكُتِب عليها: (دار الذهب)؛ يعني: أنَّها كذا في نسخة دار الذهب، وإعرابهما ظاهر.

قوله: (فَغُفِرَ لَهُ): هو بضَمِّ الغين، وكسر الفاء، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

(1/6580)

قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى [4]: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: فِي يَوْمٍ رَاحٍ): كذا في أصلنا، وعليها صورة نسخة، وفي نسخة في طرَّة أصلنا عوض (موسى): (مسدد)، وعليها علامة راويها [5]، وفي هامش أصلنا بخطِّ بعض فضلاء الحنفيَّة: قال الحافظ أبو ذرٍّ: الصواب: موسى، انتهى، وفي أصلنا الدِّمَشْقيِّ: (موسى)؛ بلا نسخة.

قال أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ في «تقييده» وقد ساق هذا من طريق مسدَّد عن أبي عَوَانة: هكذا روينا هذه المتابعة عن ابن السكن، وأبي زيد [6]، وأبي أحمد، وعن بعض شيوخ أبي ذرٍّ، وفي نسخةٍ عن النَّسَفيٍّ عن البُخاريٍّ: (حَدَّثَنَا موسى: حَدَّثَنَا أبو عَوَانة) ... إلى أن قال: جعل (موسى) بدل (مسدَّد)، وكذلك عن بعض شيوخ أبي ذرٍّ، وهو الصواب؛ لأنَّه ساق الحديث أوَّلًا بكماله عن مسدَّد، ثُمَّ ساق الخلاف في لفظةٍ من المتن: عن موسى بن إسماعيل، وكذلك قال أبو ذرٍّ: والصواب: موسى، انتهى.

وقال في «المطالع»: وفي (أخبار بني إسرائيل) في حديث المحرَّق: (حَدَّثَنَا مسدَّد: حَدَّثَنَا أبو عَوانة: حَدَّثَنَا عبد الملك): كذا لجميعهم، وعند الحمُّوي: (حَدَّثَنَا موسى) مكان (مسدَّد) انتهى، ولم يتعرَّض المِزِّيُّ لهذه الطريق بالكليَّة، كما قدَّمته قريبًا؛ لأنَّ ذلك ثابتٌ في بعض النُّسخ، أو كأنَّه لَمْ يقع له، والله أعلم.

==========

[1] (بعضهم): سقط من (ب).

[2] (بن إسماعيل): عليها في (أ) علامة نسخة.

[3] في (ب): (ولهذا).

[4] عليها في (أ) علامة نسخة، وفي الهامش: (نسخة: مسدد).

[5] في (ب): (رواتها).

[6] (وأبي زيد): سقط من (ب).

(1/6581)

[حديث أبي هريرة: كان رجل يسرف على نفسه .. ]

3481# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ [2]): (عبد الله) هذا: هو المسنديُّ، و (هشام): هو قاضي صنعاء، تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ، و (مَعْمَر): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وهو ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن شهاب مُحَمَّد بن مسلم، و (حُمَيْد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هذا: تَقَدَّمَ أنَّه ابن عوف الزُّهْرِيُّ، و (أَبُو هُرَيْرَة): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ على الأصَحِّ.

قوله: (فَأَحْرِقُونِي): هو بقطع الهمزة، رُباعيٌّ، وقد تَقَدَّمَ، وهو ظاهِرٌ جدًّا.

قوله: (لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ [3]): قال ابن قرقول: بالتخفيف رويناه عن الجمهور، ورواه بعضهم: (قَدَّر)؛ بالتشديد، واختُلِف في تأويله؛ فقيل: كان رجلًا مؤمنًا بالله، لكنَّه جهل صفةً من صفاته، واختُلف هل هو بجهلها كافرٌ أم لا؟ وقيل: (قَدَر) بمعنى: قدَّر، يقال: (قدَرَ) و (قدَّر) بمعنى: ضيَّق؛ لقوله: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]، وهذان التأويلان في قوله عزَّ وجل: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] إلَّا أنَّه لا يجوز أن يُتأوَّل في يونس عليه السلام أن يجهل صفةً من صفات ربِّه، وقد قيل: إن قوله: (لئن قدر الله عليَّ): في حال دهشٍ وخوفٍ وشدَّة ذُعْرٍ، فلم يُضبَط، انتهى.

قوله: (فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ [4]): (فُعل): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (خَشْيَتُكَ): هو مَرْفُوعٌ، ورفعه ظاهر، فاعل (حمل)، والضمير مفعول.

قوله: (فَغُفِرَ [5] لَهُ): (غُفِر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

قوله: (وَقَالَ غَيْرُهُ: مَخَافَتُكَ): (غيره): قد روى هذا الحديثَ مسلمٌ من طريق الزُّهْرِيِّ، عن حُمَيد بن عبد الرَّحْمَن، عن أبي هريرة بالشكِّ: (خشيتك يا ربِّ أو مخافتك)، ورواه من طريق عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيدٍ ... ؛ فذكره، وقال: (مخافتك)؛ بغير شكٍّ، والله أعلم.

(1/6582)

[حديث: عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت]

3482# قوله: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ): (عُذِّبت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (امرأةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن نائبٌ مَنَابَ الفاعل، هذه المرأة من حِميَر كما في «مسلمٍ»، وفيه أيضًا: أنَّها من بني إسرائيل، ولهذا أخرجه البُخاريُّ هنا، والجمع بين الروايتين: لعلَّ أباها كان إسرائيليًّا وأمَّها حِميريَّة، أو بالعكس، أو أحدهما بالولاء أو الحلف والآخر بالنسب، أو أنَّها إسرائيليَّةُ النسب، سكنت مدينة حِميَر؛ وهي اليمن، وقد ذكرت ذلك في (الصلاة)، وقد كانت كافرة، لا كما نقله النَّوويُّ رحمه الله، وقد صَرَّحَ بذلك أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» في رواية، وكذا البيهقيُّ في «البعث والنشور» عن عائشة رضي الله عنها، وقد قال عياض رحمه الله: يحتمل أنَّها كانت كافرةً، وقد تَقَدَّمَ في (الصلاة).

قوله: (فِي هِرَّةٍ): (في) هنا: سببيَّة، وهذا حجَّةٌ على من أنكر مجيئَها سببيَّةً، وقد تَقَدَّمَ [1].

قوله [2]: (مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ): هو بالخاء المُثَلَّثَة بالحركات الثلاث، وشينين، معجمات: هوامُّها، وقد تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا، وقال ابن قرقول في (الحاء المُهْمَلَة مع الشين المُعْجَمَة): (حشاش الأرض أو خشيش): كذا بخاء معجمة للأصيليِّ والقابسيِّ، وعند ابن السماك عن المروزيِّ فيها بالحاء المُهْمَلَة، وكلُّه وَهمٌ إلَّا (خشاش الأرض)، وهو بالحاء المُهْمَلَة يابس النبات.

==========

[1] في (ب): (تقدمت).

[2] (قوله): سقط من (ب).

[ج 1 ص 911]

(1/6583)

[حديث أبي مسعود: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة .. ]

3483# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (زُهَيْر): تَقَدَّمَ أنَّه ابن معاوية بن حُدَيج [1]، أبو خيثمة الحافظ، و (مَنْصُورٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن المعتمر، و (رِبْعِيُّ بْن حِرَاشٍ): تَقَدَّمَ ضبط (ربعيٍّ)، وأنَّ (حِرَاشًا) بالحاء المُهْمَلَة المكسورة، وتَقَدَّمَ (أَبُو مَسْعُودٍ) عقبه: أنَّه عقبة بن عَمرٍو الأنصاريُّ البدريُّ، وأنَّ الصحيح: أنَّه لَمْ يشهدها، وإنَّما كان ينزلها فنُسِب إليها، وقد عدَّه البُخاريُّ فيهم، وسيأتي تعقُّبه.

[ج 1 ص 911]

قوله: (مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ): كذا هنا، وفي بعض طرقه في «الصحيح»: (الأولى)، قال الخَطَّابيُّ: إنَّ الحياء لَمْ يزل أمره واستعماله واجبًا منذ زمان النبوة الأولى، وإنَّه ما من نبيٍّ إلَّا وقد ندب إلى الحياء وبُعِث عليه، وإنَّه لَمْ يُنسخ فيما نُسِخ من شرائعهم؛ لأنَّه أمرٌ قد عُلِم صوابه، وبان فضله، واتَّفق العقول على حسنه، وما كان هذا صفتَه؛ لَمْ يجز عليه النسخ والتبديل.

قوله: (فَافْعَلْ مَا شِئْتَ): قال الخَطَّابيُّ في «معالمه»: فيه ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنَّ معناه معنى الخبر وإنْ كان لفظه لفظ الأمر، كأنَّه يقول: إذا لَمْ يمنعك الحياء؛ فعلتَ ما شئت؛ أي: ما تدعوك إليه نفسك من القبيح، وإلى نحو هذا ذهب أبو عبيد، وقال ثعلب: معناه: الوعيد؛ كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، وقال أبو إسحاق المروزيُّ فقيه الشَّافِعيَّة: معناه: أن تنظر؛ فإنْ كان الشيء الذي تريد أن تفعله ممَّا لا يُستحيا [2] منه؛ فافعله ... إلى آخر كلام الخَطَّابيِّ عنه.

وقال ابن الأثير: فيه تأويلان؛ أحدهما ظاهر وهو المشهور: إذا لَمْ تستحي من العيب ولم تخش العار ممَّا تفعله؛ فافعل ما تحدِّثك به نفسك من أغراضها، حسنًا كان أو قبيحًا، ولفظه أمرٌ، ومعناه توبيخٌ وتهديدٌ ... إلى آخر كلامه.

والثاني: أن يحمل الأمر على بابه، يقول: إذا كنت في فعلك آمنًا أن تستحييَ منه؛ لجريك فيه عَلى سَنَن الصواب، وليس من الأفعال التي يُستحيا منها؛ فاصنع منها ما شئت، انتهى [3].

وقال النَّوويُّ في الكلام على «أربعينه» في آخرها: معناه كذا وكذا ... ؛ فذكر نحو كلام أبي إسحاق المروزيِّ، وذكر شيخنا فيه أقوالًا؛ منها ثلاثةٌ تَقَدَّمَت، والرابع: لا يمنعك الحياء من فعل الخير، والخامس: أنَّه على طريق المبالغة في الذمِّ؛ أي: تركُك الحياءَ أعظمُ ممَّا تفعله، انتهى.

==========

[1] في (ب): (خديج)، وهو تصحيفٌ.

[2] في (ب): (يستحى).

[3] (انتهى): ليس في (ب).

(1/6584)

[حديث: بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به]

3485# قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ الكلام على من يقال له: (بُسْر) بالمُهْمَلَة، و (عَبْد اللهِ [1]) بعده: هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): تَقَدَّمَ أنَّه يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

قوله: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ): هذا الرجل لا أعرفه، ومقتضى إيراد البُخاريّ له في هذا الباب أن يكون من بني إسرائيل، ثُمَّ رأيت شيخنا قال: وزعم بعضهم أنَّ هذا الرجل قارون، انتهى، وقال ابن شيخنا البُلْقينيِّ عن السُّهَيليِّ في «مبهمات القرآن» في (الصافَّات): إنَّه الهَيْزَنُ، رجل من أعراب فارس، قال: وفي «صحاح الجوهريِّ»: أنَّه قارون، انتهى، وسأذكره مُطَوَّلًا في (اللِّباس) إن شاء الله تعالى، وإذا كان قارون؛ فقد تَقَدَّمَ أنَّه ابن عم موسى [2] أو ابن أخته، وهو من بني إسرائيل، وكذا قال بعض حُفَّاظ العَصْرِ: إنَّ أبا بكر الكلاباذيَّ ذكر في «معاني الأخبار»: أنَّه قارون، وكذا هو في «صحاح الجوهريِّ»، ثُمَّ ذكر كلام السُّهَيليِّ.

قوله: (مِنَ الْخُيَلاَءِ): تَقَدَّمَ أنَّها التكبُّر واستحقار الناس.

قوله: (فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ): هو بجيمين: كذا للكافَّة، ورواه بعضهم: بخاءين معجمتين، قال ابن قرقول: والأوَّل أصحُّ وأعرف، والتجلجل؛ بالجيم: السُّؤُوخ في الأرض مع حركةٍ واضطرابٍ، قاله الخليل، قال الأصمعيُّ: هو الذهاب بالشيء والمجيء به، وأصله التردُّد، ومنه: تجلجل في كلامه وتلجلج؛ إذا تردَّد، فأمَّا (يتخلخل) _بخاءين معجمتين كما تَقَدَّمَ_؛ فبعيدٌ هنا إلَّا أنْ يكون من قولهم: خلخلتُ العظم؛ إذا أخذتَ ما عليه من اللحم، أو من التخلُّل والتداخل خلال الأرض، قال القاضي: وقد رويناه في غير هذين الكتابين: (يتحلحل)؛ بحاءين مهملتين.

قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ): الضمير في (تابعه) يعود على يونس، و (عبد الرَّحْمَن بن خالد) هذا: هو ابن خالد بن مسافر، أمير مصرَ، عن الزُّهْرِيِّ، وعنه: مولاه اللَّيث بن سعد ويحيى بن أيُّوب، تُوُفِّيَ سنة (127 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، ومسلمٌ، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ، قال المِزِّيُّ: لَمْ يروِ مسلم لابن خالد بن مسافر في الأصول، إنَّمَا أخرج له في الشواهد، فقال في (الحدود): (ورَوى الليث بن سعد عن ابن مسافر)، وهذا منقطع، قال ابن معين: كان عنده عن الزُّهْرِيِّ كتابٌ فيه مئتا حديثٍ أو ثلاث مئة حديث، كان اللَّيث يحدِّث بها عنه، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأس، قال ابن يونس: وُلِّيَ مصر سنة ثماني عشرة، وعُزِل سنة تسع عشرة، وكان ثبتًا في الحديث، ومتابعة عبد الرَّحْمَن أخرجها البُخاريُّ في (اللِّباس) عن سعيد بن عُفَير [3]، عن اللَّيث، عن عبد الرَّحْمَن به، قال: ولم يرفعه شعيبٌ عن الزُّهْرِيِّ، والله أعلم.

==========

[1] في «اليونينيَّة»: (عبيد الله)، وانظر هامشها.

(1/6585)

[2] زيد في (ب): (عليه السلام).

[3] في (ب): (عنير)، وهو تحريفٌ.

[ج 1 ص 912]

(1/6586)

[حديث: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة]

3486# 3487# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه التَّبُوذكيُّ، وتَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى نسبته هذه، وتَقَدَّمَ (وُهَيْبٌ): أنَّه ابن خالد، و (ابْن طَاوُوس): أنَّه عبد الله بن طاووس.

قوله: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ): تَقَدَّمَ معناه في (الجمعة)، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (بَيْدَ)، و (أنَّهم)، فإنَّها بفتح الهمزة، وكذا قوله: (هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيْهِ)، وكذا على قوله: (فَغَدٌ لِلْيَهُودِ)، وكذا على قوله: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ ... ) إلى آخره، وأنَّه يوم الجمعة؛ ولهذا أخرجه البُخاريُّ ومسلمٌ في (الجمعة)؛ للزيادة التي وقعت فيه في «النَّسائيِّ» وغيره: (وهو يوم الجمعة).

==========

[ج 1 ص 912]

(1/6587)

[حديث: ما كنت أرى أن أحدًا يفعل هذا غير اليهود]

3488# قوله: (سَمِعْتُ سَعِيد بْن المُسَيّب): تَقَدَّمَ أنَّ ياء (المُسَيّب) بالكسر والفتح، وأنَّ غير والد سعيد لا يجوز في يائهِ إلَّا الفتح.

قوله: (قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ): آخر قَدْمة قدمها كان ذلك في عام [ ... ] [1].

قوله: (أُرَى): هو بضَمِّ الهمزة، وفتح الراء؛ أي: أظنُّ.

قوله: (تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ): الضمير في (تابعه) يعود على آدم؛ وهو ابن أبي إياس شيخه، و (غُنْدُر): تَقَدَّمَ ضبطه، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر، ومتابعة غُنْدُرٍ عن شعبة أخرجها مسلمٌ في (اللِّباس) عن أبي بكر ابن أبي شيبة، وابن مثنى،

وابن بَشَّار؛ ثلاثتهم عن غُنْدُر، عن شعبة به، والنَّسائيُّ في (الزينة) عن ابن مثنى وابن بَشَّار؛ كلاهما عن غُنْدُر، عن شعبة به، والله أعلم.

[ج 1 ص 912]

==========

[1] بياض في (أ).

(1/6588)

((61)) (بَابُ المَنَاقِبِ) ... إلى (باب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاء رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1]

صحَّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «تعلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم»، قال الحاكم: صحيح الإسناد، وأقرَّه الذَّهَبيُّ، أخرجه في (البرِّ والصلة)، [وأخرجه التِّرْمِذيُّ في (البرِّ والصلة)] [2]، ولفظه: «تعلَّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإنَّ [3] صلة الرحم محبَّةٌ في الأهل، مثراة في المال، منسأةٌ في الأثر»، قال التِّرْمِذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

قوله: (وَمَا يُنْهَى مِنْ [4] دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ): (دعوى الجاهليَّة): هي قولهم: يا لَفلان، كانوا يَدْعُون بعضُهم بعضًا عند الأمر الحادث الشديد، والجاهليَّة: ما قبل مبعث النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من الجهل بالله ورسوله، وبشرائع الدين، والتمسُّك بعبادة غير الله، والمفاخرة بالأحساب، والكبرياء والجَبَرُوت ... إلى غير ذلك ممَّا أذهبه الله وأسقطه ونهى عنه بما شرعه من الدين وأبانه من العلم.

قوله: (الشُّعُوبُ: النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ): اعلم أنَّ واحدَ (الشُّعوب): شَعْبٌ؛ بفتح الشين في المفرد، قال شيخنا بعد أن ضبطه بالفتح: مثل: (كَعْب)، كما قاله في «المُوعَب»، وعن ابن الكلبيِّ بالكسر، وقال الهجريُّ في «نوادره»: لَمْ يُسمَع ذلك فصيحًا، انتهى.

واعلم أنَّ العرب على ستِّ طبقات: شَعْب، وقبيلةٌ، وعِمارةٌ، وبطنٌ، وفخذٌ، وفصيلةٌ، وسُمِّيت الشُّعوب؛ لأنَّ القبائل تشعَّبت منها، وسُمِّيت القبائل؛ لأنَّ العمائر تقابلت عليها، فالشَّعْب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعِمارة تجمع البطون، والبطن يجمع الأفخاذ، والفخذ يجمع الفصائل، فيقال: مضر: شَعْب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكنانة: قبيلته، وقريش: عِمارته، وقصيٌّ: بطنه، وهاشمٌ: فخذه، وبنو العَبَّاس: فصيلته، هذا قول الزُّبَير، وقد أنشدنا شيخنا الحافظ الجِهبِذ زين الدين عبد الرحيم ابن العِرَاقيِّ لنفسه في رحلتي الثانية إلى القاهرة:

~…لِلْعَرَبِ الْعَرْبَا طِبَاقٌ عِدَّةُ…فَصَّلَهَا الزُّبَيْرُ وَهْيَ سِتَّةُ

~…أَعَمُّ [5] ذَاكَ الشَّعْبُ فَالقَبِيلَةُ…عِمَارَةٌ بَطْنٌ فَخِذْ فَصِيلَةُ

وقيل: بنو عبد المُطَّلِب: فصيلته، وعبد مَنافٍ: بطنه، وسائر ذلك كما تَقَدَّمَ، وقيل: بعد الفصيلة العشيرةُ، وليس بعد العشيرةِ شيءٌ، وقيل: الفصيلة: هي العشيرة، وقيل غير ذلك، وقال شيخنا الشارح: وقد أسلفنا عن الجوَّانيُّ أنَّه قسم العرب إلى عَشْرِ طبقاتٍ، فبدأ بالجذم، ثُمَّ الجمهور، ثُمَّ الشَّعْب، ثُمَّ القبيلة، ثُمَّ العِمارة، ثُمَّ البطن، ثُمَّ الفخذ، ثُمَّ العشيرة، ثُمَّ الفصيلة، ثُمَّ الرهط، وفي «الكامل» للمبرِّد: وذكر بعضهم بعد العِترة: الذُّرِّيَّة والأسرة.

==========

[1] في (ب) بدل مما بين قوسين: (كتاب قوله).

[2] ما بين معقوفين سقط من (ب).

(1/6589)

[3] في النسختين: (قال)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

[4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (عن).

[5] في هامش (أ): (نسخة: أجمع).

[ج 1 ص 913]

(1/6590)

[حديث ابن عباس: {وجعلناكم شعوبًا وقبائل}]

3489# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ): هذا هو ابن عيَّاش؛ بالمُثَنَّاة [1] والشين المُعْجَمَة، الأسَديُّ الحنَّاط المقرئ، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ، و (أَبُو حَصِين) بعده؛ بفتح الحاء وكسر الصاد المُهْمَلَتين: عثمان بن عاصم، وقد قَدَّمْتُ مرارًا أنَّ الكُنى بالفتح، وأنَّ الأسماء بالضَّمِّ، والله أعلم.

(1/6591)

[حديث: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم]

3490# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه: بُنْدار، وتَقَدَّمَ ما معنى (البُنْدار)، و (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) بعده: هو القَطَّان شيخ الحُفَّاظ، و (عُبَيْد اللهِ) بعده: هو عُبيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب.

==========

[ج 1 ص 913]

(1/6592)

[حديث: فممن كان إلا من مضر؟! من بني النضر]

3491# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ): هو ابن زياد، تَقَدَّمَ، و (زَيْنَبُ بِنْتُ [1] أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2]): تَقَدَّمَت رضي الله عنها، وكذا تَقَدَّمَ والدها أبو سلمة: عبد الله بن عبد الأسد، وأمُّه: برَّة عمَّة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، رضي الله عنه.

قوله: (مِنْ مُضَرَ): لا ينصرف؛ لأنَّه معدولٌ عن (ماضِر)، وفيه هنا العلميَّة والتأنيث؛ لأنَّه قبيلة، يقال له: مضر الحمراء، وأخوه ربيعة الفَرَس؛ بالإضافة فيهما [3]؛ لأنَّ أباهما أوصى لمضرَ بقبَّةٍ حمراء، ولربيعة بفرس، وقيل: إنَّمَا قيل له: مضر الحمراء، وقيل لأخيه: ربيعة الفرس؛ لأنَّهما لمَّا اقتسما الميراث؛ أُعطِيَ مضرُ الذهبَ، وهو يؤنَّث، وأُعطيَ ربيعةُ الخيلَ، وإنَّما قيل له: مضر الحمراء؛ لبياضه، والعرب تُسمِّي الأبيض: أحمر، وهو مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان، وسيجيء ذلك حيث ذكره البُخاريُّ في نسب النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأذكر هناك إنْ شاء الله تعالى وقدَّره [4] نسبَه إلى آدم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [5].

فائدة هي تنبيه: في حديث ذكره السُّهَيليُّ عن الزُّبَير بن أبي بكرٍ _ولا أدري ما حالُه_: (لا تسبُّوا ربيعة ولا مضر؛ فإنَّهما كانا مؤمنَينِ).

قوله: (مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ)، انتهى: قال بعضهم: إنَّ النَّضْر اسمه قيس، انتهى، وقريش: هو النَّضْر بن كنانة، فمن كان من ولده؛ فقرشيٌّ، وإلَّا؛ فلا، كذا قال أكثر النَّسَّابين، كذا ادَّعاه بعضهم، وقيل: إنَّه فِهر، وقيل: قريش: هو إلياس، وقيل: مضر، فهذه أربعة أقوال غريبة، حكى شيخنا في «شرح المنهاج الكبير» له قولًا خامسًا: أنَّ قريشًا قصيٌّ، وقال: حكاه الماورديُّ وغيره، انتهى، وهذا قولٌ رافضيٌّ؛ وذلك لأنَّه يلزم منه أنَّ أبا بكرٍ وعمر ليسا من قريشٍ، وإذا لَمْ يكونا من قريش؛ فلا تصحُّ إمامتهما، وهذا باطلٌ باتِّفاق المسلمين أهلِ السُّنَّة، والله أعلم.

وسُمِّي قريشًا؛ لأنَّه كان يقرش عن خلَّة الناس وحاجتهم، فيسدُّها لماله، والتقريش: التفتيش، وقيل: التجمُّع، وقيل: التجارة، وقيل: إنَّ (قريشًا) تصغير (قرش)؛ وهو حوت في البحر يأكل حيتان البحر، سُمِّيت به القبيلة أو أبوها، وقيل لغير ذلك، وقد ذكر شيخنا في ذلك أقوالًا.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (ابنة).

[2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

[3] (فيهما): سقط من (ب).

[4] (وقدره): ليس في (ب).

[5] في (ب): (عليه السلام).

[ج 1 ص 913]

(1/6593)

[حديث: نهى رسول الله عن الدباء والحنتم والمقير والمزفت]

3492# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): هو ابن إسماعيل التَّبُوذكيُّ، و (عَبْدُ الْوَاحِدِ) بعده: هو ابن زياد.

قوله: (عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذه الأواني، وهل نُسِخ الانتباذ فيها أم لا، في (كتاب الإيمان) من هذا التعليق بما فيه كفاية، والله أعلم، وقال الحافظ أبو ذرٍّ في (المُقَيَّر): صوابه بالنون، انتهى؛ يعني: النقير؛ وذلك لأنَّه عطف عليه (المُزَفَّت)، والله أعلم.

==========

[ج 1 ص 913]

(1/6594)

[حديث: تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام]

3493# 3494# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هو ابن راهويه، الإمام المشهور، و (جَرِيرٌ) بعده: هو ابن عبد الحميد، و (عُمَارَةَ): بضَمِّ العين، وتخفيف الميم، وهو ابن القعقاع، و (أَبُو زُرْعَةَ) بعده: اسمه هرم، وقيل: عبد الرَّحْمَن، وقيل: عَمرو، تَقَدَّمَ، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ على الأصَحِّ [2].

قوله: (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ): (المعادن): الأصول والبيوت، وقد تَقَدَّمَ، وكذا قوله: (إِذَا فَقهُوا)، وأنَّه بضَمِّ القاف، ويجوز كسرها؛ أي: إذا صاروا فقهاء علماء بأحكام الشرع.

قوله: (مِنْ [3] خَيْر النَّاسِ): (مِن) هنا: لبيان جنس الخير، ويصحُّ على مذهب الكوفيِّين: أنَّها زائدةٌ، قاله شيخنا.

قوله: (فِي هَذَا الشَّأْنِ): قال القاضي عياض: يحتمل أنَّ المراد به الإسلام، كما كان من عُمَرَ رضي الله عنه، وخالد بن الوليد، وعَمرو بن العاصي، وعكرمة بن أبي جهل، وسُهَيل بن عَمرو، وغيرهم من الصَّحَابة رضي الله عنهم من مسلمة الفتح وغيرهم ممَّن كان يكره الإسلام كراهيةً شديدةً، ثُمَّ لما دخل فيه؛ أخلص وأحبَّه، وجاهد

[ج 1 ص 913]

في الله حقَّ جهاده، قال: ويحتمل أنَّ المراد بالأمر والشأن: الولايات؛ لأنَّه إذا أُعطِيها عن [4] غير مسألة؛ أُعين عليها.

==========

[1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

[2] زيد في (ب): (من نحو ثلاثين قولًا).

[3] (مِن): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهي ثابتة في رواية الحديث (3496).

[4] في (ب): (من).

(1/6595)

[حديث: الناس تبع لقريش في هذا الشأن]

3495# 3496# قوله: (حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ): هذا هو المغيرة بن عبد الرَّحْمَن الحزاميُّ؛ بالزاي، و (أَبُو الزِّنَادِ): عبد الله بن ذكوان، تَقَدَّمَ، و (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز الأعرج، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

قوله: (فِي هَذَا الشَّأْنِ): يعني: الخلافة؛ لأنَّ الناس في الجاهليَّة كانت قريش رؤوسهم، ولذلك قالوا يوم السقيفة: نحن الأمراء، قاله شيخنا، وهذا هو القول الثاني من قولَي القاضي.

قوله: (وَالنَّاسُ مَعَادِنُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه قريبًا وبعيدًا، وكذا (إِذَا فَقهُوا) بِلُغَتَيه، وكذا تَقَدَّمَ أعلاه الكلام [على] (لِهَذَا الشَّأْنِ).

(1/6596)

[باب 30]

(1/6597)

[حديث: إن النبي لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة]

3497# قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن سعيد القَطَّان، و (عَبْدُ الْمَلِكِ): هو ابن ميسرة، أبو زيد الزَّرَّاد، عن يزيد بن وهب وطاووس، وعنه: شعبة ومسعر، ثقةٌ، أخرج له الجماعة، وثَّقهُ أبو حاتم وجماعةٌ، قال ابن سعد: تُوُفِّيَ زمن خالد بن عبد الله القَسْرِيِّ [1].

تنبيهٌ: لهم عبد الملك بن ميسرة: عن عطاء بن أبي رَباح ومسافر، وعنه أبو داود الطيالسيُّ، وعبد الملك بن ميسرة: عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، وعنه عبد الملك بن مُحَمَّد الصنعانيُّ.

قوله: (فَنَزَلَتْ فِيْهِ [2]: «إِلَّا أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»): ظاهر هذا أنَّه كان قرآنًا، وهذا ليس في المصحف اليوم، فهو منسوخٌ، ويحتمل أنَّ هذا معنى القرآن الذي نزل عليه؛ لأنَّه معنى: {إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى} [الشورى: 23]، ووقع نظير هذا الاحتمال الثاني في قول حسَّان الذي أنشده مسلمٌ في «صحيحه»:

~…وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا…يَقُولُ الحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ

~…وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ جُنْدًا… ...............

إلى آخر البيت، فمعناه: قال الله معنى هذا، والله أعلم، ولم أرَ لأحدٍ في ذلك كلامًا، ويجوز نصب (قرابةَ) من غير تنوين، فيكون (بيني) مجرورًا مضافًا [3]، و (بينكم): معطوف عليه مجرورٌ، ويجوز (قرابةً)؛ بالنصب مع التنوين، (بيني): مَنْصُوبٌ على الظرف، و (بينكم): معطوف عليه، وقد رأيت ذلك في بعض النُّسخ روايتين.

(1/6598)

[حديث: من هاهنا جاءت الفتن نحو المشرق]

3498# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة، و (إِسْمَاعِيل): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي خالد، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم، و (أَبُو مَسْعُودٍ): هو عقبة بن عَمرو الأنصاريُّ، تَقَدَّمَ، وفي أصلنا نسخة عوض (أبي مسعود): (ابن مسعود)، وفي كونه (ابن مسعود) نظرٌ؛ وذلك لأنَّ المِزِّيَّ لَمْ يذكره إلَّا في مسند أبي مسعود عقبةَ بنِ عَمرو، والله أعلم.

قوله: (وَالْجَفَاءُ): هو بفتح الجيم، وبالمدِّ: غِلَظ الطَّبْع، و (الجَفاء) أيضًا: ترك الصلة والبِرِّ، فيحتمل أن يريدَ هذا، ويحتمل أن يريدَ هذا.

قوله: (فِي الْفَدَّادِينَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

قوله: (أَهْلِ): هو مجرورٌ؛ لأنَّه بدل من (الفَدَّادين).

    ج14. : التلقيح لفهم قارئ الصحيح (التلقيح على الجامع الصحيح)  لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل

    الشهير بسبط ابن العجمي (753 - 841 هـ)

    [حديث: الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر]

    3499# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

    قوله: (الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ): قال شيخنا: قال الداوديٌّ: وَهَمٌ، إنَّمَا نُسِب إليهم الجَفاء، وهما _أي: الفخر والخيلاء_ في أصحاب الخيل، انتهى، و (الخُيَلاء): (تَقَدَّمَ أنَّه التكبُّر واستحقار الناس) [1].

    قوله: (وَالإِيمَانُ يَمَانٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

    قوله: (وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ): هو بتخفيف الياء، ويجوز تشديدها على لُغَة.

    (1/6600)

    [باب مناقب قريش]

    قوله: (بَابُ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ): اعلم أنَّ قريشًا _وقد تَقَدَّمَ مَن هو قريشٌ قريبًا، ولِمَ سُمِّيَ قريشًا_ كانت لهم في الجاهليَّة مكارمُ؛ منها: السقاية، والعِمارة، والرِّفادة، والعُقاب، والحجابة، والنَّدْوة، واللِّوَاء، والمَشُورة، والإِشْناق، والقُبَّة، والأَعِنَّة، والسِّفَارة، والإيسار، والحكومة، والأموال [1] المُحَجَّرة، وكانوا ينتمون إلى الله وجيرانه، قاله شيخنا.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (والأموال)، وهو تكرارٌ.

    [ج 1 ص 914]

    (1/6601)

    [حديث: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه]

    3500# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): هو [1] ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم [2].

    قوله: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي): تَقَدَّمَ الكلام على (العاصي)، وأنَّ النَّوويَّ قال: (الصحيح: إثباتها مع «ابن أبي الموالي»، و «ابن الهادي»، و «اليماني»، و «ابن العاصي»)، وما قاله ابن الصلاح في (العاصي) فقط.

    قوله: (مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ): هذا الملك: قال القرطبيُّ عن ابن دِحية الحافظِ عُمرَ بنِ الحسن بن جُمَيِّل: لعلَّه الذي يقال له: الجهجاه، انتهى، قال بعض حفَّاظ هذا العصر: قيل: الجهجاه، انتهى، وفي «مسلم»: «لا تذهب الأيَّام والليالي حتَّى يملك رجلٌ يقال له: الجهجاه»، انتهى، قال القرطبيُّ في «تذكرته»: في غير «مسلم» رجلٌ من الموالي يقال له: جهجاه [3]، فسقط من رواية الجلوديِّ، وهو خطأ، انتهى.

    و (قحطان): من اليمن، وهو يقطن، وهو لقبه، وقيل: اسمه يقطان، وسُمِّيَ بقحطان؛ لأنَّه كان أوَّلَ من قحط أموال الناس من ملوك العرب، وقال ابن ماكولا: اسمه مُهَرِّم؛ براء مكسورة، قال السُّهَيليُّ: واختُلِف _أي: في قحطان_؛ فقيل: إنَّه ابن عابر بن شالخ، وقيل: هو ابن عبد الله أخو هود، وقيل: هو هود نفسُه، فعلى هذا القول مِن إرم، ومَن جعل العرب كلَّها من إسماعيل؛ قالوا فيه: هو ابن تيمن بن قيذر بن إسماعيل، ويقال: ابن الهمَيسع بن يمن، وقال ابن هشام: يمن: هو يعرب بن قحطان ... إلى آخر كلامه.

    قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّمَ الكلام عَلَيها إعرابًا، وفي أوَّل مَن قالها، في أوَّل هذا التعليق.

    [ج 1 ص 914]

    قوله: (إِنَّهُ [4] بَلَغَنِي ... ) إلى آخره: إنكار معاوية عليه؛ لأنَّه حَمَل الحديثَ على ظاهره، وقد يخرج قحطانيٌّ في ناحيةٍ مِن نواحي الإسلام متغلِّبًا لا خليفةً، أو يُحمَل حديثُ معاوية على الأكثر، ولهذا قال: الأمر في قريش؛ يعني: الخلافةَ، وقال ابن التين: كأنَّ المعنى: إيَّاكم وقراءةَ ما في الصُّحف التي تُؤثَر عن أهل الكتاب ما لَمْ يأتِ به الشارع، وكان عبد الله بن عَمرو قد قرأ التوراة، ويحكي عن أهلها، لا أنَّه حدَّث [5] به عن الشارع، إذ لو حدَّث به عنه؛ لما استطاع أحدٌ ردَّه؛ لأنَّه لَمْ يكن مُتَّهمًا، والله أعلم، قاله شيخنا، وسيأتي قريبًا ما يشدُّ كلام عبد الله بن عَمرو بن العاصي من كلام صاحب «المفهِم»، والله أعلم.

    قوله: (وَلاَ تُؤْثَرُ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ ومعناه: تُحفَظ وتُنقَل.

    قوله: (فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ): هو [6] جمع (أمنيَّة)، وهو [7] مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ.

    قوله: (إِنَّ هَذَا الأَمْرَ): أي: الخلافة.

    (1/6602)

    قوله: (إِلاَّ كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ): معناه: صرعه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ هذا من النوادر أن يقال: أَفْعَلتُ أنا، وفَعَلْتُ غيري، وقد قَدَّمْتُ في أوائل هذا التعليق أنَّ لهذا الفعل إخوةً؛ فانظر ذلك، كذا في أصلنا: (كبَّه الله)، وقد ألحق فيه ألف، فصار [8]: أكبَّه الله على وجهه، وعدم ثبوتها المشهورُ، لكن حكى شيخنا مجد الدين في «قاموسه»: (كبَّه: قلبه وصرعه؛ كـ «أكبَّه»، وكبكبه فأكبَّ، وهو لازمٌ مُتَعدٍّ).

    قوله: (مَا أَقَامُوا الدِّينَ): أي: مدَّة إقامتهم للدِّين، والله أعلم.

    ثُمَّ اعلم أنَّه ليس في حديث معاوية ما يردُّ حديثَ عبد الله بن عَمرو، وإنَّما أراد عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّهم أحقُّ بهذا الأمر، وأنَّه لم يُرِد أنَّه لا يوجد في غيرهم، قال صاحب «المفهِم»: هذا الذي أنكره معاويةُ على عبد الله بن عَمرو قد صحَّ من حديثِ غيرِه على ما رواه البُخاريُّ بعدُ من حديث أبي هريرة عنه عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا تقوم الساعة حتَّى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»، ولا تناقضَ بين الحديثَين؛ لأنَّ خروج هذا القحطانيِّ إذا لم تُقِم قريشٌ الدِّينَ، فيُدَالُ عليهم آخرَ الزمان، فلعلَّه هو الملك الذي يخرج عليه الدَّجَّال، انتهى، وهذا فيه نظرٌ، إنَّمَا يخرج على المهديِّ، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (ب): (أنَّه).

    [2] زيد في (ب): (الزُّهري).

    [3] في (ب): (الجهجاه).

    [4] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فإنَّه).

    [5] في (ب): (أحدث)، وهو تحريفٌ.

    [6] في (ب): (هي).

    [7] في (ب): (وهي)، والمثبت هو الصَّواب.

    [8] في النُّسخَتَينِ: (صار).

    (1/6603)

    [حديث: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي]

    3504# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) [1]: تَقَدَّمَ مرارًا كثيرةً أنَّه الفضل بن دُكَين، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثَّوْريُّ، كذا عيَّنه المِزِّيُّ في كلام أبي مسعود الآتي وإنْ كان أبو نُعَيم قد روى عنهما، وهما رويا عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، ولكن قد عيَّنه المِزِّيُّ في كلامه.

    قوله: (وَقَالَ [2] يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ [3]) [4]: هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، يروي يعقوبُ هذا عن أبيه وشعبةَ، وعنه: أحمدُ وعبدٌ، حجَّة وَرِعٌ، مات سنة (208 هـ)، وقد ذكرته قبل هذا، وذكرت أنَّه كذا أرَّخه في «التذهيب» أيضًا، وأنِّي رأيت بخطِّي: أنَّ المعروف في وفاته سنة (182 هـ)، والله أعلم.

    قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (قال أبو مسعود: «هكذا أخرجه البُخاريُّ، وحمل حديث يعقوب عن أبيه على متن حديث الثَّوْريِّ، ويعقوب يقول عن أبيه: عن صالح، عن الأعرج، عن أبي هريرة؛ بالحديث الذي أخرجه مسلمٌ، يأتي في ترجمة صالحٍ عن الأعرج»، يعني أبو مسعود رحمه الله: أنَّ رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد لهذا الحديث تخالِف روايةَ سفيان الثَّوْريِّ في المتن والإسناد؛ لأن الثَّوْريَّ يرويه عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج، كما تَقَدَّمَ، ويعقوب يرويه عن أبيه إبراهيم بن [5] سعد عن صالح بن كيسان عن الأعرج باللفظ الذي يأتي بعد هذه الترجمة، ولا يرويه عن أبيه عن جدِّه سعد بن إبراهيم عن الأعرج، كما ذكر البُخاريُّ عقيب حديث الثَّوْريِّ)، انتهى.

    قوله: (مَوَالِيَّ): هو بتشديد الياء التي للإضافة، كذا في أصلنا، وقال شيخنا عن ابن التين عن الشيخ أبي الحسن أنَّه قال: (موالي)؛ بتخفيف الياء [6]، ورُويَ بتشديدها، كأنَّه أضافهم إليه، وتحقيق القول فيهم: إمَّا أن يكتب (موالٍ)؛ بغير ياء [7]، أو يضيفهم إلى نفسه، فشدَّد الياء، وإمَّا ياء مُخَفَّفة، فلعلَّه على نيَّة الوقف، انتهى، وما قاله حسنٌ صحيحٌ.

    ==========

    [1] قوله: (حَدَّثَنَا أبو نُعَيم): مقدَّم على قوله: (حَدَّثَنَا أبو الوليد) الآتي في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهو موافق لما في رواية أبي ذرٍّ، ومخالف لما في «اليونينيَّة».

    [2] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو.

    [3] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ).

    [4] زيد في (ب): (يعقوب).

    [5] (بن): سقط من (ب).

    [6] (الياء): سقط من (ب).

    [7] (ياء): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 915]

    (1/6604)

    [حديث: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان]

    3501# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ.

    قوله: (هَذَا الأَمْرُ): يعني: الخلافة.

    ==========

    [ج 1 ص 915]

    (1/6605)

    [حديث: إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد]

    3502# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْثَ): هو ابن سعد، الإمام الجواد، أحد الأعلام، وأن (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ»، وتَقَدَّمَ مَن يقال له كضبط هذا: أنَّها القبيلة في «مسلم»، ويحيى بن عُقَيل في «مسلم»، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم، و (ابْن المُسَيّب): سعيد، تَقَدَّمَ أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

    قوله: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ [1]: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ): أمَّا (عثمان)؛ فالعِلْم محيطٌ به أنَّه عثمان بن عفَّان بن أبي العاصي بن أُمَيَّة، من بني أُمَيَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمَّا (جُبير بن مُطعِم)؛ فاسم جدِّه عديُّ بن نوفل بن عبد مناف بن قصيٍّ، فعثمان من بني عبد شمس، وجُبير من بني نوفل، بقي من أولاد عبد مناف هاشمٌ والمطَّلب.

    قوله: (شَيْءٌ وَاحِدٌ): قال ابن قرقول: كذا رُوِّيناه بالشين المُعْجَمَة بلا خلافٍ، ورواه بعضهم في غير «الصحيح»: (سَيِّء)؛ يعني: بسين مهملة مشدَّد [2] الياء، وصوَّبه الخَطَّابيُّ وقال: كذا رواه لنا ابن صالح عن ابن المنذر، قال القاضي _يعني: عياضًا_: الصواب عندي رواية الكافَّة، انتهى، وقد قَدَّمْتُ هذا أيضًا، وقال شيخنا: (شيءٌ واحدٌ): كذا الرواية، وذكره ابن التين بحذف الواو، وقال: كذا في أكثر الروايات، قال: وقلَّما يُستَعمَل (أحد) إلَّا في النفي، انتهى، وليس هذا في أصلنا، إنَّمَا فيه إثبات الواو في (واحد).

    ==========

    [1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (قال).

    [2] في (ب): (بالسين المهملة، المُشَدَّدة).

    [ج 1 ص 915]

    (1/6606)

    [حديث: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس إلى عائشة وكانت أرق شيء]

    3503# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ، وقد ساقه بعد هذا مسندًا عن عبد الله بن يوسف عن الليث به، و (أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ): هو ابن عبد الرَّحْمَن بن نوفل، أبو الأسود، يتيم [1] عروة.

    قوله: (مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ): اعلم أنَّ (زُهْرة) اسمه المغيرة بن كلاب بن مُرَّة، فيما ذكره ابن الكلبيِّ، وقال: كان يقال: صريحا قريشٍ ابنا كلابٍ، وفي «الصحاح» للجوهريِّ و «معارف ابن قُتَيْبَة»: أنَّ زُهْرة امرأةٌ يُنسَب إليها ولدها دون الأب، وهو غريبٌ.

    ويأتي قريبًا: أنَّه دخل مع عبد الرَّحْمَن بن الأسود بن عبد يغوث والمِسْوَر بن مخرمة، أمَّا المِسْوَر؛ فوالده مَخْرَمة بن نوفل بن أُهَيب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب، وأمَّا عبد الرَّحْمَن بن الأسود بن عبد [2] يغوث؛ فوالد عبد يغوث: وهب بن عبد مناف بن زُهْرة بن كلاب، والله أعلم، والمِسْوَر صَحَابيٌّ صغير، تَقَدَّمَ، وعبد الرَّحْمَن لا يصحُّ له رؤية، وشهد الحَكَمَين، له روايةٌ وقَدْرٌ وشَرَفٌ، قال ابن عَبْدِ البَرِّ: قال الواقديُّ: وُلِد على عهد النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ورَوى عن أبي بكر وعمر.

    ==========

    [1] في (ب): (تيم)، وهو تحريفٌ.

    [2] في (ب): (الأسود عبد بن)، والمثبت هو الصَّواب.

    [ج 1 ص 915]

    (1/6607)

    [حديث: كان عبد الله بن الزبير أحب البشر إلى عائشة]

    3505# قوله: (أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا): يعني: يُحجَر عليها.

    قوله: (أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟!): هو بتشديد الياء بعد الدال.

    قوله: (عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ): هو بضَمِّ تاء (كلمتُهُ)؛ تاء المتكلِّم، ويجوز تسكينها على أنَّها تاء التأنيث، وبهما ضُبِط في أصلنا.

    قوله: (فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ ... ) إلى قوله: (فَأَفْرُغَ مِنْهُ): (أفرُغَ): مَنْصُوبٌ جواب التمني، ويجوز [1] [رفعه]، قال شيخنا: يريد أنَّ النذر المُبهَم يحتمل أن ينطلق على أكثرَ ممَّا فعلَتْ؛ لأنَّها نذرت إن كلَّمت ابن الزُّبَير، فاقتحم عليها الحجاب، وأرسل إليها بعشر رقاب فأعتقتهم، ثُمَّ لَمْ تزل تعتقهم حتَّى بلغت أربعين، ثُمَّ قالت: (وَدِدْتُ ... ) إلى آخره، فلو كان شيئًا معلومًا؛ كانت متيقِّنة [2] بأنَّها أدَّته وبَرِئَت ذِمَّتُها [3]، ومشهورُ مذهبِ مالكٍ: أنَّ النذر المجهولَ لَمْ ينعقد، وتلزمه كفَّارة يمين، وقال الشَّافِعيُّ مَرَّةً: يلزمه أقلُّ ما يقع عليه الاسم، ومرَّة قال: لا ينعقد، انتهى، وسيجيء تحرير مذهب الشَّافِعيِّ [4].

    قال شيخنا: وقد صحَّ في «مسلم»: «كفَّارةُ النذر كفَّارةُ يمينٍ» [5]، ورُويَ: «مَن نذر نذرًا ولم يُسَمِّه؛ فعليه كفَّارة يمين»، ولعلَّه لَمْ يبلغها، انتهى، وقال في (باب الهجرة) من (كتاب الأدب) في قولها: (عليَّ نذر ألَّا أكلِّم ابنَ الزُّبَير أبدًا): هذا نذرٌ في غير طاعة، فلا يجب عليها شيءٌ عند مالك وغيرِه، أو يكون تقدير الكلام: عليَّ نذرٌ إن كلَّمتُ ابنَ الزُّبَير، فظاهر الكلام لا شيءَ عليه؛ لأنَّ النذرَ تَرْكُ كلامِ ابن الزُّبَير؛ لأنَّ (أنْ) والفعل في تأويل المصدر، وإِنَّمَا يوفى من هذا ما كان طاعةً؛ كالعِتق، والصلاة، والصوم، أمَّا نذرُ المعصية؛ كالزِّنَى، والمكروهِ؛ كتركِ النوافل والمباح؛ فلا يلزم الوفاء به، واختُلِف إِذَا قال: عليَّ نذرٌ لأفعلنَّ كذا، وكفَّارته كفَّارةُ يمينٍ، كما جاء في «مسلم»، وهو قول مالكٍ وغيرِ واحدٍ من التابعين، وعن ابن عَبَّاس: عليه أغلظ الكفَّارات؛ كالظهار؛ لأنَّه لَمْ يُسَمِّ اليمين بالله ولا نواها، وقيل: إن شاء؛ صام يومًا [6]، وإن شاء؛ أطعم مسكينًا، أو صلَّى ركعتين؛ لأنَّه لا تقم ذِمَّته إلَّا بالأقلِّ وكلِّ ما يصحُّ أن يُنذَر، انتهى.

    ومذهب الشَّافِعيِّ: إِذَا قال: إِذَا فعلتُ كذا؛ فعليَّ نذرٌ، أو فللَّهِ عليَّ نذرٌ، نصَّ الشَّافِعيُّ أنَّه تلزمه كفَّارة يمينٍ، وبهذا قطع صاحب «التهذيب» وإبراهيمُ المروذيُّ، وقال القاضي حسين وغيره: هذا تفريعٌ على قولنا: (تجب الكفَّارة)، فأمَّا إِذَا أوجبنا الوفاءَ؛ فتلزمه قُربةٌ من القُرَب، والتعيين إليه، ولْيَكُن ما يُعيِّنه ممَّا يلتزم بالنذر، وعلى قول التخيير: يتخيَّر بين ما ذُكِر، أو بين الكفَّارة، والله أعلم.

    قوله: (وَدِدْتُ): هو [7] بكسر الدال الأولى، وهذا ظاهِرٌ.

    (1/6608)

    [باب: نزل القرآن بلسان قريش]

    (1/6609)

    [حديث عثمان: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن]

    3506# قوله: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ): ذكر هنا أربعةَ أشخاصٍ الذين أُمِروا بكتابة المصحف، وفيما يأتي، وسأذكر في (فضائل القرآن) شخصًا آخرَ أُمِر أيضًا [1]، فتحصَّل مِن مجموع الكُتَّاب خمسةُ أشخاصٍ؛ فانظر ذلك في (فضائل القرآن).

    [قوله: (إِذَا اخْتَلَفْتُمْ ... ) إلى قوله: (فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ): أي: في الهجاء؛ كـ {التَّابُوتُ} [طه: 39] هل هو بالهاء أو بالتاء؟ وقيل: في الإعراب، ولا يبعد إرادتهما؛ وذلك لأنَّ لغة أهل الحجاز: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: 31]، ولغة تميم: {بَشَرٌ}؛ بالرفع، والله أعلم] [2].

    ==========

    [1] (أيضًا): سقط من (ب).

    [2] ما بين معقوفين سقط من (ب).

    [ج 1 ص 916]

    (1/6610)

    [باب نسبة اليمن إلى إسماعيل]

    قوله: (مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ): أمَّا (أَسلَم)؛ فهو بفتح اللام، قال السُّهَيليُّ في «روضه»: وليس في العرب أسلُم؛ بضَمِّ اللام إلَّا ثلاثة؛ اثنان منهما في قُضاعة؛ وهما أسلُم بن الحاف؛ يعني: ابن قضاعة، وأسلُم بن تدول بن تيم اللَّات بن رُفَيدة بن ثور بن كلب، والثالث في عَكٍّ: أسلُم بن القياتة [1] بن غافق بن الشاهد بن عَكٍّ، وما عدا هؤلاء فأسلَم؛ بفتح اللام، ذكره ابن حبيب في «المؤتلف والمختلف»، انتهى.

    و (أَفْصَى): بالفاء الساكنة، والصاد المُهْمَلَة المفتوحة، وفتح الهمزة، و (حارثة): بالحاء المُهْمَلَة، وبعد الراء ثاء مُثَلَّثَة، قال ابن قرقول: قوله: (منهم أَسلَم بن أَفْصَى بن حارثة): كذا لأبي ذرٍّ والنَّسَفيِّ، وعند الجُرْجانيِّ: (أسلم بن أقصى)، وهو تصحيفٌ ووَهَمٌ، وسقط للمروزيِّ: (أسلَم)، والصواب إثباته، والحديث بعده يدلُّ عليه، انتهى.

    ==========

    [1] في (ب): (القيانة).

    [ج 1 ص 916]

    (1/6611)

    [حديث: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا وأنا مع بني فلان]

    3507# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا يحيى بن سعيد القَطَّان الحافظ، شيخ الحُفَّاظ.

    قوله: (عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ): تَقَدَّمَ الكلام على قوله: (مِن أَسلَم) في (الجهاد) من عند السُّهَيليِّ، وهو كلامٌ حسنٌ؛ فانظره، و (يتناضلون): تَقَدَّمَ أيضًا، وأنَّ معناه: يترامَون بالسِّهام، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على قوله: (وَأَنَا مِنْ [1] بَنِي فُلاَنٍ)، وفي رواية تأتي: (مع ابن فلان)، تَقَدَّمَ الكلام عليها، ومَن هو (ابن فلان) في (الجهاد)، وكذا قوله: (وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ)، وما في «المستدرك»، و (كلِّكم): بالجرِّ، وهذا ظاهِرٌ.

    ==========

    [1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (مع).

    [ج 1 ص 916]

    (1/6612)

    [باب في الزجر عن ادعاء النسب]

    (1/6613)

    [حديث: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر]

    3508# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو المُقعَد، وكذا تَقَدَّمَ (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد بن ذكوان التيميُّ مولاهم، التَّنُّوريُّ، أبو عبيدة الحافظ، و (حُسَيْنٌ [1]) بعده: هو ابن ذكوان المُعلِّم، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ (يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ): أنَّه بفتح الميم، غير مصروفٍ؛ للعلميَّة ووزنِ الفعل، وذكرت عن ابن قرقول ما ذكره عن البُخاريِّ أنَّه ذكر [في] (اليعمريِّ) فتحَ الميم وضمَّها.

    قوله: (أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيَّ [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: (اسمه ظالم بن عَمرو بن سفيان، وقيل: سارق بن ظالم، وقيل: ظالم بن سارق، ولَّاه ابنُ عَبَّاس قضاءَ البصرة في خلافة عليٍّ)، انتهى، وقال غير الدِّمْيَاطيِّ: ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يَعمَر بن حَلْبَس _بفتح الحاء، وإسكان اللام، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ سين، مهملتين_ ابن نُفَاثة _بضَمِّ النون، وتخفيف الفاء، وبعد الألف ثاء مُثَلَّثَة، ثُمَّ تاء التأنيث_ ابن عليِّ بن الدُّؤَل، وقيل: اسمه ظالم بن عَمرو بن ظالم، وقيل: اسمه عَمرو بن ظالم، وقيل: عثمان بن عَمرو بن سفيان، وقال الواقديُّ: اسمه عُوَيمر بن ظُوَيلم، ترجمته معروفةٌ فلا نطوِّل بها.

    و (الدُّؤَلي)؛ بضَمِّ الدال المُهْمَلَة، وبعدها همزة مفتوحة، ومنهم من يكسرها، والصحيح المشهور فتحُها، وقيل فيه: (الدِّيْليُّ)؛ بكسر الدال المُهْمَلَة، وسكون الياء، والصحيح: أنَّه منسوب إلى القبيلة؛ الدُّؤَل، وسُمِّيَ بالدُّئِل: التي هي دُوَيبَّة معروفةٌ؛ بضَمِّ الدال، وكسر الهمزة، ولكن في النسب تُفتَح [3] مثل هذه الكسرة، كما قالوا في النسب إلى نَمِر؛ بكسر الميم: نَمَريٌّ؛ بفتح الميم، وإلى الصَّدِف؛ بكسر الدال: صَدَفَيٌّ؛ بفتحها، وله نظائرُ.

    قوله: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ): تَقَدَّمَ أنَّه جُندب بن جُنادة، وقيل غير ذلك، وسأذكره قريبًا مُطَوَّلًا، وقد تَقَدَّمَ ببعض ترجمة [4].

    ==========

    [1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (الحسين).

    [2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (الدِّيلِيَّ).

    [3] في (ب): (بفتح).

    [4] في (ب): (ترجمته).

    [ج 1 ص 916]

    (1/6614)

    [حديث: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه]

    3509# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ): هو بالمُثَنَّاة تحت، والشين المُعْجَمَة، الألهانيُّ، أبو الحسن البكَّاء، عن حَرِيز، وشعيب بن أبي حمزة، وعدَّةٍ، وعنه:

    [ج 1 ص 916]

    البُخاريُّ، والذُّهليُّ، والناس، وُلِد سنة (143 هـ)، ومات سنة (219 هـ)، وثَّقهُ النَّسائيُّ والدراقطنيُّ، أخرج له البُخاريُّ والأربعة.

    قوله: (حَدَّثَنَا حَرِيزٌ): هو حَرِيز بن عثمان، وهو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وكسر الراء، وفي آخره زاي، الرَّحَبيُّ [1] المِشْرَقيُّ الحمصيُّ، ورَحَبَة: بطنٌ من حِمْيَر، عن عبد الله بن بُسْر، وخالد بن معدان، وراشد بن سعد، وأممٍ، وعنه: يحيى الوحاظيُّ، وعليُّ بن عيَّاش، وعليُّ بن الجَعْد، ثقةٌ، له نحو مئتَي حديث، وكان ثبتًا ناصبيًّا، تُوُفِّيَ سنة (163 هـ)، أخرج له البُخاريُّ والأربعة، له ترجمة في «الميزان»، وصحَّح عليه.

    قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّصْرِيُّ): هو بالنون بلا خلاف، وهو عبد الواحد بن عبد الله بن بُسْر، واسمه كعب، وقد عُرِف جدُّه بـ (بُسْر)، أبو بُسْر النَّصريُّ الدِّمَشْقيُّ، عن أبيه، وعبد الله بن بُسْر المازنيِّ، وواثلة بن الأسقع، وعنه: الأوزاعيُّ وحَرِيز، وُثِّق، وُلِّيَ حمص والمدينة فشُكِر، قال العِجْليُّ: تابعيٌّ ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، لا يُحتَجُّ به، وقال الدَّارَقُطْنيُّ: ثقةٌ محمودُ الإمارةِ، أخرج له البُخاريُّ والأربعة.

    قوله: (وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ): تَقَدَّمَ أنَّ (واثلة) بالثاء المُثَلَّثَة، و (الأسقع) بالقاف، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

    قوله: (مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى): هو بكسر الفاء، والقصر، وضبطه بعضهم بالمدِّ والقصر: الكذبُ.

    قوله: (يُرِيَ): هو بضَمِّ الياء المُثَنَّاة تحت أوَّله، وهو رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ.

    ==========

    [1] في (ب): (الرضي)، وهو تحريفٌ.

    (1/6615)

    [حديث ابن عباس: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع]

    3510# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو ابن زيد الإمام، أبو إسماعيل، مشهور الترجمة، وتَقَدَّمَ (أَبُو جَمْرَةَ): أنَّه بالجيم والراء، واسمه نصر بن عِمران الضُّبَعيُّ، مُطَوَّلًا.

    قوله: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ): تَقَدَّمَ الكلام على الوفد، ومتى وفدوا، وكم كانوا، وقد ذكرت منهم مَن وقفت عليه في (العلم) في أوائل هذا التعليق.

    قوله: (هَذَا الْحَيَّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّ (الحيَّ) مَنْصُوبٌ على الاختصاص، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على: (آمُرُكُمْ [2] بِأَرْبَع)، وتَقَدَّمَ الكلام على الانتباذ في هذه الأواني، وهل هو منسوخ أم لا، مُطَوَّلًا في (كتاب العلم).

    ==========

    [1] كذا في النسختين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (مِن هذا الحيِّ).

    [2] في (ب): (أميركم)، وهو تحريفٌ.

    [ج 1 ص 917]

    (1/6616)

    [حديث: ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان]

    3511# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ أنَّه الحكم بن نافع مرارًا، وكذا (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

    قوله: (يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

    ==========

    [ج 1 ص 917]

    (1/6617)

    [باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع]

    (1/6618)

    [حديث: قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار]

    3512# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وضبط (دُكَين)، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) بعده: تَقَدَّمَ في الورقة التي قبل هذه أنَّه الثَّوْريُّ، وما قاله أبو مسعودٍ في أنَّه وقع في هذا الحديث للبخاريِّ كما نقله المِزِّيُّ؛ فانظره.

    [قوله: (مَوَالِيَّ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في الورقة التي قبل هذه؛ فانظره] [1].

    ==========

    [1] ما بين معقوفين سقط من (ب).

    [ج 1 ص 917]

    (1/6619)

    [حديث: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله]

    3513# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ): هو بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وفتح الراء، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء أخرى، مشهورٌ.

    تنبيهٌ: قوله: (مُحَمَّد بن غُرَيْر الزُّهْرِيُّ): كذا في أصلنا، ورأيت في نسخة صحيحة بعد (الزُّهْرِي) ما لفظه: (مِن ولد عبد الرَّحْمَن بن عوف)، انتهى، وهو صحيحٌ في نفس الأمر، هو مُحَمَّد بن غُرَيْر بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف القُرَشيُّ الزُّهْرِيُّ.

    قوله: (عَنْ صَالِحٍ): هذا هو صالح بن كيسان، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (نَافِعٌ) بعده: هو مولى ابن عُمر، و (عَبْد اللهِ) بعده: هو ابن عُمر بن الخَطَّاب.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [ج 1 ص 917]

    (1/6620)

    [حديث: أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها]

    3514# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [2] عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِي): (مُحَمَّد) هذا: قال الجَيَّانيُّ: وقال: _أي: البُخاريُّ_ في (الصلاة)، و (الجنائز)، و (المناقب)، و (الطلاق)، و (التوحيد)، وغير ذلك: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب)، نسبه ابن السكن في بعضها: ابن سلَام، وقد صَرَّحَ البُخاريُّ باسمه في (الأضاحي) وغيرِ موضع، فقال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سلَام: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب)، وذكر أبو نصرٍ أنَّ البُخاريَّ يروي في «الجامع» عن مُحَمَّد بن سلَام، وبُنْدار مُحَمَّد بن بَشَّار، وأبي موسى مُحَمَّد بن المثنَّى، ومُحَمَّد بن عبد الله بن حَوْشَب الطائفيِّ، عن عبد الوهَّاب الثَّقفيِّ، انتهى، والمِزِّيُّ لَمْ يقيِّد (مُحَمَّدًا) هذا، وأمَّا شيخنا؛ فإنَّه [3] قال: (مُحَمَّد): قيل: هو ابن سلَام، وقيل: ابن يحيى، انتهى

    ورأيت في نسخة صحيحة: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا عبد الوهَّاب الثَّقفيُّ): كذا في الأصل، وفي الحاشية ما لفظه: (ملحق في «دار الذهب»: ابن بَشَّار) انتهت.

    وقد أخرج هذا الحديثَ مسلمٌ في (الفضائل) عن مُحَمَّد بن المثنَّى، ومُحَمَّد بن بَشَّار، وسويد بن سعيد، وابن أبي عُمر؛ أربعتهم عن عبد الوهَّاب به، و (أَيُّوب) في السند: هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و (مُحَمَّد) فيه: هو ابن سيرين.

    تنبيهٌ: من اسمه مُحَمَّد ويروي عن أبي هريرة في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها: مُحَمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيميُّ، ومُحَمَّد بن إبراهيم، ويقال: يعقوب بن إبراهيم، ويقال: أبو يعقوب، ويقال: ابن يعقوب، وهو الصواب، ومُحَمَّد بن إياس بن البُكَيْر الليثيُّ المدنيُّ، ومُحَمَّد بن ثابت، يقال: إنَّه ابن شرحبيل العبدريُّ، ومُحَمَّد بن زياد الجُمَحيُّ، ومُحَمَّد بن سيرين صاحب الترجمة راوي هذا الحديث عن أبي هريرة، ومُحَمَّد بن أبي عائشة المدنيُّ مولى بني أُمَيَّة، ومُحَمَّد بن عبَّاد بن جعفر المخزوميُّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤيٍّ، ومُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن يقال: إنَّه ابن أبي ذئاب، ومُحَمَّد بن عَمرو بن عطاء العامريُّ، ومُحَمَّد بن عُمَير أحد المجهولين، ومُحَمَّد بن قيس بن مخرمة بن المُطَّلِب بن عبد مناف، ومُحَمَّد بن كعب القُرَظيُّ، ومُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب الزُّهْرِيُّ عن أبي هريرة ولم يَرَه، ومُحَمَّد بن المنكدر، والله أعلم، فرحم الله الحُفَّاظ الذين يميِّزون حديثَ هؤلاء بعضِهم من بعض.

    (1/6621)

    [حديث: هم خير من بني تميم ومن بني أسد]

    3515# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، وأنَّه ابن عقبة، و (سُفْيَانُ) بعده: الظاهر أنَّه الثَّوْريُّ؛ وذلك لأنِّي نظرتُ ترجمة قبيصة بن عقبة في كلام الحافظ عَبْد الغَنيِّ، فرأيته ذكر في مشايخه الثَّوْريَّ، ولم يذكر ابنَ عُيَيْنَة، ورأيتُ في كلام الذَّهَبيِّ في ترجمة قَبِيصة ذَكَرَ في مشايخه (سفيان) وأطلق، فحملت المطلَق على المقيَّد، والمِزِّيُّ لَمْ يميِّزه في «أطرافه»، والله أعلم.

    قوله: (ح [1]): تَقَدَّمَ الكلام عليها كتابة وتلفظًا في أوَّل هذا التعليق، وسيأتي في أواخره أيضًا.

    قوله: (وحَدَّثَنَا [2] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّه بُنْدار الحافظ، و (ابْنُ مَهْدِيٍّ): هو عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، أحد الأعلام في الحديث، و (سُفْيَان) بعده: تَقَدَّمَ قُبَيله أنَّ الظاهرَ أنَّه الثَّوْريُّ، وقد روى ابن مهديٍّ عنهما، وتَقَدَّمَ (أَبُو بَكْرَةَ) ضبطًا، وأنَّه نُفَيع بن الحارث.

    قوله: (قَالَ [3] رَجُلٌ: خَابُوا): هذا الرجل يظهر أنَّه الأقرع بن حابس، ممَّا هو مذكورٌ في الرواية بعدها.

    ==========

    [1] (ح): ليس في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

    [3] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فقال).

    [ج 1 ص 917]

    (1/6622)

    [حديث: أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة]

    3516# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ أعلاه ضبطه، وأنَّه بُنْدار، و (غُنْدرٌ) تَقَدَّمَ مرارًا ضبطه، ومَن لقَّبه به، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر.

    [ج 1 ص 917]

    قوله: (لَأَخْيَرُ [2] مِنْهُمْ): وفي نسخة: (لخيرٌ) [3]، وهذه في هامش أصلنا وعليها (صح)، و (لَأَخْيَرُ): عليها علامة راويها، وهما لُغَتان، ورأيتُ في نسخةٍ صحيحةٍ: (لَأَخْيَر) فقط وعليها (صح)، ولم يُذكَر (لا خيرَ) بالكلِّيَّة.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (لَخيرٌ).

    [3] في (ب): (بخير)، وهو تحريفٌ.

    (1/6623)

    [حديث: أسلم وغفار وشيء من مزينة وجهينة]

    3523# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ) [1]: تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، العالم المشهور، و (مُحَمَّد) بعده: ابن سيرين، وقد تَقَدَّمَ قريبًا كلُّ مَن اسمه (مُحَمَّد) ويروي عن أبي هريرة في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (قَالَ: قَالَ: أَسْلَمُ وَغِفَارُ ... ) إلى آخره: قال الدِّمْيَاطيُّ هنا: موقوفٌ على أبي هريرة، ورفعه مسلمٌ من حديث إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن أيُّوب عن مُحَمَّد، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى، وفي قول الدِّمْيَاطيِّ هذا: (موقوف) نظرٌ، واعلم أنَّ ما رواه أهل البصرة عن مُحَمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال ... ؛ فيذكر حديثًا، ولم يذكر فيه النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وإنَّما يكرِّر لفظ (قال) بعد ذكر أبي هريرة، فإنَّ الخطيب البغداديَّ قال في «الكفاية»: وقد رُويَ من طريق موسى بن هارون الحَمَّال _بالحاء المُهْمَلَة_ بسنده إلى حَمَّاد بن زيد، عن أيُّوب، عن مُحَمَّد، عن أبي هريرة قال: قال: «الملائكة تصلِّي على أحدكم ما دام في مُصَلَّاه»، قال موسى بن هارون: إذا قال حَمَّاد بن زيد والبصريُّون: (قال: قال)؛ فهو مَرْفُوعٌ، قال الخطيب: قلت للبرقانيِّ: أحسب أنَّ موسى عنى بهذا القولِ أحاديثَ ابنَ سيرين خاصَّة، فقال: كذا يجب، قال الخطيب: ويحقِّق قول موسى ما قال مُحَمَّد بن سيرين: كلُّ شيءٍ حدَّثتُ به عن أبي هريرة؛ فهو مَرْفُوعٌ، وقد وقع في هذا «الصحيح» هذا المكانُ، ووقع عند مسلمٍ مصرَّح فيه بالرفع، كما قدَّمتُه عن الدِّمْيَاطيِّ، وراجعتُه وهو كذلك، وأمَّا الحديث الذي رواه الخطيب؛ فهو عند النَّسائيِّ في «الكبرى» من رواية ابن عُلَيَّة عن أيُّوب، عن مُحَمَّد بن سيرين، ومن رواية ابن عون عن ابن سيرين أيضًا كذلك، والله أعلم، وقد استحسن شيخنا العِرَاقيُّ قولَ الخطيب البغداديِّ في أنَّه مَرْفُوعٌ.

    تنبيهٌ: في أصلنا الدِّمَشْقيِّ الحديثُ هكذا: (قال: قال: أسلم)، فجاء بعض مشايخنا الحلبيِّين، فظنَّ أنَّه سقط منه (النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)، فألحقه بعد (قال) الثانية بالحُمْرَة، وما عمله شيخُنا الحلبيُّ خطأٌ مَحْضٌ، والله أعلم.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (هذا الترتيب إلى «باب قصَّة الحبش» ترتيب أبي ذرٍّ، وأمَّا ترتيب أصل اليونينيِّ؛ فإنَّه بعد قوله: «لأَخْيَر منهم»: «بابٌ ابن أخت القوم»، ثمَّ «باب قصَّة زمزم»، ثمَّ «باب ذكر قحطان»، ثمَّ «باب ما يُنهى من دعوى الجاهليَّة»، ثمَّ «باب قصَّة خزاعة»، ثمَّ «باب قصَّة زمزم وجهل العرب»، ثمَّ «باب مَن انتسب إلى آبائه»، وفي آخر «باب قصَّة زمزم»: «حدَّثنا سليمان بن حرب: حدَّثنا حمَّاد بن زيد، عن أيُّوب ... » إلى آخر الحديث).

    [ج 1 ص 918]

    (1/6624)

    [باب ذكر قحطان]

    قوله: (بَابُ ذِكْرِ قَحْطَانَ): تَقَدَّمَ الكلام على (قحطان) ونسبِه، وأنَّ لَقَبَه قحطان، وأنَّ اسمَه يقطن، أو يقطان، وقال ابن ماكولا: مُهَرِّم؛ بالراء؛ يعني: المُشَدَّدة المكسورة، في أوَّل (مناقب قريش).

    ==========

    [ج 1 ص 918]

    (1/6625)

    [حديث: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق .. ]

    3517# قوله: (عَنْ أَبِي الْغَيْثِ): اسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع العدويُّ، وثَّقهُ النَّسائيُّ، وقال أبو عبد الله بن الحَذَّاء في «رجال مالك»: قال ابن معين: لا أعرف اسمه، وليس بثقة، وقال مَرَّةً أخرى: هو ثقةٌ، قاله الذَّهَبيُّ في «ميزانه».

    قوله: (رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ): تَقَدَّمَ أنَّ القرطبيَّ قال في «تذكرته» عن ابن دِحية: لعلَّ هذا الذي يُقال له: الجهجاه، انتهى.

    قوله: (يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ): هذا على المبالغة، وأنَّه يُعطَى النصرَ، وقال القرطبيُّ في «تذكرته»: هو كناية عن استقامة الناس، وانقيادهم إليه، واتِّفاقهم عليه، ولم يُرِدْ نفسَ العصا، وإنَّما ضربها مثلًا لطاعتهم له واستيلائِه عليهم، إلَّا أنَّ في ذِكرِها دليلًا على خشونته عليهم وعُنفه بهم، وقد قيل: إنَّه يسوقهم بعصاه كما تُساق الإبل والماشية؛ وذلك لشدَّة عُنفه وعَدْوَاه، والله أعلم.

    ==========

    [ج 1 ص 918]

    (1/6626)

    [باب ما ينهى من دعوة الجاهلية]

    قوله: (بَابُ مَا يُنْهَى): (يُنهَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، تَقَدَّمَ الكلام على (دَعْوَى [1] الْجَاهِلِيَّةِ) في أوَّل (المناقب)، والكلامُ على (الجاهليَّة).

    ==========

    [1] كذا في النسختين ونسخة في هامش «اليونينيَّة»، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (دعوة).

    [ج 1 ص 918]

    (1/6627)

    [حديث: ما بال دعوى أهل الجاهلية ... دعوها فإنها خبيثة]

    3518# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا [1] مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ): (مُحَمَّد) هذا: قال الجَيَّانيُّ: وقال _أي: البُخاريُّ_ في (الجمعة)، و (البيوع)، و (بَدء الخلق)، و (ذكر الملائكة)، و (المرضى)، و (اللباس)، و (الوصايا)، وفي (باب ما يُنهَى عنه مِن دَعوى الجاهليَّة): (حَدَّثَنَا مُحَمَّد: حَدَّثَنَا مخلد بن يزيد الحرانيُّ) نسبه شيوخنا: مُحَمَّد بن سلَام، وقد نسبه أيضًا البُخاريُّ كذلك في مواضعَ من آخر الكتاب، انتهى، وقال شيخنا: و (مُحَمَّد) هذا: هو ابن سلَام فيما قيل، وجزم به الدِّمْيَاطيُّ، انتهى، ولم ينسبه المِزِّيُّ في «أطرافه».

    قوله: (حَدَّثَنَا [2] ابْنُ جُرَيْجٍ [3]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ الإمام، أحد الأعلام.

    قوله: (سَمِعَ جَابِرًا): تَقَدَّمَ أنَّه جابر بن عبد الله بن عَمرو بن حرام، وقد تَقَدَّمَ كم في الصَّحَابة الذين وقفت عليهم مَن اسمه (جابر)، وفيهم أربعةٌ كلُّهم اسمه (جابر بن عبد الله)، والله أعلم، وقد ذكرتهم، والرواية لهذا جابر بن عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ.

    قوله: (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ [4] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ): أي: اجتمع ناس، ويقال: ثاب: جاؤوا متتالين بعضهم على إثر بعض، ومعنى الاجتماع فيه أظهرُ، قاله ابن قرقول، وقال شيخنا: قال الداوديُّ: معناه: خرج، والذي ذكره أهل اللغة: أنَّ ثاب يثوب؛ إذا رجع، انتهى.

    وقوله: (غَزَوْنَا ... ) إلى آخره: هي غزوة بني المُصْطَلِق، وهي غزوة المُرَيْسِيع، وقد تَقَدَّمَ ضبط (المُرَيْسِيع)، وأنَّها كانت في شعبان سنة ستٍّ عند ابن إسحاق، وعند ابن سعد: سنة أربع، وفي شعبان سنة خمس يوم الاثنين لليلتين خلتا منه عند ابن سعد، والخندق بعدها عنده في ذي القعدة من السنة، وسيأتي كلام عبد الله بن أُبَيٍّ ابن سلول؛ هل كان في هذه أو في تبوك، في (سورة المنافقون) في (التفسير) إنْ شاء الله تعالى.

    قوله: (وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ، فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا): الرجل المهاجريُّ: جهجاه بن مسعود، وقال ابن عَبْدِ البَرِّ: جهجاه بن سعد بن حرام، وهو صاحب حديث: «المؤمن يأكل في مِعًى [5] واحدٍ»، وقيل: إنَّ ذلك غيره، وقال: المحدِّثون يزيدون فيه الهاء، والصواب: جهجا؛ دون هاء، وقد قَدَّمْتُ هذا بزيادة.

    والأنصاريُّ: سنان بن وَبْرٍ؛ بإسكان المُوَحَّدة عند بعضهم، وقال ابن عَبْدِ البَرِّ: سنان بن تيم [6]، ويقال: ابن وبَر، وفي كتاب ابن شبَّة: سنان ابن أبير، وحَكى الأمويُّ عن ابن إسحاق: سنان بن عَمرو، ويقال: ابن وبَرة، وقد تَقَدَّمَ.

    و (الكَسْعُ): قال الخليل: أن تضرب بيدك ورجلك دُبُر إنسان،

    [ج 1 ص 918]

    (1/6628)

    وقال الطَّبَريُّ: هو أن تضرب عَجُز إنسانٍ بقدمك، وقيل: هو ضربُك بالسيف على مؤخَّره، وقد تَقَدَّمَ، وقال شيخنا: وقال السُّدِّيُّ _فيما حكاه أبو العَبَّاس الضرير في «مقامات التنزيل» _: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام غزا بني المُصطلِق من خزاعة، وكان مع عُمرَ بن الخَطَّاب أجيرٌ له من بني غِفار يقال له: جِعال ... إلى أن قال: إذ أقبل رجلٌ من الأنصار يقال له: وَبَرة بن سنان، وفي «الأسباب» للواحديِّ: الغِفاريُّ اسمه جهجاه بن سعد، والأنصاريُّ اسمُه سنان، فلمَّا تداعيا؛ أعان جهجاهًا رجلٌ من المهاجرين يقال له: جعال؛ بعين مهملة، قال ابن الأثير: ومن قاله بالفاء؛ فقد صحَّف، انتهى.

    قوله: (يَا لَ الأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَ الْمُهَاجِرِينَ): كذا هو في أصلنا بلام مفصولةٍ في الموضِعَين، وفي بعض النسخ بوصلها [7]، [وفي بعضها: (يا آل)] في الموضِعَين؛ بهمزةٍ، ثُمَّ لام مفصولة، واللام مفتوحة في الجميع، وهي لام الاستغاثة، والصحيح _كما قال النَّوويُّ_: بلام مفصولة، ومعناه: أدعو المهاجرينَ وأستغيثُ بهم.

    قوله: (مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ): تَقَدَّمَ الكلام على (دعوى الجاهليَّة) في أوَّل (المناقب).

    تنبيهٌ: حكى السُّهَيليُّ فيمن أجاب إليها بالسلاح ثلاثةَ أقوالٍ؛ أحدها: أنَّه يُجلَد خمسين سَوطًا؛ اقتداء بأبي موسى، والثاني: دون عشرة، والثالث: أنَّه راجعٌ إلى رأي الإمام.

    قوله: (قَالَ [8] عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أُبيًّا) مُنَوَّن، و (ابن) بعده تابعٌ لـ (عبد الله)، و (سلول): اسم أمِّ عبد الله، غير مصروفٍ؛ للعلميَّة والتأنيث، بزيادة.

    ==========

    [1] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أخبرنا).

    [2] كذا في النسختين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (أخبرنا).

    [3] في (ب): (جرير)، وهو تحريفٌ.

    [4] كذا في النسختين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النبيِّ).

    [5] في (ب): (معاء).

    [6] في (ب): (بهم)، وهو تحريفٌ.

    [7] وهي رواية «اليونينيَّة».

    [8] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وقال)؛ بزيادة واو.

    (1/6629)

    [حديث: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب .. ]

    3519# قوله: (حَدَّثَنَا [1] ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ): هذا هو العابد أبو مُحَمَّد، ويقال: أبو إسماعيل، الشيبانيُّ، ويقال: الكِنَانيُّ، الكوفيُّ، عن مِسْعر، والثَّوْريِّ، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأحمد بن ملاعب، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وخلقٌ كثيرٌ، قال أبو حاتم: صدوقٌ، قال مُطَيَّن: تُوُفِّيَ _وكان ثقةً_ سنة (215 هـ)، أخرج له البُخاريُّ والتِّرْمِذيُّ، له ترجمة في «الميزان».

    قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو الثَّوْريُّ، و (الأَعْمَش): تَقَدَّمَ أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أَبُو مُحَمَّد الكاهليُّ، مرارًا.

    قوله: (وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ): هذا معطوفٌ على السند الذي [2] قبله، وليس تعليقًا، فرواه البُخاريُّ عن ثابت بن مُحَمَّد، عن سفيانَ الثَّوْريِّ، عن زُبيد به، والأوَّل: رواه عن ثابت بن مُحَمَّد، عن سفيان، عن الأعمش بالطريق التي ساقها، و (زُبيد): هو بالموحدة، ابن الحارث الياميُّ، تَقَدَّمَ، و (إبراهيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عبد الله): هو ابن مسعود بن غافل رضي الله عنه.

    قوله: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ ... ) إلى آخره: تَقَدَّمَ في (الجنائز)، و (الجيُوب): بضَمِّ الجيم وكسرها، و (دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ): تَقَدَّمَت في (الجنائز): أنَّها النِّيَاحة والدُّعاء بالويل والثبور.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] (الذي): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 919]

    (1/6630)

    [باب قصة خزاعة]

    (1/6631)

    [حديث: عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة]

    3520# قوله: (حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن راهويه، و (إِسْرَائِيلُ) هذا: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، و (أبو حَصِينٍ): بفتح الحاء وكسر الصاد المُهْمَلَتين، وقد قَدَّمْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّ الكنى بالفتح، والأسماءَ بالضَّمِّ، واسمُ هذا: عثمانُ بن عاصم، و (أَبُو صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا [أنَّه] ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ ابْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ): (لُحَيٌّ): بضَمِّ اللام، وفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الياء، بوزن (عُلَيٍّ) مُصَغَّرًا [2]، قال الدِّمْيَاطيُّ في «حواشيه على صحيح مسلم» ما لفظه: ذِكْرُ قَمَعَةَ ابن خِنْدِف وَهَمٌ، وصوابه: عَمرو بن لُحَيٍّ، واسمه ربيعة بن حارثة بن عَمرو مُزَيْقِيَاء جدِّ الأنصار، انتهى.

    وأمَّا (قَمَعَة)؛ فضُبِط بأربعة أوجه؛ الأوَّل _وهو الأشهر_: بكسر القاف، وفتح الميم المُشَدَّدة، والثاني: بكسرهما مع التشديد في الميم، حكاهما القاضي عن الباجيِّ، والثالث: بفتح القاف مع إسكان الميم، والرابع: بفتحهما مع تخفيف الميم، وهذه رواية الأكثرين، قاله القاضي.

    و (خِنْدِف): بكسر الخاء المُعْجَمَة، وإسكان النون، ثُمَّ دال مهملة مكسورة _ورأيت عن القاضي عياض الفتحَ والكسرَ في الدال، ثُمَّ إني رأيته في «المطالع» لابن قرقول_ ثُمَّ فاء، قال الجوهريُّ: امرأةُ إلياس ابن مُضَر، واسمها ليلى، نُسِب ولد إلياس إليها، وهي أمُّهم، انتهى وإذا كان كذلك؛ فهي غير مصروفةٍ؛ للعلميَّة والتأنيث، وهي مصروفةٌ في أصلنا بالقلم وغير مصروفةٍ، انتهى [3]، وليلى هذه: هي بنت عِمران بن الحاف بن قُضاعة، وقال ابن قرقول: وهي ليلى بنت عمران بن الحاف بن قُضاعة، ويقال: ابنة حُلوان بن عِمران، وهي أمُّ إلياس ابن مُضَر، انتهى [4].

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] في (ب): (المصغر).

    [3] زيد في (ب): (والتأنيث)، وهو تكرارٌ.

    [4] (انتهى): ليس في (ب).

    [ج 1 ص 919]

    (1/6632)

    [حديث: رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار]

    3521# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وتَقَدَّمَ (سَعِيد بْن المُسَيّب): أنَّه بفتح ياء أبيه وكسرها، وأن غيرَ أبيه لا يجوز في يائه إلَّا الفتحُ.

    قوله: (رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ الْخُزَاعِيَّ): وفي نسخة: (عَمرو بن عامر بن لُحَيٍّ الخزاعيَّ)، كذا هنا، ووقع في «مسلم» في (الكسوف) من حديث عائشة: «ورأيت فيها عَمرو بن لُحَيٍّ يجرُّ قُصْبه في النار»، هذا هو المعروف، وفي بعض نسخه: (عَمرو بن يحيى)، وعن أبي نصرٍ الحُمَيديِّ في «اختصاره لأحاديث الصحيحين»: أنَّه ذكره كذلك، قال بعض الحُفَّاظ: وهو خطأٌ محضٌ، وفي «مسلم» أيضًا من حديث جابر: «ورأيت أبا ثمامة عَمرَو بنَ مالك يجرُّ قُصْبه في النار»، ورأيت حاشيةً على هذا المكان في «مسلم»: أنَّ عَمرو بن لُحَيٍّ هو الصواب، وهو أبو خزاعة، ولُحَيٌّ: اسمه ربيعةُ بنُ حارثةَ، انتهت.

    قوله: (يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ): (قُصْبَه): بضَمِّ القاف، وإسكان الصاد المُهْمَلَة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ هاء الضمير؛ أي: أمعاءه، كذا في «المطالع»، وفي «الصحاح»: القُصْب: المِعَى، وقال ابن الأثير: القُصْب؛ بالضَّمِّ: المِعَى [1]، وجمعه: أقصاب، وقيل: القُصْب: اسمٌ للأمعاء كلِّها، وقيل: هو ما كان أسفلَ البطن من الأمعاء.

    قوله: (وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ): هذا صريح في أنَّه أوَّل مَن سيَّبها، وحكى ابن عبد السلام في «تفسيره» قولَين؛ هذا أحدهما، والثاني _وقدَّمه [2]_: أنَّه جنادة بن عوف، ولفظه: وأبدع الكلَّ جنادةُ بن عوف، وقيل، عَمرُو بنُ لُحَيٍّ، قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «رأيته أشبه رجل بأكثم بن جون، يجرُّ قُصْبه في النار»، انتهى.

    (1/6633)

    [باب: قصة زمزم]

    قوله: (قِصَّةُ إِسْلَامِ أَبِي ذَرٍّ): كذا في نسخة، وبعدَه: (باب قصَّة زمزم)، و (باب قصَّة زمزم) في الأصل، أمَّا (أبو ذرٍّ)؛ فقد تَقَدَّمَ الكلام عليه في (كتاب الإيمان)، وهو جُندب بن جُنادة، وقيل: اسمه [1] بُرَير بن جُندب بن عبد الله، وقيل: جُندب بن السَّكَن، والمشهور الأوَّل، وهو جُندب بن جُنادة بن سفيان

    [ج 1 ص 919]

    بن عُبيد بن الوَقيعة [2] بن حرام بن غِفار بن مُلَيل بن ضَمْرة بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدرِكة بنِ إِليَاس بن مُضَر بن نِزار بن معدِّ بن عدنانَ، وأمُّه رملةُ بنت [3] الوقيعة، أسلمت وصَحِبت، معدودةٌ فيهنَّ رضي الله عنهنَّ، والظاهر هلاكُ أبيه على كفره.

    وأبو ذَرٍّ: صَحَابيٌّ جليلٌ كبيرٌ زاهدٌ، تُوُفِّيَ بالرَّبَذة سنة (32 هـ)، قال ابن المدائنيِّ: وصلَّى عليه ابنُ مسعود، ثُمَّ قدم ابنُ مسعود المدينةَ، فأقام عشرة أيَّام، ثُمَّ تُوُفِّيَ، وكان أبو ذرٍّ طويلًا عظيمًا، وكان زاهدًا مُتقلِّلًا من الدنيا، وكان مذهبه أنَّه يُحَرِّم على الإنسان ادِّخارَ ما زاد على حاجته، وكان قوَّالًا بالحقِّ رضي الله عنه، قال ابن عَبْدِ البَرِّ: أسلم بعد أربعةٍ، وكان خامسًا، وقال غيره: كان رابعَ أربعةٍ في الإسلام، وقيل: خامسَ خمسةٍ، قال أبو عمر: أبو ذرٍّ، ويُقال: أبو الذَّرِّ، والأوَّل أكثرُ وأشهرُ، وقال في اسمه: يُقال: أسلم بعد ثلاثةٍ، ويُقال: بعدَ أربعةٍ، انتهى، وفي «المستدرك» في ترجمته: (رأيتُني ولم يسلم قبلي إلَّا أبو بكرٍ وبلالٌ)، صحيح، ثُمَّ ساق سندًا آخر: (أسلم [4] قبلي ثلاثةُ نفرٍ) انتهى، قدم المدينة بعد الخندق، فلم يشهد بدرًا ولا أُحُدًا ولا الخندق، قاله الواقديُّ.

    قوله: (بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ): تَقَدَّمَ الكلام عليها في (الحجِّ)، وعلى قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في «مسلم»: «إنَّها طعامُ طُعْمٍ»، وأنَّ [5] في «أبي داود الطيالسيِّ»: «وشفاءُ سُقْمٍ»، وعلى حديث: «ماء زمزم لما شُرِب له»، والكلامُ عليه بما فيه [6] كفايةٌ، والله أعلم.

    (1/6634)

    [قصة إسلام ابي ذر]

    3522# قوله: (حَدَّثَنَا زَيْدُ [1] بْنُ أَخْزَمَ): هو بالخاء المُعْجَمَة، وبالزاي، وهو طائيٌّ، يكنى أبا طالب، نصر بن حافظ، عن يحيى بن سعيد القَطَّان ومعاذ بن هشام، وعنه: البُخاريُّ، والأربعة، والمحامليُّ، وثَّقهُ النَّسائيُّ وأبو حاتم، قتلته الزنج سنة (257 هـ).

    قوله: (حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالجيم والراء، وأنَّه نصر بن عِمران الضُّبَعِيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (فَقُلْتُ لأَخِي [2]): أخو أبي ذرٍّ: أُنَيس بن جُنادة، صَحَابيٌّ معروفٌ، وقد صَرَّحَ بذلك مسلمٌ في (المناقب).

    قوله: (جِرَابًا): تَقَدَّمَ بكسر جيمه، وتُفتَح في لُغَيَّة حكاها النَّوويُّ رحمه الله [3].

    قوله: (كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (الرجلَ): مَنْصُوبٌ اسمها، و (غريبٌ): مَرْفُوعٌ خبرها.

    تنبيهٌ: هنا ما قد رأيتَ أنَّ عليًّا لَقِيَه وأدخله على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وبين هذا الحديثِ _وهو حديث ابن عَبَّاس_ وبين حديث عبد الله بن الصامت في «مسلم» _وكلٌّ منهما يرويه عن أبي ذرٍّ نفسِه_ تباعدٌ واختلافٌ؛ إذ فيه في «مسلم»: أنَّه لَقِيَ رسولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ليلًا وهو يطوف بالكعبة، فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين بين ليلة ويوم ولا زاد له، إنَّمَا يتغذَّى بماء زمزم، وحديث ابن عَبَّاس هذا: (كان له قِربةٌ وزادٌ)، فإنَّ عليًّا أضافه ثلاثَ ليالٍ، ثُمَّ أدخله على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأسلم، ثُمَّ خرج ... إلى آخره، فالله أعلم أيُّ الروايتين هي الواقع؟ قال القرطبيُّ: ويحتمل أنَّ أبا ذرٍّ لمَّا لَقِيَ رسولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حول الكعبة فأسلم، لَمْ يعلم به إذ ذاك عليٌّ؛ إذ لَمْ يكن معهم، ثُمَّ دخل مع عليٍّ فجدَّد، فظنَّه أوَّل إسلامه، وفيه بُعدٌ، والله أعلم.

    قوله: (فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ): هو فعل أمر، وهذا ظاهِرٌ جدًّا [4].

    (1/6635)

    قوله: (أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ [5] يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ): كذا في الأصل الذي سمعتُ منه على العِرَاقيِّ، قال ابن قرقول: (ما آن للرجل أن يعرف منزله)، ورُوِيَ: (ألم يَأْنِ ... ) إلى أنْ قال: ومعناه كلِّه بمعنى: حان يحين، ويأتي حينه وأوانه ووقته، و «حان» و «آن» [6]: جاء وقته ... إلى أن قال: ورُوِيَ في حديث عليٍّ _يعني: هذا الذي نحن فيه_: (أَمَا نال للرجل أنْ يعرف منزله)، وقد ذكره في (النون مع الواو): قوله: (ما نال)؛ أي: حان، ونال الرجل: حان، ويكون (نال) بمعنى: حقَّ، وما نَوْلُك أنْ تفعل كذا؛ أي: ما حقُّك، والاسم: النول، وقد جاء مهموزًا: (أَمَا نَأْل لك)؛ أي: وجب، ويقال أيضًا: نال لك؛ أي: حان؛ مثل: أَنَى فَآن، وأنكر ابن مكِّيٍّ: (نال لك)، وقال: صوابه: أنال لك، ولم يفعل شيئًا، وقد ذكره غير واحد: (نال)؛ بمعنى: حان، وقد ذكر ذلك الهرويُّ، وجاء في الحديث من غير خلافٍ، إلَّا أنَّ ابن القوطيَّة ذكر (أنال) فقط، انتهى، وفي «النهاية»: (نال) _في غير هذا الحديث_؛ أي: حان ودنا.

    قوله: (فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ اسم أخيه أُنَيس، وأنَّه صَحَابيٌّ، رضي الله عنهُمَا.

    قوله: (أَمَا إِنَّكَ): (أَمَا): بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، و (إنَّك) بعدها: مكسورة الهمزة، وتَقَدَّمَ أنَّ (أَمَا) كـ (أَلَا) التي للاستفتاح، ولهذا كُسِرَت همزة (إنَّ) بعدها.

    قوله: (قَدْ رَشَدْتَ): هو بفتح الشين، وتُكسَر على لغةٍ معروفةٍ، والمستقبل منهما بالضَّمِّ، غير أنَّ المصدر من المفتوح (رُشْدًا)، ومن المكسور (رَشَدًا)، و (الرُّشْد): خلاف الغَيِّ.

    قوله: (ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ): (ادخلْ) الأولى: أمرٌ مجزومٌ به، و (أدخلُ) الثانية: فعلٌ مضارعٌ مَرْفُوعٌ.

    قوله: (وَامْضِ): بهمزة وصل، ثُلاثيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

    قوله: (اعْرِضْ): هو بهمزة وصل، وكسر الراء، فعل أمر.

    قوله: (ظُهُورُنَا): هو مَرْفُوعٌ فاعل (بَلَغَك).

    قوله: (فَأَقْبِلْ): هو بهمزة مفتوحة، مكسور الباء، فعل أمر، ساكن الآخر.

    قوله: (بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ): أي: بينهم، وهذا ظاهِرٌ، وقد تَقَدَّمَ.

    [ج 1 ص 920]

    قوله: (الصَّابِئِ): يُقال: صَبَأَ فلان؛ إذا خرج من دِينه إلى غيره، من قولهم: صَبَأَ ناب البعير؛ إذا طلع، وصبأتِ النجوم؛ إذا خرجت مِن مطالِعها، وكانت العرب تُسَمِّي النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الصَّابئَ؛ لأنَّهم فيما يزعمون خرج من دينهم إلى دين الإسلام، ويُسَمُّون مَن دخل في دين الإسلام مَصْبُوًّا [7]؛ لأنَّهم كانوا لا يهمزون، فأبدلوا من الهمز واوًا، ويُسَمُّون المسلمين الصُّباةَ؛ بغير همزٍ، كأنَّه جمع (الصَّابي)؛ غير مهموز؛ كقَاضٍ وقُضاةٍ، وغَازٍ وغُزاةٍ.

    قوله: (فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ): (ضُرِبت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    (1/6636)

    قوله: (فَأَكَبَّ عَلَيَّ): تَقَدَّمَ الكلام على (كبَّ) و (أكبَّ) غيرَ بعيد، وأنَّ هذا هو الأكثر؛ أنَّ (أكبَّ) لازمٌ، و (كبَّ) متعدٍّ، وتَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليق هذا الفعلُ مع أفعالٍ أُخَرَ خرجت عن القاعدة.

    قوله: (فَأَقْلَعُوا عَنِّي): هو بهمزة قطعٍ مفتوحة، وفتح اللام.

    قوله: (فَصُنِعَ بِي [8] مِثْلُ [9]): (صُنِع): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مثلُ) بعده: مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وكذا (صُنِعَ) الثانية: مبنيَّة [10] لما لم يسمَّ فاعله.

    قوله: (فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ): (أوَّلَ): مَنْصُوبٌ خبر (كان) [11]، و (هذا): هو الاسم، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، وزيد في «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (هو).

    [2] في هامش (ق): (أخوه أنيس كما في «مسلم»، وهو صحابيٌّ أيضًا).

    [3] في (ب): (النووي انتهى).

    [4] هذا القول جاء في النُّسخَتَين متأخِّرًا على قوله: (أما نال ... ).

    [5] (أن): ليس في «اليونينيَّة»، وضُرِب عليها في (ق).

    [6] في (ب): (وآن وحان).

    [7] في النُّسخَتَينِ: (مصبو)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

    [8] (بي): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت.

    [9] في «اليونينيَّة»: (مثلَ)، والمثبت موافق لما في «فرعها» و (ق).

    [10] في (ب): (مبني).

    [11] (خبر كان): سقط من (ب).

    (1/6637)

    [باب قصة زمزم وجهل العرب]

    قوله: (بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه بوَّب: (باب قصَّة زمزم)، وهنا زاد الترجمة: (وجهل العرب).

    ==========

    [ج 1 ص 921]

    (1/6638)

    [حديث: إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين]

    3524# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن الفضل عَارم، وعَارمٌ لقبه، وهو بعيد من العَرامة؛ لأنَّ (العَارم): الشِّرير أو الشَّرِس، وتَقَدَّمَ (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وتَقَدَّمَ (أَبُو بِشْرٍ): بكسر المُوَحَّدة، وبالشين المُعْجَمَة، وأنَّ اسمه جعفر بن أبي وَحْشيَّةَ إيَاسٍ.

    ==========

    [ج 1 ص 921]

    (1/6639)

    [باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية]

    (1/6640)

    [حديث: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأولين} جعل النبي يدعوهم]

    3526# قوله: (وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: حَدَّثَنَا [1] سُفْيَانُ): أمَّا (قَبِيصة)؛ فقد تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، وأنَّه ابن عقبة السُّوائيُّ [2] الحافظ، شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريَّ إذا قال: (قال فلان) وفلانٌ شيخُه، أو (قال لي فلانٌ)؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، مُطَوَّلًا، و (سفيان) هذا: هو الثَّوْريُّ كما تَقَدَّمَ، وهذا قد أخرجه النَّسائيُّ في (التفسير) عن أحمد بن سُليمان، وفي «اليوم والليلة» عن محمود بن غيلان؛ كلاهما عن معاوية، عن هشام، عن سفيان به مختصرًا، حديث أحمد بن سُليمان ليس في الرواية، ولم يذكره أبو القاسم.

    قوله: (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ): (حَبِيب): بفتح الحاء المُهْمَلَة، وكسر المُوَحَّدة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ كما في (ق)، ورواية أبي الوقت كما في هامش «اليونينيَّة»، وفي رواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (أخبرنا).

    [2] في (ب): (السراي)، وهو تحريفٌ.

    [ج 1 ص 921]

    (1/6641)

    [حديث: يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله]

    3527# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (أَبُو الزِّنَادِ): أنَّه بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّمَ (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز.

    قوله: (يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]): (أمُّ الزُّبَير): هي صفيَّة بنت عبد المُطَّلِب، صحابيَّة رضي الله عنها، وَلَدَت للعوَّام: السَّائبَ والزُّبَيرَ؛ صحابيَّين، وولدت له عبدَ الكعبة، وأمَّ حَبِيب تزوَّجها خالد بن حزام فولدت له أمَّ حسن لا عقب لها، تُوفِّيَت صفيَّة سنة عشرين [2]، ودُفِنَت بالبقيع، ولها ثلاث وسبعون سنة، زرتُها بالبقيع، رضي الله عنها.

    قوله: (يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه يجوز في مثلها وجهان: الضمُّ والفتح، وكذا في (ابنة)، وقد ذكرت ذلك مُطَوَّلًا في أوائل هذا التعليق.

    ==========

    [1] (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

    [2] في (ب): (سنة ست وعشرين)، والمثبت موافقٌ لما في كتب التَّراجم.

    [ج 1 ص 921]

    (1/6642)

    [باب: ابن أخت القوم ومولى القوم منهم]

    قوله: (بَابٌ: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ منهم، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ): ذكر فيه حديثَ أنسٍ، شَاهدٌ لشقِّ الترجمة الأوَّل، والشقُّ الثاني _وهو: (ومولى القوم منهم) _ لَمْ يذكر فيه شيئًا، وفيه حديث أنسٍ ذكره في (الفرائض)، ولفظه: («مولى القوم من أنفسِهم»، أو كما قال)، رواه البُخاريُّ عن آدم، عن شعبة، عن معاوية بن قُرَّة وقتادة عنه به.

    وفي الباب أيضًا حديث أبي رافع مولى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، رواه أبو داود، ولفظه: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافعٍ: اصحبني، فإنَّك نَصيبٌ منها، قال: حتَّى آتيَ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأسألَهُ، فأتاه فسأله، فقال: «مولى القوم من أنفسِهم، وإنَّا لا تحلٌّ لنا الصدقة»، وأخرجه التِّرْمِذيُّ والنَّسائيُّ؛ كلُّهم في (الزكاة)، فأبو داود عن مُحَمَّد بن كَثِير، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي [1] رافع، عن أبيه به، والتِّرْمِذيُّ عن ابن مثنَّى، عن غُنْدر، عن شعبة نحوه، وقال: حسنٌ صحيح، وابن أبي رافع: عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليٍّ، والنَّسائيُّ عن عَمرو بن عليٍّ، عن يحيى، عن شعبة نحوه، وعن مُحَمَّد بن حاتم، عن حِبَّان بن موسى، عن عبد الله بن المبارك، عن حمزة الزَّيَّات، عن الحكم، عن بعض أصحابه: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعث أرقم بن أبي الأرقم على الصدقة، فقال لأبي رافع: هل لك أنَّ تتَّبعني ... )؛ فذكره، قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: رواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقسَم، عن ابن عَبَّاس، انتهى.

    ==========

    [1] (أبي): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 921]

    (1/6643)

    [حديث: هل فيكم أحد من غيركم؟]

    3528# قوله: (إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا): ابن أخت الأنصار: هو النُّعمان بن مُقَرِّن المزنيُّ، قاله الخطيب فيما نقله عنه النَّوويُّ في «مبهماته»، وقال بعض حفَّاظ هذا العصر: هو النُّعمان بن مُقَرِّن، رواه أحمد بن منيع في «مسنده» بإسنادٍ صحيحٍ، انتهى.

    ==========

    [ج 1 ص 921]

    (1/6644)

    [باب قصة الحبش]

    قوله: (بَابُ قِصَّةِ الْحَبَشِ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة والموحَّدة، و (الحَبَش) و (الحَبَشة): جنسٌ من السودان، والجمع: الحُبْشان؛ مثل: حَمَل وحُمْلان.

    قوله [1]: (يَا بَنِي أَرْفدَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ (أَرْفدة) بفتح الهمزة [2]، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ فاء مكسورة لأبي ذرٍّ، وأنَّ غيرَه ضبطها بفتحها؛ وهو جَدُّ الحبشة، وقيل: لقبٌ لهم.

    ==========

    [1] (قوله): سقط من (ب).

    [2] زيد في (ب): (بفتح الهمزة)، وهو تكرارٌ.

    [ج 1 ص 921]

    (1/6645)

    [حديث: دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وتلك الأيام أيام منًى]

    3529# 3530# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث) بعده: هو ابن سعد، أحد الأعلام والأجواد، وأنَّ (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

    قوله: (وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ): تَقَدَّمَ أنَّ إحداهما اسمها حمامة، كما قاله ابن شيخنا البُلْقينيِّ، وتَقَدَّمَ أنِّي لا أعرفُ أحدًا من الصَّحَابيَّات اسمها حمامة إلَّا أمَّ بلالٍ رضي الله عنهُمَا، وتَقَدَّمَ أنَّ في «أربعين السُّلَمِيِّ»: أنَّهما لعبد الله بن سلَام.

    قوله: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي ... )؛ الحديث: هو من تتمَّة الحديث، لا تعليق، وانظر «أطراف المِزِّيِّ»؛ تعرفْ ذلك، فإنَّه لمَّا طرَّف حديثها: (أنَّ أبا بكرٍ دخل عليها وعندها جاريتان [1] ... )؛ الحديث، وهو صدر الحديث؛ قال: وفيه: (رأيت النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة)، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (ب): (بار بدار)، وهو تحريفٌ.

    [ج 1 ص 921]

    (1/6646)

    [باب من أحب أن لا يسب نسبه]

    (1/6647)

    [حديث: استأذن حسان النبي في هجاء المشركين قال: كيف بنسبي]

    3531# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ): هو بإسكان المُوَحَّدة، وهو عَبْدة بن سُليمان، وتَقَدَّمَ أنَّ عامر بن عَبَدة، وبجالة بن عَبَدة؛ هذان بفتح المُوَحَّدة، وبعضهم قيَّدَها بالسكون، ومَن عداهما في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» بالسكون فقط، فعامرٌ في مقدِّمة «مسلم»، وبجالة في «البُخاريِّ»، والله أعلم.

    قوله: (فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ [1]: «كَيْفَ بِنَسَبِي؟» قَالَ [2]: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ.): وهذا في «مسلم»، ولفظه: (ائذن في أبي سفيان _يعني: ابن الحارث بن عبد المُطَّلِب_ قال: «كيف بقرابتي منه؟»، قال: والذي أكرمك؛ لأسُلَّنَّك منهم كما تُسَلُّ الشَّعَرةُ من الخمير، فقال حسَّانُ:

    ~…وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ…بَنُو ابْنَةِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ

    وبعد هذا بيتٌ آخَرُ لَمْ يذكره مسلمٌ، وبه تتمُّ الفائدة، وهو [3]:

    ~…وَمَن وَلَدَت أبنَاءُ زُهرَةَ مِنْهُمُ…كِرَامٌ وَلَم يَقْرَبْ [4] عَجَائِزَكَ المَجدُ

    وفي «الاستيعاب» زيادةٌ على هذين البيتين:

    ~…وَلَستَ كَعَبَّاسٍ وَلا كَابنِ أُمِّهِ…وَلكِنْ لَئِيمٌ لا يَقُومُ لَهُ زَنْدُ

    ~…وإِنَّ امْرَأً كَانَت سُمَيَّةُ أُمَّهُ…وسَمرَاءُ مَغمُوزٌ إذَا بَلَغَ الجُهْدُ

    ~…وَأَنْتَ هَجِينٌ نِيطَ فِي أَهْلِ هَاشِمٍ…كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ القَدَحُ الفَرْدُ

    وقد رأيت عن الأثرم: أنَّ أمَّ الحارث بن عبد المُطَّلِب سميَّةُ بنت موهب بن زَمعة، وكانت سبيَّة من بني سواد بن عامر بن صعصعة، وكان موهبٌ غلامًا لبني عبدِ مناف، وكان له خمسُ بناتٍ، فَوَلَدْنَ في قريش، انتهى [5].

    وقد قال ابن عَبْدِ البَرِّ في ترجمة حمزة في أمَّهاتِ أولادِ عبد المُطَّلِب: إنَّ أمَّ الحارث صفيَّةُ، ونَسَبَها، وقيل: سمراء، ونَسَبَها أيضًا، والله أعلم.

    [ج 1 ص 921]

    قوله: (كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ): (تُسَلُّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الشَّعرةُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

    قوله: (وَعَنْ أَبِيهِ): الضمير في (أبيه) يعود على هشام، وأبوه: عروة بن الزُّبَير، أحد الفقهاء السبعة، وهذا بسندِ الذي قبله.

    قوله: (لاَ تَسُبّهُ): يجوز في باء (تسبُّه) المُشَدَّدة الضمُّ والفتحُ، وبهما ضُبِط في أصلنا.

    قوله: (يُنَافِحُ): هو بضَمِّ أوَّله، وكسر الفاء، وبعدها حاء مهملة؛ ومعناه: يدافع ويخاصم، يقال: نافحت عنه، ونفحتُ عنه: خاصمت ودفعتُ.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق) بعد الإصلاح، وفي «اليونينيَّة»: (قال).

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فقال)، ثمَّ زيد فيهما: (حسَّان).

    [3] زيد في (ب): (هذه).

    [4] في (ب): (يؤت)، وهو تحريفٌ.

    [5] (انتهى): ليس في (ب).

    (1/6648)

    [باب ما جاء في أسماء رسول الله]

    (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ... إلى (بَاب عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ)

    ذكر البُخاريُّ في هذا الباب أسماءً له عليه الصَّلاة والسَّلام؛ وهي: مُحَمَّد، وأحمد، والماحي، والحاشر، والعاقب، هذا ما ذكره، وقد ذُكِر في أسمائه عليه الصَّلاة والسَّلام: الرسولُ، المرسَلُ، النَّبيُّ، الأُمِيُّ، الشهيدُ، الشاهدُ، ذكر هذا شيخُنا مجدُ الدين في «القاموس» في (شهد)، انتهى، المصدَّق، النور، المُسلِم، البشير، المبشِّر، النذير، المُنذِر، المبين، الأمين، العبد، الداعي، السراج، المنير، الإمام، الذِّكْر، المُذكِّر، الهادي، المهاجِر، العامل، المبارَك، الرحمة، الآمِرُ، النَّاهي، الطيِّب، الكريم، المحلِّل، المحرِّم، الواضِع، الرافع، المجير، خاتم النَّبيِّين، ثاني اثنين، منصور، أذن خير، مُصطفى، مأمون، قاسم، نقيب، المزمِّل، المدَّثِّر، العليُّ، الحكيم، المؤمن، الرؤوف، الرحيم، الصاحب، الشفيع، المُشَفَّع، المتوكِّل، نبيُّ التوبة، نبيُّ الرحمة، نبيُّ الملحمة، وفي رواية: (نبيُّ الملاحم)، ذكرها الإمام أحمد في «مسنده» من حديث حذيفة، وأيضًا ذكرها ابنُ عساكر في «تاريخه»، لكن لا أدري مِن حديث مَنْ، وذكر أيضًا: الفاتح وعبد الله، وعن ابن عَبَّاس مرفوعًا: «اسمي في القرآن مُحَمَّدٌ، وفي الإنجيل أحمدُ، وفي التوراة أَحْيَدُ، وإنَّما سُمِّيتُ أَحيَدَ؛ لأنِّي أَحِيد عن أمَّتي نارَ جهنَّم»، وينبغي أن يُعدَّ في أسمائه أيضًا: المهدي مع الهادي؛ لأنَّه جاء في شعر العَبَّاس بن مرادس:

    ~…فَجُسْنَا مَعَ المَهْدِيِّ مَكَّةَ عَنْوَةً… ...............

    وليس مراده إلَّا النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

    وفي أسمائه: القتَّال، والضحوك، والفاتح، وقُثم، ونبيُّ المقتلة، وطَهَ، ويَس.

    تنبيهٌ: غالب هذه الأسماءِ صفاتٌ، وإطلاقهم عليها أسماءً مجازٌ، ثُمَّ اعلم أنَّ له عليه الصَّلاة والسَّلام أسماءً غير ما ذكرتُ، وقد ذكر الحافظ أبو بكر ابن العربيِّ المالكيُّ في «الأحوذيِّ في شرح التِّرْمِذيِّ» عن بعضهم: أنَّ لله تعالى ألفَ اسمٍ، وللنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألف اسم، ثُمَّ ذكر منها على التفصيل بضعًا وستِّين، وقد رأيت بالقاهرة مؤلَّفًا في جلدين لطيفين لابن دِحية الحافظِ عُمرَ بنِ الحسن في أسمائه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وذكر أماكنها، والكلام عليها من حيث اللُّغة، وتخريجها من الأحاديث وغيرها، وهو مؤلَّف حسنٌ فيه فوائد، وذكر [1] فيه أنَّ من جملة أسمائه عليه الصَّلاة والسَّلام: اللَّبِنَة؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «وأنا اللَّبِنَة»، وغالب ظنِّي أنَّ المؤلَّف المذكور فيه ثلاثُ مئةِ اسمٍ ونيِّف.

    (1/6649)

    ثُمَّ إنِّي رأيت الحافظ مغلطاي شيخَ شيوخنا ذكر في «سيرته» عن ابن دِحية هذا المؤلَّف أنَّ أسماءه تقرب من الثلاث مئة، وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لي خمسة أسماءٍ»، لا ينفي أن يكون له أكثرُ من خمسةٍ، وقوله: (أسماءٍ): هو مجرورٌ مُنَوَّن، قال الله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ} [النجم: 23] وإن كان في كلام النُّحاة خلافُه.

    (1/6650)

    [حديث: لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي ... ]

    3532# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مَعْنٌ): هذا هو معن بن عيسى المدنيُّ القزَّاز، أبو يحيى، أحد الأئمَّة، عن ابن أبي ذئب، ومالكٍ، ومعاويةَ بنِ صالح، وعنه: ابن المَدينيِّ، ويحيى بن معين، ومُحَمَّد بن (رافع، قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالكٍ وأوثقُهم، هو أحبُّ إليَّ من ابن وَهْب وعبدِ الله بن) [2] نافعٍ الصائغ، وقال ابن سعد بعد أنَّ ذكر وفاته كما أذكرها [3] أنا: وكان ثقةً ثبتًا مأمونًا، كثير الحديث، تُوُفِّيَ في شوَّال سنة (198 هـ)، أخرج له الجماعة.

    قوله: (وَأَنَا الْمَاحِي): قيل: المراد: المحو العام، بمعنى: الظهور بالحُجَّة والغَلَبَة، قال الله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الصف: 9]، وقيل: المراد: محو الكفر من مكَّة والمدينة وسائرِ بلاد العرب، وما زُوي له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [4] من الأرض، ووُعِدَ أن يبلغه ملك أمَّته، وجاء في حديثٍ آخرَ في تفسير الماحي: بأنَّه الذي مُحيت به سيئاتُ [5] من اتَّبعه، فقد يكون المراد بمحو الكفر هذا؛ لقوله [6] تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وفي «الصحيح»: «الإسلام يهدم ما قبله».

    وقوله: (وجاء في حديث آخر في تفسير الماحي): قد روى هذا الحديثَ البيهقيُّ في «دلائله».

    قوله: (وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي): ضُبِط (قدمي) بتشديد الياء على التثنية، وبتخفيفها على الإفراد، ولم يشدِّدها في أصلنا، فهي إذن فيه بالإفراد، قال العلماء: معناه: يحشرون على إثري وزمان نبوَّتي ورسالتي، وليس بعدي نبيٌّ، وقيل: معناه: يتَّبعوني، وجاء في رواية في «الصحيح»: «على عقبي»، وقيل فيها كما قيل في هذه من حيث المعنى.

    قوله: (وَأَنَا الْعَاقِبُ): جاء مفسَّرًا في الحديث: «الذي ليس بعده نبيٌّ»؛ يعني: أنَّه جاء آخرهم، قال ابن الأعرابيِّ: (العاقب): هو الذي يخلُف مَنْ قَبْلَه في الخير.

    (1/6651)

    [حديث: ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش]

    3533# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ الجِهْبِذ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: ابن عُيَيْنَة، و (أَبُو الزِّنَادِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَج): عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

    قوله: (يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا): (يشتم): بكسر التاء وضمِّها؛ لُغَتان حكاهما ابن دريد في «الجمهرة».

    فائدةٌ: أدخل الحافظ النَّسائيُّ هذا الحديثَ في (كتاب الطلاق) من «سُنَنه» في (مَن طلَّق بكلامٍ لا يُشبِه الطلاق؛ فإنَّه غير لازم)، وهو فقه حسنٌ؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «ألَا ترون إلى ما يدفع الله عنِّي ... ؟»؛ الحديث، فجعل أذاهم مصروفًا عنه لمَّا نسبوا مُذَمَّمًا، ومذمَّم لا يشبه أنَّ يكون اسمًا له، فكذلك إذا قال لامرأته: كلي أو اشربي، وأراد به الطلاق؛ لَمْ يلزمْه، وكان مصروفًا عنه؛ لأنَّ مثل هذا الكلام لا يشبه أن يكون عبارةً عن الطلاق، وهو حسنٌ، والله أعلم.

    قوله: (مُذَمَّمًا): هو بالذال المُعْجَمَة، وفتح الميم الأولى، اسم مفعول، وكذا الثانية، وكان الكفَّار يغيِّرون اسم رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مُحَمَّدًا؛ فيقولون بضدِّ اسمه: مذمَّمًا، وكَذَبُوا لعنهم الله.

    ==========

    [ج 1 ص 922]

    (1/6652)

    [باب خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم]

    (1/6653)

    [حديث: مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارًا فأكملها وأحسنها]

    3534# قوله: (حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّان [1]): هو بفتح السين، وكسر اللام، وليس في «البُخاريِّ» و «مسلمٍ» مُكَبَّر سواه، والباقون: (سُلَيم)؛ بالتصغير، و (حَيَّان) والده: بمُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

    قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ): (ميناء): يُمَدُّ ويُقصَر، وهذا مَعْرُوفٌ.

    [ج 1 ص 922]

    قوله: (لَبِنَةٍ): هي معروفةٌ، وهي بفتح اللام وكسر [2] المُوَحَّدة، وبكسر اللام وسكون المُوَحَّدة.

    ==========

    [1] (بن حيَّان): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

    [2] في (ب): (وبكسر).

    (1/6654)

    [حديث: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه ... ]

    3535# قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ذكوان الزَّيَّات السَّمَّان، وتَقَدَّمَ أنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (مَثَلِي وَمَثَلَ): هما بفتح الثاء المُثَلَّثَة، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (وُضِعَتْ هَهُنَا لَبِنَةٌ [1]): (وُضِعتْ): بتاء التأنيث الساكنة، وهو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وفي رواية: (وَضَعْتَ)؛ بتاء الخطاب، و (لَبِنَةً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن.

    قوله: (فَأَنَا اللَّبِنَةُ): تَقَدَّمَ أنَّ ابنَ دحية عدَّ في أسمائه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [2] (اللَّبِنَة) [3].

    ==========

    [1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (هذه اللَّبِنَة).

    [2] في (ب): (عليه الصَّلاة والسَّلام).

    [3] هذا القول جاء في النُّسْخَتَين متقدِّمًا على قوله: (عن أبي صالح).

    [ج 1 ص 923]

    (1/6655)

    [حديث: أن النبي توفي وهو ابن ثلاث وستين]

    3536# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو التِّنِّيسيُّ، أبو مُحَمَّد، الحافظ المشهور، و (اللَّيْثُ) بعده: هو ابنُ سعد، الإمامُ الجوادُ، و (عُقَيْل): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ العين، وفتح القاف، هو ابن خالد، و (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

    قوله: (تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ [1]): لَمْ يذكر البُخاريُّ في هذا الباب غير هذا الحديث، وفي سنِّه عليه الصَّلاة والسَّلام رواياتٌ؛ أحدها: (تُوُفِّيَ وهو ابن ستِّين سنةً)، وفي رواية: (خمسٌ وستُّون)، وفي رواية: (ثلاثٌ وستُّون)؛ وهي أصحُّ الروايات وأشهرُها، واتَّفق العلماءُ أنَّ هذه أصحُّ الروايات، قال شيخنا العِرَاقيُّ عن رواية: (خمسٍ وستِّين) ورواية: (ستِّين) قولان وهَّنُوهما بمرَّةٍ، انتهى، وتأوَّلوا باقيَ الروايات على هذه؛ فرواية: (ستِّين) اقتُصِر فيها على العقود، وتُرِك الكسر، ورواية: (الخمس والستِّين) متأوَّلة أيضًا على أنَّه حُسِبت سنة المولد وسنة الوفاة، أو حصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروةُ بن الزُّبَير على ابن عَبَّاس قوله: (خمسٌ وستُّون)، ونسبه إلى الغلط، وأنَّه لَمْ يدرك أوَّل النبوَّة ولا كثرت صحبته، بخلاف الباقين، قال شيخنا: وفي «تاريخ ابن عساكر»: (ثنتان وستُّون)، وفي كتاب عُمر بن شبَّة: (إحدى أو اثنتان، لا أُراه بلغ ثلاثًا وستِّين سنة) انتهى، وتُؤَوَّل هذه على ما سبق.

    ولمَّا ذكر السُّهَيليُّ في «روضه» فترةَ الوحي، وأنَّها كانت سنتين ونصفًا؛ قال: وقد جاء ذلك في بعض الأحاديث المسندة، ثُمَّ قال: فمِن ههنا يتَّفق ما قاله أنسٌ في مكثه بمكَّة: (كان عشرَ سنين)، وقول ابن عَبَّاس: (ثلاثَ عشرةَ)، وكان قد ابتُدِئ بالرؤيا الصادقة ستَّةَ أشهر، فمَن عدَّ مدَّة الفترة وأضاف إليها الأشهر السِّتَّة؛ كانت كما قال ابن عَبَّاس، ومن عدَّها مِن حين حميَ الوحيُ وتتابع _كما في حديث جابر_؛ كانت عشرَ سنين، ووجهٌ آخرُ في الجمع بين القولين أيضًا: وهو أنَّ الشعبيَّ قال: وُكِّل إسرافيلُ بنبوَّة مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ثلاث سنين، ثُمَّ جاءه جبريل عليه السلام بالقرآن ... إلى أن قال: وإذا صحَّ؛ فهو أيضًا وجهُ الجمع بين الحديثين، والله أعلم.

    وقال شيخنا في (فضائل القرآن): وقد وقع في «ابن التين»: (ميكائيل) بدل (إسرافيل)، والمشهور أنَّ جبريل ابتدأه بالوحي، انتهى.

    وقد قَدَّمْتُ أنا كلامَ الشعبيِّ: أنَّه قُرِن به إسرافيل في أوَّل النبوَّة ثلاثَ سنين، يأتيه بالكلمة والكلمتين من الوحي، وإنكارَ مَن أنكره، والله أعلم.

    قوله: (وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب مِثْلَهُ): هذا الموقوف على ابن المُسَيّب هنا لَمْ يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (سنة).

    [ج 1 ص 923]

    (1/6656)

    [باب كنية النبي صلى الله عليه وسلم]

    قوله: (بَابُ كُنْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): ذكر البُخاريُّ في هذا الباب أربعةَ أحاديثَ كلُّها مطابِقٌ إلَّا الحديثَ الأخير؛ وهو حديث السائب بن يزيد، والذي يظهر: أنَّه يحتمل أنَّه جاء في بعض طرقه: أنَّ خالته قالت له: (يا أبا القاسم)، أو كنَّته بكنية أخرى غيرِها؛ كـ (أبي إبراهيم)، والله أعلم، وكأنَّه لم يقع له، أو أنَّه ليس على شرطه، وفي أصلنا الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ ذكر في الباب ثلاثة أحاديث، وأمَّا حديث السائب بن يزيد؛ فأفرده [1] ببابٍ بغير ترجمة، وما قدَّمته هو في بعض أصولنا الدمشقيَّة، قال شيخنا بعد أن ذكره كما في أصلنا الذي سمعنا فيه على العِرَاقيِّ: (وظهر لي في وجه إيراده هنا عقيب «باب الاسم» و «باب الكنية» كيفيَّةُ ندائه: يا رسول الله، لا باسمه؛ كما قال تعالى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ} [النور: 63]، فذكر أوَّلًا اسمه، ثُمَّ كنيته، ثُمَّ كيفيَّة ندائه)، انتهى، والله أعلم.

    ذكر له البُخاريُّ كنيةً واحدةً، وهي: أبو القاسم، وله عليه الصَّلاة والسَّلام كنيتان أخريان؛ أحدهما: أبو إبراهيم، كنَّاه بها جبريل عليه السلام، روى أحمد في «المسند» من طريق أنس رضي الله عنه قال: حين وَلَدَت له ماريةُ إبراهيمَ؛ وقع في نفسه منه شيءٌ، حتَّى نزل جبريل عليه السلام فقال: (السلام عليك يا أبا إبراهيم) انتهى، وقد ذكره السُّهَيليُّ أيضًا، والثانية: أبو الأرامل، ذكرها شيخُنا ولم يعزُها، ولم أرَها أنا في كلام غيره، ثُمَّ إنِّي رأيتها في كلام الشيخ محي الدين عبدِ القادر القرشيِّ الحنفيِّ _فقيهٍ مِن الحنفيَّة بالقاهرة، أدركتُه ولم أجتمع به، ولا قرأت عليه، ذكره في «طبقات الفقهاء الحنفيَّة» له، عن الإمام أبي عبد الله الباهليِّ الإشبيليِّ في كتابه [2] «الذخائر» _: أنَّ كنية النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في التوراة: أبو الأرامل، انتهى، وكأنَّ هذه كاللَّقب وإن صُدِّرت بـ (أب)، وله نظائرُ مصرَّح بها؛ كأبي تراب؛ لقبُ عليٍّ رضي الله عنه، وكنيته أبو الحسن، وكأبي الشيخ ابن حيَّان الحافظ، كنيته أبو مُحَمَّد، وغيرهما.

    ==========

    [1] في (ب): (فأورده).

    [2] في النُّسْخَتَين: (كبائر)، ولعلَّه تحريف عن المثبت.

    [ج 1 ص 923]

    (1/6657)

    [حديث أنس: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي]

    3537# قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو حُميد الطويل، واسم والده: تير [1]، ويقال: تيرويه، وقد قَدَّمْتُ أنَّ كلَّ حديثٍ في الكُتُب السِّتَّة أو بعضها (حُميد عن أنس)؛ فهو هذا إلَّا حديثَين؛ أحدهما: «أخذ الراية زيدٌ فأُصيب»، أخرجه البُخاريُّ والنَّسائيُّ، والثاني: «كأنِّي أنظر إلى غبار ساطع ... »؛ الحديث، في «البُخاريِّ»، فهو حُميد بن هلال.

    قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.

    ==========

    [1] (تير): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 923]

    (1/6658)

    [حديث: تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي]

    3538# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (كَثِيرًا) بفتح الكاف، وكسر الثاء المُثَلَّثَة، وتَقَدَّمَ أنَّ (مَنْصُورًا): هو ابن المعتمر، و (سَالِم) هذا: هو ابن أبي الجعد، و (جَابِر): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريُّ.

    (1/6659)

    [حديث: سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي]

    3539# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، و (أَيُّوب): هو ابن أبي تيمية السَّخْتيَانيُّ، و (ابْن سِيرِينَ): هو مُحَمَّد، وقد قَدَّمْتُ كم بنو سيرين الذكور في أوَّل هذا التعليق، والله أعلم.

    ==========

    [ج 1 ص 923]

    (1/6660)

    [باب لا ينبغي إن ينادى الرسول باسمه أو كنيته]

    (1/6661)

    [حديث: يا رسول الله إن ابن أختي شاك فادع الله قال فدعا لي]

    3540# قوله: (بَابٌ، حَدَّثَنَا [1] إِسْحَاقُ بْن إِبْرَاهِيْم [2]): هذا هو ابن راهويه، الإمام المشهور.

    قوله: (رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً [3] ... ) إلى آخره: (السائب) هذا: شهد حجَّة الوداع وهو ابن سبع سنين، وتُوُفِّيَ سنة إحدى وتسعين، فعلى هذا: يكون عاش نحو ثماني وتسعين سنةً، وقيل: إنَّه تُوُفِّيَ سنة ستٍّ وثمانين؛ فعليه: يكون عاش نحو ثلاث وتسعين سنةً، والأوَّل هو الصحيح، وهو الموافق لقوله: (رأيته ابنَ أربعٍ وتسعين سنةً)، ويكون قد تأخَّر بعد ذلك.

    قوله: (جَلْدًا): هو بفتح الجيم، وإسكان اللام؛ أي: قويًّا.

    قوله: (قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ): هما بضَمِّ تاء المتكلِّم فيهما، و (مُتِّعتُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله: (إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ): (خالة السائب): لا أعرف اسمها، وسمَّاها بعض حُفَّاظ العَصْرِ: فاطمة، انتهى، وفي الصَّحَابيَّات: فاطمة بنت شريح، قال الذَّهَبيُّ: ذكرها أبو عُبيدة في الزوجات، كذا قال ابن بشكوال، انتهى، وأمُّه اسمها عُلَيَّة بنت شريح، مذكورة في الصَّحَابيَّات.

    (1/6662)

    [باب خاتم النبوة]

    قوله: (بَابُ خَاتِمِ النُّبُوَّةِ): اعلم أنِّي لَمْ أذكر صفة خاتم النبوَّة في (الوضوء)، وأخَّرتُه إلى هنا، لكن ذكرتُ الكلام على (زِرِّ الحَجَلَة)، ولم أذكر روايةَ إبراهيم بن حمزة؛ فاعلم

    [ج 1 ص 923]

    أنَّ الحافظ علاء الدين مغلطاي شيخَ شيوخِي ذكرَ صفاتِ الخاتم على ما وقع له من الروايات، وذكرها الحافظ فتح الدين ابنِ سيِّدِ النَّاسِ، وذكرها غيرُهما؛ كالسُّهَيليِّ في «روضِه»، وغالب ما ذكراه هو في «الروض» له، فأحببتُ أنْ أذكرها من كلام مغلطاي؛ لكونه متأخِّرًا عن غيره، فقال: وخُتِم بخاتم بين كتفيه، وكان ينمُّ مِسكًا، مثل زِرِّ الحَجَلَة، ذكره البُخاريُّ، وفي «مسلم»: (جُمع عليه خيلان كأنَّها الثآليل السود عند نَغْض كتفه)، ويُروى: (غضروف كتفه اليُسرى)، وفي «كتاب أبي نعيم»: (الأيمن)، وفي «مسلم» أيضًا: (كبيضة حمامة)، وفي «صحيح الحاكم»: (شَعر مجتمع)، وفي «البيهقيِّ»: (مثل السَّلْعة)، وفي «الشمائل»: (بضعة ناشزة)، وفي حديث عَمرو بن أخطب: (كشيءٍ يُختَم به)، وفي «تاريخ ابن عساكر»: (مثل البندقة)، وفي «التِّرْمِذيِّ»: (كالتفاحة)، وفي «الروض»: (كأثر المحجم القابضة على اللحم)، وفي «تاريخ ابن أبي خيثمة»: (شامة خضراء محتفرة في اللحم)، وفيه أيضًا: (شامة سوداء تضرب إلى الصفرة، حولها شَعرات متراكبات؛ كأنَّها عُرْف الفرس)، وفي «تاريخ القضاعيِّ»: (ثلاث شعرات مجتمعات)، وفي «كتاب التِّرْمِذيِّ الحكيمِ»: (كبيضة حمام، مكتوب في باطنها: الله وحده لا شريك له، وفي ظاهرها: توجَّهْ حيث شئت، فإنَّك منصورٌ)، وفي كتاب «المولد» لابن عائذ: (كأنَّ نورًا يتلألأ)، وفي «سيرة ابن أبي عاصم»: (عُذرة؛ كعُذرة الحمامة)، قال أبو أيُّوب: يعني قرطمة الحمامة، وفي «تاريخ نَيسابور»: (مثل البُنْدقة من لحم، مكتوب فيه باللحم: مُحَمَّد رسولُ الله)، وعن عائشة: (كتِينَةٍ صغيرةٍ تضرب إلى الدُّهمة، وكان ممَّا يلي القفا، قالت: فلمستُه حين تُوُفِّيَ، فوجدته قد رُفِع)، انتهى.

    ووقع في «سيرة ابن سيِّدِ النَّاسِ» عن الواقديِّ، عن شيوخه قالوا: لمَّا شكُّوا في موته؛ وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه، فقالت: (إنَّه قد تُوُفِّيَ، وقد رُفِع الخاتم من بين كتفيه)، فهذا الذي عُرِف به موتُه عليه الصَّلاة والسَّلام.

    تنبيهٌ: وقع في «أبي حاتم» من حديث جابر بن سَمُرة قال: (رأيت خاتمه عند كتفه مثل بيضة النعامة، يشبه جسده)، قال أبو حاتم: (مثل بيضة النعامة) وَهِمَ [1] فيه إسرائيل، إنَّما هي: «مثل بيضة الحمامة»، ذكر الحديثَ والتوهيمَ المحبُّ الطَّبَريُّ في «أحكامه».

    (1/6663)

    والحكمة في كون الخاتم عند نَغْضِ كتفه؛ لقيام العصمة به، وذلك الموضعُ منه يُوسوسُ الشيطانُ لابن آدم، ذكر ابن عَبْدِ البَرِّ عن ميمون بن مِهْرَان، عن عُمر بن عبد العزيز: أنَّ رجلًا سأل ربَّه سنةً [2] أنْ يُريَهُ موضع الشيطان منه؛ فأُرِيَ جسدًا مُمهًّى يُرى داخلُه من خارِجِه، ورأى الشيطانَ في صورة ضفدع عند نَغْض كتفه حِذاء قلبه، له خُرطوم كخُرطوم البعوضة وقد أدخله في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس [3] إليه، فإذا ذكر اللهَ العبدُ؛ خنس، ذكر ذلك شيخنا، انتهى، ويشهد لهذا حديثُ أنسٍ: «إنَّ الشيطان واضعٌ خَطْمَه على قلب ابن آدم ... »؛ الحديث، أخرجه ابن أبي الدنيا في «مكايِد الشيطان»، وأبو يعلي الموصليُّ، وابن عديٍّ في «الكامل» وضعَّفه.

    تنبيهٌ: قال القاضي عياض في «شرح مسلم»: وهذا الخاتم هو أثرُ شَقِّ الملَكَين بين كتفيه، وتعقَّبه النَّوويُّ في «شرحه لمسلم» فقال: وهذا الذي قاله القاضي ضعيفٌ، بل باطلٌ؛ لأنَّ شقَّ المَلَكَين إنَّما كان في صدره وبطنه، انتهى، وهذا كلامٌ حسنٌ معقولٌ.

    سؤالٌ سُئلت عنه وقد تَقَدَّمَ؛ وهو: خاتم النبوة الذي بين كتفَيه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ هل هو من خصائصه أو أنَّ كلَّ نبيٍّ [4] مختومٌ بخاتم النبوة؟

    فأجبتُ: بأنِّي لا أستحضر في ذلك نقلًا، ولكنَّ الذي يظهر لي أنَّه من خواصِّه، وذلك لأنَّه خُتِم به لِمَعانٍ؛ أحدها: إشارة إلى أنَّه خاتم النَّبيِّين، وليس كذلك غيره، ثانيها: فيه إشارة إلى أنَّ باب النبوَّة قد سُدَّ وخُتِم عليه؛ فلا نبيَّ بعده، وليس كذلك غيره.

    وممَّا يُسألُ عنه أيضًا: هل وُلِد به صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من بطن أمِّه مختومًا بخاتم النبوَّة أو جُعِل الخاتم بين كتفيه بعد ذلك؛ أعني: بعدما وُلِد أو حين نُبِّئَ؟

    والجواب _وقد تَقَدَّمَ_: أنَّه روى ابن أبي الدنيا وغيرُه بإسنادٍ يرفعه إلى أبي ذرٍّ: «أتاني مَلَكَان وأنا ببطحاء مكَّة، فوقع أحدهما بالأرض ... »؛ فذكر قصَّته، وأنَّه وُزِن برجل، ثُمَّ بعشرة، ثُمَّ بمئة، ثُمَّ بألف ... إلى أنْ قال: «وجُعِل الخاتم بين كتفيَّ كما هو الآن، ووَلَّيَا عنِّي، فكأنِّي أعاين الأمر معاينةً»، وفي «سيرة مغلطاي»: (وخُتِم حين وضْعهِ بالخاتم)، ذكره ابن عائذ، وفي «سيرة ابن سيِّدِ النَّاسِ» عن ابن عائذ في «مغازيه» بسنده إلى شدَّاد بن أوس ... ؛ فذكر حديث الرضاع وشقِّ الصدر، وفيه: «وأقبل الثالث _يعني: المَلَك_ وفى يده خاتم له شعاعٌ، فوضعه بين كتفيه وثدييه، ووجد برده زمانًا»، وقيل: وُلِدَ به، انتهى.

    وقد روى أحمد في «مسنده» من حديث عتبة بن عبدٍ السُّلَمِيِّ: أنَّ رجلًا سألَ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: كيف كان أوَّلُ شأنك يا رسولَ الله؟ فقال: «كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابنٌ لها ... »؛ فذكر حديث شقِّ البطن ... إلى أنْ قال: «وختم عليه بخاتم النبوَّة»، وقال حَيْوَة في حديثه: «حُصْه، فحصَّه، واخْتُم عليه بخاتم النبوَّة».

    (1/6664)

    تنبيهٌ: قوله في الحديث الذي ذكره ابن أبي الدنيا: «بينما أنا ببطحاء مكَّة»: كذا قال، وهذه القصَّة لَمْ تَعرِض له إلَّا وهو في بني سعد مع حليمة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وقد رواه البزَّار من طريق عروة عن أبي ذرٍّ، فلم يذكر فيه (بطحاء مكَّة)، قال البزَّار: ولا أعلم لعروة سماعًا من أبي ذرٍّ، انتهى.

    ==========

    [1] في (ب): (وهي)، وهو تحريفٌ.

    [2] في (ب): (لسنة).

    [3] في (ب): (فوسوس).

    [4] في (ب): (شيء)، وهو تحريفٌ.

    (1/6665)

    [حديث: يا رسول الله إن ابن أختي وقع]

    3541# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، ثقةٌ مشهورٌ.

    قوله: (سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ): تَقَدَّمَ في ظاهرها، وتَقَدَّمَ فيه أنَّ خالته اسمها فاطمة، وأن أمَّه اسمها عُلَيَّة بنت شُريح.

    قوله: (وَقِع): هو بفتح الواو، وكسر القاف، وبالعين المُهْمَلَة؛ أي: وَجِع؛ كما جاء في بعض طرقه، وأصل (الوقع): وَهن الرِّجْل وتمرُّضُها من حَفاءٍ يصيبها، وقد [1] روى بعضُهم عن أبي ذرٍّ في [2] هذا الباب: (وَقَع)؛ على الفعل الماضي، قال ابن قرقول: الوجه ما تَقَدَّمَ.

    قوله: (مِنْ وَضُوئِهِ): هو بفتح [3] الواو: الماء [4]، ويجوز فيه الضمُّ، وقد تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا.

    قوله: (قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللهِ): هو مُحَمَّد بن عبيد الله، شيخُه في هذا الحديث، وهو مُحَمَّد بن عبيد الله بن مُحَمَّد بن زيد الأمويُّ، مولى عثمانَ بن عفَّان، أبو ثابت المدنيُّ، عن مالك، وإبراهيمَ بنِ سعْد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وحاتم بن إسماعيل، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ وأبو زرعة، وأبو حاتم، وآخرون، قال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البُخاريُّ، والنَّسائيُّ في «اليوم والليلة».

    قوله: (الْحَجَلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ): كذا هو مضبوط بالقلم في أصلنا، وفي نسخة الدِّمْيَاطيِّ: (الحُجْلَةُ [5]: من حَجْلِ الفرس)، قال ابن قرقول: (مثل زِرِّ الحجلة): كذا في «مسلم»، وفي «البُخاريِّ» مثله في (باب خاتم النبوَّة)، وجاء للقابسيِّ في موضع آخرَ بسكون الجيم، فقال البُخاريُّ في تفسيره: (الحَجَلَةُ: من حُجْلِ الفرس الذي بين عينيه)، كذا قيَّدَه بعضهم بضَمِّ الحاء وسكون الجيم، وبضمِّها وفتح الجيم من الثاني، وبعضهم بكسر الحاء وبفتح الجيم أيضًا، فإنْ كان البُخاريُّ سمَّى البياض بين عيني الفرس حجلةً؛ لكونه بياضًا، كما سُمِّيَ بياض القوائم تحجيلًا؛ فما معنى ذكر الزِّرِّ مع هذا؟ لا يتَّجه لي فيه وجهٌ، وفسَّر التِّرْمِذيُّ في كتابه (الزِّرَّ): بالبيض، فقال: (زِرُّ الحجلة: بيضها)، فالحجلة عنده: الطائر الذي يُسمَّى القبْج، وقال الخَطَّابيُّ: بتقديم الراء على الزاي، كأنَّه أخذه من رزِّ الجراد؛ وهو بيضها، فاستعاره للطائر، وأمَّا تسمية البيض بـ (زِرٍّ)؛ فلا أعرف له وجهًا، وإنَّما (الزِّرُّ): واحدة [6] «الأزرار» التي تدخل في العُرَا؛ كأزرار القميص، و (الحجلة): إحدى «الحجال»، وهي ستور، وهذا أولى ما قيل، وكأنَّ من فسَّر الزِّرَّ بالبيض؛ نظر إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث: (مثل بيضة الحمامة)، ثُمَّ رأى (زرَّ الحجلة)، ففسَّره ببيضها؛ اعتمادًا على ما وجد من ذكر بيضة الحمامة، انتهى.

    وفي «النهاية»: (زرُّ الحَجَلَة)؛ بالتحريك: بيت كالقبَّة يُستَر

    [ج 1 ص 924]

    (1/6666)

    بالثياب، ويكون لها أزرار كبار، وتُجمَع على (حجال)، انتهى ولم يذكر غير ذلك، وقال شيخنا في (كتاب المرضى) _وهو من تتمة كلام الداوديِّ_: ومَن رواه بضَمِّ الحاء، يقول: كحجل الفرس؛ وهي الشَّعر المجتمع في مؤخَّر الحافر، واعترض ابن التين فقال: هذا لَمْ يذكره أهل اللغة، انتهى، ثُمَّ ذكر في (الدعوات) عن ابن التين: أنَّ مَن رواه بفتح الحاء؛ فهو كذا، ومن رواه بضمِّها؛ يعني: حُجلة الفرس، وهو الشَّعر الذي يجتمع في مؤخَّر الرِّجل في الرُّسُغ، وقرأته بفتح الحاء والجيم، انتهى.

    وقال بعضهم في تقييد كلام مُحَمَّد بن عبيد الله: (بضَمِّ الحاء وفتح الجيم، وبفتحهما): أراد أنَّها بيضها، ولم يُصِب في هذا التفسير؛ لأنَّ الزِّرَّ إنَّمَا هو للحجلة التي هي السِّتر، ومع ذلك؛ فإنَّ التحجيل في الفرس إنَّمَا هو في قوائمه، لا بين عينيه، ولا يقال فيه: حجل، ولا: حجلة، والذي بين عينيه: غُرَّة، وأولى ما قيل فيه: إنَّها واحدة «الحجال»؛ وهي السُّتور، والزِّرُّ: واحد «الأزرار» التي تدخل في العُرَا، ومَن فسَّر الزِّرَّ بالبيضة؛ نظر إلى ما ورد في بعض الطرق: (مثل بيضة الحمامة)، فجعل الزِّرَّ كالبيضة، والحجلة: الطائر، وبه فسَّره التِّرْمِذيُّ، وقال الخَطَّابيُّ: بتقديم الراء على الزاي: هو من رزِّ الجراد؛ وهو بيضها، واستعاره للطائر، وقال إبراهيم بن حمزة: (مثل رِزِّ الحَجَلة)، قيل: إنَّه خالف بتقديم الراء على الزاي، وقيل: إنَّه خالف في ضمِّ الحاء، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي الحَجلة التي تكون على السرير، انتهى.

    قوله: (وَقَالَ [7] إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ): (زِرِّ): في أصلنا بتقديم الزاي على الراء هنا، وفيه نظرٌ، وسأذكره، أمَّا (إبراهيم بن حمزة)؛ فجدُّه مُحَمَّد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزُّبَير القرشيُّ الزبيريُّ، أبو إسحاق المدينيُّ [8]، من أصحاب الحديث، له تجارة، روى عن إبراهيم بن سعد، والدراورديِّ [9]، وابن أبي حازم، وحاتم بن إسماعيل، وجماعةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وأبو زرعة، والذهليُّ، وجماعةٌ، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد: ثقةٌ صدوقٌ في الحديث، قال البُخاريُّ: مات بالمدينة سنة (230 هـ)، أخرج له البُخاريُّ وأبو داود، والنَّسائيُّ في «اليوم والليلة».

    (1/6667)

    وأمَّا (مثل زرِّ الحجلة) الذي رواه؛ فقد ذكرت لك ما هو مضبوطًا في أصلنا، وما قاله ابن قرقول عن الخَطَّابيِّ من أنَّه بتقديم الراء على الزاي، وقد ذكر شيخنا كلامًا للسُّهيليِّ فيه اعتراضٌ على التِّرْمِذيِّ في تفسيره الذي ذكرتُه لك من عند ابن قرقول من أنَّ (الزِّرَّ) البيضةُ، و (الحجلة): الطائر، فقال: إنَّمَا حجلة السرير: واحدة «الحجال»، وزرُّها: الذي يدخل في عروتها، والذي ذكره إنَّمَا يأتي على تقدَّيم الراءِ على الزاي _كما حكاه البُخاريُّ عن إبراهيم بن حمزة_ من أريز الشيء؛ إذا دخل في الأرض، ومنه الرزَّة، قال: لأنَّ الحجلة إذا أرادت أنْ تبيض؛ رزَّت ذنبها بالأرض من شدَّة ما تلاقيه، قال الخَطَّابيُّ: زعم قومٌ أنَّ رزَّ الحجلة: بيضُ الحجل، ورواية إبراهيم بن حمزة تدلُّ عليه، قال: وهو من قولك: أَرزت الجرادة؛ إذا أناخت ذنبها في الأرض فباضت، فاستعاره للطائر، انتهى.

    فهذا صريحٌ في أنَّ كلام إبراهيم بن حمزة: (رِزِّ الحجلة)؛ بتقديم الراء، لا بتأخيرها، بخلاف ما هو مضبوطٌ في أصلنا عنه بالقلم.

    ثُمَّ قال شيخنا بعد ذلك عن ابن التين قال: الذي روينا ربَّما خالف إبراهيم بن حمزة في ضمِّ حاء (الحجلة)، فرواها بفتح الحاء والجيم، وهي قبل ذلك بضَمِّ الحاء وسكون الجيم، ثُمَّ ذكره عن البيهقيِّ أنَّه قال في «الدلائل»: المعروف: (زرِّ)؛ بتقديم الزاي على الراء، ورواه بعضهم بالراء قبله، انتهى، وذكر شيخنا أيضًا في (كتاب المرضى) الزِّرَّ والحجلة، ثُمَّ قال: وقيل: إنَّمَا هو بتقديم الراء على الزاي، مأخوذٌ من أرزت الجرادة ورزَّت؛ إذا أدخلت ذنبها في الأرض؛ لتلقيَ فيه بيضها، انتهى.

    وقد قَدَّمْتُ الكلام في مخالفة إبراهيم بن حمزة هل هو في تقديم الراء على الزاي، أو خالف في ضمِّ الحاء، فرواه بفتح الحاء والجيم، والله أعلم.

    (1/6668)

    [باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم]

    (1/6669)

    [حديث: صلى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي فرأى الحسن .. ]

    3542# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مخْلد النَّبيل، وتَقَدَّمَ (ابنُ أَبِي مُلَيْكَة): أنَّه عبد الله بن عُبيد الله ابن أبي مُلَيْكَة زُهيرٍ، وزُهيرٌ صَحَابيٌّ.

    قوله: (فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ ... ) إلى: (بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّ الحسن أشبهُ الناس برسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتَقَدَّمَ مَن يشبهه عليه الصَّلاة والسَّلام، في (الصلح)، وقد جمعتهم هناك جمعًا لَمْ أرَه [1] لأحدٍ قبلي.

    ==========

    [1] في (ب): (أرهم).

    [ج 1 ص 925]

    (1/6670)

    [حديث: رأيت النبي وكان الحسن يشبهه]

    3543# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ يُونُسَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه أحمد بن عبد الله بن يونس، نسبه [1] إلى جدِّه، وتَقَدَّمَ (زُهَيْرٌ): أنَّه ابن معاوية بن حُدَيج [2]، أبو خيثمة، وتَقَدَّمَ (أَبُو جُحَيْفَةَ) ضبطًا وبعضَ ترجمةٍ [3]، وأنَّه وَهْب بن عبد الله السُّوائيُّ، وسيأتي قريبًا تسميته بوهب.

    ==========

    [1] في (ب): (نسب).

    [2] في (ب): (خديج)، وهو تصحيفٌ.

    [3] في (ب): (ترجمته).

    [ج 1 ص 925]

    (1/6671)

    [حديث: رأيت النبي وكان الحسن بن علي يشبهه]

    3544# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَمْرُو [2] بْنُ عَلِيٍّ): هذا هو الفلَّاس الحافظ، وتَقَدَّمَ أنَّه أحد الأعلام، و (ابْنُ فُضَيْلٍ): هو بضَمِّ الفاء، وفتح الضاد، وهو مُحَمَّد بن فُضَيل بن غزوان الضَّبِّيُّ مولاهم، الحافظ.

    قوله: (كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ [3]): تنبيهٌ: اعلم أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام جاء في لونه أنَّه كان أبيضَ، كما هنا، وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عائشة [4]، ومن حديث عليٍّ [5]: (أنَّه كان أبيضَ مُشْرَبًا حمرة)، ومن حديث أنس: (كان أزهرَ اللون)، وعنه أيضًا: (أنَّه كان أسمرَ)، أخرج الجميعَ أبو حاتم، وما جاء في «الصحيح» من حديث أنس: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ يكن بالأبيض ولا بالآدم [6])، يَرُدُّ رواية مَن روى أنَّه كان أسمرَ، قاله المحبُّ الطَّبَريُّ، انتهى.

    وحديث أنس: (أنَّه كان أسمرَ) رواه أيضًا أحمد في «المسند» والتِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وفي «المسند» أيضًا عن يزيد الفارسيِّ _وهو في «الشمائل» للترمذيِّ_ قال: رأيتُ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في النوم زمن ابن عَبَّاس _وكان يزيد يكتبُ المصاحف، قال_: فقلت لابن عَبَّاس ... إلى أنْ قال: فهل تستطيع أن تنعت لي هذا الرجل الذي رأيت؟ قال: نعم ... ؛ فذكره ... إلى أنْ قال: أسمر إلى البياض ... إلى آخره، فقال ابن عَبَّاس: لو رأيته في اليقظة؛ ما استطعت أن تنعته فوق هذا، انتهى.

    قوله: (قد شَمِط): هو بكسر الميم في الماضي، وبفتحها في المستقبل والمصدر، و (الشَّمَط): اختلاط الشعر بالشيب، قاله الخليل، وقال أبو حاتم: هو أنْ يعلوَ البياضُ في الشعر السوادَ، وقال الأصمعيُّ: إذا رأى الرجل البياض في رأسه؛ فهو أشمط.

    قوله: (بِثَلَاثَةَ [7] عَشَرَ [8] قَلُوصًا): وفي نسخة: (بثلاثَ عشرةَ) [9]، وهو الصواب، و (القَلُوص): بفتح القاف، وضمِّ اللام المُخَفَّفة، وفي آخره صاد مهملة، وجمعه: قِلاص؛ بكسر القاف، وهي فتيان الإبل.

    قوله: (فَقُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبِض): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] في (ب): (عمر)، وهو تحريفٌ.

    [3] في هامش (ق): (أي: خالط سواد شعره بياض).

    [4] زيد في (ب): (رضي الله عنها).

    [5] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

    [6] في (ب): (بالأبيض ولآدم)، وهو تحريفٌ.

    [7] في (ب): (ثلاثة)، وهو تحريفٌ.

    [8] كذا في النُّسخَتَين و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت والأصيليِّ وابن عساكر.

    [9] وهي رواية «اليونينيَّة».

    [ج 1 ص 925]

    (1/6672)

    [حديث: رأيت النبي ورأيت بياضًا من تحت شفته السفلى العنفقة]

    3545# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه [ابن] يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، و (أَبُو إِسْحَاقَ): جدُّه، واسم أبي إسحاق: عَمرُو بن عبد الله.

    ==========

    [ج 1 ص 925]

    (1/6673)

    [حديث: كان في عنفقته شعرات بيض]

    3546# قوله: (حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ): تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ أنَّه بفتح الحاء، وكسر الراء، وفي آخره زاي، الرَّحَبيُّ، وقدَّمت غير بعيد ترجمته، وهو مشهورٌ ناصبيٌّ، و (عَبْد اللهِ بْن بُسْرٍ): تَقَدَّمَ الكلام على أبيه [1] [أنَّه] بضَمِّ المُوَحَّدة، وبالسين المُهْمَلَة، وتَقَدَّمَ من يُقال له: بُسر _ كهذا_ في «البُخاريِّ» و «مسلم»، والباقون: بِشْر؛ بالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ (عبد الله) مُتَرْجَمًا.

    ==========

    [1] (أبيه): سقط من (أ).

    [ج 1 ص 925]

    (1/6674)

    [حديث: كان ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير]

    3547# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى [2] ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، الإمام المجتهد، وقوله: (عَنْ خَالِدٍ): هو ابن يزيد، أبو عبد الرحيم المصريُّ الفقيه، عن عطاء والزُّهْرِيِّ، وعنه: الليث ومفضَّل بن فَضالة، ثقةٌ، تُوُفِّيَ سنة (139 هـ)، أخرج له الجماعة، ومَن يقال له: (خالد بن يزيدَ) جماعةٌ في بعضِ الكُتُب السِّتَّة و «الميزانِ».

    [ج 1 ص 925]

    قوله: (كَانَ رَبعَةً): هو بفتح الراء، وإسكان المُوَحَّدة وفتحها، هو الرَّجلُ بين الرَّجُلين.

    قوله: (أَزْهَرَ اللَّوْنِ): أي: مُشْرِقَه.

    قوله: (لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ [3]): هو بفتح الهمزة، ثُمَّ ميم ساكنة، ثُمَّ هاء مفتوحة، ثُمَّ قاف، قال ابن قرقول في تفسير (الأمهق): الأبيض الذي لا يشُوب بياضَه حمرةٌ ولا صفرةٌ ولا سُمرةٌ [4] ولا إشراق؛ كبياض المريض، وقال الخليل: المهق: بياضٌ [5] في زُرقة، وقد وقع في بعض روايات المروزيِّ [6]: (أزهر اللون أمهق)، وهو وَهَمٌ؛ لأن الأزهرَ غيرُ الأمهق، ورأيت في نسخة لابن السكن: (أمعن)؛ بالعين المُهْمَلَة، ولم أروِه، لكنِّي رأيته في بعض الروايات: (ليس بالأبيض ولا بالآدم)، وهو غلطٌ، وصوابه: «ليس بالأبيض الأمهق»؛ كما عند الجُرْجانيِّ.

    قوله: (وَلاَ آدَمَ): (الآدم): الأسمر، وقد قَدَّمْتُ الكلام على لونه عليه الصَّلاة والسَّلام قريبًا.

    قوله: (لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه الذي شعره كشعور السودان، وأنَّ (قَططًا) بفتح الطاء وكسرها، وكذا تَقَدَّمَ (وَلاَ سَبْطٍ)، وأنَّه المسترسل الشعر، وأنَّ باءَه بالكسر وتُسَكَّن.

    قوله: (أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ): (أُنزِل): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وقد تَقَدَّمَ ما في ذلك، وجملة ما فيه خمسةُ أقوال؛ هذا أصَّحُها، وصوَّبه النَّوويُّ في «شرح مسلم».

    تنبيهٌ [7]: ما يُذكَر عن المسيح ابن مريم أنَّه رُفِع إلى السماء وله ثلاثٌ وثلاثون سنةً؛ فقال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة في «الهدْي»: (فهذا لا يُعرَف به أثرٌ متَّصلٌ يجب المصير إليه)، وقد قَدَّمْتُ ذلك مُطَوَّلًا في يحيى بن زكريَّا؛ لقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [8] [مريم: 12]؛ فانظرها.

    قوله: (فَمَكَثَ [9] بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ): تَقَدَّمَ الكلام على ذلك، وهذا قولٌ من ثلاثة أقوالٍ في مَبْلَغ سِنِّه، وذكرت ما في «تاريخ ابن عساكر»، وما في كتاب عُمرَ بنِ شبَّة، وذكرت قريبًا كلام السُّهَيليِّ في جمعه، وذكرت جمعًا لغيره، وقدَّمت أنَّ قول مَن قال: (خمسًا وستِّين) وكذا (ستِّين) وهَّنوهما بمرَّةٍ، في الورقة التي قبل هذه [10].

    قوله: (وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ): هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، وقد حُكِيَ فيه الاتِّفاق.

    (1/6675)

    قوله: (وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ): وذكر شيخنا في (اللباس) في (الخِضَاب): (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام كان شيبُه [11] تسعَ عشرةَ شعرةً بيضاء)، وقال آخرون: (عشرون)، ثُمَّ قال: قلت: وذكر العلَّامة أبو القاسم في كتاب «الشيب» عن أنس: (خمسَ عشرةَ)، وعند ابن سعد: (سبعَ عشرةَ، أو ثماني عشرةَ)، وفي حديث الهيثم بن دهر: (ثلاثون شعرةً عَدَدًا)، وفي حديث جابر بن سَمُرة: (ما كان في رأسه ولحيته من الشيب إلَّا شَعرات في مفرق رأسه، إذا ادَّهنَ؛ وَارَاهُنَّ الدُّهن)، انتهى.

    وفي «مسند عَبْد بن حُمَيدٍ» في (مسند أنس) من رواية ثابت عنه قال: (ما عددتُ في رأس رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ولحيته إلَّا أربعَ عشرةَ [12] شعرةً بيضاء)، وفي «الرصف» لشيخنا غياث الدين ابن العاقوليِّ ثُمَّ البغداديِّ ما لفظه: روى ابن سعد عن زهيرٍ عن حُميد الطويل قال: قيل لأنس بن مالك: أكان رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخضب؟ قال: كان شَمَطُه أقلَّ من ذلك، لم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرينَ شَعرةً، قال زهيرٌ: وأصغى حُميد إلى رجل عن يمينه، فقال: سبعَ عشرةَ، ووضع يده على عنفقته، وأخرجه من طريق آخر عن أنس، وقال فيه: (ما كان في رأسه ولحيته إلَّا سبعَ عشرةَ، أو ثماني عشرةَ) انتهى.

    وفي «ابن ماجه» [13] في (اللباس) من حديث أَنَس: أنَّه لم يَرَ من الشَّيْبِ إلَّا سَبْعَ عَشْرَة [14] أو عِشْرِينَ شَعَرَةً في مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ؛ يعني: النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.

    والجمع بين هذه الروايات: أنَّ العدد وقع مَرَّاتٍ في أوقاتٍ، والله أعلم، وأكثرُها _وهو (ثلاثون شَعرة) _ آخرها عددًا.

    وحاصل الروايات التي وقفت عليها في عدد شيباته: (دون عشرين)، (عشرون)، (خمسَ عشرةَ)، (سبعَ عشرةَ أو ثماني عشرةَ)، (ثلاثون شعرةً)، (شَعراتٌ)، (أربعَ عشرةَ).

    قوله: (قَالَ رَبِيعَةُ): هذا هو ابن أبي عبد الرَّحْمَن، الرأي، المذكور في سند هذا الحديث، فقيه المدينة، وصاحب الرأي، مشهورٌ [15].

    قوله: (فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ): سيجيء الكلام [16] في أنَّه هل خضب رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أم لا، قريبًا.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] (يحيى): ليس في «اليونينيَّة».

    [3] في هامش (ق): (الأمهق: الشديد البياض لا يخالطه شيء من الحمرة وليس بنيِّرٍ، ولكن كلون الجص).

    [4] في (ب): (حمرة)، وهو تحريفٌ.

    [5] في (ب): (بياضه).

    [6] في (ب): (الترمذي)، وهو تحريفٌ.

    [7] (تنبيه): سقط من (ب).

    [8] ({الحكم صبيَّا}): ليس في (ب).

    [9] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَلَبَثَ).

    [10] زيد في (ب): (بورقة).

    [11] في (ب): (شيبته).

    [12] في (أ): (أربعة عشر)، وفي (ب): (أربع عشر)، والمثبت هو الصَّواب.

    [13] زيد في (ب): (ما).

    (1/6676)

    [14] في النُّسْخَتَين: (سبعة عشر)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

    [15] (مشهور) ليس في (ب).

    [16] زيد في (ب): (عليه).

    (1/6677)

    [حديث: كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير]

    3548# قوله: (وَلَا بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ): تَقَدَّمَ أعلاه [1]، وكذا (وَلَا [2] بِالآدَمِ)، وكذا (الْجَعْدِ الْقَطَطِ)، وكذا (السَّبْطِ)، وكذا (بَعَثَهُ اللهُ على رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً)، وكذا (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ)، وسيأتي في (المبعث) أيضًا، وكذا (وبالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ)، وكذا عدد الشعر الأبيض؛ كلُّه أعلاه [3].

    ==========

    [1] (أعلاه): سقط من (ب).

    [2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (وليس).

    [3] زيد في (ب): (وبظاهرها).

    [ج 1 ص 926]

    (1/6678)

    [حديث: كان رسول الله أحسن الناس وجهًا وأحسنه خلقًا]

    3549# قوله: (وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا): كذا في أصلنا بضَمِّ الخاء واللام، وكذا في نسخة الشيخ أبي جعفر، وفيهما نظرٌ؛ إذ قال القاضي عياض: (خَلْقًا) هنا _ أي: في هذا الحديث حديث البراء_: بفتح الخاء، وقال: لأنَّ مراده صفات حُسْنِه [1]، وفي حديث أنسٍ: (خُلُقًا)؛ بضَمِّ الخاء، انتهى [2]، وهو كلامٌ حسنٌ صحيحٌ.

    ==========

    [1] كذا في النُّسْخَتَين وهامش (ق) بخطِّه، وفي المصادر: (جسمه)، انظر «إكمال المعلم»، «شرح مسلم» للنووي، «الديباج».

    [2] (انتهى): جاءت في (ب) بعد قوله: (حسنه)؛ وذلك أنَّ الجملة قبلها مستدركة في (أ).

    [ج 1 ص 926]

    (1/6679)

    [حديث: هل خضب النبي؟ قال: لا إنما كان شيء في صدغيه]

    3550# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وكذا تَقَدَّمَ (هَمَّامٌ): أنَّه ابن يحيى العَوْذيُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللهِ [1] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا): هذا صريحٌ في أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام لَمْ يخضب، وهذا قد أجاب عنه الإمام أبو عبد الله أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل، وقال: قد شهد غيرُ أنسٍ على رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه خَضَب، وليس مَن شهد بمنزلة مَن لَمْ يشهد، فأحمدُ رحمه الله أثبت خِضابَ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومعه جماعةٌ من المحدِّثين، ومالكٌ رحمه الله أنكره، وممَّا يُستدَلُّ به لأحمدَ ومَن وافقه حديثٌ رواه البُخاريُّ في «صحيحه» عن عثمان بن عبد الله بن مَوْهب قال: (دخلنا على أمِّ سلمة، فأخرجت إلينا شَعرًا من شَعر رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فإذا هو مخضوبٌ)، وقد أخرجه ابن ماجه في «سُننه» بزيادة: (مخضوبًا بالحِنَّاء والكَتَم) انتهى.

    قال السُّهَيليُّ في «روضه» في (غزوة الفتح) _وقد ذكر حديث ابن مَوْهب عن أمِّ سلمة_ ما لفظه: فإن قيل: فهذا يدلُّ على أنَّه كان مخضوبَ الشيب، وقد صحَّ من حديث أنسٍ وغيرِه أنَّه لَمْ يكن عليه

    [ج 1 ص 926]

    الصَّلاة والسَّلام بلغ أنْ يخضبَ، إنَّمَا كانت شَمطات تُعَدُّ، والجواب: أنَّه لمَّا تُوُفِّيَ؛ خضب مَن كان عنده شيءٌ مِن شَعره تلكَ الشَّعرات؛ ليكون أبقى لها، كذلك ذكره الدَّارَقُطْنيُّ في «أسماء رجال المُوَطَّأ» له، انتهى [2].

    وهذا الذي ذكره لا يتأتَّى له في الأحاديث التي سأذكرها الآن، ولمَّا ذكر النَّوويُّ في «شرح مسلم» كلامَ القاضي عياض، وذِكْرَه خلافَ العلماء في أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خَضَب أم لا؛ قال عقيبه: والمختار: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم صبغ في وقتٍ، وتركه في معظم الأوقات، فأخبر كلٌّ بما رأى، وهو صادق، وهذا التأويل كالمتعيِّن، فحديث ابن عمر (في «الصحيحين»، ولا يمكن تركه، ولا تأويلَ له، والله أعلم، انتهى، وحَدِيث ابن عمر) [3] المشار إليه: (أنَّه رأى النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يصبغ بالصُّفرة).

    وقد روى التِّرْمِذيُّ عن أبي رِمْثة: قال: (أتيتُ النَّبيَّ ... )، وفيه: (وعليهِ ثوبانِ أخضرانِ، وله شعرٌ قد علاه الشَّيبُ، وشيبه أحمر)، أخرجه التِّرْمِذيُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ ولكن مختصرًا بغير ذكر الخِضاب، ورواه النَّسائيُّ أيضًا في (الزينة) بقصَّة خِضابه بالحنَّاء عن عَمرو بن عليِّ عن عبد الرَّحْمَن بن سفيان، عن إيَاد بن لقيط، وأخرجه أيضًا مختصرًا.

    (1/6680)

    ورَوى أيضًا التِّرْمِذيُّ في «الشمائل»، وأبو داود، والنَّسائيُّ، من حديث أبي رِمثة أيضًا قال: أتيت النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مع ابن لي، فقال: «ابنك؟»، قلت: نعم؛ اشهدْ به، قال: «لا يجني عليك، ولا تجنِ عليه»، ورأيت شيبه أحمرَ، قال التِّرْمِذيُّ في «الشمائل» [4]: هذا أحسن شيء رُويَ في هذا الباب وأفسرُه؛ لأنَّ الرواياتِ الصحيحةَ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لَمْ يبلغ الشيب.

    ورَوى التِّرْمِذيُّ أيضًا في «الشمائل» عن أبي هريرة رضي الله عنه: (هل خَضَب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؟ قال: نعم)، وقد ذكر في «الشمائل» [5] غير ما ذكرت [6]؛ فانظره في (باب ما جاء في خِضاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم).

    قال ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظُ شمسُ الدين: فإن قيل: فقد ثبت في «مسلم» النهيُ عن الخِضاب بالسَّواد في شأن أبي قحافة والد أبي بكرٍ لمَّا أُتِيَ به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، قال: «غيِّروا هذا بشيءٍ، وجنِّبوه السَّوادَ»، والكَتَم يسوِّد الشَّعر، وجوابه من وجهين: أحدهما: أنَّ النهي عن التسويد البحت، فأمَّا إذا أضيف إلى الحنَّاء شيءٌ آخرُ؛ كالكَتَم ونحوه؛ فلا بأس به، فإنَّ الكَتَم والحنَّاء يجعل الشَّعر بين الأحمر والأسود، بخلاف الوسمة، فإنَّها تجعله أسودَ فاحمًا، وهذا أصحُّ الجوابين، الثاني: أنَّ الخِضاب بالسواد المَنْهيِّ عنه خضابُ التدليس؛ كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغرُّ الزوج والسيِّد بذلك، وخِضاب الشيخ يغرُّ [7] المرأة بذلك؛ فإنَّه من الغشِّ والخداع، فأمَّا إذا لم يتضمَّن تدليسًا ولا خداعًا؛ فقد صحَّ أنَّ الحسن والحُسين كانا يخضبان بالسواد، وصحَّ عن غيرهما أيضًا.

    تنبيهٌ: قد ظنَّ بعض الناس أنَّ الكَتَم هو الوسمة _وهي [8] ورق النيل_ وهذا وَهَمٌ؛ فإنَّها غير الكَتَم، ومن أراد الوقوف على ذلك؛ فلينظر «صحاح الجوهريِّ» وغيرَه، قال الجوهريُّ: والكَتَم؛ بالتحريك: نبتٌ يُخلَط بالوسمة يُختَضَب به.

    ==========

    [1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (النَّبيُّ).

    [2] (انتهى): ليس في (ب).

    [3] ما بين قوسين سقط من (ب).

    [4] (في «الشمائل»): سقط من (ب).

    [5] زيد في (ب): (أيضًا).

    [6] في (ب): (ذكرته).

    [7] في (ب): (يغتر)، وهو تحريفٌ.

    [8] في (ب): (وهو).

    (1/6681)

    [حديث: كان النبي مربوعًا بعيد ما بين المنكبين]

    3551# قوله: (قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ [1]): هذا التعليق أخرجه البُخاريُّ قُبَيل هذا في هذا الباب (بابٌ في صفة النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) عن أحمد بن سعيد أبي عبد الله، وأخرجه مسلمٌ في (فضائل النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) عن أبي كُرَيب؛ كلاهما عن إسحاق بن منصور، عن إبراهيم بن يوسف، عن أبيه به، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (ب): (منكبه)، والمثبت موافقٌ لما في «البخاري».

    [ج 1 ص 927]

    (1/6682)

    [حديث: أكان وجه النبي مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر]

    3552# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، و (زُهَيْرٌ) بعده: هو ابن معاوية بن حُديج [1]، أبو خيثمة، تَقَدَّمَ مرارًا، و (أَبُو إِسْحَاق): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عَمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ.

    ==========

    [1] في (ب): (خديج)، وهو تصحيفٌ.

    [ج 1 ص 927]

    (1/6683)

    [حديث: خرج رسول الله بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ ثم صلى الظهر]

    3553# قوله: (بِالْمِصِّيصَةِ [1]): قال ابن قرقول: بكسر الميم، وتخفيف الصاد، وشدَّها بعضهم، انتهى، وفي «الصحاح»: ومَصيصة؛ بفتح الميم بالقلم، كذا في نسخةٍ صحيحة قُوبِلَت أربع مَرَّاتٍ، وهي نسختي، وكذا في هامش أصلنا، ولفظه: وإنْ فتحت الميم؛ خفَّفت الصاد، انتهى، قال الجوهريُّ: بلدٌ في الشام، بالتخفيف، ولا تقل: مصِّيصة؛ بالتشديد، انتهى.

    قوله: (عَنِ الْحَكَمِ): هذا هو ابن عتيبة الإمام، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وقدَّمت فيه وَهمًا للبُخاريِّ.

    قوله: (سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ): تَقَدَّمَ ضبطه، وأنَّه وَهْب _كما وقع قريبًا_ ابن عبد الله السُّوائيُّ، كما قدَّمته.

    قوله: (بِالْهَاجِرَةِ): هي وسط النهار، وقد تَقَدَّمَت، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (عَنَزَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليها، ومقدارها، وهل أهداها النجاشيُّ له عليه الصَّلاة والسَّلام أو جاء بها الزُّبَير من الحبشة، في أوائل هذا التعليق.

    قوله: (وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ [2] أَبِي جُحَيْفَةَ): (عون) هذا: روى عن أبيه وجماعةٍ، وعنه: شعبة، وسفيان، وعدَّةٌ، وثَّقوه، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، أخرج له [3] الجماعةُ، وقد وقع في أصلنا: (عون عن أبيه عن أبي جُحَيْفَة)، وهو خطأٌ، صوابه ما قدَّمته، وقائل: (وزاد فيه عون) هو شعبة، أخرجه البُخاريُّ في (الطهارة) عن آدم، وفي (الصلاة) عن سليمان بن حرب، وفي هذا الباب عن الحسن بن منصور عن حجَّاج بن مُحَمَّد، ومسلم في (الصلاة) عن مُحَمَّد بن مثنَّى ومُحَمَّد بن بَشَّار؛ كلاهما عن غُنْدر، وعن زُهير بن حرب ومُحَمَّد بن حاتم؛ كلاهما عن ابن مهديٍّ؛ خمستهم عن شعبةَ عن الحكم، ولم يذكر آدم ولا سليمان بن حرب زيادةَ عون بن أبي جُحَيْفَة، وذكرها الباقون، وأخرجه النَّسائيُّ في (الصلاة) عن مُحَمَّد بن مثنَّى ومُحَمَّد بن بَشَّار به، دون الزيادة، والله أعلم.

    (1/6684)

    [حديث: كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان]

    3554# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ اسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، ولقبه عبدان، ولماذا لُقِّبَ به، و (عَبْدُ اللهِ) بعده: هو ابن المبارك، و (يُونُسُ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ): هو ابن عتبة بن مسعود.

    قوله: (وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ): (أجود) الثانية: مرفوعةٌ بلا خلاف، والتي فيها الخلاف: (وكان أجود ما يكون في رمضان)، تَقَدَّمَ الكلام عليها في أوَّل هذا التعليق، والأجود فيها الرفع، أو أنَّه لا يجوز النصبُ؛ فانظر ذلك إنْ أردته.

    ==========

    [ج 1 ص 927]

    (1/6685)

    [حديث: ألم تسمعي ما قال المدلجي لزيد وأسامة .. ]

    3555# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيجٍ، و (ابْن شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ.

    قوله: (تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ): (تَبرُق): بضَمِّ الراء، وفتح أوَّله، و (الأساير): بفتح الهمزة، ثُمَّ سين مهملة، وبعد الألف راءان _الأولى مكسورة_ بينهما مُثَنَّاة تحت ساكنة، وهي الخطوط التي [1] في الجبهة وتَكَسُّرُها، واحدها: سِرٌّ وسرر، والجمع: أسرار، وأسارير: جمع الجمع.

    قوله: (مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ): هو مُجَزِّز؛ بضَمِّ الميم، وفتح الجيم، وزايَين معجمتين؛ الأولى مكسورة، وابن جُرَيجٍ يفتحها، والصواب الكسرُ؛ لأنَّه جَزَّ نواصي أسارى من العرب، وهو مُجَزِّز بن الأعور بن جعدة بن معاذ بن عُتوارة بن عمرو بن مُدْلِج الكِنانيُّ المُدْلِجيُّ.

    فائدةٌ: هذا مُجَزِّز قد روى عنه النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قولَه هذا، وقد روى عليه الصَّلاة والسَّلام عن تميمٍ الداريِّ حديثَ الجسَّاسة والدَّجَّال في «مسلم»، وقد روى عليه الصَّلاة والسَّلام عن امرأةٍ قصَّةً، كما مرَّ بي في «مسند أحمد»، ولا تحضرني الآن، فهؤلاء ثلاثةٌ روى عليه الصَّلاة والسَّلام عنهم.

    قوله: (لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا): اعلم أنَّ زيدًا كان أبيضَ قصيرًا، وقيل: بين البياض والسواد، وكان أسامةُ أسودَ طويلًا، فكان بعض المنافقين يقع في نسبه؛ قصدَ المغايظة والإيذاء، فدفع الله ذلك وله الحمدُ، ومسألة القيافة مسألةٌ معروفةٌ [2] مختَلَف في العمل بها، والصحيح: جواز العمل بها.

    (1/6686)

    [حديث كعب: كان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر]

    3556# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد، وأنَّ (عُقَيلًا) بضَمِّ العين، هو ابن خالد، وأنَّ (ابْن شِهَابٍ): هو الزُّهْرِيُّ مُحَمَّد بن مسلم.

    [ج 1 ص 927]

    قوله: (يَبْرُقُ): تَقَدَّمَ قريبًا أنَّه بفتح أوَّله، وضمِّ الراء.

    قوله: (إِذَا سُرَّ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    (1/6687)

    [حديث: بعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا]

    3557# قوله: (عَنْ عَمْرٍو): هذا هو عَمرو بن أبي عَمرٍو ميسرةَ، مولى المُطَّلِب بن عبد الله بن حنطب [1]، عن أنس، وأبي سعيد المقبريِّ، وسعيد بن جُبَيرٍ، وطائفةٍ، وعنه: يزيد بن عبد الله بن الهادي، ومالكٌ، ويعقوب بن عبد الرَّحْمَن الإسكندرانيُّ، وآخرون، قال أحمد: ليس به بأسٌ، وقال ابن معين: ليس بالقويِّ، وقال أبو داود: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال أبو زرعة: ثقة، قال ابن سعد: تُوُفِّيَ في أوَّل خلافة المنصور، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان».

    قوله: (بُعِثَ [2] مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ): (بُعِث): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (القرن): فيه أقوالٌ سأذكرها في (فضائل الصَّحَابة) في قوله: «خيركم قرني».

    ==========

    [1] في (ب): (حظب)، وهو تحريفٌ.

    [2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (بُعِثتُ).

    [ج 1 ص 928]

    (1/6688)

    [حديث: أن رسول الله كان يسدل شعره]

    3558# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْر): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف مرارًا، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وكذا (اللَّيْث): أنَّه ابن سعد، وكذا (يُونُس): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا (ابْن شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، وكذا (عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ)؛ يعني: ابن عتبة بن مسعود.

    قوله: (كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ): هو بفتح أوَّله _ثُلاثيٌّ_ وضمِّ الدال، كذا في «صحاح الجوهريِّ»، وفي أصلنا هنا بكسر الدال، وضبطه في أصلنا بالقلم في (باب الفرق) بالضَّمِّ، وقال شيخنا في (الفرق): إنَّه بالضَّمِّ، وإنَّ ابن التين قال: قرأته بكسر الدال، انتهى.

    و (السدل): قال ابن قرقول: (إرسال الشعر على الوجه من غير تفريق، وكذلك السدل في الصلاة: هو إرخاء الثوب على المنكبين إلى الأرض دون أنْ يضمَّ جوانبه، وهو جائزٌ عند مالكٍ إنْ كان عليه ثوبٌ غيرُه؛ إزارٌ أو قميصٌ) انتهى.

    قوله: (وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ [1]): هو بالتخفيف أشهر، فإذا خفَّفتَ؛ ضممتَ الراء، وقد شدَّها بعضهم، فإذا شددتَ؛ كسرتَ الراء، (وحكى بعضهم الضمَّ والكسرَ وأطلق) [2]، و (الفرْق): بالسكون، وقد انفرق شعره: انقسم في مَفرَقه؛ وهو وسط رأسه، وأصله: الفرق بين الشيئين، و (المَفرَق): مكان فرق الشعر من الجبين إلى دائرة وسط الرأس، يقال: بفتح الراء والميم وكسرهما، وكذلك مفرق الطريق.

    قوله: (يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ): هذا كان في أوَّل الأمر، ثُمَّ أحبَّ مخالفتهم، وهذا مَعْرُوفٌ جَلِيٌّ، وقد جاء به نصٌّ، وهذا يُعرَف من قوله [3]: (ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم).

    (1/6689)

    [حديث: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا]

    3559# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، ولِمَ قيل له: عبدان، وهو لقبه، و (أَبُو حَمْزَةَ): بالحاء [1] والزاي، تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن ميمون السُّكريُّ، وتَقَدَّمَ أنَّمَا قيل له: السُّكريُّ؛ لحلاوة كلامه، وتَقَدَّمَ (الأَعْمَش): أنَّه سليمان بن [2] مِهران، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه شقيق بن سلمة.

    قوله: (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا): قال ابن عرفة: الفاحش: ذو الفُحْش في كلامه، والمتفحِّش: الذي يتكلَّف ذلك ويتعمَّده، وقال الطَّبَريُّ: الفاحش: البذيء الذي يأتي الفاحشة المَنْهيَّ عنها.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (المهملة).

    [2] (بن): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 928]

    (1/6690)

    [حديث: ما خير رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما]

    3560# قوله: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: (خُيِّرَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، قال النَّوويُّ: فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حرامًا أو مكروهًا، قال القاضي عياض: يحتمل أن يكون تخييره صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هنا من الله تعالى، فيخيِّره [في] ما فيه عقوبتان، أو فيما بينه وبين الكفَّار من القتال وأخذ الجزية، أو في حقِّ أمَّته في المجاهدة والعبادة أو الاقتصاد، وكان يختار الأيسرَ في كلِّ هذا، قال: وأمَّا قولها: (ما لم يكن إثمًا)؛ فيُتَصوَّر إذا خيَّره الكفَّار والمنافقون، فأمَّا إذا كان التخيير من الله تعالى أو من المسلمين؛ فيكون الاستثناء منقطعًا، انتهى.

    قوله: (إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله): (تُنْتَهك): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (حرمةُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

    ==========

    [ج 1 ص 928]

    (1/6691)

    [حديث: ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف النبي]

    3561# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد بن درهم الأزديُّ، أبو إسماعيل البصريُّ، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ ما إذا أُطلِق (حَمَّاد)؛ فإنْ كان الذي أطلقه سليمان بن حرب _ كهذا_ أو مُحَمَّد بن الفضل عَارم؛ فهو ابن زيد، وإنْ كان موسى بن إسماعيل التَّبُوذكيُّ أو عفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فإنَّه يكون ابنَ سلمة، وكذا إذا أطلقه هدَّاب [1]، و (ثَابِت) بعده: هو ابن أسلم البُنَانيُّ، أبو مُحَمَّد البصريُّ، مشهورٌ جدًّا.

    قوله: (مَا مَسِسْتُ): هو بكسر السين الأولى، يقال: مَسِست الشيء؛ بالكسر، أمَسُّه؛ بفتح الميم، مسًّا، هذه اللُّغة الفصيحة، وحَكى أبو عبيدة: مسَست الشيء؛ بفتح السين، أمُسُّه؛ بضَمِّ الميم، وربَّما قالوا: مِسْت الشيءَ؛ يحذفون السين الأولى، ويحوِّلون كسرتها إلى الميم، ومنهم مَن لا يحوِّل، ويترك الميمَ على حالها مفتوحةً، والله أعلم.

    قوله: (وَلاَ دِيبَاجًا): تَقَدَّمَ الكلام على (الديباج) وجمعِه؛ فراجعه.

    قوله: (وَلاَ شَمِمْتُ): هو بكسر الميم الأولى في الماضي، أشَمُّ؛ بفتح الشين في المستقبل، شمًّا وشميمًا، وشمَمتُ؛ بفتح الميم الأولى، أشُمُّ؛ بضَمِّ الشين، لغةٌ.

    قوله: (أَوْ عَرْفًا): (العَرْف)؛ بفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان الراء، وبالفاء: ريح الطِّيب [2]، و (أو): شكٌّ من الراوي؛ هل قال أنسٌ أو مَن دونَه: (ريحًا) أو (عَرْفًا)؟ وكذا الثانية.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (قوله).

    [2] في (ب): (طيب).

    [ج 1 ص 928]

    (1/6692)

    [حديث: كان النبي أشد حياءً من العذراء في خدرها]

    3562# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (يحيى) هذا: هو ابن سعيد القَطَّان الحافظ.

    قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ): (عُتْبَة): بضَمِّ العين المُهْمَلَة، وإسكان المُثَنَّاة فوق، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، و (عبد الله): هو مولى أنس بن مالك، يروي عن أنس، وعائشة، وأبي الدرداء، وأبي أيُّوب، وغيرِهم، وعنه: ابن جدعان، وحُمَيدٌ الطويل، وثابتٌ البنانيُّ، وهو بصريٌّ صدوق، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وابن ماجه، ذكره ابن حِبَّانَ في «ثقاته»، تَقَدَّمَ ذكره في (العيدين) وتُرجِم، و (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ [1]): تَقَدَّمَ أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه، مُتَرْجَمًا.

    قوله: (مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا): (العذراء): بالمدِّ، وهي البكر، و (الخِدر)؛ بكسر الخاء المُعْجَمَة: الستر يكون للجارية البكر في ناحية البيت، ويقال: الخِدر: سريرٌ عليه ستر، وقيل: الخِدر: البيت نفسُه.

    قوله: (حَدَّثَنَا [2] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار.

    قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ): أمَّا (يحيى)؛ فهو ابن سعيد القَطَّان، وأمَّا (ابن مهديٍّ)؛ فعبد الرَّحْمَن، الإمامان الحافظان المشهوران.

    قوله: (قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ): أي: بالسند الذي تَقَدَّمَ، وهو: شعبة، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عُتْبَة، عن أبي سعيد، وزادا: (وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا؛ عُرِفَ فِي وَجْهِهِ)، و (عُرِف): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    ==========

    [1] (الخُدْرِي): ليس في (ب).

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    (1/6693)

    [حديث: ما عاب النبي طعامًا قط إن اشتهاه أكله]

    3563# قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سليمان بن مِهْرَان، أبو مُحَمَّد الكاهليُّ [1] القارئ، و (أَبُو حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بالحاء، وأنَّ اسمه سلمان، مولى عزَّة الأشجعيَّة.

    قوله: (قَطُّ): تَقَدَّمَ لُغاتُها في أوَّل هذا التعليق.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (الحافظ).

    [ج 1 ص 929]

    (1/6694)

    [حديث: كان النبي إذا سجد فرج بين يديه حتى نرى إبطيه]

    3564# قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن هرمز، و (عَبْد اللهِ بْن مَالِكٍ ابْن بُحَيْنَةَ) الصَّحَابيُّ: تَقَدَّمَ، وأنَّ (مالكًا) أبوه، و (بُحَينة) _وتَقَدَّمَ ضبطها_ أمُّه، وأنَّه يُقرَأ (مالكٍ) بالتنوين، وتُكتَب (ابن) بعده بالألف، وهو تابعٌ لعبد الله، وتَقَدَّمَ الكلام في مالكٍ [1]، ومَن عدَّه صحابيًّا، وأنَّ الصحيح: أنَّه لا يُعرَف له صحبة، بل ولا إسلام _والله أعلم_، في (الصلاة).

    قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ [2]): تَقَدَّمَ الكلام على (مالك)، وكلام الدِّمْيَاطيِّ فيه في (الصلاة)، و (مالكٍ) هنا: مجرورٌ مُنَوَّن، و (ابن) بعده: بالألف، و (ابن): مجرورٌ، وقد تَقَدَّمَ ضبط (بُحَينة)، وأنَّها أمُّ عبد الله، ومالكٌ أبوه، فهو منسوبٌ لأبيه وأمِّه، فإذا قرأتَ (مالكًا) بالجرِّ من غير تنوينٍ [3]؛ بقيت (بُحَينة) _وهي امرأة مالكٍ_ أمَّه.

    قوله: (الأَسْدِيِّ): تَقَدَّمَ أنَّه بإسكان السين، وأنَّه أزديٌّ، وأنَّه يقال: الأزْد والأَسْد للقبيلة، وأنَّه قد نصَّ على السكون فيه غيرُ واحد؛ منهم أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ في «تقييده»، ورأيته في نسخةٍ بـ «البُخاريِّ» مفتوحَ السين بالقلم، وهو خطأٌ؛ فاحذره.

    قوله: (وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ ... ) إلى آخره: أمَّا (ابن بُكَيْر)؛ فهو يحيى ابن بُكَيْر شيخ البُخاريِّ، تَقَدَّمَ، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وقد تَقَدَّمَ أنَّه إذا قال البُخاريُّ: (قال فلان) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_؛ أنَّه يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، وحديث يحيى ابن بُكَيْر أخرجه البُخاريُّ في (الصلاة) عن يحيى ابن بُكَيْر هذا، عن بكر بن مضر به، وأخرجه عن قُتَيْبَة هنا عن بكر بن مضر به، وأخرجه مسلم في (الصلاة) عن قُتَيْبَة به، وعن عَمرو بن سوَّاد، عن ابن وهب، عن عَمرو بن الحارث والليث بن سعد؛ كلاهما عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج به، وأخرجه النَّسائيُّ عن قُتَيْبَة به.

    قوله: (بَيَاضَ إِبْطَيْهِ): تَقَدَّمَ الكلام على بياض إبطه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأنَّه من خصائصه، وأنَّ غيره إبطُه أسود؛ لمكان الشَّعر.

    ==========

    [1] في (ب): (ذلك).

    [2] في هامش (ق): (نسبة إلى الأَسْد؛ بسكون السين، ويقال: بالزاي، منهم عبد الله هذا، وابن اللُّتبية واسمه أيضًا عبد الله، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وغيرُهم، وقليلٌ ما يجيء نسبهم كذلك، والغالب مجيئه بالزاي).

    [3] في (ب): (بالجرِّ وتنوينٍ)، وليس بصحيح.

    [ج 1 ص 929]

    (1/6695)

    [حديث: أن رسول الله كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه]

    3565# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي النَّضْر، تَقَدَّمَ.

    قوله: (لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الاِسْتِسْقَاءِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه لا بدَّ من تأويله بأنَّه لَمْ يرَه، أو أنَّه لَمْ يرفع الرفع البالغ؛ للأحاديث التي صحَّت في رفع اليدين في الدعاء في «البُخاريِّ»، و «مسلمٍ»، وغيرهما، وقد أوَّلته أنا بتأويل ذكرته في مكانه من (الاستسقاء)؛ فانظره.

    قوله: (حَتَّى نَرَى بَيَاضَ إِبْطَيْهِ): (نَرى): بالنون المفتوحة والراء، والفاعل [1]، و (بياضَ): مَنْصُوبٌ مفعول، و (يُرَى): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (بياضُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل [2]، وقد تَقَدَّمَ أنَّ بياض إبطه من علامات نبوَّته، كما ذكره أبو نُعَيم الحافظ؛ لأنَّ غيره أسود الإبط؛ لمكان الشَّعر.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (مستتر).

    [2] كذا في (ق) أيضًا بالضبطين معًا، ورواية «اليونينيَّة» هذه الثانية فقط.

    [ج 1 ص 929]

    (1/6696)

    [حديث: دفعت إلى النبي وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة]

    3566# قوله: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الغين المُعْجَمَة، وفتح الواو.

    قوله: (سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ): تَقَدَّمَ ضبط (أبي جُحَيْفَة)، وأنَّه بضَمِّ الجيم، ثُمَّ حاء مهملة مفتوحة، ثُمَّ [1] مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ فاء مفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وأنَّه وَهْب بن عبد الله السُّوائيُّ.

    قوله: (دُفِعْتُ): هو بضَمِّ الدال، وكسر الفاء، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله [2]: (وَهْوَ بِالأَبْطَحِ): (الأبطح): يضاف إلى مكَّة ومِنًى؛ لأنَّه واحدٌ، لكنَّه إلى مِنًى أقرب، وهو المُحَصَّب، وهو خِيف بني كنانة، وزعم بعضهم أنَّه ذو طُوى، وليس كذلك، قال الخليل: كلُّ مسيلٍ فيه دقاق حصًى؛ فهو أبطح، قال ابن دريد: الأبطح والبطحاء: الرمل المنبسط على وجه الأرض، قال أبو زيد: الأبطح: أثر المسيل ضيِّقًا كان أو واسعًا، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (بِالْهَاجِرَةِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّها نصف النهار، وكذا قوله: (وَضُوءِ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الواو الماءُ، ويجوز الضمُّ، وكذا تَقَدَّمَت (الْعَنَزَةَ) ضبطًا ومعنًى، وأنَّها شبه العكَّازة، عصًا في أسفلها زُجٌّ من حديد، وكذا (الوَبِيْص)، وأنَّه بفتح الواو، وكسر المُوَحَّدة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ صاد مهملة، وأنَّه البريق واللمعان.

    ==========

    [1] في (أ): (من)، وهو تحريفٌ.

    [2] (قوله): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 929]

    (1/6697)

    [حديث: أن النبي كان يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه]

    3567# قوله: (حَدَّثَنَا [1] الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ [2] الْبَزَّارُ): هو بزاي، وفي آخره راء، وهو حافظٌ مشهورٌ، ونسبته هذه إلى عمل بزر الكَتَّان زيتًا بلُغَة البغداديِّين، والله أعلم.

    قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): هذا هو سفيان بن [3] عُيَيْنَة، الإمام المشهور.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (صبَّاحٍ).

    [3] (بن): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 929]

    (1/6698)

    [معلق الليث: ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي]

    3568# قوله: (وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): أمَّا (الليث)؛ فهو ابن سعد، الإمام الجواد، و (يونس): هو ابن يزيد الأيليُّ، تَقَدَّمَ مرارًا، و (الزُّهْرِيُّ): هو مُحَمَّد بن مسلم الإمام، وهذا تعليقٌ مجزومٌ به، وأخرجه مسلم في (فضائل أبي هريرة) عن حرملة، وأبو داود في (العلم) عن سليمان بن داود؛ كلاهما عن ابن وَهْبٍ، عن يونس به.

    قوله: (أَلَا يُعْجِبُكَ أَبُو فُلَانٍ): كذا مصحَّح عليه، وفي نسخة: (أبا فلان)، و (أبو فلان): هو أبو هريرة كما في «صحيح مسلم» في (فضائل أبي هريرة)، و (يُعجبك): بضَمِّ أوَّله، و (أبو هريرة): فاعل، وعلى تلك النسخة (أبا)؛ فالظاهر أنَّها على لغة القصر، والله أعلم، ورُوِيَ: (نُعَجِّبك)؛ بالنون المضمومة؛ أي: نريك العجب، والمراد: شأنه وأمره.

    قوله: (وَكُنْتُ أُسَبِّحُ): الظاهر أنَّه أصلِّي النافلة، وقد تَقَدَّمَ لِمَ سُمِّيَت سُبحة.

    قوله: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إنَّ): بكسر الهمزة، وكسرها معروف؛ لأنَّها ابتدائيَّة.

    (1/6699)

    [باب: كان النبي تنام عينه ولا ينام قلبه]

    قوله: (بَابٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنُهُ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ): اعلم أنَّ من خصائصه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنَّه [1] تنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء صلوات الله وَسَلامه علَيْهم [2]، كما أخرجه البُخاريُّ في «صحيحه» في حديث الإسراء، وسيأتي قريبًا في هذا الباب.

    قوله: (رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ميناء): تَقَدَّمَ أنَّه يُمَدُّ ويُقصَر، وهذا قد أخرجه البُخاريُّ في (الاعتصام) عن مُحَمَّد بن عَبَادة، عن يزيد بن هارون، عن سَلِيم بن حيَّان، عن سعيد بن ميناء به، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (ب): (أن).

    [2] في (ب): (عليهم الصَّلاة والسَّلام).

    [ج 1 ص 930]

    (1/6700)

    [حديث: تنام عيني ولا ينام قلبي]

    3569# قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر.

    ==========

    [ج 1 ص 930]

    (1/6701)

    [حديث أنس: جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه]

    3570# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا ابن أبي أويسٍ عبدِ الله، ابن أخت مالكٍ الإمامِ المجتهدِ، وتَقَدَّمَ أنَّ أخاه اسمه عبد الحميد بن أبي أويس، وأنَّه ابن أخت مالكٍ أيضًا، وقد تَقَدَّمَت ترجمته، وما قاله فيه بعض أهل الجرح، ولا يصحُّ عنه، و (سُلَيْمَان): تَقَدَّمَ أنَّه ابن بلال، أبو مُحَمَّد، مولى أبي بكر، ثقةٌ مشهورٌ.

    قوله: (عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ليلة): بالنصب وبالجرِّ [1] أيضًا، و (أُسرِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله: (جَاءَهُ [2] ثَلَاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ): اعلم أنَّ (شريكًا) هذا المذكورَ في سند هذا الحديث تابعيٌّ صدوقٌ، قال ابن معين: لا بأس به، وقال هو والنَّسائيُّ: ليس بالقويِّ، وقال أبو داود: ثقةٌ، وقال ابن عديٍّ: روى عنه مالكٌ، فإذا روى عنه ثقةٌ؛ فإنَّه ثقةٌ، وهَّاه ابن حزم أبو مُحَمَّد الحافظُ الظاهريُّ لأجل حديثه في الإسراء هذا، له ترجمةٌ في «الميزان».

    له في حديث الإسراء أوهامٌ أنكرها عليه العلماء، وقد نبَّه مسلمٌ على ذلك بقوله: فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص، ومن الأوهام _وسأذكر الكلام على بعض أوهامه في هذا الحديث في أواخر الكتاب في (كتاب التوحيد) _ قولُه [3]: (قبل أن يُوحَى إليه)، وهذا غلطٌ لَمْ يُوافَق عليه، فإنَّ الإسراءَ أقلُّ ما قيل: إنَّه بعد مبعثه بخمسةَ عشرَ شهرًا، وقد تَقَدَّمَ الكلام في تاريخه في أوَّل (الصلاة)؛ فانظره، وممَّا يوضح لك وَهم شريك في ذلك: أنَّ العلماء اتَّفقوا على أنَّ فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل أنْ يُوحَى إليه؟! والله أعلم.

    وقال ابن إمام الجوزيَّة بعد أنْ ذكر أنَّ هذا من وَهم شريك: وقيل: كان هذا إسراءُ المنام قبل الوحي، وأمَّا إسراء اليقظة؛ فبعد النبوَّة، وقيل: إنَّ الوحيَ ههنا مقيَّدٌ، وليس بالوحي المطلق الذي هو مبدأ النبوَّة، والمراد: قبل أنْ يُوحَى إليه [4] في شأن الإسراء، فأُسرِي به فجأةً من غير تَقَدُّمِ إعلامٍ، والله أعلم.

    قوله: (ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ): (عَرَجَ): بالحركات المفتوحات؛ أي: جبريل، و (عَرَج): لازمٌ لا يُبنَى منه، والله أعلم.

    (1/6702)

    [باب علامات النبوة في الإسلام]

    (بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلَامِ) ... إلى (بَاب فَضَائِل أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)

    اعلم أنَّ هذا الباب ذكر فيه البُخاريُّ ما تيسَّر له من معجزاته صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد أهمل منها كَثِيرًا على شرطه، وكثيرًا ممَّا ذكره في أماكن أُخَرَ، وكثيرًا ممَّا ليس على شرطه، والذي ظهر لي: أنَّ العلاماتِ أعمُّ من المعجزات؛ إذ قد ذُكِر في العلامات: شقُّ الصدر عند ظئره وهو غلامٌ، وتسليم الحَجَر عليه الذي بمكَّة قبل المبعث، والمعجزاتُ أخصُّ؛ لأنَّه لَمْ يُذكَر فيها إلَّا الخوارق بعد النبوَّة، والله أعلم، ويحتمل أنَّه أراد المعجزات؛ لقوله [1]: (في الإسلام)، ومعنى (علامات النبوَّة): دلائل النبوَّة، والله أعلم.

    ومعجزاته لا تُحصَى ولا تُحصَر، ومنها القرآن العظيم، وانظر القاضي عياضًا في «الشفا» كم ذكر فيه من المعجزات، فإنَّه ذكر فيه معجزاتٍ كثيرةً جدًّا، وقد ذكر شيخنا الشارح في «خصائصه» _فيما قرأت عليه في الرحلة الأولى البعضَ، وقرأتها عليه من أوَّلها إلى آخرها في الرحلة الثانية عن الزاهديِّ مختارِ بن محمود الحنفيِّ، شارح «القدوريِّ» ومصنِّف «الغُنيَة» _ ما لفظه: قيل: ظهر على يد نبيِّنا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألفُ معجزةٍ، وقيل: ثلاثة آلافٍ، انتهى، ولعلَّ هذا غيرُ المعجزات التي في القرآن، ويدلُّ لذلك قوله: (على يده)، مع ما في هذا الكلام من النَّظر [2]، (وقد ذكر النَّوويُّ في خطبة «شرح مسلم» لمَّا ذكر معجزة القرآن؛ قال: وللمصطفى معجزاتٌ أُخَرُ زائداتٌ على الآلاف [3] والمئين) [4].

    وقد ذكر شيخنا في هذا الشرح قال: وذكر بعض أهل العلم فيما ذكره البيهقيُّ في «المدخل إلى [5] الدلائل»: أنَّها تبلغ ألفًا، وذكر شيخنا منها بعضًا يسيرًا، والله أعلم.

    (1/6703)

    [حديث: يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا؟]

    3571# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): هو هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، تَقَدَّمَ.

    قوله: (حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ): (سَلْم): بفتح السين المُهْمَلَة، وإسكان اللام، و (زَرِيْر): بفتح الزاي، وكسر الراء، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، كنية سَلْم: أبو يونس العطارديُّ، عن أبي رجاء ويزيد بن أبي مريم، وعنه: حبَّان وأبو الوليد، له عشرة أحاديثَ [1]، وثَّقهُ أبو حاتم، وضعَّفه ابن معين، كذا في «الكاشف»: أنَّ له عشرة أحاديث، وقال في ترجمته في «الميزان»: له ثمانيةَ عشرَ حديثًا، وزاد على ما هنا: أنَّ أبا داود والنَّسائيَّ قالا: ليس بالقويِّ، انتهى، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وقال في «التذهيب»: له في الكتب ثلاثةُ أحاديثَ، بقي إلى حدود الستين ومئة، انتهى [2].

    قوله: (أَخْبَرنَا أَبُو [3] رَجَاءٍ): (أبو رجاء) هذا: هو عِمران بن ملحان، وقيل في اسمه غير ذلك، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (فَأَدْلَجُوا): تَقَدَّمَ الكلام على (أدلج) و (ادَّلج)، و (أدْلج): سار بلَيلٍ، وهل بينهما فرقٌ أم لا.

    قوله: (عَرَّسُوا): تَقَدَّمَ أنَّ (التعريس): النزول من آخر الليل، وقيل: أيَّ وقتٍ كان، قاله الخليل.

    [ج 1 ص 930]

    قوله: (فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ): تَقَدَّمَ كلام ابن العربيِّ [4] القاضي أبي بكرٍ في تكرُّر هذه الواقعة، وكذا النَّوويُّ: أنَّه اتَّفق له في سفرتين أو أسفار، وذكرت كلام ابن قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظِ شمسِ الدين: أنَّ ذلك لَمْ يتَّفق إلَّا مَرَّةً واحدةً، ورَدَّ الأحاديثَ إلى حديثٍ واحدٍ؛ فانظره في (التيمُّم)، وكذا قال أبو عُمر ابن عَبْدِ البَرِّ.

    قوله: (وَكَانَ لاَ يُوقَظُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (يُوقَظ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رسولُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

    قوله: (فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ): قال الدِّمْيَاطيُّ ما لفظه: حديث سَلْم بن زَرِير رواه مسلمٌ من حديث عبيد الله بن عبد المجيد عنه، وفيه: أنَّ الذي كبَّر ورفع صوته عُمرُ، لا أبو بكر، وكذلك رواه البُخاريُّ في (التيمُّم) ومسلمٌ في (الصلاة) من حديث عوفٍ عن أبي رجاءٍ عِمران بن ملحان، وقيل: ابن تيم، وفيه: أنَّ عُمر كان رجلًا جليدًا، فكبَّر ورفع صوته بالتكبير حتَّى استيقظ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، انتهى.

    قوله: (فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا): هذا الرجل لا أعرفه.

    قوله: (وَجَعَلَنِي النَّبِيُّ [5] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ): كذا رُوِيَ، وقال بعضهم: وصوابه: عجَّلني؛ أي: أمرني بالعجلة، وكذا رواه مسلمٌ من حديث سَلْم بن زَرِير: (ثُمَّ عجَّلني في ركب بين يديه؛ لطلب الماء وقد عطشنا) انتهى.

    (1/6704)

    قوله: (فِي رَكُوبٍ): هو بفتح الراء، قيَّدَه الأصيليُّ وعُبدوس، وقال بعضهم: صوابه: (رُكوب)؛ بضَمِّ الراء، جمع «راكب»؛ كشهود، أو أركوب؛ لأنَّه هنا على الجمع، لا على الواحد، قاله ابن قرقول، والرَّكوب _بفتح الراء_ والرَّكوبة _بالتاء_: التي تُركَب من الإبل، أو الرَّكوب [6]: المركوبة، والرَّكوبة: المُعَيَّنة للركوب، واللازمة للعمل من الدوابِّ.

    قوله: (إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ): هذه المرأة لا أعرف اسمها، وقد أسلمت، وقد تَقَدَّمَ ذلك.

    قوله: (سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا): أي: مرسلتهما على جَمَلها، ويُروَى: (سابلة)، وعربيَّته: مسبلة، قاله ابن قرقول.

    قوله: (بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ): قيل: المزادة: ما زيد فيه جلدٌ ثالث بين جلدين؛ ليتَّسع، وقيل: هي القِربة الكبيرة التي تُحمَل على الدابَّة، سُمِّيَت من الزيادة فيها من غيرها، (مَفْعَلة) من ذلك، وهو من معنى الأوَّل، وهي الراوية [7] بعينها، قاله ابن قرقول، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (مُؤْتِمَةٌ): هو بضَمِّ الميم، ثُمَّ همزة ساكنة، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق مكسورة، ثُمَّ ميم، ثُمَّ تاء التأنيث؛ أي: ذات أيتام.

    قوله: (فِي الْعَزْلَاوَيْنِ): (العزْلَاوَانِ): واحدهما: عزلاء، وجمعها: عزالي؛ بكسر اللام وفتحها، و (العزلاء): فم المزادة الذي من أسفل.

    قوله: (وَإِدَاوَةٍ): تَقَدَّمَ أنَّ (الإداوة) بكسر الهمزة، وهي إناءٌ من جلد كالسطيحة، وجمعها: أداوى.

    قوله: (تَبِضُّ [8]): كذا في أصلنا: بالموحَّدة وبالضاد المُعْجَمَة المُشَدَّدة، فيما يظهر لي، يُقال: بضَّ الماء؛ إذا سال قليلًا قليلًا، وسيأتي ما [9] في هامش أصلنا، وقال ابن الأثير في (النون مع الضاد المُعْجَمَة): (تَنِضُّ من المِلْءِ)؛ أي: تنشقُّ ويخرج منها الماءُ، نضَّ الماء من العين؛ إذا نبع، وقال أيضًا في (صَرر) _يعني: بالصاد المُهْمَلَة، والراء المكرَّرة_ ما لفظه: وفي حديث عمران بن حُصَين: (تكاد تنصرُّ من المِلْءِ)؛ كأنَّه من صررتُه؛ إذا شددتَه، هكذا جاء في بعض الطرق، والمعروف: تنضرج؛ أي: تنشقُّ، انتهى.

    وفي هامش أصلنا الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ حاشية، ولفظها: (تنضُّ)؛ بالنون؛ أي: تنشقُّ ويخرج منها الماء، يقال: نضَّ الماء من العين: نبع، قال ابن سيده: نضَّ الماء ينِضُّ نضًّا: سال، ونضَّ الماء ينِضُّ نضًّا ونضيضًا: خرج رَشْحًا، وفي نسخة السمساتيَّة [10]: (تنصَرُّ)، ومن رواية أبي الهيثم: (تنصبُّ) انتهى.

    وقال ابن قرقول: (تنضرج)؛ بالنون في «مسلم»، وبعض رواته يقولون: (تتضرَّجُ) [11]، وعند الأصيليِّ: (تنصَرُّ)؛ براء مُشَدَّدة، وعند القابسيِّ نحوُه في تعليقٍ عنه؛ ومعناه: تنشقُّ، من صير الباب، وهذا التعليق يدلُّ على أنَّ عنده بصاد مهملة، وعند ابن السكن: (تنضر)، والأصوب: (تنضرج) انتهى.

    قوله: (مِنَ الْمِلْءِ): هو بكسر الميم، مهموز الآخر، و (المِلء)؛ بكسر الميم، وبالهمز في آخره: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، وأمَّا بفتح الميم، وبالهمز [12] في آخره؛ فالمصدر، والله أعلم.

    (1/6705)

    قوله: (فَجُمِعَ لَهَا): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ

    قوله: (مِنَ الْكِسَرِ): هو بكسر الكاف، وفتح السين، جمع (كسرة).

    قوله: (الصِّرْمَ): هو بكسر الصاد المُهْمَلَة، وإسكان الراء، ثُمَّ ميم، وهي القطعة من الناس ينزلون على الماء بأهليهم، وقد تَقَدَّمَ.

    ==========

    [1] (أحاديث): سقط من (ب).

    [2] (انتهى): ليس في (ب).

    [3] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (سمعتُ أبا).

    [4] في (ب): (كلام المغربي).

    [5] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (رَسُولُ اللهِ).

    [6] في (ب): (الحركوب)، وهو تحريفٌ.

    [7] في (ب): (الرواية)، وهو تحريفٌ.

    [8] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (تَنِضُّ).

    [9] (ما): سقط من (ب).

    [10] في هامش (أ): (صوابه: السُّمَيساطيَّة)، وفي (ب): (الشميساطية)، وفي هامش (ق) المنقول عنه: (الشميصاتية).

    [11] في (ب): (تنضرج)، وهو تصحيفٌ.

    [12] في (ب): (والهمزة).

    (1/6706)

    [حديث: أتي النبي بإناء وهو بالزوراء]

    3572# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ ما (البُنْدار)، وتَقَدَّمَ (ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ): أنَّه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ البصريُّ، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (سَعِيد): تَقَدَّمَ أنَّه سعيد بن أبي عروبة، وقد تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.

    قوله: (وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ): تَقَدَّمَ أنَّها [2] بفتح الزاي، ثُمَّ واو ساكنة، ثُمَّ راء، ثُمَّ همزة ممدودة، وهو موضعٌ عند سوق المدينة قرب المسجد، وقال الداوديُّ: هو مرتفع كالمنارة، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ): (يَنْبُعُ): بتثليث المُوَحَّدة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ هذا اتَّفق له صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم _وهو نبع الماء من بين أصابعه_ مَرَّاتٍ، وذكرت كلام ابن حِبَّانَ في ذلك في (الوضوء)، وأنَّ هذا النبع كان من نفس الأصابع، أو من بينها، وأنَّ الصحيح: أنَّه من نفس الأصابع.

    قوله: (أَوْ زُهَاءَ): هو بضَمِّ الزاي، ممدود الآخر؛ أي: قَدْر، يُقال: هم زُهاء ثلاث مئة، ولُهاء ثلاث مئة؛ أي: قَدْر.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] في (ب): (أنَّه).

    [ج 1 ص 931]

    (1/6707)

    [حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر]

    3573# قوله: (الْوَضُوءُ): هو بفتح الواو، وهو الماء، وتَقَدَّمَ أنَّه يجوز ضمُّها مُطَوَّلًا، وكذا (بِوَضُوءٍ) بعد هذه.

    قوله: (فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (رَسُولُ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

    ==========

    [ج 1 ص 931]

    (1/6708)

    [حديث: خرج النبي في بعض مخارجه ومعه ناس من أصحابه]

    3574# قوله: (حَدَّثَنَا حَزْمٌ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الزاي، وبالميم، وهو حَزْم بن أبي حَزْم مِهرانَ القُطَعيُّ، عن الحسن ومعاوية بن قرَّة، وعنه: أبو الوليد، ولُوَيْن، وأحمد بن المقدام، ثقةٌ مُسِنٌّ، تُوُفِّيَ سنة (175 هـ)، أخرج له البُخاريُّ، وثَّقهُ أحمد وابن معين، انفرد بالإخراج له البُخاريُّ، والله أعلم.

    [ج 1 ص 931]

    قوله: (عَنِ [1] الحَسَنِ): هو الحسن بن أبي الحسن البصريُّ، واسم أبي الحسن يسارٌ [2]، العالم المشهور، أحد الأعلام.

    قوله: (فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، وقال بعض الحُفَّاظ المصريِّين: إنَّه لَمْ يُسَمَّ، قال: ثُمَّ وجدت في (مسند الحارث بن أبي أسامة) من طريق شريك بن أبي نمرٍ عن أنس قال: (قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «انطلق إلى بيت أمِّ سلمة»، قال: فأتيته بقَدَح ماء؛ إمَّا ثلثه وإمَّا نصفه، فتوضَّأ، وفضلت فضلةٌ، وكثر الناس فقالوا: لم نقدر على الماء، فوضع يده في القَدَح، فتوضَّأ الناس ... )؛ الحديث، وأخرجه أبو نعيم في كتاب «دلائل النبوَّة» من هذا الوجه، انتهى.

    ==========

    [1] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (سَمِعْتُ).

    [2] في (ب): (لسيار)، وهو تحريفٌ.

    (1/6709)

    [حديث: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار]

    3575# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيرٍ): هو بضَمِّ الميم، وكسر النون، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ راء، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله.

    قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَزِيدُ): هذا هو يزيد بن هارون، أبو خالد الواسطيُّ، ومَن اسمه (يزيد) ويروي عن حُمَيد عن أنس: يزيد بن زُرَيع، ويزيد بن هارون هذا، لا ثالثَ لهما في الكُتُب السِّتَّة، والله أعلم.

    قوله: (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أُتِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائم مقام الفاعل.

    قوله: (بِمِخْضَبٍ): هو بكسر الميم، وإسكان الخاء المُعْجَمَة، ثُمَّ ضاد معجمة أيضًا مفتوحة، ثُمَّ مُوَحَّدة، وهو شبه الإجَّانة؛ وهي القصريَّة يُغسَل فيها الثياب، قال أبو حاتم: هو المِرْكن، وقد تَقَدَّمَ بزيادة.

    (1/6710)

    [حديث: عطش الناس يوم الحديبية والنبي بين يديه]

    3576# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ [1]، وتَقَدَّمَ لماذا نُسِب، وتَقَدَّمَ (حُصَيْنٌ): أنَّه بضَمِّ الحاء وفتح الصاد المُهْمَلَتين، وتَقَدَّمَ أنَّ الأسماءَ بالضَّمِّ، والكنى بالفتح، وهذا هو حُصَين بن عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيُّ، أبو الهُذيل الكوفيُّ.

    قوله: (يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّها بالتخفيف والتشديد، وتَقَدَّمَ أنَّها في ذي القعدة سنة ستٍّ من الهجرة.

    قوله: (فَجَهَشَ النَّاسُ): هو بالجيم والهاء والشين المُعْجَمَة المفتوحات، وفي أصلنا: الهاء أيضًا مكسورة بالقلم، وفي ذلك نظرٌ؛ أي: استقبلوه متهيِّئن للبكاء مستعدِّين له، وقيل: فزعين لَائِذِينَ به، وقال الطَّبَريُّ: فزعوا إليه، ورمَوه بأبصارهم مستغيثين، وفيه لُغَتان: جهشتُ وأجهشتُ؛ إذا تهيَّأتَ للبكاء، قال القاضي: ولا معنى ههنا لذكر البكاء، وإنَّما يأتي ههنا للمعاني الأُخَر.

    قوله: (لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ [2] ... ) إلى قوله: (إلَّا [3] ما بَيْنَ يَدَيْكَ): (ماء) الأولى: ممدودة، والثانية: موصولة؛ أي: الذي، قال ابن قرقول: (ماء) الأولى: ممدود، كذا ضبطه الأصيليُّ، وعند غيره: (ما نتوضَّأ به)، ورأيت بخطِّ بعضهم: (ما) الأولى، قال فيها: قال القاضي: كذا لهم (ما)؛ مقصورة، وعند الأصيليِّ: (ماء)؛ ممدود، وله وجهٌ، والأوَّل أوجه، انتهى.

    قوله: (في الرَّكْوَةِ): هي بفتح الراء وتُكسَر، وهي شبه تَوْر من أَدَم، قاله ابن قرقول.

    قوله: (كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً): هذه القصَّة في الحديبية، وسأذكر خلافًا _هي روايات_ في عدد أهل الحديبية في (الحديبية)، والأكثر من [4] الروايات: أنَّهم كانوا أربعَ [5] عشرةَ مئة، والله أعلم، وستأتي هذه الرواية قريبًا جدًّا، وحاصل الروايات في عددهم سبعٌ: (ألفٌ وستُّ مئة)، (ألف وخمس مئةٍ وأربعون)، (ألف وخمس مئة وخمسةٌ وعشرون رجلًا)، (ألفٌ وخمس مئة)، (ألف وأربع مئة)، (ألف وثلاث مئة)، (سبع مئة رجلٍ)، والله أعلم.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (الحافظ).

    [2] زيد في (ب): (إلى آخره).

    [3] (إلا): ليس في (ب).

    [4] في (ب): (في).

    [5] في النُّسْخَتَين: (أربعة)، ولَعَلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.

    [ج 1 ص 932]

    (1/6711)

    [حديث: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها]

    3577# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو إسرائيل بن [1] يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عَمرِو بن عبد الله.

    ==========

    [1] (بن): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 932]

    (1/6712)

    [حديث: هلمي يا أم سليم ما عندك]

    3578# قوله: (قَالَ أَبُو طَلْحَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ (أبا طلحة): زيدُ بن سهل الأنصاريُّ رضي الله عنه [1]، وتَقَدَّمَ ببعض ترجمة، وتقدَّمت (أُمُّ سُلَيْمٍ)؛ بضَمِّ السين، وفتح اللام، أمُّ أنس بن مالك: أنَّها سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: مليكة، بنت ملحان، تَقَدَّمَ [2] بعض ترجمتها رضي الله عنها، وهي أمُّ أنس، وزوج أبي طلحة.

    قوله: (مَا نُطْعِمُهُمْ): هو بضَمِّ النون، وهذا ظاهِرٌ هيِّن.

    قوله: (هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ): كذا في أصلنا، وفي نسخة الدِّمْيَاطيِّ: (هَلُمَّ)، قال الدِّمْيَاطيُّ: (هَلُمِّي): لغةُ نجدٍ، والمختار لغة الحجاز، لا تؤنَّث ولا تُثنَّى ولا تُجمَع، وبها نزل القرآن، قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]، انتهى، وقد قَدَّمْتُ أنا الكلام على (هَلُمَّ) فيما مضى [3].

    قوله: (فَفُتَّ): هو بضَمِّ الفاء الثانية، وتشديد المُثَنَّاة فوق، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله: (فَآدَمَتْهُ [4]): قال ابن قرقول: (فآدَمَته)؛ يعني: أمَّ سُلَيم، بمدِّ الهمزة، كذا أكثر ما ضبطناه قراءةً، ويقال أيضًا: أدْمته؛ مخفَّف الدال، مقصور الألف، لُغَتان، ثُلاثيٌّ ورُباعيٌّ، ورواه القنازعيُّ [5] في «المُوَطَّأ»: (فأدَّمَتْه)؛ بتشديد الدال، ووجهه: تكثير الإدام، انتهى، قال ابن الأثير: («تأدمته»؛ أي: خلطته، وجعلت فيه إدامًا يُؤكَل، يُقال فيه بالمدِّ والقصر، ورُوِي بتشديد الدال، على التكثير)، انتهى.

    ==========

    [1] الترضية: ليس في (ب).

    [2] في (ب): (تقدمت).

    [3] زيد في (ب): (انتهى).

    [4] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فأَدَمَتْهُ).

    [5] في (ب): (القازعي)، وهو تحريفٌ.

    [ج 1 ص 932]

    (1/6713)

    [حديث: حي على الطهور المبارك والبركة من الله]

    3579# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (مُحَمَّد بن عبد الله بن الزُّبَير بن عُمر بن درهم الكوفيُّ، نُسِب إلى جدِّه) انتهى.

    قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ، تَقَدَّمَ مرارًا، و (مَنْصُور): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن المعتمر، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبْد اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، الحَبْر المشهور.

    قوله: (عَلَى الطَّهُورِ): تَقَدَّمَ أنَّه بالفتح؛ لأنَّه الماء، ويجوز فيه الضمُّ، وقد تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا، وكذا تَقَدَّمَ (يَنْبُعُ): أنَّه مثلَّث الباء قريبًا وبعيدًا، وكذا قوله: (مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ [1])؛ هل هو من نفس الأصابع _وهو الأصحُّ_ أو من تحتها، وقد قَدَّمْتُ أنَّه اتَّفق له عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك مَرَّاتٍ، وقال ابن حِبَّانَ: خمس مَرَّاتٍ؛ فانظر ذلك فإنَّه مطوَّل في مكانه في (الوضوء).

    (1/6714)

    [حديث جابر: أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم]

    3580# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّمَ (زَكَرِيَّاء): أنَّه ابن أبي زائدة، و (عَامِرٌ) بعده: هو ابن شَراحيل الشَّعبيُّ؛ بفتح الشين، و (جَابِرٌ): هو ابن عبد الله بن عَمرو بن حرام الأنصاريُّ، وقد قَدَّمْتُ كم في الصَّحَابة مَن اسمه (جابر)، وكم فيهم مَن اسمه (جابر بن عبد الله)، وهم أربعة بهذا، والله أعلم.

    قوله: (أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ (أباه) عبدُ الله بن عَمرو بن حرام، وتُوُفِّيَ شهيدًا في أحُد، وهي في شوَّال سنة ثلاثٍ من الهجرة.

    [ج 1 ص 932]

    قوله: (تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا): تَقَدَّمَ أنَّ دَين أبيه كان ثلاثين وَسْقًا من تمر، وتَقَدَّمَ أنَّ (الوَسْق) ستُّون صاعًا [1].

    قوله: (يُفْحِشَ): هو بضَمِّ أوَّله؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وفي أصلنا فيه ثلاثُ نُسَخٍ، ففي الأصل: (يَفْحُش)، وفي الهامش كما ضبطته أنا، وفيه أيضًا: (يَفْحَش)، والله أعلم.

    قوله: (وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ): تَقَدَّمَ الكلام على الجمع بين الروايات التي جاءت في ذلك، وقال ابن شيخنا البُلْقينيِّ: إنَّ قصَّته هذه كانت مرَّتين، انتهى، وهذا الظاهِرُ، والله أعلم.

    ==========

    [1] هذه الفقرة جاءت في النُّسْخَتَين متأخِّرة بعد قوله: (يفحش ... ).

    (1/6715)

    [حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: من كان عنده طعام اثنين .. ]

    3581# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا هو التَّبُوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة، و (مُعْتَمِرٌ) بعده: هو ابن سليمان بن طرخان، تقدَّما، و (أَبُو عُثْمَانَ) هذا: هو النهديُّ عبد الرَّحْمَن بن مَلٍّ، تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى اللُّغَات في (مَلٍّ)، وهو تثليث الميم، ويقال: بفتح الميم، وإسكان اللام، ثُمَّ همزة.

    قوله: (أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ): تَقَدَّمَ أنَّ في حديث أبي هريرة في «البُخاريِّ» و «مسلم»: (لقد رأيت سبعين من أهل الصُّفَّة)، فظاهره أنَّهم زيادةٌ على السبعين، وذكرت أنَّ أبا نعيم ذكرهم في «الحلية» جريدة: مئة ونيِّفًا، وذكرت أنَّ الشيخ العارف شهابَ الدين السَّهْرَوَرْدِيَّ ذكرهم في أوَّل «معارفه»، فقال: كانوا نحو أربع مئة، والله أعلم.

    وقد عُدَّ منهم: أبو هريرة وهو عريفهم، وأبو ذرٍّ، وواثلةُ بن الأسقع، وقيس بن طخفة الغفاريُّ.

    قوله: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ؛ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا هو الصواب، وأنَّ ما رواه مسلم: (فليذهبْ بثلاثة)؛ خطأٌ، والله أعلم.

    قوله: (وَأُمِّي): (أمُّ عبد الرَّحْمَن): هي أمُّ عائشة أمُّ رومان _بضَمِّ الراء وفتحها_ دعد، ويقال: زينب، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليها في (الشهادات)، صحابيَّة جليلة رضي الله عنها.

    قوله: (هَلْ قَالَ: امْرَأَتِي): (امرأة عبد الرَّحْمَن): لا أعرفها، وكذا (خَادِمُهُ)، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ: امرأة عبد الرَّحْمَن هي أُمَيمة بنت عديِّ بن قيس بن حذافة السهميِّ، وهي أمُّ أكبر أولاده أبي عتيقٍ مُحَمَّدٍ الذي له رؤية، انتهى.

    قوله: (فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كذا في الأصول، وصوابه: حتَّى نعس [1] النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكذا رواه مسلم، وقد تَقَدَّمَ [2].

    قوله: (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ): تَقَدَّمَ أنَّها أمُّ رومان دعد، ويقال: زينب، وقد تَقَدَّمَت في (الشهادات) في (حديث الإفك).

    قوله: (عَرَضُوا عَلَيْهِمْ): هو بفتح العين، مَبْنيٌّ للفاعل، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (يَا غُنْثَرُ): قال ابن قرقول في (الغين المُعْجَمَة مع النون): (غنثَر)؛ بفتح الثاء _يعني: المُثَلَّثَة_ وضمِّها عن أبي الحسين وغيره، وذكر الخَطَّابيُّ فيه عن النَّسَفيِّ: بفتح العين المُهْمَلَة، وتاء منقوطة باثنتين من فوقها، وفسَّره بالذُّباب الأخضر الأزرق، والصحيح الأوَّل؛ ومعناه: يا لئيم، يا دنيءُ؛ تحقيرًا له، وتشبيهًا بالذباب، و «الغُنثَر»: ذبابٌ، وقيل: مأخوذ من «الغَثْر»؛ وهو السقوط، وقيل: هو بمعنى: يا جاهلُ، ومنه قول عثمان: «هؤلاء رَعاعٌ غَثَرَةٌ»؛ أي: جَهَلة، والأغثر: الجاهل، ومنه: الغاثر، و «غُثَر» معدولٌ عنه، ثُمَّ زيدت فيه النون، قال الخَطَّابيُّ: وأحسبه: الثقيل الوخيم، انتهى، وقد تَقَدَّمَ.

    (1/6716)

    و «الغنْثر»؛ بضَمِّ الغين المُعْجَمَة، وإسكان النون، وفتح الثاء المُثَلَّثَة وضمِّها، ثُمَّ راء، وعن بعض الشيوخ: أنَّه بالغين المُعْجَمَة ثُمَّ مُثَلَّثَة مفتوحَتَين، والرابعة: (عنتر) التي ذكرها الخَطَّابيُّ عن النَّسَفيِّ، والله أعلم.

    قوله: (فَجَدَّعَ وَسَبَّ): (سبَّ): معناه معروفٌ، و (جدَّع): دعا عليه، و (الجَدْع): قطع الأنف، وقطع الأذن أيضًا، وقطع اليد والشَّفَة.

    قوله: (وَايْمُ اللهِ): تَقَدَّمَ أنَّ همزته همزة وصل على الصحيح، وقيل: قطع، وقد تَقَدَّمَ الكلام على معناه مُطَوَّلًا.

    قوله: (إِلَّا رَبَا): أي: زاد، وهو غير مهموز، معتلٌّ.

    قوله: (أَكْثَرُ): هو بالمُثَلَّثَة في أصلنا، وفي «مسلم» ضُبِط بالمُثَلَّثَة والموحَّدة، و (صَارَتْ أَكْثَرَ): هو بالمُثَلَّثَة، وكذا قوله: (فَإِذَا هُوَ شَيْءٌ أَكْثَرُ [3]) بالمُثَلَّثَة أيضًا.

    قوله: (يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ): أي: يا مَن هي من بني فراس، وهي من بني فراس بن غَنْم بن مالك بن كنانة، ولا خلاف في نسب أمِّ رومان إلى غَنْم بن مالك، واختلفوا في كيفيَّة انتسابها إلى غَنْم اختلافًا كثيرًا، واختلفوا هل هي من بني فراس بن غَنْم أم من بني الحارث بن غَنْم، وهذا الحديث يصحِّح أنَّها من بني فراس بن غَنْم، والله أعلم.

    قوله: (لَا، وَقُرَّةِ عَيْنِي): قال أهل اللغة: قرَّة العين: يُعبَّر بها عن المسرَّة ورؤية ما يحبُّه الإنسان ويوافقه، وقال الداوديُّ: (لا، وقرَّة عيني)؛ يعني: النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ يعني: أقسَمَتْ به.

    قوله: (فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا): كذا في الأصل الذي سمعت فيه على العِرَاقيِّ الحافظ، قال ابن قرقول: (فتعرَّفنا [4] اثني عشر رجلًا)؛ أي: صِرنا عُرَفاء مُقدَّمين على غيرنا، ورواه بعضهم: (فتفرَّقنا)، وكذا لأكثرهم في «البُخاريِّ» في (كتاب الصلاة): (ففرقنا اثني عشر رجلًا)، وللنَّسَفيِّ: (فعرفنا اثني عشر)، وهذا أوجه، وفي «مسلم»: (فعرفَنا)؛ بفتح الفاء، وعند ابن ماهان فيه تخليطٌ ذكرناه في آخر الكتاب في (الأوهام) انتهى.

    وقد وقع في «مسلم»: (فعرفنا اثنا عشر)، كذا في معظم النسخ، وفي نادرٍ منها: (اثني عشر)، وكلاهما صحيحٌ، والأوَّل جاز على لغة من جعل المثنَّى بالألف في الرفع والنصب والجرِّ، وهي لغةُ أربعِ قبائلَ من العرب، والله أعلم.

    (1/6717)

    [حديث: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله .. ]

    3582# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد بن درهم البصريُّ الإمام، و (عَبْد الْعَزِيزِ) بعده: هو ابن صهيب، تَقَدَّمَ.

    قوله: (وَعَنْ يُونُسَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ): هذا معطوف على السند قبله، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن مُسَدَّد، عن حَمَّاد _هو ابن زيد كما قَدَّمْتُ_، عن يونس _وهو ابن عبيد_، عن ثابت، عن أنس، والأوَّل حَمَّاد، عن عبد العزيز، عن أنس، والله أعلم؛ فاحذر أن تجعلَه تعليقًا.

    قوله: (إِذْ قَامَ رَجُلٌ): تَقَدَّمَ أنِّي لا أعرفه، وتَقَدَّمَ اسمه من عند بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين في (الجمعة)، وكذا تَقَدَّمَ (الكُرَاعُ) ما هو.

    قوله: (عَزَالِيَهَا): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وبالزاي، وبالمُثَنَّاة تحت المفتوحة، مَنْصُوبٌ، وقد تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ ما (العزالي)، ولامها مكسورةٌ ومفتوحةٌ.

    قوله: (نُمْطَرُ): هو بضَمِّ النون، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله: (فَقَامَ [1] ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ): تَقَدَّمَ أنَّه الأوَّل في (الاستسقاء)، وأنَّه لا يُعرَف اسمه، وتَقَدَّمَ في (الجمعة) ما قاله بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين فيه.

    قوله: (كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ): تَقَدَّمَ أنَّ (الإكليل): ما أحاط بالظُّفر من اللحم، وكلُّ ما أحاط بشيءٍ؛ فهو إكليلٌ، ومنه: إكليل المَلِك؛ وهو عِصابته؛ لإحاطتها بالجبين، وقيل: هي كالروضة، تَقَدَّمَ في (الاستسقاء).

    ==========

    [1] زيد في «اليونينيَّة»: (إليه).

    [ج 1 ص 933]

    (1/6718)

    [حديث ابن عمر: كان النبي يخطب إلى جذع فلما اتخذ .. ]

    3583# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ): هو بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، وتَقَدَّمَ أنَّ (غسَّان) يُصرَف ولا يُصرَف.

    قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ _وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ، أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ_[1]: سَمِعْتُ نَافِعًا): قال البُخاريُّ بُعَيد هذا: (وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ): اعلم أنَّ هذا الحديثَ ذكره المِزِّيُّ في ترجمة عُمر بن العلاء المازنيِّ _أبي حفصٍ البصريِّ، أخي أبي عمرو بن العلاء_ عن نافع عن ابن عمر ... ؛ فذكره، ثُمَّ قال في ترجمة معاذ بن العلاء: عن نافع عن ابن عمر، ولم يزد على هذا هنا، وقال في ترجمة معاذ بن العلاء بن عمَّار المازنيِّ، أبي غسَّان البصريِّ، أخي أبي عَمرو بن العلاء: عن نافع عن ابن عُمر، فطرَّفه مِن الطريقين [2]، ثُمَّ قال: التِّرْمِذيُّ في (الصلاة) عن الفلَّاس عن عثمان بن عُمر ويحيى بن كَثِير أبي غسَّان العنبريِّ؛ كلاهما عن معاذ بن العلاء به، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، ثُمَّ زاد المِزِّيُّ، فقال: رواه عليُّ بن نصر بن عليٍّ الجهضميُّ، وأحمد بن خالد الخلَّال، وعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارميُّ، في آخرين، عن عثمان بن عُمر، عن معاذ بن العلاء، و (عبد الحميد) هذا: يقال: إنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، والله أعلم، [هكذا رواه البُخاريُّ، وقيل: إنَّ قوله: (عُمر بن العلاء) وَهَمٌ، والصواب: معاذ بن العلاء، كما وقع في رواية التِّرْمِذيِّ، والله أعلم] [3]، انتهى.

    وكذا حكى القولين الذَّهَبيُّ، ثُمَّ قال: فالوَهم كأنَّه من مُحَمَّد بن المثنَّى، والصحيح: معاذ بن العلاء، قاله أحمد ابن حنبل وجماعةٌ، وكذا رواه وكيعٌ وغيرُه عن معاذٍ، ويقال: ليس لمعاذ حديثٌ مسندٌ [4] سواه، انتهى.

    وقد تَقَدَّمَ في كلام المِزِّيِّ أنَّ (عبد الحميد) يقال: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، علَّق عنه البُخاريُّ في هذا المكان، قال الذَّهَبيُّ في «تذهيبه» _وأصله للمِزِّيِّ_، فذكر هذا المكان، وقال: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، وفي حاشية تجاه (عبد الحميد) هذا: هو عَبْد بن حُمَيدٍ، اسمه عبد الحميد، وعبدٌ لقب له، قاله ابن السكن وأبو مسعود الدِّمَشْقيُّ. انتهت.

    و (عبد بن حُمَيدٍ): حافظٌ مشهور الترجمة، وقال الذَّهَبيُّ في ترجمته: واسمه عبد الحميد، حافظٌ جوَّال، ذو تصانيف، انتهى، أخرج له مسلمٌ والتِّرْمِذيُّ، وعلَّق له البُخاريُّ في هذا المكان، والله أعلم [5]، وقد سمعت «المنتخب من مسنده»، وقرأته عاليًا بالقاهرة وبحلب، وقرأت «ثلاثيَّاته» بدمشقَ وغيرِها.

    (1/6719)

    قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا [6] مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه؛ على (عبد الحميد)، وأنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، وهو شيخ البُخاريِّ فيما يظهر، وقد تَقَدَّمَ إذا قال البُخاريُّ: (قال فلانٌ) وفلانٌ المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_ ما حكمُه، وأنَّ هذا وأمثالَه يجعله المِزِّيُّ والذَّهَبيُّ تعليقًا، وقد تَقَدَّمَ الكلام أعلاه على (معاذ بن العلاء)، وأنَّه الصواب، والله أعلم، وحديث معاذ بن العلاء أخرجه التِّرْمِذيُّ في (الصلاة) عن عمرو بن عليٍّ الفلَّاس، عن عثمان بن عُمر ويحيى بن كَثِير أبي غسَّان العنبريِّ؛ كلاهما عن معاذ بن العلاء به، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ [7]، زاد المِزِّيُّ: رواه [8] عليُّ بن نصر بن عليٍّ الجهضميُّ، وأحمد بن خالد الخلَّال، وعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدارميُّ، في آخرين، عن عثمان بن عُمر، عن معاذ بن العلاء، و (عبد الحميد) هذا: يقال: إنَّه عَبْد بن حُمَيدٍ، والله أعلم، هكذا رواه البُخاريُّ، وقيل: إنَّ قوله: (عُمر بن العلاء) وَهمٌ، والصواب: معاذ بن العلاء؛ كما وقع في التِّرْمِذيِّ، والله أعلم، انتهى كلامه.

    قوله: (وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أبو عاصم) هذا: تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيل، وهو شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ مثل هذا يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (ابن أبي روَّاد): هو عبد العزيز بن أبي روَّاد، مولى المهلَّب بن أبي صفرة الأزديِّ، في اسم أبيه أقوالٌ: ميمون، وقيل: أيمن بن بدر، يروي عن عكرمة، والضَّحَّاك، وسالم بن عبد الله، ونافع، وغيرِهم، وعنه: ابنه عبد الحميد، وزائدة، ويحيى القَطَّان، وابن مهديٍّ، وأبو عاصمٍ، وخلقٌ، قال القَطَّان: ثقة، لا يُترَك حديثه لرأيٍ أخطأ فيه، وقال يحيى بن سليم: كان يرى الإرجاء، انتهى، وثناء الناس عليه معروفٌ، وكذا الكلام في اعتقاده، له ترجمة فِي «الميزان»، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له الأربعة، والله أعلم، قال ابن قانع: تُوُفِّيَ سنة (159 هـ)، وتعليق أبي عاصم لَمْ يكن في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة، ولم يخرِّجه شيخنا.

    (1/6720)

    [حديث: أن النبي كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ... ]

    3584# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين، وتَقَدَّمَ أنَّ (دُكَينًا) لقبٌ، وهو حافظٌ مشهورٌ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ): الصواب من أحد الشَّكَّين: أنَّها امرأة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على اسمها، وما وقع فيه من التصحيف، والصحيح: أنَّ اسمها عائشة، وفي الأنصار عوائش، ولا أعرفها بعينها، وتَقَدَّمَ اسم صانع المِنْبَر، والخلاف فيه، وتاريخ عمله، وارتفاعه، وعرضه، وماذا جرى له؛ فراجعه إنْ أردته.

    قوله: (قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي): قائل ذلك هو النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وتَقَدَّمَ في (البيوع).

    (1/6721)

    [حديث: كان المسجد مسقوفًا على جذوع من نخل]

    3585# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن أبي أويسٍ عبدِ الله، وأنَّه ابن أخت مالكٍ الإمامِ، وتَقَدَّمَ أنَّ أخاه اسمه عبد الحميد بن أبي أويسٍ عَبْدِ الله، وتَقَدَّمَ أنَّ (يَحْيَى بْن سَعِيدٍ): هو الأنصاريُّ، قاضي السَّفَّاح، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (كَصَوْتِ الْعِشَارِ): تَقَدَّمَ في (كتاب الجمعة).

    قوله: (فَسَكَنَتْ): هو بالنون، ثُمَّ تاء التأنيث الساكنة.

    ==========

    [ج 1 ص 934]

    (1/6722)

    [حديث: فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة]

    3586# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن أَبِي عَدِيٍّ): اسمه مُحَمَّد بن إبراهيم بن أبي عديٍّ.

    قوله: (وَحَدَّثَنَا [1] بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ): هو بكسر المُوَحَّدة، وإسكان الشين المُعْجَمَة، و (سُلَيْمَان): هو الأعمش، ابن مِهران، و (أَبُو وَائِلٍ): تَقَدَّمَ أنَّه شقيق بن سلمة، و (حُذَيْفَة): هو ابن اليماني، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا هو وأبوه، وأنَّ الصحيح فيه إثباتُ الياء.

    قوله: (هَاتِ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر التاء، وأنَّه أمرٌ من (هاتى يُهَاتي)، (هاتِ): الأمر منه.

    قوله: (لَجَرِيءٌ): هو بهمزة في آخره، وهذا ظاهِرٌ، من الجرأة؛ وهي الجسارة، ورأيت في نسخة: (لحريٌّ) [2]_في الأصل_؛ أي: لحَقِيقٌ وجَديرٌ، وفي الهامش نسخة كما في أصلنا: (لجريء)؛ من الجرأة.

    [ج 1 ص 934]

    قوله: (فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ): تَقَدَّمَ الكلام على ذلك في (الصلاة).

    قوله: (يُفْتَحُ [3] أَوْ يُكْسَرُ): هما مبنيَّان لما لم يُسَمَّ فاعلُهما، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (أَحْرَى): هو بالحاء [4] المُهْمَلَة، وفتح الراء؛ أي: أحقُّ، وهذا ظاهِرٌ أيضًا.

    قوله: (لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ): تَقَدَّمَ [الكلام] عليه، وأنَّه جمع (أغلوطة)؛ وهو ما يُخَلَّط فيه؛ أي: ليس فيه كذب ولا وَهَمٌ.

    قوله: (فَهِبْنَا): هو بكسر الهاء، من الهيبة.

    قوله: (فَقَالَ [5]: عُمَرُ): كذا قال حذيفة، استشكل بعضهم تفسيرَ حذيفةَ (البابَ) بـ (عمر)، وقال: إنَّ الواقع في الوجود يشهد أنَّ الأَولى بذلك الباب أنْ يكون عثمان؛ لأنَّ قتله هو السبب الذي فرَّق بين كلمة الناس، وأوقع بينهم تلك الحروب العظيمة، انتهى، وهو فقهٌ صحيحٌ حسن [6]، وقد قال لي الحافظ زين الدين القرشيُّ الدِّمَشْقيُّ شيئًا في ذلك وكونِ حذيفةَ قال لعُمر الباب، لا أستحضره الآن، وما أظنُّه قال ذلك، إلَّا أنَّه جاء في الحديث، والله أعلم.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] في (ب): (يجري)، وهو تحريفٌ.

    [3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (الباب).

    [4] في (ب): (بكسر الحاء)، والمثبت هو الصَّواب.

    [5] كذا في النُّسْخَتَين و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (قَالَ).

    [6] في (ب): (حسن صحيح).

    (1/6723)

    [حديث أبي هريرة: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر]

    3587# 3588# 3589# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وأنَّ (شُعَيْبًا): هو ابن أبي حمزة، وأنَّ (أَبَا الزِّنَاد) بالنون، وأنَّه عبد الله بن ذكوان، وأنَّ (الأَعْرَج) [1]: عبد الرَّحْمَن بن هرمز، وأنَّ (أَبَا هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ): تَقَدَّمَ فيه ثلاثة أقوال في (الجهاد)، وكذا تَقَدَّمَ (ذُلْفَ الأُنُوفِ)؛ أي: فُطْس الأنوف، وقيل: صغار الأنوف، وقيل: قِصار الأنوف، وتَقَدَّمَ مُطَوَّلًا، وأنَّ بعضهم رواه بدال مهملة، وقد تَقَدَّمَ في (الجهاد)، وكذا تَقَدَّمَ (كَالْمِجَانِّ [2] الْمُطْرَقَةِ) الكلامُ على (المجانِّ)، وعلى (المُطْرَقة)، في (الجهاد).

    قوله: (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ [3] لَهُ [4] كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه.

    قوله: (وَالنَّاسُ مَعَادِنُ): تَقَدَّمَ، وكذا (فُقهُوا [5])، وأنَّه بضَمِّ القاف وتُكسَر؛ أي: صاروا فقهاء علماء بأحكام الشرع.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (هو).

    [2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (المجانُّ).

    [3] في (ب): (أمدهم)، وهو تحريفٌ.

    [4] (له): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

    [5] (فقهوا): ليس في «اليونينيَّة» و (ق)، وهو ثابت في رواية الحديث (3439) وغيره.

    [ج 1 ص 935]

    (1/6724)

    [حديث: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا وكرمان من الأعاجم]

    3590# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): تَقَدَّمَ الكلام على (يحيى عن عبد الرَّزَّاق) في (باب اللِّعان في المسجد) وغيره، وأذكره أيضًا في (التفسير) في (اقرأ)، والله أعلم، وكذا تَقَدَّمَ (مَعْمَر)، وأنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّمَ (هَمَّام): أنَّه ابن مُنَبِّه.

    قوله: (خُوزًا وَكَرْمَانَ): قال ابن قرقول: (خوز كرمان)، ورُوِيَ: (خوز وكرمان)، وروي: (خُوزَا وكرمان)؛ بفتح الكاف وكسرها، والخُوز: جيلٌ من العجم، وكرمان: مدينةٌ، ورواه الجُرْجانيُّ: (خُورَ كرمانَ)؛ براء مهملة مضافًا إلى (كرمان)، فقيل: إنَّ (خور) _ بالراء_ من أرض فارس، قال الدَّارَقُطْنيُّ: صوابه: بالراء مع الإضافة، وحكاه عن أحمد ابن حنبل، وقال: إنَّ غيره صحَّف فيه، قال غيره: إذا أَضفتَ؛ فبالراء لا غير، وإذا عطفتَ؛ فبالزاي لا غير، انتهى.

    وقال ابن الأثير: (خُوز وكرمان)، ورُوِيَ: (خور وكرمان)، و (خُوزَا وكرمان) [2]، والخُوز: جيلٌ معروف، وكرمان: صُقع معروف في العجم، ويروى بالراء المُهْمَلَة، وهو من أرض فارس، وصوَّبه الدَّارَقُطْنيُّ، وقيل: إذا أضفتَ؛ فبالراء، وإذا عطفتَ؛ فبالزاي، انتهى، وسيأتي قريبًا كلامٌ في (خوز وكرمان).

    قوله: (وُجُوهُهُمُ [3] المَجَانُّ المُطْرَقَةُ): تَقَدَّمَ قبلُ الكلامُ على (المجانِّ) وعلى (المُطْرَقة)، في (الجهاد)، وقال الدِّمْيَاطيُّ في (المطرقة) ما لفظه: (مشتقَّة من الطِّراق؛ وهو الجلد الأحمر) انتهى.

    قوله: (تابَعَهُ غَيْرُهُ): كذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، وكان فيه: (عَبْدة)، فضُرِب عليها، وخرج في الهامش: (غيره)، وفي أصلنا القاهريِّ: (تابعه غيره)، وكذا قاله المِزِّيُّ في «أطرافه»، انتهى.

    وفي نسخة: (عَبْدة) عوض (غيرُه)، وهي نسخةٌ في هامش أصلنا، وهو بإسكان المُوَحَّدة، والضمير في (غيرُه) عائد على يحيى الراوي عن عبد الرَّزَّاق، وقد تَقَدَّمَ مَن هو، وأمَّا (عَبْدة)؛ فلا أعرفه بعينه، والله أعلم به.

    وقد روى البُخاريُّ لعَبْدة بن سليمان، وعَبْدة بن عبد الله، وعَبْدة بن أبي لبابة، وهذا الأخير لا يمكن أنْ يكون هو، فبقي الأمر بين [4] ابن عبد الله وابن سليمان، ولم أرَ في الرواة عن عبد الرَّزَّاق أحدًا اسمه عَبْدة، مع أنَّ ابن سليمان تُوُفِّيَ سنة (188 هـ)، وابن عبد الله تُوُفِّيَ سنة (258 هـ)، وعبد الرزاق تُوُفِّيَ سنة (211 هـ)، وأمَّا [5] الرواة عن عبد الرَّزَّاق؛ فجماعةٌ كثيرون مذكورون في «تهذيب المِزِّيِّ»، وبعضهم مذكور [6] في «التذهيب» للذهبيِّ، وفي «الكمال» لعبدِ الغنيِّ، والله أعلم مَن هو منهم.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] (وخوزا وكرمان): سقط من (ب).

    [3] في (ب): (وجوهم)، وهو تحريفٌ.

    [4] في (ب): (هو قبل الأخريين)، وهو تحريف.

    [5] في (ب): (وباقي).

    (1/6725)

    [6] في (ب): (مذكوره)، وهو تحريفٌ.

    [ج 1 ص 935]

    (1/6726)

    [حديث: بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشعر]

    3591# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، وتَقَدَّمَ أنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة [1]، و (إِسْمَاعِيلُ) بعده: هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم.

    قوله: (أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ [2] فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَ سِنِينَ): كذا هنا، وهذا إنَّمَا يتمشَّى على أنَّ خيبر فُتِحَت في أوَّل السابعة، وهو الأكثر، وقيل: فُتحَت في آخر السادسة، والخلاف مَبْنيٌّ على أوَّل التأريخ، وسيأتي، وقد تَقَدَّمَ، وأنَّ أبا هريرة إنَّمَا عدَّ السنين الكوامل وأسقط الكسر.

    قوله: (نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ): تَقَدَّمَ في (الجهاد) الكلام عليه.

    قوله: (وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ): هو في أصلنا: بفتح الراء وكسرها بالقلم، وهو بالباء المُوَحَّدة، وبعد الألف راء مهملة، ثُمَّ زاي، قال ابن قرقول: كذا لجميعهم هنا: بفتح الراء وتقديمها، قال بعضهم: هم الديلم، و (البارز): بلدهم.

    ثُمَّ قال _أي: البُخاريُّ_: (وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً): (سفيان) هذا: تَقَدَّمَ أعلاه [3] أنَّه ابن عُيَيْنَة [4]: (وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ)؛ بتقديم الزاي وفتحها أيضًا، وعند ابن السكن وعُبدوس: (البارِز)؛ بتقديم الراء [5] وكسرها، قال القابسيُّ: يعني: هؤلاء البارِزُون لقتال الإسلام، يقال: بارزٌ وظاهرٌ، انتهى.

    وفي «النهاية» ما لفظه: (وهم البازر): قيل: بازر: ناحية قريبة من كرمان، بها جبال، وفي بعض الروايات: (هم الأكراد)، فإنْ كان من هذا؛ فكأنَّه أراد أهل البازر، أو يكون سُمُّوا باسم بلادهم، هكذا أخرجه أبو موسى في حرف (الباء والزاي) من كتابه و «شرحه»، والذي رويناه في كتاب البُخاريِّ عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: «بين يدي الساعة تقاتلون قومًا نعالهم الشَّعَر، وهو هذا البازر»، وقال سفيان مَرَّةً: وهم أهل البازر؛ يعني بـ (أهل البازر): أهل فارس، كذا هو بلغتهم، وهكذا جاء في لفظ الحديث كأنَّه أبدل السين زايًا، فيكون من باب الباء والراء، لا من باب الباء والزاي، والله أعلم.

    وقد اختُلِف في فتح الراء وكسرها، وكذلك اختُلِف في تقديم الزاي، انتهى.

    وقال بعضهم: (خوزا وكرمان): بلدان [6] معروفان بالشرق، قال الإمام أحمد: أخطأ عبد الرزاق في قوله: (جوزا)؛ بالجيم، انتهى، وإنَّمَا ذكرتُ هذه الجملة لأجل كلام أحمد.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (الإمام).

    [2] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

    [3] في (ب): (مرارًا).

    [4] زيد في (ب): (أعلاه).

    [5] زيد في (ب): (على الزاي).

    [6] (بلدان): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 935]

    (1/6727)

    [حديث: بين يدي الساعة تقاتلون قومًا ينتعلون الشعر]

    3592# قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ حَازمًا؛ بالحاء المُهْمَلَة، وهذا ظاهِرٌ عند أهله.

    قوله: (سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ): هذا هو الحسن بن أبي الحسن البصريِّ، وتقدَّمت روايته عن عَمرو بن تغلِب، وهي هنا بـ (حَدَّثَنَا)، وفيه ردٌّ على ابن المَدينيِّ الذي قال: إنَّه لَمْ يسمع من عَمرو بن تغلِب، وقد تَقَدَّمَ مثلُه، والله أعلم.

    [ج 1 ص 935]

    قوله: (يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الجهاد) في (قتال الترك) وغيره، وكذا (وُجُوهَهُمُ [1] الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ) تَقَدَّمَ فيه.

    ==========

    [1] في (ب): (وجوهم)، وهو تحريفٌ.

    (1/6728)

    [حديث: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر: يا مسلم]

    3593# قوله: (حَدَّثَنَا [1] شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، وتَقَدَّمَ (الزُّهْرِيُّ): أنَّه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

    [ج 1 ص 936]

    (1/6729)

    [حديث: يأتي على الناس زمان يغزون، فيقال: فيكم ... ]

    3594# قوله: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): الظاهر أنَّه ابن عُيَيْنَة، وذلك لأنِّي رأيت الحافظ عَبْد الغَنيِّ ذكر ابن عُيَيْنَة فيمن أخذ عنه قُتَيْبَة، ولم يذكر الثَّوْريَّ، و (عَمْرو): هو ابن دينار، و (جَابر): هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام، الصَّحَابيُّ رضي الله عنهُ، و (أَبُو سَعِيدٍ): سعد بن مالك بن سنان الخُدْرِيُّ.

    ==========

    [ج 1 ص 936]

    (1/6730)

    [حديث: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة]

    3595# قوله: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ): تَقَدَّمَ أنَّه بالضاد المُعْجَمَة، وأنَّه لا يأتي الذي [1] بالمُعْجَمَة إلَّا بالألف واللام، بخلاف (نصر) _بالمُهْمَلَة_؛ فإنَّه لا يأتي بهما، وهذا هو النَّضْر بن شميل الإمام، و (إسرائيل): هو ابن يونس بن أبي إسحاق عَمرِو بن عبد الله السَّبيعيِّ.

    قوله: (حَدَّثَنَا [2] سَعْدٌ الطَّائِيُّ): هو سعد أبو مجاهد الطائيُّ الكوفيُّ، عن أبي مُدِلَّة مولى عائشة، ومُحِلِّ بن خليفة، وعطيَّة العَوفيُّ، وغيرهم، وعنه: الأعمش، وزياد بن خيثمة، وإسرائيل، وابن عُيَيْنَة، وجماعة، وثَّقهُ ابن حِبَّانَ وغيره، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وابن ماجه.

    قوله: (أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ): هو بضَمِّ الميم، وكسر الحاء المُهْمَلَة، وتشديد اللام، الطائيُّ الكوفيُّ، عن جدِّه عديِّ بن حاتمٍ وأبي السمح خادم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعنه: سعد أبو مجاهد وأبو الزعراء يحيى بن الوليد الطائيَّان، وسفيان، وشعبة، وثَّقهُ ابن معين وأبو حاتم، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، تَقَدَّمَ في (الزكاة).

    قوله: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ): هذا هو عديُّ بن حاتم بن عديِّ بن سعد بن الحشرج الطائيُّ، ولد حاتمٍ المعروف بالجود، كان عديٌّ نصرانيًّا فأتى النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مسلمًا، وهو صَحَابيٌّ مشهور، أخرج له الجماعة، وأحمد في «المسند»، وفد في شعبان سنة سبع، وقال الواقديُّ: في شعبان سنة عشر، تُوُفِّيَ عديٌّ سنة سبع وستِّين، وهو ابن مئة وعشرين سنةً، شهد الجمل مع عليٍّ وفُقِئت عينه يومئذٍ، ثُمَّ شهد معه صفِّين والنهروان، ومات بالكوفة سنة سبع وستِّين، (وقيل: سنة ثماني وستِّين) [3]، وقيل: سنة تسع وستِّين، والله أعلم، تَقَدَّمَ في (الزكاة).

    قوله: (إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ): هذا الرجل لا أعرفه، قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: لَمْ يُسَمَّ الرجلان _يعني: هذا والذي بعده_ فيما وقفتُ عليه، لكن في «دلائل النبوَّة» لأبي نعيم ما يرشد إلى أنَّهما صهيب وسلمان، انتهى.

    قوله: (فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ): هي الفقر والحاجة.

    قوله: (ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ): هذا الرجل الآخر تَقَدَّمَ أعلاه.

    قوله: (هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ): هي بكسر الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الياء المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ راء، ثُمَّ تاء التأنيث، مدينةٌ معروفةٌ عند الكوفة، وقد تَقَدَّمَ أنَّ لهم حيرةً أخرى بنيسابور، والتي عند الكوفة أنَّها المرادة.

    قوله: (الظَّعِينَةَ): هي المرأة، وأصل الظغينة: الراحلة التي تُرحل ويُظعَن عليها؛ أي: يُسار، وقيل للمرأة: ظعينةٌ؛ لأنَّها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، أو لأنَّها تُحمَل على الراحلة إذا ظعنت، وقيل: الظعينة: المرأة في الهودج، ثُمَّ قيل للهودج وللمرأة بلا هودجٍ: ظعينةٌ، وجمع الظعينة: ظُعْن، وظُعُن، وظعائنُ، وأظعان.

    (1/6731)

    قوله: (فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ): الدُّعَّار: بالدال المُهْمَلَة المضمومة، ثُمَّ عين مُشَدَّدة [4] مثلها مهملة، وفي آخره راء، قال ابن قرقول في (الدال والعين المُهْمَلَتين): أي: أشرارها ولصوصها، والداعر: الشرير، مأخوذٌ من العود الدَّعْر، وكذا ذكره ابن الأثير في (الدال والعين المُهْمَلَتين)، ثُمَّ قال: وإرادتهم: قطَّاع الطريق، وقوله: (طيِّئ): هو بهمزة في آخره، قبيلة معروفة، ويقال بياء واحدة بلا همز.

    قوله: (سَعَّرُوا الْبِلاَدَ): قال ابن قرقول: أي: ألهبوها شرًّا [5] وضرًّا كثيرًا؛ كالتهاب النار، بشدِّ العين، قال الخليل: ولا يُقال فيه: سعَرْتُ، ولا: أسعرت، وحَكى أبو حاتمٍ التخفيف، وحَكى أبو زيد: أسعرتُ.

    قوله: (لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى): (تُفْتَحَنَّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (كنوزُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (كِسرى): بكسر الكاف وفتحها، تَقَدَّمَ، وأنَّه لقبٌ لكلِّ من مَلَك فارس.

    قوله: (يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ): (يُخرج)؛ بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، و (ملء): مهموز الآخر، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.

    قوله: (وَلَيَلْقَيَنَّ اللهَ أَحَدُكُمْ): الاسم الجليل: مَنْصُوبٌ مفعول، و (أحدُكم): مَرْفُوعٌ فاعل.

    قوله: (ترْجُمَانٌ): تَقَدَّمَ الكلام على أنَّه بفتح التاء وضمِّها في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (فَيُبَلِّغَكَ) [6]: هو مَنْصُوبٌ، جواب الاستفهام؛ وهو (ألم)، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ): هو بضَمِّ الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، ومعناه معروف.

    قوله: (حَدَّثَنَا [7] عَبْد اللهِ بْن مُحَمَّد [8]): هذا هو المسنديُّ فيما يظهر، وقد ذكرت مستندي في ذلك في (الزكاة)، و (أَبُو عَاصِمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد النَّبيل، و (سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ): بالموحَّدة والشين المُعْجَمَة، ويقال: ابن بَشِير، تَقَدَّمَ، و (أَبُو مُجَاهِدٍ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه سعد الطائيُّ مُتَرْجَمًا، و (مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ) تَقَدَّمَ أعلاه وقبل ذلك في (الزكاة)، و (عَدِيٌّ): تَقَدَّمَ أعلاه وفي (الزكاة).

    ==========

    [1] في (ب): (التي)، والمثبت هو الصَّواب.

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق) بعد الإصلاح: (أَخْبَرَنَا).

    [3] ما بين قوسين سقط من (ب).

    [4] (مُشَدَّدة): سقط من (ب).

    [5] في (ب): (غرًّا)، وهو تحريفٌ.

    [6] في (ب): (فليبلغك)، وهو تحريفٌ.

    [7] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [8] (بن محمَّد): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

    [ج 1 ص 936]

    (1/6732)

    [حديث: إني فرطكم وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى .. ]

    3596# قوله: (حَدَّثَنَا [1] سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيل: حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ [2] ... )؛ الحديث: قال الدِّمْيَاطيُّ: أعاد هذا الحديث في غزوة أحُد عن عَمرو بن خالد عن الليث [3]، وأعاده في (الرقاق)

    [ج 1 ص 936]

    عن قُتَيْبَة عن الليث، انتهى.

    ولفظ المِزِّيِّ في «أطرافه» لمَّا ذكر هذا الحديث؛ قال: (حديث «خ، م، د، س»: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خرج يومًا فصلَّى على أهل أحُد صلاته على الميِّت ... ؛ الحديثَ، البُخاريُّ في [ ... ])، كذا في نسختي أخلى بياضًا، وهو في (الجنائز) كما رأيته في «البُخاريِّ» في (باب الصلاة على الشهيد) [4]، انتهى [5]، قال [6]: عن عبد الله بن يوسف، وفي (علامات النبوَّة) عن سعيد بن شُرَحْبيل، وفي (المغازي) وفي موضعٍ آخر: عن قُتَيْبَة، وفي (المغازي) أيضًا، وفي (ذكر الحوض) عن عَمرو بن خالد؛ أربعتهم عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب عنه؛ أي: عن يزيد بن عبد الله اليزنيِّ أبي الخير به؛ أي: عن عقبة بن عامر، وفي (المغازي) أيضًا: عن مُحَمَّد بن عبد الرحيم، عن زكريا بن [7] عديٍّ، عن ابن المبارك، عن حَيْوَة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب به، ثُمَّ طرَّفه من عند مسلمٍ، وأبي داود، والنَّسائيِّ.

    قوله: (فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ): أي: دعا لهم بدعاء صلاة الميت، وقيل: صلَّى عليهم، والمخالف لا يقول بجواز الصلاة على الميِّت بعد هذه المدة الطويلة، قال شيخنا: قيل: معناه: ودَّع الأحياء والأموات، وقيل: صلَّى عليهم؛ لأنَّه لَمْ يكن صلَّى عليهم حين ماتوا، وهو ظاهِرُ قوله: (صلاته على الميِّت)، وقيل: دعا لهم، انتهى، وفي بعض طرق هذا الحديث: (أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام خرج عاصبًا رأسه حتَّى جلس على المنبر، ثُمَّ كان أوَّل ما تكلَّم به أنَّه صلَّى على أهل أُحُد واستغفر لهم، فأكثر الصلاة عليهم)، وما في هذا الحديث هنا: أنَّه صلى على أهل أحد صلاته على الميِّت ثُمَّ انصرف إلى المنبر فقال: «إني فرط لكم»؛ فتأويله محتمل، والله أعلم.

    قوله: (إِنِّي فَرَطُكُمْ): الفَرَط؛ بفتح الفاء والراء وبالطاء المُهْمَلَة: الذي يتقدَّم الوارد فيهيِّئ لهم ما يحتاجون إليه، والمراد هنا: أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يتقدَّم أمَّته؛ ليشفع لهم، والله أعلم.

    قوله: (أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ [8] الأَرْضِ): (أُعطيتُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (مفاتيحَ): مَنْصُوبٌ مفعول ثانٍ.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] (الميت): ليس في (ب).

    [3] زيد في (ب): (به).

    [4] زيد في (ب): (قال).

    [5] زيد في (ب): (والله أعلم).

    (1/6733)

    [6] في (ب): (قوله).

    [7] زيد في (ب): (أبي)، وليس بصحيحٍ.

    [8] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وطرأ على (ق) علامة التقديم والتأخير، وفي «اليونينيَّة»: (خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ).

    (1/6734)

    [حديث: هل ترون ما أرى؟ إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم]

    3597# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكين [1]، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (الزُّهْرِيُّ): أنه مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب.

    قوله: (عَنْ أُسَامَةَ): هو أسامة بن زيد بن حارثة، الحِبُّ بن الحِبِّ، تَقَدَّمَ، وتَقَدَّمَ أبوه، وجدُّه حارثة: له صحبةٌ، وقد تَقَدَّمَ، رضي الله عنهُم، وفي الصَّحَابة من اسمه (أسامة) ستَّة أشخاص؛ منهم من الصحيح أنَّه تابعيٌّ اثنان، والصَّحَابة الأربعة لهم رواية، وليس فيهم أسامة بن زيد سواه، والله أعلم.

    قوله: (عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ): (الأُطُم): هو بضَمِّ الهمزة والطاء المُهْمَلَة وتسكَّن أيضًا، بناءٌ مرتفعٌ، والجمع: آطام.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (الحافظ).

    [ج 1 ص 937]

    (1/6735)

    [حديث زينب: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب]

    3598# 3599# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الحكم بن نافع، و (شُعَيْبٌ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَةَ): تَقَدَّمَت، صحابيَّة رضي الله عنها، واللتان بعدها: صحابيَّتان، مجموعهنَّ ثلاث صحابيَّاتٍ يروي بعضهُنَّ عن بعض، وهو من لطائف الإسناد، وقد تَقَدَّمَ التنبيه على ذلك، وهنَّ ربيبةٌ وزوجتان، وقد تَقَدَّمَ أنَّ في بعض طرقه في «مسلمٍ»: أربعٌ يروي بعضهُنَّ عن بعض، وقدَّمت أنَّ الحافظ أبا الحَجَّاج يوسف بن خليل الدِّمَشْقيَّ ثُمَّ الحلبيَّ أفرد بالتأليف [1] ما فيه أربعةٌ من الصَّحَابة يروي بعضهم عن بعض، وهو تسعة أحاديث، وقد سمعته بحلبَ على بعض أصحاب أصحابه، وكذا سمعتُه بالقاهرة كذلك، وفي آخِرِ [2] هذه الأحاديث حديثٌ يرويه خمسةٌ من الصَّحَابة بعضهم عن بعض، وهو ما رواه عبد الله بن عَمرو بن العاصي، عن عثمان بن عفان، عن عُمر بن الخَطَّاب، عن أبي بكر الصديق، عن بلالٍ، رضي الله عنهُم: قال رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الموت كفَّارةٌ لكلِّ مسلمٍ».

    قوله: (أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ): تَقَدَّمَت رضي الله عنها، واسمها رملة، زوجه عليه الصَّلاة والسَّلام، بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أُمَيَّة، و (زَيْنَب بِنْت جَحْشٍ): تَقَدَّمَت أيضًا.

    قوله: (فَزِعًا): هو بكسر الزاي، اسم فاعلٍ، مَنْصُوبٌ على الحال.

    قوله: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ): يعني: للمسلمين؛ لأنَّ أكثر المسلمين من العرب ومواليهم، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه فتنة عثمان، أو يأجوج ومأجوج، والذي يظهر من السياق: أنَّه الثاني.

    قوله: (فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ [3]): (فُتِح): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (يأجوج ومأجوج): تَقَدَّمَ الكلام عليهما في (ابتداء الخلق)، و (مثلُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

    قوله: (وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ): هو بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد اللام، وبالقاف؛ أي: جعل حَلْقَةً، وقد تَقَدَّمَ، والإصبعان: الإبهام والسبابة، كذا جاء مصرَّحًا به في بعض طرقه.

    قوله: (أَنَهْلِكُ): هو بكسر اللام.

    قوله: (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟): أي: يدْعُونَ بصرْفِ الفتنِ، قال الداوديُّ: قال ابن التين: أرادت: يقع الهلاك بقوم فيهم من لا يستحقُّ ذلك؟

    قوله: (إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ): هو بفتح الخاء المُعْجَمَة والموحَّدة، وبالمُثَلَّثَة، وهو الزِّنى، وقيل: أولاد الزِّنى، وقد جاء في حديث آخر: «ويكثر الزِّنى»، ويقال فيه: خِبثة.

    قوله: (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ): أمَّا (الزُّهْرِيُّ)؛ فقد تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه مُحَمَّد بن مسلم (بن عبيد الله بن عبد الله) [4] بن شهاب الزُّهْرِيُّ، العالم المشهور.

    (1/6736)

    وأمَّا (هند)؛ فتصرف ولا تصرف، وقد تَقَدَّمَ أنَّها زوج معبد [5] بن المقداد، وقد تَقَدَّمَ ما وقع فيها من الوهم في بعض كتب الأسماء، روت عن أمِّ سلمة، وعنها: الزُّهْرِيُّ، وقد تَقَدَّمَت أنَّها فِرَاسيَّة أو قرشيَّة، روى لها البُخاريُّ والأربعة، لها في الكتب حديثان.

    وقوله: (وعن الزُّهْرِيِّ) هذا معطوفٌ على السند الذي قبله، فإيَّاك أنْ تحسبه تعليقًا، وقد رواه البُخاريُّ عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزُّهْرِيِّ، عن هند بنت الحارث، عن أمِّ سلمة.

    و (أمُّ سلمة): اسمها أيضًا هند بنت أبي أُمَيَّة، تَقَدَّمَت، وأنَّها آخر الأزواج وفاةً، تُوفِّيت بعد الحسين، رضي الله عنهما، وقد تَقَدَّمَ ما قاله الواقديُّ في وفاة ميمونة، وهو غلط، والله أعلم.

    [ج 1 ص 937]

    ==========

    [1] في (أ): (بالتألف).

    [2] في (ب): (آخره)، وهو تحريفٌ.

    [3] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (هَذَا).

    [4] ما بين قوسين سقط من (ب).

    [5] في (ب): (المعبد).

    (1/6737)

    [حديث: يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم]

    3600# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكين، وتَقَدَّمَ (الْمَاجِشُونِ) ضبطًا ومعنًى، وأنَّه الأبيض المورَّد، وتَقَدَّمَ مَن الملقَّب بهذا اللقب، وأنَّه يعقوب بن أبي سلمة.

    قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (عبد الرَّحْمَن ومُحَمَّد ابنا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الحارث بن أبي صعصعة عمرِو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عَمرو بن غنم بن مازن بن النجَّار، انفرد به البُخاريُّ) انتهى.

    و (عبد الرَّحْمَن) هذا: ابن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، منهم من ينسبه إلى جدِّه، ومنهم من يقول: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن فيقلبه، والكلُّ واحد، وثَّقهُ أبو حاتم وغيره، وترجمته معروفة، وقول الدِّمْيَاطيِّ: (انفرد به البُخاريُّ)؛ يعني: عن مسلمٍ.

    وتَقَدَّمَ (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ): أنَّه سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

    قوله: (إِنِّي أَرَاكَ [1]): هي (إنَّ) واسمها، كذا في الأصل الذي لنا القاهريِّ، وفي الهامش عوضها: (أَبي)؛ يعني: بفتح الهمزة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ ياء الإضافة؛ من الأبوَّة، وفي ذلك نظر، وهو أنَّه يبقى الحديث معضَلًا، ثُمَّ أيضًا ينافيه قوله: (فإني سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ... ) إلى آخره، والله أعلم.

    قوله: (فَأَصْلِحْهَا): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رُباعيٌّ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا، وكذا (وَأَصْلِحْ).

    قوله: (رُعَامَهَا): هو بالعين المُهْمَلَة، وضمِّ الراء، وفي نسخةٍ هي في هامش أصلنا: (رُغامها)؛ بالغين المُعْجَمَة، مع ضمِّ الراء، قال ابن قرقول: بضَمِّ الراء، وعين مهملة؛ وهو ما يسيل من أنوفها، انتهى، وقد اقتصر على ذلك وذكر اللفظة ابن الأثير في (الراء والعين المُهْمَلَة) كما قاله ابن قرقول، وقال في (الراء والغين المُعْجَمَة) ما لفظه: وفي حديث أبي هريرة: «صلِّ في مراح الغنم وامسح الرَّغام عنها»، ورواه بعضهم بالغين المُعْجَمَة، وقال: إنَّه ما يسيل من الأنف، والمشهور فيه والمرويُّ: بالعين المُهْمَلَة، ويجوز أن يكون أراد مسح التراب عنها [2]؛ رعايةً لها وإصلاحًا لشأنها، انتهى.

    وهذا الحديث غير حديث الأصل، وقد قَدَّمْتُ ما في هامش أصلنا، و (الرَّغام)؛ بفتح الراء، وبالغين المُعْجَمَة: التراب، وراجعت كلام شيخنا في «شرحه»؛ فرأيته قال: والرُّعام؛ بالعين المُهْمَلَة، والراء المضمومة: المخاط، وشاةٌ رَعُوم: بها داءٌ يسيل من أنفها، انتهى، فاقتصر على الإهمال في العين.

    قوله: (يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، أَوْ سَعَفَ [3] الْجِبَالِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في أوائل هذا التعليق.

    (1/6738)

    [حديث أبي هريرة: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم .. ]

    3601# 3602# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ): هذا هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أبو إسحاق المدنيُّ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (ابْن شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، تَقَدَّمَ.

    و (ابْن المُسَيّب): هو سعيد، وتَقَدَّمَ أنَّ (المُسَيّب) بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه (المُسَيَّب) لا يجوز فيه إلَّا الفتح، وتَقَدَّمَ (أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّ اسمه عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، (وَأَبُو هُرَيْرةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

    قوله: (مَنْ [1] يُشْرِفْ لَهَا؛ تَسْتَشْرِفْهُ): (يشرف): بضَمِّ أوَّله وإسكان الشين المُعْجَمَة، وكسر الراء، رُباعيٌّ، كذا في أصلنا، وفي نسخةٍ في الهامش (تَشرَّفَ)؛ بفتح المُثَنَّاة فوق والشين المُعْجَمَة، وتشديد الراء مفتوحة، وفتح الفاء، فعلٌ ماضٍ، قال ابن قرقول: (من استشرف لها؛ استشرفته)، قيل: هو من الإشراف، استشرفتُ الشيء: علوته، وشرفت عليه، وأشرفت؛ يريد: من انتصب لها؛ انتصبتْ له وتلَّتْه وصرعتْه، وقيل: هو من المخاطرة والتغرير والإشفاء على الهلاك؛ أي: من خاطر بنفسه فيها؛ أهلكته، يقال: أشرف المريض؛ إذا أشرف على الموت، وهم على شرف؛ أي: خطر، ورويناه في «مسلم»: تشرَّف لها؛ تستشرفه، وهو من معنى ما تَقَدَّمَ، كذا ضبطناه على القاضي أبي عليٍّ، وضبطناه عن أبي بحرٍ: يُشرف، وهو راجع إلى ما تَقَدَّمَ، انتهى، وقد رأيتَ ما عزاه لمسلم هو في «البُخاريِّ»، والله أعلم.

    قوله: (وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ... ) إلى آخره: أمَّا (ابن شهاب)؛ فقد تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن مسلم، وقوله: (وعن ابن شهاب): هذا معطوف على الحديث الذي قبله، فإيَّاك أنْ تظنَّه تعليقًا، فروى هذا الثاني البُخاريُّ عن عبد العزيز بن عبد الله الأوَيسيِّ، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن [2] عبد الرَّحْمَن بن الحارث، عن عبد الرَّحْمَن بن مطيع [3] بن الأسود، عن نوفل بن معاوية؛ مثلَ حديث أبي هريرة، قال المِزِّيُّ بعد عزوه إلى مسلمٍ: بهما جميعًا، رواه ابن أبي ذئبٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، عن نوفل بن معاوية حديث: «من ترك الصلاة؛ فكأنَّما وُتِر أهله وماله»، ثُمَّ طرَّف حديث نوفل بن معاوية [4]: «من فاتته صلاةٌ؛ فكأنَّما وُتِر أهله وماله» من عند النَّسائيِّ.

    (1/6739)

    قوله: (عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ): هذا الرجل كنانيٌّ ديليٌّ، وكنيته أبو معاوية، نوفل بن معاوية بن عروة، ويقال ابن عمرو بن صخر بن يعمر بن نفاثة بن عديِّ بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، ونوفل هذا شهد الفتح، وتُوُفِّيَ بالمدينة زمن يزيد بن معاوية، روى عنه ابن أخيه عبد الرَّحْمَن بن مطيع، وأبو بكر بن [5] عبد الرَّحْمَن بن الحارث، وعِراك بن مالك، وغيرهم، تُوُفِّيَ في خلافة يزيد وقد بلغ المئة أو أزْيَدَ، قال الواقديُّ: (شهد مع المشركين بدرًا وأحدًا، وكان له ذكرٌ ونكايةٌ)، وقيل: مات زمن معاوية، أخرج له البُخاريُّ ومسلم والنَّسائيُّ، رضي الله عنه.

    قوله: (إِلَّا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ ... ) إلى آخره؛ يعني: بالسند الذي قدَّمه في حديث أبي هريرة.

    قوله: (فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ): تَقَدَّمَ الكلام [6] في (الصلاة)؛ فانظره.

    (1/6740)

    [حديث: ستكون أثرة وأمور تنكرونها]

    3603# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا: أنَّه بفتح الكاف وكسر المُثَلَّثَة، و (سفيان) بعده هو: الثَّوْريُّ فيما يظهر؛ وذلك لأنَّ الحافظ عَبْد الغَنيِّ ذكر الثَّوْريَّ في مشايخ مُحَمَّد بن كثير، ولم يذكر ابن عُيَيْنَة، والذَّهَبيُّ ذكر أنَّه روى عن سفيان؛ أعني: مُحَمَّد بن كثير، فحملتُ المطلق على المقيَّد، وقد سبق مثلُه [1]، و (الأَعْمَش): هو سليمان بن مِهْرَان الكاهليُّ.

    قوله: (أَثَرَةٌ): قال ابن قرقول في قوله: (ستلقَون بعدي أُثْرة): بضَمِّ الهمزة، وإسكان الثاء، ويروى (أَثَرة)؛ بفتحهما، وبالوجهين قيَّدَه الجَيَّانيُّ، وبالفتح قيَّدَه غيرُه عن الأصيليِّ والطَّبَريِّ والهوذنيِّ، وقيَّدناه عن الأسديِّ وغيره بالضَّمِّ، والوجهان صحيحان، ويقال أيضًا: (إِثْرة) بكسر الهمزة وسكون الثاء، قال الأزهريُّ: هو الاستئثار؛ أي: يُستأثَر عليكم بأمور الدنيا، ويُفضَّل غيرُكم عليكم، ولا يُجعل لكم في الأمر نصيبٌ، وحُكِيَ لي عن الشيخ أبي عبد الله النَّحْويِّ مُحَمَّد بن سليمان، عن أبي عليٍّ القاليِّ: أنَّ (الأثرة): الشدَّة، وبه كان يتأوَّل الحديث، والتفسير الأوَّل أظهرُ، وعليه الأكثر، وسياق الحديث وسببه يشهد له؛ وهو إيثارهم المهاجرين على أنفسهم ... إلى آخر كلامه، والأثرة التي لقيتْها الأنصارُ: قال [2] أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»: إنَّها زمنَ معاوية رضي الله عنه.

    (1/6741)

    [حديث: يهلك الناس هذا الحي من قريش]

    3604# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): هو بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة، وقد سمَّاه ونسبه، وليس له في البُخاريِّ سوى هذا الحديث، و (أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، و (أَبُو التَّيَّاح): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وتشديد المُثَنَّاة تحت، وفي

    [ج 1 ص 938]

    آخره حاءٌ مهملة: يزيد بن حُمَيدٍ، و (أَبُو زُرْعَة): تَقَدَّمَ أنَّ اسمه هرِم، وقيل غير ذلك، ابن عَمرو بن جرير بن عبد الله البَجَليُّ، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ [1].

    قوله: (يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ): (يُهلك): بضَمِّ أوَّله لأنَّه رُباعيٌّ، و (الحيُّ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (الناسَ): مَنْصُوبٌ مفعول، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (وَقَالَ [2] مَحْمُودٌ: حَدَّثَنَا أَبُو [3] دَاوُدَ عن [4] شُعْبَةَ): هذا (محمود): ابن غيلان، وهو شيخ البُخاريِّ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ البُخاريّ إذا قال: (قال فلان)، وفلان المسندُ إليه القولُ شيخُه _كهذا_؛ يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة غالبًا، و (أبو داود) هذا: هو الطيالسيُّ، سليمان بن داود بن الجارود الطيالسيُّ الحافظ، عن ابن عون وشعبة، وعنه: بُنْدار وأحمد بن الفرات والكديميُّ، قال: (أسرد ثلاثين ألف حديثٍ، ولا فخر)، ومع ثقته؛ فقد فقال إبراهيم بن سَعِيد الجوهريُّ: أخطأ في ألف حديث، كذا قال، تُوُفِّيَ أبو داود سنة (204 هـ)، عَلَّقَ له البُخاريُّ، وأخرج له مسلمٌ والأربعة، وله ترجمةٌ في «الميزان»، وصحَّح عليه، وقد سبق.

    والحكمة في إيراد البُخاريِّ هذا عقيبَ الذي قبله؛ لأنَّ أبا التَّيَّاح في الأوَّل عنعن، وإنْ لَمْ يكن مُدلِّسًا؛ فالخلاف طَرَقَ العنعنة وإنْ لَمْ يكن من مُدلِّسٍ، فأتى بهذا الثاني؛ لأنَّ أبا التَّيَّاح صَرَّحَ فيها بالسماع من أبي زرعة، والله أعلم.

    ==========

    [1] زيد في (ب): (من نحو ثلاثين قولًا).

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (قال)؛ بلا واو.

    [3] في (ب): (ابن)، وهو تحريفٌ.

    [4] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة»: (أَخْبَرَنَا)، وفي (ق): (حدَّثنا).

    (1/6742)

    [حديث: هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش]

    3605# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ): قال الجَيَّانيُّ: قال _ يعني: البُخاري_ في (الوضوء) و (الإجارات) وغير ذلك: حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا عَمرو بن يحيى بن سعيد، ويروي عن إبراهيم بن سعيد أيضًا، وهو أحمد بن مُحَمَّد بن الوليد الأزرقيُّ، أبو مُحَمَّد، قال البُخاريُّ: (فارقناه حيًّا سنة ثنتي عشرة ومائتين)، انتهى، وقد قَدَّمْتُ ترجمة هذا الرجل فيما مضى؛ فاعلمه [1].

    قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَمَوِيُّ [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: عَمرو بن سعيد بن العاصي (بن سعيد بن العاصي) [3] بن أُمَيَّة، انفرد البُخاريُّ بعَمرو، واتفقا على جدِّه سعيد [4]، وانفرد مسلمٌ بعمِّ سعيد؛ يحيى بن سعيد بن العاصي، انتهى، فقوله: (انفرد البُخاريُّ بعَمرو)؛ أي: عن مسلم، وقوله: (وانفرد مسلم بعمِّ سعيد؛ يحيى بن سعيد بن العاصي)؛ يعني: عن البُخاريِّ، والله أعلم، وقوله: (الأَمويُّ): هو بفتح الهمزة، وتضمُّ أيضًا.

    قوله: (عَنْ جَدِّهِ): (جدُّه): هو سعيد بن عَمرو بن سعيد بن العاصي بن أبي أُحيحَة القرشيُّ، عن أبي هريرة وابن عَبَّاس، وعنه: ابناه إسحاق وخالد، وحفيده عَمرو بن يحيى، وشعبة، سكن الكوفة، قال النَّسائيُّ: ثقةٌ، وقال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البُخاريُّ ومسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه، عاش إلى أن وفد على الوليد بن يزيد، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ): (مروان): هو ابن الحكم تَقَدَّمَ نسبه، وأنَّه الخليفة، وليس له رؤيةٌ، وتَقَدَّمَ ما يتعلَّق به، و (أبو هريرة): عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ): الغِلمة: جمع غلام، والغلام معروف.

    قوله: (مَرْوَانُ: غِلْمَة): يجوز في غلمة الثانية الجرُّ مع التنوين، والرفع معه.

    قوله: (إِنْ شِئْتَ): يجوز فيه فتح التاء وضمُّها، وبهما ضَبَطَ أبو جعفرٍ نسختَه، وأمَّا في أصلنا؛ فبالفتح فقط بالقلم.

    قوله: (بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ): هؤلاء ذكرهم القرطبيُّ في «تذكرته»، فقال: (كأنَّهم _والله أعلم_ يزيد بن معاوية، وعُبيد الله بن زياد، ومن يتنزَّل منزلتَهم من أحداث ملوك بني أُمَيَّة ... ) إلى آخر كلامه، قاله في «التذكرة»، وقال بعض الحُفَّاظ من المصريِّين: يعني: بني حربٍ، وبني مروان، انتهى.

    (1/6743)

    [حديث: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر]

    3606# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى): هذا الرجل تَقَدَّمَ أنَّه يحيى بن موسى البلْخيُّ السَّخْتيَانيُّ خَتٌّ، ولُقِّب بـ (ختٍّ)؛ لأنَّها جرت على لسانه، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (الْوَلِيدُ) بعده: هو ابن مسلم تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، وهو عالم أهل الشام، و (ابْنُ جَابِرٍ): هو عبد الرَّحْمَن بن يزيد بن جابر، و (بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وبالسين المُهْمَلَة، و (أَبُو إِدْرِيسَ): تَقَدَّمَ أنَّه عائذ الله بن عبد الله، و (حُذَيْفَة بْن الْيَمَانِي): تَقَدَّمَ أنَّ الصحيح أنَّه بإثبات الياء، وتَقَدَّمَ الاختلاف في اسم (اليماني) هل هو حُسيل أو حِسْل، وترجمته وبعض ترجمة ابنه حذيفة رضي الله عنهُمَا.

    قوله: (وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ»): هو ولاية عُمر بن عبد العزيز، قاله القاضي عياض.

    قوله: (وَفِيهِ دَخَنٌ)، وكذلك: (وَمَا دَخَنُهُ؟): هو بفتح الدال المُهْمَلَة والخاء المُعْجَمَة وبالنون، وهو الدخان، أراد به: غير صافٍ ولا خالصٍ، بل كَدِرٌ؛ كالشيء الذي أصابه الدُّخانُ فغيَّر لونه.

    قوله: (بِغَيْرِ هَدْيِي): (الهَدْي)؛ بفتح الهاء وسكون الدال المُهْمَلَة: الطريقة والمذهب والسَّمْت، وقد ضبط هذا الأصيليُّ والقابسيُّ بضَمِّ الهاء، قال ابن قرقول: وبالوجهين قيَّدناه في غير موضعٍ.

    قوله: (مِنْ جِلْدَتِنَا): هو بكسر الجيم وإسكان اللام، ثُمَّ دال مهملة مفتوحة، ومعناه: جنسنا وجيلنا [1]؛ أراد به: العرب، انتهى، والأجلاد: الأشخاص، وقد يكون المراد به: لون الجلد؛ أي: بيض.

    قوله: (وَلَوْ أَنْ تَعَضُّ [2]): هو مَرْفُوعٌ؛ لأنَّه لَمْ يتقدَّم ناصبٌ ولا جازمٌ، و (أنْ) مُخَفَّفة من الثقيلة، كذا أحفظُه بالرفع، وقد سألني بعض فضلاء الدماشقة عنه [3]، فقلت له: إنَّه [4] بالرفع والنصب، فقال لي: إنَّ أبا حيَّان قال: (أن) الناصبة لا تلي (لو)، وأظنُّه عزاه لـ «ارتشاف الضَّرَب»، والله أعلم، ولم أرَ أنا ذلك في «ارتشاف الضَّرَب» في مكانه في (أن) ولا في (لو)، ولكن في «المغني» لابن هشام في (لو) معناه، وقد رأيته عن الأشيريِّ [5] أنَّه بالرفع، ثُمَّ رأيته أيضًا عن الأشيريِّ أنَّه قال: (تعضُّ) مَرْفُوعٌ؛ لأنَّه فعل مضارع لم ينصبه شيءٌ، فـ (أن) هذه ليست هي (أن) الناصبة، إنَّمَا هي مُخَفَّفة من الثقيلة، تقديره: ولو أنَّك تعض، ورأيت عن الشيخ العلَّامة عزِّ الدين ابنِ الحاضريِّ _صاحبنا وأخينا، وكان في آخر وقتٍ نحويَّ حلبَ_ أنَّه قال: يجوز نصبها، والأُولى أَولى، انتهى، وهي في أصلنا هنا وفي (الفتن) بالنصب، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (أ): (جيليا)، وهو تصحيفٌ.

    [2] وكذا في نسخةٍ في هامش (ق)، وفي (ق) و «اليونينيَّة»: (تعضَّ).

    [3] في (ب): (عنها).

    [4] في (ب): (إنَّها).

    [5] في (ب): (الأثيريِّ)، وكذا في الموضع اللاحق، والمثبت موافق لما في هامش (ق).

    [ج 1 ص 939]

    (1/6744)

    [حديث: تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر]

    3607# قوله: (حَدَّثَنَا [1] يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هذا هو القَطَّان شيخ الحُفَّاظ، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حازم.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصححًا عليه: (حدَّثني).

    [ج 1 ص 939]

    (1/6745)

    [حديث: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة]

    3608# قوله: (حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ): هذا هو أبو اليمان، تَقَدَّمَ، و (شُعَيْبٌ): هو ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): مُحَمَّد بن مسلم، و (أَبُو سَلَمَةَ): هو عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عوف، أحد الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا، عبد الرَّحْمَن بن صخر.

    قوله: (حتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ [1] دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ [2]): قد كان ذلك في الصدر الأوَّل، رضي الله عن الصَّحَابة أجمعين.

    [ج 1 ص 939]

    ==========

    [1] في «اليونينيَّة»: (فِتْيان)، وصُوِّب في هامشها المثبت.

    [2] في (ب): (واحد)، وهو تحريفٌ.

    (1/6746)

    [حديث: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فتيان فيكون بينهما مقتلة عظيمة]

    3609# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ): (عبد الله بن مُحَمَّد) هذا [2]: هو المسنديُّ، وقد قَدَّمْتُ مستندي [3] في ذلك، و (عَبْدُ الرَّزَّاقِ): هو ابن همَّام الحافظ الكبير المشهور [4]، و (مَعْمَر): تَقَدَّمَ مرارًا؛ أنَّه بفتح الميمين بينهما عين ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (هَمَّام): هو ابن منبِّه.

    قوله: (قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ ... ) إلى آخره: قال القرطبيُّ في «تذكرته»: قد جاء عددهم يقينًا من حديث حذيفة رضي الله عنه: قال رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «في أمَّتي دجَّالون كذَّابون سبعةٌ وعشرون؛ منهم أربعُ نسوةٍ، وأنا خاتم النَّبيِّين، لا نبيَّ بعدي»، خرَّجه الحافظ أبو نُعَيم، وقال: هذا حديثٌ غريب، تفرَّد به معاوية بن هشام وجودًا في كتابه بخطِّ أبيه، حدَّث به أحمد ابن حنبل عن عليٍّ، انتهى، وقد رأيت الحديث الذي فيه عددهم تحقيقًا في «مسند أحمد» من حديث حذيفة أنَّ [5] النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «في أمَّتي كذَّابون ودجَّالون سبعةٌ وعشرون، منهم أربع نسوةٍ، وإنِّي خاتم النَّبيِّين، لا نبيَّ بعدي»، انتهى.

    وقال القاضي عياض: هذا الحديث قد ظهر، فلو عُدَّ من تنبَّأَ من زمن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى الآن ممَّن اشتُهِر بذلك وعُرِفَ به؛ لوُجِد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ؛ عرف صحَّة هذا، انتهى.

    (1/6747)

    [حديث: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت .. ]

    3610# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ مرارًا كثيرة أنَّه الحكم بن نافع، وتَقَدَّمَ (شُعَيْبٌ) قريبًا، وكذا (الزُّهْرِيُّ)، وكذا (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان.

    قوله: (وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا): (يَقسم)؛ بفتح أوَّله ثُلاثيٌّ، و (القَسْم)؛ بفتح القاف وإسكان السين، المصدر، وهو تمييز الأنصباء، وهو مَعْرُوفٌ.

    قوله: (أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ): تَقَدَّمَ الكلام عليه ضبطًا، وأنَّ اسمه حُرقوص بن زهير، رأس الخوارج.

    تنبيه: وقع في هذا «الصحيح» في (كتاب استتابة المرتدِّين) في (باب من ترك قتال الخوارج للتألُّف [1]) ما لفظه: جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميميُّ، فقال: اعْدِلْ، قال الذَّهَبيُّ في «تجريده»: عبد الله بن ذي الخويصرة التميميُّ الذي قال له: اعْدِلْ، كذا سمَّاه في بعض طرق البُخاريِّ، وهو ذو الخويصرة، تَقَدَّمَ، انتهى، ويحتمل أنَّهما قالاه، والله أعلم.

    قوله: (قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ): هما بفتح التاء فيهما على الخطاب، وقد تَقَدَّمَ الكلام على تائه هل هي بالخطاب أو بالتكلُّم؛ ومعناه: حُرِمْتَ الخير، وقد يكون (الخسران) بمعنى: الهلاك.

    قوله: (فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ [2]: يَا رَسُولَ اللهِ؛ ائْذَنْ لِي فِيهِ): تَقَدَّمَ أنَّ الذي سألَه قتْلَه قال الراوي: أحسبه خالدَ بن الوليد، وأنَّ في مكانٍ آخرَ جَزَمَ بخالدٍ، وتقدَّمت الإشارة إلى هذه الرواية: أنَّ عُمر سأل ذلك، والجمع: أنَّهما سألاه عليه الصَّلاة والسَّلام ذلك، والله أعلم.

    قوله: (فَأَضْرِبَ): هو بالنصب، جواب الأمر، وهذا ظاهِرٌ، قال بعضهم: وقيل: صوابه: (أَضْرِبْ)؛ بحذف الفاء والجزم، انتهى.

    قوله: (لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّ (التراقي): جمع (ترقوة)، وأنَّها العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق.

    قوله: (يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ): (يُنظر): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (يُنْظَرُ) بعدها في الأماكن الآتية.

    قوله: (إِلَى رِصَافِهِ): الرِّصاف؛ بكسر الراء وبالصاد المُهْمَلَة المُخَفَّفة، وفي آخره فاء، قال ابن قرقول: العَقَب: الذي يلوى على مدخلِ النَّصْل في السهم، انتهى، وقَالَ الجَوْهَرِيُّ: الرَّصَفة أيضًا: واحدة الرِّصاف؛ وهي العَقَب الذي يُلوى فوق الرُّعْظ، انتهى، و (الرُّعْظُ)؛ بضَمِّ الراء، وإسكان العين المُهْمَلَة، وبالظاء المُعْجَمَة المشالة: مدخل النصل في السهم، وفوقه (الرِّصاف)؛ وهي لفائف العَقَب، والجمع: (أرعاظ)، وفي الأصل الذي سمعتُ فيه على العِرَاقيِّ في الأصل: (رِصافة)؛ بكسر الراء بالقلم، وفي الهامش: (رُصافة)؛ بضَمِّ الفاء [3] بالقلم، وعليها علامة نسخة، والله أعلم، وحَكى بعضهم عن السفاقسيِّ ضمَّ الراء أيضًا.

    (1/6748)

    قوله: (نَضِيِّهِ): هو بفتح النون، وكسر الضاد المُعْجَمَة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، ثُمَّ هاء الضمير، و (النَّضيُّ): فعيل؛ وهو القِدْح؛ كما فسَّره به في الحديث.

    قوله: (قُذَذِهِ): هو بضَمِّ القاف، وفتح الذال المُعْجَمَة الأولى، وذال مثلها في الإعجام، وبعدهما هاء الضمير، وهو جمع (قُذَّة)؛ بضَمِّ القاف، وتشديد الذال المُعْجَمَة المفتوحة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهي الرِّيش سمِّيت بذلك؛ لأنَّها تُقَذُّ؛ أي: تُسَوَّى.

    قوله: (قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ): (الفرث): هو ما في الكَرِش، وهو بالنصب مفعول.

    قوله: (آيَتُهُمْ): (الآية): العلامة.

    قوله: (رَجُلٌ أَسْوَدُ): هذا الرجل هو ذو الثُّديَّة، واسمه نافعٌ، كذا قال الإمام السُّهَيليُّ في «روضه» في (غزوة الطائف) عن أبي داود، وقد رأيته أنا في «السنن» المذكورة، وفي «الصحاح» للجوهريِّ: أنَّ اسم ذي الثُّديَّة: ثُرْمُلة، انتهى، ويقال: حُرْقوص، ونقل ابن شيخنا البُلْقينيِّ عن «مرآة الزمان»: أنَّ اسمه بلبول، انتهى، و «مرآة الزمان» ليوسف بن قزغلي، وقد تَقَدَّمَ أنَّه سبط الحافظ أبي الفرج بن الجوزيِّ، وتَقَدَّمَ أنَّ ابن تيمية أبا العَبَّاس تكلَّم فيه، وكذا الذَّهَبيُّ في «ميزانه» [4].

    قوله: (الْبَضْعَةِ): هي بفتح المُوَحَّدة؛ أي: القطعة.

    قوله: (تَدَرْدَرُ): هو بفتح المُثَنَّاة فوق أوَّله، ثُمَّ دالين مهملتين مفتوحتين، وبعد كلِّ دال راء؛ الأولى ساكنة؛ أي: تَدَحْرَجُ؛ يجيء ويذهب بعضُها في بعضٍ.

    قوله: (يَخْرُجُونَ [5] عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ): خرجوا لمَّا افترق عليٌّ رضي الله عنه ومعاوية [6]، وفي نسخةٍ: (على خير فرقة)، خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه وأصحابه.

    قوله: (فَأَمَرَ): هو بفتح الهمزة والميم؛ أي: أمر عليٌّ رضي الله عنه.

    قوله: (فَالْتُمِسَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (فأُتِيَ بِهِ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ أيضًا [7].

    ==========

    [1] في (ب): (ليألف)، وهو تحريفٌ.

    [2] (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

    [3] يعني: فاء الكلمة، وفي (ب): (الراء).

    [4] زيد في (ب): (والله أعلم).

    [5] كذا في النُّسخَتَينِ وفي «اليونينيَّة» و (ق): (ويَخْرُجُونَ)؛ بواو.

    [6] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

    [7] (أيضًا): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 940]

    (1/6749)

    [حديث: يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام]

    3611# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا؛ أنَّه بفتح الكاف، وكسر المُثَلَّثَة، و (سُفْيَانُ) بعده: تَقَدَّمَ أنَّه الظاهر أنَّه الثَّوْريُّ، وقد تَقَدَّمَ مستندي في ذلك قريبًا وبعيدًا، و (الأَعْمَش): سليمان بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ مرارًا، و (خَيْثَمَة): هو ابن عبد الرَّحْمَن بن أبي سَبْرة يزيد بن مالك الجُعْفيُّ الكوفيُّ، لأبيه وجدِّه صحبةٌ، وثَّقهُ ابن معين وغيره، تَقَدَّمَ.

    [ج 1 ص 940]

    قوله: (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ): هو بفتح الغين المُعْجَمَة والفاء واللام، وبتاء التأنيث، وقد صحَّفه عبد القدُّوس _كما أسنده عنه مسلمٌ في مقدمة «صحيحه» _ فقال: (عَقَلة)؛ بالعين المُهْمَلَة وبالقاف المفتوحتين، وعند بعض الرواة (عَفَلة)؛ بالفاء والعين المُهْمَلَة المفتوحتين، وكلاهما تصحيفٌ، والله أعلم.

    قوله: (قَالَ عَلِيٌّ [1]: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ الحَدِيْثَ [2] ... )؛ إلى آخره: رأيت عن الدَّارَقُطْنيِّ أنَّه قال: (ليس لسويد بن [3] غَفَلة عن عليٍّ صحيحٌ مَرْفُوعٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم غيرُ هذا)، انتهى، وليس له عن عليٍّ في الكتب [4] سوى هذا، وقد أخرجه البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ، والله أعلم.

    قوله: (أَحَبُّ إِلَيَّ): مَرْفُوعٌ على الخبر، و (فَلأَنْ أَخِرَّ): مبتدأ.

    قوله: (فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ): تَقَدَّمَ الكلام عليها في أوائل (كتاب الجهاد)، وقد ذكرتُ فيها خمسَ لُغاتٍ.

    قوله: (سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ): أي: صغيرو العقولِ، وقد تَقَدَّمَ.

    قوله: (لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ): الإيمان؛ بكسر الهمزة.

    ==========

    [1] زيد في «اليونينيَّة»: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

    [2] (الحديث): ليس في «اليونينيَّة» و (ق).

    [3] في (ب): (يريد)، وهو تحريفٌ.

    [4] زيد في (ب): (الستة)، وضُرِب عليها في (أ).

    (1/6750)

    [حديث: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه]

    3612# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (إِسْمَاعِيل): هو ابن أبي خالد، و (قَيْس): هو ابن أبي حازم.

    قوله: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ): (خَبَّاب): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الخاء المُعْجَمَة، وتشديد المُوَحَّدة، وفي آخره مُوَحَّدة أخرى، و (الأَرتُّ): بفتح الهمزة، وبعد الألف راء، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق مُشَدَّدة، الخزاعيُّ، وقيل: التميميُّ، وهو أصحُّ، أبو عبد الله، وقيل: أبو مُحَمَّد، لحقه سِباءٌ في الجاهلية فبيع بمكَّة، وقيل: هو حليف بني زُهرة، وقيل: مولى أمِّ أنمار بنت سباع الخزاعيَّة؛ وهي من حُلفاءِ بني زُهرة، فهو تميميٌّ، ولاؤه لخزاعة، من السابقين، رضي الله عنه، تَقَدَّمَ.

    قوله: (يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ): (يُحفَر) و (يُجعَل) و (يُجاء): كلُّ واحدٍ منها مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا بعده (فَيُشَقُّ).

    قوله: (بِالِمئْشَارِ [1]): هو بهمزةٍ ساكنة بعد الميم المكسورة، ويجوز ترك همزه، ويقال: المنشار أيضًا بالنون لغةٌ، ولا أعلمه رواية، لكنِّي رأيت في «شرح مسلمٍ» للنَّوويِّ في مكان الكلِّ رواياتٍ.

    قوله: (لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ [2]): (يَتِمَّنَّ): مَبْنيٌّ للفاعل، وهو بفتح أوَّله، و (الأمرُ): مَرْفُوعٌ فاعل، و (يَتِمُّ) لازم.

    قوله: (مِنْ صَنْعَاءَ): هي بالمدِّ في آخرها، والنسبة إليها: صنعانيٌّ؛ على غير قياس، قاعدة اليمن، ولهم صنعاء أخرى بدمشق، بجانبها الغربيِّ، في ناحية الربوة، ولهم صنعاء بالروم، ويقال لصنعاء اليمن: (أَزَالِ)؛ بفتح الهمزة وبالزاي، ولام في آخرها يجوز كسرها، ويجوز في لغة قليلة: (ضنعان)؛ بالضاد المُعْجَمَة، ذكرها والتي قبلها الحازميُّ في «المؤتلِف»؛ هذه في الضاد المُعْجَمَة، والتي قبلها في الهمزة، والله أعلم.

    قوله: (إِلَى حَضْرَمَوْتَ): هي بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان الضاد المُعْجَمَة، وفتح الميم، وهذيل تضمُّها منها، وهو غريب، قال أهل اللغة: يجوز فيها بناء الاسمين على الفتح، فتُفتَح الراء والتاء، ويجوز بناء الأوَّل وإعراب الثاني كإعراب ما لا ينصرف، فيقال: هذا حضرموتُ؛ برفع التاء، ويجوز إعراب الأوَّل والثاني، فيقال: هذا حضرُ موتٍ؛ برفع الراء وجر التاء وتنوينها، والنسبة إليها حَضرميٌّ؛ وهو اسمٌ لبلدةٍ باليمن، وهو أيضًا اسم لقبيلةٍ، وقد تَقَدَّمَ.

    (1/6751)

    [حديث: اذهب إليه فقل له إنك لست من أهل النار]

    3613# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ، الجِهبِذ الناقد، وتَقَدَّمَ أنَّ (ابْن عَوْنٍ): هو عبد الله بن عون بن أرطبان، مولى عبد الله بن مغفَّل المزنيُّ، أحد الأعلام، لا عبد الله بن عون ابن أمير مصر، هذا الثاني ليس له في «البُخاريِّ» شيءٌ، وإنَّما روى له مسلمٌ والنَّسائيُّ، وقد قَدَّمْتُ ذلك مَرَّاتٍ.

    قوله: (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ): هذا الرجل: هو سعْد بن معاذ، ذكره إسماعيل في «أحكامه»، وقيل: عاصم بن عديٍّ العجلانيُّ، ذكره الطَّبَريُّ، وقيل: أبو مسعود البدريُّ، ذكره الواقديُّ في «الرِّدَّة»، قاله ابن بشكوال، انتهى [1].

    وفي عَزْوِ الأوَّل لإسماعيلَ قصورٌ، فهو في «مسلمٍ» في أثناء (كتاب الإيمان)، والله أعلم، ويأتي ما فيه في (التفسير) في (الحجرات).

    قوله: (قَالَ [2] مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ ... ) إلى آخره: هذا مرسلٌ؛ لأنَّ موسى بن أنسٍ تابعيٌّ، ولو لَمْ يكن كذلك؛ لما احتاج إلى المجيء بموسى بن أنس، ولكان يقول: (قال كذا وكذا، فرجع المرَّة الآخِرة ... ) إلى آخره، والله أعلم، وكذا رواه في (التفسير) في (الحجرات)، وفي «مسلم» من حديث ثابت عن أنسٍ: فذكر ذلك سعدٌ للنَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «بل هو من أهل الجنَّة».

    قوله: (بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ): هي بكسر المُوَحَّدة، قال بعضهم: وحَكى السفاقسيُّ الضمَّ.

    ==========

    [1] (انتهى): ليس في (ب).

    [2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (فَقَالَ).

    [ج 1 ص 941]

    (1/6752)

    [حديث: اقرأ فلان فإنها السكينة نزلت للقرآن أو تنزلت للقرآن]

    3614# قوله: (حَدَّثَنَا [1] مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأن لقبه بُنْدار، وتَقَدَّمَ ما معنى (البُنْدار) في أوَّل هذا التعليق، وتَقَدَّمَ (غُنْدرٌ) ضبطًا، وأنَّه مُحَمَّد بن جعفر، ومن لقَّبَه غُنْدُرًا، وتَقَدَّمَ (أَبُو إِسْحَاقَ): أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، وتَقَدَّمَ الكلام على (الْبَرَاء)، وعلى (عَازِبٍ) والده، وأنَّ عازبًا صَحَابيٌّ رضي الله عنه، قال الواقديُّ: لَمْ نسمع له بذكرٍ في المغازي.

    قوله: (قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ): هذا الرجل: هو أُسيد بن الحُضير؛ بضَمِّ أوَّل (أُسيد) و (حُضير)، صَحَابيٌّ جليل مشهور، وقد جاء مسمًّى كذلك في هذا «الصحيح» في بعض الطُّرق في هذا الحديث.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [ج 1 ص 941]

    (1/6753)

    [حديث أبي بكر في الهجرة]

    3615# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ): هذا هو البُخاريُّ، أبو أحمد البيكنديُّ، كما صَرَّحَ به الجَيَّانيُّ في «تقييده»، وعبدُ الغنيِّ بن عبد الواحد المقدسيُّ في «الكمال» في ترجمة أحمد بن يزيد الحرَّانيِّ، يروي مُحَمَّد هذا عن ابن عُيَيْنَة ووكيعٍ وغيرهما، وعنه: البُخاريُّ وأحمد بن سيَّار، انفرد البُخاريُّ بالإخراج له، وله رحلة واسعة، وقد تَقَدَّمَ في (كتاب العلم)، وأنِّي لا أعلم فيه جرحًا ولا تعديلًا، إلَّا أنَّ البُخاريَّ روى عنه في غير مكانٍ في هذا «الصحيح» محتجًّا به، والله أعلم.

    و (أَبُو إِسْحَاقَ): تَقَدَّمَ أنَّه عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ أعلاه.

    قوله: (أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الْغَدِ): قال ابن قرقول: لا يُستعمَل (السُّرى) إلَّا بالليل، ولكنَّه لمَّا ذكره مع الليل؛ ضمَّ النهار معه وغلب أحدهما على الآخر، وقد تكون هذه اللفظة: أسأَرْنا ليلنا ويومنا، والإسئار: سير الليل مع النهار، انتهى، يقال: سرى وأسرى يُسري إسراء؛ لغتان.

    قوله: (حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ): هو كنايةٌ عن وقوف الشمس وقتَ الهاجرة حتَّى كأنَّها لا تبرحُ، فيكون قيامُها كنايةً عنها، أو عن الظلِّ؛ لوقوفه حينئذٍ حتَّى يأخذ في الزيادة.

    [ج 1 ص 941]

    قوله: (فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ): (رُفعت): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (صخرةٌ): مَرْفُوعٌ مُنَوَّن [1] نائبٌ مَنَابَ الفاعل، و (طَوِيلَةٌ): مثله، صفة لـ (صخرة).

    قوله: (بِيَدِيَّ): هو بتشديد الياء الأخيرة، كذا في أصلنا على التثنية.

    قوله: (فَرْوَةً): قال ابن قرقول: (ففرشتُ عليه فروة)، ويروى: (وبسطتُ عليه فروة): قيل: هي [2] حُشاشة يابسةٌ، أو قطعةٌ من حشيشٍ يابس، ويحتمل أنْ تكون على وجهه وظاهره، وفي بعض طرقه في «البُخاريِّ» في (باب الهجرة): (ففرشتُ له فروة معي [3])، وهذا يُشعر بأن الفروة ههنا من اللباس المعلوم، انتهى، وكذا ذكر القولين ابن الأثير في «نهايته».

    قوله: (وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ): (أَنْفُض): بفتح الهمزة، ثُمَّ نون ساكنة، ثُمَّ فاء مضمومة، ثُمَّ ضاد معجمة؛ أي: أتجسَّسُ وأتعرَّف ما فيه ممَّا يخافه، و (النَّفَضَةُ): الجماعة يُبعثون في الأرض ينظرون هل فيها عدوٌّ أو خوفٌ؟ وكذلك (النَّفيضة) نحو الطَّليعة.

    قوله: (فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ): هذا الراعي: هو عبد الله بن مسعود، كذا في «مسند أحمد»، وفي ذلك نظرٌ.

    قوله: (لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ): هذا شكٌّ من الراوي، فكلاهما صحيحٌ في نفسه، أمَّا مكَّة؛ فظاهرٌ، وأمَّا المدينة؛ فلمَّا كان الرَّاعي قريبًا من مكَّة؛ قال: المدينة، والله أعلم، وقد جاء في موضعٍ آخرَ الجزمُ [4] بـ (المدينة).

    والرجل صاحب الغنم: هو عقبة بن أبي مُعَيط، كما في «المسند»، وفيه نظرٌ.

    (1/6754)

    قوله: (أَفِي [5] غَنَمِكَ لَبَنٌ؟): هو بفتح اللام والموحدة؛ يعني: اللبنَ المعروف، هذه الرواية المشهورة، ورُويَ بضَمِّ اللام، وإسكان الباء؛ أي: شياهٌ ذاتُ ألبانٍ، قاله النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ».

    قوله: (وَالْقَذَى): هو بفتح القاف، وبالذال المُعْجَمَة، مقصور، وهو ما يسقط في الشراب وفي العين.

    قوله: (فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ): كذا هنا، وفي أخرى: أنَّ أبا بكرٍ قال: (فحلبتُ)، وسيأتي الجمع بينهما في حديث الهجرة وغيره، والله أعلم.

    قوله: (فِي قَعْبٍ): هو بفتح القاف، وإسكان العين المُهْمَلَة، وبالموحدة، وهو إناءٌ من خشبٍ، ضخمٌ مدوَّرٌ مقعَّرٌ، يشبه حوافرَ الخيل؛ لتدويره.

    قوله: (كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ): (الكُثْبة): بضَمِّ الكاف، ثُمَّ ثاء مُثَلَّثَة ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ تاء التأنيث، وهو الشيء القليل، و (الكُثْبة): كلُّ قليلٍ جمعْتَه من طعامٍ أو لبنٍ أو غير ذلك، والجمع: كُثَبٌ.

    قوله: (وَمَعِي إِدَاوَةٌ): تَقَدَّمَت غَيْرَ مَرَّةٍ.

    قوله: (أَلَمْ يَأْنِ الرَّحِيلُ [6]؟): أي: يحِنْ وقتُه.

    قوله: (سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ): (سراقةُ): مَرْفُوعٌ فاعل (اتَّبَع)، وجدُّه اسمه جُعْشُم المُدْلِجيُّ، أبو سفيان، نزل قُدَيدًا، وهو الذي ساخت قوائمُ فرسِه، ثُمَّ أسلم وحسن إسلامه، أسلم بالجعرانة عنده عليه الصَّلاة والسَّلام حين انصرف من حُنين والطائف في سنة ثمانٍ، روى عنه: ابن المُسَيّب، ومجاهد، وطاووس، وعُلَيُّ بن رباح، وابنه مُحَمَّد بن سراقة، وجماعة، مات سنة (24 هـ)، فإنْ صحَّ هذا؛ فرواية هؤلاء عنه مرسلةٌ، وقيل: مات بعد عثمان، وقد روى عنه من القدماء: عبدُ الله بن عُمر وابن عَبَّاس، و (جُعْشُم) جدُّه: بضَمِّ الجيم والشين المُعْجَمَة، وحَكى الجوهريُّ ضمَّ الجيم وفتحَها، كذا قال النَّوويُّ، وفي «الصحاح»: الجُعْشُم: الرجل القصير الغليظ مع شدَّة، قال الفرَّاء: فتح الجيم والشين فيه أفصح، هذا لفظُه، والله أعلم.

    قوله: (أُتِينَا): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.

    قوله: (فَارْتَطَمَتْ): هو بهمزة وصل، ثُمَّ راء ساكنة، ثُمَّ مُثَنَّاة فوق، ثُمَّ طاء مهملة، ثُمَّ ميم، مفتوحات، ثُمَّ تاء هي علامة التأنيث؛ أي ساخت قوائمها في الأرض، وأصل الارتطام: الدخول في أمر ينشب فيه، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: رطمتُه في الوَحَل رَطْمًا؛ فارتطم هو؛ أي: ارتبك فيه، وارتطم عليه أمرٌ؛ إذا لَمْ يقدر على الخروج منه.

    قوله: (أُرَى): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّ، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ): (الجَلَد): بفتح الجيم واللام، وبالدال المُهْمَلَة؛ أي: غليظٍ صُلبٍ.

    قوله: (أُرَاكُمَا): هو بضَمِّ الهمزة أي: أظنُّكما.

    قوله: (فَاللهَ [7] لَكُمَا): الاسم الجليل: مَنْصُوبٌ، ونصبه معروف، على القَسَمِ.

    قوله: (وَوَفَى لَنَا): تَقَدَّمَ أنَّ (وفى) و (وفَّى)؛ بالتخفيف والتشديد؛ لغتان.

    ==========

    [1] (مُنَوَّن): ليس في (ب).

    [2] في (ب): (هو).

    [3] في (ب): (معنى)، وهو تحريفٌ.

    [4] في (ب): (بالجزم).

    (1/6755)

    [5] في (ب): (وفي).

    [6] كذا في النُّسخَتَينِ، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (لِلرَّحِيلِ).

    [7] كذا في (أ) مضبوطًا و (ق)، وفي «اليونينيَّة»: (فاللهُ).

    (1/6756)

    [حديث: لا بأس طهور إن شاء الله]

    3616# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا خالد الحَذَّاء، خالد بن مِهْرَان، أبو المُنازِل، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا وغير مُتَرْجَمٍ.

    قوله: (عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ): هذا الأعرابيُّ لا أعرفه، وسيأتي أنَّ ابن شيخنا سمَّاه قيس بن أبي حازم، وكذا قال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين: إنَّ الحديث في «ربيع الأبرار» أنَّه قيس، انتهى، وفيه نظرٌ سيأتي.

    قوله: (طَهُورٌ): هو بفتح الطاء، ويجوز ضمُّها، وقد تَقَدَّمَ، وكذا الثانية والثالثة، وإنَّما سمَّاها طَهورًا؛ لغسلها خطايا ابن آدم؛ كالماءِ.

    [ج 1 ص 942]

    قوله: (فَنَعَمْ إِذًا): يقال: إنَّه تُوُفِّيَ في ذلك المرض، وسيأتي، والله أعلم.

    (1/6757)

    [حديث: ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه .. ]

    3617# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح الميمين، بينهما عينٌ مهملة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحَجَّاج المِنقريُّ، الحافظ المُقْعَدُ، وتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ (عَبْدُ الْوَارِثِ) أنَّه ابن سعيد بن ذكوان، أبو عُبيدة الحافظ، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ) بعده: هو ابن صُهيب.

    قوله: (كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا): كذا في أصلنا، وكذا في أصلنا الدِّمَشْقيِّ، ولعلَّ صوابَه: (نصرانيٌّ)، والخبر: (فأسلمَ)، وهذا الرجل لا أعرف اسمه، غيرَ أنَّه من بني النَّجَّار؛ لأنَّ في «مسلمٍ» من حديث أنس: (كان منَّا رجلٌ من بني النَّجَّار قد قرأ البقرة وآل عمران ... )؛ الحديث.

    قوله: (وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ): هو بفتح الفاء؛ أي: طرحته، ويقال فيه بكسر الفاء، لغة حكاها ابن القطَّاع في «أفعاله»، وإنَّما فُعِل به ذلك؛ لتقوم الحجَّةُ على مَن رآه من الكفَّار وعرفَه، والله أعلم.

    ==========

    [ج 1 ص 943]

    (1/6758)

    [حديث: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده]

    3618# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه نُسِبَ إلى جدِّه، وهو يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وتَقَدَّمَ أنَّ (اللَّيْث) هو ابن سعد الإمام، و (يُونُس): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْن شِهَابٍ): تَقَدَّمَ مرارًا [1] أنَّه الزُّهْرِيُّ [2] مُحَمَّد بن مسلم، و (ابْنُ المُسَيّب): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه سعيد، وأن ياء (المُسَيّب) مفتوحة ومكسورة، بخلاف غيره ممن اسمه المُسَيَّب؛ فإن ياءه بالفتح ليس إلَّا، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر على الأصَحِّ.

    قوله: (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى): تَقَدَّمَ معناه، وكذا في (قَيْصَرُ)، وتَقَدَّمَ أنَّ (كِسرى) بكسر الكاف وفتحها [3].

    قوله: (لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا [4]): (تُنْفَقَنَّ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (كنوزُهما): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل.

    ==========

    [1] (تَقَدَّمَ مرارًا): سقط من (ب).

    [2] (الزهري): سقط من (ب).

    [3] في (ب): (بفتح الكاف وكسرها).

    [4] في «اليونينيَّة»: (لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا).

    [ج 1 ص 943]

    (1/6759)

    [حديث جابر: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده]

    3619# قوله: (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ): تَقَدَّمَ أنَّه بفتح القاف، وكسر المُوَحَّدة، و (سُفْيَانُ) بعده: هو الثَّوْريُّ.

    قوله: (رَفَعَهُ): تَقَدَّمَ الكلام على (يرفعُه) و (يَنميه)، و (يَبلُغُ به)، و (روايةً)، وأنَّ كلَّه مَرْفُوعٌ إذا قاله صَحَابيٌّ كهذا، وأنَّ كلَّه بمنزل: (قال رسولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم)، وإنْ قاله تابعيٌّ؛ فهو مرسلٌ، والله أعلم.

    ==========

    [ج 1 ص 943]

    (1/6760)

    [حديث: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب]

    3620# 3621# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه الحكم بن نافع، وأنَّ (شُعَيْبًا): هو ابن أبي حمزة.

    قوله: (قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ): هو مسيلمة بن حبيب، وقيل: ابن ثمامة بن كبير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن هَفَّان بن ذُهل بن الدؤل [1] بن حنيفة، من بني حنيفة، كنيته أبو ثمامة، ولا عقب له، جمعَ جموعًا كثيرةً من بني حنيفة وغيرِهم من سُفهاء العرب وغَوْغَائهم، وقصد قتال الصَّحَابة على إثر وفاةِ رسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فجهَّز إليه الصِّدِّيق الجيوشَ وأميرهم خالد بن الوليد، فقاتلوه فظهروا عليه، فقتلوه كافرًا، وذلك في ربيع الأوَّل سنة اثني عشرة من الهجرة، قُتِل فيها أربع مئة وخمسون من الصَّحَابة، وقيل: ستُّ مئة؛ وفيهم سبعون من الأنصار رضي الله عنهم، قتله وحشيُّ بن حرب، وقيل غيره، وقد اشترك جماعةٌ في قتله أذكرهم في (غزوة أُحد) إنْ شاء الله تعالى، وقُتِل جماعةٌ من أتباعه.

    لطيفةٌ: يقال: إنَّ مسيلمة أوَّل من أدخل البيضة في القارورة، وأوَّل من وصل جناح الطائر المقصوص، وكان يدَّعي أنَّ ظبية تأتيه من الجبل فيحلب منها، قال رجل من بني حنيفة يرثيه:

    ~…لَهْفِي عَلَيْكَ أَبَا ثُمَامَةْ…لَهْفِي عَلَى رُكْنَي شمَامَةْ

    ~…كَمْ آيَةٍ لَكَ فِيهِمُ…كَالشَّمْسِ تَطْلعُ فِي غَمَامَةْ

    حكى ذلك السُّهَيليُّ، وقال: كَذَبَ، بل كانت آياته منكوسةً، يقال: إنَّه تفل في بئرِ قومٍ سألوه ذلك تبرُّكًا؛ فمَلُح ماؤه، ومسح رأس صبيٍّ؛ فقرِعَ قرعًا فاحشًا، ودعا لرجل في ابنين له بالبركة؛ فرجع إلى منزله، فوجد أحدَهما قد سقط في البئر، والآخر قد أكله الذئب، ومسح على عَينَيْ رجلٍ استشفى بمسحه؛ فابيضَّت عيناه، انتهى.

    قوله: (وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللهِ فِيكَ): أي: لن تتجاوزَه، كذا في جميع الروايات في «البُخاريِّ»، وفي «مسلم»: «لن أتعدَّى أمرَ الله فيك»، ورجَّح الوقَّشيُّ رواية البُخاريِّ، قال: ولعلَّ ما في «مسلم»: ولن تعدَّى؛ فزيدت الألف وهمًا، قال القاضي: الوجهان صحيحان، فمعنى الأوَّل: لن تعدوَ أمرَ الله في خيبتك [2] فيما أمَّلته من النُّبوَّة وهلاكك دون ذلك، أو فيما سبق أمر الله وقضاؤه فيه من شقائه، ومعنى الثاني: لن أعدوَ أنا [أمر] الله فيك من أنِّي لا أُجيبك إلى ما طلبتَه ممَّا لا ينبغي لك من الاستخلاف أو من الشركة، ومِن أن أُبلِّغ ما أنزل الله إليَّ، وأدفع أمرك بالشيء الذي هو أحسنُ، انتهى كلام ابن قرقول.

    قوله: (لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ): أي: ليُهلكنَّك ويقتلنَّك، ومنه الكلب العقور؛ أي: الذي يَقتل الصيدَ، ويكون بمعنى الجارح أيضًا، و (العقر): الجَرح.

    قوله: (لأُرَاكَ): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: لأظنُّك.

    قوله: (فِي يديَّ): هو بتشديد الياء، وهذا ظاهِرٌ، تثنية (يَدٍ).

    (1/6761)

    قوله: (سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ): (السِّوار): بكسر السين وتضمُّ، وأُسوار؛ بضَمِّ الهمزة؛ ثلاثُ لُغَات، وفي «المطالع»: سُوار، وسِوار، وإِسوار؛ بالكسر لا غير، انتهى، فما أدري هل قوله: (بالكسر) غلطٌ من الناسخ أو لغة ثانية؟ والله أعلم.

    قوله: (فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا): (شأنُهما)؛ بالرفع: فاعل (أهمَّني).

    قوله: (فَأُوحِيَ إِلَيَّ): (أُوحِيَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ

    قوله: (أَنِ انْفُخْهُمَا): (انفخ): بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها.

    قوله: (يَخْرُجَانِ بَعْدِي): أي: تظهر شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوَّةَ، وإلَّا؛ فقد كانا في زمنه.

    قوله: (فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ): (أحدُهما): مَرْفُوعٌ اسم (كان)، و (العنسيَّ): مَنْصُوبٌ الخبر، ويجوز العكس، وكذا (وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ): و (مسيلمةَ): مَنْصُوبٌ، و (الكذَّابَ): صفة له، و (صَاحِبَ): مَنْصُوبٌ أيضًا، ويجوز فيه ما جاء في (أحدُهما العنسيَّ)، وهذا كلُّه ظاهرٌ، وسأذكر الكلام في مسيلمة أيضًا والأسودِ العنسيِّ في (باب وفد بني حنيفة) قُبَيل (قصَّة الأسود العنسيِّ) إنْ شاء الله تعالى.

    [ج 1 ص 943]

    (1/6762)

    [حديث: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل]

    3622# قوله: (بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ [1]، عَنْ أَبِي مُوسَى): أمَّا (بُرَيد)؛ فقد تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الراء، وتَقَدَّمَ أنَّ (أبا بُردة) جدَّ بُرَيد: اسمه الحارث أو عامر، القاضي، ابن أبي موسى عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

    قوله: (أُرَاهُ): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.

    قوله: (فَذَهَبَ وَهْلِي [2]): قال الدِّمْيَاطيُّ: (وهَل إلى الشيء يَهِلُ وهْلًا: ذَهَبَ وهَمُهُ إليه، ووهِلَ يَوْهَلُ وهَلًا: جَبُنَ، وأيضًا قَلِق، وفي الشيء وعنه: نسيه)، انتهى، وكذا قاله غيره: وهَل إلى الشيء؛ بالفتح، يهِل؛ بالكسر، وهْلًا؛ بالسكون: إذا ذهب وهمُه إليه، قال في «الصحاح»: والوَهْلة: الفزعةُ، والوَهَل؛ بالتحريك: الفزع، وقد وَهِلَ يَوْهَلُ، وهو وهِلٌ [3] ومستوهل، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال ما لفظه: أبو زيد: وَهِلَ يوْهَلُ في الشيء وعن الشيء وَهَلًا؛ إذا غلط فيه وسها، ووهَلْتُ إليه؛ بالفتح، أَهِلُ وهْلًا؛ إذا ذهب وهَمُك وأنت تريد غيرَه؛ مثل: وهَمْتُ، وحَكى بعضهم فيه السكونَ والفتح، ثُمَّ نقل الفرق.

    قوله: (أَوْ الهَجَرُ [4]): تَقَدَّمَ الكلام على (هجر)، وكلام صاحب «الصحاح» فيها، والنسبة إليها، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه الرواية، قال الدِّمْيَاطيُّ: يعني: هجر باليمن، وهي قاعدة البحرين، ويقال: الهجر: بينها وبين البحرين عشرُ مراحلَ.

    قوله: (وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ): جاء في بعض طرق هذا الحديث خارجَ الكتب: (ورأيت فيها بقرةً تُنحَر)، وسأعزو هذه الزيادةَ قريبًا، وبهذه الزيادةِ يتمُّ تأويلُ الرؤيا بما ذَكر، فنَحْرُ البقر هو قتل الصَّحَابة الذين قُتِلوا بأحُد، وانظر دقَّة فهم البُخاريِّ؛ وذلك أنَّه أخرج هذا الحديث في (التعبير)، وبوَّب عليه: (بابٌ: إذا رأى بقرًا تُنحَر)، ولم يقع له (تُنحَر) في الحديث الذي أخرجه؛ لأنَّه أخرجه من حديث أبي موسى، وكأنَّها ليست فيه، أو لم تكن على شرطه، فجعلها في الترجمة، وفي «مسند أحمد»: (حَدَّثَنَا عبد الصمد وعفَّان قالا: حَدَّثَنَا حَمَّاد: قال عفَّان في حديثه: أَخْبَرنَا أبو الزُّبَير عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «رأيت كأنِّي في دِرعٍ حصينة، ورأيت بقرًا منحرة، فأوَّلت: أنَّ الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأنَّ البقرَ بقرٌ، والله خير»، وقد ساقه شيخنا الحافظ نور الدين الهيثميُّ تلميذ شيخنا العِرَاقيِّ في «زوائد [5] المسند» في (التعبير)، وهذا لفظه، وذكره في (غزوة أحُد) بالسند، ولفظه: (ورأيت فيها بقرًا تُنحَرُ).

    (1/6763)

    قوله: (وَاللهُ خَيْرٌ [6] ... ) إلى آخره: هو برفع الاسم الجليل، و (خيرٌ): خبره، وصُوِّب، وعند بعضهم بالكسر على القسم، و (بَعْدُ يَوْمَ [7] بَدْرٍ): بضَمِّ الدال، ونصب (يوم)، قال القاضي _كما نقله عنه النَّوويُّ_: ضبطنا هذا الحرفَ عن جميع الرُّواة: (واللهُ خيرٌ)؛ على الابتداء والخبر، و (بعدُ يومَ بدرٍ): بضَمِّ الدال، ونصب (يوم)، قالوا: ورُويَ بنصب الدال، قالوا: ومعناه: ما جاء الله به يوم بدر الثانية من تثبيت المؤمنين؛ لأنَّ الناس جمعوا لهم وخوَّفوهم، فزادهم الله إيمانًا، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 173 - 174]، وتفرَّق العدوُّ عنهم؛ هيبةً لهم، قال القاضي: قال أكثر شرَّاح الحديث: معناه: ثواب الله خير؛ أي: صُنْعُ الله بالمقتولين خيرٌ لهم من بقائهم في الدنيا، قال القاضي: والأَولى قولُ مَن قال: (واللهُ خيرٌ) مِن جملة الرؤيا، وكلمةٌ أُلقِيَت إليه، وسمعها في رؤياه عند رؤيا البقر؛ بدليل تأويله لها بقوله: «وإذا الخير ما جاء الله به»، والله أعلم.

    ==========

    [1] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (أَبِي بُرْدَةَ).

    [2] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق) مصحَّحًا عليها، وفي «اليونينيَّة»: (وهَلي).

    [3] في (ب): (وهيل)، وهو تحريفٌ.

    [4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) من نسخة: (هجر).

    [5] في (ب): (رواية).

    [6] في (ب): (لخير)، والمثبت موافقٌ لما في البخاري».

    [7] في «اليونينيَّة» و (ق): (بعدَ يومِ).

    [ج 1 ص 944]

    (1/6764)

    [حديث: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي]

    3623# 3624# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ، و (زَكَرِيَّاءُ) بعده: تَقَدَّمَ أنَّه زكرياء [1] بن أبي زائدة، و (فِرَاس): هو ابن يحيى الهَمْدانيُّ الكوفيُّ المكتِّب، عن الشَّعبيِّ وأبي صالح، وعنه: شعبة وأبو عوانة، وثَّقهُ أحمد، وابن معين، والنَّسائيُّ، قال القَطَّان: ما أنكرت من حديثه إلَّا حديثَ الاستبراء، تُوُفِّيَ سنة (129 هـ)، أخرج له الجماعة، ذكره في «الميزان» كالتمييز، و (عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ [2]): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ابن شَراحيل، وأنَّ (الشَّعْبيَّ) بفتح الشين المُعْجَمَة.

    قوله: (كَأَنَّ مِشْيَتَهَا): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (المِشية): بكسر الميم، و (مِشيتها): اسم (كأنَّ)، و (مَشْيُ): مَرْفُوعٌ خبر.

    قوله: (ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ): هذا شكٌّ من الراوي، وكذا في غير «الصحيح» من الكتب إلَّا في «ابن ماجه»، ففيه: (عن شماله)؛ من غير شكٍّ.

    قوله: (لأُفْشِيَ): هو بضَمِّ الهمزة، رُباعيٌّ؛ أي: أُظهِرُ وأُذيعُ.

    قوله: (حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (قُبِضَ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (النَّبيُّ): مَرْفُوعٌ قائمٌ مقام الفاعل.

    قوله: (إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي): الظاهر أنَّ (إنَّ) بكسر الهمزة على الحكاية؛ لأنَّ الظاهر أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال لها: (إنَّ جبريل)؛ مكسورةً، والظاهر أنَّه يجوز فتحها، و (إِنَّهُ عَارَضَنِي): يجيء [3] فيه ما ذكرته في التي قبلها، والله أعلم، [وقد جاء في قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ [أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ]} [آل عمران: 39] في السبعة: الفتح والكسر، وهذا مثله، والله أعلم] [4]، وكذا قوله: (وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي) مثلهما.

    قوله: (وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا): (أُراه): بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.

    قوله: (لِذَلِكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّث، وهذا ظاهِرٌ.

    ==========

    [1] (زكرياء): ليس في (ب).

    [2] (الشَّعبي): ليس في «اليونينيَّة»، وهو ثابت في رواية أبي ذرٍّ.

    [3] في (ب): (يجوز).

    [4] ما بين معقوفين سقط من (ب).

    [ج 1 ص 944]

    (1/6765)

    [حديث: دعا النبي فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيه]

    3625# 3626# قوله: (فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ): كذا في أصلنا، ولعلَّه مؤوَّل بمرضه الذي قُبِض فيه.

    (1/6766)

    [حديث: كان عمر بن الخطاب يدني ابن عباس]

    3627# قوله: (عَنْ أَبِي بِشْرٍ): هو بكسر المُوَحَّدة، وبالشين المُعْجَمَة، وتَقَدَّمَ أنَّ اسمه جعفر بن أبي وحشيَّة، واسم أبي وحشيَّة إياسٌ اليشكريُّ، تَقَدَّمَ.

    قوله: (إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ): (أبناءً): مَنْصُوبٌ مُنَوَّن اسم (إنَّ)، و (لنا): الجارُّ والمجرور خبرٌ مقدَّم، و (مثلَه): مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ، وأكبر أولاد عبد الرَّحْمَن بن عوف: مُحَمَّدٌ، وبه كان يُكنَى.

    [ج 1 ص 944]

    قوله: ({إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ): إنْ قيل: مِن أين أخذ ذلك عُمر وابن عَبَّاس رضي الله عنهم؟ فالجواب: أنَّهما أخذاه من قوله: {وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]، وسأذكر ذلك مُطَوَّلًا، والله أعلم.

    (1/6767)

    [حديث: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار]

    3628# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين.

    قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ ابْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ): هو عبد الرَّحْمَن بن سُليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاريُّ، و (الغَسِيل): بفتح الغين المُعْجَمَة، وكسر السين المُهْمَلَة، و (الغَسِيل): هو حنظلة بن أبي عامر، غسلته الملائكة يوم أحُد؛ لأنَّه كان جُنُبًا، وكان ينبغي أن يُكتَب: (ابنُ الغَسِيل)؛ بالألف، ويُعرَب إعرابَ (عبدُ الرَّحْمَن)؛ لأنَّه يُعرف بابن الغَسِيل، وفي أصلنا: (ابن)؛ بغير ألف، وهي مدلَّسة ليست مضبوطة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على (عبد الرَّحْمَن) هذا.

    قوله: (بِمِلْحَفَةٍ): هي بكسر الميم، تَقَدَّمَت.

    قوله: (عَصَبَ): بتخفيف الصاد، وفي «الصحاح» التشديدُ [1]، وقد قَدَّمْتُ أنَّه يُقال بهما.

    قوله: (دَسْمَاءَ): هي بفتح الدال وإسكان السين المُهْمَلَتين، ممدودة، قال ابن قرقول: ويُروَى: (دَسِمة)؛ بكسر السين؛ أَيْ: لونُها كلون الدسم؛ كالزيت وشِبهه، وقيل: سوداء، وقد رُويَت هكذا: (وعليه عصابة سوداء)، ولم تكن دَسْماءَ بما يخالطها من الدَّسم؛ لأنَّ لونَها لونُ الدسم؛ كما يُقال: ثوب زيتيٌّ جَوزيٌّ.

    قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّمَ الكلام على إعرابها، وأوَّل مَن قالها، في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (يَكْثُرُونَ): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الثاء المُثَلَّثَة.

    قوله: (فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ): (يقبل) و (يتجاوز): مبنيَّان للفاعل، ومعنى المجاوزة عن مسيئهم: في غير الحدود، والله أعلم.

    (1/6768)

    [حديث: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين]

    3629# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو المسنَديُّ وإن كان [2] ابن أبي شيبة روى عن يحيى بن آدم، لكن إنَّمَا روى عنه في «مسلمٍ»، قاله ابن طاهر.

    قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى): (أبو موسى) هذا: هو كما قال [3] الدِّمْيَاطيُّ: (إسرائيل بن موسى انفرد به البُخاريُّ، وإسرائيل بن يونس اتَّفقا عليه) انتهى، وكذا قال المِزِّيُّ في تطريف هذا الحديث: إنَّه إسرائيلُ هذا، وإسرائيل بن موسى صاحب الترجمة بصريٌّ نزل الهند، ورَوى عن الحسن، ووَهْب، وأبي حازم الأشجعيِّ، وعنه: السفيانان، ويحيى القَطَّان، وحُسينٌ الجعفيُّ، وثَّقهُ أبو حاتم وغيره، وله ترجمة فِي «الميزان»، وصحَّح عليه، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.

    وقول الدِّمْيَاطيّ: (انفرد به البُخاريُّ)؛ أي: عن مسلم، وهذه عادته، وإسرائيل بن يونس متَّفقٌ عليه كما قال، وأخرج له بقيَّة أصحاب الكُتُب السِّتَّة، وقد تَقَدَّمَ، وله ترجمة فِي «الميزان»، وصحَّح عليه أيضًا.

    قوله: (عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ): (الحسن): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالم المشهور، وقد قَدَّمْتُ الكلام في سماع الحسن من أبي بَكْرة، وقد تَقَدَّمَ تصريحه بالسماع منه في هذا الحديث في (الصلح) في (باب قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «إنَّ ابني هذا سيِّد»)، والله أعلم.

    (1/6769)

    [حديث أنس: أن النبي نعى جعفرًا وزيدًا قبل أن يجيء خبرهم وعيناه ... ]

    3630# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، تَقَدَّمَ مرارًا.

    قوله: (نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا): أي: أعلم الصَّحَابةَ بموتهما وقتلهما، وكذا ابن رواحة، وكان قتلُهم في غزوة مؤتة سنة ثمانٍ، وقد تَقَدَّمَ ذلك.

    قوله: (تَذْرِفَانِ): هو بالذال المُعْجَمَة، وكسر الراء؛ أي: تنصبَّان دمعًا، وقد تَقَدَّمَ.

    ==========

    [ج 1 ص 945]

    (1/6770)

    [حديث: أما إنه سيكون لكم الأنماط]

    3631# قوله: (عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): (عَمرو): بفتح العين، وزيادة واو، و (عَبَّاس): بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، تَقَدَّمَ الكلام عليه، وأنَّه ليس في الكُتُب السِّتَّة من اسمه عُمر بن عَبَّاس؛ بالمُهْمَلَة، ولا عَمرو بن عيَّاش؛ بالياء والشين المُعْجَمَة، والله أعلم، و (ابْنُ مَهْدِيٍّ): هو عبد الرَّحْمَن الحافظ، أحد الأعلام.

    قوله: (مِنْ أَنْمَاطٍ): (الأَنْماط)؛ بفتح الهمزة، ثُمَّ نون ساكنة، وفي آخره طاء مهملة: جمع (نَمَط)؛ وهو ظهرُ فِراشٍ، وهذا أيضًا يُغشَى به الهودج، وهو أيضًا: النوع والصِّنف، ومنه: «خيركم النَّمَط الأوَّل»، وفي «النهاية»: الأنماط: ضربٌ من البُسُط له خَمْلٌ رقيقٌ، واحدها: نَمَط، ومنه حديث جابر: (وأُتِيَ لنا أَنْماطٌ).

    قوله: (أَمَا إِنَّها [1]): تَقَدَّمَ أنَّ (أَمَا) بفتح الهمزة، وتخفيف الميم، وأنَّها بمنزلة (أَلَا) التي للاستفتاح، ولهذا كُسِرت همزة (إنَّها) بعدها.

    قوله: (فَأَنَا أَقُولُ لَهَا؛ يَعْنِي: لامْرَأَتِهِ [2]): و (امرأة جابر) هذه: لا أعرف اسمها، وقال بعض الحُفَّاظ: إنَّ اسمها سُهَيمة بنت مسعود بن أوس [3] الأنصاريَّة، ذكرها ابن سعد فيمَن بايع من النساء، انتهى.

    قوله: (فَأَدَعُهَا؟): هو بفتح الهمزة والدال، مَرْفُوعٌ؛ أي: أفأتركها؟

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (إنَّه).

    [2] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (امرأتَهُ).

    [3] في (ب): (عمرو)، وليس بصحيحٍ.

    [ج 1 ص 945]

    (1/6771)

    [حديث: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام]

    3632# قوله: (حَدَّثَنَا [1] أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ): هذا أحمد بن إسحاق بن الحصين السُّلَميُّ المطوَّعيُّ، أبو إسحاق البُخاريُّ [2] السُّرماريُّ، وقد تَقَدَّمَ الكلام على هذه النسبة وضبطها وما يتعلَّق به، وسُرمارة [3]: مِن قرى بخارى، أحد فرسان الإسلام، ومَن يُضرَبُ بشجاعته المثلُ، تَقَدَّمَ في أوائل هذا التعليق.

    قوله: (عَنْ [4] إِسْرَائِيلَ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعيِّ عَمرِو بن عبد الله.

    قوله: (فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ... ) إلى قوله: (فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا [5] [يَزْعُمُ] أَنَّهُ قَاتِلُكَ): اعلم أنَّ المشهور عند أرباب السِّيَر: أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قال ذلك لأخيه أُبيِّ بن خلف بمكَّة قبلَ الهجرة، وهو الذي قتله عليه الصَّلاة والسَّلام بعد ذلك بأحُد بحربته، وما هنا لا ينافي ما هو المشهور عند أرباب السِّيَر، فإنَّ أُمَيَّة قُتِل ببدرٍ كافرًا، وأُبَيٌّ قتله عليه الصَّلاة والسَّلام بأُحُد كافرًا، ولكن عاش حتَّى وصلوا به سرِفَ، فهلك المُسْرِف بِسَرِف.

    قوله: (انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ [6]): هما بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهِرٌ.

    قوله: (إِذَا أَبُو جَهْلٍ): هذا مشهور الترجمة، واسمه عَمرو بن هشام، وهو [7] فِرعون هذه الأمَّة، قتله الله ببدرٍ كافرًا.

    [ج 1 ص 945]

    قوله: (آمِنًا): هو بمدِّ الهمزة، وكسر الميم، اسم فاعل، ونصبه على الحال.

    قوله: (فَتَلَاحَيَا): هو بفتح الحاء؛ أي: تسابَّا.

    قوله: (عَلَى أَبِي الْحَكَمِ): هو بفتح الحاء والكاف، وهي كنية أبي جهل، فغيَّرها صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى (أبي جهل)، وهي كنيةٌ مطابقة لوصفه ومعناه، وهو أحقُّ الخلق بهذه الكنية، قال ابن إمامِ الجوزيَّة الحافظُ شمس الدين في فصلٍ في حفظ المنطق في «الهَدْي»: ومنعُه أن يُسمَّى العنبُ كَرمًا، ومنعُه من تسمية أبي جهلٍ بأبي الحَكَم.

    قوله: (فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ): (امرأة أُمَيَّة بن خلف): اسمها صفيَّة، وهي ابنة عمِّ أُمَيَّة بن خلف، ولا أعرف لها إسلامًا.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (حدَّثني).

    [2] زيد في (ب): (البخاري)، وهو تكرارٌ.

    [3] في (ب): (وسرماي)، وهو تحريفٌ.

    [4] كذا في النُّسْخَتَين، وفي «اليونينيَّة» و (ق): (حدَّثنا).

    [5] زيد في «اليونينيَّة»: (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

    [6] في «اليونينيَّة»: (انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ).

    [7] (وهو): ليس في (ب).

    (1/6772)

    [حديث: أنبئت أن جبريل أتى النبي وعنده أم سلمة]

    3633# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ) [2]: (عَبَّاس) هذا: بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، وقد تَقَدَّمَ الكلام على عيَّاش بن الوليد، وعَبَّاس بن الوليد؛ الأوَّل: بالمُثَنَّاة والإعجام، والثاني: بالموحَّدة والإهمال، وكلاهما من شيوخ البُخاريِّ، فأمَّا الأوَّل _وهو الذي بالإعجام والياء المُثَنَّاة تحت_؛ فهو الرَّقَّام، أبو الوليد البصريُّ، انفرد به البُخاريُّ عن مسلم، روى عنه البُخاريُّ فأكثرَ، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ووكيع، ومُحَمَّد بن فُضَيل، والوليد بن مسلم، والثاني _ بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، المرويُّ عنه هنا_: روى عنه البُخاريُّ في موضعَين؛ أحدهما هنا في (علامات النبوَّة)، والثاني في (المغازي) في (باب بعث النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم معاذًا وأبا موسى إلى اليمن)، عن معتمر بن سليمان وعبد الواحد بن غياث، وقال في (الفتن) بعد حديث خرَّجه من طريق هشامٍ الدَّستوائيِّ، عن قتادة، عن أنس: سألوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حتَّى أحفَوه بالمسألة ... ؛ وذكر الحديث، ثُمَّ قال: (وقال عَبَّاس النرسيُّ: حَدَّثَنَا يزيدُ: حَدَّثَنَا سعيدٌ: أَخْبَرنَا قتادة: أنَّ أنسًا حدَّثهم عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حديثَ: مَن أبي يا رسول الله؟ قال: «أبوك حذافة»)، وقد روى عنه مسلمٌ، إلَّا أنَّه وقع في رواية ابن السكن في «البُخاريِّ» في (باب الحلق والتقصير عند الإحلال): (حَدَّثَنَا عَبَّاس بن الوليد: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيل: حَدَّثَنَا عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة [3]: «اللهم اغفر للمحلِّقين»)، وكذا في كتاب ابن أسد عن ابن السكن: (عَبَّاس)؛ بالموحَّدة، والسين المُهْمَلَة، وكان القابسيُّ يشكُّ فيه عن أبي زيدٍ، فيقول: (عَبَّاس أو عيَّاش)، وكان في كتابه: (عَبَّاس)؛ بسين مهملة، وفي كتاب أبي مُحَمَّد: (عياش)؛ بالمُعْجَمَة، وهو الصواب، والله أعلم.

    فكلُّ ما في «البُخاريِّ»: (عيَّاش)؛ فهو بالياء المُثَنَّاة تحت، والشين المُعْجَمَة، إلَّا في المكانين المتقدِّمين، وفي الثالث، ولكن هو معيَّن فيه أنَّه النرسيُّ، وإذا جاءت النسبة؛ فلا إشكال، والله أعلم.

    قوله: (سَمِعْتُ أَبِي): (أبوه): هو سليمان بن طرخان، أحد الأعلام، تَقَدَّمَ مرارًا.

    قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ): (أبو عثمان) هذا: هو النهديُّ، عبد الرَّحْمَن بن مَلٍّ، وقد تَقَدَّمَ اللغات في (مَلٍّ)، وهو تابعيٌّ جليل، وقد أسنده في آخر المتن إلى أسامة بن زيد، ففيه تقديم بعض السند على المتن، وفيه الخلاف الذي في الرواية بالمعنى، كذا تفقَّه فيه ابن الصلاح.

    قوله: (قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمها هند بنت أبي أُمَيَّة حذيفةَ المخزوميَّة، وتَقَدَّمَ بعض ترجمتها، وأنَّها آخر أمَّهات المؤمنين موتًا، وأنَّها تُوفِّيَت بعد مقتل الحُسين، والحُسينُ قُتِل رحمة الله عليه [4] سنة إحدى وستِّين.

    (1/6773)

    قوله: (هَذَا دِحْيَةُ): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وعلى نسبه [5]، وأنَّه بكسر الدال وفتحها، ابن خليفة الكلبيُّ.

    (1/6774)

    [حديث: رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر ... ]

    3634# قوله: (حَدَّثَنَا [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبد الرَّحْمَن بن عبد الملك بن مُحَمَّد بن شيبة) انتهى، وكذا بخطِّ شيخنا شيخ الإسلام البُلْقينيِّ، وفي «الكلاباذيِّ»: أنَّه ابن عبد الملك بن مُحَمَّد بن شيبة، انتهى، وكذا رأيته أنا في «رجال البُخاريِّ» للكلاباذيِّ.

    (عبد الرَّحْمَن) هذا المنسوب: المدنيُّ، كنيته أبو بكر، يروي عن هُشَيم، والوليد بن مسلم، وابن أبي فُديك، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو زرعة، والربيع بن سليمان المراديُّ، وآخرون، قال أبو زرعة: لَمْ يكن بين تحديثه وبين موته كبيرُ شيءٍ، اختلفت إليه عشرين ليلةً أنظر في كتبه، وقال ابن حِبَّانَ في «الثقات»: ربَّما خالف، وقال أبو بكر بن أبي داود: ضعيف، انتهى، أخرج له البُخاريُّ والنَّسائيُّ، تُوُفِّيَ في حدود العشرين ومئتين، له ترجمة في «الميزان».

    قوله: (رَأَيْتُ النَّاسَ [2] فِي صَعِيدٍ): هذا كان في المنام، لا شكَّ في ذلك، والدليل على ذلك: ما في هذا «الصحيح» في (التعبير): «بينا أنا نائمٌ؛ رأيتُني على قَليب»، من غير طريقٍ.

    قوله: (فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ): (الذَّنوب): الدلو العظيمة؛ وهي بفتح الذال المُعْجَمَة، وقيل: لا تُسمَّى ذَنوبًا إلَّا إذا كان فيها ماءٌ، وقوله: (أو ذَنوبين): شكٌّ من الراوي، ولهذا عقَّبه البُخاريُّ: (وقال همَّام: سمعت أبا هريرة عن النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فنزع أبو بكر ذَنوبين)، فلم يشكَّ، وسأذكر أين ذكر هذا التعليقَ البُخاريُّ قريبًا جدًّا.

    قوله: (وَفِي [3] نَزْعِهِ ضَعْفٌ): يريد: ما ناله المسلمون في خلافته من أموال المشركين، وسيأتي له بقيَّة.

    قوله: (وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ): أي: قد غفر الله له، وقيل: ضَعْفُ نَزعه: اشتغالُه بقتال أهل الرِّدَّة، فلم يتفرَّغ لفتح الأمصار وجباية الأموال، ولقصر مدَّته؛ فإنَّها سنتان وثلاثةُ أشهرٍ وعشرون يومًا، وقيل في مدَّة خلافته غير ذلك.

    قوله: (فَاسْتَحَالَتْ [4] غَرْبًا): أي: صارت وانتقلت دلوًا عظيمة، و (غَرْبًا): بفتح الغين المُعْجَمَة، وإسكان الراء، وبالموحَّدة.

    قوله: (عَبْقَرِيًّا): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان المُوَحَّدة، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ راء مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، وهو النافذ الماضي الذي ليس فوقه شيء، قال أبو عَمرو: عبقريُّ القوم: سيِّدهم، وقوَّتهم، وكبيرهم، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: العبقر: موضعٌ تزعُم العرب أنَّه من أرض الجنِّ، ثُمَّ أنشد بيتًا للَبِيد، ثُمَّ قال: ثُمَّ نسبوا إليه كلَّ شيءٍ تعجَّبوا من حِذقه أو جَودة صنعته وقوَّته؛ فقالوا: عبقريٌّ، وهو واحدٌ وجمعٌ، والأنثى:

    [ج 1 ص 946]

    (1/6775)

    عبقريَّة ... إلى آخر كلامه، وقال شيخنا: الحاذق في عمله، وقيل: سيِّد القوم ومقدَّمهم، وقيل: هذا كلُّه أرضٌ تسكنها الجنُّ، فصارت مثلًا إلى كلِّ منسوبٍ إلى شيء رفيع، وقيل: هي قرية تُعمَل فيها الثياب الحسنة، فنُسِب إليها كلُّ شيء جيِّدٍ، وقيل: كلُّ شيء بلغ النهاية في الخير والشرِّ، ذكره الخَطَّابيُّ، انتهى.

    قوله: (يَفْرِي فَرِيَّهُ): (الفَرِيُّ): بفتح الفاء، وكسر الراء، وتشديد الياء المُثَنَّاة تحت، وبإسكان الراء أيضًا، قال ابن قرقول: بكسر الراء وسكونها قرأناه على شيوخنا أبي الحسين وغيره، وأنكر الخليلُ التثقيلَ، وغلَّط قائله، وكذا ذكر ابن الأثير: أنَّ (الفَرِيَّ) بكسر الراء وإسكانها، وتغليطَ الخليلِ المذكور، و (يَفْرِي): بفتح أوَّله، وكسر ثالثه؛ ومعناه: يعمل عمله، ويقوَى قوَّته، يُقال: فلان يفري الفَرِيَّ؛ أي: يعمل العملَ البالغ، ومثله: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27]؛ أي: عظيمًا.

    قوله: (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ): (العَطَن): بفتح العين والطاء المُهْمَلَتين، وبالنون؛ أي: رَوَوا ورَوِيت إبلُهم حتَّى بركت، وعَطَن الإبل: مباركها، وأصل ذلك حول الماء تعاد إلى الشرب، وقد يكون العطن عند غير الماء، ووقع في رواية الجُلوديِّ في «مسلم»: (حتَّى ضرب الناسُ العَطَنَ)، وقد ضرب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذلك مثلًا لاتِّساع الناس في زمن عُمرَ رضي الله عنه، وما فتح عليهم من الأمصار.

    قوله: (وَقَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُ أَبَا [5] هُرَيْرَةَ ... ) إلى آخره: حديث همَّام أخرجه البُخاريُّ في (التفسير) عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرَّزَّاق بن همَّام، عن مَعْمَر، عن همَّام بن مُنَبِّه، عن أبي هريرة به، والله أعلم.

    ==========

    [1] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة»: (حدَّثني).

    [2] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (مُجْتَمِعِينَ).

    [3] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (بَعْضِ)، والمثبت موافق لرواية الحديث (3664).

    [4] زيد في «اليونينيَّة» و (ق): (بِيَدِهِ).

    [5] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، وهي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت، ورواية «اليونينيَّة» وهامش (ق) مصحَّحًا عليها: (عن أبي).

    (1/6776)

    [باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}]

    (1/6777)

    [حديث: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟]

    3635# قوله: (أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا [1]): أمَّا (الرجل)؛ فلا أعلم أحدًا سمَّاه، وأمَّا (المرأة)؛ فسمَّاها السُّهَيليُّ: بُسْرَة، عن [2] بعض أهل العلم.

    قوله: (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ): تَقَدَّمَ بعض ترجمته رضي الله عنه، وأنَّه بتخفيف اللام، وأنَّه من ولد يوسف صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [3].

    قوله: (فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آَيَةِ الرَّجْمِ): سيجيء في آخر هذا «الصحيح»: (فقالوا لرجل ممَّن يرضون: يا أعور؛ اقرأ، فقرأ حتَّى انتهى إلى موضعٍ منها، فوضع يدَه عليه)، وهذا الذي وضع يده الأعورُ: هو عبد الله بن صُوري الأعورُ الحَبْر، ذكره ابن إسحاق، وذكره أيضًا في «النَّسائيِّ»، أيضًا ذكر السُّهَيليُّ عن النَّقَّاش أنَّه أسلم، وقيل في والده: صُوريا، وذكر شيخنا أنَّه قيَّدَه بكسر الصاد، وقد ذكر ذلك عَقِيب (صوري)، وينبغي أن يكون بعد (صوريا)، وفي قوَّة كلامه أنَّه فيه، والله أعلم.

    (1/6778)

    قوله: (يَحْنِي [4] عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ): كذا في أصلنا، وفي نسخة في هامش أصلنا وعليها (صح) وعلامة راويها: (يجنَى)؛ بالجيم، وفي أخرى: (يَجْنَأُ)، قال ابن قرقول: (فرأيت الرجل يحني على المرأة): كذا للأصيليِّ عن المروزيِّ، ولأحمد بن سعيد في «المُوَطَّأ»: وقيَّدَه الأصيليُّ (يحني) عن الجُرْجانيِّ، وبالحاء، وفتح الياء هو عند الحمُّوي، ووقع للمستملي في موضعٍ كذلك، وكذا تقيَّد فيه عن ابن الفخَّار: (لا يحن)؛ بغير همزٍ، وكذا قيَّدناه في «المُوَطَّأ» من طريق الأصيليِّ بالحاء، مضموم الياء، مهموزٌ، ورأيت في أصل أبي الفضل بفتح الياء، ثُمَّ جيم، ثُمَّ همزة، وتحت ذلك: (يُجَبِّئُ)؛ بجيم، ثُمَّ باء معجمة بواحدة، ثُمَّ همزة: يركع عليها، وبالجيم والحاء معًا، لكن بفتح الياء قيَّدناه عن ابن القابسيِّ عن ابن سهل، وبالحاء وحدها قيَّدناه عن ابن عتَّاب، وابن حمدين، وابن عيسى، مفتوح الأوَّل، وقال أبو عُمر: وهي أكثر الروايات عن شيوخنا عن يحيى، وكذا رواه ابن قعنب وابنُ بُكَيْر، وبعضهم قيَّدَه بفتح الحاء، وشدِّ النون: (يحَنِّي)، ورواه بعضهم: (يَحْنَأ)؛ بفتح الياء، وسكون الحاء، وفتح النون، وهمزة بعدها، وجاء للأصيليِّ في بابٍ: (فرأيته أجنأَ)؛ بالجيم مهموز، وهو عند أبي ذرٍّ: (أحنأَ)، وقد رُويَ في غير هذه الكتب: (يحنُو)، والصحيح من هذا كلِّه ما قاله أبو عبيد: (يَحْنَأُ)؛ ومعناه: ينحني عليها يقيها الحجارة، يُقال من ذلك: حنأ يحنأ، قاله صاحب «الأفعال»، وقال الزبيديُّ: (حنِي)؛ بكسر النون في الماضي، ويحنُو ويحنَى: يعطف عليها، (حَنَا يحني ويحنو) [5]، ومنه: «وأحناهنَّ على ولد»، ويكون أيضًا: يحني عليها ظهره، فيكون بمعنى ما قاله أبو عبيد، وكذلك قول من قال: «يحنى» يُخَرَّج على معنى: يكلِّف ذلك ظهره ويفعله به حتَّى يحنأُ، تعدية جنأَ الرجل يجنأُ؛ إذا صار كذلك، قال الأصمعيُّ: أجنأْتُ التُّرْسَ: جعلته مُجْنَأً؛ أي: مُحْدَودبًا، وهذا مثله، انتهى.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (المرأة: سماها السهيليُّ: بسرة عن بعض أهل العلم، وكذا عزاه الزكي في «حواشيه» إليه، لكن قال: كذا قاله أبو القاسم الخثعميُّ، وهو هو).

    [2] في (ب): (من)، وهو تحريفٌ.

    [3] في (ب): (عليه السلام).

    [4] كذا في النُّسخَتَينِ و (ق)، ورواية «اليونينيَّة»: (يجنأ)، وفي هامش (ق) روايتان أخريان.

    [5] في (ب) بدل مما بين قوسين: (يحني يحنا، وجنى يجنو)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

    [ج 1 ص 947]

    (1/6779)

    [باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية فأراهم انشقاق القمر]

    (1/6780)

    [حديث: انشق القمر على عهد رسول الله شقتين]

    3636# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ): هو عبد الله بن يَسَار؛ بالمُثَنَّاة تحت، وبالسين المُهْمَلَة المُخَفَّفة، وكنية عبد الله: أبو يَسَار؛ كاسم أبيه، مكِّيٌّ، مولى ثقيف، عن أبيه، وطاووس، ومجاهد، وعنه: شعبة وابن عُلَيَّة، ثقةٌ، تُوُفِّيَ سنة (131 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة فِي «الميزان»؛ لأجل الاعتقاد.

    قوله: (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ): هو [1] بفتح الميمين، بينهما عين مهملة، واسمه عبد الله بن سَخْبَرة، صدوقٌ، ذكره في «الميزان» تمييزًا.

    تنبيهٌ: لهم آخر يقال له: عبد الله بن سخبرة [2]، روى عن أبيه، وعنه: أبو داود نُفيع، تفرَّد عنه نُفيع، أخرج له التِّرْمِذيُّ فقط.

    قوله: (انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِقَّتَيْنِ): هذا ظاهِرٌ، ووقع في «مسلم» و «التِّرْمِذيِّ»: (انشقَّ القمر مرَّتين)، قال أبو عبد الله ابن إمام الجوزيَّة في «إغاثة اللَّهفان» في مسألة الطلاق، ونحوُه في «الهَدْي»، واللفظ لـ «الإغاثة»، وإنَّما سُقت هنا لفظَها؛ لأنَّه أطولُ وأحسنُ: المرَّات يُراد بها الأفعالُ تارةً، والأعيان تارةً، وأكثر ما تستعمل في الأفعال، وأمَّا الأعيان؛ فكقوله في الحديث: (انشقَّ القمر مرَّتين) و (فلقتين)، ولمَّا خَفِيَ هذا على من لم يُحِط به علمًا؛ زعم أنَّ الانشقاق وقع مَرَّةً بعد مَرَّةً في زمانين، وهذا ممَّا يَعلم أهلُ الحديث ومَن له خبرةٌ بأحوال الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام وسيرتِه أنَّه غلطٌ [3]، وأنَّه لم يقع الانشقاق إلَّا مَرَّةً واحدة، انتهى.

    وقال شيخنا العِرَاقيُّ: إنَّه

    [ج 1 ص 947]

    انشقَّ مرَّتين، وسيأتي لفظه قريبًا في (انشقاق القمر)، وقد كاتبت شيخَنا إلى القاهرة لمَّا وقفت على كلامه في «سيرته المنظومة»، وذكرتُ له كلام ابن القَيِّمِ؛ فلم يَردَّ جوابًا لذلك، وسأذكر في (باب انشقاق القمر) زيادةً على ما ذكرتُ هنا؛ فراجعه إنْ أردته.

    (1/6781)

    [حديث: أن أهل مكة سألوا رسول الله أن يريهم آيةً فأراهم ... ]

    3637# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ): (هو المسنَديُّ عبد الله) [1]، وابن أبي شيبة روى عن يونس المذكور عند مسلمٍ، و (يونس) بعده [2]: تَقَدَّمَ أنَّه ابن مُحَمَّد المؤدِّب، تَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا، و (شَيْبَانُ): هو ابن عبد الرَّحْمَن النَّحْويُّ، منسوبٌ إلى القبيلة، لا إلى الصناعة، كذا قاله ابن الأثير، وقال ابن أبي داود وغيره: إنَّ المنسوبَ إلى القبيلة يزيدُ بن [3] أبي سعيد النَّحْويُّ، لا شيبان وغيره، وتَقَدَّمَ ذلك مرارًا.

    قوله: (ح [4]): تَقَدَّمَ في أوَّل هذا التعليقِ الكلامُ على كتابتها والتلفُّظ بها [5].

    قوله: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ): تَقَدَّمَ أنَّ مثل هذا يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة، وقدَّمتُ أنَّ (خليفة) هذا: هو ابن خيَّاط، أبو عَمرو، شبابٌ العصفريُّ الحافظ، وقدَّمتُه مُتَرْجَمًا، و (سَعِيدٌ) هذا: هو ابن أبي عروبة.

    ==========

    [1] في (ب) بدل مما بين قوسين: (هذا هو عبد الله بن مُحَمَّد المسندي).

    [2] (بعده): ليس في (ب).

    [3] (بن): سقط من (ب).

    [4] (ح): ليس في «اليونينيَّة»، وعليها في (ق) علامة الزيادة.

    [5] (بها): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 948]

    (1/6782)

    [باب في علامات النبوة]

    (1/6783)

    [حديث: أن رجلين من أصحاب النبي خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة]

    3639# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَاذٌ): هذا هو مُعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتوائيُّ، تقدَّما.

    قوله: (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذان الرجلان تَقَدَّمَ أنَّهما عبَّاد بن بِشْر وأُسَيد [1] بن الحُضَير، كما جاءا مُسمَّيَين في بعض طرق هذا الحديث، وقد قَدَّمْتُ أنَّ هذه كانت عادةَ عبَّاد بن بِشْر دائمًا كلَّما أمسى عند النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعرض له مع أُسَيد بن الحُضَير هذه المرَّة، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ، وسأذكر ذلك أيضًا في (مناقبهما) لمَّا تأتي إنْ شاء الله تعالى، وذكرت فيما مضى أصحاب النور؛ وهم: أُسَيد بن حُضَير، وعبَّاد بن بِشْر، والطُّفيل بن عَمرو الدَّوسيُّ، وقَتادة بن النُّعمان، وحمزة بن عَمرو الأسلميُّ، رضي الله عنهم، والحسن بن عليٍّ منهم [2].

    ==========

    [1] في (ب): (وعبيد)، وهو تحريفٌ.

    [2] زيد في (ب): (رضي الله عنه).

    [ج 1 ص 948]

    (1/6784)

    [حديث: لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم .. ]

    3640# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الأسود حميدِ بن الأسود، ابن أخت عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، قاضي هَمَذان) انتهى، كنيته أبو بكر، بصريٌّ حافظٌ، روى عن خاله عبد الرَّحْمَن بن مهديٍّ، ومالكٍ، ودَيلم بن غزوان، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن زُرَيع، وجعفر بن سليمان، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو داود، وسمُّويه، وإبراهيم الحربيُّ، وعثمان بن خرَّزاذ، وجماعةٌ، قال ابن معين: لا بأس به، لكنَّه سمع من أبي عوانة وهو صغير، وقال الخطيب البغداديُّ: كان حافظًا متقنًا، سكن بغداد، انتهى، تُوُفِّيَ في جمادى الآخرة سنة (223 هـ) وله ستُّون سنة، أخرج له البُخاريُّ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وله ترجمة في «الميزان».

    قوله: (لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ): المراد بـ (أمر الله): هي الريح التي تأتي فتأخذ رُوح كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة، وفي بعض طرقه: (حتَّى تقوم الساعة)؛ أي: تقرب الساعة؛ وهو خروج الريح، وبهذا يُجمَعُ بين هذا وبين ما خالفه في الظاهر، والله أعلم، وقوله: (ظاهرين): أي: عالين غالبين.

    فائدةٌ: هذه الطائفة: قال البُخاريُّ فيما يأتي: (وهم أهلُ العلم) انتهى، وقال أحمد ابن حنبل: إنْ لَمْ يكونوا أهلَ الحديث؛ فلا أدري مَن هم، قال القاضي عياض: إنَّمَا أراد أحمد أهلَ السُّنَّة والجماعة، ومَن يعتقد مذهب أهل الحديث، قال النَّوويُّ: ويحتمل أنَّ هذه الطائفةَ مفرَّقةٌ في أنواع المؤمنين؛ فمنهم: شجعان يقاتلون، ومنهم: فقهاء، ومنهم: محدِّثون، ومنهم: زُهَّاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم: أهلُ أنواع أُخَرَ من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض، انتهى، وسأذكر مكانَهم إنْ شاء الله تعالى، وقد تَقَدَّمَ.

    ==========

    [ج 1 ص 948]

    (1/6785)

    [حديث: لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله]

    3641# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تَقَدَّمَ أنَّ هذا اسمه عبد الله بن الزُّبَير، وأنَّه أوَّل شيخ حدَّث عنه البُخاريُّ في هذا «الصحيح»، وتَقَدَّمَ الكلام على نسبته هذه لماذا في أوَّل هذا التعليق، و (الْوَلِيدُ) بعده: هو ابن مسلم، عالم أهل الشام، تَقَدَّمَ، و (ابْنُ جَابِرٍ): هو عبد الرَّحْمَن بن يزيد بن جابر.

    قوله: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللهِ): يجوز في (قائمة) الرفعُ مع التنوين، والنصبُ معه.

    قوله: (فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ): هو بضَمِّ المُثَنَّاة تحت، وبالخاء المُعْجَمَة، وبعد الألف ميم، ثُمَّ راء، لا ينصرف، وفيه العلميَّة ووزن الفعل، و (مالكٌ) هذا: روى عن معاذ، ويُقال: لمالكٍ صحبةٌ، وقد أخرج له البُخاريُّ والأربعة، وترجمته معروفة.

    قوله: (وَهُمْ بِالشَّأْمِ): (الشأم): تَقَدَّمَ الكلام عليها، وطوله وعرضه، وفي «مسلم»: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحقِّ حتَّى تقوم الساعة»، قال عليُّ ابن المَدينيِّ: المراد بـ (أهل الغرب): العَربُ، قال: والمراد بـ (الغرب): الدلو الكبيرة؛ لاختصاصِهم بها غالبًا، وقال آخرون: المراد به: الغربُ من الأرض، قال القاضي عياض: وقد ورد: «المغرب»؛ كذا في الحديث بمعناه، وهنا عن معاذٍ موقوفًا عليه، ولكنَّه في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد فيه، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجال للاجتهاد فيه؛ يكون مرفوعًا، وقد ذكرتُ لك نصَّ الشَّافِعيِّ على ذلك في صلاة عليٍّ بالليل، مستدلًّا بذلك، وكذا في «المحصول»، وجاء في حديث آخرَ: (هم ببيت المقدس)، وهو في «مسند أحمد» من حديث أبي أمامة، ولفظه: وأين هم؟ قال: «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»، انتهى، وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك، وقيل: المراد بـ (أهل الغرب): أهل الشِّدَّة والجَلَد، وغربُ كلِّ شيء: حدُّه، فبقي معنا روايتان: رواية: (الشام)، ورواية: (المغرب)، وبيتُ المقدس وأكنافُه من الشام، وقد قال النَّوويُّ _كما ذكرتُه عنه قريبًا_: إنَّه لا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرِّقين في أقطار الأرض، والله أعلم.

    [ج 1 ص 948]

    قوله: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ): تَقَدَّمَ أنَّه يجوز في (قائمة) الرفعُ مع التنوين، والنصبُ معه، وقد تَقَدَّمَ أيضًا قريبًا الكلامُ على هؤلاء مَن هم، وأين هم.

    (1/6786)

    [حديث: أن النبي أعطاه دينارًا يشتري به شاةً فاشترى له به شاتين]

    3642# 3643# قوله: (عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو ابن المَدينيِّ الحافظ، و (سُفْيَانُ) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، تَقَدَّمَ ذلك مرارًا.

    قوله: (قَالَ [1] شَبِيبُ بنُ غَرْقَدَةَ): (شَبِيْب): بفتح الشين المُعْجَمَة، وكسر المُوَحَّدة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ مُوَحَّدة أخرى، و (غَرْقَدة): بفتح الغين المُعْجَمَة، ثُمَّ راء، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ دال مهملة، ثُمَّ تاء التأنيث، و (الغرقدة): شجرةٌ ذات شوكٍ، و (شَبِيب) هذا: سُلَمِيٌّ، ويقال: بارقيٌّ، كوفيٌّ، يروي عن عروة [2] البارقيِّ وسليمان بن عمرو، وعنه: شعبة، وزائدة، والسُّفيانان، وطائفةٌ، وثَّقهُ أحمد وجماعةٌ، أخرج له الجماعة.

    قوله: (سَمِعْتُ الْحَيَّ يَتَحَدَّثُونَ [3] عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا ... )؛ الحديث: (قَالَ سُفْيَانُ): تَقَدَّمَ أنَّه ابن عُيَيْنَة: (كَأَنَّ [4] الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ [5] جَاءَ [6] بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ [7]، قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبُ بْنُ غَرقَدَةَ [8] فَأَتَيْتُهُ [9]) يقول سفيان _يعني: ابن عُيَيْنَة_: فأتيته، (فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ [10]، سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ، وَلَكِنِّي [11] سَمِعْتُهُ [12] يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»): اعلم أنَّ حديث عروة في اشتراء شاتين، وبيع إحداهما، والإتيان بالأخرى: ليس من شرط هذا الكتاب؛ لأنَّ في سنده مجهولًا؛ وهم الحيُّ، وإنَّما الذي على شرطه هو الذي سمعه سفيانُ من شَبِيبٍ عن عروةَ: «الخير معقودٌ ... »؛ الحديث، وقد أخرج حديثَ عروة في اشتراء الشاتين أبو داود، والتِّرْمِذيُّ، وابن ماجه، قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين من أشياخي: بإسناد صحيح، خلافًا لابن حزم، انتهى.

    وقوله فيه: (كأنَّ الحسن بن عمارة جاء بهذا الحديث): (كأنَّ): بفتح الهمزة، وتشديد النون، من أخوات (إنَّ)، و (الحسن بن عُمَارة)؛ بضَمِّ العين، وتخفيف الميم: ضعيف، وقال الإمام الذَّهَبيُّ في «المغني»: متروك، انتهى، له ترجمةٌ فِي «الميزان»، قال ابن المَدينيِّ: ما أحتاجُ إلى شعبة فيه، أمرُه أَبْيَن مِن ذلك، قيل: أكان يغلط؟ قال: إيش يغلط؟! وذهب إلى أنَّه كان يضع الحديث.

    وقوله: (جاء بهذا الحديث عنه): أي: عن شَبِيب، وقوله: (فأتيته): يقوله سفيان بن عُيَيْنَة: فأتيتُ شَبِيب بن غَرْقَدة، وقد تَقَدَّمَ ذلك، ولكن ذكرتُه زيادةً في الإيضاح، والله أعلم.

    قوله: (الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ): (الخير): فسَّره في الحديث بالأجر والمغنَم، وسُمِّيَ المالُ خيرًا؛ كما قال تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] هذا هو الصحيح من الحديث كلِّه الذي تَقَدَّمَ، والباقي ليس على شرطه، وقد ذكرت لك مَن أخرجه أعلاه.

    (1/6787)

    قوله: (وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا): هذا يقوله شِبيب بن غَرْقَدة عن عروة: أنَّه رأى في دار عروةَ بنِ الجَعْد سبعين فرسًا، وانظر كلام أبي عُمر ابن عَبْدِ البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عروة البارقيِّ؛ تجدْ ذلك وتعرفْه.

    قوله: (كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ): (الأضحية): فيها أربع لُغَات: أُضحيَّة، وإِضحيَّة؛ بضَمِّ الهمزة وكسرها، مُشَدَّدة الياء فيهما، والجمع: أضحايُّ؛ بتشديد الياء، ويجوز تخفيفها، وضحيَّة، والجمع: ضحايا، وأضحاةٌ، والجمع: أضحًى، وهي معروفةٌ، وقد تَقَدَّمَت.

    (1/6788)

    [حديث ابن عمر: الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة]

    3644# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه يحيى بن سعيد القَطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (عُبيد الله) هذا: هو عُبيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب العُمَريُّ، تَقَدَّمَ مرارًا كثيرةً.

    ==========

    [ج 1 ص 949]

    (1/6789)

    [حديث أنس: الخيل معقود في نواصيها الخير]

    3645# قوله: (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه بفتح المُثَنَّاة فوق، وتشديد المُثَنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، وتَقَدَّمَ أيضًا أنَّه يزيد بن حُمَيدٍ.

    ==========

    [ج 1 ص 949]

    (1/6790)

    [حديث أبي هريرة: الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر ... ]

    3646# قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات، وتَقَدَّمَ مُتَرْجَمًا.

    قوله: (فِي طِيَلِهَا): تَقَدَّمَ الكلام عليه، وكذا (فَاسْتَنَّتْ)، وكذا (شَرَفًا)، وكذا (تَغَنِّيًا)؛ ومعناه: ليكتسب بها، ويستغني بها عن الحاجة إلى الناس، وكذا تَقَدَّمَ: (وَنِوَاءً) ضبطًا ومعنًى؛ أي: مُعاداةً.

    قوله: (الْفَاذَّةُ): هو بالذال المُعْجَمَة المُشَدَّدة؛ أي: الفردة، و (الآيَةُ): بالرفع؛ لأنَّ الاستثناء مُفَرَّغٌ، و (الآية): نائبٌ مَنَابَ الفاعل لـ (أُنْزِلَ): المَبْنيُّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و (الْجَامِعَةُ): صفةٌ لـ (الآية)، وكذا (الفاذَّةُ): صفةٌ بعدَ صفةٍ، والله أعلم.

    ==========

    [ج 1 ص 949]

    (1/6791)

    [حديث: الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء ... ]

    3647# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّمَ قريبًا وبعيدًا أنَّه ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عُيَيْنَة، و (أَيُّوبُ): هو ابن أبي تميمة السَّخْتيَانيُّ، و (مُحَمَّد): هو ابن سيرين، وقد قَدَّمْتُ عدد أولاد سيرين البنين والبنات.

    قوله: (بِالْمَسَاحِي): تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ (الخَمِيسُ)، وذكرت فيه قولين، و (الخَمِيس): الجيش.

    قوله: (وَأَحَالُوا): هو بالحاء المُهْمَلَة، قال في «المطالع»: أي: أقبلوا إليه هاربين، قال ابن السِّكِّيت: أحلتُ إلى الشيء: أقبلتُ إليه، قال أبو عبيد: أحالَ الرجلُ إلى مكان كذا: تحوَّل إليه، وقال بعضُهم عن أبي ذرٍّ: (أجالوا)؛ بالجيم، وليس بشيءٍ، إلَّا أنْ يكون مِن أجال بالشيء: أطاف به، وجال به أيضًا، وهو بعيدٌ، قال الخَطَّابيُّ: جلتُ عن المكان: تحوَّلت عنه، وأجلت عنه [1] أيضًا.

    ==========

    [1] (وأجلت عنه): سقط من (ب).

    [ج 1 ص 949]

    (1/6792)

    [حديث أبي هريرة: ابسط رداءك]

    3648# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ [1]): اسمه مُحَمَّد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُدَيك، واسمه دينار، تَقَدَّمَ، و (ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّمَ أنَّه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن المغيرة ابن أبي ذئب، أحد الأعلام، أبو الحارث المدنيُّ، و (الْمَقْبُرِي): تَقَدَّمَ أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة وفتحها وكسرها، وأنَّه سعيد بن أبي سعيد كَيسانَ، أحد الأعلام.

    [فرغَ من تعليقه من المُسَوَّدة، وهذه المُبَيَّضة فيها زياداتٌ لَمْ تكن بالمُسَوَّدة، في شهور سنة أربعٍ وعشرين وثمان مئة، ويتلو هذا (باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قاله مؤلِّفه جامعُه إبراهيمُ بنُ مُحَمَّد بنِ خليلٍ، سبطُ ابنِ العَجَميِّ، وذلك بحلبَ بالمدرسة الشرفيَّة، رحم الله وَاقِفَها، الحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيِّدنا مُحَمَّد وآله وصحبه وسلَّم] [2].

    [ج 1 ص 949]

    (1/6793)

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ((62)) (بابُ فَضَائِلِ أصْحَابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفَضْلِهِمْ)

    قوله: (وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ): اعلم أنَّ في دخول الأعمى الذي جاء إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلمًا ولم يصحبه ولم يجالسه في كلام البخاريِّ نظرٌ، ولو قال: من لقي النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلمًا ثم مات على الإسلام؛ ليخرج من ارتدَّ كافرًا؛ كابن خطل، وربيعة بن أمية، ومقيس بن صُبابة، ونحوهم، وفي دخول مَن لقيه مسلمًا ثم ارتدَّ ثم أسلمَ بعد وفاته عليه السَّلام في الصَّحابة نظرٌ كبير، فإنَّ الرِّدَّةَ مُحبِطةٌ للعمل عند أبي حنيفة، وقد نصَّ الشافعيُّ في «الأمِّ» على ذلك وإن كان الرافعيُّ حكى عنه: إنَّما تُحبَطُ بشرط اتِّصالها بالموت، وحينئذٍ فالظاهر أنَّها مُحبِطَةٌ للصُّحبة المتقدِّمة؛ كالأشعث بن قيس وغيره، أمَّا مَن رجع عن رِدَّته إلى الإسلام في حال حياةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورآه بعد المراجعة؛ كعبد الله بن أبي سَرْح؛ فلا مانعَ لدخوله في الصُّحبةِ؛ لأنَّه لقيه وهو مسلمٌ، فدخل في حَدِّ الصحابيِّ، والله أعلم.

    واعلم أيضًا أنَّ قول البخاريِّ: (أو رآه ... ) إلى آخره هل المراد في حال نبوَّته أو أعمُّ من ذلك حتَّى يدخلُ مَن رآه قبلَ النُّبوَّة، ومات قبلها على دِين الحنيفيَّة؛ كزيد بن عمرو بن نُفيل، فقد قال عليه السلام فيه: «إنَّه يبعثُ أُمَّة وحدَه»، وقد ذكره في الصَّحابة ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني»، وابن مَنْدَه، وكذلك لو رآه قبل النُّبوَّة، ثم غاب عنه وعاش إلى بعد زمن بعثته صلَّى الله عليه وسلَّم وأسلم، ثم مات ولم يره؛ قال شيخنا الحافظ الجهبذ العراقيُّ: لم أرَ مَن تعرَّض لذلك، قال: ويدُلُّ على أنَّ المراد: مَن رآه بعد النُّبوَّة: أنَّهم ترجموا في الصَّحابة لمن وُلِد له صلَّى الله عليه وسلَّم بعد النُّبوَّة؛ كإبراهيم وعبد الله، ولم يترجموا لمن وُلِد له قبل النُّبوَّة، ومات قبلها؛ كالقاسم، انتهى، وقد ذكر بعضهم القاسم في الصَّحابة.

    واعلم أيضًا أنَّه اختُلف في حدِّ الصَّحابيِّ على أقوال:

    أحدها وهو المشهور: أنَّه من رأى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حال إسلامه، كذا أطلقه غير واحدٍ من أهل الحديث، ومراده مع زوال المانع من الرُّؤية؛ كالعمى، وإلَّا؛ فمن صحبه وبه مانعٌ من الرؤية _كابن أمِّ مكتومٍ ونحوه_ صحابيٌّ بلا خلاف، وهل يشترط مع ذلك أن يكون عاقلًا مميِّزًا حتَّى لا يدخل الأطفالُ الذين حنَّكهم ولم يَرَوه بعد التمييز، ولا من رآه وهو لا يعقل، أو المراد أعمُّ من ذلك؟ قال شيخنا العراقيُّ فيما قرأته عليه في «النُّكت على كتاب ابن الصَّلاح»: (ظاهر كلامهم اشتراطُه؛ كما هو موجود في كلام ابن مَعين، وأبي زُرعة، وأبي حاتم، وأبي داود، وابن عبد البَرِّ، وغيرِهم)، انتهى، وقد ذكر الترمذيُّ والنَّسائيُّ التَّمييز في (بابٌ: متى يصحُّ سماع الصَّغير).

    (1/6794)

    القولُ الثاني: من طالت صُحبتُه، وكثُرت مجالستُه على طريق التَّبَع له، والأخذ عنه، حكاه أبو المظفَّر السمعانيُّ عن الأصوليِّين، وقال: إنَّ اسم الصحابيِّ يقع على ذلك من حيث اللُّغة والظاهرُ، قال: وأصحاب الحديثِ يُطلقون اسمَ الصُّحبة على كلِّ مَن روى عنه حديثًا أو كلمةً، ويتوسَّعون حتى يعدُّوا من رآه رؤيةً من الصَّحابة، قال: وهذا لشرف منزلة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أعطَوا كلَّ مَن رآه حكمَ الصُّحبة، قال شيخنا العراقيُّ: وهو قولٌ لبعضهم _يعني: الأصوليين_ حكاه الآمديُّ، وابن الحاجب، وغيرهما، وبه جزم ابن الصبَّاغ في «العدَّة».

    والقولُ الثالث: وهو مرويٌّ عن سعيد بن المُسَيّب _وفي السند إليه محمَّد بن عمر الواقديُّ، وهو ضعيفٌ في الحديث_: أنَّه كان لا يعدُّ الصحابيَّ إلَّا من أقام معه سنةً أو سنتين، وغزا معه غزوةً أو غزوتين، قال ابن الصَّلاح: وكأنَّ المرادَ بهذا إن صحَّ عنه راجعٌ إلى المحكيِّ عن الأصوليين، ولكن في عبارته ضيقٌ يوجِب ألَّا يعدَّ منَ الصَّحابة جرير بن عبد الله البجليُّ ومَن شاركه في فقد ظاهِر ما اشترطه فيهم ممَّن لا نعلم خلافًا في عدِّه من الصَّحابة.

    القولُ الرابع: يشترط مع طول الصُّحبة الأخذ عنه، حكاه الآمديُّ عن عمرو بن يحيى، وعمرو بن يحيى الظَّاهر أنَّه الحافظ، كذا سمَّاه أبو إسحاق الشِّيرازيُّ في «اللُّمَع»، وفيه نظرٌ، وإنَّما الحافظ عمرو بن بحر.

    والقولُ الخامس: أنَّه مَن رآه مسلمًا بالغًا عاقلًا، حكاه الواقديُّ عن أهل العلم.

    والقولُ السادس: أنَّه مَن أدرك زمنه صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مسلمٌ وإنْ لم يرَه، وهو قول يحيى بن عثمان بن صالح المصريِّ، فإنَّه قال: ومن دُفِن _أي: بمصر_ من أصحاب رسول الله عليه وسلم ممَّن أدركه ولم يسمع منه: أبو تميم الجيشانيُّ، واسمه عبد الله بن مالك، انتهى، وإنَّما هاجر أبو تميم إلى المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه باتِّفاق أهل السِّيَر، حكاه من الأصوليِّين العراقيُّ في «شرح التنقيح»، وكذلك إن كان صغيرًا محكومًا بإسلامه تبعًا لأحد أبويه، وعلى هذا عملُ ابن عبد البَرِّ في «استيعابه»، وابن منده في «معرفة الصَّحابة»، وقد بيَّن ابن عبد البَرِّ في ترجمة الأحنف بن قيس أنَّ ذلك شرطه، وقال في مقدِّمة «الاستيعاب»: وبهذا كلِّه يستكملُ القرنُ الذي أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، على ما قاله عبد الله بن أبي أوفى صاحبُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يريد بذلك تفسير القرن، انتهى، وقد اختلف أهل اللُّغة في مدة القرن على أقوال، وسأذكرها قريبًا إن شاء الله تعالى.

    (1/6795)

    [حديث: يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس]

    3649# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): تقدَّم مِرارًا أنَّه ابن المَدينيِّ الحافظ، وأنَّ (سُفْيَان) بعده: هو ابن عيينة، و (عَمْرو): هو ابن دينار، و (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ): هو الصَّحابيُّ ابن الصَّحابيِّ، وهو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريُّ، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان رضي الله عنه.

    قوله: (فِئَامٌ): هو بكسر الفاء، ثم همزة مفتوحة، قال ابن قُرقُول: جماعة من الناس، وقيل: الطائفة، وقال ثابت: مأخوذٌ من الفئام؛ وهو كالقطعة من الشَّيء، وقاله بعضهم: بفتح الفاء، حكاه الخليل، وهي رواية القابسيِّ، وأدخله صاحب «العين» في الياء بغير همزٍ، وغيره بهمزٍ، وفي المهموز ذكره الهرويُّ، وكذا قُيِّد عن أبي ذرٍّ، وحكى الخطابيُّ: أنَّ بعضهم رواه بفتح الفاء، وشدِّ الياء، وهو غلطٌ، انتهى.

    قوله: (فَيُفْتَحُ لَهُمْ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا الثانية والثالثة.

    ==========

    [ج 2 ص 3]

    (1/6796)

    [حديث: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]

    3650# قوله: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ): (إسحاق) هذا: قال الجيَّاني: وقال _أي: البخاريُّ_ في (الصلاة)، وتفسير (البقرة) في موضعين، وفي (الفضائل)، و (اللِّباس)، و (الأدب)، و (خبر الواحد): (حدَّثنا إسحاق: حدَّثنا النَّضر)، نسبه ابن السَّكن في بعض هذه المواضع: إسحاق بن إبراهيم، وفي نسخة الأصيليِّ في (الوضوء): قال البخاري: (حدَّثنا إسحاق بن منصور: أخبرنا شعبة عن الحكم)، فذكر حديثًا، وقال أبو نصر: النَّضر بن شميل يروي عن إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور، انتهى، وقال المِزِّيُّ في هذا الحديث حين طرَّفه: (عن إسحاق بن إبراهيم)، والظاهر أنَّه وقع له كذلك، وإلا، فلو كان من توضيحه أو توضيح أحدٍ من المُتَأخِّرين عن البخاريِّ؛ لقال: يعني: ابن إبراهيم، أو: هو ابن إبراهيم، والله أعلم، وإذا قلنا: إنَّه ابن إبراهيم؛ فهو ابن راهويه، أحد الأعلام المشهورين.

    قوله: (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ): هو بالجيم والراء، واسمه نصر بن عمران الضُّبَعيُّ، و (زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ)؛ بالدال المهملة، و (مُضَرِّب)؛ بضمِّ الميم، وفتح الضاد المعجمة، وكسر الراء المُشدَّدة، وهذا شيءٌ معروفٌ.

    قوله: (سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ): تقدَّم أنَّ حُصَينًا بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وهو صحابيٌّ كابنه عمران، وقدَّمت أنَّ الأسماء بالضمِّ، والكنى بالفتح، والله أعلم.

    [ج 2 ص 3]

    قوله: (خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي): الظَّاهر أنَّ ابتداء قرنه عليه السَّلام من حين البِعثة، أو من حين فُشوِّ الإسلام، قال ابن قُرقُول: (خيركم قرني): يعني: أصحابه، وقيل: من كان حيًّا على عهده، انتهى، وقد اختُلف في القرن في اللُّغة؛ فقيل: ثمانون سنة، وقيل: ثلاثون، وهذا في «صحاح الجوهريِّ»، وفي «المحكم» ستة أقوال فيه: قيل: عشر سنين، وقيل: عشرون، وقيل: ثلاثون، وقيل: ستُّون، وقيل: سبعون، وقيل: أربعون، انتهى، وقد روى ابن منده في «الصَّحابة» من حديث عبد الله بن بُسر مرفوعًا: (القرن: مئة سنة)، وقال ابن قُرقُول: حكى الحربيُّ فيه من عشرة إلى عشرين إلى مئة وعشرين، ثم قال بعد ذكر المقالات: وليس في هذا كلِّه شيءٌ واضحٌ، ورأيي أنَّ القرن كلُّ أُمَّةٍ هلكت فلم يبقَ منها أحدٌ، وقال ابن الأعرابيِّ: القرن: الوقت من الزَّمان، وفي «نهاية ابن الأثير» أقوال في القرن؛ منها: مطلقٌ من الزمان.

    فإذن الأقوال المسوقة في القرن: عشرة، عشرون، ثلاثون، أربعون، ستُّون، سبعون، ثمانون، مئة سنة، مئة وعشرون، مطلقٌ من الزمان، عشَرة أقوالٍ، والله أعلم.

    (1/6797)

    قوله: (خَيْرُكُم قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): يعني: الصَّحابة ثم التابعين، والقرن: أهل كلِّ زمانٍ، وهو مقدار المتوسِّط في أعمار أهل كلِّ زمان، مأخوذٌ من الاقتران، فكأنَّه الزمان الذي يقترن فيه أهلُ ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم ... إلى آخر كلامه، وقال النَّوويُّ في «شرح مسلم»: إنَّ قرنه عليه السلام: الصَّحابة، و «الذين يلونهم»: التابعون، و «الذين يلونهم»: أتباع التابعين.

    قوله: (قَالَ عِمْرَانُ): هو ابن الحُصَين راوي هذا الحديث، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ): فيه تأويلات؛ أصحُّها: أنَّه محمولٌ على مَن معه شهادةٌ لآدميٍّ عالم بها، فيشهد بها قبل أن يُطلَب منه.

    والثاني: أنَّه محمولٌ على شاهد الزُّور، فيشهد بما لا أصل له، ولم يستشهد.

    والثالث: محمولٌ على مَن ينتصب شاهدًا وليس هو أهلٌ للشهادة.

    والرابع: أنَّه محمولٌ على مَن يشهد لقومٍ بالجنَّة أو بالنار من غير توقيف، وهذا ضعيفٌ.

    وأمَّا الحديث الآخر الصحيح: «ألا أُخبِركم بخير الشُّهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها»؛ ففي المراد به تأويلان؛ أصحهُما وأشهرهُما تأويل مالك وأصحاب الشافعيِّ: أنَّه محمولٌ على من عنده شهادةٌ لإنسانٍ بحقٍّ ولا يعلم ذلك الإنسان أنَّه شاهد، فيأتي إليه، فيخبره بأنَّه شاهد له، والثاني: أنَّه محمول على شهادة الحِسْبَة، وذلك في غير حقوق الآدميِّين المختصَّة بهم، فممَّا قيل فيه: إنَّه يقبل فيه شهادة الحسبة: الطلاق، والعتق، والوقف، والوصايا العامَّة، والحدود، ونحو ذلك، فمن علم شيئًا من هذا النوع؛ وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامُه به والشهادة، وكذا النوع الأوَّل يلزم مَن عنده شهادة لإنسان لا يعلمها أن يُعلِمه إيَّاها؛ لأنَّها أمانة له عنده، وحُكي تأويل ثالث: أنَّه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله؛ كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال؛ أي: يعطي سريعًا عقب السُّؤال من غير توقُّف، وبما ذكرته لا تناقض بين الحديث ولا تعارض، ولله الحمد سبحانه.

    قوله: (وَيَنْذرُونَ): يقال: نذر ينذِر وينذُر؛ بكسر الذال وضمِّها في المضارع.

    قوله: (وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ): هو بكسر السين: السَّمانة، والسِّمَن: كثرة اللَّحم؛ أي: أنَّه الغالب عليهم، وإن كان فيهم غير سمين؛ فقليل، ألا تراه يكثر؟! وأيضًا فإنَّ هؤلاء يستحسنونه ويكتسبونه خلاف من هو فيه خِلقة.

    (1/6798)

    [حديث: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونه]

    3651# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر الثاء المثلَّثة، و (سُفْيَانُ) بعده: تقدَّم أنَّ الظَّاهر أنَّه الثَّوريُّ، وذكرت مستندي في ذلك فيما مضى، و (مَنْصُور): هو ابن المعتمر، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، و (عَبِيدَة)؛ بفتح العين، وكسر الموحَّدة: هو ابن عمرو السَّلْمانيُّ، أبو مسلم الكوفيُّ، تقدَّم مترجمًا، و (عَبْد اللَّهِ) بعده: هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ الصحابيُّ رضي الله عنه.

    قوله: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي): تقدَّم الكلام عليه أعلاه، وأنَّهم الصَّحابة، و (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): التابعون، و (الَّذِينَ يَلُونَهُمْ): أتباع التابعين، وتقدم الكلام أيضًا أعلاه على القرن كم هو، والخلاف فيه، وذكرت فيه عشرة أقوال، والله أعلم.

    قوله: (قَالَ إِبْرَاهِيمُ): (إبراهيم) هذا: تقدم أنَّه النَّخَعيُّ أعلاه.

    قوله: (وَكَانُوا يَضْرِبُونَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ): قيل: هو أن يحلف إذا شهد أو عاهد، وعلى هذا تكون الواو بمعنى: (مع) أو (في)، وذكرتُ فيه قولًا آخر في (الشهادات).

    ==========

    [ج 2 ص 4]

    (1/6799)

    [باب مناقب المهاجرين وفضلهم]

    (بابُ مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ؛ مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ ... ) إلى آخر الترجمة ... وإلى (مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

    قوله: (بابُ مَنَاقِب الْمُهَاجِرِينَ): المناقب: جمع منقَبَة؛ بفتح القاف والموحَّدة؛ وهي المفخَرة.

    تنبيه: وإنَّما قدَّم المهاجرين؛ لأنَّهم أفضل من الأنصار، وسيأتي الكلام على تقديمه جعفرًا بعد الخلفاء الأربعة.

    فإن قيل: لم يذكر في المهاجرين إلَّا جماعة يسيرة؟

    والجواب: أنَّه ذكر ما وقع له على شرطه من الأحاديث التي رواها، وهو في حقِّ ذلك الصحابيِّ منقَبَة، والله أعلم.

    فائدة: قال المازريُّ: اختَلف النَّاس في تفضيل بعض الصَّحابة على بعض؛ فقالت فرقة: لا نُفاضِل بل نُمسِك عن ذلك، وقال الجمهور بالتفضيل، ثم اختلفوا، فقال أهل السُّنَّة: أفضلهم أبو بكر الصِّدِّيق، وقالت الخطَّابية: أفضلهم عمر بن الخطَّاب، وقالت الرَّاونديَّة: أفضلهم العبَّاس، وقالت الشِّيعة: أفضلهم عليٌّ، واتَّفق أهل السُّنَّة على أنَّ أفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم قال جمهورهم: ثم عثمان، ثم عليٌّ، وقال بعض أهل السُّنَّة من أهل الكوفة بتقديم عليٍّ على عثمان، والصَّحيح المشهور: تقديم عثمان، وسأذكر قريبًا هذه المسألة في حديث ابن عمر في (فضل الصِّدِّيق)، وأذكر كلام من ذُكِر فيه الإجماع؛ أعني: في أفضلية أبي بكر، ثم عمر، قال أبو منصور البغداديُّ: أصحابنا مُجمِعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة على الترتيب المذكور، ثم بقيَّة العشرة، ثم أهل بدر، ثم أُحُد، ثم بيعة الرضوان، وممَّن له مزيَّة أهل العقَبتين من الأنصار، وكذلك السابقون الأوَّلون؛ وهم ممَّن صلى القِبلتين في قول ابن المُسَيّب وطائفة، وفي قول الشَّعْبي: أهل بيعة الرضوان، وفي قول عطاء ومحمد بن كعب: أهل بدرٍ، وفي المسألة قولٌ رابعٌ رواه سنيدٌ بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسن قال: فرق ما بينهم فتح مكَّة، انتهى، وقال القاضي عياض: وذهبت طائفة _منهم: ابن عبد البَرِّ_ إلى أنَّ من توفِّي من الصَّحابة في حياة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل ممَّن بقي بعده، وهذا الإطلاق غير مرضيٍّ ولا مقبول.

    واختَلف العلماء في أنَّ التفضيل المذكور هل هو قطعيٌّ أم لا؟ وهل هو في الظاهر والباطن أم في الظاهر خاصة؟ وممن قال بالقطع: أبو الحسن الأشعري، وعليه يدلُّ قول مالك في «المدوَّنة»، والذي مال إليه القاضي أبو بكر واختاره إمام الحرمين في «الإرشاد»: أنَّه ظنِّيٌّ، وبه جزم صاحب «المفهِم»، انتهى، قال القاضي عياض: وهم في التفضيل على ترتيبهم في الإمامة، وممن قال بأنَّه اجتهادٌ ظنِّيٌّ: أبو بكر بن الباقلانيِّ، وذكر

    [ج 2 ص 4]

    (1/6800)

    ابن الباقلانيِّ اختلافَ العلماء في أنَّ التفضيل هل هو في الظاهر أم في الظاهر والباطن جميعًا؟ وكذلك اختلفوا في عائشة وخديجة أيُّهما أفضلُ؟ وفي عائشة وفاطمة رضي الله عنهم، وفي كلام أبي منصور البغداديِّ: أنَّه جعل أهل أُحُد قبل أهل بيعة الرضوان، وقال ابن عبد البَرِّ ما يخالفه، قال ابن عبد البَرِّ في أواخر ديباجة «الاستيعاب» ما لفظه: (وليس في غزواته ما يعدل بها _يعني: بدرًا_ في الفضل ويقرب منها إلَّا غزوة الحديبية حيث كان بيعة الرضوان، انتهى.

    وأمَّا خديجة وعائشة؛ فسأذكر تفضيلًا لأبي العبَّاس ابن تيمية في ذلك، وهو حسنٌ يأتي في مكانه، وأذكر كلام غيره.

    تنبيه: لم أرَ من تعرَّض للسِّتَّة الباقين من العشرة أيُّهم أفضل، والذي ظهر لي أنَّهم في الفضيلة كما عدَّدهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل الذي أذكره في (مناقب عبد الله بن سلام) إن شاء الله تعالى، وأذكره هنا أيضًا، قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «أبو بكر في الجنَّة، وعمر في الجنَّة، وعثمان في الجنَّة، وعليٌّ في الجنَّة، وطلحة في الجنَّة، والزُّبير في الجنَّة، وسعد بن مالك في الجنَّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنَّة، وأبو عبيدة في الجنَّة»، وسكت _ يعني سعيدًا_ عن العاشر، فقالوا: من العاشر؟ قال: سعيد بن زيد؛ يعني: نفسه، قال التِّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.

    ويحتمل أن يقال: أفضل السِّتَّة أسبقهم سبقًا إلى الإسلام، ويحتمل أن يقال: أفضلهم أقربهم إليه عليه السلام من الرِّجال أو من النِّساء، وعلى الاحتمال الثاني يقال: قد أسلم بدعاء أبي بكر رضي الله عنه عثمانُ، والزُّبير، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرَّحمن بن عوف، ثم أسلم أبو عبيدة، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، فاجتمع من الذين سبقوا إلى الإسلام ثمانية أشخاص غير خديجة: علي، وزيد بن حارثة، وأبو بكر، وعثمان، والزُّبير، وعبد الرحمن، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيد الله، وقد روى أبو عمر ابن عبد البَرِّ في «استيعابه» بإسناده إلى عبد الله_يعني: ابن مسعود_ قال: كان أول من أظهر الإسلام سبعة _فذكر رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس هذا المراد_: أبو بكر، وعَمَّار، وسمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، قال ابن عبد البَرِّ: ويروي منصور عن مجاهد قال: (أوَّل من أظهر الإسلام سبعة)، فذكر معنى حديث ابن مسعود إلَّا أنَّه لم يذكر المقداد، وذكر موضعه خبَّابًا.

    غريبة: العشرة المشهود لهم بالجنَّة لا أعلم فيهم خلافًا، وهم الذين ذكرتهم، وهم معروفون للناس الخاصِّ والعامِّ إلَّا ما رأيته في «تاريخ صاحب حماة» في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة ذكر: ابن مسعود، فقال عن بعضهم: إنَّه عدَّه من العشرة، والذي عدَّه أسقط أبا عبيدة، وهذا غريب جدًّا، وأبو عبيدة قرابة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأسلم قبل ابن مسعود.

    (1/6801)

    وقد تؤخذ هذه المسألة من «الاستيعاب» من ترجمة ابن مسعود، فإنَّه ذكر حديثًا عن سعيد بن زيد قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على حراء، فذكر عشرة في الجنَّة: «أبو بكر، وعمر ... » إلى أن قال: «وعبد الله بن مسعود»، ولم يذكر فيهم أبا عبيدة، والظاهر أنَّه لم يكن حاضرًا، وفي سند هذا الحديث: أبو حذيفة موسى بن مسعود، قال الدارقطنيُّ: تفرَّد به أبو حذيفة عن الثَّوريِّ بأن جعل العاشر ابن مسعود، انتهى، وأبو حذيفة هذا أحد شيوخ البخاريِّ، صدوقٌ، يهِمُ، تكلَّم فيه أحمد، وضعَّفه التِّرمذيُّ، وقال ابن خزيمة: لا أحتجُّ به، له ترجمة في «الميزان»، والله أعلم.

    وقد تؤخذ أيضًا من «الاستيعاب» من ترجمة أبي عبيدة، فإنَّه قال فيها: وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنَّة، جاء ذكره فيهم في بعض الروايات، وفي بعضها: (ابن مسعود)، وفي بعضها: (النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، ولم تختلف تلك الآثار في التِّسعة، انتهى.

    قوله: (مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): ما قاله البخاريُّ في اسمه هو الصَّحيح المشهور، وقيل: في اسمه عتيق، والصواب: أنَّ عتيقًا لقبٌ لا اسم، ولُقِّب عتيقًا؛ لعتقه من النار، وقد روى التِّرمذيُّ بإسناده إلى عائشة رفعته: «أبو بكر عتيق الله من النار»، فمِن يومئذٍ سُمِّي عتيقًا، أو لُقِّب به لحسن وجهه وجماله، أو لأنَّ نسبه ليس فيه شيءٌ يُعاب به، وقيل: كان له أخٌ يسمَّى عتيقًا، فمات قبله، فسُمِّي به، وقيل: لأنَّه قديمٌ في الخير، وقيل: إنَّ أمَّه لمَّا ولدته قالت: اللهمَّ هذا عتيقك من الموت ابن أبي قحافة عثمان.

    وأبو قحافة أسلم وصحب رضي الله عنه، وتوفِّي سنة (14 هـ) بعد ابنه أبي بكر، ابن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ التيميُّ، يلتقي أبو بكر معه عليه السلام في مرَّة بن كعب بن لؤيٍّ.

    أمُّ أبي بكر: أمُّ الخير، قيل: سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة، أسلمت أيضًا وصحبت، قال أبو نعيم الأصبهانيُّ: إنَّها ورثت أبا بكر، انتهى، فعلى هذا لا يُعرف خليفة ورثه أبواه إلَّا هو، انتهى، ولا يعرف أربعةٌ متناسلون بعضهم من بعض صحبوا إلا آل أبي بكر؛ وهم: عبد الله بن الزُّبير، وأمُّه أسماء، وأبو بكر، وأبو قحافة، وذكر موسى بن عقبة: أبا عتيق محمَّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وفيه وقفة؛ لأنَّ أبا عتيق محمَّدًا له رؤيةٌ فقط، وعبد الله بن الزُّبير له رؤية ورواية، ولهم ثالثٌ ورابعٌ ذكرتهما في غير هذا الموضع.

    (1/6802)

    مناقب الصديق وترجمته معروفان، أشهر من أن يُذكَرا، ومن مناقبه ما ذكره شيخنا المؤلِّف، فإنَّه قال ما لفظُه: وروي من حديث عمران مرفوعًا: «من رأى أبا بكر في المنام؛ فقد رآه، فإنَّ الشيطان لا يتمثَّل به»، وهو غريبٌ من حديث أيُّوب، تفرَّد به ابن أبي عائشة عبيد الله بن عمر، قال: وله خصائص أُخَر نحو الثلاثين ذكرتها في «العُدَّة في رجال العمدة»، انتهى، وشبَّهه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالخليل إبراهيم في عفوه ووقاره، وبميكائيل رأفةً ورحمةً، توفِّي رضي الله عنه يوم الاثنين لثمانٍ _وقيل: لثلاث_ بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، وله حين توفِّي ثلاث وستُّون سنة؛ كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعمر، وعليٍّ، واختُلِف في السبب الذي مات منه؛ فذكر الواقدي: أنَّه اغتسل في يوم بارد؛ فحُمَّ، ومرض خمسة عشر يومًا، وقال الزُّبيريُّ: كان به طرف من السِّلِّ، وروي عن سلَّام بن أبي مطيع: أنَّه سُمَّ، فالله أعلم.

    (1/6803)

    [حديث: اشترى أبو بكر من عازب رحلًا بثلاثة عشر]

    3652# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ [1]): هذا هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعيُّ، تقدَّم مِرارًا، و (أَبُو إِسْحَاقَ [2]) الذي في السند: هو جدُّ إسرائيل كما سمَّيته.

    قوله: (مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً): تقدَّم أنَّ عازبًا صحابيٌّ، وتقدَّم بعض ترجمته، والرَّحل؛ بالحاء المهملة، معروف، وقد تقدَّم.

    قوله: (فَأَحْيَيْنَا، أَوْ: سَرَيْنَا): (أحيينا)؛ معناه: سرينا، وإنَّما شكَّ الراوي أيُّ اللفظين هو؛ محافظةً على الرِّواية باللَّفظ؛ لأنَّها مسألة وِفاق، وقد تقدَّم الكلام على أسرى وسرى، وأنَّهما لغتان؛ وهو سير الليل.

    قوله: (حَتَّى أَظْهَرْنَا): وفي نسخة: (ظهرنا)؛ بغير همزة، قال ابن قُرقُول: (حتَّى ظهرنا): كذا لهم، وعند أبي ذرٍّ: (أظهرنا)، فـ (ظهرنا)؛ أي: علونا؛ أي: في سيرنا، ويكون (ظهرنا) بمعنى: فُتنا الطالبَ، يقال: ظهرت عنه؛ إذا فُتُّه، ومعنى (أظهرنا): صِرنا في الظهيرة؛ وهي ساعة الزوال؛ لأنَّ الشمس تظهر ذلك الوقت؛ أي: تعلو غاية ما لها أن تعلُوَ، وقال يعقوب: الظَّهيرة: نصف النهار حين تكون الشمس حيال رأسك، وبه سُمِّيت صلاة الظهيرة، وجمع الظهيرة: ظهائر، انتهى.

    قوله: (وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ): هو كناية عن وقوف الشمس وقت الهاجرة كأنَّها لا تبرح، فيكون قيامها كنايةً عنها، أو عن الظِّلِّ؛ لوقوفه حينئذٍ حتَّى يأخذ في الزيادة، وقيل: نحر الظهيرة: أوَّلها.

    قوله: (فَآوِيَ إِلَيْهِ): هو بمدِّ الهمزة، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ): تقدَّم.

    [ج 2 ص 5]

    قوله: (لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ): تقدَّم.

    قوله: (مِنْ لَبَنٍ): تقدَّم الكلام عليه في (أعلام النُّبوَّة)، وكذا تقدَّمت الكُثبة ضبطًا ومعنًى، وكذا (الإِدَاوَة) مرِّاتٍ، وكذا (آن)، وكذا الكلام على (سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ)، وما ضُبط به (جُعْشم)، وكلام «الصِّحاح» في ذلك في (علامات النُّبوَّة).

    قوله: (قَدْ لَحِقَنَا): هو بفتح القاف.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (ابن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعيُّ، يروي عن جدِّه أبي إسحاق السبيعيِّ).

    [2] في هامش (ق): (السبيعيُّ).

    (1/6804)

    [حديث: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما]

    3653# قوله: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ): هو همَّام بن يحيى العَوْذيُّ، تقدَّم، و (ثَابِت): هو ابن أسلم البُنانيُّ، وهذا ظاهرٌ.

    ==========

    [ج 2 ص 6]

    (1/6805)

    [باب قول النبي: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر]

    قوله: (سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ): تنبيهٌ: حديث سعد بن مالك: (أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسدِّ الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب عليٍّ) وهو في «المسند»، وفيه: عبد الله بن الرقيم، انفرد عنه عبد الله بن شريك فيما أعلم، ذكره الذَّهبيُّ في «ميزانه» من جهة الانفراد عنه، فإن لم يكن روى عنه غير عبد الله بن شريك؛ فهو مجهولٌ، وفيه عبد الله بن شريك، وله ترجمة في «الميزان»، وقد رُميَ بالتشيُّع مع مناقبه، وكذا حديث ابن عمر نحوه، وهو موقوف عليه في «المسند»، وستأتي مناقبه، وحديث ابن عبَّاس مثل حديث ابن عُمر، وحديث زيد بن أرقم: «سدُّوا الأبواب إلَّا باب عليٍّ» وهو في «المسند»، وفي سنده ميمون مولى عبد الرحمن بن سمرة، مُتَكَلَّم فيه، والحديث المذكور ممَّا أُنكِر عليه، وحديث جابر: «سدُّوا الأبواب إلَّا باب عليٍّ»، وأومأ بيده إلى عليٍّ؛ لا تصحُّ كلُّها، وقد ذكرها بِرُمَّتها أبو الفرج الحافظ ابن الجوزيِّ في «موضوعاته»، وتكلَّم عليها فردًا فردًا، قال ابن الجوزيِّ عقيب الكلام على هذه الأحاديث: وهذه الأحاديث كلُّها من وضع الرَّافضة، قابلوا بها الحديث المتَّفق على صحَّته، فتُسَدُّ الأبواب غير باب أبي بكر رضي الله عنه، انتهى.

    وقد روى أحمد في «المسند» من حديث ابن عبَّاس حديثًا طويلًا، وفيه: «وسدُّوا أبواب المسجد غير باب عليٍّ»، وهو عند التِّرمذيِّ؛ أعني: أنَّه أمر بسدِّ الأبواب إلَّا باب عليٍّ، في سنده فيهما أبو بَلْج؛ بفتح الموحَّدة، وإسكان اللام، وبالجيم، وهو مُتَكَلَّم فيه، وقد ذكره في «الميزان»، وذكر من مناكيره هذا الحديث وغيره، وقد قال التِّرمذيُّ عقيب إخراجه حديث ابن عبَّاس الذي فيه أبو بَلْج: غريبٌ لا نعرفه عن شعبة إلَّا من هذا الوجه، قال المِزِّيُّ: قال أبو القاسم _يعني: ابن عساكر_: وقد رُوِي عن أبي جعفر عبد الله بن محمَّد بن نُفيل النُّفيليِّ _وهو ثقةٌ_ عن مسكين بن بُكَيْر عن شعبة، وقال الحاكم أبو عبد الله: إنَّ مسكينًا تفرَّد به، وكلاهما وَاهِمٌ في قوله، انتهى.

    وفي «المسند» أيضًا الحديث الموقوف على ابن عُمَر، وفيه: (وسدُّوا الأبواب إلَّا بابه)؛ يعني: باب عليٍّ، وفي سنده هشام بن سعد، وفيه مَقالٌ، وله ترجمة في «الميزان»، وفيه أيضًا عمر بن أَسِيد بن جارية الثقفيُّ، واختُلِف عنه، فروى إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريُّ، عن الزُّهريِّ، عن عَمرو أو عُمَر، وروى مَعْمَر عن الزُّهريِّ عن عُمر بن أبي سفيان، قال أبو زُرعة: عُمر بن أَسِيد أصحُّ، وكذلك ذكره الدارقطنيُّ في «المؤتلف والمختلف»، وقال ابن أبي حاتم: قال أبي: عَمرو بن أبي سفيان بن أَسِيد بن جارية، وقد ذكره المِزِّيُّ في «تهذيبه»، وتابعه الذَّهبيُّ في (عَمرو)؛ بفتح العين، وزيادة واو في آخره، وقد تقدَّم ذلك.

    ==========

    [ج 2 ص 6]

    (1/6806)

    [حديث أبي سعيد: إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده .. ]

    3654# قوله: (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهر أنَّه المسنديُّ، وذلك أنَّي رأيت ترجمة أبي عامر في هذا الحديث، وهو العَقَديُّ عبد الملك بن عمرو في «الكمال» للحافظ عبد الغنيِّ، فرأيته ذكر فيها أنَّه روى عنه المسنديُّ عبد الله بن محمَّد، ولم يذكر فيها أحدًا اسمه عبد الله بن محمَّد سواه، وتقدم (فُلَيْحٌ): أنَّه ابن سليمان، و (سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ): هو بالضَّاد المعجَمة، وقد قدَّمتُ أنَّ نصرًا لا يأتي بالألف واللام، بخلاف النَّضر؛ فإنَّه لا يأتي إلَّا بهما، و (بُسْر بْن سَعِيدٍ): تقدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وبالسين المهملة، وتقدَّم مَن اسمُه بُسْر في «البخاريِّ» و «مسلم»، و (أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان.

    قوله: (أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (أَنْ): النَّاصبة للفعل المضارع؛ بفتح الهمزة، وإسكان النون، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (هُوَ الْمُخَيَّرَ): (المخيَّرَ)؛ بالنصب، و (المخيَّرَ): اسم مفعولٍ.

    قوله: (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ ... )؛ الحديث: معناه: أجود وأكثر وأكرم تفضُّلًا، وليس هو من المنِّ المذموم الذي هو اعتداد الصَّنيعة على المعطَى، وقد تقدَّم.

    قوله: (إِلاَّ بَاب أَبِي بَكْرٍ): (باب أبي بكر): يجوز فيه النَّصب والرَّفع، وهما ظاهران.

    قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُه): يعني: أفضل، وسيأتي ذلك مصرَّحًا به، وفيه إشكالٌ سيأتي قريبًا، قال ابن قُرقُول: وفي (فضل أبي بكر): (ولكن أخوَّة الإسلام)، وعند العذريِّ خاصَّةً: (خُوَّة الإسلام)، وقد تقدَّم الكلام عليه في أول هذا التعليق، ويأتي قريبًا.

    (1/6807)

    [باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم]

    (1/6808)

    [حديث: كنا نخير بين الناس في زمن النبي فنخير أبا بكر]

    3655# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هذا هو سليمان بن بلال، تقدَّم، و (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ): هو الأنصاريُّ قاضي السفَّاح.

    قوله: (كُنَّا نُخَيِّرُ [بَيْنَ] النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ): اعلم أنَّ أفضل الصَّحابة أبو بكر ثم عمر، وممَّن حكى الإجماع على ذلك أبو العبَّاس القرطبيُّ، قال: ولم يختلف في ذلك أحدٌ من أئمَّة السَّلف ولا الخلف، قال: ولا مبالاة بأقوال أهل التشيُّع ولا أهل البِدَع، انتهى، وقد قدَّمتُ المسألة قريبًا، وقد حكى الشافعيُّ وغيره إجماعَ الصَّحابة والتابعين على ذلك؛ ذكره البيهقي في كتاب «الاعتقاد» عن أبي ثور عن الشافعيِّ، قال الشافعيُّ: وإنَّما اختلف من اختلف منهم في عليٍّ وعثمان، انتهى، والخلاف في ذلك ذكره غير واحد، والذي استقرَّ عليه مذهب أهل السُّنَّة تقديم عثمان على عليٍّ؛ لهذا الحديث، وقد رواه التِّرمذيُّ بلفظ: (كنَّا نقول ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ: أبو بكر، وعمر، وعثمان)، قال: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ، ورواه الطبرانيُّ في «الكبير» بلفظٍ هو أصرحُ في التفضيل، وزاد فيه اطِّلاعه عليه السلام على ذلك، وتقريره لذلك، ولفظه: (كنَّا نقولُ ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيٌّ: أفضل هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر، وعُمر، وعُثمان، فيسمع ذلك رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا ينكره) انتهى، ورأيت في حاشيةٍ على «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ بخطِّ أبي إسحاق بن الأمين لفظها [1]: أخْبَرَنا أبو بكر المعافريُّ: حدَّثنا الحسن بن علي بن أيُّوب: حدَّثنا أبو عليِّ بن شاذان: حدَّثنا أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن العبَّاس الجوهريُّ: حدَّثنا الحسن بن بحر بن بهرام: حدَّثنا إبراهيم بن عبد الله الهرويُّ: حدَّثنا هشيم عن مجالد عن الشَّعْبيِّ قال: سمعت شريحًا القاضي قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول على المنبر: (خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم أنا) انتهى.

    تنبيه: قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عليِّ بن أبي طالب ما لفظه:

    [ج 2 ص 6]

    (1/6809)

    من قال بحديث ابن عمر: (كنَّا نقول في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نسكت)؛ يعني: فلا نُفاضِل، وهو الذي أنكره يحيى بن معين، وتكلَّم فيه بكلام غليظ؛ لأنَّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهلُ السُّنَّة من السَّلف والخلف من أهل الفقه والأثر؛ أنَّ عليًّا أفضلُ الناس بعد عثمان، هذا مما لم يختلفوا فيه، وإنَّما اختلفوا في تفضيل عليٍّ وعثمان، واختلف السَّلف أيضًا في تفضيل عليٍّ وأبي بكر، وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليلٌ على أنَّ حديث ابن عُمر وَهَمٌ وغلطٌ، فإنَّه لا يصحُّ معناه وإن كان إسنادُه صحيحًا، ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر، وحديث أبي سعيد: (كنَّا نبيع أمَّهات الأولاد على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، وهم لا يقولون ذلك، فقد ناقضوا، وبالله التوفيق، انتهى.

    (1/6810)

    [باب قول النبي: لو كنت متخذًا خليلًا]

    (1/6811)

    [حديث: لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر]

    3656# 3657# قوله: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى): وفي نسخة: (مُعلَّى بن أسدٍ وموسى بن إسماعيل التَّنوخيُّ): كذا في أصلنا، وفي الهامش ما لفظُه: (وصوابُه: التَّبوذكيُّ)، قال الجيانيُّ في «تقييده» في (الأوهام) وفي باب قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لو كنتُ متَّخذًا خليلًا»: (قال البخاري: حدَّثنا مُعلَّى بن أسد وموسى بن إسماعيل قالا: حدَّثنا وهيب ... ) إلى أن قال: (وفي نسخة أبي ذرٍّ عن المستملي وحده: حدَّثنا مُعلَّى بن أسد وموسى بن إسماعيل التنوخيُّ، وهذا خطأٌ، وإنَّما هو التَّبوذكيُّ)، انتهى، وقد قدَّمت ضبط (التَّبُوْذَكيِّ) فيما مضى، وهو بفتح المثنَّاة فوق، ثم موحَّدة مضمومة، ثم واو ساكنة، ثم ذال معجمة مفتوحة، ثم كاف، ثم ياء النِّسبة، وإنَّما قيل له ذلك؛ لأنَّه اشترى دارًا [1] بتَبوذك، وقيل: نزل في داره قوم منها، وقيل: إنَّه نُسب إلى بيع السَّماد؛ وهو السِّرجين، وقيل: إنَّه نسبة إلى بيع ما في بطون الدَّجاج؛ من الكبد، والقلب، والقانصة، والله أعلم.

    قوله: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ): تقدَّم مِرارًا أنَّه وُهيب بن خالد الكرابيسيُّ الحافظ، و (أَيُّوب): هو ابن تميمة السَّختيانيُّ.

    قوله: (وَقَالَ)؛ يعني: أيُّوب: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً ... ) إلى آخره: هذا هو بالسند الذي قبله: أيُّوب، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس عنه صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس معضَلًا.

    قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ): كذا هو في أصلنا، وقال ابن قُرقُول: وعند العذريِّ خاصَّة: (خوة الإسلام)، انتهى، فقد تقدم ذلك، وقال شيخنا: «ولكن أخوَّة الإسلام» هذا هو الصحيح في هذا الحرف، وحذف الألف لا وجه له في كلام العرب، والوجه الألف؛ كما ذكره البخاريُّ، انتهى، وفي «النِّهاية» في (خوة): (ولكن خوَّة الإسلام)؛ كذا جاء في رواية، وهي لغة في الأُخوَّة، وليس موضعها، وإنَّما ذكرناها لأجل لفظها، انتهى.

    قوله: (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ): قال الداوديُّ: (ما أُراه محفوظًا، فإن لم يكن محفوظًا؛ فمعناه: أنَّ أخوَّة الإسلام دون المخالَّة أفضلُ من المخالَّة دون أخوَّة الإسلام) انتهى، وهذا كلامٌ حسنٌ معقولٌ.

    قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تقدَّم مِرارًا أنَّ هذا عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت الثقفيُّ، وتقدَّم مترجمًا، وتقدَّم (وُهَيْب): ابن خالد الباهليُّ، وكذا (أَيُّوب): ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

    (1/6812)

    [حديث: لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلًا لاتخذته]

    3658# قوله: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عُبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

    قوله: (إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ): هو عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام بن خويلد بن أسد رضي الله عنهما.

    قوله: (أَمَّا الَّذِي قَالَ ... ) إلى قوله: (أَنْزَلَهُ أَبًا): يعني: أبا بكر الصِّدِّيق، وهذا ظاهرٌ من قوله: (يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ)، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 7]

    (1/6813)

    [باب الإشارة إلى خلافته بعد رسول الله]

    (1/6814)

    [حديث: إن لم تجديني فأتي أبا بكر]

    3659# قوله: (حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن الزُّبير، وأنَّه أوَّل شيخٍ حدَّث عنه البخاريُّ في هذا «الصحيح»، وقد تقدَّم الكلام على نسبته هذه لماذا.

    قوله: (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): هذا هو محمَّد بن عُبيد الله بن محمَّد بن زيد الأمويُّ، مولى عثمان بن عفان، أبو ثابت المدنيُّ، عن مالك، وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم، وعنه: البخاريُّ، وأبو زُرعة، وأبو حاتم، وعبَّاس بن الفضل الأسفاطيُّ، وإسماعيل القاضي، وآخرون، قال أبو حاتم: صدوق، أخرج له البخاريُّ ثلاثة عشر حديثًا.

    قوله: (أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذه المرأة لا أعرف اسمها.

    قوله: (كَأَنَّهَا تَقُولُ: الْمَوْتَ): هو منصوبٌ، ونصبه ظاهرٌ، قال القاضي: قائل هذا هو جبير بن مُطعِم راوي الحديث، وروي: (قال أبي)، فإن صحَّ؛ فقائله عنه محمَّد بن جبير المذكور في هذا الحديث، انتهى، وقد ذكر البخاريُّ في (كتاب الأحكام) وقال: (زاد الحُمَيديُّ عن إبرهيم بن سعد: كأنَّها تعني الموت)، وما قاله القاضي في قوله: («قال أبي»، فإن صحَّ؛ فقائله عنه محمَّد بن جبير المذكور في هذا الحديث، انتهى) هو في «صحيح مسلم»، ولفظه: (عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه: أنَّ امرأةً ... )؛ فذكره إلى قوله: (إن جئت ولم أجدك، قال أبي: كأنَّها تعني: الموت) انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 7]

    (1/6815)

    [حديث: رأيت رسول الله وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر]

    3660# قوله: (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ): هذا هو أحمد بن أبي الطيِّب سليمان البغداديُّ، ويعرف بالمروزيِّ، نزيل الريِّ، أبو سليمان، عن إبراهيم بن سعد، وجَرِير بن عبد الحميد، وابن المبارك، وخَلْق، وعنه: البخاريُّ، وأبو زرعة، وأبو بكر الأثرم، وآخرون، ضعَّفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: كان حافظًا كتبنا عنه، قيل له: أصدوق هو؟ قال: على هذا يوضع، أخرج له البخاريُّ والتِّرمذيُّ، له ترجمة في «الميزان»، ذكر له فيها حديثًا منكرًا.

    قوله: (وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هو بفتح الموحَّدة، قال أبو عليِّ الجيَّانيُّ في «تقييده»: على مثال: شَجَرَة، وقال ابن قُرقُول: (وَوَبْرة ... ) إلى أن قال: (كذا قيَّدناه عن شيوخنا في «مسلم»، وقيَّده الجيَّانيُّ بفتح الباء، وكذا قيَّدناه في «البخاريِّ» وهو وَبْرة بن عبد الرحمن المسليُّ).

    قوله: (عَنْ هَمَّامٍ): هذا هو همَّام بن الحارث النَّخَعيُّ، عن عمر وعَمَّار، وعنه: إبراهيم ووبَرة، وكان من العلماء العُبَّاد، مات قبل ابن عبَّاس، أخرج له الجماعة، وقال ابن حبَّان: مات في إمارة عبد الله بن يزيد الخطميِّ على الكوفة سنة خمس وستِّين.

    قوله: (سَمِعْتُ عَمَّاراً يَقُولُ): هو عَمَّار بن ياسر أبو اليقظان رضي الله عنهما، تقدَّم مترجمًا في أوائل هذا التعليق.

    قوله: (وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ، وَأَبُو بَكْرٍ): يحتمل أن يريد خمسةً من هؤلاء الذين أذكرُهم أنا: بلالًا، وعامر بن فُهيرة، وأمَّ عبيس، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة، وأمَّ أيمن، وزيد بن حارثة، وامرأة أخرى ذكرها ابن القَيِّم في «الهَدْي»، وقد سمَّاها ونسبها، ولكن لا يتحرَّر ذلك من سقم النُّسخة التي وقفتُ عليها، ذكرها قبل هجرة الحبشة، وصورتها: جارية بن [1] عديٍّ، قال: وكان عمر يعذِّبها على الإسلام قبل إسلامه، ورأيتهم لمَّا ذكروا أوَّل امرأة بعد خديجة ذكروا فاطمة بنت الخطاب، وبعضهم ذكر لبابة بنت الحارث زوجة العبَّاس، وصهيباء، وسميَّة أمَّ عَمَّار، فهؤلاء أوَّل من أسلم من العَبيد، هذا إن قلنا: إنَّ

    [ج 2 ص 7]

    العبد خلاف الحرِّ، وأمَّا إن قلنا: إنَّ العبد الإنسان، سواء أكان حرًّا أو عبدًا، وهو قولٌ لأهل اللُّغة ذكره شيخنا مجد الدِّين في «قاموسه»؛ فالمراد: خمسة أشخاص ممَّن أسلم أوَّلًا من الرِّجال؛ لأنَّه ذكر امرأتين؛ وهما: خديجة، وإمَّا لبابة بنت الحارث، وإمَّا فاطمة بنت الخطَّاب، وأوَّل مَن أسلم من الذُّكور فمعروف، وهو أبو بكر، أو عليٌّ، وادُّعي فيه الإجماع، ولم يُقبَل من يدَّعيه، وقيل: زيد بن حارثة، ويقال: خديجة، وقد ادُّعي فيها الاتِّفاق، والخلاف في ذلك معروفٌ أيضًا.

    (1/6816)

    وقال ابن شيخنا البلقينيُّ: (من الأعبد: زيد بن حارثة وبلال ... ) إلى أن قال: (ومن الأعبد أبو رافع إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: هرمز، وكان إسلامه مع إسلام أمِّ الفضل، قال: ويجوز أن يُعَدَّ عامر بن فهيرة منهم، فإنَّه أسلم قبل دخوله عليه السلام دار الأرقم، قال: ومنهم: أبو فُكيهة، أسلم حين أسلم بلال) انتهى ملخَّصًا، والله أعلم.

    وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هم: بلال، وزيد بن حارثة، وعامر بن فُهيرة، وأبو فُكيهة، وياسر والد عَمَّار، والمرأتان: خديجة وسميَّة والدة عَمَّار، انتهى.

    (1/6817)

    [حديث: أما صاحبكم فقد غامر]

    3661# قوله: (عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ): هو بضمِّ الموحَّدة وبالسِّين المهملة، معروف، وقد قدَّمتُ مَن يُقال [له]: بُسْر في «البخاريِّ» و «مسلم» غيرَ مرَّةٍ.

    قوله: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ): تقدَّم فيما مضى أنَّه عويمر بن مالك، وقيل: ابن عامر، وقيل: ابن ثعلبة، وقيل غير ذلك، تأخَّر إسلامه، أسلم عقب بدر، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه، وأنَّه توفِّي سنة (32 هـ).

    قوله: (آخِذاً): هو اسم فاعل، وهو منصوبٌ على الحال.

    قوله: (حَتَّى أَبْدَى): أي: أظهر، وهو معتلٌّ غير مهموز، وهذا معروفٌ.

    قوله: (أَمَّا صَاحِبُكُمْ): (أَمَّا) بفتح الهمزة، وتشديد الميم، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (فَقَدْ غَامَرَ): هو بالغين المعجَمة وفتح الميم، قال ابن قُرقُول: فسَّره المستملي عن البخاريِّ: أي: سبق بالخير، قال الشيبانيُّ: المغامرة: المعالجة، ومعناه قريب من هذا؛ أي: سارع، وقد غاضَبَ، وهو (فاعَلَ) من الغِمر؛ وهو الحِقد، وقال الخطَّابيُّ: (معناه: خاصم فدخل في غمرات الخصومة) انتهى.

    قوله: (أَثَمَّ): هو بهمزة الاستفهام، و (ثَمَّ): بفتح الثاء المثلثة، وتشديد الميم؛ بمعنى: أهُناك؟ وقد تقدَّم معناها.

    قوله: (يَتَمَعَّرُ): هو بتشديد العين المهملة؛ كذا في أصلنا؛ أي: يتغيَّر كراهيةً وينقبض، وفي هامش أصلنا إعجام الغين بالقلم نسخة، وعليها علامة راويها، ولم أرَ أنا هذه في «المطالع»، وقد ذكرها ابن الأثير في «نهايته» في العين المهملة، فقال: («فتمعَّر وجهه»؛ أي: تغيَّر، وأصله: قلَّة النَّضارة، وعدم إشراق اللَّون، من قولهم: مكان أمعر، وهو الجدب الذي لا خِصْب فيه)، وذكر في (مغر) بالإعجام: (أيُّكم ابن عبد المطَّلب؟ قالوا: هذا الأمغر المرتفق؛ أي: هو الأحمر المتَّكِئ على مرفقه، مأخوذ من المَغْرة، وهو هذا المدر الأحمر الذي تُصبَغ به الثِّياب، وقد تكرَّر ذكرها في الحديث، وقيل: أراد بالأمغر: الأبيض؛ لأنَّهم يسمُّون الأبيض أحمر) انتهى، فإن صحَّت النُّسخة التي في الهامش؛ فلها معنًى، والله أعلم.

    قوله: (وَوَاسَانِي): هذه معناها ظاهرٌ، قال الجوهريُّ: (وواساه) لغةٌ ضعيفةٌ في (آساه)، يُبنى على (يُواسي)، وقال في (أسَا): وآسيته بمالي مواساةً؛ أي: جعلته أسوتي فيه، وواسيته: لغة ضعيفة فيه، انتهى، وفي هامش أصلنا: (وأوساني)، والظاهر أنَّ معناها: جعلني أسوته، ولا أعلمها أنا لغةً في آساه وواساه، والله أعلم، قال ابن قُرقُول: (وآساني بنفسه وماله)؛ كذا للأصيليِّ، ولبعض شيوخ أبي ذرٍّ: (وواساني)، وهو الصَّواب، انتهى.

    (1/6818)

    قوله: (فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟): الوجه: تاركونَ لي، قال أبو البقاء: (وحذفها غلطٌ من الرُّواة) انتهى، واعلم أنَّ كثيرًا من النَّحْويين قالوا: إنَّه لا يُفصَل بين المتضايفينِ إلَّا في الشِّعر، قال ابن هشام في «التوضيح»: (والحقُّ أنَّ مسائل الفصل سبعٌ، منها ثلاث جائزة في الشِّعر)؛ فذكر الأول، ثم قال: (الثانية: أن يكون المضاف والمضاف إليه إمَّا مفعوله الأول والفاصل مفعوله الثاني؛ كقراءة بعضهم: (فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ) [إبراهيم: 47] أو ظرفه كقوله عليه السلام: «هل أنتم تاركو لي صاحبي») انتهى كلامُه، فالظاهر أنَّ أبا البقاء من الكثير من النُّحاة، والله أعلم.

    قوله: (فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا): (أُوذيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

    (1/6819)

    [حديث: أي الناس أحب إليك]

    3662# قوله: (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ): هذا هو أبو عثمان النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، تقدَّم مترجمًا، واللُّغات الأربعة في (مَلٍّ)؛ وهو تثليث الميم، والرابعة: مَلْء؛ بفتح الميم، وإسكان اللام، ثم همزة.

    قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي): كذا هو في أصلنا بالياء، وقد تقدَّم كلام النوويِّ أنَّ الأصحَّ فيه وفي (ابن الهادي) و (ابن أبي الموالي) و (اليماني): إثبات الياء، وتقدَّم كلام ابن الصَّلاح، والله أعلم.

    قوله: (عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ): هذه السريَّة كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان بعد مؤتة؛ لأنَّ مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان، قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (كانت غزوة ذات السلاسل بعد مؤتة فيما ذكر أهل المغازي سوى ابن إسحاق؛ فإنَّه قال: قبل مؤتة) انتهى، و (ذات السلاسل): من وراء وادي القرى، بينها وبين المدينة عشرة أيام، سميت بماء بأرض جذام يقال له: السَّلسَل، وقال السُّهيلي: (ذات السُّلاسل؛ بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية: ماء بأرض جذام، سُمِّيت به الغزاة)، وكذا قال ابن الأثير: (هو بضمِّ السين الأولى، وكسر الثانية)، فوافق السُّهيليَّ في ذلك، وكأنَّ أصل ابن الأثير الجوهريُّ في «صحاحه»؛ فإنَّه قال: (وماء سَلْسَل وسَلسَال: سهل الدُّخول في الحَلْق؛ لعُذوبته وصفائه، والسُّلاسِل؛ بالضمِّ: مثله) انتهى، والمشهور في ألسنة الناس: ذات السَّلاسِل؛ بفتح الأولى، وكسر الثانية، والله أعلم.

    قوله: (فَأَتَيْتُهُ): أي: أتيت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    ==========

    [ج 2 ص 8]

    (1/6820)

    [حديث: بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب]

    3663# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تقدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تقدَّم (الزُّهْرِيُّ) أنَّه محمَّد بن مسلمٍ، وكذا تقدَّم (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): أنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وتقدَّم مترجمًا، وكذا تقدَّم (أَبُو هُرَيْرَةَ): أنَّه عبد الرحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِه): تقدَّم الكلام على اسم مُكلِّم الذِّئب مطوَّلًا في أول (كتاب الحرث).

    قوله: (عَدَا): هو بالعين المهملة، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (يَوْمَ السَّبُعِ): تقدَّم الكلام عليه وضبطُه في أول (كتاب الحرث).

    قوله: (وَبَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً): تقدَّم أنَّ هذا الرَّجُل لا أعرفه.

    [ج 2 ص 8]

    (1/6821)

    [حديث: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو]

    3664# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تقدَّم مِرارًا أنَّ اسمه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، وتقدَّم مترجمًا، و (عَبْدُ اللَّهِ) بعده: تقدَّم أنَّه ابن المبارك، و (يُونُسَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِي): محمَّد بن مسلم، و (ابْنُ المُسَيّب): سعيد، وتقدم أنَّه بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غير أبيه ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

    قوله: (رَأَيْتُنِي): هو بضمِّ التاء؛ أي: رأيت نفسي.

    قوله: (عَلَى قَلِيبٍ): تقدَّم أنَّه بفتح القاف وكسر اللام: البئر غير المطويَّة.

    قوله: (فَنَزَعْتُ مِنْهَا ... ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ): تقدَّم الكلام على الذَّنوب ضبطًا ومعنًى، وتقدَّم أنَّ هذا شكٌّ من الرَّاوي، وتقدَّم ما عقَّبه به البخاريُّ فيما مضى برواية همَّام عن أبي هريرة: (ذَنوبين)، وكذا الكلام على قوله: (وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ)، وكذا على قوله: (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا (اسْتَحَالَتْ)، وكذا (غَرْبًا)، وكذا (عَبْقَرِيًّا)، وكذا (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ).

    فائدة: قال السُّهيليُّ في «رَوضه» ما لفظه: وقد رأى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه ينزع على قليب، وحولها غنمٌ سود وعُفْر، قال: «ثم جاء أبو بكر، فنزع نزعًا ضعيفًا، والله يغفر له، ثم جاء عمر، فاستحالت غربًا»؛ يعني: الدَّلو ... إلى آخره، قال: فأوَّلها الناس في الخلافة لأبي بكر وعمر، ولولا ذكر الغنم السُّود والعُفر؛ لبعُدت الرُّؤيا عن معنى الخلافة والرِّعاية؛ إذ الغنم السُّود والعُفر عبارة عن العرب والعجَم، وأكثر المحدِّثين لم يذكروا الغنم في هذا الحديث، ذكره البزَّار في «مسنده» وأحمد ابن حنبل أيضًا، وبه يصحُّ المعنى، والله أعلم، انتهى، وقد رأيتُ ما عزاه لـ «مسند أحمد» فيه من حديث أبي الطفيل، وفي آخره: (فأوَّلت السود العرب، والعفر العجَم) انتهى.

    (1/6822)

    [حديث: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة]

    3665# قوله: (حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ): هذا هو ابن المبارك.

    قوله: (خيَلاَءَ): هو بضمِّ الخاء المعجمة وكسرها، ممدود؛ أي: كِبْرًا واستحقارًا للناس.

    قوله: (قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ [1]): أمَّا (موسى)؛ فهو ابن عقبة الإمام المذكور في السَّند، و (سالم): هو ابن عبد الله بن عمر المذكور في السند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    ==========

    [1] في (أ): (سالم)، ولعل المثبت هو الصواب.

    [ج 2 ص 9]

    (1/6823)

    [حديث: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب]

    3666# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تقدَّم مِرارًا أنَّ [1] اسمه الحكم بن نافع، وتقدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

    قوله: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ): تقدَّم الكلام عليه غيرَ مرَّةٍ، وكذا قوله: (بَاب الرَّيَّانِ)، وتقدَّم أيضًا الكلام على أبواب الجنَّة، وأنَّ القرطبيَّ قال: (إنَّها ستة عشر)؛ فانظره في (باب صفة أبواب الجنَّة).

    ==========

    [1] في (أ): (أنه).

    [ج 2 ص 9]

    (1/6824)

    [حديث: أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح]

    3667# 3668# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تقدَّم غير مرَّةٍ أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت مالكٍ الإمام.

    قوله: (بالسُّنحِ): تقدَّم أنَّه بضمِّ السين والنون، وإسكان النُّون أيضًا، وبالحاء المهملتين، منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، بينه وبين منزل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ميلٌ.

    قوله: (قَالَ إِسْمَاعِيلُ): يعني: المذكور في السند ابن عبد الله أبي أويس، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (فَقَبَّلَهُ): تقدَّم أنَّ في «النَّسائيِّ» أنَّه قبَّله بين عينيه، وكذا في «ابن ماجه».

    قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): تقدَّم أنَّه بكسر الرَّاء وفتحها، وهما باختلاف المعنى، وقد تقدَّم ذلك.

    قوله: (فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ): (نَشَج)؛ بفتح النون، والشين المعجمة، والجيم، والنشيج: [صوت] معه توجُّعٌ وبكاءٌ؛ كما يردِّد الصبي بكاءه في صدره، وقد نشَج؛ بالفتح، ينشِج؛ بالكسر، وقد تقدَّم الكلام عليه في (الصلاة).

    قوله: (فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ): تقدَّم الكلام على السَّقيفة.

    قوله: (مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ): يعني: منَّا خليفةٌ، فإذا مات؛ كان منكم خليفة، وذلك أنَّه لا يجوز نَصْب خليفتين معًا.

    قوله: (وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ): تقدَّم أنَّ اسمه عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمين هذه الأُمَّة، تقدَّم.

    قوله: (فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ): هو بالنَّصب، قال السُّهيليُّ: ليس له وجهٌ إلَّا الحال، وقال القاضي: ضبطناه بالنصب، ويصحُّ فيه الرفع على الفاعل، والله أعلم.

    قوله: (نَحْنُ الأُمَرَاءُ): (نحن) يعني: قريشًا، (الأمراء)؛ أي: الخلفاء.

    قوله: (فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ): (حُبَاب)؛ بضمِّ الحاء المهملة، وتخفيف الموحَّدة، وفي آخره موحَّدة أخرى بينهما ألفٌ، وهو حُبَاب بن المنذر بن الجَموح بن زيد بن حرام _بالراء_ بن كعب بن غنم بن كعب بن سلِمة _بكسر اللام_ الخزرجيُّ السَّلَميُّ؛ بفتح السين، وكذا اللام على الأصحِّ، وقد حُكيَ كسرُها ولُحِّن، كنيته أبو عمرو، شهد بدرًا، وكان يقال [له]: ذو الرَّأي، أشار يوم بدر على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن ينزل، وهو القائل يوم السقيفة: (أنا جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجَّبُ)، روى عنه: أبو الطُّفيل، توفِّي في خلافة عمر رضي الله عنهما، لا شيء له في الكتب السِّتَّة، ولا في «المسند» لأحمد، ولا في «مسند بقيِّ بن مَخْلد»، بل قد قال بعض الحُفَّاظ: إنَّه لم يروِ شيئًا، ومات كهلًا.

    قوله: (هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ) يعني: قريشًا (دَاراً)؛ أي: أشرف؛ يعني: مكَّة حاشا البقعة التي ضمَّت أعضاءه صلَّى الله عليه وسلَّم.

    (1/6825)

    قوله: (وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَاباً): (أعرب): بالعين المهملة والراء وبالموحَّدة؛ ومعناه: أبينهم وأصحُّهم، يقال: عربيٌّ بَيِّن العروبة والعروبيَّة، والأحساب: جمع حسَب؛ بالفتح؛ وهو ما يعدُّه الشخص من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه: دِينه، ويقال: ماله، قاله في «الصحاح»، وفي «القاموس» الأقوال الثلاثة، ثم قال: (أو الكرم، أو البال، أو الحسَب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شُرفاء، والشَّرف والمجد لا يكونان إلا بهم)، وقال شيخنا: (وأعرقهم أحسابًا هو بالقاف، وفي بعض نسخه بالباء، وعليها مشى ابن التِّين) انتهى.

    قوله: (فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ): هذا القائل لا أعرف اسمه.

    ==========

    [ج 2 ص 9]

    (1/6826)

    [موقوف ابن سالم: شخص بصر النبي ثم قال في الرفيق الأعلى]

    3669# 3670# قوله: (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ... ) إلى آخره: هذا تعليقٌ بصيغة جزمٍ، فهو صحيحٌ إلى عبد الله بن سالم، وعبد الله بن سالم ليس من شرط الكتاب، وهو أشعريٌّ وُحاظيٌّ حمصيٌّ، كنيته أبو يوسف، يروي عن محمَّد بن زياد الألهانيِّ، وإبراهيم بن أبي عبلة، والزُّبيديِّ، وجماعة، وعنه: عبد الله بن يوسف التِّنِّيسيُّ، وأبو مسهر، وجماعة، أثنى عليه غير واحدٍ، وقال أبو عبيد الآجريِّ: سمعت أبا داود يذمُّه، وكان يقول: (عليٌّ أعان على قتل أبي بكر وعمر) انتهى، وقد كذب في ذلك والله، وقال النَّسائيُّ: ليس به بأسٌ، قال أبو داود: مات سنة (179 هـ)، أخرج له أبو داود والنَّسائيُّ، وعلَّق له البخاريُّ كما ترى، وهو ناصبيٌّ، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد ذكره ابن حبَّان في «ثقاته»، وهذا التعليق ليس في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْه شيخنا.

    [ج 2 ص 9]

    قوله: (عَنِ الزُّبَيْدِيِّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن الوليد الزُّبيديُّ، أبو الهذيل الحمصيُّ، تقدَّم مترجمًا، والزُّبيديُّ بضمِّ الزاي، وهذا معروفٌ.

    قوله: (شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح الشِّين والخاء المعجمتين، وبالصَّاد المهملة؛ أي: ارتفع، وقيل: امتدَّ ولم يطرف، و (بصرُ): مرفوعٌ؛ لأنَّه فاعل، وأشخص بصره: مدَّه ولم يطرف، قال أبو زيد: شخَص البصر يشخَصُ _بالفتح فيهما_ شخوصًا، ولا أعرف الكسر، وإنَّما الكسر إذا عظُم شخصُه.

    قوله: (فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى): قال ابن قُرقُول: أي: اجعلني وألحقني بهم، وهم الأنبياء والصِّدِّيقون والشُّهداء المذكورون في قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، وهو يقع على الجمع والواحد، وقيل: أراد رفق الرفيق، وقيل: أراد مرتفق الجنَّة، وقال الداوديُّ: (هُوَ اسمٌ لكلِّ سماءٍ)، وقال: (الأعلى)؛ لأن الجنَّة فوق ذلك، وأهل اللُّغة لا يعرفون هَذَا، ولعله تصحيفٌ له من (الرقيع)، وقال الجوهريُّ: (الرفيق الأعلى: الجنَّة) انتهى، وهذا الجوهريُّ ليس بصاحب اللُّغة المعروف، وإنَّما هو غيره، وقد نقل عنه ابن قُرقُول في غير موضعٍ، انتهى، وفي «النِّهاية»: الرَّفيق: جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عِلِّيِّين، وهو اسمٌ جاء على (فَعيل)؛ ومعناه: الجماعة؛ كالصَّدِيق والخليط، يقع على الواحد والجمع، ومنه قوله تعالى: {وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، والرَّفيق: المرافِق في الطَّريق، وقيل: معنى (ألحقِني بالرفيق الأعلى): بالله تعالى، يقال: الله رفيقٌ بعباده، من الرِّفق والرَّأفة، فهو (فعيلٌ) بمعنى: فاعل، انتهى.

    (1/6827)

    [حديث: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟]

    3671# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الكاف، وكسر الثاء المثلَّثة، وهذا ظاهرٌ معروفٌ عند أهله، و (سُفْيَان) بعده: تقدَّم أنَّه _فيما يظهر_ الثوريُّ، وقد قدَّمتُ مستندي في ذلك.

    قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى): هو منذر بن يعلى الثوريُّ، يروي عن ابن الحنفيَّة، والرَّبيع بن خُثَيم، وسعيد بن جُبَير، وغيرهم، وعنه: جامع بن أبي راشد، والأعمش، ومحمَّد بن سوقة، وفطر بن خليفة، وآخرون، وثَّقه ابن معينٍ وابن خراش، أخرج له الجماعة، تقدَّم، و (مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة): هو محمَّد بن عليِّ بن أبي طالب، تقدَّم الكلام عليه وعلى أُمِّه، واسمها خولة، وذكرتُ نسَبَها.

    تنبيه: قوله: (وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ): ذكر بعض الحُفَّاظ العصريِّين: روينا في الجزء الثاني من حديث أبي بكر الثقفيِّ: أنَّ عليًّا سُئلَ مرَّةً أخرى: مَن الثالث؟ فقال: (عثمان بن عفَّان)، وفي إسناده إرسالٌ، انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 10]

    (1/6828)

    [حديث عائشة: خرجنا مع رسول الله في بعض أسفاره]

    3672# قوله: (فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ): تقدَّم الكلام على هذه السَّفرة، وعلى (البيداء) و (ذات الجيش)، واسم المكان الَّذِي سقط به العِقد، وأنَّه يقال له: الضلضل، وعلى انقطاع العِقد، وأنَّه سقط مرَّتين، وذكرت لأيِّ شيءٍ قيل ذلك، وذكرتُ مستنده حديثًا؛ كلُّ ذلك في (التيمُّم)، وكذا (وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي): أنَّه بضمِّ العين وفتحها، وكذا (إِلاَّ مَكَانُ): أنَّه بالرفع؛ لأنّه مفرَّغٌ، وكذا على قوله: (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ)، وكذا الكلام على آية التيمُّم الَّتِي أُنزِلت في ذلك، والاختلاف فيها، وكذا على (أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ)، وأنَّه وأباه بضمِّ أوَّلهما، وكذا (فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ)؛ أَيْ: أثرناه وأقمناه من بُروكه.

    ==========

    [ج 2 ص 10]

    (1/6829)

    [حديث: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ .. ]

    3673# قوله: (عَنِ الأَعْمَشِ): تقدَّم مِرارًا كثيرة أنَّه سُليمان بن مهران، و (ذَكْوَان) بعده: هُوَ أبو صالح السَّمَّان الزَّيَّات، و (أبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ): سعد بن مالك بن سنان، صحابيٌّ مشهور، تقدَّم مِرارًا.

    قوله: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي): اعلم أنَّ سبَّ الواحد منهم حرامٌ من فواحش المحرَّمات، كبيرةٌ من الكبائر، سواءٌ من لابس منهم الفِتَن وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب، وسبُّ الواحد منهم كبيرة، كما قاله القاضي عياض، ومذهب الجمهور أنَّه يُعزَّر سابُّهم ولا يُقتَل، وقال بعض المالكيَّة: يُقتَل، ذكره النَّوويُّ في «شرح مسلم» انتهى، وعن القاضي الحسين في (باب إمامة المرأة) من (كتاب الصلاة): (أنَّ مَن سبَّ الشَّيخين والحسن والحسين هل يكفر أو يفسق؟ فِيْهِ وجهان) انتهى.

    تنبيه: الصَّحابة كلُّهم عدولٌ؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةًوَسَطًا} [البقرة: 143]، ولقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ولغير حديثٍ صحيح، ولإجماع مَن يُعتدُّ به في الإجماع من الأئمَّة على تعديل من لم يُلابِسِ الفِتَنَ منهم، وأمَّا مَن لابس الفِتَن منهم، وذلك من مقتل عثمان؛ فأجمع من يُعتَدُّ به في الإجماع على تعديلهم؛ إحسانًا للظَّنِّ بهم، وحملًا لهم في ذلك على الاجتهاد، كذا حكى إجماع الأُمَّة على تعديل مَن لم يُلابس الفتن منهم أبو عمرو بن الصَّلاح، وفيه نظرٌ؛ فقد حكى الآمديُّ وابن الحاجب قولًا: أنَّهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقًا، وقولًا آخر: أنَّهم عدولٌ إلى وقوع الفِتَن، فأمَّا بعد ذلك؛ فلا بدَّ من البحث عمَّن ليس بظاهر العدالة، وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليًّا منهم، وقيل: يُرَدُّ الداخلون في الفتن كلُّهم؛ لأنَّ أحد الفريقين فاسقٌ من غير تعيينٍ، وقيل: يُقبَل الداخل فيها إذا انفرد؛ لأنَّ الأصل العدالة، وشككنا في فسقِه، ولا يُقبَل مع يخالفه؛ لتحقيق فسق أحدهما من غير تعيين، والذي عليه الجمهور _كما قال الآمدي وابن الحاجب_ أنَّهم عدولٌ كلُّهم مطلقًا، وقال الآمديُّ: إنَّه المختار، وحَكى ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: إجماع أهل الحقِّ من المسلمين _وهم أهل السُّنَّة والجماعة_ على أنَّ الصَّحابة عدولٌ.

    تنبيه: حكى بعضُهم عن الإمام الشَّافعيِّ: (أنَّهم عدولٌ إلَّا أربعة: معاوية، وعمرو بن العاصي، والمغيرة بن شُعبة، وزياد) انتهى، وزياد ليس صحابيًّا، والله أعلم.

    تنبيه ثالث: لو قال قائلٌ من النَّاس: أنا لا أسبُّ أحدًا منهم، لكنِّي أُقدِّم عمر على أبي بكر، أو أُقدِّم عليًّا على أبي بكر، أو أُقدِّم فلانًا [1] من الصَّحابة على أبي بكر، فماذا يلزمني؟

    (1/6830)

    والجواب: أنَّ مذهب عمر وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ من فضَّل على أبي بكر أحدًا من الصَّحابة؛ فإنَّه يُجلد حدَّ المفتري؛ يعني: ثمانين جلدةً، وقد روى شعبة عن حُصين عن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى: أنَّ الجارود بن المُعلَّى العَبْديَّ قال: أبو بكر خيرٌ من عمر، فقال آخر: عمر خيرٌ من أبي بكر، فبلغ ذلك عمرَ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، فضربه بالدُّرَّة حتَّى شغر بِرِجْليه، وقال: إنَّ أبا بكر صاحب رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان أخيرَ النَّاس في كذا وكذا، من قال غير ذلك؛ وجب عليه حدُّ المفتري، ورَوى حجَّاج بن دينارٍ عَنْ أبي معشرٍ عَنْ إبراهيم عَنْ علقمة قال: (سمعت عليًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول: بلغني أنَّ قومًا يفضِّلوني على أبي بكر وعمر، من قال شيئًا من ذلك عليه ما على المفتري)، وعن أبي عُبيدة بن الحكم عَن الحكم _كذا في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ_ ابن جحل: (أنَّ عليًّا قال: لا أوتى برجلٍ فضَّلني على أبي بكر وعمر إلَّا جلدته حدَّ المفتري)، ذكر هذه الآثارَ الذهبيُّ في «الكبائر» له، وهو في (الكبيرة السابعة والخمسون)، والله أعلم، وذكر الطريق الآخر إلى عليٍّ ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    قوله: (أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً؛ مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ): الحديث في «مسند عبد بن حميد» من حديث أبي سعيد: «لو أنفق كلَّ يوم مثل أحُدٍ ذهبًا؛ لم يبلغ مُدَّ أحدهم» انتهى.

    قوله: (مُدَّ أَحَدِهِمْ): هو المُدُّ المعروف بضمِّ الميم، وهو واحد الأمداد؛ وهو ربع الصَّاع، وقال شيخنا: قال الخطَّابيُّ: ويُروى: (مَدَّ)؛ بفتح الميم، يريد: الفضل والطَّول، انتهى.

    قوله: (وَلاَ نَصِيفَهُ): النَّصيف؛ بفتح النون وكسر الصاد: النِّصف، وفي النِّصف ثلاث لغات: نصْف؛ بكسر النون وضمِّها، ونَصيف؛ بزيادة ياءٍ، حكاهنَّ غيرُ واحدٍ، وقال شيخنا: النَّصيف هنا: مكيالٌ يُكالُ به، انتهى.

    قوله: (تَابَعَهُ جَرِيرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَمُحَاضِرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ): الضمير في (تابعه) يعود على شعبة، ومتابعة جريرٍ أخرجها مسلمٌ في (الفضائل) عَنْ عثمان بن أبي شيبة، عَنْ جرير، عَن الأعمش، وباقي المتابعات لَمْ تكن في شيء من الكتب السِّتَّة، ولا عزا شيخنا شيئًا من جميعها، و (جَرِيرٌ): هُوَ ابن عبد الحميد، تقدَّم، و (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ): جدُّه اسمه عامر بن الربيع الخُريبيُّ، والخُريبة: محلَّة بالبصرة، وهو أحد الثِّقات الأعلام، تقدَّم، أخرج له البخاريُّ والأربعة، و (أَبُو مُعَاوِيَةَ): محمَّد بن خازم _بالخاء المعجمة_ الضرير، تقدَّم، أخرج له الجماعة، وهو أحد الأئمَّة الثِّقات، له ترجمةٌ في «الميزان»، و (مُحَاضِرٌ): هو ابن المورِّع، صدوقٌ مغفَّلٌ، علَّق له البخاريُّ، وروى عنه مسلمٌ حديثًا واحدًا، وأبو داود، والنَّسائيُّ، توفِّي سنة (206 هـ)، له ترجمة في «الميزان»، وهو فردٌ، والله أعلم.

    (1/6831)

    [حديث: ائذن له وبشره بالجنة]

    3674# قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ): هَذَا هُوَ سليمان بن بلال، تقدَّم مِرارًا، و (شَرِيكُ ابنُ أَبِي نَمِرٍ): هو شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، تقدَّم بعض ترجمته، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): تقدَّم أنَّ ياء أبيه بالكسر والفتح، وأنَّ غير أبيه لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

    قوله: (وَجَّهَ [هَا] هُنَا): (وَجَّه)؛ بفتح الواو، وتشديد الجيم: فعل ماضٍ؛ أي: توجَّه، كذا ضبطه النَّوويُّ في «رياضه»، وقال ابن قُرقُول في «مطالعه»: وقيَّده بعض شيوخنا: (وجْه)؛ بسكون الجيم؛ أي: هذه الجهة، ورجَّحه بعضهم، انتهى، وما قاله عَنْ بعض شيوخه هُوَ نسخةٌ في هامش أصلنا الَّذِي سمعنا فِيْهِ عَلى العراقيِّ.

    قوله: (فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ): تقدَّم أنَّه يقال: إِثْر وأثَر، وتقدَّم [ما] قاله شيخنا فِيهِ.

    قوله: (بِئْرَ أَرِيْسٍ): هو بفتح الهمزة، وكسر الرَّاء المخفَّفة، ثُمَّ مثنَّاة تحت ساكنة، ثُمَّ سين مهملة، قال النَّوويُّ في «رياضه»: في أريس الصرف وعدمه، وفي «شرح مسلم» في (فضل عثمان) ذكر الصرف فقط، وهي بئرٌ معروفةٌ بقرب مسجد قباء خارج مدينة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

    قوله: (وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا): القُفُّ؛ بضمِّ القاف وتشديد الفاء، قال ابن قُرقُول: البناء حول البئر، والقفُّ أيضًا: حجرٌ في وسط البئر،

    [ج 2 ص 10]

    وهو أيضًا سقياها، وهو أيضًا مصبُّها؛ أَيْ: مَصَبُّ الدَّلو، وفي «النِّهاية»: قُفُّ البئر: هُوَ الدِّكَّة التي تُجعَل حولها، وأصل القُفِّ: ما غلُظ من الأرض وارتفع، أو هو من القفِّ اليابس؛ لأنَّ ما ارتفع حول البئر يكون يابسًا في الغالب، انتهى.

    قوله: (أَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ): هذا لا يخالف ما سيجيء في مناقب عثمان: (وأمرني بحفظ باب الحائط) خلافًا للداوديِّ، فإنَّ كونه بوَّابًا ناشئٌ عَنْ أمره عَلَيْهِ السَّلام.

    قوله: (عَلَى رِسْلِكَ): تقدَّم أنَّه يُقال بفتح الراء وكسرها باختلاف المعنى، وتقدَّم معناها.

    (1/6832)

    قوله: (فقلْتُ ... أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فقال: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجنَّةِ): تنبيه: ذكر شيخنا أنَّه روي عَنْ أنس لمَّا كان عَلَيْهِ السَّلام في البستان: أنَّه بشَّر الصِّدِّيق ثُمَّ عمر ثُمَّ عثمان بالخلافة والجنَّة، قال أَبُو سعيد الكنجروديُّ في «عوالي الصَّحابة»: (قيل: تفرَّد به الصهر بن عبد الرَّحمن، وكلُّهم ثقاتٌ) انتهى، وقد ذكر الذهبيُّ في «ميزانه»: في ترجمة عبد الأعلى بن أبي المساور حديثًا من جملة ما أنكر عليه وعزاه للطبرانيِّ: حدَّثنا محمَّد بن الحسين الأنماطيُّ: حدَّثنا سعيد بن سليمان: حدَّثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عَن المختار بن فلفل عَنْ أنسٍ: دخل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم حائطًا، فجاء رجلٌ فقرع الباب، فقال: «يا أنس؛ افتح وبشِّره بالجنَّة وأنَّه سيلي الأمر من بعدي» ففتحت؛ فإذا أبو بكر، انتهى، وهذا الَّذِي ظهر في نقدي أنَّه منكرٌ؛ لأنَّ أنسًا لَمْ يكن معهم يوم بئر أريس، ولأنَّ الآذن عليه في بئر أريس أَبُو موسى الأشعريُّ، وتعدُّد الواقعة فِيْهِ بُعْدٌ، وفيه أنَّه لَمْ يذكر معه أحدًا، بل الصِّدِّيق وحده، والله أعلم، ولا شكَّ أنَّ ما ذكره الذهبيُّ في هذه الترجمة إلَّا لنكارته أو غرابته عليه، والله أعلم.

    قوله: (وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ): أخو أبي موسى هَذَا لا أعرفه بعينه، لكن قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: (هُوَ أبو رهم، أو أبو بردة) انتهى، وله إخوةٌ فيما أعلم؛ أحدهم: أبو بردة بن قيس، واسمه عامر، صحابيٌّ، وله رواية في «مسند أحمد»، وله في «مسند بقيٍّ» حديثٌ واحدٌ، قدم على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عام خيبر، روى عنه: ابنه بُريد وكريب بن الحارث بن أبي موسى، وله أخٌ ثانٍ: أبو رهم، صحابيٌّ أيضًا، وله أخٌ ثالث: اسمه مجدي بن قيس الأشعريُّ، استدركه الغسانيُّ، صحابيٌّ، وقيل: أبو رهم اسمه مجدي، وأخٌ رابع: اسمه محمَّد بن قيس، ورد في حديث لا يصحُّ، وله أخٌ آخر: كنيته أبو عامر، اسمه هانئ، وقيل: عبد الرَّحمن، وقيل: عُبيد، وقيل: عبَّاد، ذكره الذهبيُّ في «تجريده» في «الكنى»، ولا أعلم مَن أراد مِن هؤلاء إلَّا ما ذكرته فيما مضى قريبًا عَنْ بعض الحُفَّاظ، والله أعلم.

    قوله: (قَدْ مُلِئَ): هُوَ مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، مهموز الآخر.

    قوله: (وجَاهَهُ): هُوَ بكسر الواو وضمِّها لغتان، ومعناهما المقابلة، وقد حكى اللُّغتين الجوهريُّ وابن قُرقُول وابن الأثير.

    قوله: (شَرِيكٌ): هو ابن عبد الله بن أبي نمر المذكور في السند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ): يعني: في اجتماعهم في مكانٍ قريبٍ بعضهم من بعض، وكذا جاء في «الصحيح»: (اجتمعوا ههنا وانفرد عثمان)؛ يعني: في البقيع، وليس المراد من أنَّهم في المدفن واحد عَنْ يمينه والآخر عَنْ شماله؛ وذلك لأنَّ في صفة قبورهم ثلاثة أقوال؛ فقيل: هكذا:

    وَهوَ الأكثر، وقال النَّوويُّ: المشهور الصِّفة الأولى، قال: لأنَّ رأس أبي بكرٍ عند منكب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو هكذا:

    (1/6833)

    أو هكذا:

    وسيأتي ما يوهِم كيفيَّةً أخرى، وقد روى أبو داود بسنده عَن القاسم بن محمَّد قال: (دخلت على عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها فقلت: يا أُمَّتاه؛ اكشفي لي عن قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحبَيهِ، فكشفت لي عَنْ ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء)، رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ، والحاكم بزيادة: (فرأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقدَّمًا، وأبا بكر رأسُه بين كتفي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعمر رأسه عند رِجْلَي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، ثُمَّ قال: هَذَا حديث صحيح الإسناد، انتهى.

    تنبيه: رأيت في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» عَنْ عائشة _بإسنادٍ فِيْهِ عوبدٌ عَنْ أبيه؛ وهو أبو عمران الجونيُّ، وفيه ابن بابنوس؛ وهو يزيد، وسأذكر ترجمتهما قريبًا وفِي (باب مرض النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) _ حديثًا طويلًا وفي آخره: (أدخِلوه فادفنوه معه _يعني: عمر_ أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره)، ولكنَّ هذا حديث في إسناده عوبد، وهو متروك، وفيه ابن بابنوس، ولم يروِ عنه إلَّا أبو عمران الجونيُّ، فهو مجهولٌ، وحديث القاسم صحيحٌ، وقد قدَّمته أعلاه، والله أعلم.

    (1/6834)

    [حديث: اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان]

    3675# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تقدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدار، و (يَحْيَى) بعده: تقدَّم أنَّه يحيى بن سعيد القطَّان الحافظ شيخ الحُفَّاظ، و (سَعِيد) بعده: هو ابن أبي عروبة، وقد قدَّمت ما قاله شيخنا في «القاموس» فِيْهِ.

    ==========

    [ج 2 ص 11]

    (1/6835)

    [حديث: بينما أنا على بئر أنزع منها جاءني أبو بكر وعمر]

    3676# قوله: (حَدَّثَنَا صَخْرٌ): هذا هو ابن جويرية البصريُّ، مولى بني نميرٍ، مشهورٌ.

    قوله: (فَنَزَعَ ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ): تقدَّم أنَّ هَذَا شكٌّ من الرَّاوي، وتقدَّم أنَّ البخاريَّ قال: (وقال همَّام عَنْ أبي هريرة: ذنوبين)، وتقدَّم الكلام على الذَّنوب، وتقدَّم الكلام على الضِّعف الَّذِي نزعه ما هو، وتقدَّم الكلام على قوله: (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا قوله: (فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً)، وكذا (عَبْقَرِيًّا)، وكذا (يَفْرِي فَرِيَّهُ)، وكذا (بِعَطَنٍ).

    قوله: (قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ ... ) إلى آخره: (وهب) هذا: هو وهب بن جريرٍ المذكور في السَّند، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (فَأَنَاخَتْ): قيل: حقُّ الكلام: فأُنيخَت؛ أي: بُرِّكت، قال شيخنا في «القاموس»: (تَنَوَّخَ الجمل النَّاقة: أبركها للسِّفاد؛ كأناخها، فاستناخت وتنوَّخت، ولا يقال: ناخت، ولا: أناخت) انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 11]

    (1/6836)

    [حديث: إني لواقف في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب وقد وضع]

    3677# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وقدَّمت أنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

    قوله: (إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي): سيأتي أنَّه عليُّ بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    قوله: (وَضَعَ مِرْفَقَه): تقدَّم أنَّ في المرفق لُغتين: فتح الميم وكسر الفاء، وتُكسَر مَعَ فتح الفاء.

    قوله: (عَلَى مَنْكِبِي): هُوَ بالإفراد [1]، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (مَعَ صَاحِبَيْكَ): يعني: النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر، وهذا معروفٌ، ويُعرَف أيضًا ممَّا بعده.

    قوله: (فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا): (أنْ) التي مع (يجعلك): مخفَّفة من الثقيلة، فعلى هَذَا (يجعلك) مرفوع، ويحتمل أن تكون ناصبة، و (يجعلك الله) مدلَّسة في أصلنا، والله أعلم.

    (1/6837)

    [حديث: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي وهو يصلي ... ]

    3678# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ): قال الكلاباذيُّ: هَذَا محمَّد بن يزيد البزَّاز الكوفيُّ، وليس بأبي هشام محمَّد بن يزيد الرفاعيِّ، وكذلك قال أبو عبد الله النيسابوريُّ، قال البخاريُّ: محمَّد بن يزيد الكوفيُّ سمع الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة، وكذلك قال ابن أبي حاتم، قال: وسمعت أبي يقول: هُوَ مجهولٌ، انتهى كلام الجيَّانيِّ، ومحمد بن يزيد الحزاميُّ الكوفيُّ البزَّاز يروي عن شريك وابن المبارك، وعنه: البخاريُّ، والفسويُّ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثقةٌ، أخرج له البخاريُّ فقط، قال الذهبيُّ في «ميزانه»: (محمَّد بن يزيد الكوفيُّ عن الوليد بن مسلم، مجهولٌ، قلت: هو الحزاميُّ البزَّاز، روى عَنْ أبي بكر بن عياش وابن عيينة، وعنه: البخاريُّ، والدَّارميُّ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة) انتهى، وأما محمَّد بن يزيد أبو هشام الرفاعيُّ الكوفيُّ قاضي بغداد؛ فلم [1] يُخرِّج له البخاريُّ، إنَّما روى له مسلمٌ، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، ضعَّفه ابن معينٍ وأبو حاتمٍ، وله ترجمة في «الميزان».

    قوله: (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ): هو ابن مسلم، عالم أهل الشَّام، و (الأَوْزَاعِيُّ): تقدَّم مِرارًا أنَّه أبو عمرو عبد الرَّحمن بن عمرو، وتقدَّمت ترجمته، و (يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ): تقدَّم أنَّه بفتح الكاف وكسر الثاء المثلَّثة.

    [ج 2 ص 11]

    قوله: (عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ): (أشدِّ)؛ بالجر؛ لأنَّه مضافٌ إلى (ما) بمعنى: الذي، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ): (عقبة): كافر معروفٌ، قُتِل صبرًا بعرق الظُّبية بعد أن أُسِرَ ببدر، قتله بأمره عليه السلام عاصمُ بن ثابت بن أبي الأقلح؛ بالقاف والحاء المهملة، وقيل: عليُّ بن أبي طالب، والذي أسره عبد الله بن سلِمة؛ بكسر اللام.

    قوله: (خَنقاً شَدِيداً): هو بكسر النُّون والإسكان، كذا ذكر كسر النُّون غيرُ واحدٍ من أهل اللُّغة، والإسكان ذكره ابن قُرقُول، ولفظه على ما في نسختي بـ «المطالع»: بضبط المصدر بفتح النُّون والإسكان، والظاهر أنَّ هذا غلطٌ، ولعل _أو ألبتُّ_ صوابه بكسر النون، فإن كان ما في نسختي صحيحًا؛ ففيه ثلاث لغاتٍ، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (أ): (فلن)، ولعل المثبت هو الصواب.

    (1/6838)

    [باب مناقب عمر بن الخطاب]

    (بابُ مَنَاقِب عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) ... إلى (مَنَاقِبِ عُثْمَانَ) رَضِيَ اللهُ عَنْهُما

    هو أبو حفص عمر بن الخطاب _ولم يُسْلم الخطَّاب، وأظنُّ أنَّه هلك قبل المبعث_ ابن نفيل بن عبد العُزَّى بن رِياح _بكسر الراء، وبالمثنَّاة تحت_ ابن عبد الله بن قرط بن رَزاح _بفتح الراء، ثم زاي مخفَّفة، وفي آخره حاء مُهمَلة، تنبيه: قال السُّهيليُّ في «رَوضه» في نسب عمر رضي الله عنه: (رِزاح: بكسر الراء قيَّده الشيخ أبو بحر، وزعم الدارقطنيُّ أنَّه بالفتح، وإنَّما رِزاح بكسر الراء رزاح بن ربيعة أخو قُصَيٍّ لأُمِّه) انتهى، وكذا قال الأمير: (إنَّ رَزاحًا جدَّ عمر بالفتح، ورِزاح بن ربيعة بكسر الراء، والله أعلم_ ابن عديِّ بن كعب بن لؤيِّ بن غالب، يلتقي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كعب بن لؤيٍّ، واتفقوا على أنَّ أُمَّه حَنْتَمة؛ بفتح الحاء المهملة، ثم نون ساكنة، ثم مثنَّاة فوق مفتوحة، ثم ميم، ثم تاء التأنيث، ولم تُسلِم، بنت هاشم _ويقال: هشام_ ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب، فمن قال: أُمُّه بنت هشام؛ كانت أختَ أبي جهلٍ، ومن قال: بنت هاشم؛ كانت بنتَ عمِّه، قال ابن عبد البَرِّ: (الصحيح: بنت هاشم، ومن قال: بنت هشام؛ فقد أخطأ).

    مناقبه كثيرةٌ جَمَّة، وسيأتي في إسلامه متى أسلم، واتَّفقوا على تسميته بالفاروق، وروي عن عائشة رضي الله عنها أنَّه عليه السَّلام سمَّاه الفاروق، وأمَّا تكنيته بأبي حفص؛ فكناه بها أيضًا عليه السَّلام يوم بدر، والقصَّة بذلك مشهورةٌ.

    طُعن يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وعشرين، ودُفِنَ يوم الأحد هلال المحرَّم سنة أربع وعشرين، وفي «تاريخ المدينة» لابن حسين الإمام زين الدِّين عن «العتبيَّة»: (أنَّ عمر مات من اليوم الذي طُعِنَ فيه) انتهى، وقيل: تُوفِّي لأربعٍ بقينَ من ذي الحجَّة، وقيل: لثلاثٍ، وقيل: لِلَيلة، وقيل غير ذلك، وكان له حين توفِّي ثلاث وستُّون سنةً؛ كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعليٍّ، وهذا تقدَّم، وقد قيل: في مبلغ سنِّه سبعة أقوالٍ أخرى، ذكر أبو الفرج بن الجوزيِّ في «تلقيحه» منها سبعة، وذكر الثمانية شيخنا في أوَّل شرح هذا «الصحيح» في ترجمة عمر في حديث «الأعمال بالنِّيَّات»، وسيأتي الكلام على قاتله في (مناقب عثمان) عند ذكره، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 12]

    (1/6839)

    [حديث: رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ... ]

    3679# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونُ): تقدَّم ضبط (الماجِشُون) ومعناه.

    قوله: (رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ): تقدَّم أنَّه بضمِّ التاء؛ أي: رأيتُ نفسي.

    قوله: (فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ، امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ): هي بضمِّ الراء، وفتح الميم، وبالصَّاد المهملة، ثم همزة ممدودة، وهي أمُّ سُليم، وقد قدَّمتُ الخلاف في اسمها؛ فقيل: سهيلة، وقيل: رُميلة، وقيل: رُميثة، وقيل: مُليكة، وقيل: الرُّميصاء، وقيل: الغميصاء بنت ملحان الخزرجية، والدة أنس بن مالك، صحابيَّة فاضلة لبيبة، مناقبها جمَّة، خرَّج لها أحمد في «المسند»، والبخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وقد قيل: إنَّها خالة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: خالة أبيه، وقيل: خالة جدِّه، وقد تقدَّم الكلام في ذلك مطوَّلًا، وكلام أبي محمَّد الدِّمياطيِّ وإنكارُه ذلك في أختها أمِّ حرام، والله أعلم.

    و (أبو طلحة): تقدَّم أنَّه زيد بن سهيل، وتقدَّم بعض ترجمته رضي الله عنه.

    قوله: (وَسَمِعْتُ خَشفَةً): الخَشْفَة؛ بفتح الخاء وإسكان الشِّين المعجَمتين، ثم فاء مفتوحة، ثم تاء التأنيث: هي صوتُ حركةٍ ليس بالشديد، قاله أبو عُبيد، وقال الفرَّاء: هو الصوت الواحد، وبتحريك الشين: الحركة، قاله ابن قُرقُول، وقال ابن الأثير: الخَشْفة؛ بالسكون: الحسُّ والحركة، وقيل: هي الصوت، والخشَفة؛ بالتحريك: الحركة، وقيل: هما بمعنًى، وكذلك الخَشَف.

    قوله: (بِفِنَائِهِ): تقدَّم ما الفِناء.

    قوله: (فَإِذَا امْرَأَةٌ ... إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ): تقدَّم في (صفة الجنَّة): (تتوضَّأ إلى جانب قصرٍ)، وقد تقدَّم الكلام عليه هناك.

    (1/6840)

    [حديث: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ ... ]

    3680# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تقدَّم مِرارًا أنَّه سعيد ابن أبي مريم الحكم، وتقدَّم (اللَّيْثُ) بعده: أنَّه ابن سعد الإمام المشهور، وتقدَّم (عُقَيْلٌ): أنَّه بضمِّ العين، وفتح القاف، وأنَّه ابن خالد، وقدَّمت من يقال له: (عُقَيل) كهذا في «البخاري» و «مسلم» غير مرة، وتَقَدَّم (ابْنُ شِهَابٍ): أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهري، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب)، والكلام على ياء أبيه أنَّها بالفتح والكسر، بخلاف غيره ممَّن اسمه المسيَّب؛ فإنَّه لا يجوز فيه إلَّا الفتح.

    قوله: (رَأَيْتُنِي): تَقَدَّم أعلاه أنَّها بضمِّ التاء؛ أي: رأيت نفسي.

    قوله: (تَتَوَضَّأُ): تَقَدَّم الكلام على (تتوضَّأ) في (باب صفة الجنَّة).

    قوله: (فَبَكَى عُمَر): تَقَدَّم أنَّه بكى إمَّا سرورًا، وإمَّا تشوُّقًا إلى ذلك، احتمالان تَقَدَّما.

    (1/6841)

    [حديث: بينا أنا نائم شربت حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري]

    3681# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَاْرَكِ): هو عبد الله العالم المشهور، شيخ خراسان، و (يُونُس): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، و (الزُّهْرِي): محمَّد بن مسلم، و (حَمْزَةُ): هو بالحاء المهملة، والزاي، و (أَبُوهُ): عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وهو أخو سالم لأبويه، وثَّقَ حمزةَ العجليُّ وغيره، وكان أحد الفقهاء بالمدينة، أخرج له الجماعة.

    [ج 2 ص 12]

    قوله: (حَتَّى أَنْظُر): يجوز في (أنظر) النصب والرفع؛ لأنَّه مثل: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} [البقرة: 214].

    قوله: (إلى الرِّيِّ): هو بكسر الراء، وتشديد الياء، وبفتح الراء أيضًا مع تشديد الياء، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (في ظُفُرِي): الظُّفُر: بضمِّ الظاء المعجمة والفاء وإسكانها، وأمَّا قراءة من قرأ: (كل ذي ظِفر) [الأنعام: 146]؛ بالكسر؛ فشاذٌّ غير مأنوسٍ به؛ إذ لا يُعرف (ظِفر)؛ بالكسر، قاله ابن سِيْده، والجمع: الأظفار، وجماعة الأظفار: أظافير، ويقال للظُّفر: أُظفور، وجمعه: أظافير، وقال الجوهريُّ: (الظُّفر: جمعه أظفار، وأُظفور، وأظافير) انتهى، وقد قرأ الحسن: (كلَّ ذي ظِفْر)؛ بكسر الظاء وإسكان الفاء، وقرأ أبو السَّمَّال _ولي ذكر بعض ترجمته في تفسير: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وهو: بالسين المهملة، وتشديد الميم، وباللام في آخره_ بكسر الظاء والفاء، وهي لغةٌ، والله أعلم.

    وقوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: الْعِلْمَ): تَقَدَّم في (كتاب العلم): أنَّ مِنَ القائلين أبا بكر الصديق، وتَقَدَّم الحكمة في إخراج البخاريِّ هذا في (باب فضل العلم)؛ فانظره؛ فإنَّه مفيدٌ من كلام ابن المنيِّر، وقدَّمت هناك سؤالًا وجوابه.

    (1/6842)

    [حديث: أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب]

    3682# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة، وبالشين المعجمة، تَقَدَّم، و (عُبَيْدُ اللهِ) بعده: هو عبيد [الله] بن عمر العمريُّ، و (أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ) بعده: هو أبو بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب.

    قوله: (عَنْ سَالِمٍ بِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كذا في أصلنا، وصوابُه: عن سالم عن عبد الله بن عمر، وكذا صُوِّب في هامش أصلنا.

    قوله: (بِدَلْوِ بَكرةٍ): قال ابن قُرقُول: (بدلو بَكرة): على الإضافة، الباء مفتوحة، والكاف ساكنة ومفتوحة أيضًا، وبالسُّكون ضبطها الأصيليُّ، ونوَّنه بعضهم على البدل، وبالإضافة قيَّده شيوخنا، وهو أصوب، انتهى، قال بعضهم: الصواب في (البكْرة) الإسكان.

    قوله: (عَلَى قَلِيبٍ): تَقَدَّم ما القليب ضبطًا ومعنًى، وكذا (ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ)، وما هو الذَّنوب، وأنَّ الصواب من أحد المسألتين: ذنوبين؛ لأنَّه جزم به في مكان، ومعنى قوله: (نَزْعاً ضَعِيفاً)، وكذا (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ)، وكذا (الْعَبْقَرِيُّ)، وكذا (يَفْرِي فَرِيَّهُ)، وكذا (وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ)، وتَقَدَّم كلام السُّهيليِّ في ذلك وفي الزيادة التي في «مسندالبزَّار» و «أحمد»، ولولا الزيادة؛ لَعزُب تأويل الرُّؤيا عن الخلافة، والله أعلم.

    قوله: (قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ): هو شيخ البخاريِّ محمَّد بن عبد الله بن نمير شيخه في هذا الحديث وفي غيره، ووقع في أصلنا الدمشقيِّ: (ابْنُ جُبَيْرٍ)، وكذا في أصلنا القاهريِّ في الأصل، وعليه علامة راويه، وفي الهامش: (نمير)، وعليه علامة راويه، وقد راجعت شرح شيخنا، فرأيته قد جعله على الصواب: (ابن نمير)، فما في أصلنا الدمشقيِّ والقاهريِّ فيه نظرٌ، والله أعلم.

    قوله: (وَقَالَ يَحْيَى: الزَّرَابِيُّ): (يحيى) هذا: هو الفرَّاء، وسيأتي مترجمًا في سورة (الصفِّ) في (التفسير) إن شاء الله تعالى، فإنَّه ذكر يحيى أيضًا هناك.

    (1/6843)

    [حديث: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب]

    3683# قوله: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو ابن المدينيِّ الحافظ، وكذا تَقَدَّم (صَالِح): أنَّه ابن كيسان، وكذا (ابْنِ شِهَابٍ): أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهريُّ.

    قوله: (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ قَالَ): كذا في أصلنا، وهذا لم يذكره المِزِّيُّ، وإنَّما ذكر الذي بعده حديث عبد العزيز بن عبد الله، ولم يذكر حديث عليِّ بن عبد الله، وحديث عليِّ بن عبد الله هو في بعض النُّسخ، وذلك لأنَّه أشار إليه في أصلنا بعلامة راويه، وكتب عليه: (مِن ... إلى)، وما جرت عادة البخاريِّ بذكر الحديث على هذا الطريق، هذا فيما رأيتُه، إنَّما يفعل العكس، وقد يفعل مثل الأوَّل، وعبد الحميد في السند الأوَّل سمَّاه في السَّند الثاني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد، وزيد هو ابن الخَطَّاب، ومحمد بن سعد في السند الأول هو محمَّد بن سعد بن أبي وقَّاص المذكور في السَّند الثَّاني، والله أعلم.

    وقوله: (وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ): هؤلاء النِّسوة القرشيَّات هنَّ أزواجه القرشيَّات، وهنَّ معروفات، هذا ما ظهر من سياق الحديث، ولا يكون معه عليه السَّلام بهذه المثابة وهذا الإدلال إلَّا أزواجُه أقرباؤه، وقد تَقَدَّم ما قاله بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين، وقال شيخنا في «شرحه» هنا فيه: (إنَّه عليه السَّلام كان يأتيه نساء المؤمنين، ويبسطن عنده) انتهى، ففيه أنَّهن لسنَ أزواجه؛ لكن ينبغي أن يقول: نساء المؤمنين القرشيَّات، والله أعلم.

    قوله: (وَيَسْتَكْثِرْنَه): أي: يُكثِرن عليه السُّؤال والكلام؛ أي: يطلبن منه استخراج الكثير منه أو من الحوائج، وقد تَقَدَّم، وقال شيخنا: يريد العطاء.

    قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ): (عاليةً): منصوبٌ منوَّن حال، و (أصواتَهنَّ): مرفوع، وقد تَقَدَّم كلام القاضي عياض في معنى ذلك.

    قوله: (أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هما بمعنى: شدَّة الخلق وخشونة الجانب، ولم يأتِ (أفعل) ههنا للمبالغة بينه وبين النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل: أنت فظٌّ غليظ، أو تكون للمفاضلة بينهما فيما يجب من الإنكار والخشونة على أهل الباطل؛ كما قال تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73]، فيكون عند عمر زيادة في غير هذا من الأمور، فيكون أغلظ بهذا على الجملة، لا على التفصيل فيما يجب من ذلك، وقد تَقَدَّم.

    (1/6844)

    قوله: (إِيهًا يَا بْنَ الْخَطَّابِ [1]): قال ابن قُرقُول: (إيهًا)؛ بكسر الهمزة: كلمة تصديق وارتضاء، وفي نسخة: (إِيهٍ)؛ بكسر الهمزة منوَّنة، وهي كلمة استزادة من حديثٍ لا تعرفه، و (إيهِ)؛ غير منوَّنة: استزادة من حديث تعرفه، وقال يعقوب: يقال للرَّجل إذا استزدتَه من عملٍ أو حديثٍ: إيهِ، فإن وصلت؛ نوَّنت فقلت: إيهٍ حدِّثْنا، قال ثابت: وتقول: إيهًا عنَّا؛ أي: كُفَّ عنَّا، وويهًا؛ إذا أغريتَه أو رجوتَه، وواهًا؛ إذا تعجَّبتَ، وقال اللَّيث: إيهٍ: كلمة زيادةٍ واستنطاقٍ، وقد تنوَّن، وإيهْ: كلمة زَجْرٍ، وقد تُنوَّن؛ فيقال: إيهًا، وفي «النِّهاية»: (إيهِ: كلمةٌ يراد بها الاستزادة، وهي مبنيَّةٌ على الكسر؛ فإذا وصلت؛ نوَّنت، فقلت: إيهٍ حدِّثنا، فإذا قلت: إيهًا _بالنصب_؛ فإنَّما تأمره بالسُّكوت) ... إلى أن قال: (وقد ترد المنصوبة _يعني: إِيْهًا_ بمعنى التَّصديق والرِّضا بالشيء) انتهى، وفي «الصِّحاح» بعد أن ذكر (إِيهِ): (فإذا سكَّتَّه؛ قلت: إيْهًا عنَّا، وإذا أردت البعيد؛ قلت: أَيْهًا _بفتح الهمزة_؛ بمعنى: هيهات).

    قوله: (فَجًّا): تَقَدَّم أنَّها الطريق المتَّسعة، وقد قدَّمتُ كلام القاضي عياض في (باب صفة إبليس وجنوده)، وكذا تَقَدَّم (قَطُّ) ولغاتها.

    (1/6845)

    [حديث: ما زلنا أعزةً منذ أسلم عمر]

    3684# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): هذا هو ابن سعيد القطَّان، تَقَدَّم، و (إِسْمَاعِيل) هذا: هو ابن أبي خالد، تَقَدَّم، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم، تَقَدَّم، و (عَبْدُ اللهِ): هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ رضي الله عنه.

    [ج 2 ص 13]

    (1/6846)

    [حديث: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون .. ]

    3685# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، و (عَبْدُ اللهِ) بعده: تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن المبارك شيخ خراسان، و (ابن أبي مُلَيْكَة): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وتَقَدَّم أنَّ زهيرًا صحابيٌّ.

    قوله: (وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ): (وُضِعَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل.

    قوله: (فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ): أي: أحاطوا به.

    قوله: (يُرْفَعَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (فَلَمْ يَرُعْنِي): هو بفتح أوَّله، وضمِّ الراء، ثم عين مهملة ساكنة؛ أي: لم أشعر، وإن لم يكن من لفظه، كأنَّه فاجأه بغتةً من غير موعدٍ ولا معرفة، فراعه ذلك وأفزعه.

    قوله: (أَخَذَ بمَنْكِبِي): (أخذ): فعلٌ ماضٍ، كذا في هامش أصلنا نسخة، وفي الأصل: اسم فاعل، وهو بمدِّ الهمزة، وكسر الخاء، و (منكبي)؛ بالإفراد، وكذا هو مضبوطٌ في أصلنا.

    قوله: (مَا خَلَّفْتَ): هو بفتح التاء على الخطاب، يخاطب عمر رضي الله عنهما، وعلى التاء المفتوحة في أصلنا: (صح).

    قوله: (وَايْمُ اللهِ): تَقَدَّم أنَّ همزتها همزة وصلٍ على الصحيح، وفي قولٍ قطعٌ، وتَقَدَّم ما معناها.

    قوله: (إِنْ كُنْتُ): هو بضمِّ تاء المتكلِّم، وهذا ظاهرٌ، وكذا هو في أصلنا، وكذا قوله: (وَحَسِبْتُ).

    قوله: (إِنِّي كُنْتُ كَثِيراً): (إِنَّي)؛ بكسر الهمزة، كذا في أصلنا الذي سمعت منه على العراقيِّ، وعلى هذا يكون الحسبان من قول الراوي لا من قول عليٍّ رضي الله عنه، وإنَّما قال عليٌّ رضي الله عنه: (أن يجعلك الله مع صاحبَيك، إنِّي كنت كثيرًا ... ) إلى آخره؛ فحصل للرَّاوي شكٌّ في قول عليٍّ: (إنَّي كنت كثيرًا ... ) إلى آخره، فأدخل الحسبان عليه، فالكسر فيه على الحكاية، ولو فتحت الهمزة؛ لكان له وجهٌ جيِّدٌ، وإن كان الحسبان من قول الراوي؛ فتكون الهمزة مفتوحةً تعليليَّةً، والله أعلم.

    (1/6847)

    [حديث: اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان]

    3686# قوله: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): هذا هو سعيد بن أبي عَروبة، تَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ): كذا في أصلنا إلى آخره، وقد تَقَدَّم أنَّ قول البخاريِّ: (قال لي فلان)؛ كقوله: (حدَّثنا)، لكنَّ الغالب استعمالها في المذاكرة إذا أخذ البخاريُّ عن ذلك الشيخ ذلك الحديث مذاكرةً، و (خليفة): هو ابن خيَّاط شَبَاب العصفريُّ الحافظ، شيخ البخاريِّ، تَقَدَّم مترجمًا، ولما طرَّف المِزِّيُّ الطريق التي قبله طريق سعيد _هو ابن أبي عروبة_ قال: (وفي كتاب ابن رُميح: وقال لي خليفة)؛ فذكر هذا، والله أعلم.

    قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ): هو بفتح السِّين المهملة ممدود الآخِر، وهذا ظاهرٌ، ومحمدٌ هذا سدوسيٌّ ضرير، عن ابن عونٍ وطائفة، وعنه: خليفة وابن راهويه، مات سنة (187 هـ)، أخرج له مسلمٌ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائي، وابن ماجه، وثَّقه ابن حِبَّان، قال الذهبيُّ في «ميزانه»: أحد الثِّقات المعروفين، قال الأزديُّ: غالٍ في القدَر، وقد علَّق له البخاريُّ كما ترى على ما في كتاب ابن رُميح، ولكن لم أر الذهبيَّ علَّم عليه: (خت) لا في «الكاشف»، ولا في «الميزان»، ولا مقرونًا، وهو هنا مقرونٌ بكهمس، وكهمس مقرونٌ به.

    قوله: (وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ): هذا سدوسيٌّ، كنيته أبو عثمان، بصريٌّ لؤلؤيٌّ، عن ابن أبي عَروبة، وإسحاق بن عُمارة، وغيرهما، وعنه: خليفة بن خيَّاط، وسعيد بن عفير المصريُّ، وغيرهما، قال ابن حِبَّان في «الثقات»: كان يقول بالقدَر، وقال أبو حاتم: يُكتَب حديثُه، روى له البخاريُّ مقرونًا بمحمد بن سواء، له ترجمة في «الميزان» من أجل القدَر، وله حديثٌ منكَرٌ من أجله أدخله البخاريُّ في كتاب «الضُّعفاء»، وقال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق، انتهى.

    قوله: (قَالاَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن أبي عروبة.

    قوله: (صَعِدَ): تَقَدَّم أنَّه بكسر العين في الماضي، وفي المستقبل مفتوحها، عكس: عَمَدَ يَعْمِدُ، غير أنَّ (عمد) رأيت من ذكر فيها لغتين عن «شرح الفصيح» للَّبليِّ.

    قوله: (أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدَانِ): كذا في أصلنا، وفي نسخة: (وصِدِّيقٌ)، ولم يذكر في (أو شهيدان) شيئًا، و (أو) بمعنى الواو، وقد تَقَدَّم كذلك في (مناقب الصِّدِّيق)، ويأتي في (مناقب عثمان): (وصِدِّيق وشهيدان)؛ بالواو.

    (1/6848)

    [حديث: ما رأيت أحدًا قط بعد رسول الله من حين قبض كان أجد ... ]

    3687# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب، أحد الأعلام، وتَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بلغاتها في أول هذا التَّعليق.

    قوله: (مِنْ حِينَ قُبِضَ): (حينَ): بالفتح، ويجوز كسر نونها، والقاعدة: أنَّه إن أتى بعد (حين) معرب؛ أُعربت، ويجوز فيها فتح النون أيضًا، وإن أتى بعدها مبنيٌّ كالماضي؛ فإنَّها تكون نونها بالفتح، ويجوز كسرها، والله أعلم، و (قُبِضَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (كان أَجَدَّ وَأَجْوَدَ): قال ابن قُرقُول: (أي: أحزم في الأمور، وأنهض فيها وأكرم)، قال الحربيُّ: (جَدَّ في الحاجة يجدُّ: بلغ فيها جِدَّه، وأجدَّ يُجِدُّ: صار ذا جدٍّ فيها)، وأبو زيد: (جَدَّ وأجدَّ واحدٌ).

    ==========

    [ج 2 ص 14]

    (1/6849)

    [حديث: أنت مع من أحببت]

    3688# قوله: (أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ): هذا الرَّجل لا أعرفه، وقال ابن شيخنا البلقينيُّ: قال ابن بشكوال: هذا الرجل _إن شاء الله_ هو أبو موسى الأشعريُّ أو أبو ذرٍّ، واحتجَّ في ذلك بحديثين لا حُجَّة فيهما، انتهى، وكذا رأيت في «مبهمات» ابن بشكوال، انتهى، ثم ذكر حديثًا عن ابن مسعود من عند الدارقطنيِّ قال: (جاء أعرابيٌّ ... )؛ فذكره، ثم قال: (وقد تَقَدَّم أنَّ هذا الأعرابيَّ البائل ذو الخويصرة، فيكون هو السَّائل أيضًا) انتهى، وقال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين بعد أن ذكر ما ذكر عن ابن بشكوال ما لفظه: وليس فيما ساقه ما يشهد لصحَّة ما ذكر، وفي «الدارقطنيِّ» من حديث ابن مسعود التَّصريحُ بأنَّ السَّائل عن ذاك هو الشيخ الأعرابيُّ الذي بال في المسجد، وقد قدَّمنا تسميته في (الطَّهارة)، وفي «جزء أبي الجهم»: أنَّ السائل عن ذلك هو عمير بن قتادة، وفي «المعلم» للذَّهبيِّ: أنَّ السائل عن ذلك عمر بن الخَطَّاب، وأظنُّ هذا من جملة الحكمة في إيراد البخاريِّ للحديث في «مناقب عمر»، انتهى.

    [ج 2 ص 14]

    قوله: (فرَحَنَا): هو بالنَّصب، ونصبُه ظاهرٌ معروفٌ على نزع الخافض؛ أي: كفرحنا.

    (1/6850)

    [حديث أبي هريرة: لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون ... ]

    3689# قوله: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا كثيرةً أنَّه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأنَّه أحد الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر، وأنَّ اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، و (أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرَّحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (مُحَدَّثُونَ): تَقَدَّم ضبطًا ومعنًى في (بني إسرائيل).

    قوله: (زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ): تَقَدَّم أنَّ (زاد) مثل: قال، و (زكريَّاء): تَقَدَّم أنَّه ثقةٌ حافظٌ، يروي عن الشَّعْبي وسماك، وعنه: القطَّان وأبو نعيم، ثقةٌ يُدلِّس عن الشَّعْبيِّ، وقد قدَّمتُه مطوَّلًا، فهذا تعليق؛ لأنَّه ليس بشيخه، والله أعلم، وما زاده لم تكن زيادته عنه في شيءٍ من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يعزُها شيخنا، قال بعض حُفَّاظ العصر: وصلها الإسماعيليُّ.

    قوله: (رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ): هو بتشديد اللام المفتوحة، قال شيخنا: (يعني: الفراسة، كأنَّه حُدِّث بذلك الشيء، وقيل عن الشيخ أبي الحسن: تُكلِّمُهم الملائكة، واحتجَّ بقوله: «يُكلَّمون») انتهى، والحقيقة هي الظاهر، خصوصًا مع قوله: (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ)، وعمران بن حصين كان تُسلِّم عليه الملائكة، ولكن لو كان كذلك؛ لكان نبيًّا، ولا نبيَّ بعده عليه السلام؛ فتأويله متعيِّنٌ، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 15]

    (1/6851)

    [حديث: بينما راع في غنمه عدا الذئب فأخذ منها شاة]

    3690# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ): تَقَدَّم مِرارًا كثيرةً أنَّه اللَّيث بن سعدٍ الإمام الجواد، و (عُقَيْلٌ): كذلك تَقَدَّم أنَّه ابن خالد، وتَقَدَّم من يقال له: (عُقَيل) في «البخاريِّ» و «مسلم» وأنَّه هذا، ويحيى بن عُقيل في «مسلم»، والقبيلة: عقيل في «مسلم» أيضًا، و (ابن شِهَابٍ): قد تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن مسلم الزُّهريُّ، و (سَعِيدِ بْنِ المُسَيّب): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ والده بفتح الياء وكسرها، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (أَبُوْسَلَمَةَ): تَقَدَّم أعلاه، وكذا (أَبُوْهُرَيْرَةَ).

    قوله: (بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِه): تَقَدَّم الكلام على اسم هذا الرَّاعي في أوَّل (كتاب الحَرْث)، وكذا الكلام على (يَوْمَ السَّبُعِ) ضبطًا ومعنًى، وكذا (ثَمَّ) وأنَّها بفتح الثاء، ومعناها: هناك.

    (1/6852)

    [حديث: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص]

    3691# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وأنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، و (اللَّيْثُ): تَقَدَّم أعلاه وقبله، وكذا (عُقَيْل)، وكذا (ابْن شِهَابٍ) أعلاه، وكذا (أَبُو أُمَامَةَ): تَقَدَّم قبل ذلك، وأنَّ اسمه أسعد، وأنَّه وُلِد زمنَه صلَّى الله عليه وسلَّم، وروى عن عمر، وقال أبو زرعة: لم يسمع من عمر، وقد روى عن عدَّة، وتَقَدَّم مترجمًا، روى عنه الزُّهريُّ، ويحيى بن سعيد، وخَلْقٌ، و (حُنَيْف) جدُّه: بضمِّ الحاء المهملة، وفتح النون، كافر، و (سَهْل): بدريٌّ كبيرٌ أنصاريٌّ، و (أَبُوْ سَعِيد): سعد بن مالك بن سنان الخُدْريُّ، تَقَدَّم مِرارًا.

    قوله: (عُرِضُوا عَلَيَّ): (عُرِضوا): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذلك: (وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (الثُّدِيَّ): هو بضمِّ الثاء المثلثة، وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء، وفي نسخة في أصلنا بالإفراد، والمفرد يُذكَّر على اللُّغة الفصيحة، قال ابن فارسٍ: (الثَّدي للمرأة، ويقال لذلك الموضع من الرجل: ثُنْدُؤة، وثَنْدُوة؛ بالضمِّ مع الهمزة، وبالفتح مع عدمه، وقال الجوهريُّ: (الثَّدي للمرأة والرَّجل، وجمع الثَّدي: أثْدٍ، وثُديٌّ، وثِديٌّ؛ بالضم والكسر)، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟): تَقَدَّم أنَّ مِن القائلين أبا بكر رضي الله عنه.

    (1/6853)

    [حديث: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه]

    3692# قوله: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ العالم المشهور، وتَقَدَّم (ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ): أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وأنَّ زهيرًا صحابيٌّ، وتَقَدَّم (الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ) أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ مخرمة صحابيٌّ من مُسْلِمة الفَتْح.

    قوله: (لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ): (طُعِنَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمرُ): مرفوع قائم مقام الفاعل، وحُذِف الفاعل؛ استحقارًا له، وهو عبد المغيرة بن شعبة أبو لؤلؤة، واسمه فيروز، وكان نصرانيًّا، وقيل: مجوسيًّا، طعنه وعمر قائم في صلاة الصبح حين أحرم بسِكِّين ذات طرفين مسمومة، فضربه في كتِفه وحاجزته، وقيل: ضربه ستَّ ضرباتٍ، وطعن العلجُ أبو لؤلؤة مع عمر ثلاثة عشر رجلًا، توفِّي منهم سبعةٌ، وسأذكر قريبًا مَن عُرف منهم، وعاش الباقون، وطُرح عليه برنس، وسأذكر طارحه عليه قريبًا، فلمَّا أحسَّ العلج أنَّه مقتول؛ قتل نفسه، وقد قدَّمتُ أنَّه طُعِن يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجَّة سنة ثلاث وعشرين، ودُفِن يوم الأحد هلال المحرَّم سنة أربعٍ وعشرين، وفي سنِّه سبعة أقوال، واختُلف أيضًا في تاريخ وفاته رضي الله عنه.

    قوله: (جَعَلَ يَأْلَمُ): هو بهمزة ساكنة يجوز تسهيلها، وفتح اللام.

    قوله: (وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ): هو بضمِّ أوله، وكسر الزاي المُشدَّدة؛ أي: يزيل جزعه، وهو مثل قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23]؛ أي: أُزيل عن قلوبهم الفزع والرَّوع، وكما يقال: مرَّضه؛ إذا عانى إزالة مرضه، ورواه الجرجانيُّ: (وكأنّه جَزِع)، وهذا يرجع إلى حال عمر رضي الله عنه، ويصحُّ به الكلام، قاله بمعناه ابن قُرقُول.

    قوله: (لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ... ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ): (صحبتَ) في الموضعين بفتح تاء الخِطاب.

    قوله: (ثُمَّ صَحِبْتَ صُحبَتهم، فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ [1]): يعني: المسلمين، قال ابن قُرقُول: (ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم صَحِبْتَهم فأحسنت صُحبتهم، ولئن فارقتهم؛ يعني: المسلمين، كذا للمِروزيِّ والجرجانيِّ، وعند غيرهم: (ثم صحبت صَحَبْتهم): بفتح الصاد والحاء؛ يعني: أصحاب النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر، أو تكون (صحبت) زائدة، والوجه الرِّواية الأولى، انتهى.

    قوله: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ): (أمَّا)؛ بفتح الهمزة وتشديد الميم، و (ذكرتَ)؛ بفتح تاء الخطاب، وكذا الثانية.

    قوله: (مَنٌّ): هو بفتح الميم وتشديد النُّون، والمَنُّ معروف، وكذا في الموضع الثاني.

    [ج 2 ص 15]

    قوله: (طِلاَعَ الأَرْضِ): الطِّلَاع: بكسر الطَّاء وتخفيف اللام، وفي آخره عينٌ مهملتين، وطِلاعها: مِلْؤُها، وهو ما طلعت عليه الشَّمسُ.

    قوله: (ذَهَباً): منصوبٌ على التَّمييز، وهذا ظاهرٌ.

    (1/6854)

    قوله: (قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ): هو بفتح الهمزة؛ من رؤية العين، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ؛ بِهَذَا): هذا تعليقٌ مجزوم به، و (أيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (ابن أبي مُلَيْكَة): تَقَدَّم قريبًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زهير، وأنَّ زهيرًا صحابيٌّ، وتعليق حمَّاد بهذا السند ليس في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْه شيخنا.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (قوله: «ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم»؛ يعني: المسلمين، كذا للمروزيِّ والجرجانيِّ، وعند غيرهما: «ثم صحبت صَحَبتهم»؛ بفتح الصاد والحاء؛ يعني: أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبي بكر رضي الله عنه أو تكون «صحبت» زائدة، والوجه الرواية الأولى، قاله عياض).

    (1/6855)

    [حديث: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة]

    3693# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حمَّاد بن أسامة، وبعده (عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ): تَقَدَّم أنَّه بالغين المعجمة المكسورة، ثم مثنَّاة تحت مخفَّفة، وفي آخره ثاء مثلَّثة، وهذا ظاهرٌ معروفٌ عند أهله، و (أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ، وأنَّه بالحركات الثلاث في الميم، ويقال: بكسر الميم، وبعدها همزة، واللام قبلها ساكنة، و (أَبُوْ مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، أمَّره عليه السَّلام، وتَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ الحائط البستان، وقد تَقَدَّم أنَّ هذا الحائط هو الذي فيه بئر أريس، والله أعلم.

    قوله: (افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ): تَقَدَّم في (مناقب الصِّدِّيق) رواية من روى: (والخلافة)، وكذا في عمر، وكذا في عثمان رضي الله عنهم.

    (1/6856)

    [حديث: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب]

    3694# قوله: (حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم قوله: (حَيْوَةُ): أنَّه بفتح الحاء المهملة، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم واو مفتوحة، ثم تاء التأنيث، وهذا ظاهرٌ عند أهله، وإنَّما ضبطته لأنَّ بعضهم قرأه عليَّ: حَياة، وهو حَيْوة بن شريح _بالشين المعجمة، وفي آخره حاء مهملة_ التجيبيُّ أبو زُرعة، فقيه مصر، وزاهدُها، ومُحدِّثها، عن أبي يونس مولى أبي هريرة، ويزيد بن أبي حبيب، وربيعة القصير، وعنه: الليث، وابن وهب، وآخر أصحابه هانئ بن المتوكِّل، له كراماتٌ وأحوال، مات سنة (158 هـ)، أخرج له الجماعة، عدل ثقة رِضًا، وليس بحَيْوة بن شريح الحضرميِّ الحمصيِّ هذا شيخ البخاريِّ وأبي داود، وهذا ليس من تلك الطبقة، وقد تَقَدَّم هذا الثاني، والله أعلم، و (أَبُو عَقِيلٍ): زهرة بن مَعْبد؛ بفتح العين وكسر القاف.

    ==========

    [ج 2 ص 16]

    (1/6857)

    [باب مناقب عثمان بن عفان]

    (بابُ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ... إلى (مَنَاقِبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

    تنبيه: لو قدَّم البخاريُّ رحمه الله (باب قصَّة البيعة والاتِّفاق على عثمان رضي الله عنه)؛ كان يكونُ أحسنَ فيما يظهر، ثم يقول: باب مناقب عثمان رضي الله عنه، ويحتمل أنَّما قدَّم المناقب؛ لأنَّ بيعته وتقديمه _كما تَقَدَّم_ من مناقبه هذه، والله أعلم.

    هو عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ القرشيُّ، يلتقي مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في عبد مناف، أمُّ عثمان أروى بنت كُرَيز؛ بضمِّ الكاف، وفتح الراء، وفي آخره زايٌ، وأمُّ أروى أمُّ حَكِيم _بفتح الحاء وكسر الكاف_ البيضاء بنت عبد المطَّلب عمَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يقال: إنَّها توءَمة عبد الله بن عبد المطَّلب، وقد اختُلِف في ذلك، ولم يُختَلف أنَّها شقيقة عبد الله وأبي طالب والزُّبير بني عبد المطَّلب، فعثمان ابن بنت عمَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كنيته أبو عمرو، كما قال البخاريُّ هنا، ويقال: أبو عبد الله وأبو ليلى، ترجمته رضي الله عنه معروفةٌ، ومناقبه جمَّة، يقال له: ذو النُّورين؛ لأنَّه تزوَّج بنتَي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم رُقَيَّة ثم أمَّ كلثوم، ولا يُعرف أحدٌ تزوَّج بنتَي نبيٍّ إلَّا هو.

    حُصِر رضي الله عنه في ذي الحجَّة سنة خمسٍ وثلاثين عشرين يومًا في داره، وقُتِل فيها، فقيل: لثماني عشرة خلون من ذي الحجَّة، وحُكيَ الإجماع عليه، وقيل: يوم التروية، وحُكيَ عليه الإجماع، وقيل غير ذلك، وقال الواقديُّ: حصروه تسعةً وأربعين يومًا، وقال الزبير: حصروه شهرين وعشرين يومًا، اختُلِفَ في قاتله؛ فقيل: جَبلة بن الأيهم، وقيل: رُومان رجل من بني أسد، وقيل: سُودان بن حمران، وقيل غير ذلك، وفي «الاستيعاب» في ترجمته رضي الله عنه: اختُلِف فيمن باشر قتله بنفسه، فقيل: محمَّد بن أبي بكر ضربه بمشقص، وقيل: بل حبسه محمَّد بن أبي بكر، وأشعره غيره، وكان الذي قتله سودان بن حَمران، وقيل: بل ولي قتله رومان اليمانيُّ، وقيل: بل قتله رومان رجلٌ من بني أسد بن خزيمة، وقيل: إنَّ محمَّد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها وقال: ما أغنى عنك معاوية؟ وما أغنى عنك ابن أبي سرح؟ وما أغنى عنك ابن عامر؟ فقال له: يا بنَ أخي؛ أرسِلْ لحيتي، فوالله إنَّك لتجبذ لحيةً كانت تعزُّ [1] على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منِّي، فيقال: إنَّه حينئذٍ تركه وخرج عنه، ويقال: إنَّه حينئذٍ أشار إلى مَن معه، فطعنه أحدهم، فقتلوه ... ، إلى أن قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ _أي: قتل عثمان_ قال: قتله رجلٌ من أهل مصر يقال له: جَبلة بن الأيهم، انتهى، وفي «التذكرة» للقرطبيِّ: دخل كنانة بن بشر عليه، وأشعره مِشقصًا؛ أي: قتله به، وقيل: ذبحه رجلٌ من أهل مصر يقال له: حمار، وقيل: ذبحه رومان، وقيل: قتله الموت الأسود، ويقال له: الدم الأسود، وقيل: لم يتعيَّن له قاتل.

    (1/6858)

    قوله: (مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ): تَقَدَّم الكلام على هذه الرِّواية: (من يحفر)؛ لأنَّه لم يحفرها، وعلى (رومة)، وبكم اشتراها، والخلاف فيه في (الوقف) مطوَّلًا.

    قوله: (مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ): هم جيش تبوك، وسيجيء الخلاف في عددهم، وقد ذكرت في (الوقف) بكم جهَّزهم، وهو بتسع مئة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا، قاله ابن عبد البَرِّ، ثم قال: عن أسد بن موسى: حدَّثني أبو هلال الراسبيُّ: حدَّثنا قتادة قال: حمل عثمان في جيش العُسرة على ألف بعيرٍ وسبعين فرسًا، وفي «التِّرمذيِّ»: عن عبد الرحمن بن خبَّاب السُّلميِّ الصَّحابيِّ قال: شهدت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يحثُّ على جيش العُسرة، فقال عثمان بن عفَّان: يا رسول الله؛ عليَّ مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حثَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ مئتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله؛ عليَّ ثلاث مئة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينزل عن المنبر وهو يقول:

    [ج 2 ص 16]

    «ما على عثمان ما عمل بعد هذه»، رواه التِّرمذيُّ بإسناد جيِّد، وفيه أيضًا عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بألف دينارٍ حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها في حجره، فقال عليه السلام: «ما ضرَّ عثمان ما عمِل بعد اليوم»، رواه التِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ، وما قاله أبو عمر ما أخذه إلَّا من حديث، ولا تنافيَ بينه وبين ما في «التِّرمذيِّ»، ولا ما ذكره عن أسد بن موسى بسنده عن قتادة.

    تنبيه: في «مسند أبي يَعلى الموصليِّ» بسنده: أنَّ عثمان جهَّز جيش العُسرة، وجاء بسبع مئة أوقيَّة ذهب، انتهى.

    تنبيه ثانٍ: ذكر ابن عَديٍّ في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثَّقفيِّ بعد أن قال فيه: روى عن الثِّقات ما لا يُتابَع عليه: حدَّثنا أبو يَعلى: حدَّثنا عَمَّار أبو ياسر: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، عن أبي وائل، عن حذيفة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعث إلى عثمان بسبع مئة في غزاةٍ غزاها، فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار، فوضعها بين يديه ... ؛ الحديث، انتهى، ذكره الذَّهبيُّ في «ميزانه» في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الثقفيِّ، وأبو يعلى: هو الموصليُّ الحافظ، وعَمَّار أبو ياسر: هو عَمَّار بن نصر السعديُّ المروزيُّ، نزيل بغداد، قال ابن معين: عَمَّار أبو ياسر المستملي ليس بثقةٍ، وقال موسى بن هارون: عَمَّار أبو ياسر متروك، وقال الخطيب: لعلَّ هذا القول منهما في عَمَّار بن هارون، وقال أبو أحمد الحبيبي: سألت صالحًا جزرة عن أبي ياسر عَمَّار بن نصر، فقال: لا بأس به، كان ابن معين سيِّئ الرأي فيه، قال الخطيب: ورُوِي عن ابن معين توثيقُه، انتهى كلام «الميزان»، وباقي السند مشهوران، والله أعلم.

    (1/6859)

    [حديث: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصيبه]

    3695# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ ... ) إلى آخره: أمَّا (حماد)؛ فهو ابن زيد، وقد تَقَدَّم غير مرَّةٍ أنَّ حمادًا إذا أطلقه سليمان بن حربٍ الراوي هنا عن حمَّاد أو عارم محمَّد بن الفضل؛ فهو ابن زيد، وإن أطلقه موسى بن إسماعيل التَّبوذكيُّ أو عَفَّان أو حجَّاج بن منهال؛ فهو ابن سلمة، وكذا إذا أطلقه هُدْبة بن خالد، و (أيُّوب): هو ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (أبُو عُثْمَانَ): هو النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، وقد تَقَدَّم ضبط مَلٍّ قريبًا وبعيدًا، و (أبُو مُوسَى): عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار الأشعريُّ، تَقَدَّم.

    قوله: (دَخَلَ حَائِطاً): تَقَدَّم أنَّه البستان، وتَقَدَّم أنَّ هذا الحائط [1] فيه بئر أريس، وكذا تَقَدَّم أنَّ الرجل الأول بشَّره أيضًا بالجنَّة وبالخلافة، وكذا الثاني والثالث.

    قوله: (هُنَيَّة): تَقَدَّم أنَّها تصغير: هنة، وأنَّ (هُنَيَّة) كُتِبَ بالهمزة، وهي بضمِّ الهاء، وفتح النون، وتشديد الياء المثنَّاة تحت، قال النَّوويُّ: ومن همز؛ فقد أخطأ.

    قوله: (قَالَ حَمَّادٌ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ ... ) إلى آخره: أمَّا (حمَّادٌ)؛ فهو ابن سلمة، وكذا هو في نسخةٍ في طرَّة أصلنا، والذي في «أطراف المِزِّيِّ» في عدَّة أماكن: حمَّاد بن زيد، وقد أخرجه البخاريُّ قُبَيْلَ هذا عن سليمان بن حرب، عن حمَّاد بن زيد، كما أوضحته أنا أعلاه، قال المِزِّيُّ: عن أيُّوب، وعاصم الأحول، وعليِّ بن الحكم؛ أربعتُهم؛ يعني: ومع الثلاثة عثمان بن عَفَّان، ثم قال: وفي حديث عاصم زيادة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان قاعدًا في مكانٍ فيه ماءٌ ... ؛ فذكره، وكذا أخرجه مسلم من طريق حَمَّاد بن زيد، وكذا التِّرمذيُّ، والله أعلم، وقال شيخنا فيه: هذا أسنده عبد الله بن أحمد في (فضائل عثمان رضي الله عنه) عن هدبة، عن حَمَّاد بن سلمة، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي موسى، وهذا ليس تعليقًا، بل هو معطوفٌ على السَّند قبله مع زيادةٍ في حديث عاصم الأحول، والله أعلم، قال بعضهم: (هذه الزِّيادة هنا وهَمٌ، وإنَّما ذلك في واقعةٍ كانت في بيته صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وصدق؛ لأنَّ في «مسلم» في (مناقب عثمان): (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مضطجعًا في بيته كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر ... )؛ فذكر القصَّة؛ انتهى.

    تنبيه: في «مسند أحمد ابن حنبل» بسنده: (أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان جالسًا كاشفًا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر ... )؛ فذكر الحديث، وروى أيضًا الإمام أحمد بإسناده عن حفصة بنت عمر قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم، فوضع ثوبه بين فخِذيه، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فأذن له، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على هيئته)؛ فذكر نحو حديث عائشة، وفيه: (فلمَّا كان عثمان، فاستأذن؛ فتجلَّل بثوبِه).

    (1/6860)

    [حديث: إن الله سبحانه بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب ... ]

    3696# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ): تَقَدَّم أنَّ شَبِيبًا بفتح الشِّين المعجمة، وكسر الموحَّدة، والباقي معروف، بل كلُّه معروفٌ عند أهله، وكذا (يُونُس): هو ابن يزيد الأيليُّ، تَقَدَّم مِرارًا، و (ابْنُ شِهَابٍ): تَقَدَّم كذلك أنَّه محمَّد بن مسلم، و (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ [1] بْنِ الْخِيَارِ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الخاء المعجمة، وبالمثنَّاة تحت المخفَّفة، وفي آخره راء؛ كالخيار الذي يؤكَل، وكذا تَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ) قريبًا وبعيدًا أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ (مَخْرَمة) صحابيٌّ أيضًا، و (يَغُوثُ)؛ بفتح المثنَّاة تحت، وضمِّ الغين المعجمة، وبعد الواو ثاءٌ مثلَّثة، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (قَالاَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَلِيدِ؟): وفي رواية: (أن تُكلِّم خالك عثمان)، وسأذكر في نسب عبيد الله بن عدي بن الخِيَار في (هجرة الحبشة) كيف عثمان خال عبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار، وعبيد الله تابعيٌّ، وقوله: (لأخيه الوليد)؛ أي: لأجل أخيه الوليد، وهو الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط، واسم أبي مُعَيط: أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو أخو عثمان لأمِّه، أمُّهما أروى كما قدَّمته في عثمان، و (الوليد) صحابيٌّ، كنيته أبو وهب، ترجمته معروفة رضي الله عنه.

    قوله: (قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ): (مَعْمَر): هو ابن راشد، وهو بفتح الميمين، بينهما عينٌ مهملة، وحديث مَعْمَر قد رواه البُخاريُّ في (هجرة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) وفي (هجرة الحبشة): عن عبد الله بن محمَّد، عن هشام بن يوسف، عن مَعْمَر، عن الزُّهريِّ به، والله أعلم، و (أُراه)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ): رسول عثمان إلى عُبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار لا أعرفه.

    قوله: (وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ): هو بفتح تاء (كنتَ) على الخطاب لعثمان، وكذا (فَهَاجَرْتَ)، وكذا (وَصَحِبْتَ)، وكذا (وَرَأَيْتَ).

    قوله: (الْهِجْرَتَيْنِ الأولَيَيْن): يعني: الأولى: إلى الحبشة، والثانية: إلى المدينة.

    قوله: (وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ): هو بفتح الهاء، وإسكان الدال المهملة: الطريقة، والمذهب، والسَّمت.

    قوله: (أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هو بفتح تاء المخاطب، وعثمان يخاطب عُبيد الله، وقد قدَّمتُ قُبيل هذا أنَّه تابعيٌّ.

    قوله: (خَلَصَ إليَّ من عِلْمِه ... ) إلى آخره: يعني: الشيء اليسير.

    قوله: (أَمَّا بَعْدُ): تَقَدَّم الكلام على إعرابها، وعلى أوَّل من قالها في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (فَكُنْتُ): هو بضمِّ تاء المتكلِّم يقوله عثمان رضي الله عنه، وكذا (وَآمَنْتُ)، وكذا (وَصَحِبْتُ)، وكذا (وَبَايَعْتُه)، وكذا (مَا عَصَيْتُهُ)، وكذا (وَلاَ غَشَشْتُهُ).

    (1/6861)

    قوله: (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلهُ): يجوز في لام (مثله) النَّصب والرَّفع، وكذا في (عُمَرُ مِثْلهُ)، وإعرابهما ظاهرٌ.

    قوله: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ): (أمَّا)؛ بفتح الهمزة، وتشديد الميم.

    [ج 2 ص 17]

    قوله: (فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ): قال الحافظ الدِّمياطيُّ: هذا مخالفٌ لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار بالسند إلى عليٍّ: أنَّه جلده عبدُ الله بن جعفر، وعليٌّ يَعُدُّ، فلمَّا بلغ أربعين؛ قال عليٌّ: (أَمسِكْ، جلد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعُمر ثمانين، وكلٌّ سُنَّة)، قال: وقد أعاده البُخاريُّ في (هجرة الحبشة) بعد ذلك على الصواب من حديث مَعْمَر عن الزُّهريِّ، وقال فيه: (فجلد الوليد أربعين) انتهى، وكذا قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: إنَّه أصحُّ؛ يعني: جلد أربعين، قال: والذي شهد عليه بذلك أبو زينب الأزديُّ، وسعد بن مالك الأشعريُّ، وأبو مورِّع، وجندب الأزديُّ، روى ذلك عمر بن شبَّة عن المدائنيِّ، وذكر ابن عبد البَرِّ منهم حمران مولى عثمان، وذكر ابن حمدون في «تذكرته» منهم: قبيصة بن جابر، انتهى.

    وقال النَّوويُّ رحمه الله في «شرح مسلم» في (باب حد الخمر): واعلم أنَّه وقع هنا في «مسلم» ما ظاهره: (أنَّ عليًّا جلد الوليد بن عقبة أربعين)، ووقع في «صحيح البُخاريِّ» من رواية عُبيد الله بن عديِّ بن الخِيَار: (أنَّ عليًّا جلده ثمانين)، وهي قضيَّة واحدة.

    قال القاضي عياض: المعروف من مذهب عليٍّ الجلد في الخمر ثمانين، ومنه قوله: (في قليل الخمر وكثيره ثمانون جلدةً)، وروي: أنَّه جلد المعروف بالنَّجاشيِّ ثمانين، كما سبق عن رواية «الموطأ» وغيره، وهذا كلُّه يرجِّح رواية من روى: (أنَّه جلد الوليد ثمانين)، قال: ويُجمَع بينه وبين ما ذكره مسلم من رواية الأربعين ما روي: (أنَّه جلده بسوطٍ له رأسان، فضربه برأسَيه أربعين)؛ فتكون جملتها ثمانين، قال: ويحتمل أن يكون (وهذا أحبُّ إليَّ) عائدًا إلى الثمانين التي فعلها عمر، فهذا كلام القاضي، وقد قدَّمنا ما يخالفُ بعض ما قاله، وذكرنا تأويله، والله أعلم، انتهى.

    قوله في أصل الحديث _وسيأتي_: (وكلٌّ سُنَّة) معناه: أنَّ فعل النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر سُنَّة يُعمَل بها، وفعل عُمر، قاله النَّوويُّ.

    ==========

    [1] في (أ): (بن عبد الله)، وهو خطأ، انظر «تهذيب الأسماء واللغات» (؟؟؟).

    (1/6862)

    [حديث: كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدًا ثم عمر ثم عثمان]

    3697# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ): هو بالموحَّدة المفتوحة في أوَّله، وكسر الزاي، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم عين مهملة، لا أعلم في إهمالها خلافًا، وهو مشهورٌ من مشايخ البُخاريِّ وأبي داود، ثقة، و (شَاذَانُ)؛ بالشِّين المعجمة، وبعد الألف ذال معجمة، واسمه الأسود بن عامر، شاميٌّ نزيل بغداد، كنيته أبو عبد الرحمن، وثَّقه ابن المَدينيِّ وغيره، توفِّي في أوَّل سنة ثمان ومئتين، أخرج له الجماعة، تَقَدَّم، ولكن طال العهد به، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُون): تَقَدَّم ضبط (الماجِشُون)، وأنَّه الأحمر المُورَّد، وهو لقبٌ [1] لعبد العزيز، فيكون مرفوعًا؛ لأنَّه لقبٌ لمرفوع، واسم (عبد العزيز): يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الفقيه، كذا صرَّح أبو عليٍّ الجيَّانيُّ في «تقييده» بأنَّه لقبٌ لعبد العزيز يعقوب، وأنَّ معناه: الأبيض الأحمر، وعزاه إلى البُخاريِّ في «الأوسط».

    قوله: (لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَداً ... ) إلى آخره: تَقَدَّم الكلام على هذا الحديث في (مناقب الصِّدِّيق)، وقول ابن عبد البَرِّ فيه، والله أعلم.

    قوله: (لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ): (نُفاضِل)؛ بالنون، وبعد الألف ضادٌ معجمة مكسورة.

    قوله: (تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ): الضمير في (تابعه) يعود على شاذان الأسود بن عامر، و (عبد الله) هذا: هو ابن صالح بن محمَّد بن مسلم الجُهنيُّ مولاهم، المصريُّ، كاتب الليث، تَقَدَّم الكلام عليه مطوَّلًا، وأنَّ البُخاريَّ روى عنه في «التاريخ»، والأصحُّ: أنَّه روى عنه في «الصحيح»، فعلى هذا قوله: (تابعه عبد الله) يكون قد أخذه عنه في حال المذاكرة، والله أعلم، و (عبد العزيز): تَقَدَّم أنَّه الماجِشُون أعلاه، وهذه المتابعة ليست في شيء من الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا، ولم يخرِّجْها شيخنا.

    ==========

    [1] في (أ): (صفة)، ولم يضرب عليها، وكتب فوقها المثبت مصححًا، وكذا في الموضع اللاحق.

    [ج 2 ص 18]

    (1/6863)

    [حديث: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني]

    3698# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم الكلام على نسبته هذه لماذا، وكذا تَقَدَّم (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، وكذا تَقَدَّم (عُثْمَانُ بنُ مَوْهَبٍ): أنَّه بفتح الميم، وإسكان الواو، وفتح الهاء، وبالموحَّدة، وهذا ظاهرٌ عند أهله.

    قوله: (جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ): هذا الرَّجل ذكر شيخنا عن الحُمَيديِّ أنَّ البُخاريَّ سمَّاه حكيمًا، انتهى، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّه العلاء بن عَرار، وعزاه إلى «خصائص النَّسائيِّ»، والله أعلم، وقال بعض الحُفَّاظ من المِصريِّين: قيل: إنَّ هذا الرجل هو يزيد بن بشر السَّكسكيُّ، انتهى، وسيجيء قريبًا زيادةٌ في ذلك من كلام هذا الحافظ.

    قوله: (تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ): تَقَدَّم أنَّه لم يتغيَّب، ففي هذه اللفظة نظرٌ، وقد اعتذر عنه عبد الله بن عمر بما اعتذر به هنا، وذكرت فيما مضى أنَّه كان به جُدريٌّ، فالظاهر أنَّه كان معذورًا من جهتين، وكذا قوله: (تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ)، فإنَّه لم يتغيَّب، وإنَّما أرسله عليه السلام إلى مكَّة، وقد دلَّ عليه رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عمرُ، والقصَّة معروفة.

    قوله: (تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ): (أُبيِّنْ): مجزومٌ جواب الأمر.

    قوله: (فَأَشْهَدُ): هو بفتح الهمزة، وهو فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ.

    قوله: (فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى آخره: هذه البنت التي لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم التي كانت تحت عثمان رضي الله عنه في وقعة بدر هي رقيَّة رضي الله عنها، وتوفِّيت في هذه الضعفة، وكانت حصبة، وقدم زيد بن حارثة بَشِيرًا إلى أهل السافلة بمقتل أصحاب بدر وقد سوَّوا التُّراب عليها رضي الله عنها.

    ==========

    [ج 2 ص 18]

    (1/6864)

    [حديث: اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان]

    3699# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا يحيى بن سعيد القطَّان، شيخ الحُفَّاظ، و (سَعِيد) بعده: هو سعيد بن أبي عَروبة.

    تنبيه: هذه الطريق التي هنا أهملها المِزِّيُّ في «أطرافه»، وقد رأيتُ بخطِّ بعض فضلاء المحدِّثين من الدَّماشِقة وممَّن صحِبناه واجتمعنا به بدمشق والقاهرة وحلب ما لفظه: حاشية: وفي (فضل عثمان): عن مسدَّد عن يحيى، كتبه ابن كثير كذا في نسخته، انتهت، وابن كَثِير: هو الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كَثِير البصرويُّ، ختن الحافظ المِزِّيِّ، وصاحبُ «البداية والنِّهاية» في التاريخ، وصاحب الأحكام والتفسير، وهو ممَّن أدركناه بالسِّنِّ، وقرأنا على مَن قرأ عليه.

    قوله: (صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (صَعِد)؛ بكسر العين [في] الماضي، وفتحها في المستقبل، وقد تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ، وهو ظاهرٌ.

    ==========

    [ج 2 ص 18]

    (1/6865)

    [باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان]

    (1/6866)

    [حديث: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن ... ]

    3700# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم أعلاه (أَبُو عَوَانَةَ): أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (حُصَيْن): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الحاء وفتح الصاد المهملتين، وأنَّ الأسماء بالضمِّ، والكُنى بالفتح، وهو ابن عبد الرحمن السُّلَميُّ.

    قوله: (قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ): تَقَدَّم في أوَّل مناقبه متى أُصيبَ رضي الله عنه، وسيأتي هنا أنَّه ما أتت عليه رابعةٌ من حين المقالة حتَّى أُصيبَ.

    قوله: (عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ النَّوويَّ قال: الصحيح في حذيفة بن اليماني وابن أبي الموالي وابن العاصي وابن الهادي إثباتُ الياء، انتهى، وهو هنا في أصلنا بغير ياء، وقد تَقَدَّم حذيفة مترجمًا، ولِمَ قيل لأبيه: (اليماني) فيما مضى.

    قوله: (وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ): هو بضمِّ الحاء المهملة، وفتح النون، مصغَّر، وعثمان صحابيٌّ شهِد أُحُدًا وما بعدها، بقي إلى زمن معاوية رضي الله عنه.

    قوله: (حَمَّلْنَاهَا أَمْراً هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ): أي: حمَّلنا أرض الخراج من الخراج ما تحتمل أو تطيق.

    قوله: (مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ): (كبير)؛ بالموحَّدة، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (أَوِ النَّحْلِ): هو بالجرِّ؛ أي: سورة (النَّحل).

    قوله: (أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ): (نحوَ): منصوبٌ معطوفٌ على (سورةَ) المنصوبة على المفعوليَّة لـ (قرأَ)، وفي نسخة: (بسورة)، وهذه في هامش أصلنا، فعلى هذه (نحو) بالجر.

    قوله: (قَتَلَنِي _أَوْ أَكَلَنِي_ الْكَلْبُ): قيل: ظنَّ أنَّ كلبًا عضَّه لمَّا جُرِح، وكان يقول: ما أظنُّه إلَّا كلبًا حتَّى طعنه الثالثة.

    قوله: (فَطَارَ الْعِلْجُ): تَقَدَّم اسم الذي طعن عمر رضي الله عنه، وأنَّه نصرانيٌّ أو مجوسيٌّ، وأنَّ اسمه فيروز، و (العِلْج)؛ بكسر العين المهملة، وإسكان اللام، وبالجيم: الرَّجل من كُفَّار العجم وغيرهم.

    [ج 2 ص 18]

    (1/6867)

    قوله: (حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ): تنبيه: ذكر ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة كُليب من عند عبد الرزاق: عن مَعْمَر عن الزُّهريِّ: أنَّ أبا لؤلؤة طعن اثنَي عشر رجلًا، فمات منهم ستة؛ منهم: عمر وكُليب، وعاش منهم ستة، ووجه الجمع مع أنَّ حديث «الصحيح» صحيح، وكلام الزُّهري موقوفٌ عليه، وما أدرك القصَّة أيضًا؛ هو: أنَّ من قال: (ثلاثة عشر)؛ عدَّ عمر، ومن قال: (اثني عشر)؛ أسقطه، وكذا العمل في الميت منهم، والله أعلم، وإن كان يبعد هذا التأويل مع قوله: (فمات منهم ستة)، أو أنَّ رواية: (اثني عشر) لا تنافي (ثلاثة عشر)؛ لأنَّها من باب مفهوم العدد، وذكر الذَّهبيُّ في «المشتبه» في (الجرَّار)؛ بالجيم وراءين: وكليب بن قيس اللَّيثيُّ الجرَّار الذي وثب على أبي لؤلؤة فقتله أبو لؤلؤة ذكره ابن الفوطيِّ في كتاب «بدائع التُّحَف في ذكر من نُسِب من العلماء إلى الصَّنائع والحِرَف»، وقال: إنَّما قيل له: الجرَّار؛ لإقدامه في الحرب، انتهى، وكليب هذا من الصَّحابة، ذكره أبو عمر في «الاستيعاب» في (باب كُليب)، قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: قلت: سُمِّي منهم كليب بن البُكَيْر الليثيُّ، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن.

    قوله: (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ): هذا الرَّجل من المسلمين لا أعرفه، وفي «الاستيعاب»: أنَّه رجلٌ من أهل العراق، وقال ابن شيخنا البلقينيِّ: إنَّ في «دُوَل الإسلام» للذَّهبيِّ: أنَّه أخذ عبد الله بن عوف بساطًا، ورماه به، وقبضه، انتهى، وفي خط ابن الحسبانيِّ في «دُوَل الإسلام»: أنَّه عبد الرحمن بن عوف، انتهى، قال: وفي «طبقات ابن سعد»: أنَّه أخذه رهطٌ من قريش؛ منهم هاشم بن عتبة ورجل من بني سهم، فطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة، وفيه: أنَّ أبا لؤلؤة طعن نفسه بالخنجر حتَّى مات، فاحتزَّ رأسه عبد الله بن عوف، قال: وفي «ذيل الاستيعاب»: أنَّ اسم الذي ألقى عليه البرنس حطَّان التميميُّ، انتهى، وفي كلام بعض حُفَّاظ المِصريِّين في «مغازي يحيى بن سعيد الأمويِّ»: أنَّ اسمه حطَّان، وفي «طبقات ابن سعد»: (فقام إليه هاشم بن عقبة، وعبد الله بن عوف، وغيرهما، وطرح عليه عبد الله بن عوف خميصة، فنحر نفسه، فاحتزَّ رأسه عبد الله بن عوف)، وعبد الله بن عوف مذكورٌ في «الصَّحابة»: أنَّه عبد الله بن عوف، له ذكرٌ في حديث مرسَل، قال ابن سميع: هو تابعيٌّ بالشام، ولهم: عبد الله بن عوف الأشجُّ، له وِفادةٌ، نزل البصرة، ذكره أبو موسى، ولهم ثالثٌ: عبد الله بن عوف الزُّهريُّ، أخو عبد الرحمن أحدِ العشرة، من مُسْلِمة الفَتْح، ذكره أبو موسى، فهؤلاء ثلاثةٌ ذُكِروا في الصَّحابة، ولعله الزُّهريُّ أخو ابن عوفٍ أحد العشرة، والله أعلم.

    (1/6868)

    قوله: (فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً): في «الاستيعاب»: أنَّه قرأ بأقصر سورتين في القرآن: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} و {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ}، ثم ذكر في «الاستيعاب» عن الواقديِّ مسندًا إلى عامر بن عبد الله بن الزُّبير عن أبيه: أنَّه قرأ في الركعتين بـ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}.

    قوله: (فَجَالَ سَاعَةً): أي: دارَ.

    قوله: (فَقَالَ: غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ): تَقَدَّم اسمه _لعنه الله_ فيروز.

    قوله: (الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ): (الصَّنَع)؛ بفتح الصاد المهملة والنون، وبالعين المهملة أيضًا، يقال: رجلٌ صَنِيع اليدين، وصِنْع اليدين أيضًا؛ بكسر الصاد [1]؛ أي: صانع حاذِق، وكذلك رجلٌ صَنَعُ اليدين؛ بالتحريك، يقال: إنَّ أبا لؤلؤة هذا قاتل عمر كان نجَّارًا.

    قوله: (مِيْتَتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ): (مِيْتَتِي)؛ بكسر الميم، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم مثنَّاتين فوق؛ الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة؛ لياء الإضافة، كذا في أصلنا، وفي الهامش: (مَنيَّتِي)؛ بفتح الميم، ثم نون، ثم مثنَّاة تحت مشدَّدة، ثم مثنَّاة فوق مكسورة؛ للإضافة، وعلى هذه النُّسخة علامة أبي الهيثم وغيره، والله أعلم.

    قوله: (أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ): هو جمع عِلْج، وقد تَقَدَّم قريبًا ما [2] هو العِلجُ.

    قوله: (إِنْ شِئْتَ؛ فَعَلْتُ): (شئتَ)؛ بفتح تاء الخطاب، و (فعلتُ)؛ بضمِّ تاء المتكلِّم.

    قوله: (فَاحْتُمِلَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ): (كأنَّ): هي التي من أخوات (إنَّ)، و (النَّاسَ): منصوبٌ اسمها.

    قوله: (قَبْلَ يَوْمِئِذٍ): (قبل): منصوب، و (يومِئذٍ): مجرور بالإضافة، ويجوز نصب (يومئذٍ).

    قوله: (فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ): (أُتيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والنَّبيذ معروف؛ وهو أن يوضع تمر أو زبيب في ماء، ويُنقَع، ولم يكن مسكرًا، حاشا لله، وهذا ظاهرٌ لا شك فيه.

    قوله: (ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ): (أُتيَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ): كذا في أصلنا، وفي الهامش: (فعرفوا) نسخة، وعليها علامة راويها و (صح).

    قوله: (وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ): هذا الشاب لا أعرفه، وقد قال ابن شيخنا البلقيني في هذا: إنَّه ابن عبَّاس، وذكر مستنده من «طبقات ابن سعد»، وقد ذكره في (الجنائز)؛ فانظره، فإنَّ فيها أنَّه من الأنصار، والله أعلم، انتهى، وكذا قال نحوه بعض حُفَّاظ المِصريِّين، قال: ويحتمل أنَّه أطلق عليه أنصاري _يعني: على ابن عبَّاس_ بالمعنى الأعمِّ، وفي (المغازي) من «مصنَّف ابن أبي شيبة» من طريق المِسْوَر بن مَخْرَمة ما يرشد إلى أنَّه المِسْوَر، انتهى، والمِسْوَر أيضًا قرشيٌّ ليس أنصاريًّا.

    (1/6869)

    قوله: (وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ): هو بفتح القاف والدال؛ أي: سابقة ومتَقَدَّم فضل، ومنه قوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ} [يونس: 2]، كذا في أصلنا: (قَدَم)، وفي الهامش نسخة: (وقِدَم)؛ بكسر القاف وفتح الدال بالقلم، ولم يذكر ابن قُرقُول أنَّ هذا اللفظ يقال فيه بالوجهين، وإنَّما ذكر غيره، والله أعلم.

    قوله: (مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ): الثلاثة بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (ثُمَّ شَهَادَةٌ): هي مرفوعة منوَّنة، كذا في أصلنا، والظاهر أنَّه مرفوعٌ فاعل فعل مقدَّر؛ تقديره: حصلت لك شهادة، أو خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: ثم خاتمةُ عملك شهادةٌ، ورأيت في نسخة صحيحة: (شهادةٍ): مجرور مُنَوَّن بالقلم، وجرُّه على أنَّه معطوفٌ على المجرور، وهو (وقدم)، وكذا رأيته مجرورًا بالقلم في خطِّ شيخنا الإمام أبي جعفر الأندلسيِّ في نسخته.

    قوله: (وَدِدْتُ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الدال الأولى، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (أَبْقَى لِثَوْبِكَ): هو بالموحَّدة، قال ابن قُرقُول: (أبقى لثوبك): كذا الرِّواية، قال الأصيليُّ: ومنهم من يقول: (أنقى)؛ بالنون، انتهى، وهذه الثانية هي في هامش أصلنا نسخة.

    قوله: (وَأَتْقَى لِرَبِّكَ): هو بالمثنَّاة فوق ليس غير، من التَّقوى.

    قوله: (فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً أَوْ نَحْوَهُ): هذا ردٌّ لما قاله القاضي عياض: إنَّ دَين عمر رضي الله عنه كان ثمانية وعشرين ألفًا، وقد قدَّمتُ البيِّنة على ذلك في (الاستسقاء) في ذكر دار القضاء، وذكرتُ هناك أنَّ القاضيَ له سلفٌ في هذا القدر.

    قوله: (فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ): (أدِّ)؛ بفتح الهمزة وكسر الدال المُشدَّدة: أمر بالأداء، و (عنِّي): جارٌّ ومجرور.

    قوله: (وَلاَ تَقُلْ: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ): يجوز في (أمير) الرَّفع والنَّصب، وإعرابهما ظاهرٌ.

    قوله: (فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ): هذا الرجل لا أعرف اسمه.

    قوله: (فإذا أنا قُبِضْتُ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

    [ج 2 ص 19]

    قوله: (فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بن الخَطَّاب ... ) إلى آخره: إنَّما أمرهم بإعادة الاستئذان بعد موته ورعًا؛ مخافةَ أن تكون أذِنت له في حياته حياءً ومحاباةً، والله أعلم.

    قوله: (فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ): أي: دخلتْ عليه.

    قوله: (أَوْصِ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (اسْتَخْلِفْ): بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها، وهذا ظاهرٌ أيضًا.

    قوله: (بِهَذَا الأَمْرِ): أي: الخِلافة.

    قوله: (النَّفَرِ، أَوِ الرَّهْطِ): تَقَدَّم أنَّ (النَّفر) و (الرَّهط): ما دون العشَرة من الرِّجال، وقد تَقَدَّم مطوَّلًا.

    (1/6870)

    قوله: (فَسَمَّى عَلِيّاً ... ) إلى آخره: تَقَدَّم في (الجنائز) أنَّه لم يذكر سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، ولا أبا عُبيدة عامر بن عبد الله بن الجرَّاح، أمَّا أبو عُبيدة؛ فإنَّه كان قد توفِّي في سنة ثماني عشرة، والقصَّة تَقَدَّمت أنَّها كانت سنة ثلاث وعشرين، وأمَّا سعيد؛ فقيل: لم يذكره؛ لقرابته منه، فتركه تورُّعًا، كما أنَّه لم يذكر ابنه عبدَ الله، وقيل: لأنَّه كان غائبًا، والله أعلم.

    قوله: (فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْداً): هذا هو سعد بن أبي وقاص، وهذا ظاهرٌ، ويؤخَذ ممَّا قبله.

    قوله: (أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (ما): زائدة؛ للتأكيد.

    قوله: (بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ): هم من صلَّى القِبلتَين منهم مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمَّا من أسلم بعد تحويل القِبلة؛ فلا يُعدُّ فيهم، قاله القاضي عياض، وقد اختُلِف في المهاجرين الأوَّلين؛ فقيل ما ذكرتُه، وكذا عن أبي موسى الأشعريِّ وابن المُسَيّب، وقيل: إنَّهم الذين أدركوا بيعة الرضوان منهم، قاله الشَّعْبيُّ وابن سيرين، فعلى القول الأوَّل: هم الذين هاجروا قبل التحويل، والتحويل سنة اثنتين من الهجرة، وعلى الثاني: هم الذين هاجروا قبل الحديبية، وهي في ذي القعدة سنة ستٍّ.

    قوله: (أَنْ يُقْبَلَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (يُعفَى)، وقوله: (وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ)؛ أي: في غير الحدود، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (رِدْءُ الإِسْلاَمِ): الرِّدْءُ؛ بكسر الراء، ثم دال مهملة ساكنة، ثم همزة مضمومة، ومعناه: عونهم، والرِّدْءُ: العون والناصِرُ.

    قوله: (وأَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ): (يُؤخَذ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (فضلُهم): مرفوعٌ على الاستثناء المفرَّغ.

    قوله: (بِالأَعْرَابِ): هم سُكَّان البوادي، وكلُّ بدويٍّ أعرابيٌّ وإن لم يكن من العرب، وإن كان يتكلَّم بالعربيَّة وهو من العجم؛ قلت: هو عَرَبَانيٌّ، والعجميُّ: من يُنسَب إلى العجم وإن كان فصيحًا، والأعجميُّ: الذي لا يُفصِح وإن كان عربيًّا، قاله ابن قتيبة، وقال أبو زيد: القيسيُّون يقولون: هي الأعجم، ولا يعرفون العجم، قال ثابت: وقول أبي زيد أولى، والله أعلم.

    قوله: (وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ): هو بفتح الدال المهملة المُشدَّدة؛ ومعناه: الذين يمدُّونهم، ويُعينُونهم، ويكثرون جيوشهم إذا استنفروهم، ويمدُّونهم أيضًا: يأخذون من صدقاتهم، وكلُّ ما أعنتَ [به] قومًا في حربٍ أو غيره؛ فهو مادَّةٌ لهم، يقال: مددنا القومَ وأمددناهم: صِرنا لهم مَدَدًا.

    قوله: (حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ): الحَوَاشِي؛ بفتح الحاء المهملة، ثم واو مخفَّفة، وبعد الألف شينٌ معجمة مكسورة، وحَوَاشِي أموالهم: هي صغار الإبل؛ كابن المخاض، وابن اللَّبون، واحدها: حاشية، وحاشية كل شيء: جانبه وطرفه، وهذا الآخر: «اتَّقِ كرائم أموالهم»، والله أعلم.

    (1/6871)

    قوله: (وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ [اللَّهِ] وَذِمَّةِ رَسُولِهِ): الذِّمَّة بمعنى: العهد والأمان، والمراد: أهل الذِّمَّة، وسُمُّوا أهل الذِّمَّة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانِهم، والله أعلم.

    قوله: (أَنْ يُوفَى): هو بإسكان الواو وتخفيف الفاء، ويجوز فتح الواو وتشديد الفاء، وقد تَقَدَّم، لغتان، وهو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا: (وَأَنْ يُقَاتَلَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    قوله: (مِنْ وَرَائِهِمْ): معناه فيما يظهر: أي: أمامهم، و (وراء) من الأضداد، ومنه قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ} [الكهف: 79]، قرأها ابن عبَّاس شاذًّا: (أمامهم)، وكذا كان، وكذلك قوله تعالى: {وَمِن وَرَائِه عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم: 17]، والله أعلم، ومعنى الكلام _والله أعلم_: إنْ قَصَدهم عدوٌّ؛ فقاتِلوه [3].

    قوله: (فَلَمَّا قُبِضَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (أَدْخِلُوهُ): هو بقطع الهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (فَوُضِعَ): هو مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وكذا (فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ) مثلُه.

    قوله: (تَبَرَّأَ): هو مهموز الآخر، وهو فعلٌ ماضٍ.

    قوله: (مِنْ هَذَا الأَمْرِ): أي: أخرج نفسه من الخلافة.

    قوله: (فَنَجْعَلَهُ إِلَيْهِ): هو بنصب (نجعلَ) جواب الاستفهام.

    قوله: (واللهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ): الاسم الجليل: مرفوع، وكذا (الإسلام)، ورفعُهما ظاهرٌ.

    قوله: (فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر الكاف، كذا في أصلنا، وفي الحاشية ما لفظه: قال أبو ذرٍّ: (فأَسكَت)؛ بفتح الهمزة والكاف أصوب، انتهت، (أَسكَت)؛ بفتح الهمزة والكاف قال ابن قُرقُول: (أَسكَت القومُ: سكتوا، يقال: سكت وأَسْكت، وقيل: أطرقوا، وكذا ذكر في (فأَسكت النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم)، وفي «الصِّحاح»: تقول: تكلَّم الرجل ثم سكت؛ بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلَّم؛ قلت: أَسْكَت، وقال ابن القطَّاع: وسكت سكوتًا وسُكاتًا وأَسكت: صمت، ويقال في أسكت: أطرق وانقطع، والغضب: سكت سكوتًا.

    [ج 2 ص 20]

    قوله: (وَاللَّهُ عَلَيَّ): الاسم الجليل: مرفوع، و (عليَّ): جارٌّ ومجرور.

    قوله: (ألَّا آلُوَ): (آلُوَ)؛ بمدِّ الهمزة، ثم لام مضمومة؛ أي: لا أقصِّر.

    قوله: (والقِدَمُ [4] فِي الإِسْلاَمِ): هو بكسر القاف، كذا هو في أصلنا، وقد عمل الآن (قِدَم) و (قَدَم) ضبط بالقلم بهما، قال ابن قُرقُول: وفي (فضل عثمان رضي الله عنه): (والقَدَم في الإسلام): كذا ضبطناه عن القابسي، وضبطه بكسرها، ولكِليهما وجهٌ صحيح، والأوَّل أوجه وإن كانا بمعنًى، وكذا في (فضائل سعد): (وكان ذا قَدَم في الإسلام)، ويُروى بالكسر، انتهى.

    قوله: (مَا قَدْ عَلِمْتَ): هو بفتح تاء الخطاب، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (فَاللهَ عَلَيْكَ): الاسم الجليل منصوبٌ.

    قوله: (وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ): (ولَجَ): تَقَدَّم أنَّ معناه: دخل، و (أهل الدار): الحارة والمحلَّة.

    ==========

    [1] في (أ): (النُّون)، وهو وهمٌ.

    (1/6872)

    [2] في (أ): (من)، وكتب فوقها المثبت من غير تصحيح.

    [3] في (أ): (قاتلوه) مكسورة التَّاء، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

    [4] في (أ): (وقدم)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

    (1/6873)

    [باب مناقب علي بن أبي طالب]

    (بابُ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) ... إلى (بابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ)

    تنبيه: قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: قال أحمد ابن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يُروَ في فضائل أحدٍ من الصَّحابة بالأسانيد الحِسان ما روي في فضائل عليِّ بن أبي طالب، وكذلك قال أحمد بن شعيب النسويُّ، انتهى.

    هو عليُّ بن أبي طالب عبد مناف، هذا هو المشهور، وقيل: اسمه كنيته، وقيل: اسم أبي طالب: عمران، ولا يصحُّ، وقد قدَّمتُ ذلك، ابن عبد مناف، وأمُّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهاجرت، وتوفِّيت في حياةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وصلَّى عليها عليه السلام، ونَزل في قبرها، وحَمَل في سريرها، وهي أوَّل هاشميةٍ وَلَدت هاشميًّا، كنية عليٍّ رضي الله عنه: أبو الحسن، كما قال البُخاريُّ، وكنَّاه عليه السلام: أبا تُراب، وهو لقبٌ له، كنَّاه بذلك عليه السلام في غزوة العشيرة، كما سيأتي فيها من كلامي، ذكر ذلك ابن إسحاق، وهو في «مستدرك الحاكم»، وسكت عليه الذَّهبيُّ الحافظ، وقد ذكر ابن إمام الجوزيَّة الحافظ شمس الدين هذا المكان؛ أعني: أنَّه عليه السلام كنَّاه بذلك في العُشيرة من عند الدِّمياطيِّ، وتعقَّبه وقال: إنَّما كنَّاه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا تراب بعد بدر، وذكر قصَّة «الصحيح»، ثم قال: وهو أوَّل يوم كنى فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا تراب، فغلَّط هذا المكان، وجعل قصَّة «الصحيح» هي الصحيحة، ولم يجمع بينهما، انتهى.

    مناقبُه غزيرة، فقيل: منها: أنَّه أوَّل من أسلم، وادُّعي فيه الإجماع، وفيه نظر، ضربه عبد الرحمن بن مُلْجَم؛ بضمِّ الميم، وإسكان اللام، وفتح الجيم، وهذا ظاهرٌ، وقد ضبطه كذلك الإسنويُّ في «مُهِمَّاته» في (قتال البُغاة)، ومِن قبله النَّوويُّ في «تهذيبه» في الأبناء، وزاد: أنَّه بسكون اللام، وعبد الرحمن خارجيٌّ عدادُه في بني مراد، فقُطِعت أربعته ولسانه، وسُمِلت عيناه، ثم أُحرِق، وكان عابدًا قانتًا لله، لكن خُتِم له بشرٍّ، نسأل الله العافية، ضربه ابن مُلْجَم بسيف مسموم في جبهته، فأوصله دماغه، فقُتِل ليلة الجمعة، وقيل غير ذلك، وتوفِّي عليٌّ رضي الله عنه بالكوفة ليلة الأحد التي تلي الجمعة تاسع عشر رمضان سنة أربعين، وقال مغلطاي: وفي «تاريخ ابن أبي عاصم»: سنة تسع وثلاثين، وفيه غرابةٌ، انتهى، وهو ابن ثلاثٍ وستِّين سنةً على الأصحِّ.

    تنبيه: قد شارك ابنَ مُلْجَم في دم عليٍّ رضي الله عنه شخصٌ يقال له: شَبيب بن بَجَرَة خارجيٌّ أشجعيٌّ، وبَجَرَة: بفتح أوَّله _وهو موحَّدة_ ثم جيمٌ ثم راء مفتوحتان، ثم تاء التأنيث، ذكره ابن ماكولا في «إكماله»، والذَّهبيُّ في «المشتبه».

    (1/6874)

    ثم اعلم أنَّ النَّسائيَّ ذكر حديث عَمَّار بن ياسر عنه عليه السلام أنَّه قال لعليٍّ: «أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربُك على هذا _ووضع يده على رأسه_ حتى تخضب هذه»؛ يعني: لحيته، وعبد الرحمن بن مُلْجَم ذكره الذَّهبيُّ في «تجريد الصَّحابة»، وقال: ذكر ابنُ يونس أنَّه قرأَ على مُعاذ بن جبل، انتهى، وذكره في «ميزانه»، والله أعلم.

    (1/6875)

    [حديث: لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه]

    3701# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ): هذا هو عبد العزيز بن أبي حَازم، و (أَبُو حَازِمٍ)؛ بالحاء المهملة: سلمة بن دينار الأعرج المدنيُّ، تَقَدَّم.

    قوله: (يَدُوْكُونَ): هو بفتح المثنَّاة تحت، وضمِّ الدال المهملة، ثم واو ساكنة، ثم كاف مضمومة، قال ابن قُرقُول: يخوضون، والدوكة: الاختلاط والخوض، وضبطه الأصيليُّ: (يُدَوَّكُون)، وعند السمرقنديِّ: (يذكرون ليلتهم أيُّهم يعطاها)، فإذا صحَّت الرواية؛ فهو بمعنى الأوَّل، لكنَّه غير معروفٍ.

    قوله: (فَأَرْسِلُوا): هو بكسر السين، فعل أمر، وقطع الهمزة، وفي (خيبر) في أصلنا بالقلم: فعل ماضٍ وفعل أمر.

    قوله: (فَأُتِيَ بِهِ): (أُتيَ): فعل مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والذي جاء به في «صحيح مسلم»: أنَّه سلَمة بن الأكوع، وقال ابن شيخنا البلقيني في (خيبر): والمرسل إليه هو سلمة بن الأكوع، وساق شاهده من «طبقات ابن سعد»، انتهى، ولا حاجة إلى عزوه إلى «الطبقات»، فهو في «مسلم»، ولفظه في «مسلم»: (ثم أرسلني)؛ يعني: النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قال: (فأتيت عليًّا فجئت به أقودُه وهو أرمد حتَّى أتيت به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)، ذكر ذلك في بيعة الحديبية، وغزوة ذي قرد، وخيبر في حديث سلمة الطويل؛ فاعلمه.

    قوله: (بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ): تَقَدَّم أنَّه يقال: بصق، وبسق، وبزق، من حيث اللُّغة.

    قوله: (فَقَالَ: انْفُذْ): هو بهمزة وصل، فإن ابتدأت بها؛ ضممتَها وضممتَ الفاء، وبالذال المعجمة؛ أي: انفصِلْ وامْضِ.

    قوله: (على رِسْلِكَ): هو بكسر الراء وفتحها باختلاف المعنى، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (حُمْرُ النَّعَمِ): (حُمْر)؛ بضمِّ الحاء وإسكان الميم: جمع أحمر، قال ابن قُرقُول: (حُمْر النَّعَم)؛ يعني: الإبل، وحُمرها: أفضلُها عند العرب.

    [ج 2 ص 21]

    (1/6876)

    [حديث: لأعطين الراية غدًا رجلًا يحبه الله ورسوله]

    3702# قوله: (حَدَّثَنَا حَاتِمٌ): هذا هو حاتم بن إسماعيل، يروي عن هشام بن عروة ويزيد بن أبي عُبيد، وعنه: ابن معين، وابن راهويه، وغيرهما، ثقة، توفِّي سنة (187 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمةٌ في «الميزان»، وقد تَقَدَّم.

    ==========

    [ج 2 ص 22]

    (1/6877)

    [حديث: اجلس يا أبا تراب]

    3703# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا أنَّه بالحاء المهملة، وأنَّ (أبا حَازم) اسمه سلمة بن دينار.

    قوله: (أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ): هذا الرجل لا أعرف اسمه، وكذا قال بعض المِصريِّين: إنَّه لم يُسَمَّ.

    قوله: (هَذَا فُلاَنٌ، لِأَمِيرِ الْمَدِينَةِ): في «صحيح مسلم»: (أنَّه رجلٌ من آل مروان)، ذكر ذلك في مناقب عليٍّ رضي الله عنه، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: أمير المدينة هو مروان بن الحكم، انتهى، وهذا مبايِنٌ لما نقلتُه عن «صحيح مسلم».

    قوله: (فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً): معنى (استطعمت الحديث): طلبتُ منه أن يحدِّثني الحديث، و (سَهْل): هو ابن سعد.

    قوله: (وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ) هو بالموحَّدة والسين المهملة، هي كنية سهل بن سعد، ويقال: كنيته أبو يحيى، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ رضي الله عنهما.

    قوله: (يَا أَبَا تُرَابٍ، مَرَّتَيْنِ): كذا في هذا الحديث، وفي «السِّيرة» لابن إسحاق: أنَّه عليه السلام كنَّاه بذلك في غزوة العشيرة، وقد قدَّمتُ ما قاله ابن القَيِّم قريبًا، وسأذكر ذلك في (باب الكُنية للصَّبيِّ)، وأجمعُ بينهما، وما قاله ابن إسحاق هو في «مستدرَك الحاكم»، وسكت عليه الذَّهبيُّ في «تلخيصه».

    ==========

    [ج 2 ص 22]

    (1/6878)

    [حديث: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر ... ]

    3704# قوله: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ): هو حُسين بن عليِّ بن الوليد، الجُعْفيُّ مولاهم، الكوفيُّ المقرئ الزاهد، أبو محمَّد وأبو عبد الله، أحد الأعلام، عن خاله الحسن بن الحرِّ، والأعمش، وجعفر بن برقان، وزائدة، وجماعة، وعنه: أحمد، وإسحاق، وابن معين، ومحمد بن رافع، وخَلْق، قال أحمد: ما رأيت أفضلَ منه ومن سعيد بن عامر، توفِّي سنة (203 هـ) في ذي القعدة، أخرج له الجماعة، و (زَائِدَة) هذا: هو ابن قدامة أبو الصَّلت الثقفيُّ، تَقَدَّم، وهو ثقةٌ حُجَّة، و (أَبُو حَصِينٍ): تَقَدَّم، اللَّيثيُّ، بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، واسم هذا عثمان بن عاصم، تَقَدَّم، و (سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ)؛ بضمِّ العين، وهذا معروفٌ عند أهله.

    قوله: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ ... ) إلى آخره: هذا الرَّجل تَقَدَّم اسمُه قريبًا: حكيمًا، وسيأتي في تفسير (البقرة) تسميةٌ من كلام شيخنا، وتَقَدَّم أنَّه العلاء بن عرار، قاله ابن شيخنا البلقيني، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هذا الرَّجل هو نافع بن الأزرق، فقد روى ابن أبي شيبة من هذا الوجه في هذه القصَّة، فذكر طرفًا من الحديث، وفي آخره: فإنِّي أُبغِضه، واتَّهم الرجل، ثم روى من وجه آخر: أنَّ نافع بن الأزرق جاء إلى ابن عمر، فقال: إنِّي لَأُبغِضُ عليًّا، فقال: أبغضك الله، وليس هذا السَّكسكيَّ المتَقَدِّم فيما أظنُّ، انتهى، والظَّاهر: أنَّ هذا الكلام سقط منه شيءٌ، والله أعلم، ويحتمل ألَّا يكون سقط منه شيءٌ، ويكون ذكره بنسبه، وهو يزيد بن بشر السكسكيُّ.

    قوله: (فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ): أي: ألصقه بالرَّغام _وهو التُّراب_ بفتح الراء، و (أرغم): مُتَعَدٍّ، وكأنَّه ضمَّنه فعلًا آخر، وكذا الثانية: (فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ).

    قوله: (فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ): (اجْهَد): ثلاثيٌّ، فعل أمر، همزته همزة وصل، و (جهدَك): منصوب على المصدر؛ أي: افعل في حقِّي ما تسْتطيعُ وتقدر عليه.

    ==========

    [ج 2 ص 22]

    (1/6879)

    [حديث: ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما ... ]

    3705# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّ لقبه بُنْدار، وتَقَدَّم ما معنى البُنْدار، وكذا تَقَدَّم (غُنْدَرٌ) ضبطًا ومعنًى، ومن لقَّبه بذلك، وأنَّه محمَّد بن جعفر، و (الْحَكَم): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن عتيبة القاضي العالم، و (ابْنُ أَبِي لَيْلَى): تَقَدَّم مِرارًا عبد الرحمن بن أبي ليلى.

    قوله: (مِنْ [أَثَرِ] الرَّحَى): هو مقصورٌ معروف.

    قوله: (فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ): (أَتَى): فعل ماضٍ بفتح الهمزة والتاء، والسَّبْيُ: مرفوعٌ فاعل، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    ==========

    [ج 2 ص 22]

    (1/6880)

    [حديث: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى]

    3706# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم أعلاه وبعيدًا مرارًا، وكذا تَقَدَّم أعلاه وبعيدًا مرارًا (غُنْدُر): محمَّد بن جعفر، و (سَعْد): هو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزُّهريُّ، تَقَدَّم، روى عن خالَيه: إبراهيم بن سعد، وعامر بن سعد، ورأى ابن عمر، تَقَدَّم، و (إِبْرَاهِيم بْنُ سَعْدٍ): هو ابن أبي وقَّاص الزُّهريُّ، يروي عن أبيه، وخزيمة بن ثابت، وأسامة بن زيد، وعنه: ابن أخته سعد بن إبراهيم، وأبو جعفر الباقر، وحبيب بن أبي ثابت، وجماعة، وثَّقه ابن سعد، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، وقوله: (عَنْ أَبِيهِ): تَقَدَّم أنَّه سعد بن أبي وقَّاص قُبيله.

    قوله: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى): قال القاضي عياض: هذا الحديث تعلَّقت به الرَّوافض والإماميَّة وسائر فرق الشِّيعة في أنَّ الخلافة لعليٍّ حقًّا، وأنَّه رضي له بها، قال: ثم اختلف هؤلاء؛ فكفَّرت الروافض سائرَ الصَّحابة في تقديمهم غيره، وزاد بعضُهم فكفَّر عليًّا؛ لأنَّه لم يقم في طلب حقِّه بزعمهم، قال: وهؤلاء أسخف مذهبًا وأفسد عقلًا من أن يُردَّ عليهم أو يُناظروا، قال القاضي: ولا شكَّ في كفر من قال هذا؛ لأنَّ من كفَّر الأمة كلَّها والصدر الأوَّل فقد أبطل الشريعة وهدم الإسلام، وأمَّا من عدا هؤلاء الغلاة؛ فإنَّهم لا يسلكون هذا المسلك، وأمَّا الإماميَّة وبعض المعتزلة؛ فيقولون: مخطئون في تقديم غيره لا كفَّار، وبعض المعتزلة لا يقولون بالتخطئة؛ بجواز تقديم المفضول عندهم، وهذا الحديث لا حُجَّة فيه لأحدٍ منهم، بل هو إثبات فضيلة لعليٍّ، لا تعرُّض فيه لكونه أفضلَ من غيره أو مثله، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده؛ لأنَّه عليه السلام إنَّما قال هذا لعليٍّ حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ويؤيِّد هذا أنَّ هارون المشبَّه به لم يكن خليفةً، بل توفِّي في حياةِ موسى قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنةً على ما هو مشهورٌ عند أهل الأخبار والقصص، قالوا: وإنَّما استخلفه حين ذهب لميقاتِ ربِّه للمناجاة، نقله النَّوويُّ عن القاضي، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 22]

    (1/6881)

    [حديث: اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف ... ]

    3707# قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ، و (ابْنُ سِيرِينَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن سيرين، وتَقَدَّم عدد بني سيرين في أوَّل هذا التعليق، و (عَبِيدَة): تَقَدَّم أنَّه بفتح العين، وكسر الموحَّدة، وأنَّه عَبِيدة بن عمرو السَّلمانيُّ، وتَقَدَّم الكلام عليه، وذكرتُ من يقال له: عَبَيدة _كهذا_ في «البُخاريِّ» و «مسلم»؛ وهم: عامر بن عَبِيدة الباهليُّ، وعَبِيدة بن عمرو السَّلمانيُّ هذا، وعَبِيدة بن حُمَيد، وعَبِيدة بن سفيان، وذكرت نسب السَّلمانيِّ.

    قوله: (اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ): (اقضُوا)؛ بهمزة وصلٍ، فإن ابتدأتَ بها؛ كسرتَها، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (أَوْ أَمُوتَ): هو بنصب (أموت)، ويجوز رفعُه.

    قوله: (فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ): يعني: محمَّدًا.

    (1/6882)

    [باب مناقب جعفر بن أبي طالب]

    (بابُ مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ) ... إلى (بابُ مناقبِ الأَنْصارِ)

    اعلم أنِّي قد قدمت أنَّ أفضل الصَّحابة على الإطلاق أبو بكر الصِّدِّيق، ثم عمر بن الخَطَّاب، ثم عثمان قبل عليٍّ، وقيل: بالعكس، والأوَّل ذهب إليه الأكثرون، قال أبو منصور البغداديُّ من الشافعيَّة: أصحابنا مُجمِعون على أنَّ أفضلهم الخلفاء الأربعة، ثم العشرة، ثم البدريُّون، ثم أصحاب أُحُد، ثم أهل بيعة الرضوان، وقد قدَّمتُ ما قاله ابن عبد البَرِّ في تقديم أهل بيعة الرضوان بعد البدريين، وذكرتُ أيضًا ما قاله ابن عبد البَرِّ في أوَّل (مناقب الصَّحابة)، وهو غريب، والذي عمله

    [ج 2 ص 22]

    البُخاريُّ ليس كذلك، والظَّاهر أنَّه مشى على ما سيق عن ابن عبد البَرِّ في أوَّل (مناقب الصَّحابة)، والله أعلم، وكان الأَولى والأحسن _والله أعلم_ ذكر العشرة على ترتيبهم عنده، بل على ما سبق في الحديث، ثم ما ذكرناه عن أبي منصور، أو أنَّه تَقَدَّم بعد العشرة من رأى تقديمه، ويحتمل أن يكون جعفر عنده أفضلَ ممَّن ذكره بعده، وكما هو مقتضى كلام ابن عبد البَرِّ، وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: (ما احتذى النِّعالَ ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا ركب الكور بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من جعفر)، أخرجه النَّسائيُّ والتِّرمذيُّ، وقال: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، والحديث صحيحٌ على شرط البُخاريِّ غير أنَّ عكرمة مولى ابن عبَّاس يحايده مالك، ولم يخرِّج له مسلمٌ في الأصول، وإنَّما قرنه، والباقون قد أخرج لهم الأئمَّة السِّتَّة، والله أعلم بمرادِ البُخاريِّ، والحديث المشار إليه في «المستدرك» أيضًا، وقال: على شرط البُخاريِّ، وسكت عليه الذَّهبيُّ.

    كنيةُ جعفر: أبو عبد الله، وهو ذو الجناحين، وسيأتي الكلام على جناحيه، استُشهِد بغزوة مؤتة، وقد قدَّمتُ متى كانت، وقبره وقبر صاحبَيه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ظاهرة مشهورة بمؤتة من أرض الشام على نحو مرحلتين من بيت المقدس، قسم له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسهمه وأجره في بدر، كما رواه الحاكم، وسأذكره فيمن لم يحضر بدرًا وضُرب له بسهمه وأجره، وكان لجعفر يوم توفِّي إحدى وأربعون سنةً، وقيل غير ذلك.

    قوله: (أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي): الأُولى: بفتح الخاء، والثانية: بضمِّها، وقد قدَّمتُه فيمن يشبه النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في (الصُّلح).

    (1/6883)

    [حديث أبي هريرة: أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة ... ]

    3708# قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب أحد الأعلام، تَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (بِشِبَعِ بَطْنِي [1]): وفي نسخة: (لِشبَع)؛ باللام؛ أي: ليُشبِعه، كما قال: لملءِ بطني، قال ابن قُرقُول: ومثله: أنَّ موسى عليه السلام آجر نفسه بشِبْع بطنه؛ بإسكان الباء: اسم لما يُشبعُك، وبالفتح: مصدر لفعلك أو فعله، انتهى، وكذا قال الجوهريُّ في «صحاحهِ»: الشِّبَعُ _يعني: بفتح الباء_ نقيض الجُوع، والشِّبْع؛ بالكسر _يعني وسكون الباء_: اسمٌ لما أشبعك من شيءٍ، انتهى، وهو في أصلنا بفتح الباء فيهما، وينبغي أن يكون بالسكون فيهما، والله أعلم.

    قوله: (حَتَّى لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ): هو العجين المختمر، قال بعضُهم: ويروى: (الخبيز)؛ بالموحَّدة؛ أي: الخبز المأدوم، انتهى.

    قوله: (وَلاَ أَلْبَسُ الْحَبِيرَ): هو بفتح الحاء المهملة، وكسر الموحَّدة، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم راء، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (الحرير)، قال ابن قُرقُول: قيل: الجديد، وقال في الاختلاف: (ولا ألبس الحرير): كذا لجميعهم في (كتاب الأطعمة) من غير خلاف، وللأصيليِّ والقابسيِّ والحمُّوي والنَّسفيِّ وعبدوس في (كتاب المناقب): (الحبير)؛ بالباء بدلًا من (الحرير)، ولغيرهم فيه: (الحرير)، كما في (الأطعمة)، وصوابه بالباء، وهو الثوب المحبَّرُ.

    قوله: (أُلْصِقُ): هو بضمِّ الهمزة، وكسر الصاد المهملة، رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (بِالْحَصْبَاءِ): هو بإسكان الصاد المهملة، ثم موحَّدة، ممدود: الحصى الصِّغار.

    قوله: (وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِينِ جَعْفَرُ): كذا في أصلنا: بالهمز، وهي لغةٌ، وفي هامش أصلنا: (خيرَ)، وهذه الأكثر في اللُّغة.

    قوله: (إِنْ كان): (إِنْ)؛ بكسر الهمزة، وإسكان النون، وهذا ظاهرٌ.

    ==========

    [1] في (أ): (بطنه)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

    [ج 2 ص 23]

    (1/6884)

    [حديث: أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك ... ]

    3709# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس الحافظ الصَّيرفيُّ، وكذا تَقَدَّم (الشَّعْبِيُّ): أنَّه عامر بن شراحيل، وأنَّه بفتح الشين المعجمة، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ): هو عبد الله بن جعفر، والله أعلم، وأولاد جعفر ثلاثة من أسماء بنت عُمَيس: عبد الله، ومحمد، وعون، والعقب لعبد الله دون أخوَيه.

    قوله: (يَا بْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ): جاء في غير «البُخاريِّ»: أنَّه قُطِعت يداه يوم مؤتة، فجعل الله له جناحين يطير بهما في الجنَّة، وفي «التِّرمذيِّ» [1] من طريق أبي هريرة مرفوعًا: «رأيت جعفرًا يطير في الجنَّة مع الملائكة»، وفي إسناده مقالٌ، قال الإمام السُّهيليُّ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنَّة حيث شاء» ما لفظه: وممَّا ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين: أنَّهما ليسا كما يسبق إلى الوهم على مثل جناحَي الطائر وريشه؛ لأنَّ الصُّورة الآدميَّة أشرف الصُّور وأكملُها، وفي قوله: «إنَّ الله خلق آدم على صورته» تشريفٌ لها عظيم، وحاشا لله من التشبيه والتمثيل، ولكنها عبارة عن صفة مَلَكيَّة وقوَّة روحانيَّة أُعطيها جعفر كما أُعطيتها الملائكة، وقد قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه: 22]؛ فعبَّر عن العَضُد بالجناح توسُّعًا وليس ثَمَّ طيران، فكيف بمن أُعطيَ القوة على الطيران مع الملائكة؟! أخْلِق به إذًا أن يوصَف بالجناح مع كمال الصُّورة الآدمية وتمام الجوارح البشرية! وقد قال أهل العلم في أجنحة الملائكة: ليست كما يُتَوهَّم من أجنحة الطير، ولكنها صفاتٌ مَلَكيَّة لا تُفهَم إلَّا بالمعاينة، واحتجُّوا بقوله تعالى: {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]، فكيف يكون كأجنحة الطير على هذا؟ ولم يُر طائر له ثلاثة أجنحة ولا أربعة، فكيف بستِّ مئة جناح؛ كما جاء في صفة جبريل عليه السلام، فدلَّ على أنَّها صفاتٌ لا تنضبط كيفيَّتها للفكر، ولا ورد أيضًا في بيانها خبر، فيجب علينا الإيمان بها، ولا يفيدنا علمًا إعمالُ الفكر في كيفيَّتها، وكلُّ امرئٍ قريب من معاينة ذلك فإمَّا أن يكون من الذين {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنَّة الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]، وإمَّا أن يكون من الذين تقول لهم الملائكة وهم {بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93]، انتهى كلامُه، وهو غريبٌ مستفادٌ مما يستفاد.

    (1/6885)

    وقد جاء القرآن بأجنحة الملائكة، وجاءت أحاديثُ كثيرةٌ فيها ذكر الأجنحة للملائكة؛ منها في «مسلم»: لمَّا يهبط عيسى عليه السلام وهو واضعٌ يديه على أجنحة ملَكَينِ، ومنها: «ما زالت الملائكةُ تُظِلُّه بأجنحتها حتَّى رُفِع»، وغير ذلك، وحديثٌ رواه الدارقطنيُّ من حديث ابن عبَّاس قال: لمَّا نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}؛ جاءت امرأة أبي لهبٍ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فلما رآها؛ قال: يا رسول الله؛ إنَّها امرأة بذيئة، فلو قمت، لا تؤذيك، فقال: «إنَّها لن تراني»، فجاءت، فقالت: يا أبا بكر؛ صاحبك هجاني، قال: لا، وما يقول الشِّعر، قالت: أنت عندي تصدق، وانصرفت، قلت: يا رسول الله؛ لم تَرَكَ؟! قال: «لا، لم يزل ملَكٌ يسترني

    [ج 2 ص 23]

    بجناحه»، فهذا تصريحٌ بأنَّه الجناح المحسوس، والقوة والملَكة ليست جسمًا، فيحتاج السُّهيليُّ إلى جوابٍ عن هذا، فإن كان ما نقله السُّهيليُّ إجماعًا أنَّ الجناح في الملائكة ليس مرادًا، وذلك لأنَّه نقله عن أهل العلم؛ فذاك، وإلا؛ فيحتاج إلى جواب، وسند هذا لا أعلم به بأسًا إلَّا أنَّه من رواية عطاء بن السائب، وكان قد اختُلِط في آخر عمره، وما أعلم عبد السلام بن حرب سمع منه قديمًا أو بعد الاختلاط، وإذا لم يُعلم؛ يُرَدُّ به الحديث، ثم إنِّي رأيت هذا الحديث في «مسند أبي يعلى الموصليِّ» بسندٍ آخرَ، لكن في الطريق عبد السلام بن حرب عن عطاء بِه، وكذا رأيت غير ذلك من الأحاديث.

    تنبيه: ما رواه إبراهيم بن سُليمان: حدَّثنا خلاد بن يحيى، عن قيس بن الربيع، عن أبي حَصِين، عن يحيى [بن] وثَّاب، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان على الحسن والحسين تعويذتان فيهما زغبٌ جناح جبريل عليه السلام)؛ رواه ابن الأعرابي في «معجمه» عن إبراهيم هذا، قال الإمام الذَّهبيُّ في «الميزان»: أُراه وضع هذا القول والله أعلم؛ يعني: إبراهيم، انتهى، وقد ذكره ابن الجوزيِّ في آخر «الموضوعات» في القسم الموضوع على الصَّحابة، وقال فيه: حديث موضوع، والمتَّهم به الكديميُّ، فإنَّه كان يضع الحديث، انتهى.

    (1/6886)

    [باب ذكر العباس بن عبد المطلب]

    قوله: (بَاْبُ ذِكْر الْعَبَّاسِ): اعلم أنَّ البُخاريَّ في مكانٍ يقول: (باب مناقب فلان)، وفي مكانٍ: (باب ذكر فلان)، وآخرُ ما ظهر لي أنَّه أراد أن يتنوَّع في العبارة، والله أعلم.

    مناقب العبَّاس كثيرة رضي الله عنه، توفِّي بالمدينة يوم الجمعة لِثِنْتَي عشْرةَ ليلةً خلت من رجب، وقيل: من رمضان، سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: أربع وثلاثين، وله نحو ثمانٍ وثمانين سنةً، وقبره مشهور بالبقيع، وعليه وعلى غيره معه قُبَّة عظيمة.

    ==========

    [ج 2 ص 24]

    (1/6887)

    [حديث: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس ... ]

    3710# قوله: (كَانَ إِذَا قَحَطُوا): هو بفتح القاف والحاء، وفي نسخة في هامش أصلنا: (قُحِطوا)؛ بضمِّ القاف، وكسر الحاء: مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله؛ أي: إذا احتبس المطر، قال الجوهريُّ: وقَحط المطر يقحَطُ؛ إذا احتبس، وحكى الفرَّاء: قَحِط المطرُ _بالكسر_ يقحَطُ، وأقحط القوم؛ إذا أصابهم القحط، وقُحِطوا أيضًا _على ما لم يسمَّ فاعله_ قَحْطًا، انتهى، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في (الاستسقاء)، والضبط الثاني الذي في الهامش موافقٌ لما في «الصِّحاح»، والله أعلم.

    تنبيه: استسقى عمر بالعبَّاس رضي الله عنهما عام الرَّمادة سنة سبع عشرة في خلافته.

    قوله: (فَتَسْقِينَا): ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وهما لغتان، وبهما ضُبِط في أصلنا.

    قوله: (فَاسْقِنَا): هو ثلاثيٌّ ورباعيٌّ، وبهما ضُبِط في أصلنا.

    (1/6888)

    [باب مناقب قرابة رسول الله]

    قوله: (بابُ: مَنَاقِب قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ [عَلَيْهَا السَّلاَمُ] بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ) إلى قوله: (الْجَنَّةِ): أمَّا قوله: (ومنقبة فاطمة ... ) إلى (الجنَّة)؛ فإنَّه مكتوبٌ عليه في أصلنا: (لا ... إلى)، وعليه علامة راويه زائدة، وسيأتي لمناقبها ترجمة مفردة، وسأذكر في ترجمتها المفردة _على تقدير ثبوت هذه هنا، وهو الذي يترجَّح في النظر، ويدلُّ على ذلك ما ذكره في هذه الترجمة من الحديث_ ما الحكمة في إفرادِها، والله أعلم، وتَقَدَّم أنَّ المنقبَة _بفتح الباء_ المفخرة.

    وقد تَقَدَّم أنَّ فاطمة رضي الله عنها توفِّيت بعده عليه السلام بسِتَّة أشهر على الصَّحيح من أقوال، وقيل: بثلاثة أشهر، وقيل: بثمانية أشهر، وقيل: بسبعين يومًا، وقيل: بشهرين، قيل: توفِّيت لثلاثٍ خلون من رمضان سنة إحدى عشرة، وكان عمرها تسعًا وعشرين سنةً، وقيل: ثلاثين، وقيل: إحدى وعشرين، وقال الكلبيُّ: كان عمرها خمسًا وثلاثين سنةً، ومناقبها كثيرة، وهي سيِّدة نساء أهل الجنَّة، وهي أفضل بناته، وفيها وفي أمِّها خلافٌ، وكذا فيها وفي عائشة، وسأذكره.

    ==========

    [ج 2 ص 24]

    (1/6889)

    [حديث: أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ... ]

    3711# 3712# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا تَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم.

    قوله: (وَفَدَكٍ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الفاء والدال المهملة، تُصرَف ولا تُصرَف.

    قوله: (مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ): هي مُنَوَّنة مرفوعة، وقد تَقَدَّم الكلام عليها.

    (1/6890)

    [حديث: ارقبوا محمدًا في أهل بيته]

    3713# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هو ابن الحارث أبو عثمان الهجيميُّ البصريُّ الحافظ، قال أحمد: إليه المنتهى في التفسير بالبصرة، وقال ابن القطَّان: ما رأيت خيرًا منه ومن سفيان، توفِّي سنة (186 هـ)، أخرج له الجماعة.

    قوله: (عَنْ وَاقِدٍ): هو بالقاف، وهو واقد بن محمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر العُمريُّ، يروي عن أبيه، وابن أبي مُلَيْكَة، وسعيد بن مرجانة، ونافع مولى ابن عمر، وغيرهم، وعنه: ابنه عثمان، وأخوه عاصم، وشعبة، وثَّقه أحمد وغيره، أخرج له البُخاريُّ، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائيُّ.

    تنبيه: ليس في الكتب السِّتَّة و «الموطَّأ» راوٍ اسمه وافد؛ بالفاء، بل ولا في مصنَّفات أصحاب الكتب التي قد ترجمها المِزِّيُّ، والله أعلم، ولهم خارج الكتب: وافد _بالفاء_ ابن موسى الذَّارع ووافد بن سلامة، ذكرهما ابن ماكولا وغيره، قال الذَّهبيُّ: وغيرهما.

    قوله: (ارْقُبُوا مُحَمَّداً فِي أَهْلِ بَيْتِهِ): (اُرقُبوا)؛ بهمزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها، ومعناه: راعوه واحترِموه، وقال بعضهم: احفظوه فيهم، والعبارة الأولى أوضحُ في المرادِ.

    ==========

    [ج 2 ص 24]

    (1/6891)

    [حديث: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني]

    3714# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، و (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ، وتَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ)، وأنَّه بكسر الميم وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وأنَّ والده مَخْرَمة صحابيٌّ أيضًا من مُسْلِمة الفَتْح.

    قوله: (بَضْعَةٌ مِنِّي): البَضْعة؛ بفتح الباء الموحَّدة وإسكان الضاد المعجمة؛ أي: قطعة.

    فائدة: قال الإمام السُّهيليُّ: روى حَمَّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عليِّ بن الحُسين: أنَّ فاطمة أرادت حَلَّه _أي: حَلَّ أبي لبابة حين ربط نفسه بساريةٍ من سواري المسجد_ حين نزلت توبتُه، فقال: قد أقسمتُ ألَّا يحلَّني إلَّا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فاطمة مضغةٌ منِّي»، فصلَّى الله عليه وسلَّم وعلى فاطمة، فهذا يدلَّ على أنَّ من سبَّها فقد كفر، وأنَّ من صلَّى عليها فقد صلَّى على أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم، انتهى، وعليُّ بن زيد فيه مقالٌ، ورواية عليِّ بن الحسين _هو زين العابدين_ عن فاطمة مرسَلة، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 24]

    (1/6892)

    [حديث: دعا النبي فاطمة ابنته في شكواه الذي قبض فيها]

    3715# 3716# قوله: (أَتْبَعُهُ): هو بإسكان التاء، ويجوز (أتَّبِعُه)؛ بفتحها وتشديدها، وهما لغتان.

    ==========

    [ج 2 ص 24]

    (1/6893)

    [باب مناقب الزبير بن العوام]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ): تَقَدَّم أنَّ المناقب جمع منقبَة؛ بفتح الباء، وأنَّها المفخرة.

    فائدة: الزُّبير أوَّل من سلَّ سيفًا في الله، والقصَّة في «الاستيعاب»؛ فانظرها.

    ثانية: قال بعضهم: إنَّه أوَّل من استحقَّ السَّلَبَ في الإسلام.

    ثالثة: نزلت الملائكة على زِيِّه يوم بدر رضي الله عنه، قتله عمر بن جُرموز سنة ستٍّ وثلاثين، وقال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: فاتَّبعه ابن جُرموز عبد الله _وقيل: عُمير، ويقال: عَميرة، وقيل: عُميرة بن جرموز_ السعديُّ، فقتله بموضعٍ يُعرَف بوادي السِّباع، انتهى، وقد تَقَدَّم الخلاف في الشهر الذي قُتِل فيه عند حديث تَرِكَتِه.

    قوله: (هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُمِّيَ الْحَوَارِيُّونَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ): تَقَدَّم الكلام على (الحواريِّ)، وأنَّه الناصر، وقيل: الخالص، وقيل: الحواريُّون: المجاهدون، وقيل: أصحاب الأنبياء، وقيل: الذين يَصلحون [1] للخلافة بعده، حكاه الحربيُّ، وقيل: الأخلَّاء، قاله السُّلميُّ، هذا كلُّه في حواريِّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل في أصحاب عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّهم كانوا قصَّارين؛ لأنَّهم يُبيِّضون الثياب، والحوَر: البياض، وكانوا أولاد قصَّارين، وقيل: صيَّادون، وقيل: الحواريُّون: الملوك، فتصحُّ في الزُّبير صُحبتُه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصرته، واختصاصه به، وإخلاصه له، وقيل: المفضَّل عندي كفضل الحُوَّارى في الطعام، وكان ابن عمر يذهب إلى أنَّه اسمٌ مختصٌّ بالزُّبير دون غيره؛ لتخصيصه صلَّى الله عليه وسلَّم إيَّاه به، وقد ذكرت الحواريِّين من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم اثنا عشر؛ وهم: العشرةُ سوى سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، والثلاثة الذين هم خارج العشرة: عثمان بن مظعون، وحمزة، وجعفر بن أبي طالب، المجموع من قريش.

    [ج 2 ص 24]

    ==========

    [1] في (أ): (يُصلحون).

    (1/6894)

    [حديث: أما والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت]

    3717# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تَقَدَّم أنَّ مَخْلدًا بإسكان الخاء المعجمة، وهذا معروفٌ.

    قوله: (مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وأنَّه تابعيٌّ، وقدَّمتُ بعض ترجمته.

    قوله: (رُعَافٌ شَدِيدٌ): سنة الرُّعاف هي سنة خمس وثلاثين.

    قوله: (فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: اسْتَخْلِفْ): هذا الرجلُ من قريشٍ لا أعرفُ اسمه، وقال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: هو طلحة بن عبيد الله، انتهى.

    قوله: (فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ _أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ_ فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ): (الحارث) هذا: لا أعرفه، وقال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: هو ابن الحكم أخو مروان.

    قوله: (قَالُوا: الزُّبَيْرَ): هو منصوبٌ؛ أي: استَخْلِفِ الزُّبيرَ.

    قوله: (أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ): (أَمَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف الميم: تحقيقٌ للكلام الذي يتلوها.

    قوله: (إِنَّهُ [1] لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ): (إِنَّه)؛ بكسر الهمزة على الابتداء، وقد تَقَدَّم أنَّ (أَمَا) كالاستفتاح، فـ (إِنَّ) بعدها مكسورةٌ على الابتداء، و (لَخيرُهم): اللام للتأكيد، دخلت على الخبر، و (خيرُهم): الخبر مرفوعٌ.

    قوله: (مَا عَلِمْتُ): (ما): مصدريَّةٌ؛ أي: في علمي، ويجوز أن تكون بمعنى: الذي، والله أعلم، وهذا أيضًا فيه نظرٌ، ولعله مؤوَّل، وإن أجريناه على ظاهره؛ عارضه غيره، والله أعلم، وكذا قوله: (أَنَّهُ خَيْرُكُمْ)، ولعلَّ المراد بهذا: فخاطِبُوه في تلك المسألة.

    قوله: (وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا مؤوَّل، وإجراؤه على ظاهره معارِضٌ لغيره، والله أعلم.

    ==========

    [1] في (أ): (إنهم)، والمثبت موافق لما في «البخاري».

    [ج 2 ص 25]

    (1/6895)

    [حديث: أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم ثلاثًا]

    3718# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة، وتَقَدَّم ترجمة (مَرْوَانَ): هو ابن الحكم، وأنَّه تابعيٌّ.

    قوله: (أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ): تَقَدَّم أنَّ هذا الرجل لا أعرفه، ولعلَّه الأوَّل، وهو من قريش، وقد تَقَدَّم ما قاله بعض الحُفَّاظ، و (استخلِفْ): فعل أمر.

    قوله: (أَمَا وَاللَّهِ): تَقَدَّم الكلام عليها أعلاه، وقبل ذلك مرَّاتٍ.

    (1/6896)

    [حديث جابر: إن لكل نبي حواريًا وإن حواري الزبير بن العوام]

    3719# قوله: (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ): كذا في أصلنا، وقد تَقَدَّم الكلام على (حواري)، وأنَّ الزَّجَّاج قال: (حواريٌّ): ينصرف؛ لأنَّه منسوب إلى حَوارٍ، وليس كبَخاتيٍّ وكراسيٍّ؛ لأنَّ واحدها بختيٌّ وكُرسيٌّ، وتَقَدَّم الكلام على ياء (وَ [إِنَّ] حَوَارِيّ الزُّبَيْرُ)، وأنَّها بالفتح والكسر.

    ==========

    [ج 2 ص 25]

    (1/6897)

    [حديث: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم]

    3720# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ): تَقَدَّم هذا أنَّه أحمد بن محمد بن موسى المروزيُّ مردويه، وقال الدارقطنيُّ: أحمد بن محمَّد بن ثابت، يعرف بابن شبُّويه، والله أعلم، و (عبد الله): هو ابن المبارك، شيخ خراسان العالم الزاهد المشهور.

    قوله: (كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ): هي غزوة الخندق، وقد تَقَدَّم متى كانت، وسيأتي قريبًا أيضًا.

    قوله: (جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ): (جُعلتُ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عمر بن أبي سلمة): هو ربيب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَقَدَّم والدُه أنَّه عبد الله المخزوميُّ، وتَقَدَّمت أمُّه هند بنت أبي أميَّة حذيفة المخزوميَّة، روى عمر عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعن أمِّه، وعنه: عطاء، وثابت، وأبو وَجْزة، وآخرون، وُلِد بالحبشة، وتوفِّي سنة (83 هـ)، أخرج له الجماعة رضي الله عنه.

    قوله: (أَوَهَلْ): هو بتحريك الواو على الاستفهام، وقد قدَّمتُ الأماكنَ التي تُفتَح فيها الواوُ، والأماكن التي تُسكَّن.

    تنبيه: وُلِد عبد الله بن الزُّبير سنة اثنتين، بعد الهجرة بعشرين شهرًا من التاريخ، وقيل: إنَّه وُلِد في السنة الأولى، والأحزاب ستأتي، وتَقَدَّم أنَّها في سنة خمس، قاله ابن إسحاق، وقال ابن عقبة: سنة أربعٍ، فعلى قول ابن عقبة انظر سِنَّه، وكذا على قول ابن إسحاق، والشهر أيضًا مُختَلَفٌ فيه؛ فعند ابن عقبة وابن إسحاق: كانت في شوال، وعند ابن سعد: كانت في ذي القعدة سنة خمسٍ، والله أعلم.

    قوله: (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي): تَقَدَّم الكلام على التفدية بالأبوين، وستأتي في (أُحُد).

    قوله: (يَوْمَ الْيَرْمُوكِ): هو بفتح المثنَّاة تحت، ثم راء ساكنة، ثم ميم مضمومة، ثم كاف؛ وهو موضع بالشام كانت به وقعةٌ عظيمةٌ بين المسلمين والرُّوم في خلافة الفاروق سنة خمسَ عشْرةَ، وكان المسلمون ثلاثين ألفًا، والرُّوم مئة ألف، وقد تَقَدَّمت.

    ==========

    [ج 2 ص 25]

    (1/6898)

    [حديث: أن أصحاب النبي قالوا للزبير يوم اليرموك ... ]

    3721# قوله: (ألا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ): (فنَشُدَّ): منصوبٌ، ونصبه معروفٌ.

    قوله: (فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ): سيأتي في (غزوة بدر) أنَّه ضُرِب ثنتين يوم بدر، وواحدةً يوم اليَرْمُوك، والجمع ممكِنٌ.

    قوله: (ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ): (ضُرِبَها): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله.

    ==========

    [ج 2 ص 25]

    (1/6899)

    [باب ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله]

    قوله: (بابُ: ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [1]): هو طلحة بن عُبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ التيميُّ، أمُّه الصعبة بنت الحضرميِّ أخت العلاء بن الحضرميِّ، أسلمت وهاجرت، مناقبه كثيرة، سمَّاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: طلحة الجود، وطلحة الخير، توفِّي في وقعة الجمل، وهو أوَّل قتيلٍ قُتِل في الوقعة _وفي «الاستيعاب»: أنَّ قاتله مروان بن الحكم_ لعشرٍ خلون من جمادى الآخرة سنة ستٍّ وثلاثين، وقيل في وقعة الجمل غير ذلك.

    تنبيه: تَقَدَّم أنَّ أبا محمَّد ابن حزم إمام أهل الظَّاهر أنكر وقعة الجمل، وهذا شيء غريب مع اطِّلاع هذا الرجل، وتَقَدَّم أنَّ القاضي عياض حكى في «الشفا» إنكارها عن هشام وعبَّاد.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (فائد: قُتل سنة ثلاث _صوابه: ستٍّ_ وثلاثين يوم الجمل، وهو ابن اثنتين وسبعين سنةً).

    [ج 2 ص 25]

    (1/6900)

    [حديث: لم يبق مع النبي في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن ... ]

    3722# 3723# قوله: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ): تَقَدَّم أنَّ (المُقَدَّميَّ): منسوبٌ إلى جدِّه مُقَدَّم؛ بفتح الدال المُشدَّدة، اسم مفعول، وكذا تَقَدَّم (أَبُوْعُثْمَانَ) أنَّه النَّهديُّ عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ أنَّه مثلَّث الميم، ومَلْء؛ بفتح الميم، وإسكان اللام، وهمزة.

    قوله: (غَيْرُ طَلْحَةَ): (غيرُ)؛ بالرَّفع، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (وَسَعْدٍ): هو سعد بن أبي وقَّاص.

    قوله: (عَنْ حَدِيثِهِمَا): يعني: أنَّهما حدَّثا أبا عثمان بذلك، وهذا ظاهرٌ، إلَّا أنَّ بعض الطلبة سألني عنه فيما إَخَالُ، والله أعلم.

    [ج 2 ص 25]

    (1/6901)

    [حديث: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي قد شلت]

    3724# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ): هذا هو خالد بن عبد الله الواسطيُّ الطحَّان، تَقَدَّم أنَّه ثقة عابد، يقال: إنَّه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرَّاتٍ بزِنَتِه فضَّةً، تَقَدَّم، و (ابْنُ أَبِي خَالِدٍ): هو إسماعيل، تَقَدَّم، و (قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ): تَقَدَّم أنَّه بالحاء المهملة.

    قوله: (يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): وقاه عليه السلام بيده يوم أُحُد، وكانت يده اليمنى.

    قوله: (وَقَدْ شَلَّتْ): هو بفتح الشين المعجمة، وتشديد اللام المفتوحة، ثم تاء التأنيث، ولا يجوز ضمُّ الشين، قال الجوهريُّ: والشَّلل: فسادٌ في اليد، يقال: شَلَّت يمينُه؛ بالفتح، وأشَلَّها الله، وفي «المطالع»: شَلَّت يدُه؛ بفتح الشين، وهو يبس اليد، ولا يقال بضمِّ الشين، وقيل فيما لم يُسَمَّ فاعله: أُشِلَّت يدُه، وأَشلَّها الله، وفي «النِّهاية»: شَلَّت يدُه تشَلُّ شَللًا، ولا تُضَمُّ الشين، انتهى، ولم أرَ أنا أحدًا ذكره بضمِّ الشين، وقد رأيت في ذلك «المشارق»، و «المطالع»، و «الجمهرة»، و «الصحاح»، و «النِّهاية»، و «أفعال ابن القطاع»، ولفظُه: (ولا يقال: شُلَّت)، وقد ذكر شيخنا عن ابن درستويه أنَّ (شُلَّت) بالضمِّ العامَّةُ تقوله، وهو خطأٌ، وقال اللِّحيانيُّ: إنَّه قليلٌ، انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 26]

    (1/6902)

    [باب مناقب سعد بن أبي وقاص]

    قوله: (مَنَاقِب سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ [1] الزُّهْرِيِّ): رضي الله عنه، هو سعد بن أبي وقَّاص مالك بن وُهَيب _ويقال: أُهَيب_ بن عبد مناف بن زهرة بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤيٍّ القرشيُّ الزُّهريُّ، وسأذكر الكلام على زُهرةَ بُعَيدَ هذا، كنيته أبو إسحاق، مناقبه جمَّة، توفِّي سنة خمس وخمسين، وقيل غير ذلك، وهو آخر العشَرة وفاةً، توفِّي بقصره بالعقيق على عشرة أميال _وقيل: سبعة_ من المدينة المشرَّفة، وحُمِل على أعناق الرِّجال إلى المدينة، فصُلِّي عليه بها، ودُفن بالبقيع رضي الله عنه.

    قوله: (وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إنَّما كانوا أخواله؛ لأنَّهم أقرباء والدة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم آمِنة، وذلك لأنَّ آمنة هي بنت وهب بن عبد مناف بن زُهْرة، وزُهْرة: هو ابن كلاب، وقال بعض شيوخ شيوخي: ويقال: عبد مناف بن كلاب، وزُهْرة أمُّه فيما قاله ابن قتيبة والجوهريُّ، وفيه نظرٌ، انتهى، وفي «الرَّوض»: عن ابن قتيبة في «معارفه»: أنَّ زُهْرة امرأةٌ عُرِف بها بنو زُهْرة، وهذا مُنكَرٌ غير معروف، انتهى، وقد راجعتُ «صحاح الجوهريِّ»؛ فوجدتُه كما نقله عنه، ولفظ الجوهريِّ: (وزُهْرة أيضًا: حيٌّ من قريش، وهو اسم امرأة كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهر، نُسِب ولدُه إليها، وهم أخوالُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، و (زُهْرة)؛ بضمِّ الزاي، وإسكان الهاء، بخلاف النجم المعروف، فإنَّه الزُّهَرة؛ بضمِّ الزاي، وفتح الهاء.

    (1/6903)

    [حديث: جمع لي النبي أبويه يوم أحد]

    3725# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلت الثقفيُّ، أبو محمَّد الحافظ، وتَقَدَّم مترجمًا، و (يَحْيَى) بعده: هو ابن سعيد الأنصاريُّ القاضي، تَقَدَّم مترجمًا، و (سَعِيدُ بْنُ المُسَيّب): تَقَدَّم أنَّ ياء أبيه بالفتح والكسر، وأنَّ غيره ممَّن اسمه المسيَّب لا يجوز في يائه إلَّا الفتح، و (سَعْدٌ): هو ابن أبي وقَّاص صاحب هذه المناقب.

    قوله: (جَمَعَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أَبَوَيْهِ] يَوْمَ أُحُدٍ): يعني: قال له: «فداك أبي وأُمِّي» حين كان يرمي، وقد قال الزُّهريُّ: رمى سعدٌ يومئذٍ _يعني: يوم أُحُد_ ألف سهمٍ، وفي «شرف المصطفى»: فما من سهم إلَّا قال عليه السلام: «إيهًا سعدُ، فداك أبي وأمِّي»، قاله شيخنا، ثم قال: قلت: وكان سعد جيِّد الرمي، وقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «ارمِ رمى الله لك»، ووقع في «الجمع بين الصحيحين» لأبي نعيم الحدَّاد: (أنَّه عليه السلام جمع له أبوَيه يوم الخندق)، كذا قال، انتهى، وقد رأيتُ ما قاله الزُّهريُّ من أنَّه رمى بألف سهمٍ في «المستدرَك» في (المغازي).

    ==========

    [ج 2 ص 26]

    (1/6904)

    [حديث: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام]

    3726# قوله: (حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ): هذا هو هاشم بن هاشم بن عتبة، ويقال: هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص الزُّهريُّ، قال الذَّهبيُّ: وهذا أصحُّ، فإنَّ هاشم بن عتبة قُتِل بصِفِّين، ولا يمكن أن يكون هذا ولدَه لصلبه إِلَّا ولد ولده، انتهى، وقد قدَّمتُ ذلكَ.

    قوله: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي): هو بضمِّ التاء، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلاَمِ): يعني: كنا ثلاثة مسلمين، وهذا مؤوَّلٌ، وقال بعض الحُفَّاظ: أسلم قديمًا بعد أربعة، وقيل: بعد ستَّة، وهو ابن سبع عشرة سنة، والله أعلم، قال شيخنا: قال ابن التِّين: إن لم تكن الروايتان محفوظتين _يعني: هذه ورواية: وما معه إلَّا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر_؛ فلم يعلم سعد إلَّا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر، ولم يعلم سعد بعَمَّار، ويحتمل أن يريد سعد ثلاثةً غير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويحتمل أن يكون عليه السلام أحدهم، أو يريد سعد من الرِّجال الأحرار، انتهى، وقد قدَّمتُ من كلام ابن إسحاق أنَّه أسلم _أعني: سعدًا_ بدعاء أبي بكر رضي الله عنهما.

    (1/6905)

    [حديث: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه]

    3727# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ): هو يحيى بن زكريَّاء بن أبي زائدة، تَقَدَّم.

    قوله: (حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ): هذا تَقَدَّم الكلام عليه أعلاه، وقبل ذلك أيضًا.

    قوله: (مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ): الظَّاهر أنَّ (إلَّا) [1] زائدة، فيكون معنى الكلام: ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه؛ يعني: أنَّه انفرد بالإسلام ذلك اليوم، وكذا رواه ابن ماجه في «سننه»: (ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه)، وأمَّا على تقدير ثبوتها؛ فمعناه مُشكِل جدًّا، ولا يصحُّ إلَّا بتأويل، والله أعلم.

    قوله: (تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هَاشِمٌ): الضمير في (تابعه) يعود على ابن أبي زائدة يحيى بن زكرياء، و (أبو أسامة): حَمَّاد بن أسامة، ومتابعتُه هذه أخرجها البُخاريُّ في (إسلام سعد بن أبي وقَّاص) عن إسحاق عن أبي أسامة به.

    ==========

    [1] في (أ): (لا)، ولعل المثبت هو الصواب.

    [ج 2 ص 26]

    (1/6906)

    [حديث: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله]

    3728# قوله: (عَنْ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي خالد، و (قَيْس): هو ابن أبي حَازم.

    قوله: (إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ): إن قيل: في أيِّ الأماكن رمى سعد في سبيل الله أوَّل العرب؟ فالجواب: أنَّ ذلك كان في بعث عُبيدة بن الحارث، وكان عليه السلام بعث عُبيدة بن الحارث في ستِّين أو ثمانين راكبًا من المهاجرين، فسار حتَّى بلغ ماءً بالحجاز بأسفل ثَنيَّة المُرَّة؛ تلقَّى بها جمعًا عظيمًا من قريش، فلم يكن بينهم قتالٌ، إلَّا أنَّ سعد بن أبي وقَّاص رمى بسهم في سبيل الله، فكان أوَّل سهمٍ رُمِيَ به في سبيل الله.

    فائدة: وسعدٌ أيضًا أوَّل من أهراق دمًا في الإسلام، وذلك أنَّ سعدًا كان في نفرٍ يصلُّون في شِعْبٍ من شِعاب مكة؛ إذ ظهر عليهم نفرٌ من المشركين وهم يصلُّون، فعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعدٌ يومئذٍ رجلًا بلُحْي جملٍ فشجَّه، فكان أوَّل دمٍ أُهريق في الإسلام، وقيل: بل أوَّل من أراق دمًا في الإسلام طُليب بن عمير، وقد حكى القولين معًا ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في طُليب بن عمير.

    [ج 2 ص 26]

    قوله: (مَا لَهُ خِلْطٌ): هو بكسر الخاء المعجمة، وإسكان اللام، وبالطاء المهملة، ومعناه: لا يخالطه شيء من ثُفل [1] الطعام غيره، وأوضح من ذلك كلام ابن الأثير: أي: لا يختلط نَجْوُهم بعضُه ببعض؛ لجفافِه ويُبْسِه، فإنَّهم كانوا يأكلون خُبز الشعير وورق الشجر؛ لفقرهم وحاجتهم.

    قوله: (بَنُو أَسَدٍ): هو بفتح السين، كذا نصَّ عليه ابن قُرقُول، وهذا ظاهرٌ عند أهله، والمراد ببني أسد: بنو الزُّبير بن العوَّام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى، قاله النَّوويُّ، وقال شيخُنا في (الأطعمة) عند ذكر هذا الحديث: (ووقع في «ابن بطَّال» هنا: أنَّ عمر بن الخَطَّاب من بني أسد، وهو عجيبٌ ... ) إلى آخر كلامه، وصدق؛ وذلك لأنَّ عمر من بني عدي، وأمُّه مخزوميَّةٌ أخت أبي جهلٍ على قول، والصَّحيح: أنَّها بنت عمِّه، والله أعلم.

    قوله: (تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ [2]): أي: توقِفُني، قال الهرويُّ: (والتعزير في كلام العرب: التوقيف على الفرائض والأحكام)، وقال الطبريُّ: (تُعزِّرني): تُقوِّمني وتُعلِّمني، من تعزير السلطان؛ وهو تأديبه وتقويمه، وقال الطبريُّ: العزر: اللوم، وقال أبو بكر: العزر: المنع، وعزَّره: منعه، قال الزَّجَّاج: أصل العزر: الردُّ، وهذا ملخَّصٌ من كلام ابن قُرقُول.

    قوله: (وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ): (وَشَوا)؛ بفتح الواو والشين المعجمة المخفَّفة؛ ومعناه: نمَوا به ورفعوا عليه.

    (1/6907)

    [باب ذكر أصهار النبي]

    قوله: (بابُ ذِكْر أَصْهَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): إن قلتَ: لم يذكر فيها إلَّا أبا العاصي بن الرَّبيع نصًّا، وليس فيها ذكر غيره، إلَّا أنَّ عليًّا لمَّا ترك الخِطبة شفقًا من قلبه عليه السلام لقلب فاطمة؛ فاستلزم ذلك الثناءَ عليه، وليس فيه ذكرُ غيرهما، فأين الأصهار؟ فإنَّه بقي منهم عثمان.

    ثم اعلم أنَّ الأصهار: أهل بيت المرأة، عن الخليل، ومن العرب من يجعل الصِّهر من الأحماء والأخْتان جميعًا، فالأصهار: أقرباء الرجل والمرأة الزوجين، والأخْتان: أقرباء المرأةِ الزوجةِ، والأحماء: أقرباء الرجل الزوج.

    وكأنَّ البُخاريَّ رحمه الله أراد الحديث الذي ذكره ابنُ عبد البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة عثمان، ولفظه: وثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «سألت ربِّي عزَّ وجلَّ ألَّا يُدخِل النَّار أحدًا صاهر إليَّ أو صاهرتُ إليه»، وهو حديث رواه الحاكم في «المستدرك» في (مناقب عليٍّ)، ولفظه: «سألت ربِّي ألَّا أُزوِّج أحدًا من أُمَّتي ولا أتزوَّج إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني»، صحيح، وسكت عليه الإمام الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فيكون البُخاريُّ قصد بهذا التبويب هذا الحديث، وكأنَّه لم يكن على شرطه، أو أنَّه لم يقع له روايته، فترجم عليه، وأخرج ما هو على شرطه، وقد روى الطبراني في «معجمَيه الصغير والأوسط» من حديث عبد الله بن عمرو، ولفظه: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنِّي سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا يتزوَّج إليَّ أحدٌ إلَّا كان معي في الجنَّة، فأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: لم يروِه عن هشام _يعني: ابن عروة_ إلَّا عَمَّار؛ يعني: ابن سيف، ولا عنه إلَّا يزيد؛ يعني: ابن الكُمَيت، تفرَّد به محمَّد؛ يعني: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيَّ، وذكر من حديث عبد الله بن أبي أوفى: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «سألت ربِّي ألَّا أتزوَّج إلى أحدٍ ولا أُزَوَّج إليه إلَّا كان في الجنَّة، وأعطاني ذلك»، قال الطبرانيُّ: لم يروِه عن إسماعيل _يعني: ابن أبي خالد_ إلَّا عَمَّار؛ يعني: ابن سيف، ولا عنه إلَّا قَبِيصة؛ يعني: ابن عقبة، تفرَّد عنه ابنه؛ يعني: عقبة بن قَبِيصة بن عقبة، انتهى.

    في سند الطبراني الأوَّل: يزيد بن الكُميت متروكٌ، وفيه: محمَّد بن أبي النُّعمان الكوفيُّ ما عرفتُه أنا، وفيه: عَمَّار بن سيف مُختَلفٌ فيه، والسند الثاني جيِّدٌ إلَّا أنَّ فيه عَمَّارًا، وهو سندٌ حسنٌ، والله أعلم.

    (1/6908)

    قوله: (مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي بْنُ الرَّبِيعِ [1]): اختُلِف في اسم (أبي العاصي)، وقد قدَّمتُه؛ فقيل: لقيط، وهو الأصحُّ، وقيل: مهشم، وقيل: هُشَيم، وقيل: قاسم، وقيل: مقسم بن الربيع على الصواب، وقيل: ربيعة بن عبد العُزَّى بن عبد شمس العبْشميُّ، وهو ابن أخت خديجة بنت خويلد أمِّ المؤمنين، أمُّه هالة بنت خويلد صحابيَّةٌ جليلة رضي الله عنها، أُسِر أبو العاصي يوم بدر، فمُنَّ عليه بلا فداء؛ كرامةً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بسبب زينب، ثم أسلم قُبيل الفتح، وسيأتي غير ذلك، وحسن إسلامه، وردَّ عليه السلام إليه زينب بنكاح جديد، ويقال: بالنِّكاح الأوَّل، وتوفِّيت زينب عنده، وقد قدَّمتُ تاريخ وفاتها، وتوفِّي هو سنة عشرين من الهجرة، وفي «أبي داود» من طرقٍ إلى ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (ردَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته زينب على أبي العاصي بالنكاح الأوَّل، لم يُحْدِث شيئًا)، قال محمَّد بن عمر: وفي حديثه: بعد ستِّ سنين، وقال الحسن بن علي: بعد سنتين، سكت عليه أبو داود، قال الخطابيُّ: إنَّ صحَّ الحديث؛ فيُحتَمل على أنَّ العدَّة تمادَّت بزينب إلى وقت إسلام أبي العاصي، فأُقِرَّا على النكاح، وأمَّا تزويج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إيَّاها منه وهو كافرٌ وهي مسلمة؛ فكان قبل نزول قوله تعالى: {وَلاَتُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، فلمَّا أسلم؛ ردَّها إليه؛ لاجتماعهما على الإسلام، انتهى، قال ابن حزم: (كان إسلام أبي العاصي قبل نزول تحريم المسلِمة على المشرِك، وقبل الحديبية، وكان إسلامها قبلُ بأزيدَ من ثماني عشرة سنة) انتهى.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (واسمه لقيط، وقيل: هشيم، تزَّوج زينب بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وماتت عنده سنة ثمان من الهجرة، وهو ابن خالتها، وكانت هاجرت زينب قبله وتركته على شركه، وردها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه بالنكاح الأول بعد سنين، وقيل: ست، وقيل: قبل انقضاء العدة، وقيل: بنكاح جديد، وولدت له عليًّا ومات صغيرًا، وأمامة المحمولة في صلاة الصبح، وتزوجها عليٌّ بعد موت فاطمة).

    [ج 2 ص 27]

    (1/6909)

    [حديث: أما بعد أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني]

    3729# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمه الحكم بن نافع، وكذا تَقَدَّم (شُعَيْبٌ): أنَّه ابن أبي حمزة، وكذا (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم ابن شهاب، و (عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنٍ): هو زين العابدين، تَقَدَّم، وهو أشهر من أن يُترجَم، و (الْمِسْوَر): تَقَدَّم أنَّه بكسر الميم، وإسكان السين، وأنَّه صحابيٌّ صغير، وتَقَدَّم أنَّ أباه (مَخْرَمَة): صحابيٌّ من مُسْلِمة الفَتْح، وكان من المؤلَّفة، وحسُن إسلامه.

    [ج 2 ص 27]

    قوله: (خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ): بنتُ أبي جهل المخطوبة: تَقَدَّم أنَّ اسمها العَوْراء، وقيل: جويرية، وجزم بذلك السُّهيليُّ في «رَوضه» في (الفتح)، وقيل: اسمها جَهْدمة، وقيل: جَميلة، أربعة أقوال، صحابيَّة رضي الله عنها.

    قوله: (أَمَّا بَعْدُ): قد تَقَدَّم الكلام على إعرابها والاختلاف في أوَّل من قالها في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (بَضْعَةٌ): تَقَدَّم أنَّها بفتح الباء بلا خلاف، وبالضَّاد المعجَمة؛ أي: قِطعة، وفي أصلنا نسخة: (مضغة)، والمضغة: تَقَدَّم أنَّها قطعة لحمٍ بقدر ما يُمضَغ في الفم.

    قوله: (الْخِطْبَةَ): هي بكسر الخاء، وهذا معروفٌ.

    قوله: (وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ): تَقَدَّم أنَّ (حَلْحَلة) بحاءين مهملتين مفتوحتين بعد كلِّ حاءٍ لامٌ؛ الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة، وبعد اللام الثانية تاء التأنيث، و (محمد): ثقةٌ مشهور، روى عن عطاء بن يسار، ووهب بن كيسان، وجماعة، وعنه: يزيد بن أبي حبيب، ومالك، وغيرهم، وقد تَقَدَّم أنَّ (زاد) مثلُ: قال، فهو تعليق مجزوم به، وقد أخرجه البُخاريُّ مسنَدًا في (الخُمس) من طريق ابن حلحلة هذا.

    قوله: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ): هو الزُّهريُّ المذكور في السَّند قبله، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (ذَكَرَ صِهْراً لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ): تَقَدَّم أنَّه أبو العاصي بن الربيع، وقد ذكرتُ نسبه إلى عبد شمسٍ قريبًا.

    قوله: (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي): وعده أن يرسل إليه ابنته زينب، فأرسلها، و (صَدَقني): بالتخفيف؛ أي: حدَّثني حديثَ صدقٍ، و (وَفَى): تَقَدَّم أنَّه يجوز فيه التخفيف والتشديد.

    (1/6910)

    [باب مناقب زيد بن حارثة]

    قوله: (بابُ: مَنَاقِب زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (زيد) هذا: صحابيٌّ مشهور، و (حارثة) والدُه بالحاء المهملة، وبعد الراء ثاءٌ مثلَّثة، في «تجريد الذَّهبيِّ»: أنَّه أسلم في خبرٍ طويلٍ في «فوائد تمام»، انتهى، فهو معدودٌ في الصَّحابة، واسم والد حارثة شراحيل بن كعب بن عبد العُزَّى بن امرئ القيس بن عامر بن النُّعمان بن عامر بن عبد الله بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عُذرة بن زيد اللات بن رُفيدة بن كلب بن وبَرة بن الحاف بن قضاعة، الكلبيُّ نسبًا، القرشيُّ الهاشميُّ ولاءً، ويقع في نسبه اختلاف وتغيير، وزيادة ونقص، وهو مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأشهرهم.

    أمُّ زيد: اسمها سُعْدى بنت ثعلبة من بني معن بن طيِّئ، وكانت خرجت به تُزيرُهُ أهلَها، فأصابته خيل بني القين بن جسر، فباعوه بسوق حُباشة _وهو من أسواق العرب_ وزيدٌ يومئذٍ ابن ثمانية أعوام، ثم كان من حديثه ما ذكره ابن إسحاق، وقصَّته مشهورة.

    (1/6911)

    وللنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم موالٍ غيرُه؛ وهم: ابنه أسامة، وأخوه لأمِّه أيمن بن عُبيد ابن أم أيمن، وأسلَم بن عُبيد، وأبو رافع واسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: هرمز، وأبو رافع أيضًا والد البهي بن أبي رافع، وقيل: كان اسمه رافعًا، وقيل: إنَّه الأوَّل، وأبو أُثيلة، وأبو كبشة، واسمه سُليم، وأنسة، وثوبان، وشقران واسمه صالح، ورَباح _بفتح الراء وبالموحَّدة_ أسود، ويسار _بالمثنَّاة تحت في أوَّله_ نوبيٌّ، وفَضالة، وأبو السمح، قيل: اسمه إياد، وأبو مُوَيهبة، ورافع، وأفلح، ومأبور، ومدعم أسودُ، وكركرة، وزيد، وعُبيد، وطهمان، وكيسان، وذكوان، ومروان، وواقد؛ بالقاف، وأبو واقد؛ بالقاف أيضًا، وسَندر، وهشام، وحُسين، وسعيد، وأبو عَسِيب واسمه أحمر، وأبو لبابة، وأبو لَقيط، وسفينة واسمه مهران، وأبو عبيد، وسعد، وضُميرة بن أبي ضميرة، وأبو هند، وأبو بَكْرة نُفيع، وأخوه نافع، وأبو كندير سعيد، وسلمان الفارسيُّ، وسالم، وسابق، وعُبيد الله بن أسلم، ونُبيه، ووردان، وأنجشة، وبادام؛ ذكره النَّوويُّ عن أبي موسى، وحاتم، وزيد بن بولا، وهذا عند الذَّهبيِّ هو جدُّ بلال بن يسار بن زيد، وأبو الفتح اليعمريُّ جعلهما اثنين، ودَوس، ورويفع، وأبو ريحانة شمعون، وعُبيد بن عبد الغفَّار، وغيلان، وقفيز، وكُريب، ومحمد بن عبد الرحمن، ومحمد غير منسوب، ومكحول، وذُكِر: أنَّه عليه السلام وهبه أخته من الرَّضاعة الشيماء، ونبتل، وهرمز، وأبو البَشِير، وأبو صفية، ورأيت في «مستدرك الحاكم» في (معرفة الصَّحابة): زيد بن سعنة مولى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكر حديثًا عن عبد الله بن سلام عنه قال الحاكم: صحيح، قال الذَّهبيُّ: ما أُنكِرُه وأترُكه ... إلى آخر كلامه، انتهى، ومن النِّساء: أمُّ أيمن واسمها بركة، وسَلمى أمُّ رافع، ومارية، وريحانة، ورُبَيحة، ولم يذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده» مع جمعه، وخُضرة، ورضوى، وميمونة بنت سعد، وميمونة بنت أبي عَسيب، وأمُّ ضُميرة، وأمُّ عياش؛ بمثنَّاة تحت وشين معجمة، وأميمة، وقيسر القبطية أهداها المقوقس مع مارية، وسيرين، وميمونة غير منسوبة.

    استشهد زيد بن حارثة رضي الله عنهما بمؤتة من أرض الشَّام سنة ثمان؛ كما تَقَدَّم في تاريخ غزوة مؤتة، مناقبُه جمَّة؛ منها: أنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يذكر في القرآن صحابيًّا باسمه إلَّا هو، وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تبنَّاه، فكان يقال له: زيد بن محمَّد، حتَّى أنزل الله تعالى: {ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، والله أعلم.

    (1/6912)

    [حديث: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل]

    3730# قوله: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ (مَخْلَدًا) بإسكان الخاء، و (سُلَيْمَانُ): بعده هو ابن بلال أبو محمَّد مولى أبي بكر، وقال شيخنا العراقيُّ: الأشهر في كنية سليمان بن بلال أبو أيُّوب، تَقَدَّم مترجمًا.

    تنبيهٌ: من يقال له: سُليمان وروى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الكتب السِّتَّة أو بعضها: هذا، وسليمان بن سفيان المدنيُّ، لكنَّ ابن بلال روى له عنه البُخاريُّ ومسلم، وابن سفيان روى له عنه به التِّرمذيُّ فقط حديثًا واحدًا.

    قوله: (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثاً، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ): هذا البعث هو جيش أسامة بن زيد بن حارثة إلى أُبْنَى؛ وهي أرض الشَّراة ناحية البلقاء، وهو آخر البعوث، كما سأذكره، وذلك يوم الاثنين لأربع ليالٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة من مُهاجَره عليه السلام، فلمَّا كان يوم الأربعاء؛ بُدئَ برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعُه الذي مات فيه، فحُمَّ وصُدِع، فلمَّا أصبح يوم الخميس؛ عقد لأسامة لواءه بيده الكريمة، وقد تكلَّم قوم وقالوا: تستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟! فغضب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، فصعد المنبر ... ؛ فذكره.

    تنبيه: في «السِّيرة» لابن سيِّد الناس، وغيرها: (فلم يبقَ أحدٌ من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلَّا انتُدِب في تلك الغزوة التي بُعِث عليها أسامة، منهم: أبو بكر، وعمر)، وكذا في «تذهيب الذَّهبيِّ»، وفي غيره الجزم بعمر، وقد أنكر الحافظ أبو العبَّاس ابن تيمية ذلك في كتابه «الردُّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ»، فقال ما لفظه: (هذا من الكذب المتفق على أنَّه كذب عند كلِّ من يعرف السِّيرة، ولم يقل أحدٌ من أهل العلم: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أرسل أبا بكر أو عثمان في جيش أسامة، وإنَّما روي ذلك في عمر ... ) إلى آخر كلامه، وابن تيمية عالمٌ كبيرٌ له اطِّلاعٌ كثيرٌ، ولم يُنكِر هذا إلَّا عن تروٍّ، فيُنظَر من أين أخذه ابن سيِّد الناس وغيره، ويُنظَر في أسانيده ويُعتبَر، وسأذكر من وقفتُ عليه مسمًّى في هذا البعث إن شاء الله فيما يلي هذا.

    [ج 2 ص 28]

    تنبيه: قال ابن شيخنا البلقينيِّ: سُمِّي من البعث عمر بن الخَطَّاب، وأبو عُبيدة، وسعد بن أبي وقَّاص، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل من المهاجرين، ومن الأنصار: قتادة بن النُّعمان، وسلمة بن أسلم، فقال رجالٌ من المهاجرين، وكان من أشدِّهم قولًا في ذلك عيَّاشُ بن أبي ربيعة ... ؛ فذكره من «تاريخ ابن عساكر؛ تاريخ دمشق» عن الواقدي، وذكر في عدَّة البعث أنَّهم ثلاثة آلاف رجلٍ، وفيهم ألفٌ من قريش، وروى عن أبي هريرة: أنَّ البعث كان سبع مئة، انتهى ملخَّصًا.

    (1/6913)

    قوله: (فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ): ذكر بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين المِصريِّين: أنَّ الذي أنكر بعثَ أسامة هو عيَّاشُ بن أبي ربيعة المخزوميُّ فيما ذكر البلاذريُّ، وكذا ذَكَر عنه: أنَّ أمير جيش الروم يومئذٍ شرحبيل بن عمرو الغسانيُّ.

    قوله: (أنْ تَطْعُنُوا) وكذا (َتطْعُنُونَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّه بضمِّ العين وتُفتَح.

    قوله: (وَايْمُ اللَّهِ): تَقَدَّم غيرَ مرَّةٍ أنَّ همزة (وَايْمُ): همزة وصلٍ على الصحيح، وقيل: قطع، وقد تَقَدَّم معناها.

    قوله: (لَخَلِيقاً): هو بفتح الخاء المعجمة، وكسر اللام، وبالقاف؛ أي: لحقيقًا وجَديرًا.

    (1/6914)

    [حديث عائشة: دخل علي قائف والنبي شاهد ... ]

    3731# قوله: (دَخَلَ عَلَيَّ قَائِفٌ): تَقَدَّم أنَّ هذا القائف هو مجزز المدلجيُّ، وقدَّمتُ الكلام على ضبطه، وما يتعلَّق به، وأنَّه عليه السلام روى عنه قولَه، وحدَّث عنه وعن تميم الداريِّ في أواخر «مسلم» حديث الجسَّاسة والدَّجَّال، وقدَّمت أنَّه روى عن غيرهما.

    فائدة: قال الدِّمياطيُّ هنا: روت الأئمَّة السِّتَّة من حديث ابن عيينة عن الزُّهريِّ، عن عروة، عن عائشة: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دخل عليها مسرورًا تبرق أسارير وجهه، فقال: «ألم تسمعي ما قال المدلجيُّ؟ ورأى أسامة وزيدًا نائمَينِ، وقد خرجت أقدامُهما، فقال: إنَّ هذه الأقدام بعضُها من بعض»، انتهى، وهو كما قال.

    قوله: (وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ): تَقَدَّم أنَّ أسامة كان أسود طويلًا؛ خرج إلى أمِّه، وزيدًا [1] أبيض قصيرًا، وقيل: بين البياض والسواد، وما كان يقال في أسامة حتَّى قال مجزز ما قال.

    قوله: (فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَعْجَبَهُ] وأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَة): (سُرَّ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

    ==========

    [1] في (أ): (وزيد)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.

    [ج 2 ص 29]

    (1/6915)

    [باب ذكر أسامة بن زيد]

    قوله: (بابُ ذِكْر أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): تَقَدَّم الكلام على نسبه قُبيل هذا، وكنية أسامة: أبو محمَّد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو خارجة، أمُّه أمُّ أيمن بركة حاضنة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد قدَّمتُ أنَّ بعضهم عدَّها من المراضع، مناقبه مشهورة رضي الله عنه، توفِّي بالمدينة، وقيل: بوادي القُرى، وحُمِل إلى المدينة سنة أربع وخمسين، وقيل غير ذلك، وقد اعتزل الفتن، فلم يشهدها، وقد قعد عن الفتن غيرُه أيضًا، وسأذكرهم في (الفتن).

    ==========

    [ج 2 ص 29]

    (1/6916)

    [حديث: أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية فقالوا: من يجترئ عليه .. ]

    3732# قوله: (حَدَّثَنَا اللَّيْثٌ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن سعد أحد الأعلام والأجواد، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم.

    قوله: (شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ): تَقَدَّم أنَّ اسمها فاطمة بنت أبي الأسد أو أبي الأسود، وقيل: بنت الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشيَّة المخزوميَّة، و (شأنُ): مرفوع فاعل (أهمَّ)، والضمير مفعول، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (إِلاَّ أُسَامَةُ): هو مرفوع مفرَّغ، و (حِبُّ): صفة له.

    قوله: (حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (حِبُّ): بكسر الحاء المهملة؛ أي: محبوب، وقد تَقَدَّم.

    ==========

    [ج 2 ص 29]

    (1/6917)

    [حديث: إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه]

    3733# قوله: (وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو عليُّ بن عبد الله بن المَدينيِّ الحافظ المشهور، و (سُفْيَانُ) بعده: ابن عيينة، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

    قوله: (وَجَدْتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ): اعلم أنَّ الوِجادة؛ بكسر الواو: مصدرٌ مولَّدٌ لـ (وجَدَ يجِد)؛ وهي أن تجد بخطِّ من عاصرته _كسفيان مع أيُّوب بن موسى، وهو من مشايخ السُّفيانين_ لقيتَه أو لم تَلْقَه، أو لم تعاصره، بل كان قبلك؛ أحاديثَ يرويها أو غير ذلك، ما لم تسمعه منه، ولم يُجِزْه لك، فلك أن تقولَ: وجدت بخط فلان: أخبرنا فلان ... ، وتسوق الإسناد والمتن، أو ما وجدته بخطِّه، ونحوَ ذلك، هذا إذا وثقت بأنَّه خطُّه، فإن لم تثِق بأنَّه خطُّه؛ فاحترِز عن جزم العبارة بقولك: بلغني عن فلان، أو وجدتُ عنه، أو وجدتُ بخطٍّ قيل: إنَّه خطُّ فلان، أو قال لي فلان: إنَّه خطُّ فلان، أو ظننتُ أنَّه خطُّ فلان، أو ذكر كاتبه أنَّه فلان بن فلان، كذا مثَّل ابن الصَّلاح الوِجادةَ بما إذا لم يكن له إجازةٌ ممَّن وجد ذلك بخطِّه، وقد استعمل غيرُ واحد من أهل الحديث الوجادة مع الإجازة، وهو واضحٌ.

    واعلم أنَّ الرِّواية بالوِجادة فقط بغير إجازة منقطعةٌ، ولكنَّه إذا وثِق بخطِّه؛ أخذ شوبًا من الاتِّصال، وأمَّا العملُ بالوجادة؛ فقال القاضي عياض: اختلف أئمَّةُ الحديث والفقه والأصول فيه مع اتِّفاقهم على منع النَّقل والرِّواية به، فمعظم المحدِّثين والفقهاء من المالكيَّة وغيرهم لا يرَون العمل به، قال: وحُكِي عن الشافعيِّ جوازُ العمل به، وقالت به طائفةٌ من نُظَّار أصحابه، وهو الذي نصره الجُوَينيُّ، واختاره غيرُه من أرباب التحقيق، قال ابن الصَّلاح: قطع بعضُ المحقِّقين من أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثِّقة به، وقال: لو عُرِض ما ذكرناه على جملة المحدِّثين؛ لأبَوْه، قال ابن الصَّلاح: وما قطع به هو الذي لا يتَّجِهُ غيره في الأعصار المتأخِّرة، وقال الشيخ مُحيي الدين النَّوويُّ: هذا هو الصَّحيح.

    (1/6918)

    واعلم أنَّ هذا الحديث الذي فيه تحديثُ سفيان _هو ابن عيينة_ بالوِجادة عن أيُّوب بن موسى عن الزُّهريِّ بعد أن تعلم أنَّ أيُّوب بن موسى حدَّث عنه السُّفيانان وغيرهما، وهو أيُّوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاصي بن أبي أُحَيحة سعيد بن العاصي بن أميَّة الأمويُّ، أبو موسى المكِّيُّ، روى عن عطاء، ومكحول، ونافع، ومحمد بن كعب القرظيِّ، والزُّهريِّ، وجماعة، قال أحمد وجماعة: ثقةٌ، وكان مفتيًا فقيهًا كبير القدر، توفِّي سنة ثلاثٍ وثمانين ومئة، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان» قال فيها: لا يقوم إسناد حديثه، قاله الأزديُّ، ولا عبرةَ بقوله؛ لأنَّه وثَّقه أحمد ويحيى وجماعة، أخرجه كذلك البُخاريُّ في (فضل أسامة)، والنَّسائيُّ في (القَطْع)، وقد رواه النَّسائيُّ في (القطع) عن عليِّ بن سعيد بن مسروق، عن يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، عن سفيان بن عيينة، عن الزُّهريِّ به، وقد رواه غير واحدٍ عن سفيان عن الزُّهريِّ به.

    قوله: (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ): تَقَدَّم الكلام عليها أعلاه، وقبل ذلك أيضًا.

    قوله: (لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ؛ لَقَطَعْتُ يَدَهَا): (قَطعتُ): مبنيٌّ للفاعل، والتاء مضمومة؛ تاء المتكلِّم، وإنَّما نظَّرها بفاطمة ابنته؛ لِما تَقَدَّم أنَّ اسمها فاطمة، وأنَّها قرشيَّة، كما ابنتُه قرشيَّة، وقد قدَّمتُ ما في «سنن ابن ماجه» عن شيخه محمَّد بن رمح عن اللَّيث.

    فائدة: الذي سرقته المخزوميَّة كان قطيفةً، كذا في «مسند أحمد»، وكانت تُساوي أحدَ عشر درهمًا، كما جاء في روايةٍ.

    [ج 2 ص 29]

    (1/6919)

    [باب في حب ابن أسامة بن زيد]

    (1/6920)

    [حديث: لو رآه رسول الله لأحبه]

    3734# قوله: (حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ): تَقَدَّم ضبط (الماجِشُون)، وأنَّه بكسر الجيم، وأنَّه الأحمر المُورَّد، وهذا هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجِشُون، تَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ): (يَسحَب): بفتح أوَّله والحاء المهملة ثالثه، وهذا الرجل سيأتي في هذا الحديث نفسه أنَّه محمَّد بن أسامة، وقد تَقَدَّم بقيَّة نسبه، وهو محمَّد بن أسامة بن زيد بن حارثة، روى عن أبيه، وعنه: الأعرج، وعبد الله بن محمَّد بن عَقِيل، وجماعة، قال ابن سعد: ثقة، توفِّي في خلافة الوليد، له في «التِّرمذيِّ»، وله في «خصائص عليٍّ» للنَّسائيِّ.

    قوله: (لَيْتَ هَذَا عِنْدِي): كذا هو بالنُّون في أصلنا، قال ابن قُرقُول في «المطالع»: (عبدي)؛ بالباء من العُبودية للنسفيِّ، وللكافَّة: بالنون، والأوَّل أوجه، انتهى.

    قوله: (فقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ): هذا الإنسان القائل لابن عمر ذلك لا أعرفه.

    قوله: (فَطَأْطَأَ): هو بهمزتين؛ الأولى ساكنة، والثانية مفتوحة، وهذا معروفٌ.

    (1/6921)

    [حديث: اللهم أحبهما فإني أحبهما]

    3735# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم الكلام على نسبته هذه، و (مُعْتَمِرٌ): تَقَدَّم أنَّه ابن سُليمان بن طرخان، وتَقَدَّم ضبط (طرخان) ومعناها، و (أَبُو عُثْمَانَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ، وتَقَدَّم ضبط مَلٍّ غيرَ مرَّةٍ.

    قوله: (يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ): سيأتي الكلام على رواية: (فيُقعدُهما على فخذه، والحسن على الفخذ الأخرى)، وما قيل فيها.

    قوله: (اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا): هو فعل أمر، والثانية: (فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا): فعل مضارع.

    (1/6922)

    [معلق نعيم: أن الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن وكان أيمن ... ]

    3736# قوله: (وَقَالَ نُعَيْمٌ [1] عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ): (نُعَيم): هذا هو ابن حَمَّاد بن معاوية بن الحارث بن همَّام الخزاعيُّ، أبو عبد الله المروزيُّ، الحافظ الفرضيُّ الأعور، صاحب التصانيف، ونزيل مِصر، رأى الحسين بن واقد، وروى عن أبي حمزة السُّكَّريِّ وإبراهيم بن طهمان شيئًا قليلًا، وعن ابن المبارك، وخلقٍ كثيرٍ بخراسان والحجاز والشام والعراق، وعنه: البُخاريُّ مقرونًا بغيره، وابن معين، والذُّهليُّ، والدارميُّ، وأبو زرعة الدمشقيُّ، وخلقٌ، قال يوسف بن عبد الله الخوارزميُّ: سألت أحمد ابن حنبل عن نُعيم بن حَمَّاد، فقال: لقد كان من الثِّقات، وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن ابن معين: ثقة، وقال الحسين بن حبَّان عن ابن معين: ثقة صدوق، أنا أعرَفُ الناس به، كان رفيقي بالبصرة، كتبَ عن رَوح بن عبادة خمسين ألف حديث، حُمِل إلى العراق في امتحان القرآن مع البُويطيِّ مُقيَّدَين، فمات نُعيم بالعسكر بسامُرَّاء، قال جماعة: مات سنة (229 هـ)، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وابن ماجه، له ترجمةٌ في «الميزان» [2]؛ منها: أنَّ الأزديَّ نسبه إلى الوضع، وفي هذا الحديث قرنه البُخاريُّ مع شيخه الآتي؛ وهو سليمان بن عبد الرحمن؛ هو أبو أيُّوب التميميُّ الدِّمشقيُّ الحافظ ابن بنت شرحبيل، مفتٍ ثقةٌ، لكنه مُكثِرٌ عن الضُّعفاء، وهذا نوعٌ من القرن، وما شرط القرن أن تقول: حدَّثنا فلان وفلان، وقد تَقَدَّم مثلُه؛ فاعلمه.

    و (ابْنُ الْمُبَارَكِ): عبد الله أحد الأئمَّة الأعلام، و (مَعْمَرٌ): تَقَدَّم أنَّه بميمين مفتوحتين، بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّه ابن راشد، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم، و (مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): سيأتي في الطريق الثانية أنَّه حرملة، وسأذكر بعضَ ترجمته لمَّا يصرح به الزُّهري في الطريق الثاني.

    قوله: (أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ بْنِ أُمِّ أَيْمَنَ): (الحجَّاج بن أيمن): ابن عُبيد بن عمرو بن بلال الخزرجيُّ، وقيل: الحَبَشيُّ، ابن أمِّ أيمن، قُتِل أبوه أيمن يوم حُنين شهيدًا، وعاش الحجَّاج إلى إمرة الزُّبير، لم يروِ شيئًا، وله رؤيةٌ رضي الله عنه.

    قوله: (ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ): قال الدِّمياطيُّ: (أمُّ أيمن: اسمها بركة بنت ثعلبة بن عمرو بن حصن، مولاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخادمتُه، ورِثها من أبيه، وقيل: من أمِّه، وقال: «أمُّ أيمن أمِّي بعد أمِّي»، خلف عليها زيدُ بن حارثة بعد عُبيد بن عمرو بن بلال، فولدت له أسامة، واستشهد أيمن بن عُبيد يوم حُنين، ثبت مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم ينهزم) انتهى، ثبت مع من ثبت، وقد ذكرتُهم، وذكرتُ الاختلاف في عددهم.

    قوله: (أَعِدْ): هو بفتح الهمزة، وكسر العين، وإسكان الدال المهملتين، أمرٌ بالإعادة.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (ابن حماد بن معاوية بن الحارث، مات سنة «228 هـ»).

    [2] زيد في (أ): (ترجمة).

    [ج 2 ص 30]

    (1/6923)

    [حديث: لو رأى هذا رسول الله لأحبه]

    3737# قوله: (وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): تَقَدَّم أعلاه الكلام عليه، و (الْوَلِيد) بعده: هو ابن مسلم عالم أهل الشام، و (الزُّهْرِيُّ): محمَّد بن مسلم.

    قوله: (حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ): (حرملة) هذا: يروي عن مولاه أسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، ولزمه حتَّى قيل له: مولى زيد بن ثابت، وعليٍّ، وابن عمر، وعنه: الزُّهريُّ وأبو جعفر محمَّد بن عليٍّ، فرَّق أبو حاتم بين مولى أسامة وبين مولى زيد، وقال: مولى زيد بن ثابت روى عن زيدٍ وأُبيٍّ وعائشة، وعنه: أبو بكر ابن حزم، رقم على حرملةَ مولى أسامة الذَّهبيُّ في «تذهيبه»: (بخ)؛ أي: أخرج له البُخاريُّ في كتاب «الأدب المفرد»، ولم يذكره الذَّهبيُّ في «كاشِفه»، وهو يلزمه؛ لأنَّه كما ترى مُخرَّج له في «البُخاريِّ»، وينبغي أن يُثبَت في «الكاشف»، ويُرقَم عليه: (خ)، والله أعلم، وسيجيء أيضًا في (كتاب الفتن) في (باب قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن: «إنَّ ابني هذا سيِّدٌ») ما لفظُه: (حدَّثنا عليُّ بن عبد الله: حدَّثنا سفيان قال: قال عمرو: أخبرني محمَّد بن عليٍّ: أنَّ حرملة مولى أسامة أخبره، قال عمرو: وقد رأيت حرملة قال: أرسلني أسامة إلى عليٍّ ... )؛ الحديث، وقد ذكره المِزِّيُّ في «أطرافه» في الرُّواة عن ابن عمر، ولفظه: (حرملة مولى أسامة بن زيد الكلبيُّ عن ابن عمر حديث: أنَّ الحجَّاج بن أيمن بن أمِّ أيمن، وكان أيمن أخا أسامة لأمِّه، وهو رجلٌ من الأنصار)، فذكره، وذكر المكان الثاني أيضًا في «مسند أسامة»، والله أعلم.

    [ج 2 ص 30]

    قوله: (وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي): وفي رواية هي نسخة في طرَّة أصلنا وعليها علامة راويها و (صح): (وزادني بعض أصحابي عن سليمان)، أمَّا بعض أصحاب البُخاريِّ؛ فلا أعرف مَن هو، وذكر حافظ عصري أنَّه محمَّد بن يحيى الذُّهليُّ، ثم نقل مستَنَده بذلك، ثم قال: وقد أخرجه البيهقيُّ في «دلائل النُّبوَّة» من طريق يعقوب بن سفيان، والطبرانيُّ في «مسند الشاميِّين» من طريق أبي عامر محمَّد بن إبراهيم الصوريِّ؛ كلاهما عن سليمان بن عبد الرحمن، والذي ترجَّح لي أنَّه الذُّهليُّ، قال: ومن عادة البُخاريِّ أنَّه لا يُفصِح به، انتهى.

    وأمَّا (سُلَيْمَان)؛ فهو ابن عبد الرحمن، تَقَدَّم قريبًا.

    (1/6924)

    [باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): هو عبد الله بن عمر بن الخَطَّاب، وقد تَقَدَّم بقيَّة نسب والده، أمُّ عبد الله وأمُّ أخته حفصةَ أمِّ المؤمنين زينبُ بنتُ مظعون بن حبيب الجُمَحيَّة، صحابيَّةٌ، توفِّيت بمكة، أسلم عبد الله مع أبيه، وهاجر قبل أبيه، وفي «الصَّحيح»: إنَّما هاجر به أبواه، نقول: ليس كمن هاجر بنفسه، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: وقد قيل: إنَّ إسلامه كان قبل إسلام أبيه، ولا يصحُّ، وكان عبد الله يُنكِر ذلك، وأصحُّ من ذلك قولُهم: إنَّ هجرته كانت قبل هجرة أبيه، انتهى، وقد قدَّمتُ أنا ما في «الصَّحيح»، فينبغي أن يُجابَ عنه، أو يكونَ هو الصحيح.

    مناقبُه كثيرةٌ؛ منها: أنَّه أتْبَعُ الصَّحابة للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأزهدُهم، كذا قالوا، وأظنُّ أنَّ أبا ذرٍّ قد كان أزهدَ منه، بل هما زاهدا الأمَّة على كل تقدير، توفِّي سنة (73 هـ) بعد قتل ابن الزُّبير بثلاثة أشهر، وقيل: بستَّة أشهر، وقال يحيى ابن بُكَيْر: توفِّي بعد الحجِّ، ودُفِن بالمُحَصَّب، قال: وبعض الناس يقول: دُفِن بفَخٍّ، وفَخٌّ؛ بفتح الفاء وبالخاء المعجمة المُشدَّدة: موضعٌ بقرب مكة.

    تنبيه: وقع في «المهذَّب» في أوَّل السِّيَر: (أنَّ ابن عمر عُرِضَ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم بدرٍ وهو ابن أربعَ عشْرةَ سنةً)، وهذا غلطٌ، وصوابُه: (يوم أُحُد)، كذا في «الصَّحيحين» وغيرهما، والله أعلم، قاله النَّوويُّ، وهو صحيحٌ.

    تنبيهٌ آخر: وقع في «البُخاريِّ» من حديث البراء قال: (استُصغِرتُ أنا وابن عمر يوم بدر)، وفيه أيضًا: (استُصغِرتُ وأنا وابن عمر) ولم يذكر يوم بدر، ذكرهما البُخاريُّ في (باب عدَّة أصحاب بدرٍ).

    ==========

    [ج 2 ص 31]

    (1/6925)

    [حديث: كان الرجل في حياة النبي إذا رأى رؤيا قصها على النبي]

    3738# 3739# قوله: (إِذَا رَأَى رُؤْيَا): تَقَدَّم أنَّها بغير تنوين، وكذا الثانية.

    قوله: (وَكُنْتُ غُلاَماً شَابًّا أَعْزَبَ): وفي نسخة: (عَزَبًا)، قال ابن قُرقُول: كذا وقع فيها لكافَّة رُواة البُخاريِّ، و «ما في الجنَّة أعزب»: كذا للعذريِّ، وصوابه: عَزَب، (وكنت شابًّا عَزَبًا)، وكذا للأصيليِّ فيهما، انتهى، وكذا نكَّر غيرُ ابن قُرقُول (أعزب)، وقد قال شيخنا مجد الدِّين في «القاموس»: العَزَب؛ محرَّكة: مَن لا أهلَ له؛ كالمِعزابة والعَزيب، ولا تقل: أعزب، أو قليلٌ، انتهى، و (أعْزَب): لغةٌ قليلة في (عَزَب)، والله أعلم.

    قوله: (فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ): أي: مبنيَّة كبناء البئر.

    قوله: (وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ): قرنا البئر: الدِّعامتان من خشبٍ، أو بناءٌ على البئر، تُمَدُّ عليهما خشبةٌ ثالثةٌ يكون فيها البَكَرة، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (لَنْ تُرَاعَ): كذا للجماعة، وللقابسيِّ: (لن تُرَع)، و (تُراع) و (تُرَع): مبنيَّان لِما لم يُسَمَّ فاعلُهما، و (لن تُرَع): لغة شاذَّة لبعض العرب الجزم بـ (لن)؛ كما أنَّهم ينصبون بـ (لم)، وقد قُرِئَ: (ألم نشرحَ) [الشرح: 1]؛ بالنَّصْب شاذًّا، ومعنى (لن تراع): أي: لا تفزع.

    ==========

    [ج 2 ص 31]

    (1/6926)

    [حديث: إن عبد الله رجل صالح]

    3740# 3741# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن وهب أحد الأعلام، وكذا تَقَدَّم (يُونُسَ): أنَّه ابن يزيد الأيليُّ، وكذا (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب.

    ==========

    [ج 2 ص 31]

    (1/6927)

    [باب مناقب عمار وحذيفة]

    قوله: (بابُ: مَنَاقِب عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): أمَّا (عَمَّار)؛ فهو ابن ياسر، تَقَدَّم نسبُه في أوَّل هذا التعليق، وكنيته أبو اليقظان، أسلم هو وأبوه ياسر وأمُّه سميَّة قديمًا، قَتل أبو جهل _لعنه الله_ سميَّة، فهي أوَّل شهيدة في الإسلام، ويقال: أوَّل شهيد في الإسلام الحارث بن أبي هالة ابن خديجة، وقد قدَّمتُ ذلك في (الجهاد).

    مناقبُ عَمَّار كثيرة، قُتل مع عليٍّ رضي الله عنهما بصِفِّين سنة سبع وثلاثين في شهر ربيع الأوَّل، وقيل: الآخر، وهو ابن ثلاث، وقيل: أربعٍ وتسعين سنةً، وقد قتله أبو الغادية، كذا في «مسند أحمد»، واسمه يسار بن سبع، وقيل غير ذلك، وهو جُهَنيٌّ، سكن الشام، ونزل واسِطًا، عِداده في الشَّاميِّين، أدرك النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو غلامٌ، وسمع منه قوله: «لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقاب بعض»، وكان محبًّا لعثمان، وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتلُ عَمَّار بالباب؛ يتبجَّح بذلك، روى عنه: كلثوم بن جبر وغيره، وفي كلام بعض الحُفَّاظ: قَتل عَمَّارًا أبو الغادية الفزاريُّ وابن جَزء، اشتركا فيه.

    تنبيه: لهم آخرُ يقال له: أبو الغادية، لكنَّه مُزَنيٌّ، فقيل: إنَّه غير الأوَّل، وقيل: هو هو.

    وأمَّا (حذيفة)؛ فهو ابن اليماني، وقد تَقَدَّم الخلاف في اسم أبيه، ولِمَ قيل له: اليماني، وقد تَقَدَّم أنَّ الصحيح أنَّ (اليماني) بإثبات الياء، مناقب حذيفة كثيرة، توفِّي بالمدائن سنة ستٍّ وثلاثين بعد مقتل عثمان، قيل: بأربعين ليلة، وقد تَقَدَّم من قَتل عثمان رضي الله عنه، أمُّ حذيفة صحابيَّةٌ، أخرج التِّرمذيُّ في (مناقب الحسن والحسين) حديثًا حسَّنه يقتضي إسلامَها، وقد ذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده»، فقال: (أمُّ حذيفة بن اليماني لها ذكرٌ في حديثٍ لابنها أخرجه ابن منده) انتهى، واليماني: صحابيٌّ رضي الله عنه، قُتِل بأُحُد، وستأتي كيفيَّة قتله.

    (1/6928)

    [حديث: والله لقد أقرأنيها رسول الله من فيه]

    3742# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ): هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ، تَقَدَّم مترجمًا، و (الْمُغِيرَة): هو ابن مِقسَم، تَقَدَّم مثله، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ، تَقَدَّم، و (أَبُو الدَّرْدَاءِ) عويمر، تَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ؟): هو بتحريك الواو على استفهام الإنكار، وقد قدَّمتُ متى تُفتَح الواو ومتى تُسكَّن، ويعني بـ (ابن أمِّ عبد): عبد الله بن مسعود، وقد تَقَدَّم، الهذلي، وأمُّه أمُّ عبدٍ _بلا إضافة_ بنت سُود بن قويم _

    [ج 2 ص 31]

    وفي نسخة بـ «الرَّوض»: (بنت قرين) انتهى_ ابن صاهلة، فرَضَ لها عمر ألفين، وهي من المهاجرات، وذكر ابن الدبَّاغ: أمَّ عبد بنت عبد ودِّ بن سوَاد، وإنَّما هي بنت سود رضي الله عنها.

    قوله: (صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ): كان عبد الله بن مسعود صاحبَ نعلَي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، إذا قام عليه السلام؛ ألبسه إيَّاهما، وإذا جلس؛ جعلهما في ذراعَيه حتَّى يقومَ عليه السلام.

    قوله: (وَالْوِسَادِ): هو بكسر الواو، قال ابن قُرقُول: (صاحب الوِساد والمطهرة)؛ يعني: عبد الله بن مسعود، كذا في «البُخاريِّ» من غير خلاف في (كتاب الطهارة)، وكذا في رواية مالك بن إسماعيل، وفي رواية: (الوسادة والسِّواد)؛ بكسر السين، وكان ابن مسعود يمشي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حيث ينصرف، ويحمل مَطهرته، وسِواكه، ونَعْلَيه، وما يحتاج إليه، فلعلَّه أيضًا كان يحمل وِسادهُ إذا احتاج إليه، وأمَّا عمر؛ فإنَّه يقول: كان يُعرَف بصاحب السِّواد؛ أي: السِّرِّ؛ لقوله: «إذنُك عليَّ أن تَرفَع الحجاب وتسمع سِوادي»، انتهى، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]): يريد بالذي أجاره على لسان نبيِّه: عَمَّارًا، وقد قدَّمتُ قصَّته وكيف أجاره الله من الشَّيطان في (باب صِفة إبليس وجنوده).

    قوله: (أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُه أَحَدٌ غَيْرهُ؟): (أوَ)؛ بفتح الواو: استفهام إنكارٍ، وقد قدَّمت متى تُفتَح الواو ومتى تُسكَّن، يريد بذلك: حُذيفة، وسيأتي كذلك، وكان حذيفة صاحب سرِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المنافقين، يعلمُهم وحدَه، وقد سأله عمر رضي الله عنه: أفي عُمَّالي أحدٌ منهم؟ قال: نعم؛ واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكرُه، فعزله عمر رضي الله عنه، كأنَّما دُلَّ عليه.

    (1/6929)

    قال أبو الأسود في «مغازيه» عن عروة قال: ورجع رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قافلًا من تبوك إلى المدينة، حتَّى إذا كان ببعض الطريق؛ مكر برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ناسٌ من المنافقين، فتآمروا أن يطرحوه من عَقبةٍ في الطريق، فلما بلغوا العقبة؛ أرادوا أن يسلكوها معه، فلمَّا غشيهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ أُخبِرَ خبرَهم، فقال: «من شاء منكم أن يأخذ ببطن الوادي؛ فإنَّه أوسع»، وأخذ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم العقبة، وأخذ الناس بطن الوادي إلَّا النَّفر الذين همُّوا بالمكر برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لمَّا سمعوا بذلك؛ استعدُّوا وتلثَّموا، وقد همُّوا بأمر عظيم، وأمر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حذيفة اليماني وعَمَّار بن ياسر، فمشيا معه، وأمر عَمَّارًا أن يأخذ بزِمام الناقة، وأمر حذيفة أن يسوقها، فبينا هم يسيرون؛ إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم، وقد غشَوه، فغضب رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمر حذيفة أن يردَّهم ... إلى أن قال: فقال عليه السلام لحذيفة: «هل عرفتَ مِن هؤلاء الرَّهط _أو الرَّكب_ أحدًا؟» قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان، وقال: كانت ظلمةٌ، وغشيتهم وهم متلثِّمون، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «هل علمتُم ما كان شأن الرَّكب، وما أرادوا؟» قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: «فإنَّهم مكروا حتَّى يسيروا معي، إذا أظلمت في العقبة؛ طرحوني منها»، قالوا: أوَلا تأمر بهم يا رسول الله إذا قال [2] الناسُ فنضربَ أعناقهم؟ قال: «أكره أن يتحدَّث [الناس] ويقولوا [3]: إنَّ محمَّدًا قد وضع يده في أصحابِه»، فسمَّاهم لهما، وقال: «اكتُماهم».

    وذكر ابن إسحاق القصَّة، وأنَّهم اثنا عشر، وعدَّدهم، وقد ذكرهم عنه ابن قيِّم الجوزية في «الهَدْي» مسمَّين عنه، ولابن إسحاق وقد ذكرهم ابن شيخنا البلقينيِّ عن الزُّبير بن بكَّار: مُعتِّب بن قُشير، ووديعة بن ثابت، وجَدُّ بن عبد الله، والحارث بن يزيد، وأوس بن قيظي، والجُلاس بن سويد بن الصامت، وسعد بن زرارة، وسُويد، وداعس، وقيس بن عمرو بن قهد، وزيد بن اللُّصيت، وسلالة بن الحمام، انتهى، ولمَّا ذكرها ابن القَيِّم عن ابن إسحاق؛ ذكر فيها أوهامًا نبَّه عليها.

    وقوله في سياق القصَّة لحذيفة وعَمَّار: فسمَّاهم لهما وقال: «اكتُماهم»؛ فيه نظرٌ؛ إذ المنفرد بذلك حذيفة، والنُّسخة التي وقفتُ عليها بـ «الهَدْي» فيها سقمٌ؛ فلتُراجَع من نسخةٍ أخرى.

    وقال شيخنا في (كتاب الاستئذان) في (باب من أُلقِي له وِسادة): (إنَّ المنافقين الذين أسرَّ لحذيفة فيهم كانوا سبعة عشر لم يُعْلِمه لأحدٍ غيره، وكان عمر رضي الله عنه إذا مات من يُشَكُّ فيه رصد حذيفة، فإن خرج بجنازته؛ [خرج]، وإلَّا؛ لم يخرج) انتهى، وفي كلام غير شيخنا أنَّه أسرَّ إليه سبعةً وعشرين من المنافقين.

    قوله: (كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟): عبد الله المشار إليه هو ابن مسعود بن غافل الهذليُّ، تَقَدَّم مِرارًا.

    (1/6930)

    قوله: (وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى) [الليل: 3]: يأتي الكلام على هذه القراءة في (التفسير) في سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}.

    (1/6931)

    [حديث: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني ... ]

    3743# قوله: (عَنْ مُغِيرَةَ): تَقَدَّم أعلاه أنَّه ابن مِقسم، وكذا تَقَدَّم (إِبْرَاهِيم): أنَّه ابن يزيد النَّخَعيُّ، وتَقَدَّم (الشَّأْمِ) ضبطًا وطولًا وعَرضًا في أوَّل هذا التعليق، وكذا تَقَدَّم (أَبُو الدَّرْدَاءِ): عويمِر مترجمًا.

    قوله: (صَاحِبُ السِّوَاكِ أو السِّوَادِ [1]): تَقَدَّم أعلاه أنَّ (السِّواد) بكسر السين، وأنَّه السِّرُّ في كلام ابن قُرقُول، وقبل ذلك أيضًا، وقال: «إذنُك عليَّ أن ترفع الحجاب وتسمع سِوادِي حتَّى أنهاك»، (السِّواد): السِّرار، يقال: ساودت الرجل مساودة؛ إذا ساررتَه، قيل: [هو] [2] من إدناء سوادك من سواده؛ أي: شخصك من شخصه.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (السِّواد: السِّرُّ، قيل له: السِّواد؛ لدنو السواد من السواد حينالسِّر، قاله في «النِّهاية»).

    [2] سواد في (أ).

    [ج 2 ص 32]

    (1/6932)

    [باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): تَقَدَّم الكلام [عليه]، وأنَّه عامر بن عبد الله _ وقيل: بالعكس، وقدَّمه بعض الحُفَّاظ_ ابن الجرَّاح بن هلال بن وُهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك، يلتقي مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الأب السَّابع، وهو فهر، وهو الأب الحادي عشر للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو أبعدُ العشرة قرابةً منه صلَّى الله عليه وسلَّم، قَتل أبو عبيدة أباه يوم بدر.

    مناقبه جمَّةٌ معروفة، توفِّي سنة ثماني عشرة في طاعون عَمَواس؛ بفتح العين والميم وبسكونها _ذكرها النَّوويُّ بهما، أمَّا الفتح؛ فذكره في «تهذيبه»، وأمَّا السُّكون؛ فذكره في «أذكاره» _ وآخرها سين مهملة، وكذا العين مهملة أيضًا، وعَمَواس: قريةٌ بالشام بين الرملة وبيت المقدس، ونُسب الطاعون إليها؛ لأنَّه بدأ منها، وقيل: لأنَّه عمَّ النَّاس، وتواسَوا فيه، وقبر أبي عُبيدة بغور بيسان عند قرية يقال لها: عمتا، رحمه الله تعالى.

    (1/6933)

    [حديث: إن لكل أمة أمينًا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة]

    3744# قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو الفلَّاس الحافظ، و (عَبْدُ الأَعْلَى) بعده: هو عبد الأعلى بن عبد الأعلى السَّاميُّ؛ بالسين المهملة، أحد المحدِّثين الكبار، عن يونس، والجريريِّ، وخالد الحذَّاء، وخلقٍ، وعنه: ابن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، والفلَّاس، وخلقٌ، وثَّقه ابن معين وأبو زرعة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن حبَّان: كان ضعيفًا في الحديث، قدريًّا داعية، قال الفلَّاس: توفِّي في شعبان سنة (189 هـ)، أخرج له الجماعة، له ترجمة في «الميزان»، وقد تَقَدَّم، و (خَالِدٌ) بعده: هو ابن مهران الحذَّاء، و (أَبُو قِلَابَةَ): عبد الله بن زيد الجرميُّ، تَقَدَّما.

    [ج 2 ص 32]

    (1/6934)

    [حديث: لأبعثن يعني أمينًا حق أمين]

    3745# قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا هو السَّبِيعيُّ عمرو بن عبد الله.

    قوله: (عَنْ صِلَةَ [1]): هو ابن زُفَر، وزُفَر: لا ينصرف؛ للعدل والعلميَّة، وليس في الكتب السِّتَّة مَن يقال له: (صلة) مِن الرواة غيرُه، وهو عبسيٌّ _بالموحَّدة_ كوفيٌّ، كنيته أبو العلاء، ويقال: أبو بكر، وثَّقه ابن خراشٍ وغيره، قال خليفة: مات في ولاية مصعب بن الزُّبير، أخرج له الجماعة.

    قوله: (لِأَهْلِ نَجْرَانَ): تَقَدَّم أنَّ (نَجْران) مدينة معروفة بين مكَّة واليمن على سبع مراحل من مكَّة، قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وفد نصارى نجران ستُّون راكبًا؛ فيهم أربعة عشر رجلًا من أشرافهم، في الأربعة عشر منهم ثلاثةُ نفر إليهم يَؤُول أمرُهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم، واسمه عبد المسيح، والسيِّد ثِمَالُهم وصاحب رَحْلهم، واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أسقفهم، وحبرهم، وإمامهم ... إلى أن قال: وكان تسمية الأربعة عشر: العاقب، والسيد، وأبو حارثة، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، وقصَّتهم معروفةٌ ذكرها ابن إسحاق مطوَّلةً، وذكرها عنه أبو الفتح اليعمريُّ في «سيرته»؛ فانظرها إن أردتَها، والله أعلم.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (صلة بن زفر العبسيُّ الكوفيُّ، يُكْنَى أبا بكرٍ، ويقال: أبا العلاء، توفِّي في زمنِ مصعب بن الزبير).

    [ج 2 ص 33]

    (1/6935)

    [باب ذكر مصعب بن عمير]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ): وفي نسخة: (ذكر مصعب بن عُمير)، اعلم أنَّ الإمام البُخاريَّ لم يذكر في ترجمة مصعب بن عُمير هنا حديثًا، وكأنَّه رحمه الله استغنى بما ذكره في (الجنائز) وغيرها من حديث سعد بن إبراهيم عن أبيه: أنَّه أُتِي _يعني: عبد الرحمن بن عوف_ يومًا بطعامه، فقال: (قُتِل مصعب بن عُمير، وكان خيرًا منِّي، فلم يوجد له ما يُكفَّن فيه إلَّا بردة ... )؛ الحديث، وأخرجه في (المغازي)، وأخرج أيضًا في (الجنائز) وغيرها حديث خبَّاب: (هاجرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نلتمس وجه الله، فوقع أجرُنا على الله، فمِنَّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا؛ منهم: مصعب بن عُمير ... )؛ الحديث، وكأنَّه فعل ذلك اختصارًا؛ لشهرة الحديثين، أو على أنَّه فتحه ليذكر فيه الحديثين أو أحدَهما، فمات قبل وضع شيءٍ فيه وإن كان قد هذَّب الكتاب وأسمعه غيرَ مرَّةٍ في حياته، وكذا يجري لكثيرٍ من المصنِّفين، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 33]

    (1/6936)

    [باب مناقب الحسن والحسين]

    قوله: (قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَانَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَسَنَ): حديث نافعٍ هذا عن أبي هريرة أخرجه البُخاريُّ، ومسلم، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، أخرجه البُخاريُّ في (البيوع) وفي (اللباس)، ومسلم في (الفضائل)، والنَّسائيُّ في (المناقب)، وابن ماجه في (السُّنَّة).

    ==========

    [ج 2 ص 33]

    (1/6937)

    [حديث أبي بكرة: ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به ... ]

    3746# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ: سَمِعَ أَبَا بَكْرَة): أمَّا (أَبُو مُوسَى)؛ فاسمه إسرائيل بن موسى، من أهل البصرة، نزل الهند، لم يروِه عن الحسن غيره، قاله أبو ذرٍّ، انتهى، كذا في حاشية أصلنا، قال الدِّمياطيُّ: (انفرد به البُخاريُّ، فأمَّا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ؛ فاتَّفقا عليه، وكنيته أبو يوسف، لا ثالث لهما في «الصحيح») انتهى، وقول الدِّمياطيِّ: انفرد به البُخاريُّ؛ يعني: عن مسلم، وقد تَقَدَّم الكلام في سماع الحسن من أبي بكرة، والصحيح: أنَّه سمع منه، وصرَّح بالسماع منه هنا وبالتحديث منه في (الصُّلح)، وقد عقَّبه البُخاريُّ بكلام عليِّ ابن المَدينيِّ، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 33]

    (1/6938)

    [حديث أسامة: اللهم إني أحبهما فأحبهما]

    3747# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الرحمن بن مَلٍّ أبو عثمان النَّهديُّ، وتَقَدَّمت اللُّغات في مَلٍّ.

    ==========

    [ج 2 ص 33]

    (1/6939)

    [حديث أنس: كان أشبههم برسول الله]

    3748# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ): هذا هو ابن إشكاب.

    قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ): هو بفتح الجيم، وكسر الراء، وهو ابن حَازم؛ بالحاء المهملة.

    قوله: (عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسِ): (محمَّد) هذا: هو ابن سيرين العالم المشهور.

    قوله: (أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ): (أُتيَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عبيد الله بن زياد): مرفوعٌ نائبٌ مناب الفاعل، و (عبيد الله) ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها، ولا شيء له في الكتب السِّتَّة، وكيف يكون وقصةُ المجيء برأس الحسين مشهورة؟! فمن أراد الوقوف على ذلك؛ فلينظُر التواريخ.

    قوله: (فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ): (جُعل): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والطَّست: معروف، وقد قدَّمتُ اللُّغات فيه في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (فَجَعَلَ يَنْكُتُ): أي: فجعل عُبيد الله بن زياد ينكت، قال الجوهريُّ: النَّكت: أن ينكت في الأرض بقضيب؛ أي: يضرب فيؤثِّر، فجعل الفاسق الخبيث يؤثِّرُ في رأسه الكريم بالقضيب.

    قوله: (فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): يعني: يشبهه عليه السلام من سُرَّته إلى رِجْليه، وأمَّا مِن السُّرَّة إلى فوق؛ فالحسن أشبه الناس به عليه السلام، وقد ذكرتُ ذلك في (الصُّلح)، والاعتذار عمَّن عدَّه في المشبهين، وحديث والده قاضٍ على قول كلِّ أحد، وقد ذكرتُه هناك؛ فانظُره.

    قوله: (بِالْوَسْمَةِ): هي بفتح الواو، وإسكان السين المهملة، وضبَطها بعضُهم بكسرِها، كذا في «المطالع»، وفي «النِّهاية»: بكسر السين، وقد تُسكَّن، وكذا في «الصحاح»، فإنَّه قال: و (الوسِمة)؛ بكسر السين: العِظْلم يُختضَب به، وتسكينها لغةٌ، ولا تقل: وُسمة؛ بضمِّ الواو، انتهى، قال ابن الأثير: نبت _وقيل: شجر_ باليمن يُخضَب بورقه الشعر أسود، انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 33]

    (1/6940)

    [حديث: اللهم إني أحبه فأحبه]

    3749# قوله: (أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ): هذا هو عديُّ بن ثابت الأنصاريُّ، و (البَراء): تَقَدَّم أنَّه ابن عَازب [1]، وأنَّ عَازبًا صحابيٌّ أيضًا.

    قوله: (وَالْحَسَنُ عَلَى عَاتِقِهِ): (الحسنُ): مرفوع مبتدأ، و (على عاتقه [2]): خبر، و (رأيت) هنا: من رؤية العين لا يتعدَّى إلَّا إلى واحدٍ على الأكثر.

    قوله: (فأَحِبَّه): هو بفتح الهمزة، فعل أمر من الرُّباعيِّ، وهذا ظاهرٌ.

    ==========

    [1] في (أ): (عاب)، وهو تحريفٌ.

    [2] في (أ): (عاقبه)، وهو تحريفٌ.

    [ج 2 ص 33]

    (1/6941)

    [حديث: رأيت أبا بكر وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي]

    3750# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عثمان بن جَبَلة بن أبي رَوَّاد، و (عَبْدُ اللَّه) بعده: هو ابن المبارك، و (ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، تَقَدَّم مرارًا، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

    قوله: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ): هذا هو عقبة بن الحارث بن نوفل النَّوفليُّ الصَّحابيُّ، وكنيته أبو سِروعة، من مُسْلِمة الفَتْح، ترجمته معروفة.

    قوله: (رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ): هذا هو أبو بكر عبد الله بن عثمان الصِّدِّيق، أفضل الصَّحابة، تَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (لَيْسَ شَبِيْهًا بِعَلِيٍّ): كذا في أصلنا: (شبيهًا)، وعليها: (ظ) إشارة إلى النَّظر، أو أنَّها إشارة إلى رواية شخص معيَّن عند الكاتب، والله أعلم، وفي الهامش: (شبيهٌ)، وعليها (صح)، وكذا هو (شبيهٌ) في أصلنا الدِّمشقيِّ، أمَّا النَّصْب؛ فظاهرٌ، وأمَّا

    [ج 2 ص 33]

    الرَّفع؛ فقد قدَّمتُه، وهو على أنَّها حرف عطفٍ؛ أعني: (ليس)؛ كما حكاه النحَّاس وابن بابَشاذ عنهم، وحكاه ابن عُصفور عن البغداديِّين، واستدلُّوا بأشياء؛ منها قول الشاعر:

    ~…أين المفرُّ والإلهُ الغالبُ…والأشرَمُ المغلوبُ ليس الغالبُ

    فـ (ليس) في البيت عندهم حرف عطف بمعنى: (لا)، قال ابن مالك: ومن أجود ما يُحتَجُّ لهم قولُ أبي بكر رضي الله عنه: (بأبي شبيه بالنَّبي، ليس شبيهٌ بعلي)، وقد تُعقِّب ابن مالك في ذلك، ولذكره وذكر ما يُعارضه موضعٌ غيرُ هذا، والله أعلم.

    وقد قدَّمتُ الجماعة الذين يُشبِهونه صلَّى الله عليه وسلَّم في (الصُّلح)؛ فانظرهم، وذكرتُ هناك أنَّ أشبههم به عليه السلام الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما.

    (1/6942)

    [حديث: ارقبوا محمدًا في أهل بيته.]

    3751# قوله: (عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّم أنَّه بالقاف، وأنَّه ليس في رجال الكتب السِّتَّة ومؤلَّفاتهم التي صنَّف فيها المِزِّيُّ: وافد؛ بالفاء، وذكرتُ من يقال له: وافد _بالفاء_ في غير الكتب ومؤلَّفاتهم.

    قوله: (ارْقُبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (ارقُبُوا): همزته همزة وصل، فإن ابتدأتَ بها؛ ضممتَها، وقدَّمتُ أنَّ معناها: احفظوه، وأوضحُ من ذلك: راعوه واحترموه.

    ==========

    [ج 2 ص 34]

    (1/6943)

    [حديث: لم يكن أحد أشبه بالنبي من الحسن بن علي]

    3752# قوله: (عَنْ مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الميمينِ بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّه ابن راشد، وتَقَدَّم (الزُّهْرِيُّ): أنَّه محمَّد بن مسلم ابن شهاب.

    قوله: (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ... ) إلى آخره: هذا تعليق مجزومٌ به، وأتى به؛ لأنَّ هشام بن يوسف عنعَنَ عن مَعْمَر، والزُّهري عنعن عن أنس، وفي التعليق صرَّح عبد الرزاق بالإخبار من مَعْمَر، وصرَّح الزُّهريُّ بالإخبار من أنس، وهشام ليس مدلسًا، ولكن ليخرج من الخلاف، والزُّهريُّ مدلِّس، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 34]

    (1/6944)

    [حديث: هما ريحانتاي من الدنيا]

    3753# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): هو بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة: بُنْدار، تَقَدَّم مِرارًا، و (غُنْدُر): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثم نون ساكنة، ثم دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم من لقَّبه بذلك، و (ابْن أَبِي نُعْمٍ [1]): اسمه عبد الرحمن بن أبي نُعْم البجليُّ، كنيته أبو الحكم، كوفيٌّ عابدٌ ثقة، توفِّي في حدود المئة، أخرج له الجماعة، قال الذَّهبيُّ في «ميزانه»: وكان من الأولياء الثِّقات، وقال أحمد بن أبي خيثمة عن ابن معين: ابن أبي نُعْم ضعيف، كذا نقل ابن القطَّان، وهذا لم يُتابَع عليه أحمدُ، انتهى، يعني: ابن أبي خيثمة.

    قوله: (وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمِ): كذا في أصلنا، وصُحِّح عليه، وفي الهامش: (رجل)، والرجلُ السائل لابن عمر لا أعرفُه.

    قوله: (رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا): جاء في حديثٍ آخرَ: «وإنَّكم لمن ريحان الله»؛ يعني: الأولاد، قال ابن الأثير: والرَّيحان: يُطلَق على الرحمة، والرزق، والراحة، وبالرزق سُمٍّي الولد ريحانًا، وفي «المطالع»: «من عُرِض [2] عليه ريحان؛ فلا يردَّه»، والرَّيحان: كلُّ بقلةٍ طيِّبة الريح، وقد يحتمل أن يريد كلَّه؛ لما جاء في الحديث الآخر: «من عُرِض عليه ريحان؛ فلا يردَّه»، وأصله الواو، و «هما ريحانتاي من الدنيا» انتهى، وقال أيضًا ابن قُرقُول: (هما ريحانتاي من الدنيا)؛ أي: في الدنيا، وقيل: من الجنَّة؛ كما قال: «الولد الصالح ريحان من ريحان الجنَّة»، والريحان: ما يُستراح إليه، وقيل: يوجد منه ريح الجنَّة، وقيل: لأنَّهما يُشمَّان كما تُشَمُّ الرياحين، انتهى.

    (1/6945)

    [باب مناقب بلال بن رباح]

    قوله: (بابُ مَنَاقِبِ بِلاَلِ بْنِ رَبَاحٍ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُما): (رَباح)؛ بفتح الراء وبالموحَّدة، اشترى أبو بكر بلالًا بخمس أواقيَّ، وقيل: بسبع، وقيل: بتسع، وأعتقه لله عزَّ وجلَّ، وقد تَقَدَّم أنَّ الأوقية أربعون درهمًا، وأمُّ بلال: حمامة، مولاةٌ لبني جُمَح، وهي صحابيَّة، ذكرها ابن عبد البَرِّ فيهم، وهي ممَّن كان يُعذَّب في الله، فاشتراها أبو بكر وأعتقها، وممَّن اشتراه أبو بكر: عامر بن فُهيرة، وأم عُبيس، وزِنِّيرة، والنَّهديَّة وبنتها، والمؤمِّلية.

    غريبة: في «صحاح الجوهريِّ» في (بلل): (وبلال بن حمام مُؤذِّن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من الحبشة) انتهى.

    مناقب بلال جمَّةٌ، ولم يُعقِّب بلال، قاله النَّوويُّ في «تهذيبه»، توفِّي بدمشق سنة عشرين، وقيل غير ذلك، ودُفِن بباب الصَّغير، وقد زُرتُه، وقيل: بباب كيسان، كلاهما منها، وقيل: بداريَّا، وقيل: بحلبَ، قال المنذريُّ وليُّ الدين عبدُ العظيم في «حواشيه» بعد ذكر القول بأنَّه دُفِن بحلب: (إنَّ الذي دُفِن بحلب هو خالد بن رَباح أخو بلال، ودُفِن خارج باب الأربعين، وغالب ظنِّي أنِّي رأيتُ ذلك كذلك في الجزء الأوَّل من «تاريخ ابن العَديم» أنَّ خالدًا هذا دُفِن خارج باب الأربعين) انتهى، ولم يتعيَّن لنا قبرُه أين هو من باب الأربعين، وقال السمعانيُّ في «الأنساب»: إنَّ بلالًا دُفِن بالمدينة، وغُلِّط، والصحيح الأوَّل، والله أعلم.

    قوله: (سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ): دَفُّ النَّعل؛ بفتح الدال المهملة _وبالمعجمة أيضًا، ذكره بهما ابنُ الأثير في «نهايته» _ وبالفاء المُشدَّدة؛ وهو صوتُهما عند الوطْء عليهما، وذكره ابن قُرقُول في المهملة فقط، فقال: (دَفُّ نعليك)؛ بالفتح لا غير؛ أي: صوت مَشْيك فيها، وعند ابن السَّكَن: (دُوِيَّ): بضم الدال، والمعنى قريب، وهو الصوت أيضًا، انتهى، وقد تَقَدَّم.

    ==========

    [ج 2 ص 34]

    (1/6946)

    [حديث عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]

    3754# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الفضل بن دُكَين الحافظ.

    ==========

    [ج 2 ص 34]

    (1/6947)

    [حديث: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني]

    3755# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ): هو محمَّد بن عبد الله بن نُمير، و (إِسْمَاعِيلُ): هو ابن أبي خالد، و (قَيْسٌ): هو ابن أبي حَازم؛ بالحاء المهملة، تَقَدَّما.

    قوله: (فَأَمْسِكْنِي): هو بقطع الهمزة، رُباعيٌّ.

    قوله: (وَعَمَلَ اللهِ): (عملَ)؛ بالنَّصْب، ونصبه ظاهرٌ على أنَّ الواو بمعنى: مع؛ فهو مفعولٌ معه، ويُحتَمل في نصبه وجهٌ آخر، والله أعلم.

    ==========

    [ج 2 ص 34]

    (1/6948)

    [باب ذكر ابن عباس]

    (1/6949)

    [حديث: اللهم علمه الحكمة]

    3756# قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ هذا عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان أبو عُبيدة الحدَّاد الحافظ، و (خَالِد) بعده: هو الحذاء خالد بن مهران أبو المَنازل.

    [ج 2 ص 34]

    قوله: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ): قيل: (الحكمة): الإصابة في القول من غير نبوَّة، وقيل: الفقه في الدِّين والعلم به، وقيل: الخشية، وقيل: الفهم عن الله، وقيل غير ذلك، و {الحكمة} في قول الله تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]: فقه القرآن، أو فهمُه، أو العمل به، أو علمُ ناسِخِه ومنسوخه، أو النُّبوَّة، أو المعرفة، أو الخشية، أو الورع، أو العقل، أو الكتابة، أو إصابة القول والفعل وما يشهد العقل بصحته، أو السُّنَّة، أو نور يُفرَّق به بين الوسواس والإلهام، أو سرعة الجواب مع إصابة القول؛ أقوال.

    قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا ضبطُه، وأنَّه عبد الله بن عمرو بن أبي الحجَّاج، و (عَبْدُ الْوَارِثِ): تَقَدَّم في ظاهر هذه أنَّه ابن سعيد أبو عُبيدة الحدَّاد، وقوله: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)؛ يعني: بالسند المُتَقدِّم؛ وهو عبد الوارث، عن خالد _هو الحذَّاء_ عن عكرمة، عن ابن عبَّاس؛ فاعلمه.

    قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ مِثْلَهُ): أمَّا (موسى)؛ فهو ابن إسماعيل التَّبوذكيُّ، وتَقَدَّم (وُهَيب): أنَّه وهيب بن خالد الكرابيسيُّ، (عن خالد مثله)؛ يعني: بالإسناد المُتَقدِّم؛ خالد، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، وقد أخرج حديث موسى بهذا السند أيضًا في (الاعتصام)، والله أعلم.

    (1/6950)

    [باب مناقب خالد بن الوليد]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عُمير بن مخزوم بن يقظة بن مرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب القرشيُّ المخزوميُّ، أمُّه لُبابة الصُّغرى بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث أمِّ المؤمنين، ولبابة الكبرى: زوج العبَّاس، وأمُّ خالد لُبابة قال أبو عمر ابن عبد البَرِّ: في إسلامها نظرٌ، وقال ابن سعد: أسلمت وبايعت، انتهى، في «سيرة ابن سيِّد الناس»: أنَّ إسلامه وإسلام عمرو بن العاصي وعثمان بن طلحة قبيل عمرة القضاء، وقيل: بعدها، انتهى، وفي «سيرة مغلطاي»: أنَّ إسلامهم في صفر سنة ثمان، قال ابن أبي خيثمة: كان ذلك سنة خمس، وقال الحاكم: سنة سبع، انتهى، ذكر ذلك في سَريَّة غالب بن عبد الله إلى بني الملوَّح بالكديد في صفر سنة ثمانٍ، وقد تَقَدَّم الكلام في وفاة خالد رضي الله عنه في (الجنائز) وأنَّه دُفِن بحمص، وقال دُحيم: بالمدينة، والصحيح الأوَّل، ومناقبه جمَّة؛ منها: أنَّه سيف الله وسيف رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم.

    (1/6951)

    [حديث: أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب]

    3757# قوله: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ): هو بالقاف، وهو أحمد بن عبد الملك بن واقد، وقد قدَّمتُ غيرَ مرَّةٍ أنَّه ليس في الكتب السِّتَّة ولا في مؤلَّفاتهم التي ألَّفها المِزِّيُّ راوٍ اسمه وافد؛ بالفاء، وقد ذكرتُ من يقال له: وافد [1] في غير الكتب ومؤلَّفاتهم.

    قوله: (عَنْ أَيُّوبَ): تَقَدَّم أنَّه ابن أبي تميمة السَّختيانيُّ.

    قوله: (نَعَى [زَيْدًا وَ] جَعْفَرًا): أي: أَعْلَمَ بمؤتة، وقد تَقَدَّم أنَّ جعفرًا [2] وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قُتِلوا بمؤتة من أرض الشام، وقد قدَّمتُ غيرَ مرَّةٍ متى كانت غزوة مؤتة، وأنَّها تُهمَز ولا تُهمَز.

    قوله: (تَذْرِفَانِ): تَقَدَّم أنَّه بكسر الراء، وقبلها ذالٌ معجمة ساكنة، وتَقَدَّم معناه.

    قوله: (حَتَّى أَخَذَهَا سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ): السيف من سيوف الله: هو خالد بن الوليد، وتَقَدَّم الاختلاف في الهزيمة على مَن ثلاثة أقوال؛ الصحيح عند ابن إسحاق: أنَّه لم ينكسر أحدُ الفريقين، ولكن هنا ما قد رأيت، وهو يقتضي أنَّ المسلمين انتصروا.

    (1/6952)

    [باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة]

    قوله: (بابُ مَنَاقِبِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ): هو سالم بن عُبيد بن ربيعة، كذا نسبه ابن منده، وقال أبو نعيم: هذا وَهَمٌ فاحشٌ، وقال غيره: هو سالم بن معقل، وهو مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ القرشيُّ العبشميُّ، كان سالم من أهل فارس من إصطخر _وإصطخر: بهمزة مكسورة، ويقال: بفتحها، والنِّسبة إليها: إصطخريٌّ، وإصطخرزيٌّ؛ بزيادة زاي، رأيت ذلك في كلام الصَّغانيِّ في كتابٍ له في اللُّغة لطيفٍ، وفيه قراءاتٌ شاذَّةٌ_ أعتقته مولاتُه ثُبَيْتَة امرأة أبي حذيفة، وثُبَيْتَة _بثاء مثلَّثة مضمومة، ثم موحَّدة مفتوحة، ثم ياء مثنَّاة ساكنة، ثم تاء مثنَّاة من فوق مفتوحة، ثم تاء التأنيث_ بنت يعار _بمثنَّاة تحت_ صحابيَّةٌ، ذكرها ابن عبد البَرِّ وغيرُه، وقيل: اسم مُعتِقته سلمى بنت تعار؛ بالمثنَّاة فوق، وقيل: سلمى بنت يعار؛ بالمثنَّاة تحت، قال الذَّهبيُّ في «تجريد الصَّحابة»: مجهولة، انتهى، وقيل: اسمها عمرة بنت يعار، وعمرة هذه ذكرها الذَّهبيُّ في «تجريده» في الصَّحابة، فقال: (عمرة)، لكن قال: (بنت يسار الأنصاريَّة امرأة أبي حذيفة) انتهى، وقال السُّهيليُّ في (هجرة عمر وعيَّاش) وذكر المرأة التي أعتقته سائبةً: وهي ثُبَيْتَة بنت يعار، وقد قيل في اسمها: بُثينة، ذكره أبو عمر، وذُكِر عن الزُّهريِّ أنَّه كان يقول فيها: بنت تعار، وقال ابن قتيبة في «المعارف»: اسمها سلمى

    [ج 2 ص 35]

    ، ويقال في اسمها أيضًا: عَمرة، انتهى، وذكر شيخنا: أنَّها سلمى، وقيل: ثُبَيْتَة بنت يعار، وقال أبو عمر: عمرة بنت يعار، انتهى.

    هاجر سالم إلى المدينة قبل مقدمه عليه السلام، فكان يؤمُّ المهاجرين بها؛ لأنَّه كان أكثرَهم قرآنًا، مناقبه جمَّة، قُتِل يوم اليمامة شهيدًا، وقد تَقَدَّم متى كانت وقعة اليمامة، وكانت سنة اثنتي عشرة في خلافة الصِّدِّيق رضي الله عنه.

    (1/6953)

    [حديث: استقرؤوا القرآن من أربعة.]

    3758# قوله: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ): هو إبراهيم بن يزيد النَّخَعيُّ.

    قوله: (ذُكِرَ عَبْدُ اللهِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو): (ذُكِرَ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، و (عبدُ الله): مرفوعٌ قائمٌ مَقام الفاعل، والمراد بـ (عبد الله): عبد الله بن مسعود بن غافل الهذليُّ رضي الله عنه، و (عبد الله بن عَمرو): هو ابن العاصي بن وائل السهميُّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ رضي الله عنهما.

    قوله: (فَبَدَأَ بِهِ): (بدأَ): هو بهمزةٍ في آخره، وهذا ظاهرٌ جدًّا، وكذا (بدأَ) الثانية.

    ==========

    [ج 2 ص 36]

    (1/6954)

    [باب مناقب عبد الله بن مسعود]

    قوله: (بابُ مَنَاقِب عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ): هو عبد الله بن مسعود بن غَافِل _بالغين المعجمة وبعد الألف فاءٌ مكسورة_ ابن حبيب بن شمخ بن فارِ _بالفاء وتخفيف الراء_ ابن مخزوم بن صاهلة _بالصَّاد المهملة_ ابن كاهَل _قال السُّهيلي: قيَّده الوقشيُّ بفتح الهاء من (كاهل)؛ كأنَّه سُمِّي بالفعل من كاهَلَ يكاهِلُ ... إلى آخره، انتهى_ ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مُضَر بن نزار الهذليُّ، حليف بني زُهْرة، ومسعود لم يُسلِم؛ فليُعلَم، فإنِّي رأيت كثيرًا ممن لا يعرف الأحوال إذا ذكر ابن مسعود يترضَّى عنهما، وإنَّما أسلمت أمُّه أمُّ عَبْد، وقد تَقَدَّم الكلام عليها في (مناقب عَمَّار وحذيفة)، وهي من المهاجِرات رضي الله عنها.

    كنية ابن مسعود: أبو عبد الرحمن، توفِّي بالكوفة سنة ثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، وقيل: عاد إلى المدينة، أسلم قديمًا حين أسلم سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل قبل عمر بن الخَطَّاب بزمان، جاء عنه قال: (لقد رأيتُني سادس ستَّةٍ ما على الأرض مسلمٌ غيرنا)، رواه الطبرانيُّ بإسناده، هاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وشهد المشاهد معه عليه السلام.

    فائدة شارِدة: لابن مسعود ثلاثةُ بنينَ: عبد الرحمن، وبه كان يكنى، وعتبة، وأبو عُبيدة، واسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، واتَّفقوا على أنَّ أبا عُبيدة لم يسمع أباه، ورواياته عنه كثيرة في «السُّنن الأربعة»، وليس له عنه في «البُخاريِّ» و «مسلم» شيءٌ، وأمَّا عبد الرحمن؛ فقال ابن المَدينيِّ والأكثرون: سمع أباه، وقال ابن حنبل: توفِّي ابن مسعود ولابنه عبد الرحمن ستُّ سنين، وقال يحيى: لم يسمع أباه، والله أعلم، وأمَّا ابنه عتبة؛ فلا أعرفُ له ترجمة، ولم أرَه في «تذهيب الذَّهبيِّ»، ولا «كاشفِه»، ولا في «الميزان»، ولا في «رجال مسند أحمد»، ولا في «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتِم، ولا في «ثقات ابن حِبَّان»، ولا في «ثِقاتِ العجليِّ»، والله أعلم.

    فائدة: في «سيرة مغلطاي الصُّغرى»: أنَّ ابن مسعود أوَّل مَن جَهَرَ بالقرآن.

    ==========

    [ج 2 ص 36]

    (1/6955)

    [حديث: استقرؤوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود]

    3759# 3760# قوله: (عَنْ سُلَيْمَانَ): هذا هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمَّد القارئُ، و (أَبُو وَائِلٍ): شقيق بن سلمة، تَقَدَّما.

    قوله: (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا): قال ابن عرفة: الفاحش: ذو الفُحش في كلامِه، والمتفحِّش: الذي يتكلَّف ذلك ويتعمَّده، وقال الطبريُّ: الفاحش: البذيءُ الذي يأتي الفاحشة المنهيَّ عنها، وقد تَقَدَّم.

    (1/6956)

    [حديث: دخلت الشام فصليت ركعتين فقلت اللهم يسر لي جليسًا]

    3761# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه موسى بن إسماعيل التَّبوذكيُّ، و (أَبُو عَوَانَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه الوضَّاح بن عبد الله، و (مُغِيرَة): هو ابن مِقسم الضَّبِّيُّ، تَقَدَّم، و (إِبْرَاهِيم): هو ابن يزيد النَّخَعيُّ.

    قوله: (دَخَلْتُ الشَّأْمَ): تَقَدَّم ضبط (الشَّأم) وطوله وعرضه في أوَّل هذا التعليق.

    قوله: (فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلًا): هذا الشيخ هو أبو الدَّرداء عويمِر، تَقَدَّم مترجَمًا.

    قوله: (صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ): تَقَدَّم الكلام عليه، وهو ابن مسعودٍ، وعلى (الوِساد).

    قوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ فِيْهِمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟): تَقَدَّم أنَّه يعني: عَمَّار بن ياسر، وتَقَدَّمت قِصَّته، (أوَلم)؛ بفتح الواو على الاستفهام، وكذا الثانية.

    قوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ؟): تَقَدَّم أنَّه يعني بذلك: حذيفة بن اليماني وسِرَّه عليه السلام في المنافقين، وتَقَدَّم الاختلاف في عدَّتهم، وكيف كان ذلك مع القصَّة مطوَّلة قريبًا.

    قوله: (كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن مسعود، وتَقَدَّم الكلام على أُمِّه (أمِّ عبدٍ)؛ بغير إضافة، وأنَّها صحابيَّة رضي الله عنها.

    قوله: (فَاهُ إِلَى فِيَّ): في إعراب (فاه إلى فيَّ) كلامٌ مطوَّلٌ، وملخَّصُه ما قاله الجوهريُّ في «صحاحه» في (فوه) قال: (وكلَّمتُه فاهُ إلى فيَّ؛ أي: مشافِهًا، ونُصِب «فوه» على الحال)، والله أعلم.

    (1/6957)

    [حديث: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي]

    3762# قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): تَقَدَّم أنَّه عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهَمْدانيُّ السَّبِيعيُّ الكوفيُّ أحد الأعلام، و (عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ): هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النَّخَعيُّ، أبو بكر الكوفيُّ، أخو الأسود بن يزيد، عن عمِّه علقمة، وعن عثمان، وابن مسعود، وعنه: منصور، والأعمش، وأبو إسحاق، وعِدَّة، مات قبل الجماجم، أخرج له الجماعة، ويقال: مات سنة (73 هـ)، وقال ابن سعد: مات في ولاية الحجَّاج قبل الجماجم، وقال الفلَّاس: مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين، وثَّقه ابن معين وغيره.

    قوله: (قَرِيبِ السَّمْتِ): هو بفتح السين المهملة، وإسكان الميم، وبالمثنَّاة فوق؛ وهو حسن الهيئة والمنظر في الدِّين والخير، لا في الجَمال والملبَس.

    قوله: (وَالْهَدْي): تَقَدَّم أنَّ (الهَدْي) بفتح الهاء، وإسكان الدال المهملة، وهو حيث ذُكِر: الطريقة، والمذهب، والسَّمْت.

    قوله: (وَدَلًّا): الدَّلُّ؛ بفتح الدال المهملة وتشديد اللام؛ وهو حسن السَّمْت، والشمائل، وحديثٍ، وحركةٍ.

    قوله: (مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ): تَقَدَّم أنَّه ابن مسعود، و (أمُّ عبدٍ): تَقَدَّم أعلاه وقبله أنَّها أمُّه، وهي بغير إضافة، صحابيَّة من المهاجِرات.

    (1/6958)

    [حديث أبي موسى: قدمت أنا وأخي من اليمن فمكثنا حينًا ما نرى ... ]

    3763# قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ): في هامش أصلنا ما لفظُه: (هو إبراهيم بن يوسف ابن أبي إسحاق السَّبِيعيُّ، عن أبيه، عن جدِّه، واعلم أنَّ أبا إسحاق عمرو بن عبد الله السَّبِيعيَّ أولادُه: يونس، ويوسف، وإسحاق؛ فإسحاق له ولد اسمه يوسف، وهو المرادُ به في هذا السند، ويونس له ولدان: إسرائيل وعيسى، فإسرائيل حدَّث عن جدِّه)، انتهى، وهو كلامٌ صحيح، وإبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق مُتَكَلَّمٌ فيه، وله ترجمةٌ في «الميزان».

    [ج 2 ص 36]

    قوله: (سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ): تَقَدَّم أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار مرارًا، وتَقَدَّم مترجمًا.

    قوله: (قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ)، قال بعض حُفَّاظ المِصريِّين: إنَّه أبو رهم. [1]

    قوله: (قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ): تَقَدَّم أنَّ أبا موسى له عِدَّة إخوة ذكرتهم فيما مضى، وهم: أبو رهم، وأبو بُردة، ومجدي، ومحمد، وله أخٌ آخَر كنيته أبو عامر، واسمه هانئ_وقال بعض حُفَّاظ هذا العصر: إنَّه أبو رهم، انتهى_ وقيل: عبد الرحمن، وقيل: عُبيد، وقيل: عبَّاد، ذكره الذَّهبيُّ في «تجريده»، وقد صرَّح أبو عمر بأنَّ أبا رهم وأبا بردة ومجدي قدموا معه في البحر إلى المدينة، فالله أعلم مَن أراد منهم، وقد ذكرتهم في (باب قدوم الأشعريِّين) بأطولَ مِن هذا؛ فانظره، ولا أعلم مَن أراد منهم.

    قوله: (مَا نُرَى): هو بضمِّ النون؛ أي: نظنُّ.

    قوله: (لِمَا نَرَى): هذه بفتح النون، من رؤية العين.

    قوله: (وَدُخُولِ أُمِّهِ): تَقَدَّمت أمُّه قريبًا. [2]

    قوله: (وَدُخُولِ أُمِّهِ): تَقَدَّم الكلام عليها قريبًا، وأنَّها أمُّ عبدٍ، مُهاجِريَّةٌ رضي الله عنها.

    ==========

    [1] ألحق المصنف هذه الفقرة في الحاشية.

    [2] ألحق المصنف هذه الفقرة في الحاشية.

    (1/6959)

    [باب ذكر معاوية]

    قوله: (بابُ ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ بنَ أبِي سُفْيَان): معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصيٍّ، صحابيٌّ ابن صحابيٍّ، وقد تَقَدَّم ذكر أبيه أبي سفيان في أوَّل هذا التعليق، أمُّ معاوية هند صحابيَّةٌ أيضًا، وهي بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أسلم معاوية وأبوه وأخوه يزيد وأمُّه هند في فتح مكَّة، وكان معاوية يقول: إنَّه أسلم يوم الحديبية، وكتم إسلامه من أبيه وأمِّه، ترجمته معروفة، فلا نطوِّل بها.

    وقد روى التِّرمذيُّ في «جامعِه» بإسناده إلى [1] عبد الرحمن بن أبي عَمِيرة، وكان من أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال لمعاوية: «اللهمَّ اجعله هادِيًا مهديًّا»، قال التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ، وروى فيه أيضًا عن عُمير بن سعيد قال: سمعتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «اللهمَّ اهدِ به»، انتهى، ولم يتكلَّم عليه، وفي «مسند أحمد» من حديث العِرْباض بن سارية قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول وهو يدعو إلى السُّحور في شهر رمضان: «هلمُّوا إلى الغداء المبارك»، ثم سمعته يقول: «اللهمَّ علِّم معاوية الكتاب والحساب وقِهِ العذاب»، انتهى، وقصَّة السُّحور في «أبي داود» وغيره، قال ابن عبد البَرِّ في «الاستيعاب»: (إلا أنَّ الحارث بن زيادٍ مجهولٌ لا يُعرَف بغير هذا الحديث) انتهى، وكذا قال غيره، ولكنِّي رأيته في «ثقات ابن حبَّان»، غير أنَّه لم يذكر عنه راويًا سوى يوسف بن سيف.

    تنبيه: ذكر ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» بإسناده إلى إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ _هو ابن راهويه_ أنَّه قال: لا يصحُّ في فضل معاوية شيء، وقد قدَّمتُ أنا غير حديثٍ في فضله، ولكنَّ ابن راهويه حافظٌ جليلٌ، لا يقول مثل هذا القول إلَّا عن تروٍّ، وذكر فيها بإسناده إلى عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: (سألت أبي: ما تقول في عليٍّ ومعاوية؟ فأطرق، ثم قال: إيش أقول فيهما؟ اعلم أنَّ عليًّا عليه السلام كثير الأعداء، ففتَّش له أعداؤه عيبًا، فلم يجدوا، فجاؤوا إلى رجلٍ قد حاربه وقاتله، فأطرَوه كيادًا منهم له)، انتهى، لعن الله من يبغض معاوية أو أحدًا من الصَّحابة، ورضوان الله عليهم أجمعين.

    توفِّي معاوية في رجب لأربعٍ بقين من سنة ستِّين، وقيل: عاش ثمانيًا وسبعين سنة، وقيل: أكثر من ذلك، وقبره في دار الإمارة في قِبلة جامع دمشق، وهو الذي يقال: إنَّه قبر هود، وأمَّا القبر الذي خارج الباب الصغير منها؛ فإنَّه قبر معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وقد زُرناه غيرَ مرَّةٍ ظنًّا منَّا أنَّه قبر معاوية بن أبي سفيان، وقد رأيت كلامي _أعني: أنَّه قبر معاوية بن يزيد_ في كلام أبي العبَّاس ابن تيمية، ونُقل لي عن كلام غيره من أفراخه.

    ==========

    [1] زيد في (أ): (عن).

    [ج 2 ص 37]

    (1/6960)

    [حديث: أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس]

    3764# قوله: (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ): هو بكسر الموحَّدة وإسكان الشين المعجمة.

    قوله: (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وتَقَدَّم أنَّ زُهيرًا صحابيٌّ.

    قوله: (وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ): هذا المولى لا أعرف اسمه، قال بعض حُفَّاظ مِصْر: هو كريب، رواه محمد بن نصر في كتاب «الوتر» له.

    (1/6961)

    [حديث: هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة]

    3765# قوله: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه سعيد ابن أبي مريم الحكم بن محمَّد، و (نَافِعُ بْنُ عُمَرَ): شيخه الجمحيُّ المكيُّ الحافظ، (عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَةَ): عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير بن عبد الله بن جدعان، تَقَدَّم، كذا في أصلنا، وفي هامش أصلنا: (عن) مشار إليها بعد نافع، فبقي: (حدَّثنا نافع عن ابن عمر قال: حدَّثني ابن أبي مُلَيْكَة)، وعمل على (عن): (ظ)؛ يعني: نظرًا، وهذه التي في الهامش غلط صريح، وأين نافع عن ابن عمر؟ وأين نافع بن عمر؟! وأيضًا بقي السند مخبوطًا، والصواب: ما في الأصل: (نافع بن عمر) لا (نافع عن ابن عمر)، وعلى الصواب هو في «أطراف المِزِّيِّ»، والله أعلم، وقد انفرد بهذا الأثر البُخاريُّ.

    قوله: (قِيْلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ): قال بعض حُفَّاظ مِصْر: رواه محمد بن نصر في كتاب «الوتر» له من طريق عليِّ بن عبد الله بن عبَّاس: أنَّه شاهد ذلك من معاوية، فسأل عن ذلك أباه، قال: وهو المراد بقول ابن أبي مُلَيْكَة: قيل لابن عبَّاس، انتهى [1].

    (1/6962)

    [حديث: إنكم لتصلون صلاةً لقد صحبنا النبي فما رأيناه يصليها]

    3766# قوله: (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ): تَقَدَّم بالموحَّدة وبالسين المهملة غيرَ مرَّةٍ، و (مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) بعده: هو غُنْدُر، و (أَبُو التَّيَّاح): تَقَدَّم ضبطه، وأنَّه يزيد بن حُمَيد، و (حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ) تَقَدَّم، وأنَّ أبانًا الصحيح صرفُه، وتَقَدَّم الكلام على أبان مطوَّلًا في أوَّل هذا التعليق.

    (1/6963)

    [باب مناقب فاطمة]

    قوله: (بابُ مَنَاقِبِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا): إن قيل: قد ذكر مناقبها بعد (مناقب العبَّاس)؟

    والجوابُ: على تقدير ثبوت ذلك هناك، وقد تَقَدَّم أنَّه الذي يترجح في النظر أنَّه ذكر منقبتها هناك ضمنًا ومعطوفة أيضًا؛ لأنَّه عطفها على مناقب قرابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: (باب مناقب قرابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنقبة فاطمة)، وهنا ذكرها مفردة؛ للاهتمام بها ولشأنها، والله أعلم.

    قال الإمام العلامة أبو الحسن عليُّ بن عبد الكافي السُّبْكي في «المسائل الحلبية» ما لفظُه: (والذي نَدينُ اللهَ به أنَّ فاطمة أفضلُ، ثم خديجة، ثم عائشة، ولم يخفَ علينا الخلافُ في ذلك، ولكن إذا جاء نهر الله؛ بطل نهر معْقل)، ثم ذكر الحجَّة في تفضيل فاطمة رضي الله عنهنَّ.

    ورأيتُ عن ابن قيِّم الجوزيَّة في كون عائشة أفضل أو فاطمة قال: (إذا حُرِّر محلُّ التفضيل؛ صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم، فإن أُريد بالفضل كثرة الثواب عند الله؛ فذلك أمرٌ لا يُطَّلع عليه إلَّا بالنصِّ؛ لأنَّه بحسب تفاضل أعمال القلوب، لا بمجرَّد أعمال الجوارح، وكم من عاملَينِ أحدهما أكثر عملًا بجوارحه، والآخر أرفع درجة منه في الجنَّة، وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم؛ فلا ريب أنَّ عائشة أعلم وأنفع للأمَّة، وأدَّت إلى الأمَّة من العلم ما لم يؤدِّ غيرها، واحتاج إليها خاصُّ الأمة وعامَّتها، وإن أُريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب؛ فلا ريب أنَّ فاطمة أفضل، فإنَّها بضعةٌ من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك اختصاصًا لم يشركها فيه غير أخواتها، وإن أُريد السِّيادة؛ ففاطمة سيِّدة نساء الأمَّة، وإذا ثبتت وجوه التفضيل ومواد الفضل وأسبابه؛ صار الكلام بعلم وعدل، وأكثر الناس إذا تكلَّم في التفضيل؛ لم يفصِّل جهات الفضل، ولم يوازن بينها [1]، فيبخس الحقَّ، وإنِ انضاف إلى ذلك نوع تعصُّب وهوًى لمن [2] يفضِّله؛ تكلَّم بالجهل والظُّلم، وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل من مسائل التفضيل؛ فأجاب فيه بالتفصيل الشافي، انتهى.

    فائدة: قال السُّهيليُّ في «رَوضه»: (وروى حَمَّاد بن سلمة، عن عليِّ بن زيد، عن عليِّ بن الحسين: أنَّ فاطمة أرادت حَلَّه _يعني: حَلَّ أبي لبابة_ حين ربط نفسَه بساريةٍ من سواري المسجد حين نزلت توبته، فقال: قد أقسمتُ ألَّا يحلَّني إلَّا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ فاطمة مضغةٌ مني»، فصلَّى الله عليه وسلَّم وعلى فاطمة، فهذا حديثٌ يدلُّ على أنَّ من سبَّها؛ فقد كفر، وأنَّ من صلَّى عليها؛ فقد صلَّى على أبيها صلَّى الله عليه وسلَّم) انتهى، وقد تَقَدَّم قريبًا، وهذا حديثٌ مرسَل،

    [ج 2 ص 37]

    وفيه: عليُّ بن زيد بن جدعان، وهو مُتَكَلَّم فيه، أخرج له مسلم والأربعة، حافظ ليس بثبتٍ.

    (1/6964)

    تنبيه: ذكر بعضُهم فيما بلغني عنه: أنَّ فاطمة لم تَحِضْ قطُّ، وهذا يردُّه قول جعفر بن محمَّد عن أبيه: (أنَّ بين الحسن والحسين طهرًا واحدًا)، والطُّهر ضدُّ الحيض، ولو كان ذلك صحيحًا؛ لكان أزواجُه صلَّى الله عليه وسلَّم أولى بذلك؛ لئلا يتعطَّل البعلُ عن الوطء وإن كانت فاطمة أفضلَ منهنَّ، ولا أستحضر خلافًا أنَّها أفضل ممَّن عدا عائشة وأمِّها، والله أعلم، وإن وقع في كلام الرافعيِّ تفضيل زوجاته عليه السَّلام على سائر النساء، وهذا لفظُه: (وقد عُرِف الخلافُ في خديجة وفاطمة، وفي عائشة وفاطمة، واشتُهِر خلافُ النَّاس في مريم هل هي نبيَّة؟ وقد قدَّمتُ أنَّ الصَّحيح أنَّها ليست بنبيَّة).

    ثم إنِّي رأيت في «موضوعات أبي الفرج ابن الجوزيِّ» حديثًا في فضائلها _أعني: فاطمة_ وأنَّها لا تحيضُ، قال الخطيبُ: إسنادُ هذا الحديث فيه غير واحدٍ من المجهولين، وليس بثابت) انتهى.

    تنبيه: لم أرَهم ذكروا تفضيلًا بين بقيَّة بناته عليه السلام وبقيَّة أزواجه، والذي يظهر أنَّ بقيَّة البنات أفضل منهنَّ؛ لأنَّ كلَّ واحدةٍ منهنَّ بضعةٌ منه صلَّى الله عليه وسلَّم، ويشدُّه حديث في «مسند أبي يعلى»: (تَزوَّجُ حفصةُ خيرًا من عثمان، ويُزوَّجُ عثمان خيرًا من حفصة، فزوَّجه عليه السلام ابنته؛ يعني: أمَّ كلثوم)، والله أعلم.

    (1/6965)

    تنبيه: أفضل بناته عليه السَّلام فاطمة، كما هو مشهورٌ؛ لأنَّهنَّ في ميزانه عليه السلام، وهو في ميزانها، وأمَّا ما رواه الطحاويُّ وأخرجه الحاكم في ترجمتها مطوَّلًا بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لزيد بن حارثة: «ألا تنطلق فتجيء بزينب»؛ يعني: ابنته لمَّا خرجت من مكَّة، وأدركها هبَّار بن الأسود حتَّى ألقت ما في بطنها، وأعطاه خاتمه، وجاء إلى راعي غنمٍ لها، فأعطاه الخاتم واستكتمه، فأعطاها الخاتم، فعرفته، حتَّى إذا كان الليلُ؛ خرجت إليه، فقال لها: اركبي بين يدي، قالت: لا، لكن اركب أنت، فركب وركبت وراءه حتَّى أتت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «هي أفضلُ بناتي أُصيبت فيَّ»؛ فجوابُه _وقد قال الحاكم: البُخاريُّ ومسلم_: قال الذَّهبيُّ في «تلخيصه»: (العرب تقول: أفضل؛ تريدُ: مِن أفضل)، ثم قال الذَّهبيُّ: (خبر مُنكَر، ويحيى ليس بالقويِّ) انتهى، وقد رواه الحاكم بسنده إلى يحيى بن أيُّوب: حدَّثنا ابن الهادي: حدَّثني عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها .. ؛ فذكره، وقد ذكره الحاكم مطوَّلًا في أوَّل (كتاب الطَّلاق) بالسند، قال الذَّهبيُّ: (ويحيى بن أيُّوب فيه كلامٌ) انتهى، ويحيى أخرج له الأئمة السِّتَّة، وفيه كلامٌ، وله ما يُنكَر، وإن صحَّ؛ فيُحمَل على أنَّه كانت ذلك الوقت أفضلَ، ثم وهب الله لفاطمة من الأعمال الصالحة والأحوال السَّنيَّة والكمال ما لم يشركها فيه أحد من بناته سواها، وأجاب الطحاويُّ عن مجيء زينب مع زيد: بأنَّ زيدًا [كان] في حكم التبنِّي أخًا لزينب مَحْرمًا لها جائزًا له السفر بها؛ كما يجوز لأخ لو كان لها، والله أعلم.

    (1/6966)

    [حديث المسور: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني]

    3767# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّم مترجمًا، وكذا تَقَدَّم (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ): أنَّه عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُلَيْكَة زُهير، وأنَّ زُهيرًا صحابيٌّ، وكذا تَقَدَّم (الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَة): أنَّه بكسر الميم وإسكان السين، وتَقَدَّم أنَّه صحابيٌّ صغير، وأنَّ (مَخْرَمة): صحابيٌّ، من مُسْلِمة الفَتْح.

    قوله: (بَضْعَةٌ مِنِّي): تَقَدَّم أنَّ البَضعة بفتح الموحَّدة ليس إلَّا، وأنَّها القطعة.

    ==========

    [ج 2 ص 38]

    (1/6967)

    [باب فضل عائشة]

    قوله: (بابُ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا): تَقَدَّم الخلاف في عائشة وخديجة أيُّهما أفضل، وتَقَدَّم أنَّ السُّبْكيَّ أبا الحسن عليَّ بن عبد الكافي قال: إنَّ خديجة أفضل، وقد أجاب أبو العبَّاس ابن تيمية عن أيِّهما أفضل، فقال: سَبْق خديجة وتأثيرها في أوَّل الإسلام ونصرها وقيامها في الدِّين لم يشركها فيه عائشة ولا غيرها من أُمَّهات المؤمنين، وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأُمَّة وإدراكها من العلم ما لم يشركها فيه خديجة ولا غيرها ممَّا [1] تميَّزت به عن غيرها؛ فتأمَّل هذا الجواب الذي إذا أجبتَ به من التفضيل مطلقًا؛ لم تتخلَّص من المعارضة، انتهى.

    (1/6968)

    [حديث: يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام]

    3768# قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وفتح الكاف، وتَقَدَّم أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وتَقَدَّم أنَّ (اللَّيْث): هو ابن سعد الإمام الجواد، وأنَّ (يُونُسَ): هو ابن يزيد الأيليُّ، و (ابْنُ شِهَابٍ): تَقَدَّم أنَّه محمَّد بن مسلم مترجَمَين، وكذا (أَبُو سَلَمَةَ): أنَّه عبد الله، وقيل: إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف، أحدُ الفقهاء السَّبعة على قول الأكثر.

    قوله: (يَا عَائِش): هذا منادًى مرخَّم، يجوز في شينه الضمُّ والفتح، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ): تنبيه: في «الطبرانيِّ الكبير» في (مسند النِّساء) في (باب نظر عائشة إلى جبريلَ) قال الطبرانيُّ: حدَّثنا العبَّاس بن الفضل الأسفاطيُّ: حدَّثنا إسماعيل بن أبي أويس: حدَّثني سليمان بن بلال، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لها: «جبريل يُقرِئك من ربِّك السَّلام»، قالت: (قلت: فلِربِّي السَّلام، ومنه السَّلام، وعلى جبريل السَّلام)، السند كلُّهم عرَّفتهم، والعبَّاس صحَّح الحاكم حديثًا من طريقه في (الجنائز)، وهو مشهورٌ، و (إسماعيلُ): أخرج له البُخاريُّ ومسلم، و (سليمان): أخرج له الجماعة، و (عبد العزيز): أخرج له البُخاريُّ وغيره، و (محمَّد بن عبد الله بن أبي عتيق): قرنه البُخاريُّ، وهو ثقةٌ، و (أبو يونس): أخرج له مسلم، وهو ثقةٌ، فالسند كلُّهم ثقاتٌ، فاستوت هي وخديجة في أنَّ كلًّا منهما سلَّم الله عليها مع جبريل، ولا يبقى في سلام الله على خديجة ما يقتضي تفضيلها على عائشة، بل من شيء آخر، وهذا متنٌ غريب، وأخشى أن يكون بعض المعدَّلين المذكورين في سند هذا الحديث انقُلِب عليه، والأحاديث من الثِّقات لا تُرَدُّ بالخشية من ذلك، والله أعلم.

    قوله: (ح): تَقَدَّم الكلام عليها كتابةً وتلفُّظًا في أوَّل هذا التعليق، فإن أردتَه؛ فانظُره، وسيجيء في أواخر هذا التعليق.

    ==========

    [ج 2 ص 38]

    (1/6969)

    [حديث: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران]

    3769# قوله: (وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو): هذا هو عَمرو بن مرزوق الباهليُّ، يروي عن مالك بن مغول وعكرمة بن عَمَّار، وعنه: البُخاريُّ مقرونًا، وهذا هو هنا مقرونٌ بآدم، وهو ابن أبي إياس العسقلانيُّ، فابن مرزوقٍ ثقةٌ مأمون، تَقَدَّم مترجمًا، وروى عنه: أبو داود أيضًا، وإسماعيل القاضي، وأبو خليفة، وخَلْقٌ، ثقةٌ، وفيه بعض الشيء، مات سنة (224 هـ)، أخرج له البُخاريُّ مقرونًا، وأبو داود، وله ترجمةٌ في «الميزان».

    [ج 2 ص 38]

    قوله: (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ): هو عَمرو بن مرَّة بن عبد الله بن طارق بن الحارث أبو عبد الله المراديُّ الجميليُّ الكوفيُّ الأعمى، أحد الأعلام، قال أبو حاتم: كان ثقةً، يرى الإرجاء، توفِّي سنة ستَّ عشرة ومئة، وقيل: سنة ثماني عشرة، والأوَّل أصحُّ، أخرج له الجماعة، وله ترجمة في «الميزان»، وإنَّما ذكرتُ هذا وإن كان قد تَقَدَّم؛ لئلا يظنَّ شخصٌ أنَّ (مُرَّة) الذي يروي عنه هنا هو والده، وإنَّما هو مُرَّة بن شراحيل الهَمْدانيُّ الكوفيُّ الطيِّب، يروي عن عُمر وابن مسعود، وعنه: عَمرو بن مُرَّة، وطلحة بن مُصرِّف، وابن أبي خالد، وكان من العُبَّاد، أخرج له الجماعة، وثَّقه ابن معين وغيره، توفِّي قبل الجماجم، قاله ابن سعد وغيره، وقيل: توفِّي سنة (76 هـ)، و (أَبُو مُوسَى): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن قيس بن سُلَيم بن حَضَّار.

    قوله: (كَملَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ): (كَمُلَ): مثلَّث الميم، والكسر أردؤُها؛ ومعناه: انتهى في الفضل نهاية التَّمام دون نقصٍ، وقيل: كمل في العقل؛ إذ وُصِف النِّساء بنقص ذلك، وقد تَقَدَّم.

    قوله: (وَلَمْ يَكْمُلْ): تَقَدَّم الكلام عليه.

    (1/6970)

    [حديث: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام]

    3770# قوله: (عَلَى النِّسَاءِ): أي: نساء العالمين، أو نساء عصرها، أو أُمَّهات المؤمنين، وقد تَقَدَّم، وكذا تَقَدَّم الكلام على (الثَّرِيدِ) ما هو في الحديث.

    ==========

    [ج 2 ص 39]

    (1/6971)

    [حديث: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله]

    3771# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وأنَّه بُنْدار، و (ابْنُ عَوْنٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه عبد الله بن عون بن أرطبان، أحد الأعلام، لا ابن عون عبد الله بن عون ابن أمير مصر، الثاني لم يُخرِّج له «البُخاريُّ» شيئًا، وإنَّما أخرج له مسلم والنَّسائيُّ.

    قوله: (اشْتَكَتْ): أي: مرضت، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ): الفَرَط؛ بفتح الفاء والراء، وبالطاء المهملة، وهو هنا الذي يتَقَدَّم ليشفع، وأضافهما إلى (صدق)؛ وصفًا لهما ومدحًا.

    ==========

    [ج 2 ص 39]

    (1/6972)

    [حديث: لما بعث علي عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم .. ]

    3772# قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مرارًا، وكذا تَقَدَّم (غُنْدَرٌ) ضبطًا، ومَن لقَّبه به، وأنَّه محمَّد بن جعفر، و (الْحَكَم): تَقَدَّم مِرارًا، ابن عتيبة القاضي، وما وقع فيه للبخاريِّ، و (أَبُو وَائِلٍ) كذا تَقَدَّم مِرارًا أنَّه شقيق بن سلمة.

    قوله: (عَمَّارًا وَالْحَسَنَ): (عَمَّار): هو ابن ياسر أبو اليقظان، تَقَدَّم، و (الحسن): هو ابن عليِّ بن أبي طالب السيِّد الجليل.

    (1/6973)

    [حديث عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت.]

    3773# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

    قوله: (مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً): هذه أسماء أختها بنت أبي بكر، ترجمتها تَقَدَّمت رضي الله عنها.

    قوله: (فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا [مِنْ أَصْحَابِهِ] فِي طَلَبِهَا): إن كانت هذه القصَّة ليلة الأبواء؛ فالذي أرسله في طلبها أُسَيد بن الحُضَير والزُّبير، قاله ابن بشكوال في «مبهماته»، وقد تَقَدَّم ذلك في (التيمُّم).

    قوله: (بِغَيْرِ وُضُوءٍ): هو بضمِّ الواو، ويجوز فيه فتح الواو، وقد تَقَدَّم مِرارًا ومرَّةً مطوَّلًا.

    قوله: (فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ): تَقَدَّم أيُّ آية أرادت، والخلاف فيها في (التيمُّم).

    قوله: (فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الهمزة، وأنَّ والده بضمِّ الحاء المهملة، صحابيٌّ مشهور؛ أعني: أُسَيدًا رضي الله عنه.

    قوله: (قَطُّ): تَقَدَّم الكلام عليها بلُغاتها في أوَّل هذا التعليق.

    (1/6974)

    [حديث: أين أنا غدًا أين أنا غدًا]

    3774# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم أعلاه وقبله مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

    ==========

    [ج 2 ص 39]

    (1/6975)

    [حديث: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة]

    3775# قوله: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ): هذا هو حَمَّاد بن زيد، مشهور.

    تنبيه: من يقال له: حَمَّاد، ويروي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في الكتب السِّتَّة أو بعضها: هذا، وحَمَّاد بن أسامة أبو أسامة، وحَمَّاد بن سلمة، والله أعلم، لكنَّ حَمَّاد بن سلمة ليس له في «البُخاريِّ» شيء به إلَّا تعليقًا: «اقتلوا ذا الطُّفيتَين» في (بدء الخلق) عقيب حديث أبي أسامة، تابعه حَمَّاد بن سلمة.

    قوله: (فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ): تعني: بقيَّة أزواجه غير عائشة وأمِّ سلمة.

    قوله: (إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّ اسمها هند بنت أبي أميَّة حذيفة المخزوميَّة، وتَقَدَّم بعض ترجمتها، وأنَّها آخر أُمَّهات المؤمنين وفاةً، توفِّيت بعد مقتل الحسين رضي الله عنهما.

    قوله: (أَنْ يُهْدُوا): هو بضمِّ أوله؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (غَيْرِهَا): هو بجرِّ (غير)، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    ==========

    [ج 2 ص 39]

    (1/6976)

    ((63)) (مناقِبُ الأَنْصارِ) ... إلى (بَابُ تَزْوِيجِ خَدِيجَةَ)

    (الأَنْصارِ): جمع نَصِير؛ كشريف وأشراف، وجزم به النَّوويُّ، ويقال: جمع ناصر، على غير قياسٍ في جمع (فاعل)، ولكن على تقدير حذف الألف من (ناصر)؛ لأنَّها زائدة، فالاسم على تقدير حذفها ثلاثيٌّ، والثلاثيُّ يُجمَع على (أفعال)، وقد قالوا في نحوه: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد، والله أعلم.

    وإنَّما بدأَ البُخاريُّ بالمهاجرين؛ لأنَّهم أفضل من الأنصار، وثنَّى بالأنصار.

    [مطلب أنَّ الخزرج أفضل من الأوس]

    ثم اعلم هل الأفضل الأوس أم الخزرج؟ لم أر فيه كلامًا لأحد، والذي يظهر أنَّ الخزرج أفضل؛ لأنَّهم أخوالُه عليه السلام، وذلك لأنَّ سلمى بنت عمرو بن زيد أمَّ عبد المُطَّلب من بني عديِّ بن النجار، وقدَّمتُ تتمَّة نسبها إلى عديٍّ فيما مضى، ولأنَّه عليه السلام خيَّر دور الأنصار؛ أي: قبائلها وعشائرها، فقال: «خير

    [ج 2 ص 39]

    دور الأنصار بنو النجَّار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خيرٌ»، وهؤلاء من الخزرج، ولأنَّه عليه السلام نزل في المدينة على الخزرج؛ لأنَّه نزل على أبي أيُّوب خالد بن زيد، وهو منهم من أولاد أخي عديٍّ، وهو مالكٌ، لكنَّه نزل بقباء على الأوس، ولأنَّه عليه السلام نقيب الخزرج؛ لأنَّه لمَّا توفِّي أسعد بن زرارة؛ وهو أحد النُّقباء من الخزرج، وكان نقيب بني النجَّار؛ فلم يجعل عليه السلام عليهم نقيبًا بعده، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أنا نقيبُكم»، فكانت من مفاخِرِهم، والذين ذكرهم البُخاريُّ من الأنصار غالبُهم من الخزرج، أمَّا سعد بن معاذ؛ فإنَّه من الأوس، ومعاذ بن جبل من الخزرج، وكذا سعد بن عبادة، وأُبيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت كذلك، وكذا أبو طلحة، وعبد الله بن سلام حليف الخزرج، ولم يذكر من الأوس إلَّا سعد بن معاذ، وأُسَيد بن الحُضَير، وعَبَّاد بن بِشْر، ولكنَّ هذا لا يدلُّ على تفضيل أحد الفريقين على الآخر، وإنَّما هذا بحسب ما رواه على شرطه، وأهل العقبة الأولى جاء فيها ستَّة أشخاصٍ من الخزرج كلُّهم، والنُّقباء في العقبة كانوا اثنَي عشَر؛ فيهم تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وكلُّ هذا استئناس، ولكنَّ الحديث الذي ذكرته: «خير دور الأنصار» قاطعٌ للنزاع، والله أعلم، ثم إنِّي رأيت شيخنا المؤلِّف ذكر في أوَّل «شرحه للبخاريِّ»: أنَّ الخزرج أفضل؛ للخُؤولة، انتهى.

    واعلم أنَّ الأنصار بنو الأوس والخزرج ابنَي حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماءِ السماء بن حارثة الغِطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البُهلول بن مازن بن الأزد دِراءِ بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ عامر بن يشجُبَ بن يعربَ بن يقطن قحطان، وقد قدَّمت الكلام على نسب قحطان، والله أعلم.

    قوله: (وقولُ اللهِ عزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَوَالإِيمَانَ}) [الحشر: 9]: أي: توطَّنوا مدينة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم قبل المهاجرين، واختاروا الإيمان.

    (1/6977)

    قوله: ({وَلاَيَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً}) [الحشر: 9]: أي: حسدًا، وقيل: وجْدًا من تقديمهم عليهم.

    قوله: ({مِمَّا أُوتُوا}) [الحشر: 9]: يعني: المهاجرين من الفيء، وذلك فيما ذُكِر أنَّه عليه السلام قسم أموال بني النَّضير بين المهاجرين دون الأنصار، وإنَّما فعله؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل بني النَّضير له خاصَّةً.

    (1/6978)

    [حديث: أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله؟]

    3776# قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ): تَقَدَّم مرارًا أنَّ هذا هو التَّبوذكيُّ الحافظ، وتَقَدَّم الكلام على هذه النِّسبة.

    قوله: (تُسمَّون): هو بضمِّ أوله، وفتح الميم المُشدَّدة، مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعلُه.

    قوله: (وَيُقْبِلُ عَلَيَّ): هو بضمِّ أوله، وكسر الموحَّدة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ): هذا الرجل: قال بعض الحُفَّاظ المِصريِّين: قول غيلان بن جرير: (ويقبل عليَّ أو على رجل من الأزد): غيلان هو الأزديُّ، والشكُّ من الرَّاوي هل قال: (عليَّ)، أو أبهم نفسه؟ انتهى.

    ==========

    [ج 2 ص 40]

    (1/6979)

    [حديث: كان يوم بعاث يومًا قدمه الله لرسوله فقدم رسول الله]

    3777# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه حَمَّاد بن أسامة.

    قوله: (كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ): تَقَدَّم أنَّه بضمِّ الموحَّدة، وبالعين المهملة المخفَّفة، وفي آخره ثاءٌ مثلَّثة في (كتاب العيدين)، وتَقَدَّم متى كان، وما وقع فيه، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.

    قوله: (مَلَؤُهُمْ): هو مهموز؛ أي: جماعتُهم.

    قوله: (وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ): (وقُتِلت): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، والسَّروات: جمع سراة، وسَراة: جمع سَريٍّ؛ وهو الشريف، وقال السُّهيليُّ: وكذلك لا ينبغي أن يقال في سَراة القوم: إنَّه جمع سريٍّ، لا على القياس ولا على غير القياس؛ كما لا يقال ذلك في كاهل القوم، وسنام القوم، والعجب كيف خفي هذا على النَّحْويين؟! فلذا يخالف منهم السَّالف، فقال: سراة جمع سَريٍّ، ويا سبحان الله! كيف يكون جمعًا له وهم يقولون في جمع سَراة: سَروات؛ مثل: قَطاة وقَطوات؟! يقال: هؤلاء من سَروات الناس؛ كما يقال: من رؤوس الناس، وأنشد بيتًا لقيس بن الخطيم، ثم قال: ولو كان السَّراة جمعًا؛ ما جُمِع؛ لأنَّه على وزن (فَعَلة)، ومثل هذا البناء في الجموع لا يُجمَع، وإنَّما (سَريٌّ) (فَعِيل) من السَّرو؛ وهو الشَّرف، فإن جُمِعَ على لفظه؛ قيل: سريٌّ وأسرياء؛ مثل: غنيٍّ وأغنياء، ولكنَّه قليلٌ وُجودُه، وقلَّة وجوده لا تدفع القياس فيه، وقد حكاه سيبويه، انتهى، وقد قدَّمتُ هذا غير هذه المرَّة، ولكن بَعُد العهد به، والله أعلم.

    قوله: (وَجُرِّحُوا): كذا هو في أصلنا مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، من الجُرح، وفي نسخة في هامش أصلنا: (وخَرَجوا): مبنيٌّ للفاعل؛ من الخُروج، قال ابن قُرقُول: (وجَرِجوا)؛ بجيمين: كذا للأصيلي؛ أي: اضطرب أمرُهم، يقال: جَرِج الحاكم؛ إذا جَال وقَلق، وعند غير الأصيليِّ: (وجُرحِوا)؛ من الجراحة، وكذا للأصيلي ولجماعة رواة البُخاريِّ في (باب أيام الجاهلية) من غير خلاف، وعند ابن أبي صفرة في (المناقب): (وحَرِجوا)؛ من الحرج وضيق الصدر، وعند القابسي وعبدوس: (وخرجوا)؛ من الخُروج، و (جَرِجوا) بجيمين أصوبُه، انتهى، وفي «النِّهاية»: (وجرجوا): هكذا رواه بعضهم بجيمين من الجرج؛ الاضطراب والقلق، يقال: جَرِج الحاكم؛ إذا جَال وقَلق، والمشهور في الرواية: (جُرِحوا)؛ بالجيم والحاء؛ من الجراحة، انتهى.

    (1/6980)

    [حديث أنس: أولا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم]

    3778# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه هشام بن عبد الملك الطيالسيُّ، وتَقَدَّم (أَبُو التَّيَّاحِ): أنَّه بفتح المثنَّاة فوق، وتشديد المثنَّاة تحت، وفي آخره حاء مهملة، وأنَّ اسمه يزيد بن حُمَيد.

    قوله: (يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّ فتحها في رمضان سنة ثمانٍ يوم الجمعة، وقد تَقَدَّم كم كان في الشهر أقوالٌ ذكرتها وسأذكرها أيضًا.

    قوله: (وَأَعْطَى قُرَيْشًا): اعلم أنَّ مكة ليس فيها غنيمة ولا قسمة غنيمة، وإنَّما منَّ عليه السلام عليهم، وهذا الإعطاء إنَّما كان من غنائم حُنين، ولكن لمَّا كان الفتح وحُنين قريبتا [1] التاريخ؛ لأنَّ حُنينًا بعد الفتح؛ عبَّر عنها به، أو لأنَّ الفتح كان جُلَّ قصدهم، والفتح وحُنين والطائف في سفرة واحدة.

    قوله: (وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ): (غنائمُنا): مرفوع في أصلنا، ويجوز فيه النَّصْب جوازًا جيِّدًا؛ لأنَّه معطوفٌ على (سيوفنا)، وهو منصوبٌ، و (تُرَدُّ): مبنيٌّ لِما لم يُسَمَّ فاعله، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (أَوَلاَ تَرْضَوْنَ): هو بفتح الواو على الاستفهام، وهذا ظاهرٌ.

    قوله: (وَتَرْجِعُونَ): كذا في أصلنا، وهو مقطوعٌ عمَّا قبله، وفي نسخة: (ترجعوا)، وهذا معطوف على ما قبله.

    قوله: (أَوْ شِعْبًا): تَقَدَّم الكلام على الشِّعب غيرَ مرَّةٍ، و (أو) في أصلنا بالألف بلا خلاف، قال ابن قُرقُول: (أو شعبًا)، وفي رواية منصور: (واديًا وشِعبًا): كذا للعذريِّ؛ يعني: في «مسلم»، ولغيره: (وشعبه)، الصوابُ رواية العذريِّ بـ (أو)؛ بدليل آخر الحديث.

    ==========

    [1] كذا بالألف، ولعلَّه على تقدير الشَّأن.

    [ج 2 ص 40]

    (1/6981)

    [باب قول النبي: لولا الهجرة لكنت من الأنصار]

    [ج 2 ص 40]

    قوله: (قَالَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): هذا هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجَّار، أبو محمَّد الأنصاريُّ النجَّاريُّ المازنيُّ، وحديثه هذا أخرجه البُخاريُّ ومسلم؛ البُخاريُّ في (المغازي) بتمامه، وفي (التمنِّي) ببعضه، ومسلم في (الزكاة)، وفي الصَّحابة مَن اسمُه عبد الله بن زيد به خمسة أشخاص، والله أعلم؛ فلهذا ميَّزتُه.

    (1/6982)

    [حديث: لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا لسلكت في وادي الأنصار]

    3779# قوله: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ): تَقَدَّم قريبًا وبعيدًا مرارًا أنَّه بفتح الموحَّدة، وتشديد الشين المعجمة، وكذا تَقَدَّم (غُنْدر): أنَّه بضمِّ الغين المعجمة، ثم نون ساكنة، ثم دال مهملة مضمومة ومفتوحة، وأنَّه محمَّد بن جعفر، وتَقَدَّم مَن لقَّبه به.

    قوله: (وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا): كذا في أصلنا، وفي نسخة هي في هامش أصلنا: (وشِعبًا)؛ بغير ألف، وقد تَقَدَّم الكلام عليه في ظاهر هذه، وتَقَدَّم الكلام على الشِّعب غيرَ مرَّةٍ.

    قوله: (بِأَبِي وَأُمِّي): تَقَدَّم الكلام على التَّفْدية بالأب أو الأمِّ، أو بهما، وأنَّه جائز، وأمُّ أبي هريرة صحابيَّةٌ، واسمها أميمة بنت صفيح، وقيل: ميمونة.

    قوله: (آوَوْهُ): تَقَدَّم أنَّ المتعدِّي _كهذا_ بالمدِّ، وأنَّ اللازم بقصر الهمزة، وفي كلٍّ منهما اللُّغتان.

    ==========

    [ج 2 ص 41]

    (1/6983)

    [باب إخاء النبي بين المهاجرين والأنصار]

    قوله: (بابُ إِخَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ): الإخاء: مصدرٌ هنا، واعلم أنَّ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت بعد بناء المسجد، وقد قيل: إنَّ ذلك كان والمسجد يُبنى، وقال ابن عبد البَرِّ: بعد قدومه عليه السلام المدينة بخمسة أشهر، وقد قدَّمتُ ذلك.

    (1/6984)

    واعلم أنَّه لم يذكر في الباب إلَّا إخاءه عليه السلام بين عبد الرحمن وسعد، وقد ذُكر أنَّ الطائفتين التي وقعت المؤاخاة بينهم كانوا تسعين؛ خمسة وأربعون من كلِّ فريق، ويقال: مئة؛ خمسون من كلِّ طائفة، وقد ذكر سُنيد بن داود: أنَّ زيد بن حارثة وأُسَيد بن الحُضَير أخوان، قال ابن إسحاق من جملة كلام: وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوَين، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة جعفر بالحبشة، وعند سُنيد: أنَّ المؤاخاة كانت بين ابن مسعود ومعاذ بن جبل، قال ابن إسحاق: وأبو بكر بن أبي قحافة وخارجة بن زيد بن أبي زهير أخوَين، وعمر بن الخَطَّاب وعتبان بن مالك أخوين، وأبو عُبيدة ابن الجرَّاح وسعد بن معاذ أخوَين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوَين، والزُّبير بن العوَّام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوَين، وقيل: بل الزُّبيروعبد الله بن مسعود، قال ابن سيِّد الناس أبو الفتح: (هذا كان في المؤاخاة الأُولى قبل الهجرة) انتهى، وسأذكرها، وأنها مُنكَرة؛ أعني: المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض، وعثمان بن عَفَّان وأوس بن ثابت بن المنذر أخوَين، وطلحة بن عُبيد الله وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأُبيُّ بن كعب أخوين، ومصعب بن عُمير وأبو أيُّوب خالد بن زيد أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعَبَّاد بن بِشْر أخوين، وعَمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليماني أخوين، ويقال: بل ثابت بن قيس بن الشمَّاس، وأبو ذرٍّ والمنذر بن عمرو أخوين، وأنكره الواقديُّ؛ لغيبة أبي ذرٍّ عن المدينة، وقال: لم يشهد بدرًا، ولا أُحُدًا، ولا الخندق، وإنَّما قدِمَ بعد ذلك، وعنده: طُليب بن عُمير والمنذر بن عمرو أخوين، قال ابن إسحاق: وحاطب بن أبي بلتعة وعُويم بن ساعدة أخوين، وسلمان الفارسيُّ وأبو الدرداء أخوين، وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعميُّ أخوين، وعند سُنيد بن داود فيما حكاه ابن عبد البَرِّ: المؤاخاة بين أبي مرثد وعبادة بن الصامت، وبين سعد وسعد بن معاذ، وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح _ بالقاف_، وبين عتبة بن غزوان وأبي دجانة، وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعد بن خيثمة، وبين عثمان بن مظعون وأبي الهيثم، وزاد غيره: وبين عُبيدة بن الحارث وعُمير بن الحمام، وبين الطُّفيل بن الحارث أخي عبيدة وسفيان بن نَسر _بالنون المفتوحة والسين المهملة_ ابن زيد من بني جُشَم بن الحارث بن الخزرج، وبين الحصين أخيهما وعبد الله بن جُبير، وبين عثمان بن مظعون والعبَّاس بن عُبادة بن نضلة، وبين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلَّى، وبين المقداد وابن رواحة، وبين ذي الشِّمالين ويزيد بن الحارث من بني حارثة، وبين عمير بن أبي وقَّاص وخُبَيب _بالخاء المعجمة_ بن عديٍّ، وبين عبد الله بن مظعون وقطبة بن عامر بن حديدة، وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر، وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد، وبين زيد بن الخَطَّاب ومعن بن عديٍّ، وبين عمرو بن سراقة وسعد بن زيد من بني عبد الأشهل، وبين عاقل _بالعين المهملة والقاف قبل اللام_ ابن البُكَيْر ومبشر بن عبد

    (1/6985)

    المنذر، وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو البياضيِّ، وبين خُنَيْس _بالخاء المعجمة المضمومة، وفتح النون، ثم مثنَّاة تحت ساكنة، ثم سين مهملة_ ابن حذافة والمنذر بن محمَّد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح، وبين سبرة بن أبي زهير وعبادة بن الخشخاش؛ بمُعجَمات، وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن المِزِّيِّن، وبين عكاشة بن محصن والمجذَّر بن ذياد حليف الأنصار، وبين عامر بن فُهيرة والحارث بن الصِّمَّة، وبين مهجع [1] مولى عمر وسُراقة بن عمرو بن عطيَّة من بني غنم بن مالك بن النجَّار، كلُّ هذا المزيد عن أبي عمر، قاله غير يسيرٍ منه أبو الفتح ابن سيِّد الناس.

    فائدة: ذَكَرَ المؤاخاة بين المهاجرين بعضِهم في بعض قبل الهجرة غيرُ واحد، وذكروا فيها غيرَ حديث، وقد قال أبو العبَّاس ابن تيمية في مؤاخاته عليه السلام بين أصحابه بمكَّة: وهو عليه السلام لم يؤاخِ عليًّا ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعليٍّ ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب، وإنَّما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخِ بين مهاجريٍّ ومهاجريٍّ، انتهى، ذَكَر

    [ج 2 ص 41]

    ذلك في المجلَّد الثاني من «الرَّدِّ على ابن المطهَّر الرافضيِّ» في الفصل الحادي عشر من المجلَّدة المذكورة تجزئة خمسة أجزاء، فإن قيل: إنَّهم قالوا: إنَّه عليه السلام آخى بين حمزة وزيد بن حارثة في جملة مَن آخى بينهم مِن المهاجرين _ويؤيده ما في «الصحيح» في اختصام زيد وجعفر وعليٍّ في ابنة حمزة، وقد اختُلِف في اسمها، وصحَّح ابن الجوزيِّ: أنَّ اسمها أمامة، وسيجيء ذلك بزيادة، فقال في ذلك زيد: هي ابنة أخي، وأقرَّه عليه السلام_؛ فقد يجيب عنه ابن تيمية بأنَّه أخٌ بنصِّ القرآن: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، وقد تَقَدَّم ذلك، ولهذا قال عليه السلام لزيد: «أنت أخونا ومولانا» في الحديثِ نفسِه، ولم يقل أحد: إنَّ زيدًا آخاه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

    تنبيه: قد رأيت أحاديثَ كثيرةً ذُكِر فيها المؤاخاة؛ فلم أر شيئًا يردُّ على ابن تيمية إلَّا حديثًا واحدًا رأيتُه في «الاستيعاب» لابن عبد البَرِّ في آخر ترجمة ابن مسعود، وقد ساق ابن عبد البَرِّ سنده إلى أحمد بن عمرو _والظَّاهر أنَّه البَزَّار الحافظ أبو بكر_ عن محمَّد بن سنجر: حدَّثنا سعيد بن سليمان: حدَّثنا عبَّاد، عن سفيان بن حُسين، عن يَعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: (آخى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين الزُّبير وابن مسعود)، وهذا حديثٌ حسن _وذلك لأنَّ سفيان بن حسين مُتَكَلَّم فيه، وهو صدوقٌ مشهور، أخرج له مسلم والأربعة، وله ترجمة في «الميزان» _ فيحتاج إلى جواب، وقد أخرجه الحاكم في «مستدركه»، وقال: صحيح، ولم يتعقبه الذَّهبيُّ في «تلخيصه»، فلعلَّه كان بعد التجزئة، وقد يدلُّ له رواية ابن عبَّاس له، وإلا؛ فيكون مرسَل صحابيٍّ، والجمهور على قبوله خلافًا لأبي إسحاق الإسفراينيِّ وطائفةٍ يسيرة، والله أعلم.

    ==========

    (1/6986)

    [1] في (أ): (مهج)، ولعل المثبت هو الصواب.

    (1/6987)

    [حديث: لما قدموا المدينة آخى رسول الله بين عبد الرحمن وسعد]

    3780# قوله: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه ابن أبي أويس، ابن أخت الإمام مالك بن أنس.

    قوله: (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ): هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف، أحد الأعلام، تَقَدَّم، وأبوه: سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أمُّه أمُّ كلثوم بنت سعد بن أبي وقَّاص، وُلِّي قضاء المدينة، ورأى ابن عمر، تَقَدَّم، وأبوه _وهو جدُّ إبراهيم_ اسمه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق الزُّهريُّ، أمُّه أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط، روى عن خاله عثمان بن عَفَّان، وسعد، وأبيه عبد الرحمن، تَقَدَّم.

    قوله: (بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ): هذا هو ابن عوفٍ، وهذا يُعرَف ممَّا قدمته من تراجم أبنائِه.

    قوله: (فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ): (أقسمُ)؛ بقطع الهمزة، وهي همزة المتكلِّم، وهو فعلٌ مضارعٌ.

    قوله: (وَلِي امْرَأَتَانِ): امرأتاه لا أعرفهما، وتَقَدَّم أنَّ بعض حُفَّاظ المِصريِّين قال: زوجتا سعد بن الربيع: هي عمرة بنت حزم أخت عمرو بن حزم، سمَّاها إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن»، والأخرى لم تسمَّ.

    قوله: (أُطَلِّقْهَا): هو بالجزم جواب الأمر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    قوله: (قَيْنُقَاعَ): تَقَدَّم أنَّه مثلَّث النون، وكذا تَقَدَّم (الأَقِط) بلُغَتَيه، وما هو.

    قوله: (الغُدُوَّ): هو بضمِّ الغين المعجمة، وضمِّ الدال المهملة، وتشديد الواو.

    قوله: (مَهْيَمْ): تَقَدَّم الكلام عليها في (البيوع) وغيرها.

    قوله: (تَزَوَّجْتُ): تَقَدَّم أنَّ هذه المرأة التي تزوَّج بها عبد الرحمن بن عوف هي من الأنصار، وكذا في بعض طرقه في «الصحيح»، وقد ذكرها شيخنا، وقد ذكرتها في أوَّل (البيوع) بما فيها، وقال بعض حُفَّاظ مِصْر من العصريِّين: هي بنت أبي الحيسر بن رافع [1]، أو سهلة بنت عاصم بن عديِّ بن الجدِّ بن العجلان، كما تَقَدَّم في (البيوع) انتهى، وراجعتُ الكلام في (البيوع)؛ فلم أرَ في النُّسخة التي وقفتُ عليها القول الثاني، وقد ذكرتُ فيه شيئًا في أوَّل (البيوع)؛ فراجِعْه، والله أعلم.

    قوله: (كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟): أي: كم مهرتها؟ وقد تَقَدَّم في أوَّل (البيوع)، وكذا (نواة من ذهبٍ) فيه.

    قوله: (شَكَّ إِبْرَاهِيمُ): هو إبراهيم المذكور في السند، وهو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف، تَقَدَّم.

    (1/6988)

    [حديث: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف وآخى]

    3781# قوله: (عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ): تَقَدَّم أنَّه حميد الطويل بن تير، ويقال: تيرويه، وتَقَدَّم أنَّ كلَّ حديثٍ في الكتب السِّتَّة [فيه] (حُميد عن أنس) هو الطويل إلَّا حديثين؛ أحدهما: في «البُخاريِّ» و «النَّسائيِّ»؛ فهو ابن هلال، وقد أخرجه البُخاريُّ في (الجنائز): «أخذ الراية زيدٌ فأُصيب»، والثاني: في «البُخاريِّ» فقط: «كأنِّي أنظر إلى غبار ساطع في سكَّة بني غنم»، أخرجه في (بدء الخلق)، والجميع غير هذين عن الطويل، والله أعلم.

    قوله: (فَأُطَلِّقَهَا): هو بنصب (أُطَلِّقها) على الجواب للأمر، وهو (انظر).

    قوله: (وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ): الوَضَر؛ بفتح الواو، والضاد المعجمة، وبالراء: اللَّطخ من الطِّيب، وأصله: الوسخ المتلطِّخ بالإناء، ثم استُعمِل فيما يشبهه من دَسَم وطيب وغيره.

    قوله: (مَهْيَمْ): تَقَدَّم الكلام عليها في أوَّل (البيوع) وفي غيره، وكذا (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ)، وكذا (سُقْتَ)، وكذا (نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ).

    ==========

    [ج 2 ص 42]

    (1/6989)

    [حديث: قالت الأنصار: اقسم بيننا وبينهم النخل]

    3782# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بالنون، وأنَّ اسمه عبد الله بن ذكوان، وكذا تَقَدَّم (الأَعْرَج): أنَّه عبد الرحمن بن هُرمز، وكذا تَقَدَّم (أَبُو هُرَيْرَة): أنَّه عبد الرحمن بن صخر على الأصحِّ من نحو ثلاثين قولًا.

    قوله: (وتَشْرَكونا): هو بفتح أوَّله وثالثه، وفيه لغةٌ أخرى تَقَدَّمت.

    قوله: (فِي التَّمْرِ [1]): هو في أصلنا بالمثنَّاة فوق، ولا أحفظه إلَّا بالمثلَّثة، والله أعلم.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (قال شيخنا: لا أحفظها إلا «في الثَّمَرِ»).

    [ج 2 ص 42]

    (1/6990)

    [باب حب الأنصار]

    قوله: (بابُ حُبِّ الأَنْصَارِ): الحُبُّ؛ بضمِّ الحاء، وتشديد الموحَّدة، المصدر، وهذا ظاهرٌ جدًّا.

    ==========

    [ج 2 ص 42]

    (1/6991)

    [حديث: آية الإيمان حب الأنصار.]

    3784# قوله: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَبْرٍ): كذا في أصلنا، وعلى (عبد الله) الأولى (صح)، وفي الحاشية: (عبد الرحمن) عوض (عبد الله) الأوَّل، وعليها مكتوب: (أصل)، وهذه الترجمة لا أعلم فيها خلافًا أنَّها عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك الأنصاريُّ المدنيُّ، يروي عن أبيه، وجده لأمِّه عتيك بن الحارث، وعبد الله بن عمر، وأنس، وعنه: شعبة، ومسعر، ومالك، وجماعة، ضعَّفه ابن معين وغيره، قال ابن منجويه: أهل العراق تقول في جدِّه: جبر، ولا يصحُّ، إنَّما هو جابر، انتهى، أخرج له الجماعة، وليس له ترجمة في «الميزان» فيما وقفتُ عليه، وهو يلزمه، والله أعلم.

    قوله: (آيَةُ الإِيمَانِ)، وكذا (آيَةُ النِّفَاقِ): أي: علامته، وقد تَقَدَّم لأيِّ شيءٍ كان ذلك في أوَّل هذا التعليق.

    ==========

    [ج 2 ص 42]

    (1/6992)

    [باب قول النبي للأنصار: أنتم أحب الناس إلي]

    (1/6993)

    [حديث: اللهم أنتم من أحب الناس إلي]

    3785# قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ): تَقَدَّم مِرارًا أنَّه بفتح الميمين بينهما عينٌ ساكنة، وأنَّ اسمه عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجَّاج، وتَقَدَّم أيضًا (عَبْدُ الْوَارِثِ): أنَّه ابن سعيد أبو عُبيدة الحافظ، ومترجمًا، و (عَبْدُ الْعَزِيزِ): تَقَدَّم أنَّه ابن صهيب مترجمًا.

    [ج 2 ص 42]

    قوله: (مِنْ عُرسٍ): هو بإسكان الراء وضمِّها، معروف.

    قوله: (مُمْثلًا [1]): هو بضمِّ الميم الأولى، وإسكان الثانية، وكسر الثاء المثلَّثة وفتحها، قال ابن قُرقُول: (مُمْتِنًا): كذا في (كتاب النِّكاح) من «البُخاريِّ» عن مُتْقِني شيوخنا؛ ومعناه: طويلًا، وضبطه أبو ذرٍّ: (مُمْتَنًّا)، ورواه ابن السَّكن: (يمشي) بدلًا من (مُمْتَنًّا)، قال القاضي أبو الفضلِ: وهو تصحيفٌ، وذكره في (الفضائل) _يعني هنا_: (مُمْثِلًا)؛ بكسر الثاء؛ أي: منتصبًا، وضبطناه في «مسلم»: (مُمْثَلًا)؛ بفتح الثاء، قال الوقشيُّ: صوابه: (ممثلًا)؛ أي: قائمًا؛ وعند الجيَّاني: (مقبلًا)، وقد جاء في الرِّواية الأخرى: (فمَثُلَ قائمًا)، وهذا يُفسِّر كلَّ خلافٍ، انتهى، وقال ابن الأثير في (مثل): (فقام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُمْثلًا)؛ بكسر الثاء وفتحها؛ أي: منتصبًا قائمًا، هكذا شُرِح، وفيه نظرٌ من جهة التصريف، وفي رواية: (فمَثُل قائمًا) انتهى.

    ==========

    [1] في هامش (ق): (فائد: فتح الثاء أرجح).

    (1/6994)

    [حديث: والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي]

    3786# قوله: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ): هو بفتح الكاف، وكسر الثاء المُثلَّثة.

    قوله: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ): هذه المرأة لا أعرفها.

    قوله: (وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا): هذا الصَّبيُّ لا أعرفه أيضًا.

    ==========

    [ج 2 ص 43]

    (1/6995)

    [باب أتباع الأنصار]

    قوله: (بابُ أَتْبَاعِ الأَنْصَارِ): الأَتْبَاع؛ بفتح الهمزة، وسكون المثنَّاة فوق: جمع تَبَع، والتَّبَعُ أيضًا يكون واحدًا وجماعة، قال تعالى: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} [إبراهيم: 21].

    ==========

    [ج 2 ص 43]

    (1/6996)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقد أبطل الله كل طلاق سبق علي تنزيل طلاق سورة الطلاق 5هـ

  المقدمة الأولي /التفصيل القريب و الصواب في التفصيل الاتي 1= نزلت أحكام الطلاق في ثلاث سور قرانية أساسية تُشرِّع قواعده علي المُدرَّج ال...